آخر 10 مشاركات
نوفيــ صغار أسياد الغرام ـلا -قلوب زائرة- للكاتبة الآخاذة: عبير محمد قائد *كاملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          18 - بين السكون والعاصفة - كاى ثورب - ع.ق ( نسخة اصلية ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          1027 - القدر المشؤوم - سالي وينتوورث - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          سَكَن رُوحِي * مكتملة **مميزة** (الكاتـب : سعاد (أمواج أرجوانية) - )           »          لهيب عاشق-قلوب أحلام زائرة- للكاتبة الرائعة::هبة خاطر *كاملة+روابط* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-20, 01:53 AM   #11

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل السادس ..
.

.


| بداية التغيير |

.

.

في وسط تلك الغرفة ، وعلى ذلك السرير الخشبي بالتحديد الذي يتوسطها ، كان مستلقيا بعشوائية يغط في نوم عميق ، خصلات شعره الأسود انتشرت على الوسادة القماشية الصغيرة الواقعة تحت رأسه ، لحافه الأبيض القديم يغطي نصف جسمه بطريقة غير مرتبة ، وجهه شاحبا ولا يزال يُسمع أنينه اثر ذلك الجرح في بطنه ، تسللت إلى عينيه أشعه الشمس التي تخبره بأن يترك فراشه الدافئ ، قطب حاجبيه منزعجا ورفع اللحاف واضعا إياه على وجهه لكن أشعة الشمس اخترقت ذلك اللحاف بسهولة ، رفع ذراعه ووضعها على عينيه مانعا ذلك النور من الوصول إليه ، نجح أخيرا في ذلك لكن عصافير بطنه لم تدعه يكمل نومه بهدوء بل بدأت تزقزق بشدة تريد من يطعمها وحالا ، رفع ذراعه وامسك بلحافه ورماه على الأرض بعصبية فتح عينيه بضجر واخذ ينظر للسقف ويهمس لنفسه بسخط :
- سحقا للجوع سحقا ..
رفع جسمه بمرفقيه بصعوبة ليجلس على السرير ، وضع يده على جرح بطنه يتحسسه ليجد بأنه بدون قميص واللفافات البيضاء تغطي بطنه وممتدة على كتفه الأيسر فهمس مستغربا :
- ما هذا يبدو بأنني تلقيت العلاج وأنا نائم ..
جاب بعينيه في أرجاء الغرفة لتتوقف أخيرا على وسام الذي كان يجلس على كرسي خشبي صغير بجانب النافذة واضعا قدما على الأخرى ينظر إليه وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة منتصرة فهو نجح أخيرا ليستيقظ هذا العجوز كما يدعوه بعد محاولات كثيرة باءت بالفشل منه ، قطب فارس حاجبيه وقال :
- وسام ماذا تفعل هنا .. ؟!!
قال ببرود وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة :
- أتأمل ملامحك وأنت نائم واستمتع بإزعاجك بفتح النافذة وترك أشعة الشمس تلعب دورها بإقاضك من سباتك العميق ..
ضيق عينيه بغضب متمتما ببعض الكلمات الغير مسموعة بضجر واخذ يرفع خصلات شعره الأسود بأنامله بحركة خفيفة وقال :
- سحقا لك أيها الغبي تزعجني بهذه الطريقة وتستمتع على حساب غيرك ومنذ متى وأنت هنا .. ؟!!
رمقه بنظرة حادة وقال :
- أنسيت انك في غرفتي ..؟!!
أطلق قارس آآهه تدل على استيعابه وإدراكه للأمر ثم ضرب جبينه بيده واخذ يضحك ويقول :
- صحيح.. صحيح ..
قال وسام بنبرته الباردة الساخرة :
- لقد ظننت بأنك مت أيها العجوز ..
زم شفتيه وضيق عينيه بغضب وقال :
- من هو العجوز أيها الطفل الرضيع .. ؟!!
ابتسم وسام وهو يشير بعينيه إلى طاولة خشبية صغيرة وقال :
- هيا تناول طعامك قبل أن تموت جوعا ..
اتسعت عيني فارس فرحا وهو ينظر إلى الطعام غير مصدق وكأنه لأول مرة ينظر إليه واخذ يتمتم ببعض كلمات الشكر لوسام ، استند على ذراعه ليقوم لكنه أطلق آآهه متوجعة وكسا الألم ملامح وجهه في حين قفز وسام شاحب الوجه خوفا ليساند فارس ويجلسه مرة أخرى على السرير وهو يقول بنبرة هادئة وقد بدا على ملامحه القلق :
- فارس أأنت بخير.. ؟!!
جلس فارس بمساعده وسام على طرف السرير وتنهد بقلة حيلة وبدا عليه الانزعاج الشديد ، كيف له أن يُجرح هكذا !! إذا هو سيضطر إلى أن يبقى طريح الفراش لمدة ليست بالقليلة ، كيف سيبقى مكتوف اليدين يتأمل من حوله دون تدخله وكيف ستسير الأمور بدونه وكيف له أن يقوم بالمهام التي لا يتوقف الضابط طلال عن أمرهم بها بالنظر إلى انه هو قائد قراصنة الموت والعقل المدبر لهم فلا يمكنهم أن ينجزوا المهمات بدونه ، صحيح أن وسام بطل لا يقهر قوي وذو نظرة ثاقبة وذو مهارات قتالية عالية جدا يجاري بمهاراته مهارات ضابط إلا انه يفتقد إلى الحكمة في تصرفاته ومتهور ولا ينصت لأي أحد سواه ، كما أن سيف لا يزال صغيرا ومبتدئا وذو مهارات قتاليه بسيطة ومحدودة ناهيك عن أن أمر جرحه لا يزال سرا بينهم فالضابط طلال لا يعلم بذلك وإذا علم فإن المشاكل ستبدأ تنهمر عليهم واحدة تلو الأخرى ، تنهد بكل أسى وأطلق آآهه متعبة لعلها تخفف قليلا من همومه التي تكبت في صدره لكنه سرعان ما هز رأسه نفيا لكي يطرد كل هذه الأفكار السوداء المؤلمة عندما نظر إلى وسام الذي يناوله صينية الطعام ، ابتسم فارس بألم وتناول الصينية من يد وسام وقال بهدوء :
- أشكرك يا وسام ..
- فارس ..
قالها وسام الذي كان يستند على ركبته جالسا أمامه مباشرة على الأرض بنبرة غريبة يتخللها مزيج من الهدوء والغضب والخوف والترجي وقد غطت خصلات شعره البني الكستنائي معظم ملامح وجهه ، قطب فارس حاجبيه باستغراب وقال :
- ماذا هناك يا وسام .. ؟!!
عم الصمت أرجاء الغرفة لفترة من الزمن لم يكن يعلم وسام كيف يبدأ بالكلام فهو يشعر بالقلق على فارس ويعلم تماما بأنه يفكر فيه هو وسيف بشدة أكثر من نفسه ويشعر بإحساس لا يعرف كيف يوصفه هو فقط يريد من فارس أن يعتني بنفسه جيدا لكي يستعيد عافيته ويعودون للعمل معا مجددا ، لينطق أخيرا بقوله ببرود شديد :
- عدني بأن تعتني بنفسك جيدا ..
فتح فارس عيناه على وسعها بدهشة مصدوما بالكامل ورمش عده مرات غير مصدق ما قد قاله وسام له توا ، أهو قلق عليه كل هذه الدرجة ؟! وسام الذي يظن الكل انه فتى بدون قلب وبدون أحاسيس أهذه بداية التغيير حقا ؟! فأكمل قائلا بنبرة صوت عالي دون أن يسمع ردة فعله :
- أرجوك اعتمد عليّ وعلى سيف إلى أن تتعافى جراحك ..
أنهى جملته بأن هز رأسه بسرعة يمينا وشمالا ونهض بسرعة متوجها نحو الباب انه يشعر بإحراج شديد لقوله مثل هذه الكلمات التي تبدو للغير أنها عاديه لكن أن تخرج تلك الكلمات من فم وسام الذي لا يعرف سوى التهديد وإطلاق الكلمات المجردة من أحاسيس الاهتمام والعطف والحب لهو شيء غير عادي ، امسك مقبض الباب وفتحه بسرعة وقبل أن يغلقه خلفه قال ببعض الضيق ولم يلتفت إليه :
- هيا أيها العجوز الخرف الأصم أنا انتظر ردك ..
أفاق فارس من شروده حينها ورفع يده واضعا إياها على جبينه ليتحسس درجة حرارته ، أهذا وسام حقا ؟! أم أن الحمى جعلته يتخيل أشياء لا صحة لها !! حرك رأسه نفيا ببطء بعدم استيعاب ليقول ببلاهة بعد أن وجد صوته :
- أي رد تنتظره مني يا وسام .. ؟!!
فصرخ الآخر بقوة لأنه يكره هذا الشعور جدا ألا وهو الشعور بالضعف والخجل والخوف على شخص ما وقال بحدة :
- هيا عِدني بسرعة ..
ابتسم فارس واستند على يديه خلف ظهره ينظر متأملا لظهر وسام الذي كان يبدو من هيئته بأنه ينظر إلى الأرض خجلا في مشهد لأول مرة يراه فيه بهذه الحالة ليقول بفرح :
- لك ما تريد يا عزيزي وسام ..
وما أن أكمل جملته حتى سمع صوت ضرب الباب بقوة فانطلقت ضحكته وقال بنبرة عالية ضاحكة :
- هييييه يا وسام كدت أن تقلع الباب لا تنسى بأن هذه الغرفة غرفتك ..
ليأتيه الرد السريع من خلف الباب وهو يقول بحدة :
- اخرس وتناول طعامك ..
ضحك بقوة ونظره لا زال معلقا بالباب ، مد يده واخذ يتناول طعامه بمرح متلذذا بكل لقمه ، لقد كان ولا زال وسام بمثابة الأخ الصغير له سنده القوي الذي يعتمد عليه في اشد الظروف وأصعبها رغم صغر سنه ، لم يكن يتوقع أبدا من انه يوما ما سيتغير ولو لدرجة واحدة ويصبح يهتم بالآخرين لكنه فعلا نجح في ذلك ويستحق بأن يتوج باسم البطل ، كان حقا يشعر بلذة الانتصار فمهما كان الشخص متحجرا قاسيا باردا إلا انه ولا بد من وجود مفتاح لقلبه ، بينما الآخر والذي خرج راكضا في ذلك الرواق الطويل ومتوجها إلى غرفة سيف ، ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة لا تكاد ترى لكنها سرعان ما اختفت عندما لمح ذلك الشخص الذي يمقته بشدة ويتمنى أن يقطعه قطعة.. قطعة بيديه ليقول له هامسا بصرامة ينظر إليه بجمود :
- هيييه يا وسام أريدكم في مهمة اليوم أيضا كونوا مستعدين ..
سيطرت ملامح البرود والجمود على وجه وسام واحتدت عينيه بشدة واخذ يسير ببطء نحو الضابط طلال ، قطب الآخر حاجبيه مستنكرا ردة فعله وصرخ به قائلا :
- هييه ما الذي دهاك أيها المعتوه ..
اخذ يقترب منه أكثر وأكثر وملامحه تحتد شيئا فشيئا رجع الضابط طلال خطوتين للخلف خوفا من تلك الملامح وتلك النظرات القاتلة فهو نجا منه بالأمس وبأعجوبة ولكنه الآن لا يضمن ذلك أبدا ، تقدم ناحيته ثم مد وسام يديه ولف أنامله حول ياقة قميصالضابط طلال وشدها بقوة بحركة سريعة ودفعه بقوة لكي يرتطم جسده بالجدار الذي خلفه فهمس في أذنه قائلا بنفاذ صبر ونظرة محذرة :
- إن لم تعطنا أسبوعان لنرتاح فيها على الأقل فأنا اقسم لك أنني إما أن انتزع قلبك من مكانه وأنت تنظر إليه أو أنني أفضحك أنت وأعوانك أمام الجميع واسقط أقنعتكم أيها الخونة واسلب كل أموالكم ثم أقتلكم واحدا ، واحدا .. ما رأيك .. ؟!!
نظر إليه بصدمة في حين شحب وجهه بالكامل وكأن الدم قد سحب من جسمه ، أخذت أطرافه بالارتعاش والانتفاض وشعر حينها بالرعب يتملك كل ذرة في جسمه ، وسام قادر على تقطيعه إلى أشلاء وسحقه في طرف ثانية إن لم يوافق على ما أمره به سوف ينتهي به الأمر إما ميتا على يديه أو شخصا وضيعا أمام الكل ومصيره السجن بكل تأكيد إن لم يقتلوه بسبب خيانته واختراقه القوانين وهذان أسوأ خياران على الإطلاق ، تركه وسام ليسقط على ركبتيه وهو يبتلع ريقه محاولا السيطرة على خوفه الشديد وقال :
- ح..حاضر ..
تركه جاثيا في مكانه وابتعد عنه ليهمس بنبرة تهكمية صارمة مرعبة :
- إياك والعبث معي ..
اختفى وسام عن أنظاره وتنهد وكأن جبالا ضخمة أزيحت من على كتفيه ، رفع يده ووضع أنامله على عنقه يتحسسها برعب لقد ظن بأنها حقا النهاية استقام ينفض ثيابه بغضب وقال بغيض شديد :
- سأريك يا وسام .. ستدفع الثمن أنا أعدك ..
وأكمل سير خطواته الواثقة ترتسم على شفتيه ابتسامة ساخرة لا تنبئ بالخير أبدا حتى اختفى في زوايا المعسكر الكبير ، بينما توجه وسام إلى غرفة سيف واخذ يطرق الباب بهدوء طرقات متتالية ليفتح الباب أخيرا ويخرج مرتديا لباس النوم ينظر إليه بعين واحدة فتحها بصعوبة بالغة يقاوم النوم وهو يتثاءب ويقول بكسل :
- صباح الخير يا وسام ..
ضرب وسام جبينه بقوة فتأوه من الألم ورجع خطوتين للخلف وقال بانزعاج :
- ماذا بك يا وسام .. ؟!!
رمقه بنظرة وقال بصرامة :
- خمس دقائق فقط ويبدأ التمرين ..
اتسعت عينا سيف وقال متسائلا :
- الآن .. ؟!!
رمقه بنظرة قبل أن يبتعد عن الباب ويسير بخطوات كسولة ليقول ببرود :
- وبأقصى سرعه أيها الكسول ..
شهق سيف فرحا وأومأ موافقا وقال :
- وأين فارس أهو في صالة التدريب ؟! أم يريدنا أن نفطر سويا لليو..... ؟!!
توقف وسام عن السير وقاطعه ببرود :
- لن يشاركنا اليوم بل سيرتاح قليلا من التمرين ..
زم سيف شفتيه وقطب حاجبيه بحزن شديد وهمس قائلا :
- أهو بخير .. ؟!!
زفر وسام بغيض وتنهد بقلة حيلة كم يكره أن يكرر كلامه ويشرح ويبرر تصرفاته للآخرين فقال :
- سيف لا تُؤخر الوقت بثرثرتك التي لا فائدة ترجى منها فارس بخير لكنه يحتاج إلى بعض الراحة حاليا هيا بسرعة تناول فطورك واستعد للتمرين فلن أرحمك اليوم أبدا ..
ابتسم سيف نصف ابتسامة فهو لن يرحمه حقا خصوصا أن فارس ليس معهم فهو بمثابة الدرع الواقي له من غضب وسام وقال بنبرة خائفة مرتجفة :
- ح..حاضر سيدي ..








نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..




روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 16-01-20, 01:59 AM   #12

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل السابع ..
.

.

| الصدمة |
.

.

بعد منتصف الليل وفي وسط تلك الظلمة وعلى ذلك السرير الخشبي الذي اتخذه سريرا له لمدة لا تقل عن الأسبوع ، اخذ يتقلب يمينا ويسارا مطارا للنوم الذي قرر ترك جفونه وهجرها ليتركه هو وهواجسه السوداء يتنافسان من منهم سيصمد أكثر ويتغلب على الآخر، في حين عم سكون مخيف أرجاء تلك الغرفة وأرجاء ذلك المعسكر بالكامل ، تنهد بضجر واستلقى على ظهره يتأمل السقف بشرود ، وجهه شاحب وعيناه باهتتان ، خصلات شعرة الأسود غطت جبينه بعشوائية ، اخذ يرفع يده اليمنى بكسل إلى الأعلى لتصل إلى مستوى نظره ، قطب حاجبيه باستياء ينظر بحزن عميق إلى تلك الحلقة الحديدية الدائرية التي زينت بنصره ليبتسم بعدها بكل ألم ، مرت بضع دقائق وهو على نفس تلك الحالة إلى أن قرر أخيرا أن ينهض وينفض غبار الحزن والأسى من على كاهله ، أن يترك الحزن جانبا ويمضي قدما ، استقام على الأرض بطوله وسحب معطفه الجلدي الأسود يرتديه بهدوء ، سمع طرقات خفيفة على الباب ليفتح بعدها بهدوء شديد ، استدار وألقى نظرة سريعة على الشخص الذي دخل الغرفة بهدوء بملامحه الباردة متوجها إلى الكرسي الخشبي ليجلس عليه واضعا قدما على الأخرى ليكمل هو الآخر ارتداء وشاحه الرمادي ويلفه حول عنقه ، قال وسام ببرود متسائلا :
- فارس إلى أين أنت ذاهب .. ؟!!
صمت لوهلة ثم اخرج حذائه الجلدي من الدرج وجلس على الأرض لكي يتمكن من ارتدائه وربط كل تلك الأربطة بشكل صحيح ليقول :
- سأخرج قليلا يا وسام ..
نهض وسام بسرعة وقال بنبرته الباردة الحادة:
- أنت لم تشفى بالكامل يجب أن ترتاح ..
نهض بعد أن أنهى ربط حذائه واخذ يرفع خصلات شعره الأسود ويبعدها عن جبينه بأنامله بطريقة جذابة تجعله يبدو أكثر وسامه ليقترب من وسام الذي شحب وجهه واحتدت عيناه أكثر بمجرد سماع ما قاله فارس للتو ، أهو حقا يريد أن يخرج ؟! لكنه يجب أن يرتاح فجرحه لم يشفى بعد كما أن الحراسة في الليل تزداد فالحراس ينتشرون في كل بقعة من المعسكر، وماذا لو علم الضابط طلال بالأمر أو ....
وقف فارس أمامه مباشرة ووضع يده على كتفه يربت عليه بحنان وقال بابتسامة مطمئنة :
- لا عليك يا وسام فقد استعدت جزءا كبيرا من صحتي وطاقتي وكم أنا شاكر لك فقد اعتنيت بي جيدا طيلة تلك المدة التي لبثتها عندك في غرفتك ..
استدار فارس متوجها بخطوات بطيئة نحو الباب واضعا كلتا يديه في جيوب معطفه ليقفز وسام بسرعة خاطفة معترضا طريقه وهو يقول ببرود وبنبرة قد احتدت قليلا :
- لن اسمح لك بالذهاب ..
اتسعت عينا فارس أوسام قلق عليه كل هذا القلق ؟! ماذا عساه أن يفعل الآن فوسام لن يستسلم إلا إذا عاد أدراجه وظل مستلقيا على الفراش ، ليكمل وسام قائلا بعد أن انزل ناظريه للأسفل :
- وإذا كنت مصرا يا فارس فسوف أرافقك واذهب معك ..
تنهد فارس بقلة حيلة واضعا كلتا يديه على كتفي وسام ، اخفض رأسه ليكون بمستوى نظر وسام لتلتقي أعينهما ببعض ، عينا فارس التي تخبئ ورائها حزن عميق وعينا وسام الباردتان ذات النظرات الحادة ليبتسم فارس بدوره ويهمس لوسام بقوله :
- وسام اهتم بالأمور هنا لأجلي يجب عليّ أن اذهب لإنهاء بعض الأمور لوحدي في مكان ما ..
رمقه وسام بنظرة بان فيها قليل من القلق وقال بتردد :
- لكن يا ف..فارس ..
اعتدل في وقفته ومد يده واضعا إياها على رأس وسام واخذ يبعثر له خصلات شعره البني بعشوائية وهو يقول بمرح ويغمز له بعينه :
- سأذهب عند مخطوبتي لزيارتها ..إياك وأن تتبعني ..دع الكبار وشأنهم ..
أشاح وسام بوجهه بعيدا وزم شفتيه بغضب واخذ يتمتم ببعض الكلمات الغير مسموعة وكأنها كانت بعض الشتائم يلقيها على فارس واحدة تلو الأخرى وقال بغضب وقد احمرت وجنتيه خجلا :
- وكأنني سأفعل أيها الغبي ..
قهقه فارس بقوة على تلك الملامح الغاضبة الخجولة التي ارتسمت على وجهه وسام واخذ يربت على كتفه ويقول وهو يرمقه بابتسامه نصر تخللها السخرية :
- أحسنت أيها الفتى المطيع ..
رمقه وسام بنظرات حادة فيها نية القتل مما جعل فارس يبعد يده بسرعة عن كتفه بخوف ضاحكا بقلق ثم طالب منه بأن يعتني بالباقي ويهتم بالأمور لأجله في حين استدار ورفع يده مودعا إياه .

