آخر 10 مشاركات
وَرِيث موريتي(102) للكاتبة:Katherine Garbera(الجزء1 من سلسلة ميراث آل موريتي) كاملة (الكاتـب : Gege86 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          حكاية قلبين (باللهجة العراقية) *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : شوق2012 - )           »          دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-12-19, 05:17 AM   #21

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




الفصل التاسع عشر


روح

الحاضر

وصلنا للمشفى أخيرا، لم يصف صديقه السيارة بل أنزلنا امام الباب الرئيسية التي كانت تزدحم بحركة الدخول والخروج من جميع الفئات، أصوات سيارات الإسعاف تنتشر في المكان، مد محمد لي يده ليسألني بنظرة تأهب: مستعدة؟
نظرت للمشفى، ثم له، تذكرت كلام جدي في ذاك المكان، أجبته: مستعدة.
وضعت يدي في يده، شعرت ببعض الطمأنينة، سرت برفقتها لندخل عبر البوابة الزجاجية، فتحت فور اقترابنا منها، دلفنا للداخل، كانت كبيرة للغاية، ردهتها واسعة، في المنتصف كان هناك مكتب الاستقبال، المصاعد كانت جانبا، تتوزع الممرات من خلال هذه الردهة لتصبح طرق طويلة واسعة، كراسي انتظار تصطف على الجانب يجلس عليها البعض، الأرضية كانت لامعة، تعكس كل شيء عليها، ومنظف وضع لافتة صفراء على الأرض لينظف مساحة صغيرة، سرت برفقته ويدي ما زالت تمسك يده، صعدنا على السلم الذي اختبئ خلف باب بيضاء، سلكناه لنصعد للأعلي، عند كل طابق كتب رقم على لوحة مربعة بجانب باب تؤدي اليه، وصلنا للطابق الثالث، كانت الممرات بيضاء على جانبيها يوجد حزام يستند علي المرضى اثناء سيرهم، تدور الممرضات كالنحل في المكان، ضجة مألوفة، سرت خلفه تنتقل في الممر بين الغرف، بجانب كل باب توجد نافذة تظهر ما بداخل الغرفة، توقفنا امام غرفة علق على بابها رقم ٢٣٤، نظرنا من خلال النافذة لكن الستائر تحجب الرؤية، مرت ممرضة فبادر هو بسؤالها باليونانية، فتحت هي له الباب وهو يقول لي: لنرى.
دخلنا للداخل لأصوب عيني فوراً على السرير، لكن كانت هيئة رجل، بقيت متصلبة في مكاني بينما صمت هو يراقب الراقد امامنا، سألني وهو ينظر الي: لا يمكنكِ تميز ملامحه؟
حركت رأسي نافية وانا غارقة بصدمتي، التهمتني الحيرة والخذلان! تحدث هو مع الممرضة ثم انصرفت هي لتخرج وتتركنا، اقترب هو من سريره ليقل: تقول انه كانت توجد سيدة ولكنها كبيرة في السن في غيبوبة ايضاً تعرضت للغرق على متن احد القوارب التي تهاجر هجرة غير شرعية، صمت لثوان فنظرت له ليتم كلامه: لكنها ماتت، لحسن الحظ انها ليست انتِ فهي في عقدها الرابع.
شعرت بيده تعتصر يدي، نظرت ليده ويدي، رفعت رأسي ناظرة له بحزن، خرجنا من الغرفة صامتين دون حماس، انطفأ الامل داخلنا، هم هو بالدخول لأحدى الغرف، عقدت حاجبي ناظرة له فقال بهدوء: دعينا نتحدث هنا.
انسقت معه لأدخل لغرفة خالية، بها سرير واحد عليه فراش ابيض، نافذة صغيرة، وادراج خشبية باهتة، تلفاز معلق على الجدار يبث الاخبار، واريكة لونها اخضر غامق أسفل التلفاز تقابل السرير، شعرت انني سبق وقد رأيت هذه الغرفة، إحساس بداخلي يخبرني انها ليست المرة الاولى التي أرى بها هذا المكان، تركت يده لأدور حول نفسي ممسكة برأسي، ما الذي يجري؟ ما كل تلك الالغاز التي أعجز عن حلها؟ نطق هو ليجعلني افيق: ما الذي تفكرين به.
علقت ببرود وانا ارفع كتفي: اختفى ذاك الامل.
اقترب مني خطوة ليسألني: بأنكِ على قيد الحياة؟
حركت رأسي بإيجاب، اقترب أكثر حتى أصبح يقف امامي مباشرة ضيق عيناه ليقل: مرحباً بكِ مجدداً في الحياة.
لم افهم ما قاله! بقيت انظر له بروعة، قال بهدوء وهو يمسك يدي برفق ويجرني لأجلس على طرف السرير الأبيض: سأشرح لكِ كل شيء.
قبضت يدي بتوتر بعد ان شعرت انها ترتعش، قال لي بتركيز: انتِ لم تموتي من الأساس، تنهد ليغمض عيناه ويفتحها، ولستِ في غيوبة.
شعرت بعيني وهي تفتح نفسها أكثر من هول الصدمة! تجمعت كل الأسئلة داخل رأسي، لكنني نفخت عليها لأجعلها تتطاير، لترحل عني لأنني احتاج الاستماع اليه أكثر، لأنني مشوشة. سحب كرسي كان يستر بجانب السرير ليجعله يستقر امامي جلس عليه وتقدم ليستند مرفقيه على فخذيه ويشبك أصابعه: انتِ مصابة بمرض نادر، مرض يعجز اغلب الأطباء من تشخيصه او علاجه، ممممم، حاول ان يشرح أكثر: مرض نفسي اسمه متلازمة كوتار، او ما يعرف بالجثة المتعفنة، او الموتى الاحياء.
قاطعته بذهول: ما الذي تتحدث عنه؟ ما هذا الشيء.
رفع كفيه في الهواء يقول: اهدئي سأخبركِ بالمزيد عنه.
حاولت تنظيم انفاسي اغمضت عيني وفتحتها لأنظر له فقال: هذا المرض يشعر فيه المريض انه قد فارق الحياة، يعجز عن الشعور بأي مؤثرات خارجية، او حتى داخلية، هو مرض في العادة يصيب النساء أكثر شيء.
نهض من مكانه وسار تجاه النافذة ليقف امامها مسترسلاً: هو نوع من أنواع الوهم، المريض يصدق بشكل كبير انه فارق الحياة، مثلكِ، أثر تعرضه لصدمة، لا سيما ان كان يعاني من اكتئاب حاد.
التفت الي ليؤكد: كما كنتِ تعانين قبل اصابتكِ به، ابتسم ليقول: هناك مصابون به يشعرون ان جسدهم قد تعفن ويمكنهم ان يشموا رائحة الجثة، لكنه وهم.
اقترب من السرير ليعلق: بالطبع لديكِ فضول لتعرفي اكثر عنه، اسمعي انا شخصياً كطبيب نفسي لم اقابل يوماً احد مصاب بهذا المرض، سمعت عنه في الجامعة، لم نتعمق به، لأنه نادر، ولأن اغلب من اصابوا به قد توفوا فعلياً لأنهم يضربون عن الطعام والشراب لإقتناعهم انهم اموات لا يحتاجونه.
بقيت احدق به وكأن هناك شيئا أصاب رأسي، ما الذي يحدث من حولي! ما هذا الشيء! لماذا لم امت! قاطعته قائلة: كيف فعلت هذا ؟ الست كاتب؟ اليس من المفترض ان تختفي روحي؟ ماذا عن جدي؟
اقترب ليجلس بجانبي على حافة السرير قائلاً: سأخبركِ بكل شيء.



















محمد

ما حدث بالفعل

قدت سيارتي متجهاً لمقر عملي ككل صباح، منذ فترة ليست بالبسيطة تركت العمل في المشفى الحكومي وانضممت لفريق الدكتورة نيولفر للمصح الذي تقوم بإدارته بنفسها، توقفت عند إشارة ضوئية اسند ذراعي على نافذة سيارتي المفتوحة، اراقب الطريق امامي وعقلي غارق بالتفكير في الفكرة التي أحاول العمل عليها منذ فترة، وهي ان اذهب لمخيمات اللاجئين متأكد من انني سأجد اضرار نفسية تفوق امراضهم العضوية، هي فرصة لإيجاد شيء ابني عليه رسالتي للماجستير. صوت رنين انبعث في مذياع السيارة لأنني سبق وان قمت بتوصيل هاتفي بها، ظهر على الشاشة اسم الدكتورة نيولفر، ضغطت على زر الإجابة في الشاشة لأتحدث وانا اتحرك بعد ان تغير لون الإشارة للأخضر.
- صباح الخير استاذتي، انا في طريقي.
قالت لي: من الجيد أنك لم تصل بعد، انا لست في المصح.
قمت بتخفيف سرعتي لأسألها: اذن؟
- انا في المشفى العام، تعال الى هناك، انه يوم سعدك.
عقدت حاجبي أحاول تفسير كلامها، سألتها: لم افهم؟
علقت بمرح: عندما تأتي ستفهم.
بحماس حاولت العثور على طريق لتغيير مساري والتوجه الى المشفى المركزي، نادراً ما تقول الدكتورة نيولفر شيئاً كهذا، هل ستقوم بترقيتي او نقلي لمكان اخر؟ هدأت نفسي سأعلم كل شيء عندما أصل، عبثت بهاتفي لأقوم بتشغيل أغاني فيروز، صوتها في الغربة وطن، تمسح بيدها برقة على قلوب الذين اشتاقوا لمجذورهم، انا هنا منذ أكثر من خمس عشر عاماً، ربما عشت على هذه الأرض أكثر مما عشت في العراق، لكن مازالت تلك الجذور عالقة هناك، شعوري الدائم انني لا أنتمي لهذا المكان بالرغم من انني أسست حياة كاملة هنا، درست هنا، وعملت هنا، لكن بقي شيء عالق يؤلم المغتربين، تنزف جراحهم كلما سمعوا كلمة تذكرهم بأصلهم وبتلك الأرض التي هجروها، باُغنية، طعام او رائحة تعيدهم لمنازل بقيت باردة وحدائق جفت دون ان تُسقى.
وصلت اخيراً للمشفى، قمت بصف سيارتي لأترجل حاملاً معي حقيبتي الجلدية السوداء، ارتديتها على كتفي الأيمن لتصل لجذعي الايسر، سرت متجهاً للقسم النفسي، كان المشفى مزدحماً صباحاً، لحسن الحظ انني لم اعد اعمل به، سلكت السلم لأصل للطابق الثالث، تجاوزت الناس في الممر لأصل لمكتب الدكتورة نيولفر، كانت هي تقف عند الباب برفقة بعض المتدربين، ترتدي نظراتها الطبية، شعرها القصير مفتوح، تبتسم لهم وتجاعيد وجهها تظهر أكثر، هي في نهاية عقدها الرابع، علقها دسم بالمعلومات، وقلبها غارق بالتواضع.
توقفت امامهم فرفعت رأسها لتبتسم قائلة: لم تتأخر.
فتحت ذراعي لأجيبها بمرح: الفضول قادني لهنا بسرعة.
قام بإعطائهم بعض الملاحظات ثم سارت بجانبي قائلة: تعال معي.
سرت معها وفضولي يتضاعف أكثر، حتى وصلنا لغرفة أحد المرضى، بقينا متوقفين امام النافذة التي سمحت لي برؤية فتاة ربما في بداية العشرين، تنام على السرير وشعرها مفرود على المخدة، هالات سوداء تحيط بعينيها، تغرز المحاليل في يدها التي برزت عروقها، كانت بيضاء صافية لم يمر الدم عبر اوعيتها، وكأنها اميرة الثلج. قالت استاذتي: هذه الفتاة عراقية مثلك.
نظرت لها بتعجب، لكنها لم تأبه لنظراتي فسارت لألة بيع القهوة التي وقفت اخر الممر، أخرجت من جيبها قطع نقدية وادخلتها بها لتضغط على أحد الازرار قائلة: كانت على متن أحد القوارب التي تهاجر هجرة غير شرعية لليونان، التفت الي لتبتسم بخيبة، لكن القارب قد غرق، لحسن الحظ ان خفر السواحل قد تداركوا بعض الاحياء.
شيء يتكرر كل يوم، يهاجرون من سوريا او العراق هرباً من الموت، فيتلقاهم في البحر ليثبت لهم ان محاولاتهم بائسة وان حتفهم محتوم.
ثنيت ذراعي لصدري قائلا: أهي في غيبوبة؟
التقطت كوباً لتناوله لي اخذته منها، فعادت لتطلب لنفسها من جديد وتجيبني: لا، لديها اكتئاب حاد جدً.
سألتها وان ارشف القليل من الكابتشينو: لأي درجة؟
اشارت بيدها: لدرجة انها حاولت الانتحار كثيراً، تدخل في نوبة غير عادية فور استيقاظها، تعتقد انها قد غرفت، تصرخ،
انحنت لتأخذ كوبها وتكمل السير لتردف: عندما يخبرونها انها بخير، تهم فوراً بالبحث عن شيء يجعلها تنهي حياتها.
سرت برفقتها في الممر عائدين لمكتبها لأعلق: ما المشكلة؟ هذه بوادر اكتئاب حاد، أعني لا شيء مثير.
دخلنا لمكتبها لتسير تجاه الاريكة الجلدية السوداء واضعة ساقاً فوق الأخرى قائلة: قم بالإشراف على الحالة.
احتججت وانا اتكئ على مكتبها: لكنكِ تعلمين انني ابحث عن حالة خاص، هذه البوادر اعتدت عليها.
سألتني بشك: أي أنك ترفض ان تأخذ ابنة بلدك.
دارت عيني بتذمر لأقل: اين ملفها؟
عادت بظهرها للوراء لتشير بثقة تجاه المكتب: لقد حضرته لك.
اخذت الملف الأزرق الورقي، هممت بالخروج من المكتب لكنني استدرت تذكرت شيئاً فسألتها: اين مكتبي الجديد؟
ثنت ذراعيها لصدرها لتؤكد: طلبت منهم ان يجهزوا لك مكتباً خاص.
قهقهت: أي انكِ كنتِ متأكدة من قبولي لهذا العرض.
ارتشفت القليل من كوبها لتعلق: لنقل انه حدس.
خرجت وانا اضحك من مكتبها، نزلت للأسفل حيث يوجد مقهى اعتدت على اخذ استراحتي به، اخترت طاولة في الزاوية لأضمن بعض الهدوء، فتحت حاسوبي المحمول بعد ان اخرجته من حقيبتي، قمت بالرد على بعد الرسائل الالكترونية التي تخص مواعيدي، التقطت الملف الأزرق لأبدأ بقراءة اهم الملاحظات التي تم تسجيلها، فور استفاقتها بدأت تهلوس قائلة انها غرقت، كانت لا تتجاوب مع أي احد، وكأنها لا تستمع ولا ترى وهو شيء يحدث في حالات الاكتئاب، اكثر من مرة تم ضبطها تحاول القاء نفسها من الشرفة، فور محاولتهم للتدخل تبدأ بالصراخ حتى تهوى، أيضاً بدأ وزنها ينقص بشكل ملحوظ جداً، وهذا شيء طبيعي لمن لا يأكل ولا يشرب، لذلك فهي حتى اليوم تتغذى على المحلول.
عدت بظهري للوراء وانا اتأفف، رفعت نظراتي التي انزلقت قليلاً على انفي، عدت لأكمل قراءة. انهيت الملف وانا اشعر ان ظهري قد تشنج، اغلقته ثم قمت بإلغاء حاسوبي، لملمت كل شيء ليصلني اتصال أخبروني ان مكتبي ينتظرني، صعدت اليه ومارست يومي بشكل طبيعي.
في اليوم التالي فور وصولي للمشفى، قررت الذهاب لإلقاء نظرة سريعة قبل ان انشغل بأعمالي الثانية، عند وصولي لغرفتها كانت الباب مواربة، ألقيت نظرة للممرضة وهي تحاول ان تحادثها، لكن عينيا الفتاة كانت ناعسة، تنظر ببرود لللاشيء، مدت الممرضة يدها تحاول تحريكها امامها لكنها لم ترمش حتى، نظرت ليدها التي ملئت بأثار انغراس الكثير من الابر بداخلها، بل ان أوردتها ظاهرة بشكل كبير ومبالغ، قالت لها الممرضة: ارجوكِ تناولي شيئاً.
لم تحرك الفتاة ساكناً، بقيت تنظر للفضاء فنطقت قائلة بهدوء: لقد مت.
مدت الممرضة يدها تجاه شعر الفتاة لكنها صرخت فور ملامستها لها، صرخت: اتركوني، انا ميتة، ميتة.
بدأت تصرخ بهستيرية، بينما تحاول الممرضة ان تهدئها، دفعت الباب لأدخل وانا أمرها: احضري ابرة مهدئة.
سارت الممرضة لتحضرها بينما انا اقتربت منها، التفت الي وكأنها تراني، بقيت مصدوم، هل حقاً يمكنها رويتي ام انها فقط تحدق وتسرح في شيء اخر؟ حركت يدي في الهواء امامها يمنياً ويساراً، كانت حدقتا عينيها تتحركان مع اتجاه حركة يدي، هي تراني فعلاً، غرست الممرضة الابرة في ذراعها، حتى هدأت وانطبق جفناها على بعضهما، ونامت.
انطلقت فوراً اقصد مكتب استاذتي، وصلت اليها لكن المكتب كان فارغاً، نظرت للورقة المعلقة التي تطلعني على أوقات تواجدها، انها الثامنة وموعد حضورها في الساعة التاسعة والنصف، سرت عائداً لمكتبي اقتربت فوراً من المكتبة التي امتلأت بالكتب، بدأت اتصفح عناوينها عن كثب، اخذت ثلاثة منهم وقد بفردهم على مكتبي، سرت لأغلق الباب لأمنع أي ازعاج، جلست على كرسيي الجلدي المتحرك لأبدأ بالبحث، ثم شيء سمعت بأعراض تشبهه، مرض سبق لي وان درسته في الجامعة لكنني لم اصادفه في سنوات ممارستي الأربع، اخيراً وجدت ما ابحث عنه بعد مدة من الزمن لا اعلم كم استغرقت، شعري بألم في رقبتي، قمت بتحريكها بشكل دائري لأمسح على عنقي من الخلف، خلعت نظاري لأفرك اعلى انفي بين عيني بتعب، نظرت للساعة المعلقة بجانب الباب، كانت تشير للساعة العاشرة وربع، التقطت نظراتي لأرتديها مرة أخرى، اخذت الدفتر الذي دونت به جميع الملاحظات ونهضت متجهاً بإتجاه مكتبها، وصلت للمكتب كانت برفقة احد الأطباء، توقفت لأطرق الباب المفتوح قائلاً: اعتذر عن المقاطعة.
رحبت هي بي: اهلا بك محمد اجلس ريثما انتهي من.
قاطعتها بحماس: اسف لكنني يجب ان اخبركِ بشيء مهم.
وضعت الدفتر عند ابطي، قمت بحركة رجاء بيديي، فنهض الطبيب قائلاً: سآتي في وقت اخر.
شكرته واقتربت من مكتبها بينما هي تقول: ما الشيء المهم يا أستاذ محمد؟
ناولتها الدفتر لأقول بحماس: متلازمة كوتار.
قالت بتعجب: متلازمة كوتار؟ ليس اكتئاب.
اشرت قائلاً: جميع الاعراض تؤكد ذلك، هي لا تستطيع رؤية أحدهم، أعني انها ترى الجميع كظلال فقط دون ملامح، عبارة عن صور مشوشة، بالإضافة انها مقتنعة بشكل تام انها غرقت، جلست على الكرسي لأضع ساق فوق الأخرى فأكملت، تهلوس بكثرة انها ماتت، النقص الكبير في وزنها، صحيح ان الاعراض الظاهرة تشير لوجود اكتئاب حاد، لكن دعينا لا ننسى ان الاكتئاب الحاد يحتاج لصدمة قليلة ليصاب المريض بهذا المرض.
مطت شفتيها وهي تفكر بكلامي، أسندت مرفقها علي المكتب لتضيف: هذا يعني ان الفتاة كانت تعاني من اكتئاب حاد قبل غرقها.
هتفت: بالضبط، حادثة الغرق هي الصدمة التي أودت بها لهذا الحال.
نهضت من مكاني وانا اضع يدي في جيب معطفي الأبيض لأدور في المكان لأفكر بصوت مسموع: لكن يبقى السر كيف استطاعت رؤيتي؟ لقد شاهدتني، ميزت ملامحي.
ضيقت عيناها من وراء نظارتها الطبية الرفيعة لتعلق: شيء غريب، زفرت وهي تدور قليلا بكرسيها لتسألني، ما الذي تنوي فعله؟
اجبتها وانا اعصر عقلي: سأحاول ان اجد حلاً.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:19 AM   #22

