آخر 10 مشاركات
ستظل .. عذرائي الأخيرة / للكاتبة ياسمين عادل ، مصرية (الكاتـب : لامارا - )           »          رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          161 - رد قلبي - ليزا هادلي .. ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          554 - حب بلا أمل - catheen west - د.م (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          نقطة، و سطر قديم!! (1) *مميزه و مكتملة*.. سلسلة حكايات في سطور (الكاتـب : eman nassar - )           »          الصقر (50) The Falcon للكاتب اسمر كحيل *كاملة* (الكاتـب : اسمر كحيل - )           »          [تحميل] انتقام أعمي ، للكاتبة/ عبير ضياء " مصريه " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > منتدى قلوب أحلام شرقية

Like Tree6Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-10-19, 01:38 PM   #991

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس طويل لعيونكم من الفصل القادم ..

#سينابون٢

=======

======
_إسلام! كنت فين ؟! ما بتردش على تليفونك ليه ؟!

تهتف بها ياقوت بلهفة قلقة وهي تفتح له باب شقتها ليروعها مظهره ..شعره المشعث ..منامته البيتية التي خرج بها ..عيناه المحمرتان بمزيج من غضب وألم ..وأخيراً هذا الجرح في مقدمة جبهته ..والذي أشارت إليه بسؤالها الجزع ليرد :

_حادثة بسيطة ..لبست في شجرة .
يقولها بنبرته المتهكمة التي تعرفها إنما بألم رهيب فاض بين حروفه لتفسح له الطريق هاتفة :
_نشوى كلمتني تسأل عليك ..
ثم صمتت لحظة لتردف بأسف:
_حكتلي اللي حصل ..قالتلي زعلتك وانت خرجت بسرعة ..

عيناه تتوهجان بغضب أعمى وهو يشعر بالدم يفور في عروقه ..لقد منع نفسه بالكاد من أن يخنقها بيديه بعدما تفوهت به ..
صفعة واحدة لم تكفه ..ودّ لو يلحقها بألف مثلها لعله يرد لها صفعتها لقلبه ..ولرجولته قبله .
_احكيلي حصل إيه ..الموضوع شكله مش خناقة عادية .

زفر زفرة ساخطة وهو يشعر بالنصل البارد يغرس في صدره من جديد ..
لقد غادر البيت بعد صفعته لها وقد عجز أن يواجهها أكثر ..
خاف على نفسه أن تجرحه بالمزيد ..
وربما خاف أن يؤذيها هو أكثر ..
طوال هذه الساعات من أول اليوم وهو يجوب الشوارع بلا هدف ..
يستعيد لحظات جمعته بها في جنة ساحرة بالأمس لم تلبث أن استحالت لجحيم مستعر !!
هذا الذي اكتوت به حروفه وهو يحكي لياقوت -ببعض التحفظ- عما كان لتستمع إليه صابرة قبل أن تقول بأسف:
_استعجلْت! ..بس ما أقدرش ألومك !
يكز على أسنانه بغضب وهو ينحني بجذعه ليطرق برأسه دون رد ..بينما هي تردف بنبرة عاتبة :
_هي لما اعترفت لك ماكانش قصدها تجرحك ..كانت خايفة تعيش نفس الإحساس تاني ..كانت قرفانة وهي شايفة نفسها خاينة ولو مع صورة في خيالها ..لو واحدة مش نضيفة كانت استحلت الموضوع وخبت عليك ..كانت اشترت راحة بالها وأمان بنتها بالسكوت ..
ثم صمتت لحظة لتردف :
_انت عارف كام حالة قابلتها رجالة وستات عايشين ومكملين مع شريك حياتهم بالخيال المريض ده ؟! ده واحد في مرة قاللي : يا دكتورة الخيال ده فاتح بيوت ، من غيره ما كنتش طقت أكمل ..فيه ناس عايشة كده ومش مستحرمة ولا حتى مكسوفة ..لكن هي لأنها مستقيمة وشخصيتها ماتعرفش لف ودوران فضّلت تعترف لك عشان توقف الغلط ده .

الصدمة تكسو ملامحه للحظات وهو يحاول رؤية الأمر من هذه الزاوية ..لتردف هي بالمزيد من الانفعال:
_بتلومها على إيه ؟! كأنك اتفاجأت مثلاً إنها بتحبه !! قلت لك إنها عايشة هوس اسمه ناصر ..واحدة من أقل من شهر كانت مهيئة نفسها تتجوز حب عمرها ..وفجأة ليلة الفرح تلاقي نفسها مراة واحد تاني ..ما بين خيبتها وكسوفها ..وكلام الناس اللي ما بيرحمش ..وقلقها على بنتها ..وإحساسها إنها تايهة ومش فاهمة حاجة ..بتهرب للشغل بتهلك نفسها فيه عشان تبين إنها لسة قوية ما اتكسرتش ..متخيل انت بقا إنها وسط كل ده لما تسمع منك كلمتين حلوين هتبتسم وتقفل باب الماضي؟! انت بجد فاكر الحكاية سهلة كده ؟!

_وجرحها ليّ هو اللي سهل؟!
يصرخ بها بغضب وهو يرفع رأسه نحوها لترد :
_لو جرحتك مرة فهي جرحت نفسها عشرة ..انت نفسك حكيتلي حالتها كانت عاملة إزاي لما صحيت وشفتها في البلكونة .

يغمض عينيه بألم وهو يستعيد مشهد ذراعها الدامي بتلك الخدوش وهذه الكدمة على مقدمة جبينها إزاء خبطه في الحائط ..
لتردف ياقوت وهي تعاود التربيت على ركبته :
_الوضع اللي انت فيه صعب أي راجل يقبله ..بس انت اخترت الطريق م الأول وهي ما كذبتش عليك ..وعموماً لو مش هتقدر تكمل محدش هيلومك ..بس حقيقي هتبقى كسرتها الكسرة اللي مالهاش جبر المرة دي وخيبت أملي فيك ..كفاية القلم اللي اديتهولها ده ..هيزود احساسها بالذل أكتر .

_يعني عايزاني أعمل إيه دلوقت ؟! أرجع وكأن مفيش حاجة حصلت !!
يسألها بانفعال ملوحاً بكفه فانفرجت شفتاها تهم بالرد عليه لولا أن رن هاتفها لتتلقفه بسرعة هاتفة :
_اتلبخت في الكلام معاك ونسيت أطمنها ..دي هتموت م القلق م الصبح ومحلفاني لو عرفت عنك حاجة أقوللها ..
ثم تفتح الاتصال لتقول بتماسك:
_أيوة يا نشوى ..هو جالي هنا ..

_هو كويس؟! هو كويس؟!
صراخها الهستيري يصله هو مكانه فينعقد حاجباه بشدة وملامح ياقوت تزداد قلقاً مع صراخ نشوى المتواصل بنفس العبارة لترد محاولة إيقاف هياجها الانفعالي:
_والله كويس ..جنبي اهه ..تكلميه ؟!
فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يبتعد برأسه رافضاً اقتراحها لكنه يسمع صوت الاتصال يغلق فجأة ..
فتنتفض ياقوت مكانها هاتفة بجزع:
_إسلام أنا مش مطمنة ..حالتها مش طبيعية خالص ..مادام وصلت إنها تأذي نفسها ممكن تعمل أي حاجة خصوصاٌ إن البنت كمان مش في البيت .

تتسع عيناه بارتياع وقلبه يغوص بين ضلوعه رعباً بينما ينتفض واقفاً فتدفعه ياقوت نحو الباب مردفة :
_لو مش هتقدر تبقى معاها وديها لأخوها بس ما تسيبهاش لوحدها دلوقت .
تشحب ملامحه والقلق ينتقل منها إليه ليهرول خارجاً قبل أن يستقل سيارته نحو البيت من جديد ..
يستعيد كلام ياقوت فيشعر أن رأسه يكاد ينفجر بهذا الصراع ..
رجولته وكرامته تأبيان عليه أن يعود إليها بعد ما كان ..
لكن قلقه عليها يفوقهما فيزيد من سرعة سيارته وهو يتذكر مشهد الدماء على ذراعها المخدوش ..
يصل أخيراً للبيت فيفتح الباب بسرعة ليتنهد بارتياح وهو يرى أشرف وريما التي اندفعت إليه هاتفة بمرحها المعهود :
_وحشتني ..ماجيتش خدتني بدري ليه ؟!
يحملها ليضمها إليه بقوة دافناً وجهه بين خصلات شعرها كأنه يدفن معه انفعالات الساعات السابقة ليسألها بصوت متحشرج بينما عيناه تبحثان خلفها خلسة عن نشوى:
_رجعتِ امتى؟!
_لسه جايبها دلوقت ..استغربت لما محدش فيكم كلمني م الصبح ..انتو ما صدقتم واللا إيه ؟!
يقولها أشرف بمرح بدا له مصطنعاً قبل أن يربت على ظهر ريما قائلاً :
_روحي المطبخ لماما شوفيها بتعمل إيه !
ولم يكد إسلام ينزلها أرضاً لتعدو نحو المطبخ حتى اقترب منه أشرف هامساً بقلق:
_نشوى مالها ؟! من ساعة ما فتحت لي الباب وشكلها غريب ..وكمان الكدمة اللي في وشها دي حكايتها ..

صرخة ريما العالية تقاطع حديثه فيعدو كلاهما نحو المطبخ ليروعهما المشهد ..
نشوى جالسة على الكرسي أمام مائدة المطبخ وذراعها أمامها غارق في بركة من الدماء !!
=======
_استر يارب! إيه كل الدم ده ؟! إيه اللي حصل؟!
يهتف بها أشرف بجزع وهو يتناول منشفة قريبة يكتم بها جرح ذراعها لكنها تبدو مشوشة تماماً وهي ترد بعينين زائغتين :
_بسيطة ..كنت ..بقطع تفاحة لريما .
_بتقطعي تفاحة بالسكينة دي؟!
يسألها باستنكار وهو يميز السكين الكبير جوارها والذي يستخدم عادة في تقطيع اللحوم لتهز رأسها بلا معنى وعيناها الزائغتان تبدوان وكأنهما لا تراهما ..

الرعب يجمد إسلام مكانه وهو يرى حالتها ..
إنها حتى لم تنتبه لوجوده ..!
جسدها كله يرتجف وشفتاها شاحبتان كالموتى ..
بكاء ريما ينتزعه من جموده فينحني ليحملها فيربت على ظهرها هامساً :
_ما تخافيش .
ثم يتحرك بها نحو أشرف الذي كان يتفحص راحة كف نشوى ليهتف هو بقلق:
_الجرح شكله مش سطحي ..تعال بسرعة ع المستشفى اللي جنبنا .

انتبه لشهقتها الخافتة عندما سمعت صوته كأنما تنبهت الآن فقط لوجوده ..لكنها لم ترفع عينيها نحوه ..
بقيتا زائغتين تدوران حولها كأنما تبحث عن شيئ ما ..
أو ..تهرب من شيئ ما !!

لم يدرِ كيف مرت بهم الدقائق القادمة وسط هذا الضجيج الذي كان يشوش على قلبه وروحه وهو يتأمل ملامحها التي بدت شاحبة مستسلمة ..
لم تكن تتأوه كأنما فقدت كل شعورها ..
لكنها ما كادت تغادر الغرفة حيث تم تخييط جرحها الغائر حتى بدت وكأنما عادت لها بعض الحياة ..
خاصة عندما مد أشرف يده يربت على كتفها قائلاً بإشفاق قلق:
_مالك يا نشوى؟! إيه اللي حصل ؟!

لترفع إليه عينين زائغتين جامدتين كملامحها للحظات ..
قبل أن ينهار كل هذا السد من التماسك وهي تلقي نفسها بين ذراعيه تهتف بين فيض دموعها التي سقطت أخيراً ..وهي تستعيد إحساسها بالألم ..كل الألم :
_خدني معاك بيت بابا يا أشرف ..هاسمع كلامك وهابطل عِند ..بس خدني أوضتي هناك وهاقفل عليا أنا وبنتي العمر كله .

الصدمة تكسو ملامح أشرف للحظات وعيناه تدمعان مع انهيارها العجيب على شخصية بطباعها المتمردة ..
هل هذه نشوى؟!
لم يتصور يوماٌ أن تخرج منها كلمات كهذه !!
إنها لم تنهر هكذا أيام طلاقها الأولى ..
ولا حتى ليلة خذلها ناصر ..
بل بقيت متصنعة القوة بردائها المتنمر الذي يعرفه ..
ما الذي كسرها هكذا ؟!!
إسلام؟!

يرفع إليه عينين متسائلتين باتهام صامت ليقف إسلام يجاهد نفسه كي لا يسحبها من حضن أخيها إلى صدره هو بعد انهيارها هذا..
والاتهام يتحول لتساؤل صامت كذلك يجيبه إسلام وهو يجد نفسه يتقدم منهما خطوة بريما التي يحملها هاتفاً بحزم :
_مش هيحصل ! ..مراتي مش هتبات بره بيتي ليلة واحدة .

هنا ترفع هي رأسها لتلتفت نحوه بحدة دون أن تجرؤ على النظر في عينيه وردّه يصدمها لأقصى درجة !
ألا يزال يريد الاستمرار في هذه الحرب الخاسرة ؟!
ألايزال هناك المزيد من المتسع للخيبة ..للخزي ..للإذلال ؟!!

_عشان خاطري يا أشرف ..عشان خاطري ..
تعاود الهتاف بها برجاء يدمي القلب وسط فيض دموعها وهي لا تتصور كيف ستواجه إسلام بعد ما كان بينهما ؟!
كيف سترفع عينيها في وجهه ؟!
لقد عاشت أسوأ حالاتها بعد رحيله عنها وهاجس مفزع من "شعورها المغالي بالذنب"يصور لها أنه سيؤذي نفسه بسببها ..
لماذا يفعل بنفسه وبها هذا ؟!
فليبتعد وليتركها لضلالها القديم !!

بينما وقف أشرف حائراً بينهما لا يعلم ماذا يفعل ..
حميته الطبيعية تتجه لشقيقته خاصة وهي بهذا الانهيار ..لكن نظرة لوجه إسلام تشي أنه ليس أفضل منها حالاً ..
هل عزْل هذين هو الحل؟!
أم أن دواء كل منهما في صاحبه ؟!
لتحسم ريما هذه الحيرة وهي تتعلق بعنق إسلام أكثر هاتفة :
_سيبنا مع بابا ..هو هياخد باله مننا احنا الاتنين .

_اسكتي خالص ..اسكتي .
تصرخ بها نشوى بانهيار وتعلق ابنتها المغالي به يزيد من مخاوفها ..
لكن أشرف يهتف أخيراً بحزم:
_هاروحك بيتك مع جوزك .
فتتسع عيناها بصدمة هاتفة :
_انت بتمنعني من بيت بابا ؟!
لكنه يكتنف كتفيها بقبضتيه قائلاً بحنان حازم:
_البيت مفتوح لك أي وقت ..بس الليلة دي بالذات انتِ هتروحي مع إسلام .

يقولها مستشعراً بحدسه أن إسلام وحده هو من يمكنه احتواء حالها الغريب هذا ..
خاصة وملامحها تزداد شحوباً بعدها وهي تبتعد عن مرمى ذراعيه لتعود عيناها لشرودهما الزائغ من جديد ..

_ياللا بينا عشان ريما خايفة .

يقولها إسلام عبر ملامحه الجامدة ليومئ أشرف له برأسه قبل أن يغادر جميعهم المشفى نحو سيارة الأخير الذي بقي يراقب صمتهما طوال الطريق بقلق ..
ولم يكد يصل بهما للبيت حتى هتف بريما :
_ادخلي أوضتك مع مامي ..عايز بابا في كلام كبار .

فترمق الصغيرة إسلام بنظرة خائفة لكنه ينحني ليقبل وجنتها فيقول مطمئناً :
_هنتفرج على فيلم لما خالو يمشي ..هيعجبك قوي!

فتبتسم الصغيرة وهي تعاود النظر لأمها التي لاتزال في حالها الغريب والتي أمسكت كفها لتختفيا معاً في الغرفة المجاورة ..

_مش هسألك نشوى مالها ..اللي مرت بيه طول الأيام اللي فاتت مش هين ..بس هسألك سؤال راجل لراجل ومش هاطلب منك تفاصيل ..
يقولها أشرف بحزم وعيناه ترصدان كل انفعالات وجه إسلام الذي بدا له غاضباً كما لم يره من قبل ..

_انت ندمان ؟! عايز ترجع في الجوازة دي؟!

يكز إسلام على أسنانه صامتاً وهو يشيح بوجهه ..
فتشتد ملامح أشرف أكثر مع استطراده :
_أنا رجّعتها معاك لما لقيتك مُصرّ لكن لو مش قادر تستحملها فأنا ماأقدرش ..
_أنا بحبها .
يقاطع بها إسلام حديثه بصوت متحشرج ولايزال مشيحاً بوجهه ومجرد ذكر فراقها يعيده لسجن خوف لم يعرفه من قبل بهذه الضراوة ..
لترتخي ملامح أشرف نوعاً وهو يختار الصمت للحظات ..
قبل أن يختم حديثهما بقوله :
_مش هسألك عن خصوصياتكم بس موقفك ده كبّرك في عيني أكتر ..خدها نصيحة من واحد كان قرب خلاص يخسر كل حاجة وقصاد لحظة إيمان من حبيبته رجعت له الدنيا كلها ..الأزمات هي اللي بتبين الحب الحقيقي ..يااما بتمحيه يااما بتثبته أكثر ..
======
_ياللا يا مامي عشان خاطري ..قومي ..
تهتف بها ريما بإلحاح فتحاول الرفض مرة تلو مرة لكن الصغيرة تبكي هاتفة :
_ماشفتكيش النهارده كله ..وخايفة أسيبك لوحدك تتعوري تاني ..عشان خاطري قومي شوفي معانا الفيلم .

فتلتفت نحوها من شرودها ليخز قلبها مشهد الصغيرة التي لا ذنب لها في كل هذا ..
والتي لا تدري كيف سيكون مصيرها بعد اليوم!
سيطلقها !
أي رجل سيحتملها بعد ما قالته ؟!!
ربما خجل أن يفعلها اليوم أمام أشرف بعد إصابتها ..
لكنه سيفعلها لاريب !!
فلتدع الصغيرة تتنعم بما بقي لها من أيام معه ..
أما هي ..فقد انتهت على أي حال !

تتحرك كالدمية بآلية متخشبة الملامح وبقايا دموع متجمدة على وجنتيها تزيد الصورة بؤساً..
لا تستطيع رفع عينيها إليه خزياً والذل يبسط غلالته على وجهها ..
تتخذ مكانها المعهود جواره لتتحفز جلستها وهي تراه يمد ذراعه كالعادة ..
إنما ليحتضن ريما فحسب !
حركة بسيطة إنما تلقتها روحها ك"صفعة" أخرى!
هل كانت تتوقع أن يفعلها هذه المرة أيضاً ؟!
لا ..
لكنها فقط ازدادت خزياً وهي تشعر بالمزيد من النبذ ..
تراقب جرح يدها بشرود وهي تشعر بالرعب أنها لا تتذكر كيف أصيبت ..
هل حاولت الانتحار؟!
هل أصابها الجنون ؟!
ومنذ متى لم يصبها ؟!
هي مفقودة منذ عمر ..
سقطت ولاتزال تسقط ..!

شرودها يبتلعها بعدها لساعة كاملة حتى تنتبه لاستسلام الصغيرة للنوم لتراه يقف ليحملها نحو غرفتهما يضعها في فراشها قبل أن يغادر الغرفة دون نظرة واحدة لها ..
لكن هل تملك هي جرأة النظر إليه ؟!
آآآه !
ليتها تملك أن ترجم نفسها حتى الموت ربما وقتها ينتهي كل هذا العذاب ..

وفي الغرفة الأخرى كان هو جالساً على الفراش مطرقاً برأسه ..
لقد تماسك طيلة الساعات السابقة لكنه يود الآن لو يستسلم لانهياره ..
لو ينسى غضبه ..
خذلانه ..
جرحه ..
ورعبه وهو يرى دماءها تنزف حولها وهي لا تشعر!!
يستعيد كلمات ياقوت فيسأل نفسه ..
هل يمكنه حقاً أن يحتمل وضعاً كهذا ؟!
ويستعيد تشبث ريما به فيسأل أيضاً ..
هل يمكنه التراجع ؟!

يزفر زفرة مشبعة بعذابه وهو يلتفت برأسه نحو جانب الفراش الذي تلمسته أنامله ببطء ..
هاهنا كانت بالأمس بين ذراعيه لينهل من رحيق أنوثتها كيف شاء ..
لقد تعجب استسلامها السريع ..
الغافل لم يكن يعلم أنها لا تراه هو!!