*****

في غرفة أخرى ذات جدران حجرية رمادية تنتشر فيها بعض اللوح والصور القديمة ذات أيطار خشبي أسود أصيل وذا سقف منخفض تتوسطه ثريا من الحديد الأسود وتزينه بعض النقوش ، يوجد بها نافذة ذات أسوار من حديد مانعة لأي شخص من العبور من خلالها ، تغطيها قطعة من القماش الأسود المنقوش بنقوش فضية فخمة ، يتوسط تلك الغرفة سجاد من الفرو الناعم الرمادي وسرير كبير ذو وسائد بيضاء ناعمة ولحاف أبيض تغطي به جسدها النحيف تحته ، من يراها يضن بأنها تغط في النوم لكن نومها متعب يؤرقها في كل لحظة ، تتنفس بصعوبة تمسك الوسادة وتضمها إلى صدرها بقوة ، أطرافها ترتعش حتى في نومها تتحسس لأي صوت من حولها لتقفز من على السرير بسرعة وجهها شاحب نبضاتها غير مستقرة قلبها يكاد يخرج من صدرها تنتظر طلوع الشمس بفارغ الصبر وهذا هو حالها بعد أن انتشر في البلدة اللصوص والمجرمين الذين لا يتحركون إلا في الليل لقضاء مصالحهم الخاصة وبحكم أنها فتاة وتعيش لوحدها فهذا ابسط ما قد تشعر به ، فتحت عيناها العسليتان على وسعها خوفا ورعبا عندما سمعت طرق الباب من قد يكون يا ترى ؟! من الذي يأتي الآن في هذا الوقت المتأخر ؟! أهو احد اللصوص ويريد سرقتها أم أحد القتلة المأجورين ويريد القضاء عليها وإنهاء حياتها التعيسة ؟! ازداد شحوب وجهها ونبضات قلبها بدأت بالتسارع ، وقفت بسرعة مما جعل شعرها الأسود الطويل ينسدل على جبينها وظهرها بعشوائية ، أمسكت بأناملها فستانها الأبيض الحريري وشدت قبضتها عليه بتوتر، توجهت نحو الباب بخطوات متعثرة خائفة ووقفت أمامه ، أخذت أكبر كمية من الهواء لتدخلها إلى رئتها ، أحكمت قبضتها ومدت يدها لتمسك أناملها المرتجفة مقبض الباب ، قالت بتوتر شديد ظهر في نبرة صوتها :
- م..من .. ب..بالباب ... ؟!!
لتسمع صوتا مألوفا لها اعتادت على سماعه سابقا ، صوتا لطالما أرادت سماعه وانتظرته بنفاذ صبر ، ذو نبرة هادئة حنونة ومريحة يقول هامسا لها :
- فاتن افتحي الباب أنا....
لم يكمل كلامه حتى فُتح الباب على مصراعيه لتقفز إلى حضنه متشبثة به والدموع قد شقت طريقها على خديها المتوردين وهي تقول بين شهقاتها المتتالية معاتبه له :
- فارس لقد كنت انتظرك أين كنت كل تلك المدة لقد غبت عني كثيرا كنت انتظرك حقا بفارغ الصبر ..
ابتسم فارس بحزن ووضع يده على كتفها وأبعدها عنه بصعوبة فقد كانت متشبثة بقوة بمعطفه لكنها سرعان ما أرخت قبضتها وابتعدت عنه بخطوتين إلى الخلف خجلا مما فعلته دون إدراكها اخفض رأسه ليصل إلى مستوى نظرها لكنها سرعان ما غطت عينيها بأناملها المرتجفة ودخلت في نوبة بكاء شديدة شهقاتها الصغيرة المتقطعة لا تكاد تتوقف ، مد يده ناحيتها ورفع خصلات شعرها الأسود اللامع الطويل التي كانت تنسدل على جبينها بعشوائية أبعدت أناملها من على وجهها لتنظر إليه مباشرة الذي كان بدوره يتأمل ملامحها الباكية بابتسامه خافته ، توقفت عن البكاء وقد احمرت وجنتيها خجلا من قربه فمد يده ثانيةً وضرب جبينها مما جعلها تتأوه ألما فرفعت رأسها وهي تنظر إليه بنظرات معاتبة على فعلته ليقول لها بابتسامة حانية ارتسمت على محياه :
- كم مرة أقول لك يا فاتن أن هذه الدموع لا تناسب وجهك الجميل وملامحك الفاتنة..
أشاحت بوجهها خجلا بعد أن اتسعت عيناها دهشة مما قاله ثم قالت بتلعثم وخجل شديد لتغير مسار الحديث:
- أهلا بعودتك يا فارس ..
ضحك وهو يرفع خصلات شعره الأسود عن جبينه بعشوائية وقال بابتسامة عذبة :
- إذا ألن تسمحي لي بالدخول أم سأبقى واقفا هنا .. ؟!!
استدارت بسرعة بخطوات متعثرة وهي تدخل المنزل وتقول بارتباك وخجل :
- ا..أنا..آسفة..حقا .. تفضل المنزل منزلك أم انك نسيت .. ؟؟
أماء برأسه بنفي مبتسما وسار خلفها بخطوات متثاقلة كسولة هادئة بنظرات يملأها الحزن ، دخلا إلى المنزل وتوجهت راكضة بخطوات سريعة قائلة بفرح شديد قد كان ظاهرا في نبرتها بوضوح شديد :
- سأعد لك الشاي يا فارسي ..
أغلق الباب خلفه بإحكام ورمقها بنظرة مندهشة واخذ يعيد الاسم الذي نعتته به قبل قليل مرارا وتكرارا وهو يضحك ، تقدم أكثر ليرمي جسده بثقله كله على الأريكة جالسا يتبع بنظرة فاتن التي دخلت إلى المطبخ وأخذت تعد الشاي بسعادة ، حرك رأسه متعجبا من فرحها الشديد وسعادتها الغامرة ، أولم تكن تبكي بحرقة قبل قليل ؟! أولم تكن شهقاتها المتتابعة غير قابلة للتوقف ودموعها كشلال منهمر لا يتوقف ؟! أهذا كله لأنها رأته حقا ؟! اخذ يهمس في نفسه بكل تلك الأسئلة في حين يرمقها بتعجب لكن سرعان ما اختفت تلك النظرات لتتحول إلى نظرات باهتة حزينة ، رفع رأسه ببطء وأسنده على حافة الأريكة ليوجه نظره نحو السقف يتأمله بعينين تائهتين مليئتين بالضياع والشرود ، لا يعلم ماذا يصنع وماذا يفعل كل ما كان يتمناه هو أن يعيش بسلام مع فاتن تحت سقف هذا المنزل ويُكون أسرته الصغيرة التي لطالما رسمها في ذهنه كصورة وردية تحمل في طياتها الكثير من الحب والفرح والسعادة بوجود فاتن بجانبه ، الفتاة التي اختارها بأن تكون رفيقة دربه هي نفسها ابنة خالته الوحيدة تلك الفتاة التي رأى فيها شيئا مختلفا عن كل الفتيات فتاة جميلة ومهذبة ، هذه أكبر سعادة قد تغمر قلبه حينها وحوله أصدقائه الذين يعتبرهم إخوته الصغار وسام وسيف حياة هادئة هذا ما كان يريده لكن هذا الحلم بدأ يتلاشى من مخيلته كلما تذكر آخر لقاء له مع الضابط طلال ومحادثتهم التي تعتبر كخنجر غرز في قلبه لينزف دما وهو لا يزال على قيد الحياة كيف يتصرف الآن ؟! ماذا يفعل ؟! كيف سيخبر فاتن بما جرى بينه وبين طلال ؟! كل هذه الأفكار تتعبه أثقلت كاهله وأخذت تجرح قلبه شيئا فشيئا فأطلق آآهه خرجت من عُمقه مُتعِبة مليئة بالحزن الذي أدمى قلبه ...
- فااااااااااااارس ..
أفاق من شروده ليلتفت إلى مصدر ذلك الصوت الذي كان صوت فاتن التي صرخت في أذنه مقطبة حاجبيها بغضب لينظر إليها لوهلة في صمت ثم ليتدارك ما هو عليه الآن استقام واعتدل في جلسته وهو يضع أنامل يده على جبينه لقد كان غارقا في الأفكار حقا حتى انه نسي انه عند فاتن الآن وفي منزله ، استندت على ركبتيها جالسه عند قدميه واضعه يديها على ركبتي فارس لتقول له بعينين تترقرق من الدمع وبنبرتها الخجولة الناعمة الحزينة القلقة جدا والخائفة :
- عزيزي فارس أأنت بخير يبدو وجهك شاحبا جدا ما الذي أصابك أهناك ما يقلقك ؟! يمكنك إخباري فأنا هنا بجانبك ..
فتح فارس عينيه على وسعها ، صدى صوتها يصدح في أرجاء صدره ، عيناها الحزينتان أكثر شيء يؤلم قلبه هو رؤيتها بهذه الملامح ، الشخص الوحيد الذي يريد إسعاده وحمايته لكنه لا يستطيع فعلها .. سحقا لكل هذا العناء .. ما الذي يجري كيف سيبدأ الموضوع ويفتحه لمناقشتها به !! وكيف ستكون ردة فعلها !! لا بد بأن الأمر لن يكون سهلا عليها وأيضا عليه ، لتقطع أفكاره ثانيةً وهي تمد يدها ناحية جبينه لتتحسس حرارته بأناملها الناعمة بنظرات خائفة ثم قالت :
- فارس أتسمعني يبدو انك تعاني من الحمى ..
ابتسم فارس ابتسامة حزينة وامسك بيدها ليبعدها عن جبينه ثم قال :
- لا تقلقي يا فاتن أنا بخير ..
شد قبضته على أنامل يدها بقوة فرفعت بصرها نحو عينيه بقلق فقد شعرت أن هناك خطبا ما ففارس لا يبدو على ما يرام ولا يبدو على طبيعته كما انه شارد الذهن من أول لحظة دخل فيها المنزل بدأت أطرافها بالارتجاف وقالت بتقطع متسائلة :
- م..ماذا..ه..هناك يا ف..فارس ..؟!!
قطب حاجبيه بضجر وهو ينظر إليها بحدة وحزن ثم قال بنبرة هادئة :
- فاتن يجب أن ننهي علاقتنا ..