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل العشرون

جوى

١٣ يونيو ٢٠١٦

سأل ابي عبد الله بعد ان أفصح والد علي عن سبب الزيارة: هل انت شيعي ام سني؟
دارت نظراتنا جميعاً في وجوه بعضنا، بينما أصبح وجه عبد الله واجماً اعلم جيداً انه يكره هذا الموضوع، نظرت امسكت بيد ياسمين اضغط عليها، لم يسأل ابي سؤال كهذا؟ انا نفسي لا ابالي، بل امقت أولئك الذين يفرقون بين الناس من اجل الطائفية، أجاب والد علي على سؤال ابي، ليضيف قائلاً: لكن اعتقد ان أمور كهذه لم تعد مهمة، فعلي ابني شيعي، وهو على وشك الزواج بياسمين وهي سنية، لا فرق بيننا.
دعوت الله وقرأت الآيات لعل ابي يقتنع بما قاله، لكن علق ابي قائلاً: لكنني لا اسمح لإبنتي بالزواج من غير طائفتنا.
شعرت بالدموع تتجمع في عيني، حرارتي بدأت ترتفع، نظرت للبرود الذي أحاط بوجه عبد الله، والخيبة التي ارتسمت على وجوه الحاضرين، نهض عبد الله من مكانه فنهض معه علي يحاول ان يمهله علهم يقنعون ابي، لكن صدمنا عبد الله قائلاً: انا لست مسلم حتى، لا اعبد الله نفسه.
الجميع ذهل، بينما دموعي بدأت تتساقط بحرارة، لم فعلت هذا؟ هم بالخروج ليمر من جانب الاريكة التي اجلس عليها ليقل لي وهو يهز رأسه بأسف: اسف.
وخرج ليتركني محطمة، لا اعلم الملم انكساري ام انكساره، اعتذرت جدتي من الجميع فودعوها ليخرجوا، بينما اذناي تصنعان حاجز للصوت، لا اسمع شيئاً مما قيل، فقط جالسة في مكاني اراقب احلامي وهي تحتضر، دموعي تروي وجنتي، بينما يداي ترتعشان، ناظرة لمكانه الفارغ، للخيبة التي قررت ان تزورنا فجأة، كدت ان الامس احلامي، كدت ان اصدق انني سأكون سعيدة، لوهلة شعرت انني اسعد فتاة في هذه المجرة، رأيت ابي وهو يقف امامي، يوبخني لأنني افكر بالزواج من شخص ملحد، بات يتوعد لي بعقاب، يسبني بينما تحاول امي تهدئته ليقذفها هي الأخرى بأبشع الالفاظ، لم احرك ساكناً لأول مرة، لم اجادله، لم اصرخ في وجهه، هدوئي كان مريع، استمع لما يقال لي وكأنني لست الشخص المقصود، نهضت من مكاني ومازالت دموعي تمطر، هممت بالخروج من غرفة الضيوف لكن شعرت بجذور شعري تكاد ان تُقتلع من مكانها، لقد جر ابي شعري بقوة ليصرخ بي: أي جراءة هذه لتتركيني وانا اتحدث وترحلين.
حاولت جدتي التدخل لمعنه، لم يكن بداخلي رغبة للمقاومة، شمعتي انطفأت، بل انتهت، مر زمن عليها وهي تقف في مواجهة الريح، تحاول الصمود، لكن ان الاوان لتنفذ.
احتضنني سريري، بقيت مختبئة أسفل فراشي، لا اريد حتى التنفس، كل ما ارغب به هو الانعزال عن هذا العالم، الم يمسك قلبي لا يرفض تركه، يعتصره بقوة، صدري يضيق اكثر، فقدت قدرتي على تمييز الوقت، لكن صوت المنزل هدأ، ربما قد حان وقت النوم للجميع.
سمعت صوت صرير الباب، خطوات هادئة حتى شعرت بأحد يجلس على طرف سريري، سمعت صوت نجمة الذي كدنا ننسه من قلة الكلام: هل انتِ مستيقظة؟
لم اجبها، انفاسي كانت تتسارع، أحاول منع نفسي من البكاء، أحاول ان اسيطر على ما تبقى مني، شعرت بها تنهض من سريري، سحبت قليلاً الغطاء لأراها قد استلقت على سريرها، والغرفة تغرق في ظلام، استلقيت على ظهري لأضع يدي على قلبي، أحاول تهدئة ذاك الوجع الذي يأكله، لكنني افقد القدرة على السيطرة عليه، تقلبت كثيراً، الألم مازال يسكن صدري لم يهدأ رغم سكون العالم، كان من الممكن ان تصبح هذه الليلة هي اجمل ليلة في حياتي، كنت سأنام على صوته ونحن نرسم مستقبلنا معاً، كنت سأعد الايام المتبقية التي سأنام بها على وسادتي هذه، كنت سأقضي الليلة راقصة للحب وللسعادة، لكن انتهى المطاف بي ملقاة على السرير أحاول كبت عويلي، تنفسي بدأ يضيق، صدري انكمش اكثر، نهضت من سريري لأسير في الظلام، بهدوء خرجت من الغرفة، كان المنزل بأكمله يغرق بالظلام، اتجهت وانا حافية تجاه غرفة جدتي، لم تنم! استغربت لا اعتقد ان اذان الفجر قد حان، طرقت الباب الموارب لأمد رأسي رأيتها تجلس على سريرها، المسبحة في يدها وتدعو الله، التفت الي لتشير الي فاقتربت من سريرها لأجلس بجانبها، كانت رؤيتي غير واضحة بسبب تزاحم الدموع في عيني، مدت يدها الرقيقة لتمسح على ذراعي، شعرت بأنها تمسح على الفانوس السحري لتجعل الجني يظهر، لكن فور مسحها على ذراعي اندفعت دموعي بقوة متحررة من عيني، القيت برأسي في احضانها انتحب، كانت يدها تمسح على شعري، ابتعدت عنها أحاول ان اتحدث وسط بكائي العنيف، انفاسي سريعة ايضاً تمنعني من الكلام، بدأت اتنفس وانا اجر الحروف بقوة: شتان، م، ما بين ال الليلة، و، ل، ليلة، امس.
مسحت براحة يدها وجنتي المبللة: حبيبتي اهدئي، انتِ اقوى من ذلك.
- لكنني، تعبت، خارت قواي، لم علي ان أكون دائما قوية؟
وضعت يداي على فخذها واسندت جبهتي على يداي لأكمل البكاء، مسحت على شعري تحاول ان تطمئنني: لقد دعوت الله لكما، عليكِ ان تتأكدي من شيء، وهو من كان من نصيبكِ ستكونين له ويكون لكِ، ولو بعد حين، (نصيبج يصيبج).
رفعت رأسي أحاول ان اخرس بكائي، مسحت وجهي لأبتسم رغماً عن انف مصيبتي، ابتسمت هي لي لتهمس قائلة: صلي، الله سيداوي جروحكِ بطريقته، سيمسح دموعكِ ويزرع الصبر في قلبكِ.
نهضت وجسدي كله يرتعش أحاول الذهاب للحمام لأتوضأ، توضأت كعادتي بدموعي أكثر من الماء المنبعث من الصنبور، رددت كلام جدتي بداخلي، ما كتبه الله لي لن يمنعه عبد، عدت لغرفة جدتي لأرتدي ثوب الصلاة بعد ان سكنت قليلا، قبل ان ابدأ بصلاتي قالت لي جدتي مضيفة: رددي دائما (اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني فيها خيراً).
صليت وسجدت لأردد ذاك الدعاء، رجوت الله ان يصبح نصيبي رغماً عن انف الجميع، رجوته وشكرته عن كل شيء منحني إياه، شكرته لأنه بالصلاة وضع راحة غريبة، انهيت الصلاة فدعتني ايضاً جدتي لأن انام بجانبها، توسدت ذراعها بينما هي انطلقت تحدثني عن تلك الحكايات المستحيلة، لكن لا إرادة أكبر من إرادة الله.









عبدالله
١٣ يونيو ٢٠١٦

فتحت باب بيتي بالمفتاح لأدخل لقبري، أغلقت الباب بقدمي وسرت لأخلع سترتي، بدأت افتح ازرار قميصي لأخلعه هو الاخر وأرميه ارضاً، اتجهت للبار لأري عشيقات بعد ان اعتقدت انني سأنهي العلاقة فور ارتباطي بجوى، لكن ها انا اعود اليهن محطم، يثبتن الي دائماً ان لا مأوي لي سواهن، لا احد يمكنه اقتلاعي من هذا العالم سوى تأثيرهن، امسكت بواحدة لأفتحها وابدأ بالشرب، افرغتها دفعة واحدة داخلي لألتقط انفاسي، نظرت لها وهي فارغة لأرميها ارضاً لتتحطم وتنتهي حياتها، اخذت واحدة أخرى واتجهت تجاه مكتبي، قمت بتشغيل حاسوبي وربطته بمكبرات الصوت، قمت بتشغيل احدى أغاني الروك الصاخبة، لتنطلق بقوة وتحطم هذا الصمت، عدت لأشرب من جديد، بسبب الطائفية وبسبب قذارتهم ودينهم الذي يلوثونه بإعتقاداتهم خسرت عائلتي، ومرة أخرى لنفس السبب منعت من الزواج بمن احب! سرت تجاه الباب جسدي كان يحاول التوازن لكن غايتي في الخروج للحديقة كانت اقوى، خرجت ويدي لم تفارق احدى الزجاجات التي نسيت ما هو رقمها، خرجت للحديقة، لأنظر للسماء المعتمة، حرارة الجو نفسه كانت مرتفعة، جسدي متعرق وقد بدأت تفوح منه الروائح الكريهة الممزوجة بالكحول، خاطبت الله بصوت عال: أيعجبك حالي! لم فعلت هذا؟ كنت على وشك العودة اليك، لم تكرهني لهذه الدرجة، لم تأخذ مني كل من اُحبهم؟ لم انت هكذا؟ لم تكرهنا جميعاً، ما الفرق بيننا وبين الاخرين الذي تنعم عليهم بالراحة؟ لم تحديداً نحن الذين نعاني في كل شيء، في المعيشة، الحياة، الموت، الحب، ماذا الذي اقترفناه بحقك لتسخطنا هكذا؟
لكنني أصغر وأقذر من ان اتلقى إجابة، رميت الزجاجة ارضاً، لأركع على ركبتاي ابكي، هذه المرة الاولى بعد وفاة امي التي ابكي بها، ظننت انني قد دفنت كل إحساس بداخلي، بأنني ودعت البكاء لكن جوى فعلت هذا بي، باتت ملعونة لأنها تمكنت مني، لأنها تجعلني عاجز عن كل شيء ارغب به.
فتحت عيني لأسمع صوتها يناديني: حبيبي، حبيبي.
كان جفناي ثقيلان جداً، رأيت صورتها امامي، قاومت وفتحت عيني، كانت تجلس على حافة الاريكة التي أجهل متى استلقيت عليها، رفعت نفسي قليلاً لأرى الشمس بعد ان دخلت عبر النوافذ لداخل المنزل، متى نمت وماذا الذي فعلته، رمشت مرات عدة لأعود بنظراتي اليها، اعدت رأسي على الوسادة التي احتضنت رأسي الليلة الماضية، سألتها بكره يكرهني لأنني أكرهها: لمَ انتِ هنا؟
رفعت كتفيها لتجبني بابتسامة باردة: هذا مكاني، هيا انهض، عليك ان تستحم.
حاولت الإمساك بيدي لكنني دفعت يدها بعيداً عني، لم تكف بلي جرتني من ذراعي تحاول سحبي لأنهض قليلاً، صرخت بها وانا ادفعها لكنها فقدت توازنها لتسقط ارضاً: دعيني وشأني.
فور ادراكي انها سقطت نهضت بتثاقل لأنزل للأرض اقتربت منها وانا أقول: لم اقصد، فقط.
شعرت بألم في معدتي، غثيان ورأسي يؤلمني، أكملت بتعب: انا لست جيد بالنسبة لكِ، يكفيكِ مشاكل، لنضع حد لترتاحي.
ابتسمت بحزن لتقل: ارتاح! بعيداً عنك!
مسحت وجهي بيدي، دارت عيني في المكان رأيته مرتب جداً، وكأنني لم اخربه في الامس، نهضت فدفعتني لأنظر اليها، امسكت بيدي تجرني فلم اقاوم، نهضت معها لتسوقني للحمام، ادخلتني للحمام لتجلسني على حافة حوض الاستحمام، فتحت المياه لتتدفق وتبدأ بالتجمع بالحوض مع رغوة الصابون، قلت بسخرية: ماذا ايضاً؟ ستساعديني بالاستحمام؟
اجابت وهي تمد يدها للماء تقيسه ان كان دافئاً: اجل سأفعل.
عندما امتلأ نهضت قائلا: حسناً سأهتم انا بنفسي، شكراً.
القت نظرة على لتخرج، لم عادت؟ لم تفعل بي هذا؟ تؤذيني وتؤذي نفسها؟ الم تكف او تمل مما هذه المعاناة، احتاج ان تكون هي قوية لتبتعد، لأبتعد، ليكون لي حافز والملم جروحي وارحل لأعود لبؤسي كما كنت.
خرجت من الحمام بعد ان انتهيت، كانت هي قد جهزت لي الفطور وضعته على الطاولة التي تقف امام الاريكة، جلست بروب الحمام على الاريكة بينما هي منحنية امامي تصب لي الشاي، انظر لها بغضب لأن حبها يقتلني، قلت لها اثناء تقديمها الكوب لي: لم تتظاهرين بأنكِ قوية؟
ابتسمت لتجبني: لأنني كذلك.
رفعت صوتي بإنفعال: بالأمس انكسرنا الا تدركين ذلك؟
اخذت نفساً عميقا قائلة: اُدرك، لكنني حين اُكسر، اُصبح اقوى من قبل.
سألتها ساخراً: وما الذي تنوين فعله؟
اجابتني ببساطة: انوي التمسك بك، لا اُفكر بالسقوط.
انهت كلامها وسارت تجاه مشغل الموسيقى، راقبتها وهي تعبث به، هي كاذبة تدعي القوة وبداخلها طفلة تنتحب، تعتقد انها تستطيع السيطرة على احزانها، لكن البؤس يرسم خطوطاً على وجهها. قامت بتشغيل اغنية لفيروز التي تجري اغانيها في دمها (في امل) اقتربت مني مدت يدها قائلة بحماس: راقصني.
ادرت عيني بتذمر، لكنها سحبتني لتضع يدي على خصرها، بدأت تراقصني بخفة فراشة، قالت لي: اتعرف العنقاء، اسطورة المستحيل، هي مثلي الأعلى، أحاول ان اُصبح مثلها، هي تحترق وتصبح رماداً لكنها تُخلق مرة أخرى من رمادها، تخلق اقوى من قبل.
- هي تشبهكِ بالفعل.
- اذن لنصبح مثلها، سنكون اقوى برغم ما سنمر به.
احتضنتها ودفنت رأسها في صدري، بداخلي، هي قوتي، ونجمتي في الليل، عدنا من جديد لنقطة البداية، بلا غاية لكن وجودنا معاً يتغلب على أي ظاهرة او عاصفة تمر علينا.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:24 AM   #23