الدماء تفور في عروقه عند الخاطر الأخير فيضم قبضته جواره بقوة وهو يهم بمغادرة البيت من جديد كي لا يرتكب ما يندم عليه ..
لكن خاطراً مفاجئاً يجتاحه ليصرف تفكيره لزاوية أخرى ..
لقد بدت له بالأمس -عديمة الخبرة تماماً- كأن لم يسبق لها زواج !!
كيف كانت علاقتها بزوجها السابق إذن ؟!
هل كانت تتخيله ناصر كذلك ؟!
لماذا إذن ..؟!

أفكاره تنقطع لتتجمد تماماً وهو يراها تقترب ..
مكتفة ذراعيها مطرقة الرأس بخزي عزّ عليه أن يجتاح ملامحها التي طالما عشق عنفوانها ..
تجلس جواره على مسافة مناسبة ليميز ارتجافة جسدها التي لا تهدأ ..

يشيح بوجهه وكل ما فيه -سواه- إليها يلتفت !!

يسمعها تقول بنبرة مرتجفة نال منها الخزي كما نال من بقية ملامحها :
_هتعمل إيه ؟!
صمته الثقيل يقف بينهما بعد سؤالها ..لتردف بخفوت :
_هتسيب ريما ؟!
فتختلج عضلة فكه وهو يمنع نفسه من النظر إليها ليقول بخشونة جافة :
_وعدتك مش هاسيب ..
ثم يقطع عبارته رغماً عنه ليصمت لحظة سبقت قوله :
_مش هاسيبها !

تغمض عينيها بقوة كأنما تلقت منه صفعة ثالثة !
كان يقولها "مش هاسيبكم" والآن صارت "مش هاسيبها" !
حسناً ..في النهاية لا يصح إلا الصحيح وهي لم تكن ترجو منه تفهماً أكبر !

_أنا معاك في أي قرار هتاخده ..لو عايز تطلقني ..أو حتى تتجوز تاني ..بس ليا عندك طلب ..

لم يغير جلسته ولم يقوَ على النظر نحوها ..
كل ما فيه الآن كان يشتعل ناراً يحترق داخلها وحده ..
ويزيد "خزيها الذليل" هذا من تأججها !

_مش عايزة أشرف يعرف حاجة ..أنا مش هاقدر ..

عبارتها تنقطع بغصة في حلقها لكنها تمسك دموعها عن السقوط فترتجف شفتاها بقوة ليجد هو بعض القوة أخيراً فيلتفت نحو وجهها الذي أطرقت به ..

_هو أنا شكلي باين عليه إني بطلع أسرار بيتي بره ؟!

يقولها بنفس الخشونة المريرة وهو يشعر ببعض الذنب من إسراره لياقوت بأمرها لكنه طلب رأيها كطبيبة خاصة وقد بدأت نشوى بمكالمتها ..

_شكراً .
تهمس بها بنفس الخزي الذليل وهي لا تجد ما تقوله بعد ..
الآن تعود لغرفتها الآمنة فتغلقها عليها ..
ساعتها فقط قد تجد بعض الراحة .

تنهض لتقف فتترنح مكانها لكنه كان عاجزاً عن مد يده نحوها ..
لن يستطيع أن يمسها بعد الآن!
عيناها لا تزالان عاجزتين عن مقابلة نظراته لكن عينيه كانتا تتفحصان ملامحها بمزيج من غضب وإشفاق ..
تتوقفان قليلاً عند جرح شفتيها الصغير الذي نالها من صفعته فيشعر بوخزة في صدره ..
تنتقلان لكدمة جبينها ثم لجرح يدها فيهتف بها فجأة بنفس الخشونة :
_باب الأوضة ما يتقفلش عليكِ انت وريما .

تتوقف مكانها للحظة وقد صدمها أمره ..
بقايا من طبيعتها المتنمرة تستفزها لترد بعناد ..
لكن "الخزي الذليل"الذي صار سيد ملامحها يجعلها تتخلى حتى عن أمانها المؤقت ..
فتومئ برأسها دون رد ..

_وما تخافيش ..مش هالمسك تاني عشان ماتحسيش إنك خاينة !

تتلقاها على صفحة وجه كبريائها ك"صفعة رابعة" فيزداد ارتجاف شفتيها مع تكاثف الدموع في عينيها ..
قدماها تسحبانها بعيداً للمزيد من الهروب ..
لكنها تجده أمامها فجأة فتغمض عينيها بقوة عاجزة عن مواجهة "عارها" في نظراته ..

_سؤال أخير ..وأفتكر مش هتكدبي عليا فيه ؟!
يقولها بنفس الخشونة وهو يقاوم نفسه بشق الأنفس أن يضم جسدها الذي يكاد يسقط مكانه من فرط ما يرتجف ..
لتهز رأسها دون أن تفتح عينيها ..

_جوزك السابق كنتِ بتتخيليه ناصر برضه ؟!

هنا تفتح عينيها فجأة لتنفرج شفتاها بصدمة ..
وكأنما الجواب يمنحها "الصفعة الخامسة "!!

_لأ!
تقولها بنفس "الخزي الذليل"وهي تهز رأسها نفياً ليعاود سؤالها بنفس النبرة :
_واشمعنا أنا ؟!
_مش عارفة .
تهمس بها بصوت يكاد لا يسمع فتلتوي شفتاه بشبه ابتسامة لم ترها في غمرة إطراقها الذليل قبل أن يرد :
_بس أنا عارف .

هنا تعجز عن المزيد من التماسك فتفلت منها شهقة عالية سبقت فيضاً من الدموع أغرق وجهها لتعدو هاربة من أمامه نحو منفاها بالشرفة التي أغلقت بابها خلفها بعنف ..
فيعقد حاجبيه وهو يسبها سراً ..
الجبانة تهرب من جديد !!
تهرب من كل فكرة تقربها لإدراك قيمته الحقيقية عندها !!
يلحق بها ليراقبها عبر الخطوط العرضية لباب الشرفة مخافة أن تؤذي نفسها من جديد ..
يراها تتكور على نفسها في وضع الجنين وجسدها ينتفض بنحيب مرتفع فيقبض كفيه جواره بقوة وهو يعض شفته السفلى بعنف كاد يدميها ..
مزيج من الغضب والعجز يذيقه مرارة لم يعرفها من قبل في حياته ..
لو استسلم لنداء قلبه لهرع إليها يحتوي دموعها هذه على صدره فيطمئنها أنه لن يبرح حتى يبلغ معها عنان العشق ..
لكن رجولته المهدورة ..كبرياءه الجريح ..يقفان حائلاً بينهما ..
قدره أن يتعذب بها ولها ..
فمن هو كي يعاند قدره ؟!
======




نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 02:22 PM   #992

jadbalilo

? العضوٌ??? » 394100
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » jadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond reputejadbalilo has a reputation beyond repute
افتراضي

شكراااااااا جزيلااااااا
مفاجأة رائعة سعدت بها جدا أن أجد الاقتباس لقراءته خصوصا وأنه يخص إسلام ونشوى أتساءل كيف ستتحسن الحال بينهما وكل هذه العقد حولهما وإسلام حبيبنا يستحق أن تقع نشوى في غرامه
😘😘😍😍😍👍👍


jadbalilo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:40 PM   #993

الوفى طبعي الوفى

نجم روايتي ومُحيي عبق روايتي الأصيل

 
الصورة الرمزية الوفى طبعي الوفى

? العضوٌ??? » 375323
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 1,359
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
?  نُقآطِيْ » الوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond reputeالوفى طبعي الوفى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قدره أن يتعذب بها ولها ..

الوفى طبعي الوفى غير متواجد حالياً  
التوقيع
تمردت على قلبي وتنكرت لمشاعري... فأنا رجل له ماض.. وان صدف ان سمعتني اناديك بفاتنتي فاهربي, فتلك ستكون لحظة انهياري..

[imgr][/imgr]

[imgl][/imgl]
رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 10:18 PM   #994

المشاغبة

? العضوٌ??? » 406852
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 446
?  نُقآطِيْ » المشاغبة is on a distinguished road
افتراضي

ربنا يسعدك و يعطيك العافيه 🌹

المشاغبة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-19, 10:24 PM   #995

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
Rewitysmile23

تسجيل حضووور في انتظار فصل الليلة ان شاء الله

**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 17-10-19, 11:29 PM   #996

مريم المقدسيه

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية مريم المقدسيه

? العضوٌ??? » 319925
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 567
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond reputeمريم المقدسيه has a reputation beyond repute
?? ??? ~
سبحان الله وبحمدة سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تسجيل حضووووووور

مريم المقدسيه غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين

رد مع اقتباس
قديم 18-10-19, 12:09 AM   #997

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

القطعة السابعة والعشرون
======
_إسلام! كنت فين ؟! ما بتردش على تليفونك ليه ؟!

تهتف بها ياقوت بلهفة قلقة وهي تفتح له باب شقتها ليروعها مظهره ..شعره المشعث ..منامته البيتية التي خرج بها ..عيناه المحمرتان بمزيج من غضب وألم ..وأخيراً هذا الجرح في مقدمة جبهته ..والذي أشارت إليه بسؤالها الجزع ليرد :

_حادثة بسيطة ..لبست في شجرة .
يقولها بنبرته المتهكمة التي تعرفها إنما بألم رهيب فاض بين حروفه لتفسح له الطريق هاتفة :
_نشوى كلمتني تسأل عليك ..
ثم صمتت لحظة لتردف بأسف:
_حكتلي اللي حصل ..قالتلي زعلتك وانت خرجت بسرعة ..

عيناه تتوهجان بغضب أعمى وهو يشعر بالدم يفور في عروقه ..لقد منع نفسه بالكاد من أن يخنقها بيديه بعدما تفوهت به ..
صفعة واحدة لم تكفه ..ودّ لو يلحقها بألف مثلها لعله يرد لها صفعتها لقلبه ..ولرجولته قبله .
_احكيلي حصل إيه ..الموضوع شكله مش خناقة عادية .

زفر زفرة ساخطة وهو يشعر بالنصل البارد يغرس في صدره من جديد ..
لقد غادر البيت بعد صفعته لها وقد عجز أن يواجهها أكثر ..
خاف على نفسه أن تجرحه بالمزيد ..
وربما خاف أن يؤذيها هو أكثر ..
طوال هذه الساعات من أول اليوم وهو يجوب الشوارع بلا هدف ..
يستعيد لحظات جمعته بها في جنة ساحرة بالأمس لم تلبث أن استحالت لجحيم مستعر !!
هذا الذي اكتوت به حروفه وهو يحكي لياقوت -ببعض التحفظ- عما كان لتستمع إليه صابرة قبل أن تقول بأسف:
_استعجلْت! ..بس ما أقدرش ألومك !
يكز على أسنانه بغضب وهو ينحني بجذعه ليطرق برأسه دون رد ..بينما هي تردف بنبرة عاتبة :
_هي لما اعترفت لك ماكانش قصدها تجرحك ..كانت خايفة تعيش نفس الإحساس تاني ..كانت قرفانة وهي شايفة نفسها خاينة ولو مع صورة في خيالها ..لو واحدة مش نضيفة كانت استحلت الموضوع وخبت عليك ..كانت اشترت راحة بالها وأمان بنتها بالسكوت ..
ثم صمتت لحظة لتردف :
_انت عارف كام حالة قابلتها رجالة وستات عايشين ومكملين مع شريك حياتهم بالخيال المريض ده ؟! ده واحد في مرة قاللي : يا دكتورة الخيال ده فاتح بيوت ، من غيره ما كنتش طقت أكمل ..فيه ناس عايشة كده ومش مستحرمة ولا حتى مكسوفة ..لكن هي لأنها مستقيمة وشخصيتها ماتعرفش لف ودوران فضّلت تعترف لك عشان توقف الغلط ده .

الصدمة تكسو ملامحه للحظات وهو يحاول رؤية الأمر من هذه الزاوية ..لتردف هي بالمزيد من الانفعال:
_بتلومها على إيه ؟! كأنك اتفاجأت مثلاً إنها بتحبه !! قلت لك إنها عايشة هوس اسمه ناصر ..واحدة من أقل من شهر كانت مهيئة نفسها تتجوز حب عمرها ..وفجأة ليلة الفرح تلاقي نفسها مراة واحد تاني ..ما بين خيبتها وكسوفها ..وكلام الناس اللي ما بيرحمش ..وقلقها على بنتها ..وإحساسها إنها تايهة ومش فاهمة حاجة ..بتهرب للشغل بتهلك نفسها فيه عشان تبين إنها لسة قوية ما اتكسرتش ..متخيل انت بقا إنها وسط كل ده لما تسمع منك كلمتين حلوين هتبتسم وتقفل باب الماضي؟! انت بجد فاكر الحكاية سهلة كده ؟!

_وجرحها ليّ هو اللي سهل؟!
يصرخ بها بغضب وهو يرفع رأسه نحوها لترد :
_لو جرحتك مرة فهي جرحت نفسها عشرة ..انت نفسك حكيتلي حالتها كانت عاملة إزاي لما صحيت وشفتها في البلكونة .

يغمض عينيه بألم وهو يستعيد مشهد ذراعها الدامي بتلك الخدوش وهذه الكدمة على مقدمة جبينها إزاء خبطه في الحائط ..
لتردف ياقوت وهي تعاود التربيت على ركبته :
_الوضع اللي انت فيه صعب أي راجل يقبله ..بس انت اخترت الطريق م الأول وهي ما كذبتش عليك ..وعموماً لو مش هتقدر تكمل محدش هيلومك ..بس حقيقي هتبقى كسرتها الكسرة اللي مالهاش جبر المرة دي وخيبت أملي فيك ..كفاية القلم اللي اديتهولها ده ..هيزود احساسها بالذل أكتر .

_يعني عايزاني أعمل إيه دلوقت ؟! أرجع وكأن مفيش حاجة حصلت !!
يسألها بانفعال ملوحاً بكفه فانفرجت شفتاها تهم بالرد عليه لولا أن رن هاتفها لتتلقفه بسرعة هاتفة :
_اتلبخت في الكلام معاك ونسيت أطمنها ..دي هتموت م القلق م الصبح ومحلفاني لو عرفت عنك حاجة أقوللها ..
ثم تفتح الاتصال لتقول بتماسك:
_أيوة يا نشوى ..هو جالي هنا ..

_هو كويس؟! هو كويس؟!
صراخها الهستيري يصله هو مكانه فينعقد حاجباه بشدة وملامح ياقوت تزداد قلقاً مع صراخ نشوى المتواصل بنفس العبارة لترد محاولة إيقاف هياجها الانفعالي:
_والله كويس ..جنبي اهه ..تكلميه ؟!
فيزداد انعقاد حاجبيه وهو يبتعد برأسه رافضاً اقتراحها لكنه يسمع صوت الاتصال يغلق فجأة ..
فتنتفض ياقوت مكانها هاتفة بجزع:
_إسلام أنا مش مطمنة ..حالتها مش طبيعية خالص ..مادام وصلت إنها تأذي نفسها ممكن تعمل أي حاجة خصوصاٌ إن البنت كمان مش في البيت .

تتسع عيناه بارتياع وقلبه يغوص بين ضلوعه رعباً بينما ينتفض واقفاً فتدفعه ياقوت نحو الباب مردفة :
_لو مش هتقدر تبقى معاها وديها لأخوها بس ما تسيبهاش لوحدها دلوقت .
تشحب ملامحه والقلق ينتقل منها إليه ليهرول خارجاً قبل أن يستقل سيارته نحو البيت من جديد ..
يستعيد كلام ياقوت فيشعر أن رأسه يكاد ينفجر بهذا الصراع ..
رجولته وكرامته تأبيان عليه أن يعود إليها بعد ما كان ..
لكن قلقه عليها يفوقهما فيزيد من سرعة سيارته وهو يتذكر مشهد الدماء على ذراعها المخدوش ..
يصل أخيراً للبيت فيفتح الباب بسرعة ليتنهد بارتياح وهو يرى أشرف وريما التي اندفعت إليه هاتفة بمرحها المعهود :
_وحشتني ..ماجيتش خدتني بدري ليه ؟!
يحملها ليضمها إليه بقوة دافناً وجهه بين خصلات شعرها كأنه يدفن معه انفعالات الساعات السابقة ليسألها بصوت متحشرج بينما عيناه تبحثان خلفها خلسة عن نشوى:
_رجعتِ امتى؟!
_لسه جايبها دلوقت ..استغربت لما محدش فيكم كلمني م الصبح ..انتو ما صدقتم واللا إيه ؟!
يقولها أشرف بمرح بدا له مصطنعاً قبل أن يربت على ظهر ريما قائلاً :
_روحي المطبخ لماما شوفيها بتعمل إيه !
ولم يكد إسلام ينزلها أرضاً لتعدو نحو المطبخ حتى اقترب منه أشرف هامساً بقلق:
_نشوى مالها ؟! من ساعة ما فتحت لي الباب وشكلها غريب ..و الكدمة اللي في وشها..وانت كمان شكلك ..

صرخة ريما العالية تقاطع حديثه فيعدو كلاهما نحو المطبخ ليروعهما المشهد ..
نشوى جالسة على الكرسي أمام مائدة المطبخ وذراعها أمامها غارق في بركة من الدماء !!
=======
_استر يارب! إيه كل الدم ده ؟! إيه اللي حصل؟!
يهتف بها أشرف بجزع وهو يتناول منشفة قريبة يكتم بها جرح يدها لكنها تبدو مشوشة تماماً وهي ترد بعينين زائغتين :
_بسيطة ..كنت ..بقطع تفاحة لريما .
_بتقطعي تفاحة بالسكينة دي؟!
يسألها باستنكار وهو يميز السكين الكبير جوارها والذي يستخدم عادة في تقطيع اللحوم لتهز رأسها بلا معنى وعيناها الزائغتان تبدوان وكأنهما لا تراهما ..

الرعب يجمد إسلام مكانه وهو يرى حالتها ..
إنها حتى لم تنتبه لوجوده ..!
جسدها كله يرتجف وشفتاها شاحبتان كالموتى ..
بكاء ريما ينتزعه من جموده فينحني ليحملها فيربت على ظهرها هامساً :
_ما تخافيش .
ثم يتحرك بها نحو أشرف الذي كان يتفحص راحة كف نشوى ليهتف هو بقلق:
_الجرح شكله مش سطحي ..تعال بسرعة ع المستشفى اللي جنبنا .

انتبه لشهقتها الخافتة عندما سمعت صوته كأنما تنبهت الآن فقط لوجوده ..لكنها لم ترفع عينيها نحوه ..
بقيتا زائغتين تدوران حولها كأنما تبحث عن شيئ ما ..
أو ..تهرب من شيئ ما !!

لم يدرِ كيف مرت بهم الدقائق القادمة وسط هذا الضجيج الذي كان يشوش على قلبه وروحه وهو يتأمل ملامحها التي بدت شاحبة مستسلمة ..
لم تكن تتأوه كأنما فقدت كل شعورها ..
لكنها ما كادت تغادر الغرفة حيث تم تخييط جرحها الغائر حتى بدت وكأنما عادت لها بعض الحياة ..
خاصة عندما مد أشرف يده يربت على كتفها قائلاً بإشفاق قلق:
_مالك يا نشوى؟! إيه اللي حصل ؟!

لترفع إليه عينين زائغتين جامدتين كملامحها للحظات ..
قبل أن ينهار كل هذا السد من التماسك وهي تلقي نفسها بين ذراعيه تهتف بين فيض دموعها التي سقطت أخيراً ..وهي تستعيد إحساسها بالألم ..كل الألم :
_خدني معاك بيت بابا يا أشرف ..هاسمع كلامك وهابطل عِند ..بس خدني أوضتي هناك وهاقفل عليا أنا وبنتي العمر كله .

الصدمة تكسو ملامح أشرف للحظات وعيناه تدمعان مع انهيارها العجيب على شخصية بطباعها المتمردة ..
هل هذه نشوى؟!
لم يتصور يوماٌ أن تخرج منها كلمات كهذه !!
إنها لم تنهر هكذا أيام طلاقها الأولى ..
ولا حتى ليلة خذلها ناصر ..
بل بقيت متصنعة القوة بردائها المتنمر الذي يعرفه ..
ما الذي كسرها هكذا ؟!!
إسلام؟!

يرفع إليه عينين متسائلتين باتهام صامت ليقف إسلام يجاهد نفسه كي لا يسحبها من حضن أخيها إلى صدره هو بعد انهيارها هذا..
والاتهام يتحول لتساؤل صامت كذلك يجيبه إسلام وهو يجد نفسه يتقدم منهما خطوة بريما التي يحملها هاتفاً بحزم :
_مش هيحصل ! ..مراتي مش هتبات بره بيتي ليلة واحدة .

هنا ترفع هي رأسها لتلتفت نحوه بحدة دون أن تجرؤ على النظر في عينيه وردّه يصدمها لأقصى درجة !
ألا يزال يريد الاستمرار في هذه الحرب الخاسرة ؟!
ألايزال هناك المزيد من المتسع للخيبة ..للخزي ..للإذلال ؟!!