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 20-01-20, 03:23 PM   #13

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الثامن ..
.
.

| بين الحلم والواقع |
.
.
في وسط غرفة المعيشة عم سكون مرعب لا يكاد يسمع فيها دبيب نمل إلا ضربات قلوب قوية تقرع كالطبول تكاد أن تنتزع من مكانها ، احدها كانت نبضات قلب لشخص حزينة وموجوعة تبكي بقهر وقلة حيلة ، ونبضات أخرى لقلب شخص أحب بصدق نبضات قلبه تكاد تعلن عن توقفها ومغادرتها الحياة في هذه اللحظة اثر تلك الصدمة المفجعة الموجعة التي تلقتها توا ، كان فارس يجلس على الأريكة ممسكا بأنامل يد فاتن التي تستند على ركبتيه جالسه على الأرض أمامه وبالقرب من قدميه ، فتحت عيناها على وسعها بدهشة كانت مصدومة بالكامل ما الذي سمعته للتو!! ما الذي قاله لها فارس قبل قليل !! حاولت الكلام مرارا وتكرارا لكنه أبى أن يخرج الكلام من حنجرتها الصغيرة إلى أن استطاعت وأخيرا أن تفتح فمها وتقول بنبرة صوت لا تكاد أن تكون مسموعة ومهزوزة بالكامل كقلبها :
- م..ماذ..ا قل..ت يا.. فا..رس ..؟؟!!
أشاح بوجهه بعيدا لكي لا ترى ملامح وجهه ثم قال ببرود شديد :
- كما سمعتي يجب أن ننهي علاقتنا والآن ،، كما يجب عليك نسياني بالكامل ..
شحب وجهها الجميل وكأن الدماء سحبت من جسمها بالكامل فأي نوع من أنواع الترهات هذه التي يقولها لها بكل بساطة !! فاستلت يدها من قبضته وابتعدت قليلا عنه ثم وقفت باضطراب كالتائه تماما لا تدرك ما الذي يجب عليها قوله أو فعله ، أنفاسها تخنقها أفكارها ترعبها دقات قلبها تؤلمها أطرافها لا تكاد أن تحملها ، استجمعت قواها ثانيةً ثم قالت بعبرة :
- ل..ماذا .. يا..فارس .. ما الذي فعلتُه .. أرجوك .. اخبرني بأنك.. تمازحني .. ؟!!
رفع رأسه ونظر إلى ملامح وجهها الشاحبة ونظراتها التي تتوسل إليه لكي يقول نعم أنا أمازحك فقط ولم أكن إلا أداعبك لأني لا أستطيع العيش بدونك أو حتى بعيدا عنك ، يتأمل أطرافها التي بدأت بالارتجاف يعلم تماما أن وقع كلماته على قلبها ليس بالأمر السهل ، قلبه يعتصر حزنا نظراته إليها كانت حزينة ومرتبكة فحتى هو يتمنى بأن تكون هذه مجرد مزحة أو كذبة اختلقتها شخصيته المرحة ، اخذ نفس عميق ثم اخفض رأسه وقال بنبرة معتذرة منكسرة :
- أنا آسف يا فاتن لكن ما سمعته حقيقيا ..
شهقت بقوة ووضعت أناملها المرتجفة على فمها بسرعة لكنها لم تكن إلا ثوان حتى خانتها أقدامها وخارت قواها فسقطت على الأرض كورقة شجر في فصل الخريف مغشيا عليها لولا تلك الأذرع التي حملتها وأمسكت بها بسرعة قبل أن يرتطم جسدها النحيل بالأرض ، فقدت وعيها كان كلامه أكبر من أن يتحمله قلبها المسكين ، صحيح أنها تحملت الكثير والكثير من الصعاب في صغرها عاشت تحت ظروف صعبة وقاسية عانت الكثير لوحدها لكنها كانت كل تلك الصعاب في كفة وما سمعته أذناها قبل قليل في كفة أخرى فقرر دماغها أن يهرب بعيدا عن الواقع المؤلم لتبقى طريحة الفراش ليوم كامل .