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الواحد والعشرون

محمد

ما حدث بالفعل

لم أتمكن من إيجاد فكرة فوراً فعلاج هذا المرض صعب، لا يوجد أي علاج صريح له، بل محاولاتنا تقع في علاج لمسبباته، كالإكتئاب، لكن اولاً عليها تقبل الحياة، لتتمكن من سرد قصتها، لأغوص في الدوافع التي جعلت منها الفتاة البائسة هذه، انا مؤمن ان جزء مهم من شفاء المرضى النفسين موجود في البوح، ان أطلقوا العنان للسانهم بالتحدث عن كل ما يمروا به، لكن بعض الزملاء يجدونني متحمس أكثر من اللازم لأن نصف رحلة الشفاء في اخذ الادوية، على تحديد أولاً مسار العلاج الذي انوي سلكه، كنت اقف بالساعات اراقبها عبر النافذة وهي نائمة، شعرها الأسود الذي يغطي الوسادة اسفلها، لون بشرتها الذي اصبح شاحباً اكثر، دخلت للغرفة لأقترب اكثر، توقفت بجانب سريرها، كان هناك سلسلة تتعلق برقبتها التي برزت عظامها كثيراً قلت وانا اقرأ الاسم المكتوب: جوى، اسم جميل.
نظرت للطاولة التي بجانب سريرها، كان هناك صورة أحدهم وضعها، كانت وكأنها طبعت على ورق عادي ليست صورة، امسكت بالورقة لأرى فتاتين، احداهما يشع وجههما بالابتسامة وأخرى كانت تبتسم بنعومة بهدوء، ابتسمت لأخاطبها بصوت مسموع: ها انتِ هنا في الصورة.
قلبت الصورة لأرى ما كتب خلفها (جوى ونجمة – ٢٠١٤)، كانت ابتسامتها تلك هي منطلق لفكرة جديدة، حافز يدفعني لأن اعيد رسمها على تلك الشفتين، بحثت طويلاً واستشرت الكثير من اساتذتي، بعضهم اخبروني ان مرضها مسألة وقت لأن جسدها لن يقوى، جعلوني اتحطم بأنها قد تموت، وبعضهم حفزني بأفكار لم اجدها مناسبة، أيام وانا انام واصحو على فكرة واحدة وهي كيف سأعالجها، الى ان وجدت الفكرة فانطلقت الى مكتب الدكتورة نيولفر في المصح الخاص الذي تملكه، هو مصح لا يشبه أي نوع من المصحات النفسية، بل يبدو كمنتجع سياحي وسط الغابات، العلاج فيه يعتمد بشكل كبير علي التواصل، والجلسات النفسية بالتواصل مع الطبيعة، بخلق بيئة طبيعية للمريض تشعره انه بخير ليس ملزوم بأي شيء، هو أيضاً افادني شخصياً فالعمل في هذا المكان الرائع يمنحني طاقة اكبر، لاسيما ان المبدأ الذي اُقيم من اجله المصح يناسبني تماماً.
دخلت لمكتبها بعد ان سمحت لي مساعدتها، طرقت الباب وانا احمل بيدي الأخرى ملفها، قلت بحماس دون تحية: وجد فكرة رائعة.
ابتسمت لتخلع نظارتها قائلة: ما كل هذا الحماس يا محمد!
سرت مقترباً من مكتبها، ناولتها الملف لأجلس على الكرسي الذي يقابل المكتب قائلاً: سايكودراما.
كانت تقلب بصفحات الملف فلم تنتبه لما قلته: ماذا قلت؟
- سايكودراما، سأدخل التمثيل واخلق قصة لعلاجها النفسي.
ضيقت عينيها تفكر: فكرة مثيرة.
اقتربت أكثر ن المكتب لأكمل: هي تريد ان يصدقوها بأنها ميتة، سآفعل، سأمثل انها فعلا ماتت، لكن يجب ان يتم نقلها هنا، لتكتمل الخطة.
علقت مازحة: هل شاهدت فيلماً في الامس؟
- هههه سأصنع لها فيلماً.
- وكيف ستتدبر وتهيئ الظروف.
في الواقع لم تكن الخطة تحتاج الكثير من التعب والتفكير، عندما كادت تستيقظ ككل يوم، قمنا بوضعها في حديقة المصح في الخارج، بدلت الممرضات ثيابها ليلبسانها ثوب ابيض يليق بفتاة ماتت، راقبتها من خلال نافذة الردهة في الأسفل، لحسن الحظ انها عندما استيقظت لم ترى نظرات المرضى والممرضات الذين يراقبون بفضول خطواتها، لأنها لا تستطيع حتى من تمييز الملامح، راقبتها تسير تجاه مدخل المبنى رأيتها وهي تحدق في كل شيء بتعجب، ابتسمت لأن البداية تبشر بالخير، رأيتها تهم بالصعود للأعلى، فسرت بخطوات سريعة تجاه غرفتي التي حرصت على ترك الباب مفتوحاً ليس كما اخبرتها انه كان مقفلاً، كنت قد جهزت صورة للغرفة وهي فارغة بحيث ان توقفت في مكان سأتظاهر بتصويرها لتظهر الصورة فارغة، بالإضافة فضلت ان اخبرها انني كاتب وارغب ان تبوح لي بقصتها لأكتبها، وهي وسيلة لتسرد لي تفاصيل حياتها وماضيها، لكنها في لحظة معينة كانت اذكى مني عندما سألتني لم ادون ملاحظات، لحسن الحظ انني حينها وجدت إجابة مقنعة.
سقوطها لم يكن اختفاء كما اخبرتها، بل لأن طاقتها محدودة، جسدها الهزيل لا يقوى على الوقوف لوقت حتى بل الاستيقاظ، فكانت تسقط تعباً، خلال فترة نومها كنا نضع لها المغذي لأنها ما كانت ستقتنع بفكرة تناول الطعام، اما بخصوص رؤيتها لجدها فكانت عبارة عن أحلام، لكنني بطريقة اما اعتبرها وسيلة من عقلها الباطن ليجعلها تتمسك، تقاوم، فجدها هو بالنسبة لها امتن الخيوط التي كانت تربطها في الحياة، بعد انقطاع ذاك الخيط وموته، اختلت الموازين لديها، لذلك في هذا الوقت كانت محاولة لخلق جسر، او ربما كرأيي شخص طبيعي مؤمن من ان الموتى يشعرون بالأحياء فهناك احتمال ان يكون حقاً جدها شعر بما تعانيه لذلك كان يزور احلامها ليدفعها للمواكبة، لولا تلك الاحلام لا اعتقد انها كانت ستشعر بالطبيعة، وبي. شعورها بالمؤثرات الخارجية دوناً عن رؤيتها للناس هذا يؤكد انها تصالحت مع محيطها ليس الناس، بأن مصادر الإحساس في جسدها قد تمكنت من إعادة الشعور بما يصيبها، المرضي الأخرى لنفس مرضها قد يُجرحون، يسقطون، تتهشم عظامهم لكن نقاط الإحساس بالألم تكون شبه معطلة، يمكنني ان اعتبر تدخل روح جدها او ربما كما ذكرت خلقها لحلم به جدها كانت ضربة الحظ التي انتظرها.
ننتقل بعد ذلك لذهابنا للمشفى المركزي، تعلقها ومطاردتها لفكرة ان تكون في غيبوبة هي بصيص الامل الذي قادها بشكل نسبي للعلاج، احساسها ثم احساسها بي، كان شيئاً مثيراً.
سألتني الدكتورة نيولفر لتقاطعني من سرد تفاصيل ما فعلته: فعلا شيء مثير، أعني تواصلها مع الطبيعة هو شيء معتاد لشخص مقت العالم، لكن شعورها.
أكملت انا: هذا يدل انها تثق بي.
نهضت من كرسيها لتسير بإتجاه النافذة لتسألني: اخبرتها بكل شيء؟
اجبتها: لا، أعني انني اخبرتها بمرضها وكيف مثلت عليها، لكنني لم اُخبرها بقية التفاصيل.
التفت الي لتنسد نفسها على ظهر كرسيها الجلدي المتحرك: ومتى تنوي فعل ذلك، أعني ما هي خطتك لسير بقية العلاج؟
- هي لم تكمل بقية القصة، سأخبركِ بعد ان انتهي من هذه المرحلة، احتاج المزيد من الوقت، فنحن الى الآن لم نواصل بقية الجلسات، انتظرها ان تستوعب ما حدث لنكمل.
انتهيت من الحديث مع استاذتي، لأذهب فوراً لغرفتها بعد ان عادت للمصبح، لذات الغرفة التي قمت بالتمثيل بأنها غرفتي، طرقت الباب لأفتحها، دخلت للداخل، لم تكن على سريرها، بل تجلس على حافة النافذة العريضة، تراقب العالم الخارجي وهي تضم ساقيها لصدرها، ابتسمت قائلاً: مرحبا.
التفت الي بهدوء دون ان تعلق ثم عادت لتنظر للخارج، اقتربت من النافذة توقفت بالقرب منها علقت وانا انظر للخارج: لم لا نخرج؟ نتحدث.
نهضت من مكانها دون ان تجيب، انتصابها كان إجابة بحد ذاتها، خلعت عني معطفي الأسود لأضعه على كتفيها قائلاً: قد تصابين بالبرد.
بقيت هي تنظر الي باستغراب، رفعت يدي لها لأسألها: هيا بنا!
نظرت ليدي لثواني، ثم لوجهي حتى وضع يدي بين يدي، هي حقاً تثق بي، تحتاج للشعور بأن هناك احداِ بجانبها، يمكنها ان تمسك بيده، هذه اهم الأشياء التي افتقرتها بعد موت جدها.
يد بيد خرجنا لنسير في الحديقة، سألتها اثناء سيرنا: اما زلتي ترينهم ظلال؟
حركت رأسها بإيجاب، إجابة متوقعة هي لم تشفى بعد، تحدثت اثناء مشينا: هذه المرة عليكِ ان تخبريني بكل شيء، ليس من مقابل مساعدتي لكِ، بل فكري بها من منظور اخر، كأنني صديق.
توقفت لتنظر الي ببرود قائلة: تريد ان تساعدني لأنني حالتك، ليس لأنني أعني شيء لأحد.
اكدت على ما قالته هي: بالفعل ارغب بمساعدتكِ لأنكِ حالتي، لكن هناك شيء أكبر من عملي، وهو ان افتح السبيل لفتاة صغيرة مثلكِ لترى الحياة مجدداً.
اشاحت بوجهها بعيداً عني، أكملت انا: اسمعيني جيداً، كونكِ لم تغرقي، وما زلتِ تقفين امامي هنا، فهذا دليل على ان الله منحكِ فرصة لإعادة النظر في الحياة، وكأنها فرصة لخلقكِ من جديد، لنتفق ان الفتاة التي تحملين اسمها الان وهي روح، كائن جديد قد خُلق بعد الغرق، حتى انني لن ادعوكِ بإسمكِ الحقيقي ابداً، انتِ روح، التي ستحكي كل ما مرت به في الماضي، ونكتب كل هذا في صفحة لنحرقها لا نطويها.
شدت المعطف على نفسها اكثر اثر هبوب نسمات باردة، ابتسمت لأنها تشعر بالبرد كما افعل انا، لا اكثر مني ولا اقل.
سارت وهي تقول ببرود: ساُكمل.
لتعود لسرد بقية ماضيها لي.


































روح
٢٥ ابريل ٢٠٠٨

هذا هو يوم مولد اخي، امير، فرحة ابي الكبرى، لم يفرح هكذا بنا عند ولادتنا انا واختي، بل فقط الفرح يخصص عندما يولد الذكور، لا فرح يخص الإناث، هو من قام بتسميته على عكس إسامينا انا واختي عندما استعر حتى من تسميتنا، لحسن الحظ ان جدتي سعدية كانت ميتة حينها والا كانت ستبجل اخي أكثر منا حتى، بالمناسبة ابي لم يدعوه أحد باسم (أبو جوى)، من العيب ان يُدعى الرجل باسم ابنته الأكبر او أي ابنة، بل يجب ان يكون باسم ابنه او ذكر وان لم يكن لديه، كان يدعونه قبل ولادة اخي ب(أبو حسين) وهو ما اعتاد عليه الجميع عندما يرون احداً اسمه (علي)، شتان ما بين ابي (علي) وعلي خطيب ياسمين. كان ابي يدعه يفعل ما يُريد، عندما كانت امي توبخه يتشاجر معها قائلاً: دعيه يفعل ما يشاء هو رجل، حاسبي ابنتيكِ اللتان جلبتا العار لنا. عن أي عار تتحدث يا ابي؟ دوماً كنت اجي كلمة العار ترتبط بنا، هل العار يُخصص للنساء فقط؟ لحسن الحظ ان جميع الخلق سيُنادى بأسماء امهاتهم يوم القيامة، بأسماء نساء استعروا منها في الدنيا. عندما كان امير يسبني انا واختي اثناء شجاراتنا كان ابي يصرخ بنا بأن ندعه، بل احياناً كان يضحك مشجعاً إياه: أجل هكذا يا ولدي، اريدك ان تكون رجلاً، اصرخ بهن.
هذه هي الرجولة التي كان ابي يتحدث عنها، الصوت المرتفع والضرب، ممنوع ان نشتم او نتلفظ بألفاظ سيئة لأننا فتيات، ومباح لطفل صغير ان ينطق بها، ليس هو بمفرده، بل حتى أصدقائه كانوا هكذا، أحد أصدقائه كان يمنع اخته الكبرى من الخروج فتهتف امه قائلة: (يمة فدوة للرجال، عفية اصكرها).
بالرغم من معاملة ابي الرائعة لأخي لكنه كان في وقت الشجار يخاف، يجري ليدخل غرفته، انا واختي من كنا نشهد عليها، ونتدخل بها، كان يحاول بقدر الإمكان الهرب من العواصف التي تضربنا بشكل يومي، حتى بات يجلس طوال الوقت في غرفته، نراه بشكل طفيف في أوقات تناول الطعام.
















جوى

٣٠ أكتوبر ٢٠١٥

كنت قد انتهيت من محاضراتي مبكراً، قررت ان اذهب لمدرسة أمير لأخذه معي اثناء عودتي للمنزل، دخلت للمدرسة الابتدائية للبنين، استأذنت من الوكيل ان اخذ اخي معه وسط تملقه لي واسئلته الفضولية حول انني عزباء ام لا، وعن دراستي، تملصت منه بصعوبة حتى اتجهت لصفه، سرت في الممرات وانا أرى بعض الاولاد يمرقونني بنظرات اعجابه كأنهم يغازلونني، ابتسمت لتطورهم ونضجهم المبكر لأن يغازلوا فتاة في الثانية والعشرون، وصلته لصفه كان الباب مفتوح واحد المعلمين يقف امام السبورة يشرح لهم، كان شاباً مرتب، لا شيء اكثر، طرق الباب بيدي وانا ابحث بعيني عنه حتى رأيته يجلس في الخلف، انتبهت للمعلم الذي ينتظرني ان التحدث معه، فقلت بارتباك : اوه، اعتذر عن المقاطعة، جئت لأخذ اخي للمنزل، امير.
رحب بي المعلم ليسألني: أيمكننا ان نتحدث قليلاً.
شعرت بالقلق، لكنني بالطبع سمحت له، خرج من الصف ليسألني ونحن نتوقف على جنب: هل والديكِ على قيد الحياة؟
اجبته باندهاش: اجل.
- لم لا يأتون لحضور مجلس الإباء او عندما نرسل لطلب رؤيتهم.
سألته بشك: هل فعلتم ذلك.
اجابني بتأكيد: مراراً، مستوي اخاكِ متدني جداً. مشاغب للغاية، لا يقوم بحل واجباته، الكثير علي اخبار والديكِ به.
صدمت مما قاله، لم أكن اعلم ان امير مهمل لهذه الدرجة، بل انني لم انتبه ان كانت امي تشرف على واجباته يومياً ام لا، حاولت ان اطمئنه: سأحاول حل كل شيء.
ابتسم الي ليدخل للداخل ويأذن لأمير بالخروج، خرج وهو يسحل حقيبته في الأرض، اشرت بحزم لحقيبته قائلة: احملها.
ثنى ذراعيه لصدره ليقل بعناد: لم افعل.
هددته: ان لم تفعل ما أقوله، فصدقني انني مجنونة وقد افعل شيء يحرجك امام اصدقائك.
نظر لي بحقد ثم انحنى ليلبس حقيبته في ظهره، نزلنا للطابق السفلي وبخني قائلاً: لم اتيتِ؟ بل كيف تأتيتن لهنا؟ ماذا سيقول عني أصدقائي عندما تأتي اختي لأخذي.
اجبته ببرود: سيقولون أنك محظوظ لأنك تملك اخت تهتم لأمرك.
تأفف مني لنعود للبيت سائرين على القدمين بينما كان يضرب الأرض في كل خطوة، وصلنا أخيراً للمنزل فرمى حقيبته فور دخوله اوقفته عندما حاول ان يجري بإتجاه غرفته: التقطها هيا.
قال بدون اهتمام: سترتب امي البيت، او احمليها انتِ، انتِ فتاة.
أتت امي اثناء توبيخي له: احملها، اخدم نفسك بنفسك.
علقت امي وهي تمسح على شعره: دعيه انه متعب من المدرسة، وجهت كلامها له، حبيبي اذهب وغير ثيابك ريثما اضع الطعام على السفرة.
انطلق هو بنصر تجاه غرفته بينما انا اشتطت غضباً من كلام امي، هي من تعلمه وتغذيه بدلالها هذا، قلت لها بعتاب: دلالكم له قد أفسده.
اتجهت لغرفته في الأعلى، كان هو قد غير ثيابه وراماها ارضاً، أغلقت الباب خلفي وانا اسدد نظرات الغضب تجاهه قائلة: لم تجلس في الخلف في صفك؟
علق قائلاً وهو يعبث بجهازه اللوحي: ماذا تريدينني ان اجلس في المقدمة مع الفشلة.
- فشلة! ان كانوا هم فشلة فمن الرائع انت؟ بدرجاتك المتدنية؟
علق وهو يلعب بجهازه احدى الألعاب: لا شأن لكِ، ابي لا يقول لي شيئاً.
سرت تجاهه وهو يجلس على السرير بغضب سحبت منه الجهاز لأصرخ به: عندما تتحدث مع من أكبر منك، تحدث بأدب وتركيز.
نهض ليقف على سريره ليصبح موازي لطولي: انتِ سيئة، لا أحد يحبكِ، حتى انكِ تضربين كل يوم لأنك لا تسمعين كلام امي وابي، ابي يقول انكِ عاهرة.
اتسعت حدقتا عيني فور سماعي ما قاله لي، ظننت انه لا يستمع لما يقوله ابي لي اثناء شجاراتنا، بل وظننت انه لا يعلم معنى هذه الكلمة، مهلاً كيف يدعونني هكذا؟ رفعت يدي للأعلي لتهبط كصفعة على وجنته، تجمد هو في مكانه وانا كذلك، صرخ يبكي مستنجداً باُمي وابي، لبا نداء الاستغاثة له فوراً بينما انا انطلقت لأخرج من البيت بأكمله، لا لست في وضع يمكنني من الدخول في مجادلة معهم، علي ان استجمع نفسي اولاً.
ذهبت لمنزل عبد الله، اهرب الى عالمي الخاص، حاولت منع نفسي من البكاء وانا داخل سيارة الأجرة، وصلت لمنزله، لم تكن سيارته في مكانها، يبدو انه في الخارج، أخرجت مفتاحي الخاص، لأدخل للداخل، أغلقت الباب خلفي القيت حقيبتي على الأرض وسرت لأجلس على الاريكة، اذنت لدموعي بالنزول، متى أصبحت سيئة لهذه الدرجة؟ متى أصبحت استخدم الضرب وسيلة للتعبير عن غضبي؟ سمعت صوت الباب يفتح التفت لأراه قد عاد، توقف عند الباب ينظر الي بقلق حاملاً حقيبته علي كتفه، اغلق الباب ليأتي تجاهي فوراً: ما بكِ.
نهضت لأحتضنه وازداد بالبكاء، قلت له وسط شهقاتي: انا سيئة، لقد ضربت اخي.
اجلسني ليمسح بيده دموعي، حاولت تنظيم انفاسي، بلعت ريقي لأخبره عما حدث، قلت وقد عادت دموعي تتجمع في عيني: تخيل انه نعتني بالعاهرة! لأنه سمع ابي يقول عني ذلك، أترى الى اين ابي اوصلنا!
بإبهامه مسح وجنتي المبللة: انه طفل، لا يعي ما يقول.
- أصبحت سيئة كأبي، عندما يمسني الغضب ابدأ بالضرب.
- اشششش، وضع يده على شفتي ليكمل، انتِ لستِ كذلك، انتِ أفضلهم.
ابتسمت له لأقاوم دموعي، مطيت شفتي لأعلق: لكنه بات سيئاً جداً، امي وابي قد افسداه.
قال ليحاول اضحاكي: انتِ ماهرة في ترويض السيئين.
- انا انجذب اليهم ربما.
اقترب ليقبل شفتي بهدوء فأغمضت عيني لسحر شفتيه، ابتعد ليجعلني ادوخ فتحت عيني فابتسمت له قائلة: اعتقد انني الان املك طاقة لمواجهتهم، امسكت بيده بقوة لأكمل، لأننا معاً.
ثرثرنا قليلاً، لكن أزعجنا هاتفي لكثرة الاتصالات، اعلم ان بإنتظاري عقاب في المنزل، لا بل عقابين، نهضت من مكاني قائلة: يبدو ان علي ترك الجنة والذهاب فوراً للجحيم.
قال بخيبة وهو يعود بظهره للوراء على الاريكة: ليتني أستطيع انتشالك منها.
ابتسمت وانا اترك يده واهم بالخروج: سنفعل، هههه في يوم ما.
- اها.
ضحكت وانا اخرج، اعلم انه كاذب، ليس لديه امل، بل هو يستمر لأن علينا الاستمرار، لأننا قد نموت مختنقين ان خرجنا عن حبنا، لذلك هو معي، بينما انا احارب واعيش لأنني أرى نوراً امامي، أرى مجرة كاملة بإنتظاري.
عدت للمنزل وانا مستعدة لسماع النشيد التوبيخي كالعادة، كان ابي حينها في الصالة يجلس بوجوم، بين أصابعه سيجارة تحترق، يراقب الاخبار ببرود واقتضاب، بينما امي تضع امامه الشاي وبلسان معسول تدعوه لشربه، دون كلمة شكر كعادته اخذه منها، زاغت عينه تجاهي وانا أقف عند باب الصالة، اعتدل وهو يضع (استكان) الشاي على الطاولة، ليرحب بي باستهزاء: اخيراً عدتِ؟
ابتسمت له بنفاذ صبر، ليبدأ بحسابي: كيف تضربين اخاكِ؟ من الرجل بكما؟ من سمح لكِ بلمسه.
قلت وانا اجز على اسناني: هل يحق للرجل الضرب فقط؟ أعني لأنني امرأة فيجب ان اتلقى الضرب؟
استفزني أكثر: اجل هو كذلك.
- لم تحاسبه على ما نعتني به؟ على ذاك اللفظ السيئ الذي قاله بحقي؟
رفع يده مهدداً: ويلكِ ان تدخلتِ به مرة أخرى، مفهوم؟
اجبته لأنهي النقاش: مفهوم.
انطلقت للطابق العلوي، مررت من جانب غرفته حيث كانت بابه مفتوحة، نظر لي من بعيد بينما انا حاولت تجاهله، دخلت غرفتي رأيت نجمة نائمة تأففت ارغب بالحديث، سمعت صوت الباب يُفتح، التفت وانا أقف امام مكتبي فرأيت امير يقف عند الباب، قلت بحزم: لا يجوز فتح الباب هكذا، عليك الاستئذان.
اغلق الباب حتى ظننته رحل، لكن سمعت صوت طرق الباب، ابتسمت لأسأل: من الطارق؟
جاني صوته من خلف الباب: انه انا.
أسندت جسدي علي المكتب لأضم ذراعي لصدري: تفضل.
فتحت الباب واغلقه خلفه، اقترب مني حتى أصبح يقف امامي مباشرةً، قال وهو مطأطأ الرأس: انا اسف.
رفع أحد حاجبي لأسأله: على ماذا؟
اجابني ومازال ينظر في الأرض: لأنني شتمتكِ.
وضعت يدي علي خصري قائلة: وماذا ايضاً؟
- ولأنني سيئ.
ارخيت يداي ووضعتها على كتفيه وانا انحني لأصبح في مستواه: انت لست سيئ، قلبك مازال نقياً، لكن لا تقلد أي أحد، ليس جميع من يكبروننا محقين دائماً، دع قلبك من يقدك، ان رأيت أنك سعيد بفعل معين، افعله، أترى ان رفعك لصوتك والحديث مع اختك الكبرى شيء يجعلك سعيداً؟ أترى ان احزاني شيء يدعو للسعادة؟
حرك رأسه نافياً، امسكت بذقنه ورفعته لأنظر لعينيه قائلة: لنعقد اتفاق، مهلاً لاُريك.
التفت على اللوحة الوبرية التي اُعلقها اعلى مكتبي قائلة: سأضع ورقة هنا، اكتب عليها كل فعل جيد تقوم به خلال الأسبوع، سواء كان في الدراسة او مع أي أحد. وفي نهاية الأسبوع ستكون لك مكافأة.
سألني والحماس يتوهج داخل عيناه: ما هي، ما هي؟
قمت بحك جبهتي اُفكر ثم انطلقت اُخبره: ممم مثلاً، اصطحبك للذهاب للسينما، او نشاهد احد الأفلام معاً في المنزل، بالإضافة سأعد لك البان كيك الذي تحبه بالشوكولا.
صفق بيده وهو يقفز ليحاوط خصري قائلاً: اتفقنا، انا موافق.
رفعت كف يدي لأضرب بخفة كف يده دليل على إتمام تلك الصفقة.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:26 AM   #24