_عشان خاطري يا أشرف ..عشان خاطري ..
تعاود الهتاف بها برجاء يدمي القلب وسط فيض دموعها وهي لا تتصور كيف ستواجه إسلام بعد ما كان بينهما ؟!
كيف سترفع عينيها في وجهه ؟!
لقد عاشت أسوأ حالاتها بعد رحيله عنها وهاجس مفزع من "شعورها المغالي بالذنب"يصور لها أنه سيؤذي نفسه بسببها ..
لماذا يفعل بنفسه وبها هذا ؟!
فليبتعد وليتركها لضلالها القديم !!

بينما وقف أشرف حائراً بينهما لا يعلم ماذا يفعل ..
حميته الطبيعية تتجه لشقيقته خاصة وهي بهذا الانهيار ..لكن نظرة لوجه إسلام تشي أنه ليس أفضل منها حالاً ..
هل عزْل هذين هو الحل؟!
أم أن دواء كل منهما في صاحبه ؟!
لتحسم ريما هذه الحيرة وهي تتعلق بعنق إسلام أكثر هاتفة :
_سيبنا مع بابا ..هو هياخد باله مننا احنا الاتنين .

_اسكتي خالص ..اسكتي .
تصرخ بها نشوى بانهيار وتعلق ابنتها المغالي به يزيد من مخاوفها ..
لكن أشرف يهتف أخيراً بحزم:
_هاروحك بيتك مع جوزك .
فتتسع عيناها بصدمة هاتفة :
_انت بتمنعني من بيت بابا ؟!
لكنه يكتنف كتفيها بقبضتيه قائلاً بحنان حازم:
_البيت مفتوح لك أي وقت ..بس الليلة دي بالذات انتِ هتروحي مع إسلام .

يقولها مستشعراً بحدسه أن إسلام وحده هو من يمكنه احتواء حالها الغريب هذا ..
خاصة وملامحها تزداد شحوباً بعدها وهي تبتعد عن مرمى ذراعيه لتعود عيناها لشرودهما الزائغ من جديد ..

_ياللا بينا عشان ريما خايفة .

يقولها إسلام عبر ملامحه الجامدة ليومئ أشرف له برأسه قبل أن يغادر جميعهم المشفى نحو سيارة الأخير الذي بقي يراقب صمتهما طوال الطريق بقلق ..
ولم يكد يصل بهما للبيت حتى هتف بريما :
_ادخلي أوضتك مع مامي ..عايز بابا في كلام كبار .

فترمق الصغيرة إسلام بنظرة خائفة لكنه ينحني ليقبل وجنتها فيقول مطمئناً :
_هنتفرج على فيلم لما خالو يمشي ..هيعجبك قوي!

فتبتسم الصغيرة وهي تعاود النظر لأمها التي لاتزال في حالها الغريب والتي أمسكت كفها لتختفيا معاً في الغرفة المجاورة ..

_مش هسألك نشوى مالها ..اللي مرت بيه طول الأيام اللي فاتت مش هين ..بس هسألك سؤال راجل لراجل ومش هاطلب منك تفاصيل ..
يقولها أشرف بحزم وعيناه ترصدان كل انفعالات وجه إسلام الذي بدا له غاضباً كما لم يره من قبل ..

_انت ندمان ؟! عايز ترجع في الجوازة دي؟!

يكز إسلام على أسنانه صامتاً وهو يشيح بوجهه ..
فتشتد ملامح أشرف أكثر مع استطراده :
_أنا رجّعتها معاك لما لقيتك مُصرّ لكن لو مش قادر تستحملها فأنا ماأقدرش ..
_أنا بحبها .
يقاطع بها إسلام حديثه بصوت متحشرج ولايزال مشيحاً بوجهه ومجرد ذكر فراقها يعيده لسجن خوف لم يعرفه من قبل بهذه الضراوة ..
لترتخي ملامح أشرف نوعاً وهو يختار الصمت للحظات ..
قبل أن يختم حديثهما بقوله :
_مش هسألك عن خصوصياتكم بس موقفك ده كبّرك في عيني أكتر ..خدها نصيحة من واحد كان قرب خلاص يخسر كل حاجة وقصاد لحظة إيمان من حبيبته رجعت له الدنيا كلها ..الأزمات هي اللي بتبين الحب الحقيقي ..يااما بتمحيه يااما بتثبته أكثر .
======
_ياللا يا مامي عشان خاطري ..قومي ..
تهتف بها ريما بإلحاح فتحاول الرفض مرة تلو مرة لكن الصغيرة تبكي هاتفة :
_ماشفتكيش النهارده كله ..وخايفة أسيبك لوحدك تتعوري تاني ..عشان خاطري قومي شوفي معانا الفيلم .

فتلتفت نحوها من شرودها ليخز قلبها مشهد الصغيرة التي لا ذنب لها في كل هذا ..
والتي لا تدري كيف سيكون مصيرها بعد اليوم!
سيطلقها !
أي رجل سيحتملها بعد ما قالته ؟!!
ربما خجل أن يفعلها اليوم أمام أشرف بعد إصابتها ..
لكنه سيفعلها لاريب !!
فلتدع الصغيرة تتنعم بما بقي لها من أيام معه ..
أما هي ..فقد انتهت على أي حال !

تتحرك كالدمية بآلية متخشبة الملامح وبقايا دموع متجمدة على وجنتيها تزيد الصورة بؤساً..
لا تستطيع رفع عينيها إليه خزياً والذل يبسط غلالته على وجهها ..
تتخذ مكانها المعهود جواره لتتحفز جلستها وهي تراه يمد ذراعه كالعادة ..
إنما ليحتضن ريما فحسب !
حركة بسيطة إنما تلقتها روحها ك"صفعة" أخرى!
هل كانت تتوقع أن يفعلها هذه المرة أيضاً ؟!
لا ..
لكنها فقط ازدادت خزياً وهي تشعر بالمزيد من النبذ ..
تراقب جرح يدها بشرود وهي تشعر بالرعب أنها لا تتذكر كيف أصيبت ..
هل حاولت الانتحار؟!
هل أصابها الجنون ؟!
ومنذ متى لم يصبها ؟!
هي مفقودة منذ عمر ..
سقطت ولاتزال تسقط ..!

شرودها يبتلعها بعدها لساعة كاملة حتى تنتبه لاستسلام الصغيرة للنوم لتراه يقف ليحملها نحو غرفتهما يضعها في فراشها قبل أن يغادر الغرفة دون نظرة واحدة لها ..
لكن هل تملك هي جرأة النظر إليه ؟!
آآآه !
ليتها تملك أن ترجم نفسها حتى الموت ربما وقتها ينتهي كل هذا العذاب ..

وفي الغرفة الأخرى كان هو جالساً على الفراش مطرقاً برأسه ..
لقد تماسك طيلة الساعات السابقة لكنه يود الآن لو يستسلم لانهياره ..
لو ينسى غضبه ..
خذلانه ..
جرحه ..
ورعبه وهو يرى دماءها تنزف حولها وهي لا تشعر!!
يستعيد كلمات ياقوت فيسأل نفسه ..
هل يمكنه حقاً أن يحتمل وضعاً كهذا ؟!
ويستعيد تشبث ريما به فيسأل أيضاً ..
هل يمكنه التراجع ؟!

يزفر زفرة مشبعة بعذابه وهو يلتفت برأسه نحو جانب الفراش الذي تلمسته أنامله ببطء ..
هاهنا كانت بالأمس بين ذراعيه لينهل من رحيق أنوثتها كيف شاء ..
لقد تعجب استسلامها السريع ..
الغافل لم يكن يعلم أنها لا تراه هو!!

الدماء تفور في عروقه عند الخاطر الأخير فيضم قبضته جواره بقوة وهو يهم بمغادرة البيت من جديد كي لا يرتكب ما يندم عليه ..
لكن خاطراً مفاجئاً يجتاحه ليصرف تفكيره لزاوية أخرى ..
لقد بدت له بالأمس -عديمة الخبرة تماماً- كأن لم يسبق لها زواج !!
كيف كانت علاقتها بزوجها السابق إذن ؟!
هل كانت تتخيله ناصر كذلك ؟!
لماذا إذن ..؟!

أفكاره تنقطع لتتجمد تماماً وهو يراها تقترب ..
مكتفة ذراعيها مطرقة الرأس بخزي عزّ عليه أن يجتاح ملامحها التي طالما عشق عنفوانها ..
تجلس جواره على مسافة مناسبة ليميز ارتجافة جسدها التي لا تهدأ ..

يشيح بوجهه وكل ما فيه -سواه- إليها يلتفت !!

يسمعها تقول بنبرة مرتجفة نال منها الخزي كما نال من بقية ملامحها :
_هتعمل إيه ؟!
صمته الثقيل يقف بينهما بعد سؤالها ..لتردف بخوف:
_هتسيب ريما ؟!
فتختلج عضلة فكه وهو يمنع نفسه من النظر إليها ليقول بخشونة جافة :
_وعدتك مش هاسيب ..
ثم يقطع عبارته رغماً عنه ليصمت لحظة سبقت قوله :
_مش هاسيبها !

تغمض عينيها بقوة كأنما تلقت منه صفعة ثالثة !
كان يقولها "مش هاسيبكم" والآن صارت "مش هاسيبها" !
حسناً ..في النهاية لا يصح إلا الصحيح وهي لم تكن ترجو منه تفهماً أكبر !

_أنا معاك في أي قرار هتاخده ..لو عايز تطلقني ..أو حتى تتجوز تاني ..بس ليا عندك طلب ..

لم يغير جلسته ولم يقوَ على النظر نحوها ..
كل ما فيه الآن كان يشتعل ناراً يحترق داخلها وحده ..
ويزيد "خزيها الذليل" هذا من تأججها !

_مش عايزة أشرف يعرف حاجة ..أنا مش هاقدر ..

عبارتها تنقطع بغصة في حلقها لكنها تمسك دموعها عن السقوط فترتجف شفتاها بقوة ليجد هو بعض القوة أخيراً فيلتفت نحو وجهها الذي أطرقت به ..

_هو أنا شكلي باين عليه إني بطلع أسرار بيتي بره ؟!

يقولها بنفس الخشونة المريرة وهو يشعر ببعض الذنب من إسراره لياقوت بأمرها لكنه طلب رأيها كطبيبة خاصة وقد بدأت نشوى بمكالمتها ..

_شكراً .
تهمس بها بنفس الخزي الذليل وهي لا تجد ما تقوله بعد ..
الآن تعود لغرفتها الآمنة فتغلقها عليها ..
ساعتها فقط قد تجد بعض الراحة .

تنهض لتقف فتترنح مكانها لكنه كان عاجزاً عن مد يده نحوها ..
لن يستطيع أن يمسها بعد الآن!
عيناها لا تزالان عاجزتين عن مقابلة نظراته لكن عينيه كانتا تتفحصان ملامحها بمزيج من غضب وإشفاق ..
تتوقفان قليلاً عند جرح شفتيها الصغير الذي نالها من صفعته فيشعر بوخزة في صدره ..
تنتقلان لكدمة جبينها ثم لجرح يدها فيهتف بها فجأة بنفس الخشونة :
_باب الأوضة ما يتقفلش عليكِ انت وريما .

تتوقف مكانها للحظة وقد صدمها أمره ..
بقايا من طبيعتها المتنمرة تستفزها لترد بعناد ..
لكن "الخزي الذليل"الذي صار سيد ملامحها يجعلها تتخلى حتى عن أمانها المؤقت ..
فتومئ برأسها دون رد ..

_وما تخافيش ..مش هالمسك تاني عشان ماتحسيش إنك خاينة !

تتلقاها على صفحة وجه كبريائها ك"صفعة رابعة" فيزداد ارتجاف شفتيها مع تكاثف الدموع في عينيها ..
قدماها تسحبانها بعيداً للمزيد من الهروب ..
لكنها تجده أمامها فجأة فتغمض عينيها بقوة عاجزة عن مواجهة "عارها" في نظراته ..

_سؤال أخير ..وأفتكر مش هتكدبي عليا فيه ؟!
يقولها بنفس الخشونة وهو يقاوم نفسه بشق الأنفس أن يضم جسدها الذي يكاد يسقط مكانه من فرط ما يرتجف ..
لتهز رأسها دون أن تفتح عينيها ..

_جوزك السابق كنتِ بتتخيليه ناصر برضه ؟!

هنا تفتح عينيها فجأة لتنفرج شفتاها بصدمة ..
وكأنما الجواب يمنحها "الصفعة الخامسة "!!

_لأ!
تقولها بنفس "الخزي الذليل"وهي تهز رأسها نفياً ليعاود سؤالها بنفس النبرة :
_واشمعنا أنا ؟!
_مش عارفة .
تهمس بها بصوت يكاد لا يسمع فتلتوي شفتاه بشبه ابتسامة لم ترها في غمرة إطراقها الذليل قبل أن يرد :
_بس أنا عارف .

هنا تعجز عن المزيد من التماسك فتفلت منها شهقة عالية سبقت فيضاً من الدموع أغرق وجهها لتعدو هاربة من أمامه نحو منفاها بالشرفة التي أغلقت بابها خلفها بعنف ..
فيعقد حاجبيه وهو يسبها سراً ..
الجبانة تهرب من جديد !!
تهرب من كل فكرة تقربها لإدراك قيمته الحقيقية عندها !!
يلحق بها ليراقبها عبر الخطوط العرضية لباب الشرفة مخافة أن تؤذي نفسها من جديد ..
يراها تتكور على نفسها في وضع الجنين وجسدها ينتفض بنحيب مرتفع فيقبض كفيه جواره بقوة وهو يعض شفته السفلى بعنف كاد يدميها ..
مزيج من الغضب والعجز يذيقه مرارة لم يعرفها من قبل في حياته ..
لو استسلم لنداء قلبه لهرع إليها يحتوي دموعها هذه على صدره فيطمئنها أنه لن يبرح حتى يبلغ معها عنان العشق ..
لكن رجولته المهدورة ..كبرياءه الجريح ..يقفان حائلاً بينهما ..
قدره أن يتعذب بها ولها ..
فمن هو كي يعاند قدره ؟!
======
على مكتبها في غرفتها بالمصنع تجلس تطالع حاسوبها باهتمام ..
تقتل نفسها بالعمل !!
هذا هو كل ما تفعله الآن !!
لا تريد التوقف للتفكير في شيئ ..
أو في شخص ..
ستظل تعدو حتى تسقط تعباً !!
ربما وقتها فقط تجد راحتها !!

عيناها تصطدمان براحة يدها المصابة فتملأهما الدموع فجأة وهي تستعيد رغماً عنها أحداث الأمس ..
قلقها عليه عندما غادر ..
رعبها وهي لا تدري مكانه ..
لهفتها وهي تهاتف ياقوت ..
ارتياحها عندما علمت مكانه ..
صدمتها بموقفه مع أشرف ..
وأخيراً ..خزيها الذي ظللها كغمامة سوداء تنذر بمطر ..ووحل!!

لماذا أثر فيها تباعده هكذا رغم منطقيته ؟!
هل هو مجرد شعورها بالخزي ؟!
بالنبذ ؟!
أم أنها حقاً تفتقد اهتمامه الذي روى بذور أنوثتها المطمورة تحت التراب من زمن ؟!!

آهة عميقة تفلت من بين شفتيها وهي تلجأ الآن لما تجيده تماماً ...
الهروب!!
تركز ذهنها قسرياً في الشاشة أمامها وهي تشعر بحرقة مؤلمة في عينيها ..
وبحرقة أشد ألماً في قلبها ..
فتتجاهل كلتيهما أو تحاول التظاهر بذلك !!

صوت طرقات خافتة على الباب يرحمها قليلاً فتلتفت نحوه بترقب وجزء خفي -غير مبرر -بداخلها يتمنى لو يكون هو ..
إسلام !
لهذا ظهرت بعض الخيبة على وجهها وهي تميز وجه ياقوت !

_صباح الخير .
تقولها الأخيرة بابتسامتها "الطيبة" الآسرة لترد تحيتها بابتسامة مصطنعة مرتجفة ..
قبل أن تجلس أمامها على كرسي مكتبها لتقول محاولة فتح حوار:
_كنت عارفة إن أول حاجة هتعمليها النهارده أول ما تصحي م النوم إنك تنزلي الشغل .
_انتِ دكتورة شاطرة .
تغمغم بها نشوى وهي تخفض بصرها بخزي نحو راحة يدها المصابة فيما كانت ياقوت تتأمل كل خلجاتها لترد بمزيج من تفهم وإشفاق:
_مجال شغلي علمني إن لكل شخصية أيقونة بتتميز بيها ..أيقونة شخصيتك هي الهروب .

فازدادت ابتسامتها ارتجافاً وهي تجد حديثها مشابهاً لما كانت تفكر فيه ..

_إسلام حكالك ؟!
تسألها نشوى مطرقة الرأس ولايزال الخزي الذليل سيد مشاعرها لكن ياقوت تمد ذراعها عبر المكتب لتربت على كفها هي قائلة بين تفهم وإشفاق:
_لو حابة ممكن تحكيلي انتِ .

هزت رأسها رفضاً وهي تغمض عينيها بقوة ليسيل منهما خيطان من الدموع ..
لكن ياقوت لم تستسلم وهي تعاود التربيت على كفها قائلة :
_براحتك ..بس هسألك كام سؤال ومش شرط تجاوبيني بصوت عالي ..المهم تلاقي الإجابة جواكي .

عضت نشوى شفتها بقوة وهي تود لو تصرخ بها أن تخرج ..
أن تتركها تهرب من جديد لعملها ..لابنتها ..لشرفتها الضيقة ..
لا تريد المزيد من الأبواب المفتوحة ..لا تريد !!

_جوزك قبله كنتِ بتتخيليه إسلام برضه ؟! أنا متأكدة إنه لأ ! ..شخصية مستقيمة زيك ما كانتش هتكمل حياتها بصورة طبيعية يوم واحد معاه لو ده حصل .

المزيد من الخزي وهي تشعر بياقوت تعريها بهذا الحديث..
هي لم تعتد مشاركة تفاصيلها الخاصة مع أي أحد ..
فما الحال بشأن كهذا ؟!
لكنها لا تنكر حاجتها الحقيقية لحديثها هذا معها ..
لعلها تجد أرضاً صلبة تقف عليها وسط هذا الطوفان !!

_السؤال بقا اشمعنا إسلام ..عارفة الإجابة واللا أقوللك ؟!

تقولها ياقوت بحذر لترفع إليها عينين حائرتين فترد الأولى بثقة :
_طول السنين دي عاملة لناصر تمثال في قلبك ..راسماه رمز للحب محدش قدر يقرب منه ..لأن محدش جه شبهه ولو من بعيد ..المرة دي مختلفة ..المرة دي إسلام قرب قوي من المواصفات ..بس عقلك لأنه متبرمج على صورة واحدة ماقدرش يشوف غيرها ..مشاعرك ليلتها مكنتش لناصر حتى لو كنتِ في خيالك شايفاه ..مشاعرك الحقيقية كانت لإسلام .

تتسع عينا نشوى للحظات وهي تشعر بالمزيد من التخبط ..
ما كل هذا العبث ؟!
هل يمكن أن تكون مشاعرها بهذا التعقيد حقاً ؟!!

_سؤال كمان ..ليه قبلتِ ترجعي البيت معاه امبارح؟! ليه ماوقفتيش في وش أخوكِ زي كل مرة وعملتِ اللي في دماغك ؟!

هنا تشيح نشوى بوجهها وهي تلاحق نفسها بالمزيد من الأسئلة ..
هل كان قلقها المبالغ فيه عليه بالأمس مبرراً ؟!
شعورها بافتقاده ؟!
تباعده الذي بدا لها كصفعة خلف صفعة !!
تسألها لماذا عادت معه ..
هل تخبرها عن رعبها من أن يرحل ..
من أن يخذلها ويمضي كمن سبقه فبادرت هي بطلب الرحيل ؟!
هل تخبرها أنها ودت بالأمس لو تحتضنه ..
لا حضن أنثى لرجلها ..
بل كحضنها لريما !!
حضن اعتذار و عجز !!
هل تفهم نفسها حقاً ؟!

_آخر سؤال وبرضه مش عايزة أسمع منك إجابة ..بس لازم تفكري فيه كويس ..غيرتك على ناصر من سها كانت شبه غيرتك من غادة ؟!

تلتفت نحوها بحدة والسؤال يصدمها ..
ليس السؤال بل الجواب !!
لا ..لم تكن تشبهها قطعاً ..
غيرتها من سها كانت تشعلها ..
لكن غيرتها من غادة أطفأتها !!
الأولى كانت تجلدها على ظهر كبريائها ..
لكن الثانية كانت تنتزع منها روحاً وليدة لم تتنفس إلا منذ أيام ..
أيام تساوي عمر علاقتها به ..
بإسلام !!
هنا تقف ياقوت مكانها وقد قرأت مشاعرها واضحة على ملامحها لتبتسم بارتياح قائلة :
_برتاح قوي في التعامل مع الناس اللي زيك ..الناس اللي زي حد السيف مايعرفوش غير أبيض أو أسود ..الرمادي مش لايق عليكِ يا نشوى ..أنا واثقة إنك قريب قوي هتخلصي من كل الدوشة اللي في دماغك دي ومش هتسمعي غير صوت واحد بس ..
ثم مالت عليها بجذعها تغرس نظراتها القوية في عينيها مردفة بإيمان :
_بس انتِ صدقيه .