****

بدأت عيناها تفتح ببطء هاهي قد بدأت تستعيد وعيها سحابة بيضاء أمام ناظريها تحجب عنها الرؤية ، أخذت ترمش عدة مرات لكي توضح الصورة أمامها ولكي تتذكر ما حصل لها نظرت حولها فوجدت نفسها ملقاة على سريرها باعتناء شديد ، رفعت بصرها إلى ذلك السقف الذي اعتادت رؤيته ، أخذت تجول بعينيها العسليتين الباهتتين في أرجاء تلك الغرفة دون وجهة محددة أغمضت عينيها متنهده بكل أسى لأنها تذكرت كل ما جرى لها قبل أن تفقد وعيها وتخر على الأرض مغشيا عليها ، تمنت حينها أنها لم تستيقظ أبدا لقد فضلت الموت على تحمل تلك الذكرى الصادمة التي نزلت عليها كالصاعقة ، فتحت عيناها ثانيةً بخوف ومدت أنامل يدها اليمنى ببطء لتتنهد براحة عند رؤيتها لخاتم الزواج الذي لا يزال يزين بنصرها ثم همست لنفسها :
- يا الهي اشعر ببعض الاطمئنان الآن ..
ثم وضعت ذراعها على عيناها مغطيه إياها لتسلك دموعها وتشق طريقها على خديها المتوردان إذ يبدو أن الدموع لن تتوقف بعد اليوم ، أخذت تقول لنفسها بنبرة باكية مبحوحة :
- كم أتمنى أن ذلك مجرد حلم .. لا بل كابوس مرعب يا ليته كان كابوس .. أرجوكم اخبروني انه كان مجرد كابوس أرجوكم ..
أخذت تصرخ وتصرخ كطفل فقد أمه أمام عينيه تبكي بحرقة كأنها لم تبكي من قبل دموعها تنهمر على وجنتيها دون توقف وكأنها شلالات لا نهاية لها ، شعرت بصداع يهاجم رأسها لتمسك به وهي تصرخ بقوة اكبر تلف رأسها يمينا ويسارا عل الألم يزول ، لم يحتمل ذلك الشخص الذي كان واقفا خلف الباب يراقبها بصمت دون علمها ففتح الباب بقوة لتنظر إليه وقد اعتلت ملامحها الدهشة والاستغراب فقد ظنت بأنه قد رحل حقا كما قال سابقا ، تقدم ناحيتها وجلس على طرف السرير ومد لها بمنديل وهو يقول لها بملامح ذابلة وابتسامة كسيرة :
- فاتن الم أخبرك بأن الدموع لا تناسبك ..
بقيت عيناها معلقتان به وأمسكت بيده التي كان يمدها ناحيتها لتشد جسمها وتجلس على السرير معتدلة ، تمسكت بمعطفه الأسود الجلدي جهة صدره بيديها الناعمتين التي لم تتوقف عن الارتجاف ونظرت إلى عمق عينيه وقالت بنبرة باكية مليئة بالحزن والخذلان :
- اخبرني يا فارس من لي سواك في هذا العالم إن تركتني فماذا افعل لوحدي أمي كما تعلم ماتت بطريقة مجهولة منذ ما يقارب الشهر ماذا عساي أن افعل لوحدي أنت الوحيد الذي بقي لي في هذه الحياة اخبرني لماذا ، لماذا أرجوك لماذا ..
نظر بقلق إلى عيناها اللتان لم تتوقفا عن ذرف الدموع لفترة من الوقت وكأنه يفكر كيف يبدأ كيف سيخبرها الآن وهي بهذه الحالة التي يرثا لها تنهد بألم ثم قال بنبرته الجادة ينظر للفراغ :
- ذهبت عند الضابط طلال لأخذ منه تصريح الزواج الذي قد وقعه لي سابقا فقد وعدني بأنني لو قمت بتلك المهمة التي أوكلها لي أنا ورفاقي سيعطيني التصريح وبدون أي اعتراض ..
صمت لوهلة حين نظر إلى عيني فاتن الباكيتان التي كانت تنظر إليه بحيرة تنتظر منه أن يبرر لها كل ما جرى بفارغ الصبر ليتنهد بحزن ويكمل قائلا :
- وبعد أن أنجزنا المهمة على أكمل وجه ذهبت عنده وطلبت منه التصريح لكن ذلك الجشع الوضيع قام بتمزيق التصريح أمام ناظري كنت مصدوما بالكامل ألم يعدني أنني لو نفذت له ما يريد انه سيعطيني ؟! ثم أخبرته بأنه قد وعدني لكنه ضحك ساخرا وقال بأنه لن يفعل بل يريدني أن أنفذ له المهام تلو المهام كي لا يخسر ورقته الرابحة التي يعتبرني إياها كما قال ..
شهقت فاتن بقوة ووضعت أنامل يديها المرتجفة على فمها ثم أكمل وقال بحزن :
- حينها أردت أن اقتله كرهته بحق وبت امقته كنت صابرا ومتحملا كل تلك الصعاب لأجل تلك اللحظة التي يعطيني فيها تصريح الزواج واذهب ونتزوج ونعيش بسعادة لكن عندما رأيته يمزقها وهو يبتسم ساخرا بخبث قررت بأن اقطع له رأسه وانهي له حياته لكي أوقفه عند حده تقدمت نحوه بخطوات لا يكاد يسمع لها اثر لكنني توقفت فجأة وارتعش جسدي وصعقت بالكامل عندما رمقني بنظرة ساخرة وقال لي بأنه هو من أرسل ذلك القاتل المأجور لكي يقتل خالتي ..
شهقت فاتن للمرة الثانية لكن بقوة أكبر، فقدت توازنها ، وانتفضت كل ذرة في جسمها أذلك الوضيع المدعو بالضابط طلال هو من قتل أمها ؟! لا تصدق كيف ذلك كيف ، كيف وهو يعترف لفارس بجرمه الشنيع بكل هذه البساطة ، انهمرت دموعها مجددا شعرت ببرود يسري في جسدها علمت مدى الألم الذي أصاب فارس حينها ليضع يده على رأسها يربت على خصلات شعرها الأسود بكل حنية مخففا وقع الخبر عليها ، أخفضت رأسها ووضعته في حضن فارس لم تستطع أن تحبس شهقاتها الصغيرة فانفجرت بالبكاء ، نظر إليها بحزن وقال :
- فاتن لقد هددني الضابط طلال بأنه سيقتل كل من له صلة بي إذا رفضت أمر من أوامره ..
رفعت رأسها ومقلتيها ناظرة إليه لم تستطع الكلام بل اكتفت بسيل الدموع ذاك ثم أكمل بنبرة حزينة :
- لم استطع أن احمي خالتي فقتلوها ،، فاتن أنا لا أريد أن أفقدك أيضا لا أريد من الضابط طلال الخبيث وأعوانه بأن يلمسوا شعره من شعرك لذلك أرجوك ابتعدي عني وانسيني فحسب .. أنا افعل كل هذا لأجلك صدقيني ..
أخذت تضحك بين شهقاتها الصغيرة المتقطعة بطريقة غريبة جعلت فارس يقطب حاجبيه باستغراب ما الذي أصابها أفقدت عقلها يا ترى ؟! لتقول :
- فارس أنا لا ألومك أبدا على مقتل أمي اعلم تماما بأنك تعتبرها كأمك ولن تسمح لأي شخص بأذيتها لكن ذلك الخبيث لابد من انه استغل غيابك عنه وقام بقتلها ..
ضيق عينيه بحزن وهو يتأمل ملامحها لتكمل قائلة :
- كما أنني يا فارس لا أخشى أن يقتلوني بما أنني سأبقى بجانبك ولن القي لهم بالا حتى لو قتلوني لكن لن نفترق أبدا ولن تتغير علاقتنا وسننتظر قليلا لعله يغير من رأي.....
نهض من على السرير وصرخ مقاطعا كلامها بصوته الجهوري بقوة وهو يرمقها بنظرات حادة فارتفع ضغطه وشحب وجهه وقال بغضب :
- فاتن أنتِ لا تدركين ولا تعلمين من هو طلال ذلك الخبيث يريد أن يقتلني حيا بأخذ أحب الأشياء مني وإرغامي على فعل الأفعال التخريبية اللا إنسانية من حولي ،، فاتن كوني فتاة عاقلة وابتعدي عني فقط ..
ضمت يديها إلى صدرها ورمقته بنظرة حزينة منكسرة وقالت بهدوء بنبرتها الناعمة :
- وأين تريدني أن اذهب يا فارس أنت تعلم انه لم يعد لي أي منزل أوي إليه أنا هنا ضيفة في منزلك ..
أشاح بوجهه بعيدا ليرد بنفس النبرة الغاضبة :
- انه منزلك من اليوم وصاعدا عيشي فيه بسلام ، أنتِ يا فاتن فتاة يتمناك كل الرجال فلتلتقي برجل غيري يستطيع حمايتك ويؤمن لك مستقبلك ولتحيوا بسعادة ..
مد يده اليمنى واخذ يفرق أنامله لينزع تلك الحلقة الحديدية منها معلنا عن انفصالهما ببعض ، انفصال قلبين محبين منذ الصغر لطالما تمنا أن يعيشا سويا ويكملا بقية العمر معا لكنه تفاجأ وبحركة سريعة قفزت فاتن نحوه وأمسكت بيديه ودموعها لا تكاد تتوقف ، قالت بنبرة مبحوحة مترجية :
- لا يا فارس أرجوك أنا لن أعيش في هذا المنزل إلا مع مالكه الحقيقي ..
أخذت تضغط بقوة بقبضتها الصغيرة على يدي فارس الذي اتسعت عيناه دهشة من فعلتها ، اخفت رأسها وأسندته على يده تبكي بنحيب مؤلم ، اخذ نفسا عميقا متداركا ما قد فعله وقاله قبل قليل فأطلق آآهه متوجعة لتخفف بعض ما يشعر به من ثقل ، بقيت تشهق حتى لم تستطع أقدامها على حملها مجددا فخرت على الأرض لكن فارس امسكها وحمل جسدها الضعيف وأجلسها على طرف السرير بخفة ليجلس بجانبها وقد عادت ملامحه الهادئة وقال :
- أتصدقين يا فاتن ..!!
رفعت بصرها ناحيته وأومأت برأسها لكي يكمل وهي تمسح دموعها ثم قال :
- عند انتهائنا من المهمة كاد وسام أن يدخل في حرب معه أراد في تلك اللحظة قتل الضابط طلال وبشدة لكنني أوقفته قبل أن يبدأ كنت متأكدا بأن وسام سيقتله فهو شجاع لا يخشى شيئا ..
نظر إليها بحزن وأكمل بألم :
- أوقفته لأنه وعدني بأن يعطيني التصريح فلم أرد من وسام أن يقتله إلا بعد أن يعطيني مبتغاي لكنني ...
اتكأ على ركبتيه وصمت لوهلة غير قادر على البوح بمدى ندمه على فعلته اخفض رأسه وغطى ملامح وجهه بكفيه وقال بحزن :
- كم ندمت نعم لقد ندمت كثيرا بأنني أوقفت وسام ليته قضى على ذلك الحثالة البغيض الوضيع حينها يا ليييت..
اخذ يتنفس بصعوبة وقد فقد السيطرة على نفسه فسقطت دمعة من عينه دمعة حزن وألم وقهر لتقترب منه فاتن وتربت على كتفه وتهمس بنبرتها الخجولة قائلة :
- أنا هنا بجانبك يا عزيزي لا تقلق من أي شيء وذلك الوضيع سوف يُقتل عاجلا غير اجل ويتجرع من نفس الكأس المرة التي أذاقنا إياها وسنسعد أنا وأنت ونعيش هنا بسلام .. سنتخطى هذا الألم معا ..
ابعد كفيه عن وجهه رفع رأسه واستدار ناحيتها ليجدها باسمه الثغر ودموعها تنصب على وجنتيها المتوردتين دون توقف ليبتسم هو بدوره فمد يده وجذب يدها ممسكا بها بقوة وكأنها الرابط الوحيد الذي يربطه بالحياة رفعها لشفتيه مقبلا إياها بعمق ، قال بامتنان وهو يحكم قبضته على يدها :
- كم أنا محظوظ بوجودك بجانبي يا فاتن ..









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..



روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 24-01-20, 12:36 AM   #14

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل التاسع ..
.
.

[ هدوء ما قبل العاصفة ]
.
.