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثاني والعشرون


عبدالله
٣ يوليو ٢٠١٦

اشتاق لجوى كثيراً في رمضان تحديداً، لا أعلم أي فلسفة هذه التي تجعلها تزورني طوال السنة وتمتنع عني في هذا الشهر! ما الفرق ان كانت الخطيئة واحدة؟ افكارها متناقضة جداً، بل انها حتى تكاد ان تصبح رابعة العدوية من كثرة صلواتها، بل انها حتى ترتدي الحجاب فقط خلال صيامها نهاراً لتخلعه ليلاً، اراها تراوغ ما بين الدين ورغباتها، لا تملك الخيار لفعل ما تشاء. بالمناسبة حتى مزاجها يصبح رائع في هذا الشهر، تبتسم وتغني بطفولية أغاني رمضان، كأنه رمضانها الاول، تحضر لي كل سنة فانوس تعلقه قسراً، وكأنني سأصوم او سأقيم أي شعائر دينية، اخبرتني في اخر مرة رأيتها بها وهي الليلة التي أعلنوا فيها ان رمضان مقبل في اليوم التالي، قالت لي: سأكثف الدعاء هذه الشهر تحديداً، لعل دعائي يستجاب وتصبح نصيب.
ابتسمت بسخرية حينها، وكأن الله سيلبي دعاء شخص مثلي! ان كنت انا نفسي امقتها، فكيف هو؟ لكن حتى تلك الفكرة جوى قادرة على ان تجادلني بها، تخبرني ان الله يحبنا أكثر مما نحب نحن أنفسنا، كالامهات، بل وأكثر، لكن حتى الامهات يغضبن في أوقات معينة ويعاقبن اولادهن، لذلك نجده عندما نرتكب آثام يغضب منا لكنه لا يكرهنا، فالله نور والنور لا يعرف الكراهية.
افكارها ساذجة ولكنها مثيرة، لأنها تؤمن بها لدرجة القتال من اجلها، تقدس مبادئها بشكل مبالغ فيه.
المهم انني في تلك الليلة، اتصل بي علي يطلب مني مرافقته لشراء بعد الأشياء لأن زفافه سيكون في العيد، سخرت منه قائلاً: ما زلت مصراً على ان ترتكب هذه الجريمة بحق نفسك.
- ههههه بالمناسبة كنت ستصبح مثلي لولا ما حدث.
انتهيت من ارتداء ثيابي، وهممت بالخروج من المنزل اتصلت بجوى وانا ما زلت في الحديقة، اجابتني بحماس: حبيبي.
رفعت احد حاجبي وانا اسخر منها: كيف تقولين حبيبي في رمضان!
-ههههه سخيف، كنت للتو اتحدث عنك.
سألتها بفضول: مع من؟
اجابتني: ياسمين، أتت لنجهز بعض الأشياء النسائية التي تخص الزفاف.
ابتسمت لأسأل بمكر: مثل؟
- ثياب.
- تعلمي اذن اعتقد اننا نحتاج أشياء كهذه.
قهقهت بخجل: هيييييي .
- هههههه المهم، سأتصل بكِ عند عودتي انا ايضاً سأخرج برفقة علي الى مجمع الليثي.
قالت لي: عبد الله، انا احبك كثيراً.
سخرت منها: هههه ماذا هل سأموت؟
- لاااا، لكنني شعرت انني، صمتت لثوان حتى أكملت، شعرت ان علي اخبارك بذلك.
قلت وانا ابتسم: وانا ايضاً.



























روح
٥ يوليو ٢٠١٦

كان يوماً متعباً، مع ارتفاع درجات الحرارة بات الصيام أصعب، مع انقطاع الكهرباء المستمر، الوقوف في المطبخ لاسيما تلك السويعات التي تسبق الفطور هي الأصعب، يصبح الامور منافسة مع الوقت لإتمام الطعام بحيث قبل نطق المؤذن ل (الله وأكبر) تكون السفرة جاهزة والمعلقة بيد ابي، انتهى الفطور اكلته بهدوء، بعد ذلك اتجهت لأنزوي في غرفتي، بعد منتصف ساعة كانت ياسمين قد أتت لمنزلنا بأكياسها المنتفخة الكثيرة، نثرت الثياب الجديدة التي ما زالت بطاقات الشراء تتعلق بها، كانت في غاية حماسها اثناء اظهار ما اشترته للزفاف، كانت جدتي ايضاً معنا في الغرفة، تضحك وكأنها مراهقة لتخبرها ما عليها تحضيره للزواج، راقبت ما تفعله ببؤس، بينما كان الفرح يتلألأ في عيناها، ترقص بين الحين والأخر لتغني لنفسها اغنية الزفاف، كل شيء كان طبيعياً، ليلة رمضانية تخلو من أي اثارة، او ربما استعجلت بقولي لهذه الكلمة، تلك الليلة لم تكن عادية، بل انقلب، شعرنا بهزة تصيب المنزل، مصاحبة لصوت انفجار عالي، جعلنا نتخشب في اماكننا، لأن هذا الانفجار بدى قريباً، بدى شيء لم نعتد عليه، خرجنا من الغرفة جميعاً لننزل للأسفل، جدتي وامي كانتا يستنجدان بالله، قالت جدتي: حسبي الله على الظالمين، حتى في رمضان.
خرجنا للخارج لنطل من باب البيت على الشارع، كان الجميع قد خرج من منزله ليرى تلك الهالة الدخانية التي خنقت السماء في تلك الليلة، انفجار أصاب حينا لكن لا نعلم أي شارع، كان بعض الجيران يجرون يحاولون الذهاب للموقع الذي انبعث منه الدخان، بينما مراهقين يجرون يصيحون قائلين: انفجر مجمع الليثي.
لم يستوعب أحد ما قيل، لكن صرخة ياسمين جعلتنا ندرك حجم الكارثة التي حلت علينا، التفت ياسمين لنا وعيناها تخرجان من مقرهما قالت والحروف تتشابك على لسانها: علي!، هناك.
- عبد الله ايضاً!














محمد
الحاضر

فور وصولي للمصح، وجدت قدماي تأخذاني لغرفتها قبل حتى زيارة مكتبي، كانت الساعة تقريباً التاسعة والنصف صباحاً، عند وصولي كانت الممرضة في غرفتها، لكنها بالطبع لا تتجاوب معها، نوع من المسؤولية يجعلني أحاول البقاء معها طوال الوقت، اعلم انها قد تشعر بنوع من الخوف ان رحلت ككل يوم، لذلك بعد ان استشرت الدكتورة نيولفر سمحت لي بالاقامة في المصح كبقية الأطباء الدائمين هنا، كانت روح تجلس على كرسي ترتدي ثوبها، شعرها مبلل بينما الممرضة بالقرب منها تحاول ان تمشط شعرها، لكنها لا تتجاوب معها، ابتسمت لأقول: صباح الخير.
التفت لجهتي لتنظر الي، فاتسعت ابتسامتي، ملامحها المتوترة قد هدأت رغم انها لم تبتسم، لكن هذا مؤشر جيد، اخذت المشط من الممرضة وطلبت منها الخروج لإحضار الفطور لها، قلت ومشيرا بالمشط: سنتناول الفطور معاً، لكن أولاً دعينا نمشط شعركِ.
اقتربت لأقف خلف كرسيها، انحنيت لأشم رائحة شعرها قائلاً لها بصوت مسموع: رائحة شعركِ تبدو زكية جداً، هل يمكنك ان تمشيها؟
حركت رأسها بهدوء بلا، امسكت احدى خصلات شعرها الرطبة لأبدأ بتمشيطها، شعرها الأسود الناعم لا يحتاج لذلك حتى، رأيت انعكاس صورتها في المرآة تقطب حاجبيها، تفرك يداها ببعضهما، التقت اعيننا ببعضها للحظة، كانت عيناها ترتعش، ثم اخفضت بصرها فوراً للأرض وهذا يعني انها تخاف من شيء، قلت وانا ما زلت اُمشط شعرها: انتِ لا تخافين مني، اليس كذلك؟
اجابت وما زالت هي تحدق في الأرض: لا، لكن.
صمتت فشجعتها: اذن؟
- هذه المرة الاولى التي يمشط لي أحدهم شعري بعد جدي.
ابتسمت لأترك المشط وانحني للأمام اقتربت بصدري تجاهها كنت اريد وضعه على الطاولة التي امامها، رائحة عطرها قريبة جداً، اغمضت عيني لثواني فعدت فوراً للخلف، تباً لك ما الذي تشعر به! تنهدت لأحاول تنظيم انفاسي، مددت يدي لأحرك اصابعي على شعرها بهدوء، بدأت امسحه، ادخل أصابعي بين الخصلات، اقترب بها تجاه عنقها من الخلف لأرتفع مرة أخرى، أحاول ان ابعث فيها إحساس الأمان الذي كانت تشعره به تجاه جدها، اعيد لها كل شعور فقدته حتى تجردت من الإحساس بأي مؤثر خارجي.
بالمناسبة انا ايضاً اشعر بشيء، ما افعله يحركني من الداخل، يجعلني اتوتر، لوهلة اصابعي تتصلب، وكأنني غير قادر على الاستمرار، سحبت يدي رغماً عني لأعلق: انتهيت، تبدين الان جميلة.
رفعت نظرها للمرآة لترى ذاك الوجه الأبيض، هادئ الملامح، التفت الي فقلت أحاول ان افتح موضوعاً: ما رأيكِ ان نتناول الفطور في الخارج، الجو رائع.
التفت للنافذة لترى صحة كلامي، او ربما ذكرتها بطريقة ما ان هناك عالم في الخارج، مددت يدي الباردة التي اكتسبت هذه البرودة من قطرات الماء التي علقت في شعرها، وضعت يدها في يدي لتنهض، طلبت منهم ان يحضروا الطعام في الشرفة الموجودة في الردهة العلوية، لم يكن هناك أحد من المرضى، سبحت لها الكرسي لتجلس على طاولة بجانب السور الخشبي الذي يطل على منظر رائع للغابة التي امام المصح والمساحة الخضراء الواسعة، جلست امامها مبتسماً، نظرت هي للطعام ليس لديها نية بتناوله، رفعت شوكتي مشيراً: ان تناولتِ الطعام هذه المرة، فستجعلينني احقق انجاز كبير، هذه وجبتكِ الاولى بعد ولادتكِ.
تعمدت قول كلمة ولادتها، لأنني اعتبرها للتو قد ولدت، من رحم الألم والفقد. حركت رأسها لا ترغب، لكنني غرزت قطعة صغيرة من الجبن بالشوكة وقربته منها انوي اطعامها، بقيت تراقب هذه القطعة، لدقيقتين ربما، شعرت ان يدي قد تعبت لكنني قاومت، قربت فمها بهدوء لتلتقطها به، بدأت بمضغها كأنها تفعلها للمرة الاولى، لكن هذا طبيعي، فحتى قدرتها على التذوق قد فقدتها، اقتربت واضعاً مرفقي على الطاولة لأسألها بفضول: ما طعمها؟
اجابتني: مالحة.
ابتسمت لأرفع قبضة يدي في الهواء احتفل بإنتصاري: هذا هو، شكراً لكِ.
سألتها: اتودين ان نكمل حديثنا هنا؟
اجابتني: اجل.