_تفتكري ممكن ؟!
تتمتم بها نشوى بما بدا كهذيان غريق لتعود ياقوت فتستقيم بجذعها قائلة بتفهم :
_مش في يوم وليلة ..ده هرم اتبنى حجر حجر وكل حجر بيوم من العمر..خدي وقتك بس المهم في الآخر إنك تنسفيه ..وأنا واثقة إنك هتقدري .

ترمقها نشوى بنظرة حائرة لكن ياقوت تمنحها ابتسامة مودعة تسبق مغادرتها بقولها :
_لو احتجتِ تتكلمي في أي وقت أنا موجودة .

تراقبها نشوى بشرود غائم وهي تشعر برأسها يكاد ينفجر من فرط التفكير ..
تلتفت نحو شاشة الحاسوب من جديد في محاولة ثانية للهروب لكنها تعجز عن فعلها ..
كم تود الآن لو تنام !!
لو يريحها عقلها من متاهاته !!

صوت الطرقات يحمل معه أملاً جديداً فتلتفت نحوه بلهفة ممتزجة بالخزي ..
لكنها تتلقى خيبتها الثانية وهي تراه أشرف!

عيناها تهربان منه بنظرة مذنبة يعرفها منذ صغرهما فيتقدم منها صامتاً حتى يصير على بعد خطوة واحدة منها ..
فتقول مطرقة الرأس بنفس الخزي متصنعة الهدوء:
_بقيت كويسة ..كل حاجة تمام ..ماتقلقش ..رانيا عاملة إيه ؟! كانت بتقول الحمل مخلليها ..

عبارتها تنقطع بغصة في حلقها وهي تقاوم لتستعيد قناع قوتها أمامه ..
فيجذب ذراعها نحوه ليوقفها قبل أن يضمها لصدره صامتاً فتنخرط فجأة في بكاء صامت ..

يتنهد بحرارة وهو يربت على ظهرها صامتاً محترماً هذا "الضعف النادر" منها ..
لتصدمه كلماتها التي امتزجت ببكائها :
_هو أنا وحشة قوي كده يا أشرف؟!

سؤالها يصدمه للحظة وهو يراها بهذا الانكسار على غير عهدها ..لكنه يرفع وجهها نحوه ليمسح دموعها بأنامله مع ابتسامة حانية ناسبت قوله :
_مين وقف جنبي في أزمتي لحد ما رجعت أقوى م الأول؟! مين ساند رانيا وخلاها تتغير عشان ترجع لي ؟! مين اللي حافظ ع المصنع ده في غيابي وحفظ لنا اللي باقي من بابا الله يرحمه ؟! لو انتِ وحشة بس امال مين اللي كويس؟!

تتأوه بخفوت وهي تسند رأسها على كتفه فيعاود التربيت على ظهرها قائلاً :
_انتِ محتاجة بس تشوفي اللي في إيدك كويس ..وتبطلي تبصي على اللي وقع منك ..أنا عارف إن الكلام أسهل من الفعل ..بس عارف كمان إنك هتعدي الأزمة دي زي غيرها .

كان يشعر بحدسه أن طيف ناصر القديم لايزال يقف بينها وبين إسلام ..
لكنه كان يثق بقدرة الأخير على طمس صورته هو في عينيها ..
لهذا قال أخيراً بيقين :
_إسلام بيحبك ..يمكن عشان كده وافقت امبارح إني أرجعك معاه على غير رغبتك ..حب زي ده هو اللي انتِ محتاجاه دلوقت يا نشوى .

تكتم تأوهها في كتفه وهي تشعر أنهم جميعاً لا يفهمون !
ليت الأمر كان بيدها فتضغط زراً ليختفي ضوء ويسطع آخر ..
ليتها كانت أقوى من هذا فتتجاوز ماضيها ..
أو أضعف من هذا فتزهد في غدها ..
لكنها هي هي ..بروحها "المتمردة الواهنة"التي لا تزال ترقص على سلم بين "الأعلى" و"الأسفل" المشوشين بضباب كثيف

طرقات الباب من جديد لكنها تحمل لها عطره -هو- هذه المرة ..
دقات قلبها تتقافز وهي تهرب بعينيها منه بخزي لا تظنها ستتخلص منه معه قريباً ..
بينما يتقدم إسلام منهما بوجه فضحته مشاعره وهو يراها تبكي بين ذراعي شقيقها ..
الغيرة كانت أبسط ما يشعر به الآن وهو يراها بهذه الصورة البعيدة تماماً عن عنفوانها المعهود ..


يلقي التحية على أشرف بفتور فيبتسم الأخير وهو يشير نحو نشوى قائلاً بمرح مصطنع :
_يقعدوا يقولولك "سترونج اندبندنت" وتحت أول ضغط يعيطوا ..
ثم ربت على رأس نشوى مردفاً :
_روحي استريحي ونامي ..الشغل مابيخلصش .

يقولها ثم يتذرع بعذر واه ليتركهما وحدهما وهو يشعر بحاجتهما لهذا ..
وما كاد يفعل حتى تحركت هي لتعاود الجلوس على المكتب مطرقة برأسها ليقول هو بخشونة لم يملكها :
_أنا وعدت ريما نتغدى بره النهارده بعد الشغل .

_أجّلها ليوم تاني أو روحوا لوحدكم ..عندي شغل كتير .

تقولها بنبرة منكسرة مغايرة لتنمرها المعهود ولاتزال مطرقة برأسها ليرد ببعض الحدة :
_محدش قاللك تمسكي شغل تلاتة مع بعض .

حدته كانت ممتزجة بالشفقة وهو يميز ما تفعله بضغط العمل الذي تزيده على عاتقها يوماً بعد يوم ..
لترد ورأسها لا يزال منكساً بخزيه :
_مستكتر عليا الحاجة الوحيدة اللي نافعة فيها ؟!

عبارتها تخزه بقسوة مدلولها وهو يتذكر عبارة قالتها يوماً أنها تشعر بفشلها كأنثى وفشلها كأم .
ياقوت مرت عليه عقب خروجها من عندها لتخبره برأيها أنها هي ليست أكثر من طفلة كبيرة عاشت عمرها معصوبة العينين بوهم حب ..والآن ينتزعون منها عصابتها فلا عجب أن يؤذي النور عينيها أولاً قبل أن تتبين حقيقة المرئيات .

صوت رنين هاتفها الداخلي يقطع أفكاره فيدهشه قناع قوتها الذي عادت تتلبسه وهي ترد لتستمع قليلاً قبل أن تهتف بحدة :
_يعني إيه ما وصلتش ؟! ده أنا هاخرب بيته .

شبح ابتسامة لم ترها يطوف على شفتيه وهو يفتقد طبيعتها الشوكية هذه مع قناع خزيها الذليل المستحدث ..
خاصة وهي تتناول هاتفها لتتصل برقم ما وما كاد الاتصال يفتح حتى هتفت بنفس النبرة الحادة :
_الطلبية لو ما اتسلمتش المخازن الصبح اعتبر اتفاقنا لاغي ..انت عارفني ما بهزرش .

فتضيق عيناه بتفحص وهو يدرك أنها تحتاج حقاً لإفراغ شحناتها في العمل ..
لكنها عادتا تتسعان بإشفاق وهو يميز ما حدث لتوه !!
كمّ قميصها انزاح عفوياً لتبدو تحته خدوشها التي أحدثتها لنفسها بالأمس فتبدلت كل ملامحها المتنمرة لذات الخزي الذليل وهي تخفض الكمّ بسرعة كأنها بهذا تداري ..عارها!

_اتفقنا .
تقولها لمحدثها بنبرة صارت لتوها مرتجفة متحشرجة لتغلق الاتصال ثم تفرك عينيها بقوة متجاهلة هذا الألم العنيف الذي يعصف بهما ..

_أنا هاروح عشان ما أتأخرش على ريما ..هتزعل لو ما خرجناش .

يقولها بخشونة هارباً من مشاعره وهو يخشى هذا الوهن الذي بدأ يتسلل إليه من مرآها بهذه الصورة ليتحرك نحو الباب ..
فتراقب ظهره المنصرف بعينين زائغتين وهي تهم بندائه ..

_يا ..يا باشمهندس!

يكز على أسنانه بقوة وهو يراها لا تزال عاجزة حتى عن مناداته باسمه ..
لكنها حقاً لم تستطع فعلها ..
ذهنها كان يستعيد كل لحظة دنسها فيه عارها بالأمس لتبدو لها نفسها في صورة ضميرها ملوثة بخطيئتها ..
خزيها الذليل لا يزال حائلاً بينهما وهي تنهض من مكانها لتتوجه نحوه مطرقة الرأس قائلة :
_لو ممكن تستناني ؟! هاقفل اللي في إيدي وآجي معاكم .

عبارتها كانت عفوية تماماً لكن قلبه سمعها بأذن "أمله" فيما يرجوه منها حقاً ..
ومع هذا خرجت عبارته فظة نوعاً وهو يضع يده على المقبض دون أن ينظر إليها :
_مش هاستنى كتير ..لو اتأخرتِ هامشي لوحدي .

يقولها ليخرج صافقاً الباب خلفه فتعود الدموع تملأ عينيها وهي تفكر في كلماته بمغزى آخر ..
لن ينتظر كثيراً ..
فهل تملك القوة حقاً كي لا تجعله يكمل الطريق وحده ؟!
========
_حلو قوي الأكل ده يا بابا ..اسمه إيه ؟!
تهتف بها ريما بفضول وهي تجلس جواره على مائدة المطعم ليرد وهو يطعمها بنفسه :
_كانيلوني .
فتحاول الصغيرة نطقه بصعوبة ثم تشير لنشوى مردفة :
_أكّل مامي كمان .

فتطرق الأخيرة برأسها بخزي يبدو أنه لن يعود يفارقها ..
تتذكر كل مرة فعلها يوماً وهو يطعمها مع صغيرته بيده ..
وتعلم أنه لن يفعلها بعد الآن !!
لهذا لم تفاجئها عبارته رغم مرحها المصطنع :
_مش عايز أضايقها لو ما حبتوش ..الكبار بيختاروا اللي يعجبهم .
_والصغيرين كمان .
تهتف بها الصغيرة بتنمر ذكره بأمها ليبتسم ابتسامة جانبية وهو يختلس نظرة نحو وجه نشوى المطرق ..
والتي رفعت إليها ريما يدها بشوكة الطعام هاتفة :
_هأكلها أنا !

تغتصب نشوى ابتسامة بطعم البكاء وهي تتناولها من الصغيرة ثم لم تشعر بنفسها وهي تنحني لتطوقها بذراعيها ..
تدفن وجهها في عنقها وكأنها تحتاج حقاً هذا الحنان غير المشروط ..
فيتشنج جسده مكانه وهو يميز ارتجافة جسدها هي بدموع لا يدري متى ستفارق عينيها ..
يود لو يقترب ..يلتصق ..بل ينصهر بها ويمتزج ..
لكن ماذا يصنع في ألف سد وسد صار بينهما ؟!

_بحبك قوي يا مامي .
تهتف بها ريما وهي تدرك بفطرتها أنها تحتاجها لتمسح نشوى دموعها بخفة وهي ترفع وجهها نحو الصغيرة هاتفة :
_وأنا كمان .
_لو بتحبيني كلي ..انتِ ما فطرتيش .
_مش قادرة ..شبعانة قوي .
تقولها ثم تقف مكانها لتردف بارتباك :
_هاروح الحمام أغسل وشي .

يراقبها في سيرها بعينين ملتاعتين وملامحه تصرخ غضباً وعجزاً لتشير له ريما بإصبعها أن يقترب ..
فيفعل ليجدها تهمس بحذر:
_هي مهمتنا فشلت ؟!

يتنهد بحرارة وهو لا يدري بماذا يرد ..
ليرتفع حاجبا الصغيرة وتردف وهي على وشك البكاء:
_فشلت؟! مش هنعرف نرجعها تضحك ؟!

شفقته نحو الصغيرة تغلب جميع مشاعره الآن فيبتسم وهو يربت على شعرها هاتفاً :
_لا ما فشلتش ..على العهد يا محاربة .
_على العهد أيها القائد!
تهتف بها بحماسة جففت دموعها وهي تعود لتناول طعامها بشهية فيما شرد هو ببصره ناحية الحمام القريب وهو يدرك يقيناً سبب هروبها الآن ..
يعلم أنها تجلد نفسها بذنبها لكنه لا يملك الآن أن يمنحها صفحاً ..
ربما لو كانا في تركيا ..
وكانت هي صديقته لملأ أذنيها نصائح تثنيها عن وضعها هذا ..
لكنه هاهنا يجد نفسه رغماً عنه يستعيد شرقية طباعه ..
يالله !!
كم يريد الآن خنقها !!
كم يريد الآن عناقها !!
ولا يهمّ أيهما يأتي أولاً !!

خواطره الساخطة تنتهي بزفرته وهو يراها تظهر أخيراً تسير نحوهما مطرقة الرأس بذاك المظهر الكسير ..
فينعقد حاجباه وهو يرى أحدهم يصطدم بها فجأة ليهتف بها بحدة :
_مش تبصي قدامك ! حد يمشي كده ؟!
هنا ينتفض مكانه ليتوجه نحوهما ثم لا يشعر بنفسه وهو يمسك الرجل من ياقة قميصه هاتفاً :
_اتكلم عدِل !
ويبدو أن الرجل كان عدواني الطباع فلم يكد ينتهي منها حتى عاجله بسبة بذيئة سبقت لكمته لوجه إسلام الذي رد له لكمته بسرعة قبل أن يتجمع الناس ليفرقوا بينهما ..
======
_شفتي بابا ضربه إزاي ؟! سوبر هيرو !
تهتف بها ريما وهي تجلس أمامهما على أحد الكراسي في صالة البيت بينما جلس إسلام على الأريكة وجواره نشوى تحاول تهدئة أثر كدمته بكمادة من الماء البارد ..
لكنه انتزعها من كفها ببعض العنف وهو يضعها لنفسه بنفسه ليخاطب الصغيرة بقوله مبالغاً بفخامة صوته :
_كنت هاكسره لولا حاشوه من إيدي .
_بس هو كان أكبر منك .
تهتف بها الصغيرة باستنكار مشيرة لضخامة ذاك الرجل حجماً فيبتسم بحرج لها مع غمزته متجاهلاً تلك التي تجلس جواره :
_اعملي نفسك ماخدتيش بالك !

ضحكة صغيرتها تصدح في أذنها فتختلس نظرة أخرى نحو وجهه ..
هذه غمزته التي تشعر أنها افتقدتها ..
يالله !!
يوماً ما ظنته لا يستطيع التحدث إلا وهو يغمز ..
لا يستطيع التوقف عن المشاكسة والمزاح ..
كم كانت صورته في عينيها مختلفة عن ناصر الجاد ذي الهيبة ..
"الطيف اللعين" يجتاح ذهنها من جديد فارضاً سلطانه على أفكارها لكنها تقاومه ..
أي مقارنة تصلح هاهنا يا غافلة ؟!
أي معيار يصلح للتفضيل بينهما ؟!
ليت القلوب تسير بهيمنة العقول!!
ليتها تملك حقاٌ أمر نفسها !!

شرودها يبتلعها لدقائق طالت بعدها حتى انتبهت على صوت الصغيرة :
_عايزاك تنام معايا النهارده في سريري عشان أطمن عليك..
_واللا عشان أحكيلك حدوتة ؟!
_الاتنين !
تهتف بها الصغيرة مع ضحكة عذبة خطفت لبه وهو يراها هاهنا تشبه أمها تماماً ..
يغالب خاطره الأخير وهو ينهض واقفاً ليتجه نحو الصغيرة التي أمسكت بكفه هاتفة :
_بلاش تشيلني مادام تعبان ..بس بكرة تشيلني مرتين .
_أروبة .
يهتف بها وهو يغمزها ليتحرك معها نحو غرفتها فتتنهد نشوى بحرارة وهي تشعر أنها تزداد انزواء ..
تتذكر كيف كان شعورها وهي تراه ينتفض في المطعم لأجل أن يدافع عنها غير مراعٍ لفارق القوة الظاهري بينه وبين ذاك الرجل ..

ورغماً عنها تتذكر موقفاً من مراهقتها عندما كانت تسير في الشارع ليلاحقها أحدهم بمعاكساته ..
يومها لا تدري من أين ظهر ناصر فجأة لتفاجأ به يضرب ذاك الشاب ويتوعده إن عاد لمضايقتها ..

تبتسم كعهدها كلما تذكرت هذا الموقف لكن ابتسامتها هذه المرة ترتجف بشحوب وهي تشعر أن الصورتين تزدادان تشوشاً في عينيها ..
صورة إسلام وصورة ناصر ..
لا يشبهان بعضهما ظاهراً إنما تمتزجان في عقلها بتشوش يكاد يثير جنونها ..
هل فقدت عقلها كما تظن ؟!
تزفر بعجز وهي تخبط بكفيها على صدغيها بقوة كأنما تسحق أفكارها هذه سحقاً قبل أن تنتفض واقفة لتعاود ممارسة ما تجيده ..
الهروب!

تلحق بهما لتجده مستلقياً على الفراش جوار الصغيرة التي استكانت على صدره فتسري رجفة باردة في جسدها !
مشاهد متفرقة لليلتها الوحيدة معه تغزوها فلا تكاد تصدق أنها كانت منه بهذا القرب !!
جسدها يستجيب بهذا الشعور الذي لم تعرفه إلا معه فتغمض عينيها خزياً ..وخجلاً !!

_تعالي يا مامي اسمعي ..حدوتة حلوة قوي .
تهتف بها ريما وهي تفتح لها ذراعيها فتتقدم نحوهما مطرقة الرأس لتجلس على طرف الفراش الآخر تشعر بالمزيد من النبذ ..

إلى متى سيحتمل وضعاً كهذا؟!
إلى متى سيبقى؟!
وماذا ستفعل هي لو قرر أن يرحل ؟!
هل ستلومه ؟!
هو وعدها أن لن يترك الصغيرة ..
ماذا لو تركها هي إذن ؟!
فليفعل!
لعله يريحها من عذاب ضميرها هذا !!

تنتبه من شرودها الذي طال لترى الصغيرة وقد استسلمت للنوم فتتحرك لترفع عليها غطاءها متحاشية النظر نحوه ..
حتى تصطدم عيناها بمرأى يده تحتضن كف الصغيرة !!
رغبة عارمة تنتابها هاهنا أن تمد أناملها تتشبث بكفه !!
لكنها تلعن نفسها سراً وهي تشعر بالمزيد من التخبط !!
ما الذي تريده بالضبط ؟!

تشعر به يكاد ينهض بحذر فتستوقفه بهمسها دون أن تنظر إليه :
_أنا حاسة إني بستغلك عشان خاطر البنت ..مش عارفة ممكن أعمل إيه عشان أرد لك كل اللي بتعمله ده .

لم ترَ ابتسامته الساخرة المتشحة بمرارتها لكنها شعرت بها في جوابه المتهكم بخشونة :
_حوّليلي رصيد !

دعابته الثقيلة لم تزدها إلا خزياً فارتجف جسدها بقهر ينهشها معه ساعة بعد ساعة ..
بينما انعقد حاجباه هو بالمزيد من الغضب والعجز وهو لا يدري كيف يتصرف معها ..
الخزي الذليل هذا في ملامح طالما عشق عنفوانها يكاد يقتله ..
لكن ما حيلته ؟!

_فرح سيف وغادة كمان كام يوم ..جهزي فستانك مادام بتضايقي لما بختاره .
يقولها وعيناه تترصدان كل انفعالاتها ليلحظ شحوب ملامحها مع حشرجة صوتها بالجواب:
_مش عايزة أروح .
_براحتك .
يقولها بنفس الجفاء الذي لا يتعمده وهو يتأهب للقيام من جديد ..
لتتجمد نظراته أمام أناملها التي شعر بها تتحرك ببطء شديد زاحفة على الفراش نحوه ..
هل يهيأ إليه ؟!
أم أنها في طريقها لتمسك يده حقاً ؟!
الزمن يتوقف حوله وعيناه معلقتان بحركة أناملها شديدة البطء ..
يكاد يسمع صوت لهاث أنفاسها ..
يستشعر ذبذبة جسدها المرتجف ..
لكن ..ماذا لو فعلتها ؟!
ما الذي يضمن له أنها تراه هو وليس خيالاً لرجل آخر ؟!!
الخاطر يشعل الدماء في عروقه في نفس اللحظة التي تتوقف فيها أناملها في وسط الطريق !!