بين الأسواق الكبيرة والبقالات الصغيرة التي انتشرت في تلك المساحة المتوسطة الحجم ، تعالت صرخات الأطفال الذين يركضون ويلعبون هنا وهناك وهتافات العامة لتلك الفرق الراقصة والأخرى الغنائية ، شهقات سعيدة وضحكات عالية صدى صوتها في كل مكان يقرع كالأجراس ، فرق جوالة بهلوانية يستعرضون ملابسهم ملونة تجذب الكبار والصغار ، مسابقات وتحديات بين الرجال منازلات قوية بالسيف الغرض منها التسلية وإضافة المرح ، هتاف النساء المشجعات وتصفيقهن الحار، رائحة الشواء غطت المكان بأكمله أشهى المأكولات تباع في تلك المتاجر عصائر ومثلجات وحلوى ..
صرخت بأعلى صوتها بفرح شديد وهي تمشي بمرح مرتدية فستانها الكحلي الطويل وقد انسدل شعرها الأسود اللامع ليغطي ظهرها قائلة بابتسامة عريضة :
- اااااه كم أحب هذا المكاااااااان ..
رمقها بنظرة حانية ذلك الشخص الذي كان يسر بجانبها واضعا كلتا يديه في جيوب معطفه الجلدي الأسود وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة سعيدة ، هذه أفضل طريقة لجعلها تخرج من نوبة البكاء تلك واستعادة ابتسامتها اللطيفة باصطحابها لهذا المكان الذي لطالما أحبته في صغرها ، قال مدعيا الاستغراب :
- حقا يا فاتن .. ؟!!
لتجيبه الأخرى وهي تتمايل بسعادة :
- نعم ، نعم أحبه كثيرا يا فارسي ..
مد يده ليضعها على رأسها مبعثرا لها خصلات شعرها الحريري بعشوائية وهو يضحك بمرح ويقول :
- ما بال ذلك الاسم الذي تنعتيني به يا فاتن طيلة اليوم .. ؟؟
توردت وجنتيها ورمقته بنظرة خجولة لتسير أمامه بخطوات سريعة لكي تتجنب رؤيته لملامحها الخجولة السعيدة ، اخذ يضحك بقوة وهو يشير بإصبعه إلى إحدى الطاولات الخشبية الكبيرة التي يبيعون أنواع مختلفة من الطعام طالبا منها بأن يتوجهوا ليبتاعوا بعض الطعام ، سارا معا وتوجها نحو تلك السيدة التي تبلغ من العمر قرابة الأربعين عاما بشعرها الرمادي الذي تخلله بعض الشيب ليزيدها وقارا ، كانت تعد الطعام وتبيعه لزوارها المكتظين الجالسين حول طاولة خشبية مستطيلة طويلة تتوزع المقاعد الخشبية في الجانبين الأيمن للطاولة والأيسر ، جلسا جنبا لجنب وطلبا بعض الشطائر والعصير وتناولا بعدها بعض الحلوى التي اشتهر ذلك المحل بإعدادها ، جلست فتاة شقراء بشعر قصير وبشرة بيضاء انتشر فيها النمش مقابل فاتن وبدت مقاربة لها في العمر، أخذتا تتعرفان على بعضهما البعض وتتناولان أطراف الحديث بسعادة فالبرغم من أنهما للتو قد تقابلتا إلا أنهما انسجمتا معا بشكل جيد وسريع فيبدو بأنهما تتشاركان الكثير من نفس الاهتمامات ونفس الذوق ، أخذت فاتن تتحدث بسعادة مع تلك الفتاة التي بدورها بدت في غاية السعادة أما فارس فظل ينظر إلى فاتن بسعادة ففاتن لم تكون أي صداقات منذ أن انتقلت هي ووالدتها إلى العيش هنا كما أنها تبدو وحيدة وهي حبيسة ذلك المنزل ، لم يقاطعهما في حديثهما بل كان يستمتع برؤيتهم بهذا الانسجام معا ، مرت ساعة وهم على نفس حالتهم هذه ، ضيق فارس عينيه بعدم الارتياح فقد شعر بأن هناك من يراقبهم رفع وشاحه الرمادي الذي كان ملتفا حول عنقه ليغطي به نصف وجهه لكي يخفي ملامحه ، نهض من على الكرسي والتفتت فاتن إليه وتساءلت هل سيعودون إلى المنزل لكن فارس انحنى ليهمس في أذنها بهدوء قائلا بأنه سيسير قليلا في الأرجاء ويتركهن يتحدثن فيما بينهن براحة أكثر ثم يعود ، لكن فاتن أخذت تودع صديقتها الجديدة ونهضت بسرعة هامسة له بقولها :
- سأذهب معك يا فارس ..
فوجئت بيد فارس التي وضعها على كتفها ليجلسها ثانية على كرسيها الخشبي وهو يبتسم ويقول بصوت منخفض كي لا تسمع من تجلس بجانبها :
- لا يا فاتن ابقي هنا فصديقتك الجديدة تتطلع لمعرفة المزيد عنك كما أنها ستشعر بالحزن إن ذهبتي الآن..
نظرت إليه بحزن وشعرت بأن هذه المرة هي آخر مرة ستقابله ، طريقة وداعه أشعرتها بالخوف والقلق ، ضمت يدها إلى صدرها لتقول بتوتر :
- ل..لكن يا..فارس أنا....
قاطعها قائلا :
- سأعود لا تقلقي ..
ابتسمت بحزن وقالت بأعين بدأت الدموع بالتجمع فيها :
- عدني إذا ..
اقترب منها وضرب جبينها بأنامله فتأوهت من الألم واخذ يضحك عليها ليستدير ويذهب لولا تلك الأنامل الناعمة المرتجفة التي أمسكت بمعطفه لتوقفه ، التفت إليها ونظر إلى عينيها المعلقتين به الدامعتين القلقتين التي كانت تنطق وترجوه قائله لا تذهب وتتركني لوحدي مجددا ، شعر بحجم الألم الذي تسبب به عند مغادرته واختفائه لمدة لا تقل عن الثلاث أشهر وعلم حينها كمية المعاناة التي عانتها فاتن حينها لوحدها وبعد موت والدتها وحريق منزلهم كم كانت تشعر بالخوف والوحدة لكنه لم يغب عنها كل تلك المدة وينقطع إلا انه كان يريد حمايتها من الضابط طلال الذي بات يسرق منه كل ما يحب ويهدده حتى بها ، لم يستطع حينها إلا إرسال ظرف سرا يحتوي على مفاتيح منزله ورسالة قصيرة جدا يخبرها فيها أن تعيش في منزله إلى حين عودته ، لكن بعد وفاة خالته عزم أمره وقرر العودة إليها عله يتخلص من كل هذا الكم من العناء ، ابتسم ابتسامته الحانية التي تطمئن كل من رآها وكأنه يقول لها ثقي بي فأنا لن أتركك مجددا ، فأرخت قبضتها وأبعدت أناملها وطلبت منه برجاء منكسر أن يعتني بنفسه ، أومأ موافقا ثم استدار ورفع يده مودعا إياها ليختفي بين كل تلك الحشود ، ظلت تراقبه بنظراتها القلقة إلى أن اختفى من أمام ناظريها لتتنهد بأسى وقلة حيلة ، سألتها تلك الشابة الشقراء التي تجلس بجانبها بقولها بحماس شديد :
- هيه فاتن من يكون ذلك الشاب الذي كان يجلس بجانبك يبدو بأنك تهتمين لأمره كثيرا ..؟!!
توردت وجنتيها ورفعت يدها اليمنى واضعة أناملها على خدها كحركة اعتادت فعلها لتخفف من حرجها الشديد الذي شعرت به حينها فقد تفاجأت بسؤالها كثيرا ثم ابتسمت بخجل وقالت :
- انه ......
لكنها لم تكمل حين صرخت تلك الفتاة بفرح وقالت وهي ترمق أنامل يد فاتن التي تزينت بحلقة ذهبية :
- اااااااه لم انتبه لخاتم الزواج في يدك ،، ااااه كم أنتِ محظوووظة ..
رمقتها فاتن بنظرة بريئة متسائلة :
- وما الذي جعلك تقولين هذا .. ؟!!
ابتسمت وقالت بحالمية :
- انه شاب لطيف جدا فهو لم يقاطع حديثنا منذ أن بدأنا بل كان يبتسم لرؤيتك تبتسمين ويبدو في غاية الوسامة كما يبدو بأنه مقاتل ماهر بناء على هيئته الجسدية ..
أومأت فاتن بالإجاب على كل كلمة قالتها تلك الفتاة بوجه قد احمر خجلا لتضحك الأخرى وتقول بمرح :
- لقد أحسنتي الاختيار يا فاتن فهو يبدو كزوج مثالي لفتاة جميلة ورقيقة مثلك ..
أخذت تضحك بقوة مما جعل الناس في ذلك المتجر ينظرون إليها باستغراب وهي تشير بإصبعها على فاتن التي احمر وجهها وأصبح كحبة طماطم لتشاركها الأخرى بالضحك متمنية بأن تلتقي بالشخص المناسب لها في أسرع وقت وأكملا سرد قصصهما وأحاديثهما الطويلة وكأن كل واحدة منهما قد وجدت توأم روحها .