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:28 AM   #25

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثالث والعشرون


جوى

٥ يوليو ٢٠١٦

لم أتمكن من استيعاب شيء وانا أرى فوضى تدور من حولي، دخان يخنق المدينة، وصراخ، أصوات سيارات الإسعاف تصل الينا رغم المسافة الشبه بعيدة، أفقت على صوت ياسمين وهي تصرخ، علي وعبد الله ذهبا هناك! دار داخل رأسي ما قاله اخر شيء، هل حقاً سمعت مجمع الليثي؟ ام انني توهمت، بقيت متوقفة اسمع ياسمين وهي تصرخ وتبكي بينما امي وجدتي تحاولان تهدئتها، فجأة انطلقت لأدخل للداخل، ارتديت عباءة جدتي بسرعة من غرفتها وجريت للأسفل لأخرج، اوقفتني ياسمين وهي تناديني: انتظريني.
وبختني امي وهي تسأل عن سبب خروجي، لم استمع لها، كان عقلي متوقفاً، اطرافي جميعها ترتعش، لا لا، انا ادعو له في كل صلاة ان يحفظه الله، لقد وضعت منذ زمن ورقة بها اية الكرسي في محفظته دون علمه، كلام الله معه لن يصيبه مكروه، هكذا طمأنت نفسي رغم روعتي، أتت ياسمين بقدمين لا تحملانها، جررتها من يدها بقوة لنخرج، كان مكان الانفجار على بعد خمس شوارع من بيتنا، جرينا وسط الناس الذين هرعوا لمكان الحادث المروع، جميعهم يبحثون عن خبر يكذب هواجسهم، وصلنا للشارع الذي تم تفجيره قبل قليل، كانت النيران تأكل جسده بالكامل، سيارات، محلات تجارية، كانت الجحيم بحد ذاتها امامنا، نيران تتصاعد لتنهش حتى السماء بدخانها، المت النيران وحرارتها التي رغم وجود مسافة اعيننا، بقينا متوقفتان نراقب نهاية العالم، الهول الذي التهم فلذات اكبادنا، جريت مقتربة اصرخ: عبد الله، لااااااا.
ناديته حتى تشققت حبالي الصوتية، التفت لياسمين التي كانت تجلس على ركبتيها تلطم وجهها والنيران معكوسة في عيناها، ضربت وجنتيها بمرارة لتنوح قائلة: مات، مات، رحل.
اقتربت منها وانا اصرخ واهزها: لا، لا، اخرسي.
كان الصراخ يملي المساحة هذه، النيران تقتد أكثر وأكثر، وكأنما هناك انفجارات تحدث وتشعلها أكثر، حاول الناس ابعادنا لأنها باتت قريبة منا، تريد ضمنا لمن نحب ايضاً، بقي الجميع يراقب بعجز، يرون تفحم أجساد كانت في يوم من الايام مجرة لهم، مجرتي كانت معهم ربما، ايمكن للمجرات ان تموت بإنفجار على سطح الأرض، ليس كوني؟ ياسمين شدت شعرها بقوة وضربت نفسها كثيراً، بينما انا اقترب من الحريق، وابتعد، لا لن اصدق شيء ما لم أرى جسده، ما لم يأتي ملك الموت نفسه ويخبرني انه سرق روحه مني، بهستيرية اقتربت من ياسمين لأمسك يدها أحاول انهاضها قائلة: غبية ربما ليسا هناك، تعالي نتأكد.
لكنها لم تنهض معي فتركتها وحاولت الاقتراب، الدخان يدفعني بيده والحرارة ترميني بقوة، حتى شعرت بأحد يحاول سحبي للوراء، جررني للوراء فالتفت لأدفعه: ابتعددددد عن
تجمدت في مكاني وتجمدت الدموع على خدي، حبيبي! اتسعت عيناي انظر له بينما هو ينظر للغول الدخاني خلفي، رفعت يداي اتحسس وجهه، هو حقيقي لم يصبه مكروه، نزلت يدي من على وجهه وتلمست صدره، قلبه الذي مازال ينبض، حتى يده التي كانت ترجف، صرخة ياسمين وهي تنهض مقتربة من عبد الله لتسأله بصدمة: لم يحدث لكما شيء!
أشار بسبابته تجاه النار ليجيب بجمود: هو هناك.
التفتنا للمكان الذي تسلقت فيه ارواحهم لتصعد للسماء، علي مات! لطمت وجهها بقوة لتصرخ: لااااا، لاااااا، ماااات، لاااا.
اقتربت منها لأحتويها، حاولت ان تدفعني، تضربني بقوة، بينما انا ابكي مثلها، ابكي على صديق رحل قبل اوانه، على زوج ترك عرسه الذي سيقام بعد أيام، على ولد لم تزين امه يده بالحنة، على حبيب لصديقتي الذي بات يحبها لسبع سنوات وأكثر، على شاب عراقي سيحتفل بالعيد هذه السنة في الفردوس.
من قال ان الاحزان تتضاءل؟ كيف تفعل ان كان مصدرها شخص فقدناه ليس فراقاً عادياً بل ابدياً لا لقاء بعده، لا مكالمة هاتفية ولا رسالة، لا شيء سيصل منه بعدها، لا صدى صوته، ولا ملمس يده، يومان مرا كأنهما دهراً، لازمت ياسمين خلال هذه الفترة، حينما تم نقلها للمشفى لأنها سقطت وخارت قواها من شدة البكاء والنوح، يومان وانا لا اعلم شيئاً عن عبد الله بعد ان فقد أخيه، يومان وعيناي متورمتان، ابكي واراقب التي ذبل جسدها على السرير تبكي بصمت، بلا صوت، بحنجرة خانتها بعد ان استغرقت هي كل قواها في الصراخ فلم يتبقى منها شيء، دارت عيني في الغرفة البيضاء التي امامي، عروس كان من المفترض ان تكون الان في احد الصالونات لتتجهز نفسها فبد أيام زفافها، وام تجلس على الكرسي الذي استقر بالقرب من السرير، تسند رأسها على يدها لتنظر بحسرة لإبنتها التي لم تذق طعم الهناء، تبكي وتسأل عنه وصوتها لا يساعدها لتقبض على الفراش بقوة، أي دواء واي مشفى ذاك الذي يمكنه ان يعيد لنا حبيب سكن في السماء؟ تمكنوا من صنع كل شيء، حتى انهم يهمون بصنع انسان كامل يشبهنا، لكنهم لم يجدوا حلاً للإنسان نفسه، للفقد، للموت، للشوق، لتلك الحاجة التي تنخرنا من الداخل. خرجت ياسمين وتمكن ساقيها من حلمها لتطلب منا الذهاب لمنزله، للعزاء، لذاك المنزل الذي منذ أيام كان مزدحماً بالتحضير للاحتفال بالزفاف، والان مزدحماً بزفاف لكنه من اخر، امسكت بيدها بقوة ونحن مقبلين على الدخول للمنزل الذي كان من المفترض ان يكون العش الذي سيقيمان به، كان صوت القران والبكاء يعمان في الأجواء. بدأت انتحب فور دخولي، رأيت صورته التي علق على طرف اطارها شريط اسود، علقت على الجدار، يبتسم هو بينما تحدق الابصار به باكية، رحل قبل اوانه، رحل دون وداع، التفت لياسمين، كانت هادئة، تنظر للجميع دون إدراك، تائهة ربما تنتظر قدومه او نزوله من غرفته ليخبرها انها كانت في كابوس، وان الزفاف سيقام، وستصبح هي ملكه، رأيت امه تجلس على الأرض بين النساء متربعة، تبكي وتمسح وجهها بشالها الأسود الذي أصبح رثاً من تجفيف الدموع، نادت بحسرة على ياسمين لتقترب وتجلس بجانبها، فهبطت ياسمين لتجاورها وهي تراقبهم بذهول، احتضنتها ام علي لتنوح قائلة: لم افرح به، لم احني يده بعد، لم أرى اطفاله بعد، ليتني مت قبلك.
ليتنا نموت عوضاً عنهم، نحن نفقد الحياة بموتهم، لا حياة لنا بعد موت مجاراتنا. أيام مرة مرت حتى شعرت انني أستطيع ترك ياسمين التي باتت فاقدة للإحساس بأي شيء، ياسمين التي ارتدت فستان زفافها الذي كانت سترتديه له ومعه، ياسمين التي قطعته اثناء ارتدائها له، والتي باتت تقبل صوره وتخاطب روح لم تعد تسكن هذه الأرض، ياسمين التي عشقت القبور لأن أصبح أحد ساكنيها حبيب رحل قبل الاوان. رغم قلقي على عبد الله الا انني كنت أخاف من ان اراه، لا يمكنني حتى تخيل حالته هذه؟ او ما يشعر به.
ذهبت لمنزله، كانت سيارته في الخارج غطاها التراب، طرق الباب وضربات قلبي تتسارع، خائفة منه وعليه، فتحه لي لأرى وجهه، ذاك السواد الذي يحيط بعينيه، وجهه الذابل، رائحة النبيذ المخلوطة مع رائحة عرقه ودخان سجائره، سار وترك الباب مفتوحاً لي، دخلت بهدوء وانا اراقب حال المنزل، كسر كل شيء، أصبح يسكن في خرابة، زجاجات البيرة مكسرة تفرش الأرض، كراسي مقلوبة على ظهرها، صحون متهشمة، سرير مبعثر ووسادات ملقاة على الأرض. اقتربت من حيث جلس هو امام سريرها على الأرض، جلست امامه كالقرفصاء، رفعت رأسه ليوجه كلامه لي: هذا هو البلد الذي تحبينه؟ تمجدينه؟ اتكون الأوطان كذلك؟
بقيت انظر اليه بحزن أعجز عن الإجابة فاستمر هو بسؤالي: اتقتل الأوطان أبنائها؟ يموتون ليحيى الوطن! من هو الوطن عفواً؟ أي وطن هذا؟ الساسة الفاسدين، ام المواطنين المخربين؟ علق بسخرية: لا تخبريني ان الوطن نحن؟ لأننا نموت كل يوم، نتناقص مع طلوع شمس النهار.
حلقي جف بأكمله، انا حقاً لا املك إجابة ولا الومه حتى علي أي كلمة قالها، نهض من مكانه فانتصبت انا ايضاً، ابتسم مقترباً أكثر مني: كنت سأكون معه لولا ان سيارتي تعطلت واضطررت لأخذها للصيانة قبل ذهابي، رفع صوته ليكمل: كنتِ ستصبحين مكانها، هل كنتِ ستحبين وطنكِ هذا؟
تدحرجت دموعي وانا اراه هكذا، لا يسعني فعل شيء، جر على اسنانه ليقول: انا أكره نفسي، وأكره هذا الوطن، وأكره الله لأن ما زال مصراً على ان يعذبني بأخذ جميع من اُحبهم، لا يأخذني عوضاً عنهم لأنفذ من هذا العالم.
اقتربت منه لأحتضنه وابكي، كان جسده متصلباً، لا يبدي أي حركة، دفعني بعيداً عنه وهو يمسك بمرفقي قائلاً: لحسن الحظ اننا لم نتزوج، انا سأرحل لا يمكنني البقاء اكثر على هذه الأرض.
ورحل!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:30 AM   #26

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الرابع والعشرون

روح


الحاضر

استيقظت، فتحت عيناي لأرى ذاك السقف الأبيض، انا في المشفى لا شيء جديد سوى انني اتلقى العلاج لأتعافى، لا املك أدنى فكرة ما الذي سأفعله بعد علاجي، لكن حتى محمد طلب مني ان لا اُفكر سوى الخضوع لهذه التجربة التي اعتبرها فريدة، لكنني حقاً مللت. سمعت صوت الباب يُفتح لم أأبه قد تكون احدى الممرضات، سمعت صوته وهو يقول بنشاط: صباح الخير.
اجبت بهدوء بينما انا ما زلت مستلقية: صباح، ال، النور.
اقترب فتوقف بجانب السرير ينظر الي، عيناي ما زلتا معلقتان في السقف كثريتين، قلت: لا اشعر ان هناك شيء يجعلني استيقظ من اجله.
جلس على طرف السرير عند قدمي ليسألني: منذ متى وانتِ تشعرين بشيء كهذا؟
- منذ زمن، حتى انني، صمت لوهلة، نظرت له لأكمل: حتى هنا، لا اشعر بأن هناك داعِ لعلاجي.
- الحياة تستحق، كما اخبرتكِ الفرصة الثانية التي مُنحت لكِ كافية لتقفزي من الصباح من سريركِ.
لم اُعلق بل ظلت اعيننا تحدق ببعضها، نهض ليخلع نظارته ويضعها في جيب قميصه، فرك يداه ببعضهما قائلاً: هيا.
رفعت رأسي قليلاً من الوسادة لأسأله بفضول: الى اين؟
اجابني بحماس: اليوم لا يوجد أي نوع من الجلسات او الادوية، سنمرح فقط، هيا انهضي، غيري ثيابكِ سأنتظركِ في الخارج.
خرج من الغرفة، انقلبت على جنبي اليسار اُفكر، ما الذي سأخسره ان نهضت؟ لأرى ما يمكن فعله، نهضت لاُغير ثيابي، خرجت من الغرفة لأراه ينتظرني، سرت برفقته، وجدت يدي تمتد لتمسك بيده، توقفت عن السير أحاول استيعاب ما فعلته، رفعت رأسي لأنظر له، سألني وهو يبتسم: ماذا؟
حاولت ان اسحب يدي بخجل، منذ متى أصبحت هكذا؟ قال لي: لا تفعليها.
شبك أصابعه بين اصابعي، انزلت رأسي، شعرت بشيء غريب، اكاد ان ابتسم، سرنا ونحن هكذا الى ان خرجنا للخارج، كان هناك دراجة هوائية، ترك يدي وسار ليركبها لينظر الي ويدعوني قائلاً: اجلسي خلفي.
قلت وانا اقترب منه بحذر: أتعلم انني لم اركب دراجة من قبل.
نظر لي بصدمة فأكملت بحسرة: كانت امي تمنعني وانا صغيرة، لأنني فتاة، لا يجب ان اقود دراجة هوائية.
غمز الي وهو يبتسم: اذن لتصبح هذه المرة الاولى. سيروق لكِ الامر.
سألته: ماذا ان سقطت؟
- اُسقطي.
- وإن اُصبت؟
- ستتعافين وتنهضين مجدداً.
جلست في الخلف لأمسك بكتفيه، فبدأ بقيادتها، شعرت بالهواء وهو يضرب وجهي بلطف، يتعلق شعري في الهواء ليطير مع نسماته، اغمضت عيني لأترك احدي يدي لأجعلها تتعلق في الهواء ايضاً، امسكت الرياح بخصري كأنها تراقصني، دغدغت ساقي بلطف فحرتها قليلاً لتكبر بسمتي، عدت لأمسك بكتفيه بكلتا يدي، اعدت رأسي للوراء، فتحت فمي لأفتح فمي، تنفست بعمق كأنني لم اتنفس من قبل، تذكرت ذاك النسيم الذي كان يحتضنني وجدي يهز الارجوحة بي في حديقته، المشاعر تعود الينا ذاتها، لكنها تعود لنا مع اشخاص مختلفين، وأماكن أخرى، حتى اننا نتغير.
أوقف الدراجة جانبا على الطريق فترجلت وهو ايضاً. سألني وهو يلتقط أنفاسه: ما رأيكِ؟
ابتسمت لأجيبه: رائع.
- حقاً!
حركت رأسي بإيجاب، قال لي: لنعد سائرين ونتحدث في طريقنا.
ابتسمت لأسير معه، قلت وانا انظر مباشرة نحو الطريق: سأكمل لك، لأتخلص من كل شيء.
رفع كفه في الهواء ليقل بحماس: لنفعل اذن.
رفعت كفي موازياً لكفه، فضربه كحركة تدل على الموافقة.































عبدالله

٥ أغسطس ٢٠١٦

راقبتها وهي مستغرقة في ترتيب الحقيبة، تلقي نظرة على الرفوف والخزانات الفارغة، ثم تعيد نظراتها للحقيبة، تقعد حاجبيها كأنها تفكر في الأشياء الناقصة، معذبتي تحزم حقائبي حيث ساُسافر واتركها، تساعدني في الدعس على قلبها، تجمعت الدموع في عيني، نهضت من على الاريكة لأسير تجاهها وهي جالسة على الأرض امام الحقائب والثياب المتجمعة حولها، انحنيت لأحتضن كتفيها من الخلف، قاومت بكائي لأرجوها: ان طلبتِ مني البقاء سأفعل.
شعرت بأنفاسها الساخنة، بقلبها وهو يرتعش داخل صدرها، قالت بمرح: انتِ تجعلني انشغل، لا نملك الكثير من الوقت، هناك أشياء بعد لم تحزمها.
امسكت بكتفيها لأنهض واجعلها تنهض برفقتي، التفت الي فأمسكت بيدها وقدتها تجاه السرير، استلقيت عليه لأجرها تجاهي، احتضنتها حيث كان صدري امام ظهرها، يلتصق به بقوة، يدي تمر من فوق خصرها لتتشابك مع يدها على الفراش، ساقي فوق ساقيها اطوقها، رأسها على ذراعي ورأسي على رأسها، قلت وانا انظر للامام حيث تنظر هي: تعالي معي، لنكسر تلك القواعد السخيفة.
علقت ساخرة: تمردت بما فيه الكفاية، اعتقد انه ان الاوان لأن اُفكر بعقل.
بداخلي كلام كثير اود ان اُخبرها به لكنني لا أستطيع او ربما أعجز عن التحدث، شيء يمنعني، حاولت بجهد ان انطق ما اشعر به: انتِ لم تكوني حبيبتي فقط، امي، ابنتي، صديقتي، مجرتي.
قالت لي بتحذير: ستترك الكحول، لم تعد لك حجة ههه، ان مارست حياتك بشكل طبيعي، في مكان آمن، عليك ان تعود الى الله، سيكون لديك سبب حينها لتعبده ان لم تجد هناك أسباب كافية لعبادته على حالك هذا.
ترك يدها لأرفع يدي وامسح وجنتي التي تبللت قائلا: انتِ سخيفة، وكأنك لا تعلمين انكِ جميع الأسباب التي كانت تدعوني للبقاء هنا.
رفعت يدها لتسحب يدي وتشبك اصابعنا مجدداً قائلة: ابدأ هناك من جديد، الامر يستحق.
بسخرية قلت: هل حقاً يستحق!
التفت الي ليقابل وجهها وجهي، انفاسي تمتزج مع أنفاسها، انفي يقبل انفها، عيني تلمع في عيناها، اقتربت بشفتي لأقبلها، عند عتبة فمها سجدت روحي، تذوقت ذاك الطعم الذي خُلق من رحم خلية النحل، قبلتها بقوة، كأنني سأموت بعد هذه القبلة، تنفست في فمها كأن الهواء سينفذ خارج شفتيها ومجرتها، معها لا يتحرك فقط لساني بل كل اعضائي، كل شيء ينهار بقبلة، ابتعدت هي عني لتنام علي ظهرها فعلت انا المثل لنتنفس بسرعة نلاحق انفاسنا، بقينا نحدث في السقف، رأيت تلك الخريطة التي علقتها عليه، ايمكن ان ارحل لأعيش على ارض لا تقبل قدميها؟ ان اراقب النشرة الجوية لأري ان سمائنا غائمة وسمائها صافية؟ كلانا تغطيه سماء مختلفة، كأنها قرأت ما يكتب في عقلي لتعلق: المهم اننا في مجرة واحدة، وان كُنا على ارض تبعد الاف الاميال عن بعضها البعض، وان تلبدت سمائك بالغيوم، وضربت اشعة الشمس الحارقة سمائي، ستبقى حقيقة واحدة تجمعنا، هي ان كلينا على متن مجرة، لا يهم الاف السنين الضوئية التي تفصل بيننا، ولا فرق التوقيت. الشمس واحدة، والقمر واحد، الله واحد، والقلب واحد، وانت أحد تلك الأشياء التي لن تتكرر.
ابتسمت لتنهض، نهضت قليلاً اراقبها، اتجهت تجاه حقيبتها قائلة: سأذهب، لا تنسى استيقظ باكراً قبل موعد رحلتك بعدة ساعات لتتأكد من أنك اخذت، كل شيء.
قلت بدهشة: سترحلين؟ الان!
لم تلتف الي وسارت مسرعة تجاه الباب: لا اُحب الوداع.
وصفقت الباب بعد خروجها دون وداع انتهت قصة لن تتكرر، انتهت بالرحيل والخيبة.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:32 AM   #27