ينتفض مكانه بغضب ليهرع بخطوات منفعلة نحو الغرفة الأخرى صافقاً بابها خلفه ..
وما كاد يفعل حتى انهمرت دموعها بحرية هذه المرة وهي تلعن نفسها من جديد ..
قبل أن تتخذ قرارها وتنهض لتتناول هاتفها ..
ولم تكد تسمع صوت ياقوت حتى همست بها بألم دون اختيار لمقدمات :
_عارفة الغريب ايه ؟! لما الحاجة اللي تبقي مستنياها عشان ترفع راسك تبقى هي اللي تحطه في الوحل ..كنت بس عايزاه يرجع لي العمر اللي راح ..أنا عايزة أكرهه ..نفسي أكرهه .
_أنا مش عايزاكي تكرهيه ..أنا عايزاكي تحبي نفسك ..لو حبتيها هتقدري تختاري اللي يحبها معاكي .
تقولها ياقوت بنبرتها المريحة وهي تفهم عمن تتحدث.. متفهمة كل انفعالاتها ..وهذا الصمت الذي غرقت فيه بعدها ..
لتردف بعدها بحذر:
_أفهم من كده إنك هتحكيلي ؟! هتجاوبي على كل أسئلتي؟!
والساعتان الكاملتان اللتان استغرقهما حديثهما بعدها كانتا خير جواب .
=======

_لا لا ..سيبك م العكّ ده ..عندي ليكِ محل لانجيريهات يجنن .
تهتف بها هانيا بنبرة خبيرة لتضحك غادة وهي تتحرك معها مبتعدة عن واجهة أحد المحلات التي تعرض ثياباً منزلية ، لتهتف بمرح:
_والله واتدردحنا وبقينا خبرة !
_امال!
تقولها هانيا بفخر يجعل غادة تطلق ضحكة عالية وهي تتأبط ذراعها هاتفة :
_هو أنا سبتك كتير قوي كده ؟!
_اوووه ..مصر اتغيرت قوي يا لينا !
تهتف بها هانيا مقلدة مشهداً في فيلم شهير لتعاود غادة الضحك هاتفة :
_أيوااا بقاااا ...رامز ده عمل المعجزات .
فتضحك هانيا بدورها وهي تسير جوارها نحو المركز التجاري القريب قائلة :
_بتلكك بيكِ عشان أعمل "شوبنج" ..عاملة زي ما أكون محدثة نعمة ..نفسي أشتري كل يوم من ده .
تقهقه غادة ضاحكة وهي لا تصدق هذا التحول الجديد على شخصية صديقتها ..
بينما تتوقف هانيا فجأة لترمق ملامح غادة الهانئة برضا لتسألها بنبرة فاح منها الذنب :
_انتِ بجد سامحتيني على غلطي معاكِ قبل السفر؟!
فتقرص غادة وجنتها برفق هاتفة :
_بطلي هبل ! رصيد العمر ماتضيعوش غلطة يوم ..انتِ أختي مش صاحبتي ..
ثم تميل وجهها مردفة بمرح أكبر :
_وقريباً سلفتي ..بس للأسف مش هالحق أبقى جارتك كتير ..كلها كام يوم وهنرجع اسطنبول ..آه كويس إني افتكرت ..جبتلك دي ..

تقولها لتخرج من حقيبتها حلية معدنية مزودة بسوار رقيق كتب عليها بخطّ كبير :
"أخت العروسة" !
ربطتها حول معصمها لتهتف :
_عايزاكي تحضري بيها الفرح ..اخترت الشريط لون الفستان .

دمعت عينا هانيا لهذه اللفتة الرقيقة منها فاحتضنتها بحب هامسة :
_قلبك دهب يا دودا ..يا بخته سيف بيكِ .

ضحكت غادة وهي تربت على ظهرها ليعاودا رحلة تسوقهما فتهتف الأولى بامتنان :
_مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه ..سايبة مذاكرتك وقاعدة تلفي معايا .
_ماتفكرينيش ..الدكتوراة بتاعتي دي هتجيب أجلي ..يارب المذاكرة تموت .
تهتف بها هانيا ببؤس لتضحك غادة هاتفة :
_لا ياعبقرينو ..ده احنا منتظرين نتيجة التعب ده كله ..ورامز بالذات .
فتنهدت هانيا بحرارة لترد :
_أنا كمان نفسي أخلص منها عشان أفكر في موضوع "البيبي" ..يمنى بنت يامن فتحت نفسي ع الآخر ..ماعدتش بتضايق من تعليقات طنط مامة رامز ..بالعكس ..هاموت وأجيب "بيبي" قمور كده .
_لا أنا عايزة بنوتة نعرف ندلعها .
_بنت؟! ده كان يامن أهدر دمي !
تهتف بها هانيا باستنكار مرح لتعاودا الضحك سائرتين حتى وصلتا إلى المحل المنشود الذي أعجب غادة كثيراً ..

_لا طلعتِ أروبة يا هانيا .

لكن الأخيرة فاجأتها بضحكاتها الخجول وهي تميل على أذنها هامسة :
_مش مصدقة إنك ممكن تلبسي الحاجات دي لسيف ..مش راكبة في دماغي خالص .
_ولا أنا والله ! ده ودانه بتحمر لما بسلم عليه ..
تهتف بها غادة بمرح لتلتمع عيناها وهي تردف بعاطفة حقيقية :
_بس بيني وبينك دي أحلى حاجة فيه .
_سبحان الله ..عمري ما اتخيلت إنك تحبي حد بعد أحمد الله يرحمه .
تقولها هانيا بحذر لتلتفت نحوها غادة قائلة بشرود :
_سيف وأحمد ! على أد ما بحسهم شبه بعض قوي بس مختلفين ..يمكن عشان كده ما بحسش معاه إني خنت أحمد أو نسيته ..بالعكس ..بحس كأني كملت حياتي على نفس الطريق ..كل واحد فيهم ربنا بعتهولي في وقته عشان يبقى ضهر يسندني ..ربنا كريم قوي .
_ونعم بالله !
تتمتم بها هانيا برضا ليحمر وجهها خجلاً وهي تميل على أذنها رافعة يدها التي تمسك إحدى قطع الملابس الداخلية لتهمس:
_اللي يسمعنا واحنا بنتكلم بالإيمان والتقوى دي ما يشوفش اللي في إيدينا .
فقهقهت غادة ضاحكة وهي تلكزها في كتفها هامسة :
_دي نقرة ودي نقرة يا أخت هانيا !

ضحكاتهما المتشحة بمرح حقيقي تستمر لساعات قضتها كلتاهما في التسوق لشراء حاجيات العرس ..
تفترقان على وعد بلقاء مشابه في الغد فتستقل هانيا سيارة أجرة لتعود للبيت بحمولتها "الثمينة" ..
تتلهف لمرأى أثر ما اشترته على رامز!
لا ..لم تعد تشعر بالخجل المعيب القديم !!
على العكس ..صارت تستلذ بهذا الشعور الطاغي بأنوثتها في عينيه ..
تنقطع أفكارها والسيارة تتوقف بها أمام البيت فتترجل منها لتصعد نحو البيت ..
تفتح باب شقتها ثم تغلقه خلفها وهي تناديه بلهفة ليكون الصمت جوابها ..
تناديه بصوت أعلى وهي تتقدم نحو الداخل أكثر لكنها لا تجد ردا كذلك ..
أين ذهب ؟!
تشهق للمفاجأة وهي تفاجأ بظلمة المكان ..
ياللحظ !
انقطع التيار الكهربي !
تحركت بحذر نحو موضع الكشاف الكهربائي لتفاجأ بذراعه يحتضن خصرها مع همسه الدافئ:
_وحشتيني .
فتحاول تمالك نفسها لتخبطه في كتفه هاتفة :
_مش هتبطل لعب العيال ده ؟ خضيتني ؟! اتفضل افتح النور .
لكنها تشعر بأنامله تزيح عنها حجابها لتعرف طريقها نحو أزرار قميصها مع همسه العابث:
_ما وحشتكش الضلمة يا بسطويسي ؟!
تبتسم وهي تتذكر ما يحكي عنه من بقايا عهدها القديم ..لتحاول التملص منه هاتفة :
_افتح النور وشوف جبت إيه .
يطلق همهمة متذمرة لتشعر به يبتعد قبل أن يغشي الضوء عينيها فجأة..
لتجده ينتزع منها الأكياس التي تحملها هاتفا باستنكار :
_يا خراب بيتك يا وهدان ! ايه كل ده ؟هو انت ماعندكيش وسط ؟! يا كده يا كده ..

فتضحك بدلال صارت تجيده وهي تنتزع منه الأكياس هاتفة بلهجة محذرة :
_بسيطة ..لو مش عاجبينك أرجعهم .
لكنه يعاود انتزاعها منها ليبتعد خطوة وهو يتفحص محتوياتها التي أشعلت الدماء في عروقه ليرفع إليها عينين عابثتين بينما يقطع المسافة بينهما بخطوة واحدة فيلصقها به هامسا :
_ترجعي إيه بقا ؟ حرام ! حد يرفس نعمة ربنا برضه ؟ هنكفر يعني ؟

تعلو ضحكاتها من جديد وهي تقفز للخلف بعيداً عنه هاتفة بنبرة محذرة :
_تقعد بأدبك لحد ما أغير هدومي وألبس واحد فيهم .
_طب أختار!
يقولها وهو يرفع سبابته وإبهامه الملتصقين في وضع الاستئذان لتهمهم بغرور مصطنع:
_أمري لله ..شوف هتختار إيه !

فيعاود فتح الأكياس من جديد ليستعرض محتوياتها بعينين متقدتين قطعة قطعة ..
تحمر وجنتاها بمزيج من خجل وترقب وهي تقترب منه شاعرة بالإثارة ..
تحاول التكهن بما سيختاره ..

ليهمس أخيراً وهو يرفع عينيه نحوها :
_اخترت!
_إيه ؟!
تهتف بها بفضول وهي تقترب منه أكثر لتتأوه بدهشة وهي تراه يدفعها نحو الأريكة القريبة فيسقط معها فوقها ثم يحيط وجنتيها بكفيه هامساً أمام عينيها :
_اخترتك كده من غير أي حاجة .
تضحك بمزيج من خجل وفخر وهي تفهم ما يعنيه تماماً لكنها تراوغ بهمسها:
_يا خسارة تعبي ..بعد كل ده ؟!
لكنه ينحني أكثر لينثر قبلاته فوق وجهها ثم يمد ذراعيه تحتها ليغمرها بدفئه هامساً بصدق عاطفته :
_كفاية عليا أحس إنك عايزة تسعديني .
_رامز!
تهمس بها بإغواء صارت تجيده فيغمض عينيه مستجيباً ليفاجأ بها تعضه في كتفه فجأة ليتأوه وهو يراها تدفعه لتقفز واقفة ثم تعدو مبتعدة مع هتافها المرح:
_على رأي المهفوفة داليا :جوّ الصعبانيّات ده مش هياكل معايا ..اتفضل اختار واحد ده أنا رجلي تعبت م اللف .

فيضيق عينيه بنظرة تهديد وهو يهب واقفاً بدوره ليلحق بها ..
تصرخ صرخة مرحة وهي تهرب منه لتدور حول المائدة فيدور كذلك حولها هاتفاً :
_والله ما هاعديهالك العضة دي ..فصلتيني يا فصيلة .
فتضحك وهي تحاول الهرب منه هاتفة :
_وطي صوتك مامتك تحت ممكن تسمع هتفضحنا .
_أفضحك ؟! انتِ لسه شفتي فضايح !
يهتف بها مهدداً بمرح وهو يحتكرها أخيراً بين ذراعيه فتهتف بأنفاس لاهثة :
_رامز ..عشان خاطري ..آه ..
يخرس كلماتها بطريقته ليسقط بها أرضاً هذه المرة فتتأوه بين ضحكاتها هامسة :
_مامتك هتقول إيه ع الهبد ده ؟! هتفضحنا يا مجنون ؟!
_قوليلها بننفض المرتبة !
يهمس بها وسط عاصفة من عاطفته اجتاحتها بجنون قبل أن تستسلم لها بجنون أكبر ..
والخاطر الأخير الذي جرفه تيار عاطفتها كان :
"يا خسارة تعبي!"
=======
_احنا جاهزين نروح الفرح !
تهتف بها ريما وهي تتحرك جوار نشوى التي أطرقت برأسها في خزي كعهدها المستحدث معه ..
فيتأملها في ثوبها الفضيّ ببعض الحسرة ..
لقد فقدت الكثير من الوزن في هذا الوقت القصير ..
لو كان في مزاج رائق يسمح له بالوقاحة لأخبرها أنه يتحسر على "إمكانياتها المفقودة "!!
لم يسألها لماذا غيرت رأيها وقررت الحضور معه ..
لكن ياقوت طلبت منه أن يمنحها الفرصة كي تخرج من "شرنقة الوهم" التي طالما حبست نفسها فيها ..

لهذا وجّه طاقة مزاحه للصغيرة التي انحنى ليحملها على كتفه هاتفاً :
_مبسوطة ؟!
_قوي ..بحب الأفراح ..هارقص الرقصة اللي علمتهالي ..بس ..

تستمر الصغيرة في ثرثرتها التي شردت هي عنها وهي تسير جوارهما مطرقة الرأس حتى استقلت سيارته جواره ..
تختلس نظرة جانبية نحوه لتميز أناقته البسيطة التي تشبهه ..
خاطر سخيف ينتابها ويجعلها تسخر من نفسها بشدة ..
إنه لا يرتدي دبلة !
تباً!
كأنما هذا فقط ما عجزت هي عن منحه إياه !

تغمض عينيها بألم وهي تتذكر كيف مرت بهما الأيام السابقة ..
كيف تباعد عنها هي تماماً مكتفياً بسخاء عاطفته نحو الصغيرة ..
ياقوت نصحتها ألا تعتبر هذا البعد نبذاً إنما هو فرصتها كي تعيد حساباتها ..
كي تكسر صنمها بنفسها وتعرف ماذا تريد ..
لكنها تعجز عن فعلها ..
تعجز وتكره نفسها إذ تشعر بكل هذا الخزي!!
ليته يحدثها بكلمة واحدة ..
ليته فقط يحاول الاقتراب ..
لا ..لا ..
لن تكون بهذه الأنانية كي تتمناها ..
ليست أنانية ..بل احتياجاً ..
هي تحتاجه ..
لا تعرف مسمى لهذا الاحتياج لكنها تدرك بمنتهى القوة أنه حقيقي ..
أنه قاهر!!

السيارة تصل لبغيتها أمام "الكوافير" فتراه بطرف عينها يترجل ليأخذ ريما ويتوجه نحو سيارة العرس حيث وقف سيف ينتظر عروسه ..
غادة التي ظهرت أخيراً كقطعة من القمر !
دمعت عيناها وهي تتأمل ثوب غادة الأنيق بحسرة ..
تتذكر أنها هي ارتدت الثوب الأبيض مرتين ..
لكنها لم تشعر بفرحة كهذه التي تكاد تشع في عيني غادة ..
ولم تجرب أن يفخر بها رجلها فتكاد عيناه تصرخان بعاطفته كما يفعل سيف الآن !
أي خاسرة هي!!


وفي مكانه عانق سيف إسلام بقوة والأخير يهتف به بمرح :
_مبروك يا سيدنا ..عشت وشفتك عريس ..فين عمك علاء مفوت اللحظة التاريخية دي إزاي؟!
_لسه ماشي ..اطمن على غادة وسبق على القاعة ..
يقولها سيف بتشتت وعيناه لا تكادان تريان سوى فتنة غادة الجلية التي تكاد تذهب عقله ..

_طب عيش انت بقا يا برنس ..هامشي أنا عشان ما أبقاش عزول .

يقولها إسلام وهو يربت على كتفه ملوحاً بكفه لرامز الذي يجلس على مقعد القيادة في سيارة العرس وجواره هانيا ..

_يعني إيه عزول يا بابا ؟!

تهتف بها ريما وهي تعود للجلوس في سيارته التي عاد يستقلها لينطلق خلف الزفة ..
فهتف بضحكة قصيرة :
_يعني واحد واقف بين اتنين بيحبوا بعض .

_يعني أنا عزول بينك انت ومامي؟!

تهتف بها الصغيرة بعفوية ليختلس نظرة جانبية نحو نشوى التي كانت مطرقة برأسها بخزي كعهدها مؤخراً ..
ليرد بما لم تفهمه الصغيرة وإن كان المعنى قد وخز نشوى بقسوة مغزاه :
_لا من الناحية دي اطمني .
======
_ساكت ليه ؟! شكلي حلو ؟! طمنني!
تهمس بها غادة جواره في سيارة العرس وهي ترفع عينيها نحوه بخجل لتحمر أذناه كالعادة وهو يضغط كفها في راحته ليميل على أذنها هامساً :
_أقوللك وما تزعليش .
تتجهم ملامحها للحظة وهي تنظر إليه ليعاود همسه :
_أنا ندمان على فكرة الفرح دي ..لولا ماما الله يسامحها أصرت عليه ..مش متخيل إني هاسيب الناس تشوفك كده .

غيرته الغاضبة تمتزج بعشقه الفائر في مزيج ساحر يجعلها تطلق ضحكتها المهلكة فيزداد احمرار أذنيه مع نظرته الزاجرة لها قبل أن يعاود همسه :
_ضحكة واحدة كمان زي دي وهاقول لرامز يسوق ع البيت واللي يحصل يحصل .

تكتم ضحكتها مرغمة وهي ترمقه بنظرة اعتذار ليعاود همسه المحذر:
_إياك تقومي من مكانك في الفرح ..إياك ترقصي ولو معايا .
فتميل وجهها بدلالها الفطري لتهمس له :
_بس هترقص معايا لما نروح ؟!
صوتها المغناج بطبيعته يشعل أحطاب رجولته فيزفر بانفعال قبل أن تكتسي نظراته بعشق خالص يليق بعبارته :
_عارفة بحلم بالرقصة دي من امتى؟!
تتوه للحظات في هذا البحر الزاخر بعاطفته ..
"الحزن الأخرس" في حدقتيه صار مجرد طيف واهن خلف "العشق الأهوج" هذا ..
لكنها تترجم خجلها لمزاحها بدلالها المعهود :
_عارفة !
تقولها وهي تسند رأسها على كتفه بغنج ليطلق زفرة قصيرة مع همسه باسمها لتنفلت منها ضحكة قصيرة تشعله أكثر ..

_نحن هنا!
يهتف بها رامز أمامهما مشاكساً بينما يقود السيارة محاولاً توجيه الزفة الصاخبة خلفهما ..
لترد هانيا ضاحكة :
_بطّل رخامة وركّز في السواقة ..
ثم تعود برأسها للخلف تنظر نحوهما مستطردة :
_تدفعوا كام وأكفيكم شر الرخم ده في شهر العسل ؟!

_أبداً ..ده أنا نادرها أرخم عليه في شهر عسله المعقد ده .
يهتف بها رامز بمرح ليرد سيف بمرح مشابه :
_قلت ما أسكنش معاكم عشان كده ..بس والله لو عملت مقلب من مقالبك القديمة لأرجع تركيا في أقرب طيارة وأسيبلك البلد كلها .
_طيب ..نلحق بقا نروّش على خفيف !
يقولها وهو يتمايل بالسيارة أقصى اليمين ثم يعود ليتمايل بها أقصى اليسار فتشهق غادة برعب هاتفة :
_لا يا رامز إلا دي ..إلا دي !

ترمقها هانيا بنظرة مشفقة وهي تدرك استعادتها لذكرى حادث أحمد خاصة أن رامز كان يرافقه يومها ..
لتلكز رامز في كتفه منبهة ..
فيما ضمها سيف لصدره وهو يطوقها بذراعيه وقد راوده نفس الخاطر ليهمس في أذنها بحنان رجولي آسر:
_شششش..اهدي ..ماتخافيش .
يقولها ليزجر رامز بكلمات مؤنبة فيضحك الأخير هاتفاً :
_الحق عليا كنت عايز أشعلل الزفة ..بدل ماهم نايمين كده .
_سيبهم نايمين واحنا عايشين .
تهتف بها هانيا مؤنبة وهي تلكزه في كتفه ليعاود الضحك وهو يحاول مقاومة جنون تهوره .

يصلان للقاعة فتكون أم سيف أول من تستقبلهما ..
عيناها تمشطان غادة بإعجاب فائق وهي تراها ازدادت جمالاً على جمال ..
جمال زاده في عينيها هذه النظرة العاشقة في عيني ابنها الذي لم تره يوماً بهذه السعادة ..
لهذا أقبلت تضمها إليها بقوة هاتفة :
_مبروك يا بنتي ..زي القمر ..سيف عرف يختار .

فيختلج قلب غادة بقوة وهي تشعر بحنان المرأة الصادق ..
خاصة وهي ترى إيناس جوارها تغمرها هي بالعناق اللاحق دون كلمات ..
إنما بفيض دموعها كالعادة !
فتدمع عينا غادة وهي ترفع رأسها للأعلى متمتمة بالحمد !!
لقد عاشت عمرها تفتقد حنان أم ..
والآن يعوضها القدر باثنتين !!