*****

دخل فارس بين حشود الناس مغطيا نصف وجهه بوشاحه الرمادي كي لا يتعرف عليه احد ، اخذ يجوب بعينيه في جميع الأرجاء باحثا عن أي شخص مريب للشك فقد أحس حينها بأنه كان مراقب من قبل احدهم كما يبدو بأنه ذو خبرة ليست بالكثيرة مما سيسهل عليه أجاده لكن أين بين كل تلك الحشود ؟؟ اخذ يمشي بخطوات كسولة بين العامة يترقب لأي حركة مثيرة للشك يتجول بنظراته المتفحصة ليجد رجلان يرتديان ملابس غريبة يبدو بأنهم ليسوا من نفس المنطقة يقفان خلف احد الأعمدة الخشبية لأحد المتاجر هناك التي كانت تُزين بالأقمشة وبعض الزينات مقابل تماما للمطعم الصغير الذي كانوا يجلسون ويتناولون طعامهم فيه ، جلس على احد الصناديق الخشبية المرمية بعشوائية جانبا بكسل مدعيا الامبالاة بينما عيناه لم تكف عن تفحص الشخصان وحركاتهما بالكامل كما انه تأكد من وجود أسلحة معهم لكن يبدو بأنهم لا يعرفون كيف يستخدمونها جيدا ، بعد عدة دقائق ابتسم ساخرا من حالتهما المثيرة للشفقة لقد علم تماما أنهم ذوي خبرة قتالية تقارب الصفر فلن يصعب على رئيس جماعة قراصنة الموت أن يفوت حركاتهم الغير مدروسة ، لكن من أرسلهم يا ترى ؟! ومن يراقبون ؟! فمنذ أن ترك مقعده إلى الآن هما لم يكفا عن التهامس فيما بينهم موجهين نظرهما إلى ذلك المطعم كما أنهما لم يلحظا وجوده ومراقبته لهما ، نظر إلى تلك الطاولة الخشبية التي كانوا ينظرون إليها وعلم عندها انه لم يكن هو المراقب ، أغمض عينيه وتنهد بقليل من الاطمئنان لكنه سرعان ما أعاد النظر إلى أعينهم لعله يستطيع أن يحدد الشخص المستهدف فأخذ ينقل بصره مره نحوهما ومره نحو تلك الطاولة الخشبية ، فشحب وجهه واتسعت عينيه بصدمة ودهشة وتساءل في نفسه قائلا بخوف بدا في نبرته :
- أهما يراقبان فاتن .. ؟؟؟
عاد ينظر إلى حيث فاتن جالسه تتحدث مع صديقتها الجديدة بمرح ، ماذا هل أرسلهم الضابط طلال للتخلص منها ؟! لكن الضابط طلال لم ولن يرسل أحدا من قبل بهذا الضعف إذا هل هما يدعيان الغباء والبلاهة في تصرفاتهما أم ماذا ؟! اخذ يفكر بعمق وقد شحب وجهه بالكامل أيعقل بأن الضابط طلال علم بغيابه ؟! صحيح فهو غائب عن المسكر لمدة يومان لكنه واثق من أن وسام غطا غيابه فقد اعتمد عليه ووسام لم يفشل في أي مهمة من قبل إذا هذا الاحتمال مستبعد إذا م... توقف عن كل هذه التساؤلات والأفكار المرعبة التي تقفز الواحدة تلو الأخرى في رأسه عندما رأى تلك السيدة الأربعينية صاحبة المطعم التي كانت تعد الطعام وتقدمه لكل من وفد إليها رآها تخرج من باب خلفي تنظر يمينا ويسارا تترقب شيء ما أو ربما تنتظر أحدا ما وملامح القلق بادية على وجهها تضم كلتا يديها بقلق ، قطب حاجبيه بعدم الاستيعاب هل يعقل بأنهم يراقبون تلك السيدة ؟! أخذت السيدة تروح وتجيء خلف المطعم ثم تنهدت بقلة حيلة وعادت إلى داخل المطعم ، اخذ ينظر إلى الشابان هناك ويبدو بأنهم سعداء فملامح السعادة والخبث والانتصار كانت ظاهرة عليهم ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى نهض بكسل وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة فكما يبدو بأنه علم كل شيء حولهم ، توجهه نحو الشابان وقال لهم بكسل وهو يتثاءب ويضع يده على فمه :
- هييه يا شباب أنا أحذركم من الاقتراب من ذلك المطعم وبالأخص تلك السيدة التي تبيع هناك هل هذا مفهوم..
انتفض الشابان رعبا وهما ينظران إليه بدهشة كيف لهذا الشخص أن يتواجد خلفهما وهما لم يسمعا آثار أقدامه ولم يشعرا بوجوده ، هَمّ فارس بالمغادرة لولا ذلك الشاب الذي صرخ بأعلى صوته قائلا بغضب :
- وما شأنك أيها الأحمق ومن تكون أنت يا هذا .. ؟!!
توقف فارس عن السير وهو يعطيهم ظهره ليقول بكسل وبرود :
- لا شأن لك أنا فقط جئت لكي أحذرك ..
اخذ يضحكان بسخرية ويقولان :
- أنت لا تعرف مع من تتحدث فنحن.....
رمقهم بنظرة مخيفة أخرستهما فأبتلعا ريقهما بصعوبة واخرجوا أسلحتهم يشيرون بها على فارس لتخويفه وتهديده مطلقين بعض الشتائم البذيئة ، وبحركة سريعة سحب فارس يد احدهم ولفها خلف ظهره ضاغطا عليها ليجثو على ركبتيه غير قادر على الحركة ، شعر بأن يده سوف تنكسر في أي لحظه فأخذ يصرخ متألما محاولا أن يفلت يده من قبضة فارس أما الآخر فكان يحدق بدهشة غير مستوعب لما حصل ، كيف له أن يتحرك بهذه الرشاقة وهذه السرعة !! وكيف سحب السكين من يد صاحبه دون علمه ولف له ذراعه بكل سهولة !! من يكون هذا الشخص انه ليس عادي من يكون بالضبط ؟! استفاق من شروده عندما تحدث فارس إليه ببرود قائلا :
- هييه يا أنت لا تنظر إلي بهذه النظرات الغبية ..
احمر وجهه غضبا كيف له بأن يسخر منه هكذا احكم قبضته ممسكا بسكينه الحادة وركض بسرعة متوجها نحو فارس وهو يصرخ بغضب شديد :
- مت يا هذا ...
لكن فارس ابتسم ابتسامة ساخرة وما إن اقترب منه يريد طعنه بالسكين حتى وجه إليه ركلة قوية بركبته في معدته مما جعله يسقط أرضا متألما ممسكا على معدته ويطلق آهات متألمة عديدة بينما كان فارس لا يزال يحكم قبضته على يد صاحبه ذاك ، تنهد بضجر وأرخى قبضته على يد ذلك المغرور قبل أن يكسرها له ثم نفض الغبار عن سترته وعدلها ببرود شديد وكأن شيء لم يحدث ، نظر إليهما وهما يتقلبان من الألم ، فكيف لشخص واحد غير مسلح بأن يسقط رجلين مسلحين ؟! قال فارس وهو يعطيهم ظهره متوجها إلى حيث تجلس فاتن :
- أحذركم للمرة الثانية من الاقتراب من تلك السيدة أما التحذير الثالث فصدقوني بأنكم لن تنجوا منه ..
شهق الاثنان برعب واخذ كل منهما يساند الآخر على النهوض والهروب بعيدا ، لقد علموا حينها أنهم نجوا منه بأعجوبة فكما بدا لهما انه لم ولن يتردد بقتلهما كما قررا بأن يتركوا تهديدهم لتلك السيدة والنجاة بحياتهم .
ابتسم فارس والحزن بادٍ على ملامحه الوسيمة كم كان يتمنى بأن يحمي أسرته كما فعل لتلك السيدة الآن ، كم كان يتمنى بأنه على الأقل حمى خالته من ذلك القاتل المأجور، كم تمنى بأن يهرب بعيدا عن عالمه المؤلم والعيش بسلام كم وكم ، وكم يتمنى بأن يكون احد هؤلاء العامة لا احد ينظر إليه ولا احد يستعمله كيفما يشاء وقتما يشاء أينما يريد وبالذي يريد ، ألا يستطيع التخلص من كل هذه القيود التي تعيق حركته وحريته !! إلا يستطيع أن يهرب بعيدا !! لكن إلى متى سيستمر هذا إلى متى ؟! أنهى أفكاره التي أثقلت كاهله وكبتها في صدره لمده طويلة بإطلاق ااههه موجوعة متألمة ، ليغير ملامحه سريعا من الحزن إلى الهدوء عندما رأى فاتن تقفز من على كرسيها راكضة ومتوجهة نحوه بابتسامة عريضة مليئة بالفرح وهي تصرخ به قائلة :
- فااااارس ..
أمال رأسه وابتسم لها وقال بمرح :
- أسمعك يا فاتن لا داعي للصراخ ..
ابتسمت بسعادة وقد تجمعت الدموع في عيناها العسليتين لقد ظنت بأنها لن تراه مجددا لكنه يقف الآن أمامها كم شعرت بالسعادة تسري في جميع عروقها كمجرى الدم فهي لن تفقد أحدا مجددا أو بالأحرى لن تفقد الشخص الوحيد الذي تبقى لها من أسرتها كاملة ، قالت بينما كانت تحاول جاهدة بأن تحبس دموعها وتمنعها من الانهمار مجددا :
- لقد تأخرت كثيرا لقد قلقت عليك ..
رفع يده ليخلل خصلات شعره الأسود بأنامله بطريقة جذابة وهو يقول بابتسامة لطيفة :
- هل غبت كل هذه المدة وأنا لا اعلم .. ؟!!
أشاحت بوجهها بعيدا لتأخذ أكبر كمية هواء ممكنة وتدخلها إلى رئتها وهي تضم كلتا يداها إلى صدرها بقوة فقد فقدت السيطرة على نبضات قلبها التي أخذت تقرع كالطبول في صدرها لم تكن تعلم ما الذي جرى لنبضاتها بالضبط أهي
سعيدة أم خائفة أم قلقة أم..... لكن كل تلك المشاعر التي تضاربت بصدرها وظهرت على دقات قلبها توقفت عندما أحست بأنامل يدي فارس الدافئة التي وضعت على كتفيها ذلك المعطف الجلدي الأسود الدافئ الخاص به ، استدارت نحوه بنظرات مندهشة ومصدومة لتجده يبتسم بلطف ويقول لها بابتسامة حانية :
- الجو بارد يا فاتن وأخاف أن يصيبك الرشح ..
لم تستطع بأن تحبس دموعها أكثر ولا شهقاتها الصغيرة فخانتها لتسقط على وجنتيها المتوردين خجلا وقالت بصوت مبحوح :
- أشكرك يا فارس ..
قال متسائلا وهو يرمق الطاولة خلفها والتي كانت تجلس عليها :
- إذا يا فاتن هل أكلتي جيدا .. ؟!!
أومأت برأسها إيجابا فتنهد بفرح وانحنى ليهمس في أذنها وقال بمشاغبة طفولية :
- إذا ما رأيك ببعض الحلوى .. ؟!!
رفعت يدها ووضعتها على فمها وأخذت تضحك على تلك النبرة الطفولية فبالرغم من أن فارس أصبح رجلا إلا انه لا يزال يحب الحلوى كما كانوا صغارا لتقول بين ضحكاتها الخجولة :
- أنت لم تتغير يا فارسي ..
رفع حاجبه مستنكرا لقولها واخذ يحك رأسه بأنامله بانزعاج وقال بقليل من الغضب :
- ماذا ألا تريدين ؟؟ حسنا ، حسنا حتى أنا لا أريد فكما كانت تقول جدتي الحلوى ......
لتكمل فاتن معه جملته بمرح ويقولان في نفس الوقت ملحنين كلماتهم :
- الحلوى هي عدوة الأسنان ،، على مدى الأزمان ،، تدخلها إلى فمك بسعادة ،، بينما هي تضحك عليك بوقاحة ،، تظن بأنك فقط ستأكلها ،، لكنها تقوم بفعلتها ،، تسرق النوم من عينك ،، لكي تزيد من همك ،، تجعلك تتألم بشدة ،، وأنت لا تدري ما العلّة ..
بعد أن انهيا نشيدهما الطفولي أطلقا ضحكات تنبع من القلب غطت على تلك البقعة المتواجدين فيها فقد مر وقت طويل على ضحكهم بعفوية ، امسك كل منهما على معدته من شدة الضحك بينما تكونت طبقة رقيقة من الدموع في عيني فاتن ، قالت بنبرة ضاحكة وهي تمسح دموعها بأناملها :
- يا الهي لا نزال نحفظ ذاك النشيد الأحمق ..
أومأ فارس بالإيجاب فهو لم يستطع التحدث والسيطرة على ضحكاته حتى تنهد في الأخير مبتسما فلقد ظن بأنه لن يتوقف عن الضحك أبدا ثم استأذن من فاتن للذهاب وشراء الحلوى لوحت له بيدها مودعة له لكنها أخذت تسير خلفه بشغب وهي لا تزال تضحك بخفوت ، تقدم فارس عند تلك البائعة وطلب منها بعض الحلوى التي اختارتها فاتن على ذوقها بعد محاولات عديدة من فارس يجبرها فيها على الاختيار، قدّم فارس لها المال واخذ منها الكيس الذي ملأته فاتن بشتى أنواع الحلوى ، مدّ بالكيس لها لتجذبه وتضمه إلى صدرها بفرح ، همّا بالمغادرة لولا قول تلك السيدة بقليل من التوتر :
- س..سيدي م..من فضلك ....
توقف فارس واستدار ناحيتها وقال باستغراب :
- ماذا تريدين .. ؟!!
أخذت تنظر في جميع الاتجاهات بنظرات قلقة لا تعرف كيف تبدأ بالكلام لكنها أخيرا نظرت إليه بتوتر وقالت هامسة له لكي لا تسمع فاتن ماذا تقول :
- اعلم بأنك قمت بإبعاد من كان يهددني عن هذا المطعم أنا أشكرك حقا ، اقصد بأنني لا اعلم كيف أشكرك فقد كانا يؤرقاني طوال الوقت ..
صمتت لوهلة وأنزلت نظرها ثم أكملت قائلة :
- أريد مكافأتك أرجوك اطلب أي شيء مني وأنا أعدك بأنني سأبذل قصارى جهدي لأفعله لأجلك ..
نظر إليها بإعجاب كيف لاحظته !! وكيف علمت بأنه هو نفس الشاب ذاك الذي أبعدهم عن مراقبتها فقد كان مغطيا ملامح وجهه بشاله كيف علمت إذا ؟! لابد من أن هذه السيدة ليست سيدة عادية تبيع في المطعم فقط ، لابد من أنها شخص ذو خبرة عالية وشديدة الملاحظة أيضا ، رفع حاجبيه بدهشة من ملاحظتها له فقال بابتسامة :
- لا تقلقي كما انك لا يجب أن تشكريني فأنا لم افعل شيء ..
أومأت برأسها نفيا وأصرت على إلا أن تقدم له شيء ولو كان بسيطا مكافأة على صنيعه الجميل لها ، وبعد محاولات كثيرة فاشلة من فارس لإقناع تلك السيدة بأن تنسى الأمر تنهد ورفع كتفيه باستسلام وبقلة حيلة ، ثم صمت لوهلة فتح فمه أراد أن ينطق بشيء لكنه قرر أن يصمت ويستدير ليوجه نظره نحو فاتن التي كانت تسترق النظر بسعادة داخل الكيس الذي امتلأ بالحلوى بابتسامة عريضة فابتسم فارس ثم أعاد النظر لتلك السيدة التي تنظر إليه وتنتظر بفراغ صبر أي شيء يطلبه وقد ارتسمت على ملامحها الجدية التامة في تنفيذها لأي شيء يطلبه منها ، ابتسم بخفوت وقال بنبرة لطيفة وحزينة :
- تلك الفتاة خلفي ..
وجهه نظره مجددا إلى فاتن وأكمل قائلا :
- لن استطيع أن أكون بجانبها دائما يجب عليّ أن ارحل فهل اعتنيتِ بها لأجلي ..
اخفض رأسه وتنهد بألم ليسمع ردها عليه وهي تقول بحماس شديد وبجدية كبيرة :
- لك ما تريد أيها الشجاع سأعتني بها إلى حين عودتك ..
رفع رأسه ورمقها بنظرات متألمة لكنها شاكرة لها فلقد خانه التعبير عجز عن النطق أي كلمات تعبر عن ما في جوفه الآن ، كم يشعر بالسعادة بأن سيدة طيبة وسريعة البديهة مثلها ستقوم بالاعتناء بفاتن ، لقد ظن حينها بأنه لم يعد يستطع حمايتها بعد اليوم لكن بظهور هذه السيدة المفاجئ قد أعاد إليه الأمل وبدأت أحلامه وتصوراته للمستقبل الذي يريده تعاود الظهور بعد أن تلاشت بالكامل من مخيلته ، اخفض رأسه وقال بنبرة امتزجت فيها كل كلمة قالها بجزيل الشكر والامتنان لها ليقول بتعب عاجز عن التعبير بشكل جيد :
- أي صنيع هذا !! ، أنا لن أنساه لك ما حييت ..
ابتسمت وطلبت منه أن يعتمد عليها أومأ برأسه إيجابا واستدار ليمشي بخطوات كسولة نحو فاتن وهو يرفع يده مودعا إياها .