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الخامس والعشرون


روح

٩ سبتمبر ٢٠١٦

في صباح لا يشبه أي صباح مر علينا، استيقظنا لن لنجد شيء غير عادي، صراخ ملأ منزلنا، صراخ يصدر من فم واحد لا غير، ببرود خرجت من غرفتي لأسير تجاه ذاك المصدر، رأيت اختي وأخي يقفان امام باب غرفة امي وابي، نظرت لعينان اختي، كانت تائهة، باردة، بينما اخي الصغير يبكي يحاوط جذعها ويدفن رأسه في بطنها، اقتربت أكثر لأري امي تجلس عند السرير تبكي وتلطم وجهها بينما جسد اعرفه تمام المعرفة تم تغطيته بالفراش، جدتي تقف خلفها تمسح على كتف ابنتها، كان ابي راقداً! جثة هامدة لا يصدر منها صوت مرتفع ولا كلام بذيء، صمت كما لم نره في حياته بهذا الصمت، المصيبة لم تكن في موته، بل المصيبة أصبحت فينا، لم نبكي كأمي، لم نصرخ، وكأن جثته لا تعنينا، وكأن ما نشاهده امامنا مشهد في مسلسل تلفزيوني نتابعه، ألهذه الدرجة قسينا؟ هو من جعلنا احجار، مات حتى قبل ان يعتذر منا، او يخبرنا ولو لمرة واحدة انه قد احبنا، لم يزرع بنا حب يجعلنا ندعو له في الصلوات، كنا ندعو ان يزيل الله المصائب من على رؤوسنا فمات ابي، فاتضح ان دعائنا قد استجيب.
مات ابي وتركنا، لكن اثاره بداخلنا لم تتركنا، الألم، الذكريات والحقد لم يتركنا. وامي هي ذاتها بقيت تلك المرأة التي تخاف كلام الناس قبل الخوف علينا، بل أصبحت أسوأ، ظننا ان اهم مشكلة تعيق مجرى حياتنا قد تبخرت، لكن المشاكل قد بدأت، أولها امي التي باتت مسؤولة عن فتاتين سيدنسان سمعتها في الأرض، بدأ الامر في العزاء، وبختنا لأننا لم نبكي، لأن كلينا باردتان، كيف سنستقبل الناس بهذه الوجوه الباردة؟ ما الذي سيقولونه عنا؟ اليس من المفترض ان يأتي الناس للعزاء ليتذكروا الاخرة، الموت، يرون ماحل على الاخرين من فقد ويتعلموا؟ ام انهم يأتون ليتفصحوا مدى الحزن الذي نشعر به. رفضت الخروج للناس، بت أكرههم وأكره مظاهرهم، بل كرهت حتى امي التي لم تسألنا لم نحن باردتان؟ لم تسأل مقدار الألم الذي خلفه داخلنا لنصبح هكذا؟ تركت لهم العالم واتخذت سريري كعالم لي كالعادة.
امي التي كان صوتها مختبئ داخل تلك الحنجرة، باتت الان تصرخ علينا، توبخنا، وكأن روح ابي تلبستها، تحاسبنا، بل وتشتمنا، صراخها حل مكان صوت صراخ ابي، اعتادت جدران هذا المنزل على الصوت المرتفع، الاوامر، والنهي عن كل شيء. هكذا هم الضعفاء عندها يجدون فرصتهم، يتجبرون على من هم أضعف، يرون غرورهم بالصراخ، بالصوت العالي، هكذا احكمت قبضتها علينا، لتعاقبنا على سنوات قضتها في الخضوع، لتجعل منا عبيداً لها، بل وتطور الامر لتعرض منزلنا للبيع، بحجة انه من الصعب ان تربينا في هذا المجتمع، لا يجب ان نعيش نساء بمفردنا، السنة الناس ستطاردنا، الى ان اقتنعت بإحدى أفكار جاراتنا، وهي الهجرة، ان نهاجر لتركيا ومن هناك نُبحر لليونان، بعدها نقضي حياتنا فارين لحين وصولنا لإحدى الدول التي تمنحنا اللجوء.











محمد

الحاضر

طلبت رؤيتي الدكتورة نيولفر، كانت هي في مطعم المصح، تتحدث مع مدير المطعم، رأتني من بعيد فأبتسمت الي سرت لأجلس على طاولة قريبة على النافذة، كانت مخصصة لفردان، انتهت هي من حديثنا لتقترب وتسحب كرسيها الذي يقابلني، ابتسمت لها فعلقت: تبدو بأفضل حالاتك.
اجبتها بحماس: بالطبع، روح تتحسن.
وضعت مرفقها علي الطاولة لتضحك قائلة: روح! ستبقى تناديها بهذا الاسم؟
اجبتها بتأكيد: بالطبع، هي لم ترغب ان اناديها باسمها الحقيقي، روح اسم رائع.
ضيقت عيناها لتقل وكآنها تريد الايقاع بي: بالمناسبة، ما الذي يحدث لك؟
بلعت ريقي لأسألها بشك: ماذا؟
اشارت الي لتذكرني قائلة: انت طبيب، تعلم جيداً انه لا يجب ان يكن الطبيب أي مشاعر تجاه الحالة.
رفعت قليلاً نظارتي الطبية على انفي لتعتدل، مسحت على انفي قائلاً: ههه، بالطبع لا يوجد شيء.
شبك اصابعها ببعضهما واسندت ذقنها على اصابعها: لا أرى ذلك، ما اراه أنك تمسك بيداها طوال الوقت، من يراكما يظن انكما عاشقان.
اتسعت عيناي لأخلع نظارتي، نظرت للنافذة بارتباك، شعرت ان قطرات العرق تتجمع على جبيني، عادت هي بظهرها للوراء قلت وانا اتحاشى النظر اليها: هي مجرد حالة، ثم انها تثق بي، التواصل الحسي مهم بيننا.
قاطعتني: لكنها صغيرة، انت تمنحها مشاعر هي بحاجة لها في هذا الوقت.
اعترضت: لا انا، انا، مم أحاول ان اساعدها، شفاؤها يهمني اهم أي شيء.
ثنت ذراعيها لصدرها قائلة: انا فقط احذرك، ضع حدود لما بينكما، وحاول ان تفصل بين مشاعرك وعملك.
نهضت مكانها بينما انا تأففت لأمسح بيدي على شعري، علقت قبل رحيلها: حذارِ والا سأحول حالتها لطبيب اخر.
نهضت من مكاني فوراً لأقول: لا، لا يمكن، ستسوء حالتها.
قالت بصرامة: اذن افعل ما طلبته منك.
جلست مرة أخرى على الكرسي لأمسح وجهي بجزع، ثبت رأسي بين يداي لأتحدث مع نفسي: محمد هذه حالة، انت متعاطف معها لأنها ابنة بلدك، لا شيء أكثر من ذلك.










جوى


٢٠ أكتوبر ٢٠١٦

رغم اعتراضي على فكرة السفر، رغم انفعالاتي، الا انني وجدت امي لا تبالي لرأيي، وجدتها مستبدة، خليفة لأبي، تريد الرحيل والهرب بنا بعيداً عن الجميع، اخبرتنا ان يصعب تربية فتاتان في وطن كهذا بمفردنا، تحاول اقتلاع جذوري من هذا البلد، تحاول اخراجي من المياه التي خُلقت بها، بمساعدة اقاربنا قامت ببيع منزلنا، كيف يمكنهم بيع أماكن تحمل ذاكرة أطول منا، الم يكفهم بيت جدي وحديقته تلك التي ذهبت للغرباء؟ كانت امي تقودنا كخراف، تفرض سيطرتها علينا، تحاول ان تتذوق طعم السلطة، نسيت كيف يكون شعور العبد، قمنا بالحجز على الطيران العراقي المتجه لإسطنبول، كان على كل فرد منا ان يحزم امتعته، ثيابه، ذكرياته، دموعه، وعالمه ويطويها في حقيبة على شرط ان لا يكون وزنها ثقيل والا سندفع غرامة! ابتسمت بسخرية وانا اُلقي نظرة أخيرة على غرفتي، ماذا يا جوى ما الأسوأ؟ لقد ودعنا الاغلى من تلك الجدران وقطع الأثاث! حزينة انتِ على مكان بينما هناك اشخاص دفنوا تحت التراب، واخرين هاجروا ولن يعودوا، هل سيفوق حزنكِ تلك الاحزان؟ نظرت لسريري الذي ضمني لأعوام، وسادتي تلك التي ثملت بدموعي، غطائي الذي خنقت به نفسي فترات، مرآتي الصديقة المخلصة، كل قطعة اثاث تضم بداخلها سر، تحمل ذكرى. خرجت من الغرفة لأسير تجاه غرفة جدتي، ذاك السرير الذي نقلته من منزلها بعد موت جدي، الذي حملهما لأكثر من أربعة عقود، مكتبة جدي التي تقف في الزاوية، ستتغطى تلك الكتب بالتراب، تُنسى، او ربما يهتم أحد بها فيأويها. نزلت للأسفل، دخلت لغرفة المعيشة، هنا كنا نتشاجر، نضحك، نصرخ، ونرقص، هذه الجدران تحمل كم هائل من الحكايات لتسردها للساكنين الجدد، ماذا لو كان للجدران فم تتحدث به، ماذا ان افرغت ما في جوفها عن الساكنين، ماذا كانت ستخبرهم عني؟
خرجت للخارج كان الجميع يضع الحقائب داخل السيارة التي ستقلنا للمطار، رأيت جدتي تبكي ناظرة للمنزل، غطت فمها وانفها بكفها تحبس شهقاتها، نظرت للحديقة، للمزروعات التي ستذبل، للنخلة التي تسكن حديقتنا، اتذكرها منذ ان كانت فسيلة، كبرت امامنا وأصبحت فارعة الطول، خرجت للشارع، كان هناك أولاد يتجهون للمدارس، ورجال لعلمهم، في هذا الشارع لعبت، ضحك ودرت، وقفت انظر للمنزل، نعم اعترف انني كنت اعتبره جحيماً، لكن حتى الجحيم في وطني جنة، من قال انني سأجد الدفء والانتماء بعيداً عن منزلي هذا؟ تساءلت ان كنت سأرى هذا المنزل مجدداً، هل سأعود في يوم لهذا المكان بل وان عدت هل سأكون انا ذات الشخص عند تركي له؟ المشكلة اننا نحن فقط من نتغير، تبقى الاماكن ذاتها، تحمل ذكرياتنا، رائحتها، تبقى وفية لنا، لكن ما كنا نعيشه فيها يتغير عند عودتنا لها، لا ضحكاتنا، ولا دموعنا، المشكلة بنا ليس في الاماكن.
انطلقت بنا السيارة متجهة لمطار بغداد الدولي، قبل كل شارع عبرنا به، ضممت الهواء، سجدت للسماء، للضجة، للزحام، لصوت الباعة، للنخيل، لدجلة، للمساجد والكنائس. هل سأعود في يوم لهذه المدينة ام انني سأتعفن بعيداً عنها؟ وجدت دموعي تغسل وجهي وانا أرى بغداد حزينة، ماذا لو عند وصولنا للمطار تغير امي رأييها وتخبرنا اننا سنعود للبيت، سنبقى في الوطن، وان مُتنا على ارضه فلا بأس بذلك، لكنني على معرفة ان لا شيء سيحدث من هذا القبيل، كما تخيلت عندما حان موعد طائرة عبد الله، صورت لنفسي مشهداً من احد الأفلام عندها يعلق البطل فكرة السفر من رأسه قبل ركوبه الطائرة ويعود ليقبل حبيبته، ويُكتب على الشاشة النهاية، لكن لم يحدث أي شيء في ذاك اليوم، بل راقبت السماء لأرى أي طائرة حملت حبيبي على ظهرها، بل وبجنون ذهب لمنزله بعد ساعة من موعد اقلاع الطائرة لأن مخيلتي كانت يومها تسع الكون بأكمله، كان المنزل مُغلق، يبكي فجلست على عتبته وبكينا معاً، ببساطة، وها انا اسافر ببساطة!
ابتسمت بسخرية لفكرة سخيفة ايضاً، ماذا لو ان ابي مات قبل سفره؟ كنت سأكون زوجته الان، كنت سأبقى هنا. (لو) أكره هذه الكلمة اللعينة.
كنت أكره امي قبل وفاة ابي، والان بت أكرهها أكثر، كانت ابتسامتها في المطار تستفزني، ترقص على قبور وفائنا لهذا البلد، تشتمه ونحن مازلنا على اعتابه، لكنني لم أكن املك طاقة لخوض أي شيء معها، جوى لم تعد جوى القديمة، بل انكسرت مراراً حتى فقدت كل ما يُمكن كسره.
كان مقعد الطائرة بالنسبة الي كذلك الكرسي الكهربائي الذي يعدمون به المذنبين، لم اجلس بجانب امي، تركت نجمة تجاورها، جاورت جدتي، كانت يدها تواسيني، وضعت رأسي على كتفها، تجمعت الدموع في عيني وانا اشعر بتحرك عجلات الطائرة، ضحكت وسط بكائي ساخرة: من كان سيصدق اننا سنهاجر هكذا؟
برضا قالت جدتي: احمدي الله على كل شيء، وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
مسحت انفي بمنديل لأعلق: ونعم بالله.
- دعاء المسافر مستجاب، ادعو الله.
ابتسمت بحزن، لقد رح ذاك الرجل الذي كنت اذكر اسمه في كل دعاء، ورحلت معه جميع الامنيات، وان نويت ان ادعو الله ان يسعدني أي سعادة هذه التي تضمني من دونه؟ شدت جدتي على يدي كأنها شعرت بي، قالت لي: الله كبير.
ابتسمت لأقترب واقبل رأسها، فارقت الطائرة الأرض لتحلق في السماء، متجهة لأرض حظيت بوجوده، فرقتنا بغداد، وضمتنا إسطنبول، شتتنا الوطن، وجمعتنا الغربة.
ما هذه الحياة الغريبة!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:35 AM   #28

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل السادس والعشرون


عبدالله

١٥ ديسمبر ٢٠١٦

رسالة بُعثت الي من جوى على (الفيسبوك) قلبت حالي وغيرته، بل لونت يومي، وساعاتي (مرحبا، انا في إسطنبول مع عائلتي، ارغب برؤيتك قبل، ممم اسمع عندما اراك سأخبرك بكل شيء، ابعث لي عنوانك)، قرأت الرسالة مرة ومرتان حتى ثملت من حروفها، ابتسمت وانا أتذكر، ضربات قلبي بدأت تتسارع وانا اقف في شرفة شقتي الجديدة اراقب الشارع، كل سيارة اجري مرت به كنت اكاد ان اقفز من الدور الرابع لأنظر من بداخلها، لتخيب ظنوني، حتى رأيت سيارة اجرة تقف امام العمارة لتترجل منها هي، اتسعت ابتسامتي وجريت للداخل، خرجت من شقتي ونزلت عبر السلالم بسرعة، اختصرت كل درجتين مع بعضهما لأتخلص من هذه المسافة، الى ان وصلت للدور الأرضي، كانت للتو تهم بالدخول، توقفت في مكاني انظر اليها كأنني اراها للمرة الاولى، اتسعت ابتسامتي وانا أرى عيناها الذابلتان، وجهها، شعرها، شفتيها، قبلت عيني كل شيء بها، احتضنها قلبي قبلي، اقتربت منها بخطوات بطيئة كأنني امام سراب أخاف الاقتراب وتتلاشى، فتحت هي ذراعيها بينما دموعها بدأت تجري على خديها، اقتربت بسرعة لأحتضنها واحملها بين ذراعي، ضمتني بقوة وهي تعتصر قميصي، بكيت وانا اقبل كل خصلة في شعرها، بينما هي انتحبت، انزلتها على الأرض لأمسك بوجهها بكلتا يدي، قبلت جبينها، شعرها وجنتيها، شفتيها، ودموعها.
قالت وسط بكائها: وكأنني الان بُعثت من الموت.
دفنت رأسها في صدري، اريد إدخالها بين أضلعي، هي بالفعل تسكنني، شبكت اصابعي بين اصابعها لنصعد لشقتي، لم اشعر بأي تعب اثناء صعودنا تلك السلالم، وجدنا أنفسنا في مكان جديد سنترك فيه ذكريات، دخلت وهي تتفحص المكان، ابتسمت وهي تدور بالقرب مني معلقة: نفس التصميم.
لم اغير شيء، فما زلت أكره الجدران، ما زلت أفضل النوم والاكل في مكان واحد، لكنها توقفت بالقرب من السرير تنظر للجدار، حدقت بدهشة لصورها معلقة جميعها بعشوائية تتجمع علي ذاك الجدار، صور عددها هائل التقطت لها دون ان تعلم، ضحكت وهي تضع يدها على فمها، التفت الي والدموع في عينياها اقتربت مني فأمسكت وجهها بيدي لأقبلها، اشتقت لهذا الطعم، لملمس شفتيها، للغرق بهذه النشوة، للسقوط بحرية، لأن اثمل، ابتعدت عن شفتيها لأقترب من رقبتها، طبعت قبلاتي على عنقها الحريري، لأشعر بجريان الدم في شرايينها، همست بلسان ثقيل وجسد مُخدر: كدت اموت في غيابكِ.
رفعت رأسي لأقابلها مسحت على وجهها قائلاً: حدثيني عن كل شيء مررتِ به، كل شيء.
حضرت لها شاي بالأعشاب الذي فضلته دائماً، كانت هي مستلقية على الاريكة تحدق في السقف، تخبرني عن كل شيء، كآنها في جلسة مع طبيب نفسي، اقتربت حاملاً كوبي الشاي، جلست انا على حافة الطاولة الخشبية التي تقابل الاريكة، نهضت قليلاً لتصبح في وضعية الجلوس، ناولتها الكوب، بدأت هي تدور بسبابتها على حافته، رفعت كآسي في الهواء بنصر قائلا: اذن يمكننا ان نتزوج الان!
عقدت حاجبيها لتسألني: كيف؟
اجبتها ببساطة: والدكِ مات، ما الذي يمنعنا الان؟
اجابتني وهي تقطب حاجبيها: ماذا عن عائلتي وسفرهم؟
مطيب شفتي ببرود: ما شأننا؟ ليفعلوا ما يشاؤون.
وضعت الكوب على الطاولة لتقل: لا يمكنني، بت انا المسؤولة عنهم، كيف اتخلى عنهم في هذه الظروف.
ابتسمت وانا أعجز عن فهم ما قالته، فتحت عيني لأعلق: منذ متى اصبحتِ تكترثين لشأن أحد؟
اجابتني بجدية: منذ ان مات ابي.
رفعت رأسي للوراء بجزع، نهضت لأجلس بجانبها على الاريكة واضع قدميها على فخذي قلت لها: امكِ وجدتكِ موجودتان، يمكنهما تحمل مسؤولية أي شيء، لم انتِ؟
بعصبية ردت: لن ادع امي تدمر اختي وأخي.
بدأ غضبي يتضاعف لكنني بالكاد أحاول السيطرة عليه، جززت على اسناني لأعلق: اذن ستصبحين راهبة في سبيل الحفاظ على عائلتكِ؟ ماذا عنا نحن؟ ماذا عني؟
ابتسمت بسخرية لتجيبني: ماذا؟ لم يحدث لك شيء، كأنني لم ازرك، وكأنك بقيت تعتقد انني في العراق، كما حدث في الماضي.
رفعت حاجبي بصدمة، منذ متى أصبحت هكذا؟ ما الذي دهاها لتكون بهذا البرود؟ لماذا لم يعد يؤثر بها شيء؟ اغمضت عيني أحاول تنظيم انفاسي، سحبت قدميها من فوقي لتنهض قائلة: علي الذهاب.
اوقفتها وانا اجرها من ذراعها لأوبخها: ما الذي تفعلينه؟ لم اتيتِ من الأساس ان كنتِ ستتركينني؟ لم اصبحتِ هكذا؟ أجيبيني.
دفعتني عنها لتصرخ: منذ ان رحلت انت، وبعدها تغيرت حياتي، منذ ان استولت امي السلطة من ابي، منذ تركي لوطني، كل شيء كسرني، لم اعد اقوى، لم اعد انفع لأي شيء.
جادلتها بقهر: ترين نفسكِ تنفعين لأن تساندي اخوتكِ أكثر من نفسكِ؟
اشارت بيدها بتعب: لا اُريدهما ان يصبحا مثلي.
- من اخبركِ انكِ سيئة؟ الا ترين نفسكِ بعد كل ما مررتِ به ما زلتِ تقفين! ثم انكِ هكذا تدمرين نفسكِ.
سخرت مني قائلة: انت من تتحدث عن تمدير النفس ههه، إسطنبول قد غيرتك.
- بل إسطنبول افقدتكِ عقلك.
بحثت وهي تدور حول نفسها عن حقيبتها، حتي رأتها على الأرض، سرت بسرعة تجاه الباب امنعها، مددت يدي امسك بمقبض الباب لأصرخ بها: ستهلكون ان سلكتم البحر هاربين.
احتد صوتها لتجيبني: ليس قراري، تعلم انني طوال حياتي لم اتخذ قراراً بمفردي.
اقتربت لأمسك بوجهها بيدي أحاول ان اقنع ما تبقى منها: خذيه الان، هذه الفرصة الوحيدة لنا، ارأيتِ كيف شاء القدر وجمعنا من جديد بهذه الاهوال!
ابتسمت: الان بت تؤمن بالقدر؟
- امنت بكِ.
اقتربت مني لترفع نفسها وتقبل وجنتي، قائلة بصوت هامس: احبك.
شعرت بيدها تمتد لتفتح مقبض الباب، ادارته لتخرج من شقتي بينما انا أقف مذهول، جوي التي كانت تشد الوثاق لنبقى معاً هي الان قطعت كل ما يربط بيننا لترحل.