تشعر بسيف يجذب ذراعها فترفع إليه عينيها الدامعتين لتراه ينحني ليقبل جبينها هامساً :
_مش عايز دموع النهارده .
تومئ برأسها موافقة لكن القدر يكون له رأي آخر ..
فقد ظهر هناك علاء ليهتف مشيراً للقاعة المجاورة :
_المأذون مجهز كل حاجة ..مين وكيل العروس ؟!
_انت طبعاً يا عمو !
تهتف بها غادة بعمق عاطفتها لكن أحدهم يظهر من خلفه قائلاً :
_وأنا ما أنفعش ؟!

تتسع عينا غادة بصدمة وهي تراه والد أحمد يتقدم متكئاً على عصاه ..
لقد دعته بطبيعة الحال لكنها لم تتوقع أن يحضر ..
لا أن يعرض أن يكون وكيلها !
لهذا انتفض جسدها فجأة في شهقة بكاء وهي تحتضن الرجل الذي دمعت عيناه وهو يهتف بصوت متهدج :
_الحمدلله إن ربنا مد في عمري لحد ما شفتك مبسوطة واطمنت عليكي .

تدمع عينا علاء وهو يتذكر مصابه هو الآخر ليربت على ظهر أخيه ..
فيما كان سيف يحترق بغيرة لا يملكها وهو يراها هكذا ..
يعلم أن الوضع طبيعي لكنه لا يحتمل ..
لهذا ما كادت تبتعد عن الرجل حتى ضمها هو بين ذراعيه ليربت على ظهرها برفق كأنه يعلن ملكيته الجديدة لها ..
ليعلو صوت أمه خلفه :
_اوعي تعيطي الماكياج هيبوظ .
فترفع وجهها بنفس عميق تسمح له أن يتخلل رئتيها قبل أن تمنحها عينا سيف نظرة مطمئنة قابلتها بابتسامة ..

الزغاريد تنطلق عقب عقد القران ليبدأ الحفل الذي لم تتوقعه هي بهذه الروعة ..
عندما يتحد رامز مع إسلام فالنتيجة كارثية !!
الاثنان كانا يعلمان عن غيرة سيف وتحفظه لهذا اعتمدا فقرات مميزة للحفل تختلف عن المعتاد من رقص العروسين ..

_ولأن عريسنا مش أي عريس ..هنقدم له رقصة تركي مخصوص من إخراج العبد لله ..رقصة الزيبك .

يهتف بها إسلام عبر الميكروفون ثم يشير لرامز وبعض أصدقائهم الذين التفوا في وضع دائري يؤدون تلك الرقصة من الفلكلور التركي ..والتي تتميز بإيقاعها الذي يبدأ بطيئاً قبل أن يتسارع مؤخراٌ ..
يحنون ركبهم كثيراً بين الحركات وهم يتمايلون بأذرعتهم ..
يلتفون حول سيف الذي وقف في المنتصف ..يشبكون أذرعتهم خلفهم مع دورانهم استجابة للحن المميز.

رقصة ماهرة أجاد إسلام إخراجها مع أصدقائه لتكون بهذه المهارة فاستدعت تصفيق الحضور ..
ولم يكادوا ينتهون منها ..
حتى عاد إسلام يهتف عبر الميكروفون :
_وبعد الواجب التركي ننزل بالواجب المصري بقا ..ونسمع أجمل سلام لعريسنا ..بالبلدي ياللا ..

القاعة تنفجر باللحن الصاخب لأحد الأغاني الحديثة مما يسمونها "أغاني المهرجانات" والتي أشعلت الحضور ليمضي إسلام في الرقص بمهارة وقد تناول ذراعي ريما بين ذراعيه ..

_لذيذ قوي ابن الإيه صاحب العريس ده ..سنجل واللا إيه نظامه ؟!
_أنا قربت وشفته ..مفيش في إيده دبل .

تسمع نشوى الحوار خلفها مصادفة فتلتفت للخلف بوجه محمر غضباً يجعل الفتاتين المتحدثتين تنسحبان حرجاٌ لتختفيا من أمامها فيما تعاود هي الالتفات نحو المنصة بعينين مشتعلتين ..
لولا سعادة ريما الطاغية هذه لسحبتها من ذراعها وغادرت من هنا ..
لا ينقصها إلا أن تسمع النساء يتغزلن بزوجها ..
زوجها ؟!
الكلمة تبدو غريبة على مسامعها وهي تحمل لها سؤالاً عما يعنيه شعورها هذا ..
هل تغار ؟!
تعض شفتها السفلى وهي تعاود مراقبته من بعيد يرقص بحيوية مرحة مع ابنتها فتدمع عيناها وهي تتذكر يوم كانت هذه الضحكة لها ..
تفتقده !
تفتقده حقاً !!
لكنها تخاف أن تقترب فتعود لتزل قدمها في بئر الخيانة !!

تنتبه من شرودها عندما يهدأ العزف ليتحول لأنغام بطيئة تلائم رقص الثنائيات ..
فتراه يهبط مع ريما مغادراً المنصة ليتوجها نحوها ..
تطرق برأسها كعهدها بخزي مخافة التقاء نظراتهما ..

_شفتي رقص بابا حلو إزاي ؟!
تهتف بها ريما وهي تصل إليها لتغتصب ابتسامة باهتة وهي تهز رأسها فترفع ريما وجهه نحوه هو هاتفة :
_انت مش هترقص مع مامي زي كل الناس دي؟!
يضطرب قلبها بارتباك وهي تنتظر رده لكنه يقول لريما ببساطة :
_لا أنا هارقص معاكِ انتِ الرقصة اللي بعد دي .
_ومامي؟!
_مامي ما بتحبش .
يقولها ببعض الخشونة لتتلقاها صفعة جديدة على صفحة كبريائها فتطرق بوجهها أكثر ..
تتذكر أنها غيرت رأيها وقررت الحضور معه هذه الليلة في محاولة منها للاقتراب كما نصحتها ياقوت ..
لكنها الآن تشعر بالندم ..
فلتعد لشرفتها الآمنة ..تغلق بابها خلفها وتكتفي بأن تجتر حزنها وحدها !!



وعلى منصة العروسين مالت غادة على سيف هامسة :
_عاجبك منظرنا ده ؟! فيه عريس ما بيرقصش مع عروسته ؟!
لكنه تناول كفها بين راحتيه لينحني بجذعه نحوها فيغرس نظراته في عينيها :
_أول مرة شفتك وخطفتِ قلبي كنتِ بترقصي معاه ..تفتكري ممكن أسمح لحد يشوفك تاني كده ؟! احمدي ربنا إني عملت فرح أصلاً .
فتضحك وهي تميل رأسها هامسة :
_غيرتك دي بقت رهيبة .
فيرفع أحد حاجبيه محذراً لتقترب بوجهها منه هامسة بدلالها المهلك :
_بس بحبها زي ما بحبك .
_غادة !
يهمس بها مغمضاٌ عينيه وهو يشعر أنه لا يكاد يطيق صبراً على الانتظار ..
فلينتهِ كل هذا بأقصى سرعة ..هو لا يريد إلا الانفراد بها فحسب .

وعلى المنصة كان علاء يراقص إيناس التي احمرت وجنتاها بخجلها المعهود وهي تهمس به :
_الناس بتتفرج علينا ..كان لازم نرقص يعني؟!
فيضحك وهو يضمها نحوه أكثر هامساً :
_أشوفلي واحدة تانية أرقص معاها يعني ؟!
_علاء! ما تقولهاش ولو بهزار!
_بتغيري يا نوسة ؟!
تكتم ضحكتها الخجول في كتفه وهي تشعر بلفظة تدليله تعيدها للخلف ثلاثين عاماً وربما أكثر ..

_من زمان ماقلتليش نوسة دي!
_ما انتِ اللي فرحانة لي ب"أنّا" اللي بيقولهالك الولاد !
يقولها مشاكساً وهو يتمايل بها بمهارة على الأنغام الهادئة لتتنهد بحرارة وهي تنظر تارة نحو سيف ..ثم نحو إسلام لتهمس أخيراً :
_ولادنا اتجوزوا يا علاء ..اطمنا عليهم .
فيختلس نظرة طويلة نحو إسلام ليقول بحذر:
_سيف آه ..إسلام لسه شوية ..حاسّه مش طبيعي ..مخبي حاجة مزعلاه بس مش عايز يقول .

لكن تفكيرها هي كان معلقاً في زاوية أخرى ..
طيف "الحبيب الراحل" يداعب خيالها فتدمع عيناها مع قولها :
_سيف وعدني لو جاب ولد ..هيسميه هاني .

يلتفت نحوها بحدة والكلام يفاجئه لتدمع عيناه بدوره فيتوقف مكانه لا إرادياً للحظة قبل أن يعود للتمايل معها كي لا يلفت الأنظار :
_الله يرحمه .
_هتصدقني لو قلتلك شفته وهو بيرقص معاهم ؟! ضحكته كانت بترن في ودني !
تهمس بها بصوت متهدج وهي تخفي وجهها الملطخ بدموعه في صدره فيتنهد بحرارة وهو يمسح عينيه ليربت على ظهرها هامساً :
_قولي الحمد لله ..ربنا عوَضه كبير .
ترفع نحوه وجهها بابتسامة ممتزجة بدموعها فيبتسم بدوره ليعود لمشاكسته المعهودة :
_بطلي نكد بقا أحسن والله أشوفلي بنت حلوة م الصغيرين دول .
_والحلوة الصغيرة هتبصلك على إيه ؟! وشك المكرمش واللا شعرك الأبيض؟!
_وشي المكرمش ؟! أنا وشي مكرمش يا وش ..
_وش إيه ؟!
تقولها بنبرة مهددة مشاكسة كعهدهما فيحتضنها بين ذراعيه بقوة أكبر ليضحك هامساً لها بحب:
_وش القشطة !

وفي مكانه يقف إسلام يراقب رقص الثنائيات ببعض الحسرة ..
يتمنى لو تشاركه هذه الرقصة لكنه لن يطلبها ..
هو تعجل مرة وندم ..
لابد أن تكون الخطوة القادمة منها هي !!
يختلس نظرة جانبية نحوها ليجدها تطيل التحديق في غادة ب"نظرة غريبة" والدموع تملأ عينيها ..
نظرة هي مزيج من حسرة وحزن ..وغيرة !!
هل تغار منها حقاً ؟!
أفكاره تنقطع وهو ينتبه لإشارة سيف له أن يأتيه فهرع إليه لينحني عليه ليستمع فيبادره الأول بقوله :
_فُضّ المولد ده بقا أنا زهقت .
فيضحك وهو يبسط له راحته هاتفاً :
_تدفع كام ؟!
يلكمه سيف في كتفه فيتأوه بخفوت ثم يتحدث لغادة هاتفاً :
_اشهدي ..عاملله أراجوز طول الفرح والآخر يضربني .
يعاود سيف لكمه فيضحك هذه المرة وهو يبسط راحتيه مستسلماً قبل أن يتحرك لينفذ له ما أراده ..
=======
في طريقهما للبيت عقب انتهاء الحفل يختلس إسلام نظرة جانبية نحوها ليلحظ شرودها البائس كعهدها منذ بدأت الليلة ..
بل منذ ليلتهما الكارثية تلك !
عيناه تنحدران نحو ساعديها اللذين احتضنت بهما جسدها وهو يشعر بشفتيها ترتجفان فيما بدا كتمتمة لم يسمعها ..
تراها لاتزال تفكر به ..ناصر!!
الخاطر الأخير يؤججه غضباً لكنه ينتزعه من ذهنه قسراٌ وهو يوقف سيارته جانباً ليترجل منها ثم يفتح الباب الخلفي ليحمل ريما التي غلبها النعاس ..
تتحرك خلفه كالمغيبة لتصعد نحو البيت ..
ترفع عينيها نحوه عن بعد لتراه وهو يخلع عن الصغيرة حذاءها بحذر فوق فراشها قبل أن يرفع عليها غطاءها ثم يقبل جبينها بعمق ..
جسدها يرتجف بقشعريرة مهلكة وهي تتذكر قبلة كهذه كانت يوماً على جبينها هي !
تذكرها الآن كحلم بعيد ..
بعيد جداً ..
فترفع أناملها تتحسس جبهتها ببطء وهي تود أن يبقى هو هكذا لأطول وقت ..
تراقبه من بعيد فلم تزل عاجزة عن رفع عينيها إليه بعد !

تراه يستقيم في وقفته فتطرق برأسها لا إرادياً وهي تشعر به يتقدم نحوها ..
خطواته تتباطأ نوعاً عندما يمر جوارها فتزداد خفقاتها جنوناً لكنه يتجاوزها بعدها ليتركها ..
تشعر بالبرد !!
أجل ..رغم حرارة الجو المفترضة لكنها كانت تشعر أنها تفتقد دفئاً خاصاً ..
دفئاً لم تعرفه إلا معه ..
لكن ..هل كان الأمر يخصه هو حقاٌ ؟!
أم أنه مجرد صورة واقع لخيال طالما تمنته ؟!

السؤال يقذفها لنفس الجحيم من جديد فتتخطاه ب"طمس أفكارها" كالعادة ..
لن تفكر ..
ستهرب ..ستهرب كعهدها لمنفاها الآمن ..
تخلع عنها ثوبها وحجابها لترتدي إحدى المنامات التي كان قد أحضرها لها ..
شبه ابتسامة واهية تجتاح شفتيها وهي تتذكر تعليقاً وقحاً قد قاله ..
هل تبالغ لو قالت إنها ..تفتقد روحه المرحة هذه !

تتحرك نحو المرآة تتفحص شكلها ..
امرأة مع إيقاف التنفيذ !
آلة لم تعد تصلح إلا للعمل فحسب!!
العطل الذي أصاب قلبها أوقف كل محركات أنوثتها ..
فمن ذا يصلحه ؟!

تتحرك بخطوات محبطة نحو الشرفة الضيقة لتغلق بابها خلفها فتستعيد بعض شعورها بالأمان ..تأخذ نفساٌ عميقاً ثم تتحرك لتجلس في زاويتها ..ترفع ركبتيها لتطوقهما بذراعيها ..
ثم ..تدفن رأسها بينهما !
ليتها تعرف على الواقع حلاً يدفن أوجاعها هكذا كذلك !

تستعيد صورة غادة "العروس" فتنفجر دموعها فجأة وهي ترثي نفسها ..
إنها لم تطمع في الكثير!
هي فقط أرادت سعادة كهذه التي كانت على وجهها ..
أرادت رجلاً يفخر بها تصرخ ملامحه عشقاً كما كان سيف ..
أرادت مرفأً آمناً ترسو فيه سفينتها كواقع بعد رحلة طويلة في بحر خيال ..

تشعر بالباب يفتح فينتفض جسدها ترقباً ..وخزياً ..
لا ..لا تريده أن يراها تبكي من جديد ..
تكتم شهقات بكائها وهي تدفن وجهها بين ذراعيها أكثر تكاد ترجوه أن يتركها لوحدتها ..
لكنه يقترب أكثر لتشعر به يجلس جوارها ..
جسدها يتحفز بترقب منتظراً منه كلمة ..أو حتى حركة ..
لكنه بقي ساكناً جوارها لا تكاد تسمع سوى صوت أنفاسه وسط كل هذا السكون ..
كأنه يشاركها بسكوته وقد عجز عن الكلام !!

الصمت الثقيل يسودهما لدقائق طالت ..
حتى وجدت بعض القوة لترفع رأسها أخيراً ..
تنظر أمامها نحو الجدار الأصم وكلماتها تتسرب رغماً عنها بوجع :
_لبست فستان الفرح مرتين ..بس ولا مرة ..ولا مرة حسيت بالفرحة اللي شفتها النهارده في عينيها .

تتسع عيناه بإدراك وهو يميز سبب هذه النظرة الغريبة التي رآها في عينيها هذه الليلة ..
قبل أن يختلج قلبه بلوعة وهو يرى عبر الظلمة النسبية للشرفة خيط الدموع الذي كان يسيل على وجنتها ..
قناع جفائه يتشقق نوعاً وهو يتنحنح ليغمغم بخشونة نسبية وهو يتحسس تلك الشامة غريبة المظهر تحت أذنه :
_فاكرة لما قلتلك قصة الوحمة دي ؟! كنت بكرهها وفكرت أشيلها ..أنا عملت علاقات مع ستات كتير قوي ..بس مفيش واحدة لمستها قبلك ..

تختلس نظرة جانبية نحوه وكلماته تزيد من معدل خفقاتها إذ تتذكر ليلتهما الوحيدة معاً ..
مزيجٌ من الخجل والخزي يطوقها فلا تدري بماذا ترد ..
طبيعتها "الشوكية" تطفو للسطح نوعاً ما فتجد نفسها تقول دون أن تنظر إليه :
_كل شوية تقوللي إنك عرفت ستات كتير قبلي ! للدرجة دي فخور بالموضوع ده ؟!

فيصمت للحظات قبل أن يصلها رده غارقاً بين صدقه وحسرته :
_مش يمكن العكس ؟! أنا حاسس إن ربنا بيعاقبني في الست الوحيدة اللي ..
يصمت للحظة بعدها فتتحفز حواسها كأنما تجلس على صفيح ساخن ..
قبل أن يردف بنبرة أكثر حرارة :
_حبيتها بجد .

لم يكد ينتهي منها حتى فوجئ بها تلتفت نحوه بحدة ..
ولأول مرة منذ تلك الليلة تجد الجرأة لترفع عينيها إليه ..
كأنما تسمع اعترافه لأول مرة!

حدقتاها تتسعان رويداً رويداً مع انفراج شفتيها فتبدو له ك"طفل" يرى أخيراً بعد طول عمى ..
والحقيقة أنها لم تكن تختلف كثيراً عن هذا التشبيه ..
اعترافه الأول تلقاه عقلها ب" أذن حسرتها" على ناصر ..
فلم تكد تسمع سواها ..
أما هذا فيتلقاه قلبها ب"أذن أمل" تستكشفه هو كرجل ..
فلا تجد سوى ضباب ..
لكنها تذهله وهي تتحرك ليجدها فجأة على صدره !
ذراعاها يحيطان بعنقه بينما أناملها تتلمس "الوحمة" هذه مع كلماتها التي امتزجت بدموعها :
_أنا آسفة ..آسفة ليك ولنفسي ..عارفة إني جرحتك يومها ..بس والله العظيم غصب عني .

قلبه يخفق بجنون وهو يشعر بعناقها يزلزله !!
خلاياه كلها تشتعل بعاطفته وهو يدرك في هذه اللحظة أنها تراه هو ..
لكنه يقبض كفيه جواره بقوة عاجزاً عن مبادلتها عناقها ..
ليس بعد ..ليس بعد !
_ليه ورطت نفسك مع واحدة زيي؟! ليه ما سبتنيش زي اللي سبقوك ؟!

لا تزال كلماتها تذبحه بوجعها بينما أناملها التي تتحسس وحمته هذه تكاد تصيبه بالجنون ..
فيخرج صوته متحشرجاً بجوابه :
_برضه غصب عني .
تفهم عبارته كما أرادها تماماً فتزداد ارتجافاً على صدره ..مع همسها:

_عايزة أقوللك حاجات كتير بس ..مش قادرة ..

زخة أخرى من دموعها تسقط على صدره فلا يشعر بأنامله التي ارتفعت لتحتضن أناملها فوق عنقه مع سؤاله :
_أنا خلليتك تندمي على حاجة قلتيهالي قبل كده ؟!

تمرغ وجهها في صدره كجواب بالنفي فيأخذ نفساً عميقاً وهو يشعر بصدره يكاد ينفجر بأثر قربها هذا ..

_بُصيلي يا نشوى!

يهمس بها ببعض الحزم فيشعر بها ترتجف أكثر عاجزة عن فعلها وقد آثرت دفن وجهها في صدره كعادتها في الهروب ..
لكنه يرفع ذقنها نحوه بنفسه بكفه الحر ولايزال الآخر متشبثاً بأناملها فوق عنقه ليسألها :
_انتِ دلوقتِ شايفاني أنا ..صح؟!

أناملها تتحرك ببطء فوق "وحمته" لتمنحه جواباً غير منطوق فتتهدج نبرته وهو يردف:
_كل مرة هتلمسيها هاعرف إنك شايفاني أنا ..لو الصورة اتبدلت في عينيكي ..ابعدي وأنا هافهم .

تتسع عيناها بصدمة من هذا "التفهم" الذي يبديه للحظات ..
ثم تنخرط من جديد في البكاء وهي تعاود إخفاء وجهها في صدره هامسة :
_انت فاكرني مبسوطة باللي أنا فيه ؟! أنا بكره نفسي ..بكرهها وأنا حاسة أد إيه أنا غبية وموقفة عمري على وهم ..ممكن أصرخ ألف مرة قدامكم إني نسيته بس بيني وبين نفسي عارفة إني بخبط راسي في حيطة سد ..

غضبٌ طبيعي يجتاحه مع اعترافها لكنه يسيطر عليه بقوة يحسد عليها وهو يعاود رفع وجهها نحوه ليسألها بنفس الحزم :
_انتِ ما جاوبتيش سؤالي يومها ..اشمعنا ماكنتيش بتتخيليه مع جوزك اللي قبلي؟!