روح

الحاضر

التفت اليه بعد ان انهيت قصتي لأختمها له بغرقنا، وموت الجميع، كان هو يجلس على الاريكة بينما انا امامه على الكرسي الذي يجاور النافذة، نهض من كرسيه وهو يبتسم بأسى لي، اقترب فأدرت رأسي تجاه النافذة من جديد، شعرت بيده على كتفي يضغط عليه، قال لي بنبرة هادئة: سنبدأ من جديد، تخلصنا الان من ثقل كبير كان يدفن قلبكِ، التفت اليه لأرفع رأسي ليكمل هو: بالمناسبة انتِ شخص كتوم جداً، هذه أحد الأسباب ايضاً، لم تحدثي أحد عن حزنكِ.
علقت ساخرة: هل تراها قصة تستحق؟
- الجميع يستحق.
حركت رأسي نافية، لا حياتي مملة، انا لست مثلها، مددت يدي لأمسك سلسلتي، خلعتها عني لأرفعها اليه، ابتسم وهو يأخذها يمعن النظر بها، قلت وانا انظر للأرض بشرود: ظننت ان اسمي جوى، لكن اسم الحقيقي نجمة.
انحني هو كالقرفصاء ليقابلني قائلاً: اعلم يا نجمة.
بلعت غصة بداخلي لأخبره بحزن: جوى ماتت مع الجميع، كانت تبتسم لأخر لحظة، ابتسامتها هي اخر شيء رأيته.
مد يده ليمسك بيدي، مسحها بلطف، حاول ان يلاطفني قائلاً: سنلعب لعبة.
سألته باستغراب: لعبة!
نهض من مكانه وهو يفتح ذراعيه: ستكونين انتِ استاذتي، سأخبرك بكل شيء، سأحلل ما حدث كله وانتِ من ستقيمين.
عدت بظهري للوراء لأحرك رأسي بإيجاب، بدأ يحرك يديه وهو يشرح لي بحماس: انتِ وجوى تربيتما في عائلة قاسية، كثرة ضغطهم عليكما، انتجت جوى المتمردة، وانتِ التي تخشى التجارب حتى، لأن جوى انسلتت من بين قبضة والديكِ فقد احكما القيود حولكِ كي لا تصبحي مثلها.
قلت وانا أرمش عدة مرات: اجل.
أكمل مشيراً: كلاكما مررتما بنفس التجارب تقريباً، لكن ولأن لكل منكما شخصية فمن الطبيعي اختلف وقع أي شيء تتعرضان له، مممم، سأحاول ان اوضح، تلك الشجارات بين والدكِ ووالدتكِ كانت تؤثر على جوى لأنها تخوض هذا الشيء معهم باندفاع، واثرت بشكل كبير عليكِ ايضاً،
اقترب مني ليردف بتركيز: في العادة عندما نشاهد فيلماً نكترث لما يتعرض لها البطل فقط، سواء حادث او أي مصيبة، نركز على مشاعره، تصرفاته، ننسى ان هناك افراد حلت عليهم ذات المصيبة، كانوا جميعهم في مشهد واحد، لكنهم منسيون، او،
صمت ليتنهد وكأنه يفكر، حرك يده في الهواء دون ان ينطق بكلمة، لكنه أضاف: كنتِ موجودة في كل حدث تعرضت له جوى، منذ الطفولة، وعندما تمردت شاهدتها وهي تُضرب فسبب هذا لكِ رهبة من حتى الاعتراض على شيء، عندما كانت تتشاجر مع عبد الله وترينها تبكي، ممم،
سار ليجلس على الاريكة التي امامي ليسند مرفقيه على فخذيه ليعود للحديث: عندما كانت تضرب، او حتى عندما تحطمت احلامها بالزواج منه، بالإضافة الى وجودكِ مع ياسمين عند موت خطيبها.
مسحت وجهي بكفاي، اعدت خصلات شعري خلف اذني سألني: هل تعبتِ؟
تنهدت لأجيبه: لا، أكمل.
- منذ وفاة جدكِ، وانتِ تعانين، مع كل سوء مسكِ كانت تظهر بوادر الاكتئاب، اخبرتني عن نومكِ، فقدان شهيتكِ، ذاك الألم في الرأس والم العظام، لكن مع الأسف المجتمع لا يصدق ان للطب النفسي دور، لذلك لجأت والدتكِ لشيخ الى ان تفاقم كل شيء لدرجة انكِ انعزلتِ عن الجميع واصابكِ البرود في الآونة الأخيرة.
اعدت رأسي للوراء لأسند على ظهر الكرسي، نظرت للسقف بتعب، هل كنت سأكون مختلفة ان وجدت من قبل أحدهم يحل ببساطة تلك العقد التي تشابكت داخلي؟ سمعته يسألني: ما رأيكِ ان نكمل غداً؟
لم اجبه بل انفاسي العميقة اجابته، شعرت به قريب مني، قلت وعيني ما زالت مغمضة: لا تذهب.
- سأبقى.
فتحت عيني لأراه يبتسم، سار تجاه الاريكة مرة أخرى ليستلقي عليه يتظاهر النوم معلقاً بمزاح: سأنام هنا الليلة.
ابتسمت له بينما انا بقيت جالسة على مقعدي، عدت لأغمض عيني مبتسمة هذه المرة.

جوى

٢١ فبراير ٢٠١٧

خلال فترة اقامتنا في بودروم وبسبب الظروف التي نحن مُقبلين عليها، تعرفنا علي عائلة سورية فروا من حلب ليلجئوا الى تركيا، مصيرهم كمصيرنا، ينون الهرب عبر البحر، كانت اسرتهم تتألف من اب وام وثلاث أطفال لم يتجاوز اكبرهم الثامنة، كان الأطفال جميلين بحق، وجد اخي في هذه المحنة أصدقاء يلعب معهم، يُلهونه عن ما نمر نحن به، لأول مرة اشعر انني لا املك قوة لمواجهة شيء، اجدني عاجزة عن الرفض، عن الوقوف ضد الجميع، عن العودة اليه، أرى نفسي مقيدة معهم، يسحبونني كما يشاؤون لنواجه مصيراً محتوماً، وكأنهم لم يسمعوا عن اولئك الذين غرقوا قبلنا، لم اترك له لا عنوان ولا رقم هاتف بعد ذاك اللقاء فبقي هو في اسطنبول، كان سيحاول ايقافي لكن يداي لا تستطيعا ان تمسكان بأي شيء، حتى قرار مهم كهذا!
كانت برودة الجو قارصة، بدون حقائب، بدون ذكريات، كما نحن وقفنا امام القارب المطاطي الصغير، أكد لنا الرجل الذي اتفق مع الجميع انه لا شيء يدعونا للخوف، كان عددنا كبراً يصل للثلاثين فرداً، جميعهم كانوا متألفين من نساء وأطفال، يشبهوننا، هاربين من الموت على ارضهم. البحر كان مخيفاً في هذا الوقت من المتأخر ليلاً، بلعت ريقي بخوف وانا أراهم واحداً تلو الاخر يركبون القارب، التفت للخلف لليابسة، جوى عليكِ العودة، هذا جنون خلفكِ تقف الحياة، ينتظركِ حبيب مستعد لأن يقدم حياته قرابناً لكِ، عودي ودعيهم، لهم حياتهم، لقد تجرعتِ المر طوال حياتكِ، كفاكِ الان. صوت اخي ناداني وجدتي يدعواني لأن اركب معهم، بقيت اراقبهم بحيرة، لجدتي التي اضطرت لمسايرة امي لأنها لم تعد تملك شيئاً يربطها في هذه الحياة سوانا، اخي، نجمة البائسة التي فارقت الفرح منذ زمن، ابتسمت لهم وركبت معهم.
انطلق بنا القارب ليفارق اليابسة، نظرت للمسافة التي تتضاعف بيننا وبينها، فارقنا مرسى الحياة تاركين ذكريات نقشت على جلدونا لا في ذاكرتنا ايضاً. جدتي كانت تقرأ القران وتسبح، نظرت لأمي وهي صامتة تراقب ما يدور من حولها، تلك الامواج التي تبدأت تثور، قلت لها معاتبة: هل انتِ سعيدة الان؟
رمقتني بنظرة غاضبة لتجبني: انا افعل ما هو الأفضل لكم.
ضحكت بسخرية: هذا هو الأفضل؟ أتجدين الفرار على هذا القارب أفضل من جلوسنا في منزلنا امام الدفاية نشرب الشاي لنستمع لصوت المطر وهو يسقي حديقتنا.
صرت بي: يكفي.
الجميع التفت الينا، نظراتهم كانت مستنكرة الجدال في هذا التوقيت، مع توترهم وخوفهم، أحاطت جدتي كتفي لتواسيني، وضعت رأسي على كتفها، تدحرجت دمعة من عيني قلت بصوت منخفض: ليتني مُت هناك.
الامواج كانت تزداد عنفها اثناء حملها لقاربنا، كان الفجر للتو قد بزغ، لكن البحر كان أشرس من مما نظن، هواء بارد محمل بقساوة السنين التي مرت علينا ضرب وجوهنا، شعرت بارتعاش جسد جدتي الضعيف، مددت يدي لأفرك يديها المتجمدتان، حاولت ان اجبر شفتي لتبتسم لها، علقت مازحة: عندما نصل اريدكِ ان تحضري لنا الحساء الذي كنتِ تطهينه لنا في الشتاء، كان يُدفئنا.
ابتسمت لي بغصة لتقل: هذه هي جوى التي عهدتها من قبل.
نطق اخي الخائف ليسأل نجمة برعب وهو يسمع صوت بكاء الأطفال يعلو أكثر: هل سنموت؟
نظرت نجمة له في حيرة، هي نفسها لا تعلم الإجابة، تريد ان يطمئنها أحد، مددت يدي لأمسح علي شعره معلقة: لا، بل سنصل وسنعيش كما يجب ان نعيش.
رفعت رأسي لأنظر لها، ابتسمت لأطمئنها، لكن لم اكن قادرة على السيطرة حدث بعد ذلك، موجة قوية قلبت قاربنا لتقلب حياتنا، او تُنهيها.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:37 AM   #29

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل السابع والعشرون


محمد
الحاضر

ساعدتني احدى الممرضات على حمل الأدوات والصناديق التي احضرتها، دخلت لغرفة نجمة بهدوء، ظننت انها نائمة لكنني وجدتها تجلس على الكرسي القريب من النافذة، التفت الي عند دخولي فابتسمت لها، نهضت من مكانها بينما انا طلبت من الممرضة ان تترك الاغراض في منتصف الغرفة حيث توقفت انا، اقتربت مني لتسألني بصوتها الهادئ: ما كل هذه الأشياء؟
اجبتها وانا انحني لأفتح الاكياس، أخرجت من كيس كبير علب للألوان ناولتهم إياها، اخذتها وهي تنظر لهم، بينما انا أخرجت لوحة مغلفة، نزعت الغلاف عنها ورميته ارضاً، أخرجت المسند الخشبي ونصبته جانباً، وضعت عليه اللوحة الممتلئة بالكتابة. اقتربت هي منها لتنحني تحاول تفحصها، علقت وانا مقترباً من اللوحة: كتبت عليها كل شيء سيء مريتي به، كل شعور رافقكِ، كل ذكرى تركت اثراً بكِ، جمعتها على هذه اللوحة.
نقلت نظرها من اللوحة لتصوبها الي فسألتني: سنحرقها؟
ابتسمت وانا اسير لأقترب من كيس على الأرض، أخرجت علبة بها لون اسود، فرشاة كبيرة، ناولتها الفرشة لأعلق: لا، ستدهنينها باللون الأسود، على اعتبار انه جزء معتم من حياتكِ.
بقيت متوقفاً بجانبها بينما هي بدأت تدهنها باللون الأسود، كانت يديها ترتعشان لكنها كانت تحاول ان تُسرع، تتحاشى النظر لتلك الكلمات وهذا الشيء يُبشر بالخير، انتهت من عملها وأصبحت اللوحة سوداء بالكامل، وضعت علبة الألوان على الرض فصفقت لها بحماس: رائع، لننتقل للمرحلة التالية من اللعبة.
بتساؤل حدقت بي، مددت يدي لأمسك بيها قائلِاً: تعالي.
اخذتها برفق لنجلس على السجادة التي تتوسط الغرفة ارضاً، جلسنا على الأرض، فاقتربت لأخرج صندوق متوسط الحجم، لونه بني، وضعته بيننا على الأرض لأفتحه عيناها الصقت بغطائه لترى ماذا يوجد بالداخل، فتحته كان عبارة عن أوراق كثيرة مطوية، سألتها: مستعدة لتعرفي ما هو الجزء الثاني من اللعبة؟
حركت رأسها بإيجاب، فأكملت: هذه عبارة عن جُمل، او اسم لأشياء مررتِ بها في الماضي، ستخبرينني عن هذه الذكرى، اشرت تجاه اللوحة، سترسمين نجمة مقابل كل ذكرى، موافقة.
بقيت تفكر لثوانِ بعدها اجابتني: موافقة.
حسناً هذه اللعبة تعتمد على احياء الذكريات الجميلة للمريض، لأن الذين يعانون من الاكتئاب يجدون صعوبة في تذكر الذكريات السعيدة، عقلهم الباطن لا يسترجع سوى كل شيء سيئ مروا به، بل واحياناً تزداد نسبة شعورهم بالاضطهاد، فيضخمون مما يحدث حولهم ولهم. نجمة لم تخبرني عن الأشياء الجميلة التي كانت في حياتها، حتى جدها، لم تخبرني مدى روعته، بل حدثتني عن فقدانه، عن الألم الذي خلفه، هذا الاختبار سيفيدها جداً.
التقطت احدى الاوراق، فتحتها لأقرأ ما كتٌب عليها بصوت مسموع: مدرستي لم تكن سيئة جداً.
نظرت لها لأطلب منها قائلاً: حدثيني عن شيء جميل كان في مدرستكِ.
اجابتني وهي تقطب حاجبيها: لا، لا، اذكر.
رجوتها: حاولي ارجوكِ.
اغمضت عيناها لتزفر بتعب محاولةً ان ترى أماكن منيرة داخل العتمة التي اكلت ذاكرتها.











روح
الحاضر

جوى كانت تكبرني بعامين، ارتدنا ذات المدرسة حينها، كانت هي في مرحلة أخرى، لم أكن املك صديقات كما اعتدت على عكسها، جميع فتيات المدرسة يعرفنها، كانت صاخبة جداً كعادتها، كانت بشكل يومي تُعاقب في الطابور الصباحي لمخالفتها في الزي، وضع طلاء اظافر، او مضغها للعلكة، رغم ذلك لم تكن تحزن، كانت تلوح لي عندما تراني أقف في الصف الاول كطالبة ملتزمة بزيها وبالقوانين. في الفرصة كانت تأتي لأخذي لأبقى معها، عند دخولها كانت تجعل جميع الابصار تتجمع نحوها، صديقاتها يتبعنها لتبدو هي أكثر قوة وشراسة، كانت تقف قرب طاولتي لتضع يدها علي خصرها عيناها تمر على جميع الوجوه لتسألني: هل تضايقكِ احداهن؟
كنت اضحك واكذب عليها، لتهددهم جميعاً قائلة: ان فكرت احداكن وازعجت اختي سأمزقها.
تضييق عيناها لتبث الرعب في أنفسهن، اخرج برفقتها لتنفجر ضاحكة، تقرص وجنتاي لتخبرني انه لن يمسني أحد بسوء طالما هي على قيد الحياة. كان (الحانوت) كما هو اسمه بالعراقي، او المكان الذي يبيع الطعام في المدارس، كان يزدحم كثيراً بالكاد يمكنه أحد الدخول وسط ذاك الزحام، كل صديقة كان يخصص لها يوم لتشتري للآخريات، حتى دفعتني جوى ذات مرة لأدخل بينهم، كانت تشجعني ان افعهن بقوة لأصل لهدفي وهي تلك النافذة الحديدية التي يوجد خلفها ما لذ وطاب.
نجلس على السلم لتتعالى الضحكات، واحياناً كنا نلعب بالماء حتى تمر احدى الاداريات لتوبخنا.
جوى كانت تقول وان كانت المدرسة سيئة، فالصحبة يجعلونها أفضل مدرسة في العالم، لم أرى مدى سوء المبنى او تصرفات المعلمات، لم أكن أرى سوءً طوال تلك المرحلة، بل كانت المدرسة حينها متنفسنا الوحيد، كنا نلعب بها بصخب، نضحك بصوت مرتفع، نتشاجر ونثور.
توقفت عن السرد لأنظر له يبتسم، قلت بضيق: هذا كل ما املكه من ذكريات عن المدرسة، أعني ان ما كان يجعلها مميزة هو وجود جوى، بعد تخرجها لم تكن كذلك.
نهض من مكانه ليمد يده لي فأمسكت بها، نهضت قائلة: ماذا الان.
مد لي الفرشاة ليطلب مني ان الونها باللون الأبيض، لونها واقتربت من اللوحة ليقل: ارسمي نجمة يا نجمة.
ابتسمت لأرسم نجمة في المنتصف، صغيرة.
انحنى ليلتقط ورقة أخرى فتحها ليقرأها: صباح بغداد.
بقيت انظر اليه صامتة، أحاول تذكر شيء جميل، أضاف هو ليطلب مني: حدثيني كيف كنتِ تقضين الصباح هناك؟ بالمناسبة اشتاق لسماع هذه التفاصيل عن العراق احن اليها.
اخبرته وانا أحرك يدي: لا أتذكر موقفاً محدداً.
- صفي لي فقط كيف كان؟

بدأت أتذكر كيف كان الصباح، كان مختلفاً تدب الحياة فيه، لاسيما عندما كنا انا وجوى نذهب للمبيت في بيت جدي، كنا نستيقظ باكراً تقريباً عند الساعة الثامنة، جدي كان نشيطاً يصلي الفجر ليقرأ القران، حينها تكون جدتي قد استيقظت هي ايضاً وبدأت تنجز اعمال المنزل، تذهب جوي لتساعدها في اعداد الفطور بينما انا وهو نخرج لنُحضر الخبز وال(قيمر العراقي)، احدى البائعات تكون قد وزعت تلك الصواني الكبيرة امامها في احد الشوارع ليقف الناس صفاً حاملين علب فارغة احضروها معهم، كنا نحضر ايضاً (صمون عراقي) كنت أأكل تلك الحواف التي به تكون ساخنة وشهية جداً، يحي جدي المارين والجيران، نعود للمنزل تكون جوى قد فرشت مفرش كبير في الحديقة ووضعت كل الطعام، بينما كنت اقطف بعض ازهار الجوري لأضعها في كوب ماء تزين المائدة البسيطة، صوت فيروز الذي يؤنسنا، ضحكات جدي وجدتي، أصوات الباعة المتجولين في الخارج، احدهم يشتري أشياء قديمة، وعربة تبيع الخضار.
بينما الصباح في منزلنا كان مختلف، فأبي لم يكن بهذا النشاط في الصباح وامي كانت تهمشنا لتسرع في تحضير الفطور له خوفاً من غضبه، وحدها جوى من كانت تزرع الزهور وسط القمامة، كانت تحضر فطور لثلاثتنا انا هي وأخي، تُرسل اخي ليشتري لنا الخبز الساخن، تفتح الستائر وتجعل الغرفة منيرة، مشعة، تنصب الفطور على السجادة التي بين سريرها وسريري، ننزوي نحن الثلاثة في هذه المسافة، تقوم بتشغيل الرسوم المتحركة التي وعينا عليها، لنشاهدها.
كان للصباح طعم حينها، بل للحياة كلها.
انتهيت من سردي لأبعد الفرشاة عن اللوحة، رأيت انني رسمت نجوم كثيرة، ضحك وهو يراقبني ثانيا ذراعيه لصدره، تنهدت بتعب لأسأله: هل هذا يكفي؟
اجابني: لهذا اليوم اجل، يمكننا ان نُكمل غداً.
تركت الفرشاة والألوان جانباً، سرت تجاه النافذة لأنظر بعيداً للخارج، راقبت الناس، بدت لي هيئاتهم واضحة، رمشت عدة مرات، التفت اليه لأعلق: يمكنني رؤية ملامح الناس.
نظر لي بصدمة، اقترب من النافذة ليسألني: يمكنكِ ان تريهم؟
اجبته: اجل.
رفع كفاه امام صدره وهو مدهوش، سألني: هل رأيتِ الممرضة التي دخلت معي صباحاً؟
حركت رأسي بإيجاب، ضيق عينيه ليطرح سؤالاً جديداً: ما كان لون شعرها؟
اجبته: اسود قصير.
- منذ متي؟
- منذ فترة بسيطة.
سألني بتحدي: أي انكِ تستطيعين رؤية أي شخص؟
- اجل.
سار دون ان يخبرني بشيء، خرج من الغرفة لفترة، بقيت انا متوقفة في مكاني اجهل ما يفكر به، عاد بعد مدة كنت انا فيها جالسة على الأرض قرب صندوق الاوراق ذاك، دخل مرة أخرى ليفتح الباب ويسأل مجدداً: أيمكنكِ ان ترينها؟
رفعت رأسي ليفتح هو الباب لتدخل جوى!
اتسعت عيناي بصدمة، فتحت فاهي وانا اراها، تبتسم والدموع تتجمع في عينيها، مازالت كما هي، جميلة فقط قامت بقص شعرها، لم تمت! لم تغرق! اقتربت هي مني لتنفجر باكية، انحنيت الي لتحتضنني، بدأت تقبل شعري، وتبكي بينما انا متصلبة، استنشقت رائحة عطرها، صوت بكائها، ملمسها، هي حقيقة، ببطء احطت بخصرها لأحتضنها، بينما يدي تعتصر ثيابها، وجدت الدموع تتساقط مني بغزارة، وجدتني انتحب وجسدي يرتعش، ابتعدت عني لتمسك وجهي بكلتا يديها تحاول تهدئتي: انا اسفة، ا، سفة، لن اسمح ان يصيبكِ مكروه مجدداً، اعدكِ.
رفعت يدي لألامس وجهها الناعم، وجنتيها الرطبتان، عينيها، لم تمت!



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 13-12-19, 05:39 AM   #30

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الثامن والعشرون

جوى

ما حدث بالفعل


تخيلت حدوث أي شيء الا ان ينقلب القارب بنا في عرض البحر، فجأة وجدت نفسي ملقاة في المياه، ارجت رأسي منه أحاول التقاط انفاسي، الامواج كانت تبعدني تريمين بعيداً كلما حاولت السباحة، أصوات بكاء الأطفال وصراخ الكبار كان يقف حاجباً لألا اسمع صوت عائلتي. قاومت لأسبح لكنني كنت ضد التيار، حركتي بطيئة وقوتي ضئيلة.
دخلت لداخل المياه لأسبح، بداخلي كنت ادعو الله، ارجوك كن معي، سبحت لأخرج رأسي بعد ان اختنقت، سعلت بقوة، دموعي اختلطت مع ماء البحر، قلت بنبرة باكية يائسة (يا رب) وكأن الله استجاب لنجدتي، رأيت على مسافة قريبة مني نجمة، لكنها كانت تقاوم الغرق، هي لا تعرف السباحة، عدت للماء مرة أخرى بعد ان حبست كم من الاوكسجين داخل رئتي، سبحت بقوة، لأرى جسدها مرتخي امامي، بسرعة حاوطت يدي بخصرها لنخرج على السطح، سعلت بقوة وانا اصرخ لأجعلها تستفيق، كان الماء يحاول ابعادنا عن بعضنا، لكنني بقوة امسك بها بينما هي غائبة عن الوعي تماماً، حتى سمعنا صوت ابواق قادم من بعيد، رفعت نفسي لألوح بذراعي للمركب الذي اتى لأجلنا. الى ان رأونا، رموا الينا طوقي للنجاة، ورفعونا عبرهما، ساعدنا رجلان من المنقذين عند صعودي للقارب، رميت بجسدي على ارضه بعد تشنج عضلات، قوتي خارت تماماً. رأيتهم يجرون الإسعافات الاولية لها لتتنفس، بينما حاولوا انهاضي، لفوا جسدي بوشاح لكنني ورغماً عن انف المي نهضت، حاولت ان اتحدث لكن انفاسي السريعة كانت توقفني، اشرت تجاه البحر بذعر اطلب منهم انقاذ ما تبقى من عائلتي، اقتربت انا من نجمة لأمسك بيدها الباردة، رفعت يدها لشفتي ارجوها ان تتمسك بالحياة، رأيتهم يخرجون من البحر جثث لأطفال، هؤلاء الأطفال السوريين الذين تعرفنا عليهم! وقفت بسرعة لأجري تجاهها، فارقا الحياة وهم لم يروها بعد! اخبرتني ابنتهم التي تبلغ الخامسة من عمرها انها تنوي ان تصبح رسامة عندما تكبر! حاولوا ابعادي ليغطوا أجسادهم الصغيرة، انحنيت لهم لأقبل جبهاتهم تبعاً، عدت للوراء وانا اضع يدي على فمي، لا جوى ليس الان وقت الانهيار. نقلت بصري تجاه الدفعة الجديدة التي اخرجوها من البحر، كانت امرأتان، ورجل مازال على قيد الحياة. بقيت بجانب نجمة امسك يدها، ارجوها لتصحو، احتاج وجودها، احتاج لأحد بجانبي، أصبحنا في منتصف النهار ولم يجدوا احداً من عائلتي! عاد القارب بنا للبر وانا لم اعد كما كنت، بقيت روحي في البحر مع جدتي وأخي. نقلوا فوراً نجمة مع الحالات الأخرى للمشفى اضطررت لمرافقتها بدلا من انتظار أي خبر عقيم عنهم.
نُشر في احدى الصحف التركية خبر هذه الحادثة (لقي 4 أشخاص مصرعهم، في حصيلة أولية، نتيجة غرق قارب مطاطي، اليوم الخميس، بالقرب من سواحل منطقة بودروم، في ولاية موغلا التركية المطلة على بحر إيجة..
وقال مسؤولون في الولاية، إن السلطات تلقّت بلاغا بغرق القارب، ما أدى إلى توجه فرق خفر السواحل للمنطقة، حيث تمكنت من إنقاذ 4 أشخاص، وانتشال 4 جثث.
ولفت المسؤولون أن الناجين والغرقى لم يكونوا يرتدون سترات النجاة. ويعتقد المسؤولون أن القارب كان يقل 31 شخصا من جنسيات العربية..
وما تزال عمليات البحث والإنقاذ متواصلة، للعثور على 23 شخصا ممن كانوا على متن. القارب، ويعتبرون حاليا في عداد المفقودين.).

نُقلت نجمة للمشفى المركزي في إسطنبول، انا طلبت ذلك، كنت وحيدة، احتجت وجوده، تائهة في هذا المكان الغريب، بل وأصبحت مسؤولة عن حياة اختي. وجدت نفسي تائهة في بلد غريب بالكاد اعرف لغته.
وقفت امام المرآة في الحمام الخاص لغرفة نجمة، نظرت لانعكاس صورتي عليها، لتلك البائسة، لم تكن تلك المرة الاولى التي اشاهد بها نفسي بهذا الضعف، لتلك العينين الذابلتين، الوجه الشاحب، لذاك السواد الذي أحاط بعيني. رفعت يدي اتلمس وجهي، امتدت يدي لشعري، امسكت بإحدى خلاصته، بيدي الأخرى تناولت المقص الذي احضرته معي، تدحرجت دمعة وجع من عيني لأقص تلك الخصلة من المنتصف، بدأ بكائي يزداد وشعري يسقط على الأرض ليستلقي عليه بلا روح. وضعت المقص في المغسلة لأسند نفسي بيدي على الحوض، رفعت رأسي لأنظر للمرآة، لشعري الذي بات يلامس رقبتي، هذه ليست جوى، جوى قد غرقت في البحر، تلك الساذجة التي كانت تبتسم رغم ما يصيبها من وجع ماتت. وضعت يداي علي وجهي لأخبي ضعفي، جلست على ارض الحمام الباردة، كان البكاء مختلفاً، ابكي لصعفي، لأختي، لحظي، لغربتي، لفقداني عائلتي ولوحدتي. لقد تعبت من تصنع القوة، تعبت من إخفاء الامي، من رسم ابتسامات كاذبة، من تحمل المسؤولية.
ضممت ساقي لصدري، احتضن نفسي، احتاج لوجود أحدهم بجانبي، احتاج لأن اُغمض عيني ليعود كل شيء لسابق عهده، حتى ان عدنا لذاك الوقت الذي يضربنا ابي به سأوافق، كان لي بيت حينها، لي فراش يأويني عندما أحزن لا مشردة بين كراسي الانتظار في المشفى. كان لنا جيران وأصدقاء. نهضت من مكاني لأخرج من الحمام، ألقيت نظرة أخيرة على نجمة لأخرج من غرفتها حاملة معطفي، خرجت من المشفى لأستقل احدى سيارات الأجرة، كان الجو ممطراً، كانت المدينة تبكي، او ربما هذا ما شعرت به، السنا نرى الأشياء بقلوبنا؟ قلبي كان حزيناً حينها، بل بائساً، لم أستطع ان أرى أي مظاهر للبهجة في الطرقات، اثناء توقف السيارة في احدى الإشارات الضوئية، كانت عيني تحدق بالعابرين، بضحكاتهم، أتساءل كيف يمكنهم الضحك هكذا؟ أحسدهم لأن حياتهم ما تزال كما هي، لهم منزل، اسرة، وطن، ماضي، ومستقبل. وصلت لوجهتي، بقيت امام المبنى تحت المطر اراقبه، حتى بيته هذا اشعر بغربة تجاهه. صعدت الدرجات بتثاقل، افكر ما الذي سأجيبه ان سألني ماذا اصابنا؟ هل يسهل على المرء قول انه فقد عائلته، ارواحهم معلقة في السماء، ماتوا حتى بدون ان يصبح لهم قبر كسائر الموتى.
توقفت امام بابه التقط انفاسي، طرقت الباب لأمسح دموعي، تمنيت لوهلة ان لا يكون موجوداً، لكنه كالمعتاد امنياتي لا تُجاب. فتح الباب فتوقف مصدوماً، رشمت كثيراً لأمنع دموعي من الانهمار: لا تسألني عن شيء.
وجدته باندفاع يدفن وجهي بصدره، احطته ذراعي لألامس شهره، اعتصرت قميصه لأبكي، انتحبت: ماتوا، غرقوا، لم يبق، سوى نجمة في،
رفعت رأسي لأكمل: في غيبوبة.
مسح على شعري: ششششش.
برفق أحاط بكتفي ليدخلني للداخل، اوقفني ليتفحصني بينما انا هادئة، خلع عني معطفي وهو يقول: لقد تبللتِ بالكامل.
وضعه جانباً، امسك بيدي ليجلسني على كرسي منتفخ من القطن، جثى على كربيته ليأخذ قدمي بين جحره، خلع عني حذائي، نهض ليحضر أشياء بينما انا بيت باردة كبرودة يداي اللتان ترتعشان دون ان القي لها أي اهتمام. اتى ببطانية من الصوف لف جسدي بها، فرك يدي بيديه، قلت بصعوبة: اريد ان انام.
نهضت لأسير تجاه السرير، استلقيت عليه لأشد الغطاء علي اكثر، ثنيت ساقي تجاه صدري، اقترب هو ليجلس بجانبي، مسح بكفيه على وجهي، سالت دموعي بهدوء كهدوئي، انحني الي ليقبل جبيني هامشاً: انا بجانبكِ.
لم احرك ساكناً، استلقى بجانبي، وجهه قريب عند وجهي، لكنني لم اكن معقه، كنت غارقة في البحر، كل ليلة عندما استلقي أتذكر ما حدث، ما زلت اشعر بالماء وهو يدفعني، اشعر بالاختناق، صراخ الجميع لا يزال عالقاً في اذني يأبى تركي. وضعت يداي على اذناي لأغمض عيني بقوة: صوت صراخ الأطفال وهم يغرقون لا يفارقني.
وضع يده على اذناي ليؤكد لي: اشعر بما تشعرين، صدقيني.
نهض من مكانه، بقيت انا اغلق اذناي وجسدي كله يرتعش، كفوا عن الصراخ، اتى حاملاً هاتفه بقرب اذني قد قام بتشغيل القران: كنتِ ستفعلين هكذا ان كنت مكانكِ.
هو حتي لا يريد الاعتراف بالله كيف يحضر لي القران لأستمع له لأنسى المي؟ قربه مني لأزداد بكاءً عند سماعي له، بكيت طويلاً مع انبعاث صوت عبد الباسط حتى غفوت.
استيقظت صباحاً، شعرت انني ما زلت على سريره بالسرير، كان مريحاً ودافئاً للغاية، رفعت رأسي قليلاً لأنهض، عيناي كانتا منتفختان للغاية، بالكاد استطيع النظر بهما. كان هو جالساً في الشرفة، حاولت النهوض لكنه التفت ورأني، اتى ليجلس علي السرير بجانبي، بطرف سبابته لامس عيني اغمضتها بألم، طمئنني: ستصبح بخير عليكِ فقط اخذ قسط من الراحة.
- لا، سأعود للمشفى.
- الا تقيمين في مكان ما؟
حركت رأسي نافية، أكملت: لا يمكنني الذهاب لمكان اخر وترك نجمة.
- ستقيمين عندي.
نهضت من مكاني: لن افعل، انا سأتحسن، بعدها سأحاول البحث عن عمل، لا اعلم كم ستدوم فترة الغيوبة تلك.
نهض ليقف امامي: ما الذي حدث لكِ؟ منذ متى وانتِ تضعين بيننا حواجز؟
مسحت وجهي بكفي لأعلق: انا لست ملزمة منك، لا تربط حياتك بي، بمشاكلي، بمستقبلي المجهول، لم اعد اصلح لأي شيء الا ترى!
اقترب مني ليمسك بذراعي بنعومة: انا أرى انكِ تحتاجين لأحد بجانبكِ، علي ان ابٍقى معكِ.
بحدة قلت له: ماذا تريد مني؟ هاه؟ تتأمل ان نتزوج؟ لا يا عزيزي لن نفعل، ان استيقظت اختي لن اتركها بمفردها واُسس حياة بل سأفني حياتي لأجلها،
عدت للبكاء بدموع جافة: كفاني انانية.
حاول تهدئتي: لن نتزوج، حسناً، لا تفكري بشيء الان سوى ان نكون معاً، هذا بيتكِ، وانا عائلتكِ كلها، بل وطنكِ.



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.