هنا يشعر أن الألم على ملامحها يتضاعف آلاف المرات وهي تغمض عينيها للحظات بتردد قبل أن تعاود دفن وجهها في صدره لتحكي ..
تفاصيلها المؤلمة التي ترويها عن زوجها السابق تخزه بقسوتها ليثق من صحة استنتاجه ..
الآن يفهم لماذا بدت له ليلتها عديمة الخبرة كعذراء ..
يفهم لماذا ارتبط هو في ذهنها بناصر ..
تماماً كما أخبرته ياقوت ..
لأنه اقترب من "تمثال الحب" الذي نصبته في قلبها طوال هذه الأعوام بصورة واحدة لم تغيرها !!
تفاصيلها تزداد خزياً وهي لا تدري كيف جرؤت على الاعتراف له بكل هذا ..
فتزداد ارتجافة جسدها حتى يكاد ينتفض بوجعه..
هنا كان قد أخذ قراره أن قد آن الأوان !
يمد ذراعيه أخيراً ليضمها إليه بقوة فتنتحب لتهمس له بما بدا صادقاً لأبعد حد :
_انت أول حد أحس معاه ب...مش عارفة أعبر ..مش فاهمة نفسي ..ينفع أقوللك إني عايزة أحبك ؟! عايزة أسعدك ؟! عايزة أقرب منك تاني ؟! بس خايفة ..خايفة أحس الإحساس اللي دبحني ليلتها ..خايفة أخونك ولو بفكرة ..خايفة ..خايفة ..
فيصمت لحظة ليردد بصوت أرجفته انفعالاته :
_اللي أقدر أقولهولك إنك لو اخترتِ تبعدي خطوة هابعد خطوة ..
يشعر بأنفاسها تتوقف كأنما سلبها إياها بكلماته ..
لكنه يردف بعدها :
_بس لو قربتِ خطوة هاقرب عشرة .

يقولها وهو يشدد ضغط ذراعيه حولها بكل قوته كأنه يبدلها بكل هذا الخوف أماناً غير مشروط ..
أماناً يحتويها بدفئه الذي تنعمت به للحظات قبل أن ترفع وجهها إليه بنفسها هذه المرة ..
عيناها تدوران فوق ملامحه بهذه النظرة الآسرة كأنها تراه لأول مرة ..
شفتاها تقتربان من شفتيه ببطء ليفاجأ بها تمسهما فينتفض جسده مكانه ..
آهة خافتة تغادر شفتيه وهو يخفض وجهه لأول لحظة عنها رافضاً إياها ليغلق عينيه هامساً بعذاب:
_نشوى!
لكنه يشعر بأناملها تعاود تلمس "وحمته"’ كأنما تمنحه الجواب الذي يكفيه !
شهقة خافتة تغادر حلقها وهي تفاجأ به في حينها يعيدها للخلف إذ رفع ركبته ليسند ظهرها على ساقه قبل أن ينحني فوقها لينال هديتها كما يجب !!
اللحن الشغوف بينهما تتصاعد وتيرته بجنون يكتسحهما معاً لدقائق لم تدرِ عددها ..
لهب ٌ من عاطفته يلفحها فلا تشعر ببرودة الأرض التي وجدت ظهرها يلاصقها فجأة بينما تتلقى المزيد من عطاياه بنهَم محروم ..

_بحبك ..بحبك ..

همساته تتواءم مع لمساته بإيقاع خبير يدغدغ أنوثتها للحظات لكن "الطيف اللعين" يقتحم خيالها عنوة ليفسد عليها اللحظة ..

تشهق بعنف وهي تدفعه فجأة لتحيط رأسها بكفيها وهي تنهض جالسة وجسدها كله ينتفض كالمحمومة ..
فلا يحتاج لسؤالها عما حدث !
عروق جبهته تنفر غضباً وإحباطاً فيضرب الأرض جواره بقوة قبل أن ينهض بدوره ليغادر الشرفة لاهثاً صافقاً الباب خلفه بقوة ..

_مش في يوم وليلة ..ده هرم اتبنى حجر حجر وكل حجر بيوم من العمر..خدي وقتك بس المهم في الآخر إنك تنسفيه ..وأنا واثقة إنك هتقدري .


تكاد تسمعها بصوت ياقوت ذاك اليوم فتبدو لها كقبس من نور وسط كل هذه الظلمة ..
تشعر بالمزيد من الخزي والإشفاق نحوه فتنهض من مكانها لتبحث عنه فتجده هناك واقفاً في الشرفة الأخرى الواسعة ..
تتردد قليلاً قبل أن تملك القوة لتتقدم نحوه فتربت على ظهره هامسة :
_آسفة .
لكنه يتمالك نفسه وهو يدرك أنها حقاً تجاهد نفسها كي تخرج من متاهة الماضي ..
يكظم كل مشاعره السلبية وإحباطاته ليلتفت نحوها بابتسامة تلقفتها هي كطوق نجاة !
تأخذ نفساً عميقاً وهي تحاول هي الأخرى مقاومة هذا الشعور بالخزي الذليل ..
لتغمض عينيها بقوة هامسة :
_شكراً عشان ماسبتنيش أروح مع أشرف ليلتها ..لو كنت عملتها ماكنتش هارجع تاني هنا أبداً .
_قلت لك مش هاسيبك ..حطيها حلقة في ودنك .
يهمس بها بحسم لتتأوه بخفوت وهي تشعر به يقرن قوله بفعله فيعض أذنها ببعض القوة لتفتح عينيها متفاجئة وهي تتراجع بوجهها قبل أن ..
تبتسم!
ابتسامة حقيقية يراها منها لأول مرة بهذا الصدق ..
والأهم أنها تخصه هو !!
ابتسامة وجدت توأمها على شفتيه ليناظرها بهيام للحظات قبل أن يحيط خصرها بكفيه ليقترب منها بوجهه هامساً :
_أنا مش زعلان م اللي حصل بالعكس ..الصراحة بيننا هي اللي هتقربنا ..مهما حصل اوعديني ماتخبيش أي حاجة .
تومئ برأسها موافقة وابتسامتها تزداد اتساعاً لتختلط بخيط دموع سال رغماً عنها ..
لكنه انحنى بوجهه أكثر يدلل ابتسامتها بشفتيه برقة هامساٌ :
_مش هانسى ابتسامتك دي طول عمري ..أول حاجة فيكِ أحسها بتاعتي لوحدي .
فتتسع عيناها بالمزيد من الذهول وهي لا تصدق أن كل هذه العاطفة لها ..هي!!
هي؟!
بعد طول سنوات شعرت فيها أنها لا تستحق الحب !!
تدمع عيناها بتأثر فيتنهد بحرارة وهو يتذكر صفعته لها تلك الليلة ..
يتحسس وجنتها وجانب شفتيها برقة هامساً :
_آسف ع اللي حصل ليلتها ..أنا عمري ما مديت إيدي على واحدة ست .
فاتشحت ابتسامتها بالكثير من المرارة وهي تغمض عينيها هرباً من خزي تلك الليلة هامسة :
_ياريت ألف قلم بس أفوق ..نفسي أفوق م اللي أنا فيه ..أنا ..أنا كارهة نفسي .
_بس أنا بحبك .
يهمس بها وهو يرفع ذقنها نحوه لتمتزج أنفاسهما فتعاود فتح عينيها وكأنها تتلقف منه كل نظرة تروي المزيد من بذور أنوثتها ..
نظرتها شديدة البراءة في عينيه تشبه نظرة ريما عندما يفاجئها بهدية جديدة ..
الآن فقط يوقن تماماً أن ناصر هذا ليس سوى وهم صنعه خيالها وغذته قلة ثقتها في نفسها رغم طبيعتها المتمردة ..
يفاجأ بها تضم خصره بكلي ذراعيها بقوة لتسند رأسها على صدره هامسة بكلام غير مرتب ..لكنه كان يشع صدقاً:
_حضن بابا كان دافي قوي ..يوم ما سابني قلت البرد اللي حسيته عمره ما هيفارقني ..حضن أشرف برضه دافي بس دايماً حاساه ناقصه حاجة ..يمكن ..نظرته دايماً اللي بتحسسني إني صعبانة عليه ..
تقطع حديثها العفوي فجأة فيسألها باهتمام :
_وأنا؟!

صمتها يطول لدقيقة كاملة فيتنهد بحرارة وهو يزيح شعرها جانباً ليطبع على عنقها قبلة ناعمة وهو يكرر سؤاله بينما يربت على ظهرها بحنوّ:
_وأنا يا نشوى؟!
جسدها يرتجف بين ذراعيه وهي ترفع عينيها نحوه بنفس النظرة الآسرة..
تفك تشابك ذراعيها حوله لتبتعد خطوة هامسة بتشتت:
_انت ..حاجة جميلة خايفة أصدقها وتروح ..وخايفة تفضل معايا أتعذب بذنبها وأنا مااستاهلهاش .
_ولو وعدتك إنها ماتروحش ؟!

يقولها وسبابته تدور ببطء فوق راحة يدها ثم تصعد ببطء على طول ذراعها وكتفها لتستقر فوق شفتيها أخيراً فيربت بها عليهما تربيتة خفيفة كأنه يستحثها النطق..
لكنها لا تجد الرد !!
تود لو تقسم له أنها تحاول قدر استطاعتها أن تتخلص من بقايا وهمها لكنها تخشى أن تجرح رجولته أكثر ..
فتبتسم من جديد هامسة بصوت مرتجف:
_عارف؟! سهل قوي نقابل ناس يخللونا نحبهم ..بس صعب نقابل حد يخللينا نحب نفسنا ..انت ..انت شكلك هتخلليني أرجع أحب نفسي .

غمزته الساحرة تعاود غزو قلبها ك"حبيب طال انتظاره "خاصة وهو يخبط جبينها بجبينه بخفة هامساً:
_أهي دي أجمل حاجة سمعتها منك النهارده .
آهة عميقة تغادر من قلبها لقلبه دون حواجز فيتلقفها على صدره ثم يربت على ظهرها برفق ..
والأنفاس الممتزجة تتعاهد أن تكمل الطريق مهما طال ..
=====

_أخيراً !
يهمس بها بنفاد صبر وهو يدخل بها غرفة نومهما لتلتفت نحوه بنظرة آسرة بين خجل وحب لم تستطع إخفاءه ..
يأخذ نفساً عميقاً ثم يزفره ببطء وهو ينتزع عنها طرحتها برفق ..
يعد نفسه لرؤية معشوقه الذي طالما أثار جنونه ..
لترتجف حدقتاه بتأثر وهو يرى شعرها بلونه الذي يهيم به ..
"صواعق فتنتها" التي طالما أرقت أحلامه ..
يترك أنامله تتخلل نعومته وهو يسدله على كتفيها فتبتسم بخجل لم يفارقه دلالها :
_هه؟! زي ما كنت فاكرُه ؟!
_أجمل ..بكتير !
يقولها ثم يتأوه بخفوت وهو يضم رأسها لصدره وأنامله تداعب منابت شعرها مع همسه :
_ناقص بس نرقص سوا ..زي ما حلمت .
تضحك ضحكة قصيرة وهي تتلفت حولها قائلة :
_هتشغل موسيقا إيه ؟!
_الأول ..عايز ألبسك ده !
يقولها وهو يتحرك ليشغل جهازاً ما هناك فتنبعث منه أنغاماً غربية هادئة ..
قبل أن يفتح أحد الأدراج ليستخرج منها علبة فتحها أمام عينيها هامساً :
_لو مش هتتجاب لك انتِ ..تتجاب لمين ؟!
تشهق بانبهار وهي تراقب سلسلته التي أخرجها بسبيكة طولية من البلاتين المرصع بالفصوص اللامعة الصغيرة على جوانبها والتي نقش عليها اسماهما مع عبارة "حتى تحترق النجوم" ..

_تجنن يا سيف ..تهبل ..أجمل بكتير من الميدالية ..والأحلى إنها هتفضل على طول في رقبتي مش هاقلعها .

تهتف بها بسعادة وهي تهم بارتدائها ..
لكنه يبعدها عنها بنظرة زاجرة جعلتها تضحك ضحكتها المهلكة وهي تحني رقبتها ليلبسها إياها ..

_تسمحيلي أبوسك بعدد الليالي اللي حلمت بيكِ فيها وانتِ بعيد ؟!

همسه المشتعل يخضب وجنتيها بحمرة خجل طاغية لكن طبيعتها المرحة تغلبها فتهمس لها بشقاوتها العفوية :
_ابن الناس الكويسين بيستأذن ؟!
لم تكد تنتهي منها حتى تأوهت بخفوت وهي تشعر بتراقص شفتيه على طول مدار سلسلته على عنقها وجيدها ..
عشرات القبلات تحكي لها عن اشتياق ليالٍ لم يتمكن فيها من البوح ..
ليرفع ذقنها نحوه أخيراٌ هامساً بحب تحرر أخيراً من حواجز تحفظه :
_حلم جميل بقا حقيقة أجمل ..عمري ما حسيت بفرحة أد اللي مالية قلبي دلوقت .
غلالة رقيقة من دموع تغشي عينيها فتسبل جفنيها هامسة :
_امال أنا أقول إيه ؟! انت رجعتلي ضحكتي ..نفَسي ..دقات قلبي ..كل حاجة فيا كانت اتعطلت ومعاك انت ..

همساتها تنقطع بين شفتيه وهي تشعر به يضمها نحوها أكثر ..
أنامله تجد طريقها عبر خصلات شعرها التي طالما أثارت جنونه بينما ذراعه الآخر يطوقها بقوة عشقه ..
جنون عاطفته الذي طالما واراه خلف سدود تحفظه ينطلق الآن حراً من عقاله وهي تشعر به يدور بها ..
يدور.. ويدور ..فلا تدري هل كانت هذه هي رقصته التي تمناها معها حقاً ؟!
ولو قرأت ما بقلبه لأدركت أنه كان الآن يعيش حلمه ..على الواقع!!
آهاته تنساب ناعمة في أذنيها واشية بهذه العاطفة التي يضج بها قلبه ..
تترنح رغماً عنها شاعرة بالدوار لكن ذراعه يتشبث بها أكثر فلا تدري كيف سقطت معه على الفراش ..
تفتح عينيها لتصطدم بهذه النظرة في عينيه ..
نظرة رجل أمسك الدنيا وما فيها !!

_سيف !
تهمس بها بعمق عاطفتها فينحني بشفتيه ليدلل ملامحها كلها بشغف حار يصهرها في لهيبه ..
كأنها امرأته الأولى ..
وكأنه رجلها الأول ..
صور الماضي -على قدسيتها - تتوارى بحياء خلف غيوم الذاكرة فلا تترك مجالاً سوى ليوم وغد ..
ليلة دافئة يغزل فيها الحب خيوطه السميكة بينهما لتستيقظ صباحاً فيكون أول ما تراه هديته الجديدة ..


_وااااو ..هدية كمان ع الصبح كده !
تهمس بها بصوت ناعس مفعم بدلالها الفطري وهي تنهض من فراشها ليتأمل تفاصيلها الآسرة بهيام وهو يجلس جوارها على طرف الفراش قائلاً :
_عارف إن شيبوب وحشك وماكنتش مستعد ييجي يقضي معانا شهر العسل فجبتلك ده يفكرك بيه .

ضحكتها المهلكة تغرد في أذنه وهي تتناول منه العلبة لتفتحها وتستخرج الدمية القطنية بشكل الأرنب ..
تحتضنها بدلال يليق بها ويسرق خفقات قلبه باقتدار ..
قبل أن يشعر بتجمد ملامحها فجأة مع همسها الذي شرد معه بصرها:
_ريحته فراولة !
_ما بتحبيهاش؟!
يسألها بتوجس فتستسلم لشرودها للحظات مستعيدة ذكريات بشعة عاشتها ..
لكنها الآن كانت تملك من القوة ما يجعلها تنفضها عن ذهنها لتبتسم له مجيبة :
_ماكنتش بحبها بس دلوقت عادي .
ثم استقامت على ركبتيها لتزحف نحوه فتضمه إليها بذراعها الحر هامسة :
_شكراً يا حبيبي .
_بس كده ؟!
يرفع حاجبيه باستنكار فتمنحه واحدة أخرى من ضحكاتها الكارثية ناسبت همسها المغوي وهي تحدق بعينيها في عينيه :
_هاقول لعمو علاء ان ابن الناس الكويسين طلعت شقي خالص.
لم تكد تنتهي منها حتى صرخت بخفوت وهي تراه يميل بها فجأة ليعيدها لنومتها الأولى وسط ضحكاتها المتتابعة..
يشرف عليها من علو وهو يزيح خصلات شعرها الأحمر عن بشرتها العاجية هامساً بعينين متقدتين :
_هو حد يفضل عاقل مع ضحكتك وجمالك ده ؟!
تبتسم وهي تراقب احمرار أذنيه المتزايد فتتلمسهما برقة هامسة :
_ودانك دي هتبطل تحمر امتى؟!
_لما تبطلي تحلوي كده .
يهمس بها وعيناه تعانقان ملامحها بشغف ينافس شغف شفتيه بعدها ..
_اعقل يا سيف ..كده فعل فاضح قدام الأرنوب ..هنخدش حياءه ..آه ..
كلماتها تنتهي بمزيج ضحكاتها وتأوهاتها وهي تجد نفسها أسيرة عاصفة ستتعلم لاحقاٌ أن تجيد مواجهتها..وإن كانت تشك !
عاصفة عشق رجل كهذا لا يقف أمامها أحد !
======

_أنا عارف إني فاجأتك ومش مستعجل ع الرد ..خدي وقتك ..أسبوع اتنين مش مشكلة ..

تذكرها ياقوت بصوت سامر عقب عرضه الكارثي ذاك اليوم لتزفر بقوة وهي تسند رأسها على قبضتها المضمومة ..
تجلس على مكتبها في المركز تراقب الباب بحذر وهي تخشى أن يدخل في أي لحظة يطلب منها الرد فقد أوشكت المدة التي وضعها لها أن تنتهي ..
يعز عليها أن تحرجه ..لكن ما حيلتها ؟!
كلهم يطلبون منها أن تمنح نفسها فرصة التفكير ..
ثمر ..إسلام ..وحتى مروان الذي عرف بالأمر عرضاً ..
خاصة وهم يرون أن "فارسها المنتظر" قد ضل جواده طريق أراضيها ويبدو أنه استطاب أرضاً أخرى.

تدمع عيناها بأسى وهي تتناول هاتفها لتطالع صورة رأتها بالأمس وسرقت النوم من عينيها ..
صورة له مع امرأة شديدة الفتنة أرستوقراطية الطلّة تداولتها بعض المواقع الالكترونية عن شراكة جديدة تجمع بينهما ..
مع تلميح بما هو أكثر!!

تبتلع غصة في حلقها وهي تتحسس قرطه في أذنيها ..
لا ..لم تشك في حبه يوماً ولن تفعل ..
إنما هي تثق كذلك أن الزواج شيئ آخر !!
زين الفايد العظيم لن يرضى بامرأة بسيطة مثلها مع تاريخ أبيها خاصة وقد دخل بيت ثمر بنفسه ليدرك تواضعه ..
ألهذا السبب قد ابتعد ؟!
إنه لم يحدثها بكلمة من يومها ولا حتى برسالة هاتف !!

نظرة أخرى لتلك الصورة على هاتفها تشعل صدرها بالمزيد من النيران ..
الأحمق المغرور قال لها يوماً أنها آخر امرأة في العالم قد يغار عليها لأنه يثق في مكانته لديها ..
فما بالها إذن وهي أكثر ثقة في مكانتها لديه تكاد الآن تحترق غيرة ؟!

صوت طرقات خافتة على الباب يقاطع أفكارها فينتفض قلبها ترقباً ..
لا ريب أنه سامر يواليها بأخبار الحالة الجديدة التي يتشاركان علاجها وقد وجدا معاً أول الطريق ..
ليته يقصر حديثه عن العمل فحسب كما يفعل طيلة الأسبوعين السابقين متجاهلاً عرضه الذي رماه في وجهها كقنبلة !

_مش انتِ اللي فالحة وقلتيله نقّي واحدة عاقلة تستحمل ظروفك وتفهمها ؟! اهه اختار العاقلة الكاملة !

تهتف بها "عفريتتها العابثة" بمداخلة ساخرة غاضبة لكنها تنفض الخاطر عنها بسرعة وصوتها يعلو يسمح للطارق بالدخول ..

قلبها ينتفض بين ضلوعها بقوة وهي تكاد تكذب عينيها ..
زين !!
زين هنا !!
أخيراً !!
تقف مكانها ووجهها يترنح بين شحوب المفاجأة وحمرة الخجل ..
بينما يتقدم هو ليغلق الباب خلفه قبل أن يتقدم نحوها بخطواته الرصينة ظاهراً ..
الهوجاء باطناً !!

"سراجا الذهب" في عينيه يتوهجان كعهدهما فيغشيان قلبها قبل عينيها ..
كيف يمكن أن تعترف أن هذا العالم بأسره قد يحوي رجلاً غيره ؟!
من يمكنه أن يحدث فيها هذا الأثر فيبعثر كل خلية من خلاياها ثم يعيد لملمتها كما يفعل هو بمجرد نظرة ؟!

يقترب أكثر فتزداد فوضاها أكثر وأكثر ..
وفي سابقة تعد الأولى لها تبادره هي بمد يدها للمصافحة ..
فعلها قلبها قبل كفها !!
لكنه ظل ينظر ليدها الممدودة للحظات طويلة قبل أن يغمض عينيه وهو يقبض كفيه بقوة جواره قائلاً بصوته الآسر:
_رجّعي إيدك جنبك يا ياقوت ..لو هاودت نفسي ع اللي عايزه دلوقت مش هتسامحيني !

تعيد كفها ..إنما ليس جوارها بل تبسطه على صدرها محاولة السيطرة على خفقات قلبها ..
كيف يفعلها ؟!
كيف يصنع من كلمات بسيطة أعظم معاني الغزل؟!
كيف ببضعة حروف ..بضعة حروف فقط ..يصافحها ..يعانقها ..يقبلها ..ويغمرها في هذا السكن الدافئ الذي لم تعرفه إلا معه ؟!

يفتح عينيه بعد لحظات ليرنو ل"قمريها السجينين" خلف زجاج نظارتها ..
معها فقط عرف كيف يمكن أن تحمل عينا امرأة كل معاني الوطن ..وكل طغيان الاحتلال !!
افتقدها ؟!
كلمة هزيلة حقاً !!
إنه يشعر الآن وكأن كل الصخب الذي عاشه طيلة الأيام السابقة يسكن فجأة ليعزف الكون كله له ترنيمة سلام ..

يمد أنامله ببطء ينتزع عنها نظارتها فلم تعترض كالعادة ..
تركته يفعلها وكأنما تمنحه الفرصة كي يزيح كل الحواجز بينهما ..
يبتسم فتكتم تأوهها وهي تخفض بصرها عنه حياء ..

_ورجعت أيام الشقاوة ..وحشتنا يا برِنس الليالي ..انجز بقا وحياة الغاليين أنا قربت أحمض .

مداخلة حامية ل"العفريتة العابثة" تتجاهلها كعهدها وهي تستعيد ثباتها لتسأله بنبرة متحفظة تناقض براكينها الداخلية :
_خير ؟!
تتسع ابتسامته وهو يدرك أي حرارة تختفي خلف هذا البرود ..
قبل أن يتنهد بعمق وهو يتلفت حوله قائلاً :
_ممكن تعتبريني النهارده حالة ؟! عايز أخرج اللي جوايا لحد بثق فيه .

ورغم أن عبارته كانت عفوية تماماً لكن سلبية شعورها قبل مجيئه جعلتها تسيئ تأويلها فتراه يوقف مكانتها لديه عند هذا الحد ..
مجرد شخص يثق به !

لهذا تلبست قناع مهنيتها بمهارة لا تنقصها وهي تشير له نحو الأريكة الطويلة هناك والتي استلقى هو عليها مغمضاً عينيه ..
صمتٌ قصير يسودهما وهي تحاول كتم انفعالاتها ..
ليتحدث هو أخيراً :
_لسه مش قادر أتأقلم على دنيتي القديمة ..حالة نفور غريبة من كل حاجة ..الشغل ..البيت ..الناس ..

_والله ؟! والحلوة اللي كانت متصورة جنبك ؟! كانت بتشيل لك النفور ؟!

مداخلة ساخطة للعفريتة العابثة تتخطاها بقناع مهنيتها لتقول بنبرة جادة :
_طبيعي جداً ..المهم إنك تقاوم ..مش هتحس إنك راضي غير لما تشوف نتيجة ملموسة قدامك ..الدار مثلاً تقف على رجليها ..تشوف بعينك بنات كانوا هيضيعوا وبسببك لقوا الأمان ..تجوّز همسة وتخرجها من بيت الفايد عروسة رافعة راسها ..كل خطوة هتمشيها في الطريق المعاكس هتبقى صعبة لأنها عكس جاذبية شخصيتك القديمة ..صعبة بس فعالة ومؤثرة جداً .

يصمت قليلاً دون أن يغير وضعه ليخفت صوته مع اعترافه التالي:
_لسه بشوفها في كوابيس .

يتلون وجهها بألم يشبه الألم الذي سكن حروفه وهي تدرك عمن يتحدث ..
تلك المرأة أحدثت شرخاً بجدار روحه لا تظنه سيبرأ بسهولة وربما لن يبرأ أبداً ..
ليس فقط أنها جلدت ظهر كبريائه بل صفعتها المدوية لضميره كذلك ..

_بتشوفها إزاي؟!
تسأله بقناع مهنيتها الذي نسفه بجوابه :
_بشوفها مخبياكي وراها ..بتاخدك مني .

دقات قلبها تتعالى فجأة وهي تكتم تأوهها بصعوبة ..
تحمد الله أنه لايزال مغمضاً عينيه كي لا يشعر بهذا الأثر الذي أحدثته كلماته ..
هل حقاً يخشى فقدانها إلى هذا الحد ؟!
لماذا إذن لا يأخذ خطوة نحوها ؟!
كيف تخبره عن غضبها يوم طلبها سامر للزواج ؟!
عن انفعالها وهي تكاد تصرخ به أنها ملك رجل آخر ؟!
لكنها عادت لتذكر أن ذاك "الآخر" لم يظهر في الصورة بعد ..
ولايزال لا يريد الظهور!!

لهذا نكست رأسها بخيبة وصمتها يطول بعدها ..
ففتح عينيه أخيراً لينهض من رقدته وهو يتفحص ملامحها قائلاً بحذر:
_سكتتي فجأة ليه ؟!
_انت جاي النهارده ليه ؟!
مزيج من الخيبة والعتاب يلون حروفها لكنه لا يفهمه ..
فيرد بنفس الحذر:
_مش قلتلك اعتبريني حالة ؟!
هنا ترفع وجهها متحاشية لقاء نظراته لترد :
_ما ينفعش ..بيقولوها "I am so close" من الحالة ..لو تحب ممكن أرشح لك حد تاني بثق فيه .

ينعقد حاجباه بضيق وهو يشعر بجدار لا مرئي يرتفع بينهما ..
_مالك يا ياقوت ؟! شكلك متغير !

_قصدك اللبس؟! ده ذوق إسلام !
تقولها مراوغة بنفس النبرة وهي لا تزال تتحاشى نظراته فيزداد انعقاد حاجبيه بتفحص ..
عن أي ملابس تتحدث هذه ؟!
منذ متى يهتم هو بهذا الأمر ؟!!

_ياقوت !
يكررها بنبرة حازمة بين قلق ورجاء لكنها تقف مكانها لتقول بابتسامة مصطنعة :
_سألتك جاي ليه وقلت حالة ..وأنا اديتك ردي ..فيه حاجة تانية جاي عشانها ؟!

كانت تعذر نفسها في هذه الفظاظة المتوارية خلف ابتسامتها المتكلفة ..
تعذرها بخيبتها ..بغيرتها ..بالسؤال الذي لا تجد له جواباً ..
ما الذي ينتظره كي يقترب ؟!
لو كان حقاً يريد أن يقترب!!

فيقف بدوره وملامحه تشتد بضيق ممتزج بالدهشة ..
الجدار اللامرئي يزداد ارتفاعاً ولا يمكنه إدراك السبب ..
يود الآن لو يعترف لها أنه لم يبتعد عنها إلا ليفعل ما يستحق قربها ..
لكن كبرياءه يمنعه هذا الاعتراف !!
لهذا اهتزت حروفه التي طالما عهدها قوية وهو يرد مشيحاً بوجهه :
_أكيد فيه .
الأمل ينتعش في قلبها من جديد لكنه ينسفه باستطراده :
_فرح همسة ..جاي أعزمك تحضريه !

لم يكن الأمر يستحق هذا لكنها شعرت بكلماته تصفعها !
تبني سوراً خلف سور بينهما ..
هكذا إذن ؟!
هذا هو الدور الذي ارتضاه لها !
طبيبة نجحت في علاج أخته !!

نزيف كبريائها غير المرئي يجعل ابتسامتها المصطنعة تتسع وهي ترد ببرود :
_مبروك ..فرحانة جداً عشانها ..حالة جديدة نجحت فيها بفضل ربنا ..بس مش هاقدر أحضر الفرح !
_ليه ؟!
يسألها بغضب يتنامى مع ذبذبات هذه الطاقة السلبية بينهما لترد بنفس البرود :
_انت عارف إني واعدة جدتي من زمان ما أدخلش بيتك تاني !

_بتضربي تحت الحزام ! يا مجرمة !

تهتف بها "العفريتة العابثة" بداخلها بإحباط وهي تدرك أي فكرة ستصله بعدها ..
تكره أن تجرحه لكن ألم يفعلها هو قبلها؟!

لهذا ارتجف جسدها ببعض الخوف وهي ترى ملامحه تزداد غضباً بدا جلياً أنه يجاهد للتحكم به ..
يقترب منها حتى يكاد يلاصقها فتعود خطوة للوراء لا إرادياً بينما تسمع جوابه ببرود مشتعل:
_بسيطة ! أكلمها وأستأذنها ..
ثم صمت لحظة ليردف بنبرة واثقة :
_وهتوافق.

_خلاص! لو وافقت ماعنديش مانع ! حاجة تانية عايزها ؟!
تقولها بنفس البرود وهي تعطيه ظهرها ليجذب ذراعها نحوه ببعض العنف فينعقد حاجباها بغضب يشبه غضبه وهو يسألها بهمس مخيف:
_فيه إيه ؟!وإياك تقولي مفيش!

تدمع عيناها بقهر وهي لا تجد الجواب ..
ما الذي يريد منها أن تقوله ؟!
ألم يحدد هو مسبقاً مكانها عنده ؟!
لهذا نفضت ذراعها منه بقوة لتقول من بين أسنانها :
_مفيش حاجة ..مفيش أي حاجة .
_يعني إيه ؟!
_افهمها بقا يا زين بيه ..عمري ما شكيت في ذكائك .

برودها الغاضب يصطدم بشبيهه لديه و"بقايا شعوره بالذنب" تجعل خواطره تتجه نحو زاوية واحدة ..
هي ترفضه !!
تراه لا يليق بها بعد ما كان !!
لهذا تقحم جدتها في الأمر؟!
هل هو رأيها كذلك ؟!!

وجهه يشتعل بمزيج من غضب وخوف و"الكوابيس اليومية" التي يراها لتلك المرأة تعاود التشكل أمامه ..
يراها تخفي ياقوت خلفها ..
هل ما يراه الآن هو التأويل؟!!

يندفع نحوها بانفعال وأنامله تتجه لوجهها مع سؤاله الذي فاجأها:
_انتِ لسة لابسة الحلق؟!
لكنها تتمالك مفاجأتها بسرعة لتبتعد بظهرها عن مجال ذراعيه هاتفة بانفعال:
_قلتلك قبل كده مش من حقك تسأل السؤال ده ..زي حاجات كتير مش من حقك وانت مُصرّ تعملها .

صوت طرقات قوية على الباب يقاطعها فيرمقها بنظرة مهددة مضيقاً عينيه لكنها تتجاهل تهديده وصوتها يعلو بتحدّ:
_ادخل .

تحديها يقابل تحديه وهو يمنحها عقابه بأن امتد كفه بقوة يقبض على راحة يدها بتملك في نفس اللحظة التي فتح فيها باب الغرفة ليدخل سامر ..

_السلام عليكم ..آسف ..ماكنتش أعرف إن عندك حالة ..أجيلك وقت تاني .

يقولها وعيناه تلتقطان إشارات ما يحدث ..
حمرة وجه ياقوت ..هذا الرجل الذي يمسك كفها بتملك ..لحظة !
لقد رآه من قبل ..أجل ..يوم الافتتاح ..كان كذلك يمسك كفها بنفس الطريقة ..كيف غفل عن هذا ؟!
مرتبطة ! ياقوت مرتبطة عاطفياً ! لماذا إذن لم تصارحه بهذا ؟!
شخصية مستقيمة مثلها لن ترضى بعلاقة كهذه في غير إطار شرعي ..
أم تراه هذا الرجل يفرض نفسه عليها ؟!

كل هذه التساؤلات تجوب ذهنه في ثوانٍ فيتجاهلها عمداً وهو يحاول التراجع لكن ياقوت تنتزع كفها من زين بعصبية هاتفة :
_أنا فاضية يا دكتور ..زين بيه خلص كلامه وماشي .

ينقل سامر بصره بينهما بحذر وهو لا يدري ماذا يفعل ..
هذا الرجل يبدو مهيباً بحق ولا ينكر هذه الرهبة التي تجتاحه وهو ينظر إليه بهذه الطريقة ..

_من فضلك اخرج واقفل الباب أنا لسه ما خلصتش كلامي .

يقولها زين بنبرته التي عاد إليها مزيج "الود والهيمنة" الخطير الذي أشعل الدماء في عروقها لترمقه بنظرة وجلة ..
فيما لم يجد سامر بداً من التراجع وهو يخاطب ياقوت بقوله وهو يشير بسبابته نحو الخارج مانحاً لها ما ظنّه إشارة مطمئنة :
_هاستنى بره ..كنت حابب بس أقوللك إن الحالة الجديدة بدأت تتحسن .

_عظيم .
تقولها بتشتت وهي تومئ له برأسها فانسحب ليغلق الباب خلفه وهو يرمق زين بنظرة متفحصة أخيرة أخبرته أن أمله فيها مفقود للأبد ..
الغريب أنه لم يشعر بالخسارة كما ينبغي ..بل على العكس ..لقد شعر بنفس إحساس المحارب الذي كفوه شر القتال ..
ياقوت ممتازة حقاً ..لكنه كان سيخوض معها حرباً قاسية كي يجد لها مكاناً بروحه التي خربتها سواها ..
فعلامَ كل هذا !!

_دلوقت الست حلاوة تبكّتني وتقوللي طول عمرك حظك مايل يا منيّل ! ياللا ..هي يعني بتكدب؟!

سخريته الباردة تظلل خساراته كالعادة فتزللها له ..ليتنهد أخيراً بعمق وهو يجلس على المقعد القريب بتحفز منتظراً خروج هذا الرجل المهيب !

وبداخل الغرفة اندفعت ياقوت تهتف به بحدة :
_مفيش فايدة ..عمرك ما هتتغير ..المفروض أفهمك إزاي تحترم وضعي أكتر من كده ؟! ..المرة الجاية مش هاعمل حساب لأي حاجة وهاوقفك عند..آه ..
عبارتها تنقطع بآهة خفيفة وهي تفاجأ به يجذبها من معصمها نحوه ليضغطه ببعض العنف ..
نظراته تشتعل بجنون غضب و..غيرة !
صوته يخرج بارداً ..قاسياً كالثلج :
_احنا فعلاً محتاجين مرة جاية نتكلم فيها براحتنا ..أفتكر فرح همسة فرصة مناسبة ..أنا متأكد إنك هتيجي لأني برضه مش شاكك في ذكائك .

هل يهددها ؟!
هل عاد لضلاله القديم ؟!
تهتف بها سراً بمزيد من حنق وغيظ وهي تراه ينفض معصمها عنه بعنف ليرمقها بنظرة طويلة أخيرة قبل أن يتحرك ليفتح الباب وينادي سامر بنفسه وبنبرته المهيمنة يهتف :
_اتفضل يا دكتور ..دلوقت تقدر تدخل !

يقف سامر مكانه ولايزال يشعر بالغرابة من هذا الوضع ليرمقه زين بنظرة متفحصة طويلة وهو يتجاوزه ليغادر المركز ..

يعقد سامر حاجبيه وهو يدخل لياقوت التي بدت كحبة ذرة فوق مقلاة ساخنة ..
كل خلاياها تتقافز غضباً ..وغيظاً !!

_مممم ...ممكن أسأل مين ده ؟!
يسألها بحذر وهو يعدل وضع نظارته فوق أنفه لترد بانفعال ساخط :
_مجنون ! ..مجنون !..واحنا بنتعامل مع مين يعني ؟!

يكتم ابتسامته وهو يدرك أن ياقوت لا تستخدم لفظ "مجنون" هذه مع مرضاها ..تعتبرها ضرباً من التنمر ..ومادامت اختارتها لهذا الرجل فهذا يعني أن نظرته هو في محلها !!

لكنه أطلق آهة تفهم وهو يتظاهر بتصديق ما تدعيه ليتقدم منها قائلاً بنبرة عملية :
_طيب بخصوص الحالة الجديدة ..هي بدأت تشاور ..وده تقدم كبير جداً في وقت قصير .. انتِ عارفة طبعاً إنها كانت رافضة أي نوع من التواصل ..بس لسه العلاج محتاج شوط طويل ..تحبي ..؟!

بقية كلماته تتشوش في أذنيها ..يبتلعها شرودها وهي تشعر أنها عادت للغرق من جديد في بحر ذاك الرجل ..
تحتاج لرأي أحدهم يساعدها في هذه المتاهة ..من؟!
والجواب يأتيها سريعاً ..
إسلام !!
=======
انتهى الفصل السابع والعشرون


نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-19, 12:10 AM   #998

اني عسوله
 
الصورة الرمزية اني عسوله

? العضوٌ??? » 390126
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 215
?  نُقآطِيْ » اني عسوله is on a distinguished road
افتراضي

جمعة مباركة يارب العالمين عليكم اجمعين 💓
عليكم بالاكثار من الصلاة والسلام على رسول الله😍
فى انتظار الفصل يا نيمو 💓


اني عسوله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-19, 12:59 AM   #999

سمية سيمو


? العضوٌ??? » 396977
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 4,356
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » سمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond reputeسمية سيمو has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
keep smiling
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1119 ( الأعضاء 107 والزوار 1012)
سمية سيمو, ‏sira sira, ‏xfm_ss, ‏زهرة برية, ‏داليا حسام, ‏Heba hamed el sayed, ‏snaak, ‏كوتي كوتي, ‏Sorianaa, ‏نرمين نحمدالله+, ‏هبه صلاح, ‏amanyayman, ‏Miush, ‏فاطمة توتى, ‏سوما, ‏نغم الحياة77, ‏سارة١, ‏لولو73, ‏amal omar 12, ‏Mwatena mesrya, ‏G4ga, ‏جنا احمد, ‏حنان الرزقي, ‏بودي ريمي, ‏Rana Mohamed, ‏نور الهدى 5, ‏Fatma20, ‏Tamaa, ‏Doaa said, ‏هازان محمد, ‏[email protected], ‏imy88, ‏Semsemaosama, ‏Oya_a, ‏عبق الزهور الشذي, ‏Asmaa321, ‏بنت سعاد38, ‏موجة هادئة, ‏Naglaa10, ‏حسناء_, ‏احمد ومالك, ‏browen eye, ‏خلود hr, ‏Rinalka78, ‏wagiha, ‏ام مراد, ‏darling, ‏Emelsayed, ‏Osha yasser, ‏د. شيمو2, ‏علا جلال, ‏ميمونة meryem, ‏مريم المقدسيه, ‏nona-1061, ‏حورحوراء, ‏ميرا عبده, ‏اسراء5, ‏ana shaimaa, ‏rokkaa, ‏جميله سعيد, ‏نهى حسام, ‏basma fateen, ‏zezo ali, ‏amiraadel19, ‏Ghaaly5, ‏Better, ‏Nanty, ‏يوتيوبيا, ‏المحب لله, ‏sansonah, ‏Moni13, ‏ام حبيبه1982, ‏BASRI, ‏Freespirit77, ‏ام اكرم خالد, ‏Faten A, ‏اني عسوله, ‏eman hamid, ‏سماح سماح, ‏اميجو, ‏nada22, ‏ايات يوبو, ‏عائشة29, ‏touta5000, ‏ايام حبايبة, ‏المشاغبة, ‏Aengy, ‏rasha emade, ‏nevoo, ‏ام الارات, ‏جنة سعيد, ‏ميار111, ‏كادىياسين, ‏كوكب تاني, ‏Fadwa Elayyan, ‏Gehan hassan, ‏Nadeen amr, ‏دعاء المدثر, ‏S.AA, ‏Emy elamarny, ‏لحن الاوركيدا, ‏فرح العباسي, ‏He ka ri, ‏marwa hamdy, ‏Zainabalghazi, ‏Samaa Helmi


سمية سيمو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-19, 01:05 AM   #1000

نرمين نحمدالله

كاتبة في منتدى قلوب أحلام وفي قصص من وحي الاعضاء ، ملهمة كلاكيت ثاني مرة


? العضوٌ??? » 365929
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,008
?  نُقآطِيْ » نرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond reputeنرمين نحمدالله has a reputation beyond repute
افتراضي

ماشاء الله الحضور النهارده عالمي

نرمين نحمدالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.