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 27-01-20, 09:13 AM   #15

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل العاشر ..
.
.

[ الوداع الأخير ]
.
.

تسير بخطوات مرحة ، تغمرها السعادة ، قلبها يخفق بشدة ، بفستانها الكحلي الطويل مرتديه معطفا جلديا أسود كبير لا يبدو انه لها كما انه يبدو رجوليا بهيئته تلك ، تضم كيس الحلوى إلى صدرها وكأنها طفلة ، ذات شعر حريري طويل انسدل على ظهرها ليغطيه بالكامل وخصلات انسدلت على كتفيها بعشوائية لتزيدها جمالا ، عينان واسعتان عسليتان نقيتان كنقاء العسل ، ارتسمت على وجهها أحلى ابتسامة ، ابتسامة نابعة من الأعماق ، فتاة عشرينية لكن بهيئتها تلك و مشيتها وضحكتها وحركاتها تدل عل أنها لا زالت طفلة لم تبلغ العاشرة ، مليئة بالحيوية والنشاط تكون بتلك الحالة دائما وفقط عندما يرافقها ذلك الشاب طويل القامة قوي البنية ذو الشعر الأسود بعينين داكنتين كالليل ووجه شاحب قليلا فكما يبدو بأنه لم يأخذ كفايته من النوم في الآونة الأخيرة مرتديا قميص وبنطال أسودان اللون بوشاح رمادي التف حول عنقه ترتسم على شفتيه ابتسامته الحانية اللطيفة كلما رأى تلك الفتاة سعيدة تمشي بجانبه ، قال لها :
- فاتن عندي مكان أريد أن اريك إياه ما رأيك .. ؟!!
نظرت إليه بفرح وأومأت سريعا بالإيجاب، بدا أنها متحمسة جدا وتتطلع لذلك المكان بفارغ الصبر لكن في الحقيقة لم يكن يهمها المكان بقدر أن فارس سيبقى معها لمدة أطول فلم تكن تمانع إلى أي مكان يذهبان إليه ثم قال لها هامسا في أذنها بعد أن انحنى ناحيتها قليلا :
- انه مكاني السري ..
رمقته بنظرة مستغربة ورمشت عدة مرات غير مستوعبه ما قال لم تكن تعلم ما الذي يجب عليها قوله أو بالأحرى لم تفهم ماذا كان يقصد ، أيقصد بأنه سيطلعها على إحدى أسراره الخاصة ؟! أم انه فقط يريد أن يريها إياه ؟! لكن ....
امسك بيدها مبتسما قاطعا لتساؤلاتها يجذبها بقوة يجرها خلفه يركض بمرح بأقصى سرعة ، فشهقت بصدمة من سحبه لها وأخذت تلتقط أنفاسها بصعوبة تركض بخطوات متعثرة غير متوازنة تحاول جاهدة مجاراة خطواته السريعة لكنه كان اسبق فصرخت بغضب بنفس متقطع :
- فااارس.. توقف.. سأسقط ..
توقف فجأة وهو يحدق بالسماء بدهشة وسعادة وكما يبدو بأنه لم يسمع ما قالته للتو لترتطم بظهره بقوة وتسقط على الأرض تطلق آهات متألمة ، التفت إليها يرمقها باستغراب وقال بذهول متسائلا ما الذي أوقعها :
- ما بك يا فاتن .. ؟!!
رفعت حاجبها الأيمن ورمقته بنظرة معاتبة غير راضية عما فعله بها وقالت بسخرية وهي تمسد جبينها بألم :
- لا شيء يا عزيزي كلما في الأمر أن حماسك الشديد كاد أن يوقع بي الأذى وكما ترى فقد تحطم جبيني بسببك ..
انحنى ومد يده إليها لكي يساعدها على النهوض بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة مشاغبة معتذر لها غير مدرك ما الذي فعله بالضبط ، امسك بيدها فنهضت ولازالت ملامح الألم بادية في وجهها فقال بسعادة :
- أنا آسف يا فاتن لكنني كنت سعيدا جدا بأن مكاني السري أصبح منذ هذه اللحظة مكاننا السري أنا وأنت فقط ..
اتسعت عيناها بدهشة وقالت بخجل :
- ا..أشكرك .. يا فارس ..
ابتسم وقال :
- وأيضا سوف نتقابل كل أسبوع هنا ما رأيك .. ؟!!
شهقت بسعادة محركة رأسها بصورة طفولية إيجابا على ما قاله والسعادة تغمر قلبها ، نعم هذا ما كانت تريده بالضبط أن تقابل فارس دائما ولا يغيب عن نظرها كما فعل سابقا ،علمت حينها أنها لن تعود وحيدة كما كانت فابتسمت وقالت بامتنان خجول :
- أشكرك يا فارس أنا أشكرك حقا ..
بادلها نفس الابتسامة واخذ يسير متوجها لتلك الأغصان الكثيرة الملتفة والأشجار الكثيفة وهي تتبعه بهدوء ، ابعد فارس تلك الأغصان بأنامل يديه وقال بسعادة :
- لقد وصلنا يا فاتن ..
ارتعشت أطرافها وقالت بخوف ظهر بين حروف كلماتها :
- فارس أنا لا أكاد أرى شيئا فالظلام حالك ..
رمقها بنظرة باردة ورفع حاجباه ساخرا وابتسم بمكر ثم قال :
- نعم هذا ما أريده ..
زمت شفتيها وقطبت حاجبيها بانزعاج مما زاد تلك الملامح الفاتنة جمال أكثر فأبتسم بحب أتبعها بضحكة صغيرة يرمقها بنظراته الحانية وهو يهدئها ويطمئنها بأن كل شيء على ما يرام مادام بجانبها إلى أن دخلوا بين تلك الأشجار الكثيفة ووصلوا إلى مبتغاهم ثم قال ونظره يجوب في الآفاق :
- اجلسي هنا ..
جلست بهدوء وقلة حيلة محاولة عدم إظهار خوفها الشديد من الظلمة ، جلس فارس بجانبها باسما وقال :
- ما هي إلا ثوان حتى تعتاد عيناك على الظلام وترين أجمل منظر في حياتك ..
رمشت عدة مرات فهي بحق لا ترى شيئا زمت شفتيها بضيق وأسندت رأسها على كفها بقلة حيلة تحاول جاهده بأن ترى شيئا فلم تستطع فتنهدت بأسى وأغمضت عيناها ، كم تخشى أنه يخدعها ويسخر منها فقط ، عدة دقائق مضت قبل أن يقول فارس :
- فاتن ما رأيك أن نأكل الحلوى الآن .. ؟!!
فتحت عيناها بضجر لترمش عدة مرات بدهشة ففتحت عيناها العسليتان على وسعها بذهول كبير ودهشة أي منظر خلاب هذا ؟! العشب يفترش تحتهم كالفراش الناعم وحولهم تنتشر أنواع من الزهور ذات الرائحة الزكية والألوان البهية ناهيك عن منظر السماء التي تزينت بتلك النجوم التي بدت كالمصابيح تزين السماء التي امتزج فيها اللون الأسود والكحلي باللون البنفسجي الجميل ليتوسط تلك السماء التي بدت كرسمة ذات ألوان بهية قمر كاد أن يضيء الكون كله بضوئه ، نسمات الليل العليلة تزيد الجو لطفا ، نغمات الطبيعة تسحر كل من سمعها صوت خرير ماء فكما يبدو بأن نهر يجري قريبا منهم وصوت تحرك أوراق الشجر لتختلط كل تلك الأصوات والنغمات والأضواء لتعطي ذلك المكان جوا هادئا رومانسيا ينسيك كل شيء ، بقيت على حالتها شاردة تتأمل جمال الطبيعة التي قد وقعت في سحرها ولم تستطع أن تخفي ملامح الدهشة والإعجاب بما تراه ، ابتسمت وأخذت تضحك بخفة وتمتمت لنفسها بقولها بنبرة ناعمة :
- ياااه كم يبدو المنظر مثيرا ..
فتحت فمها لتقول شيء ما في حين التفتت إلى فارس لتشهق شهقة صغيرة من صدمتها في حين احمر وجهها خجلا فتلعثمت في كلامها ونسيت ما أرادت أن تقول فأطبقت فمها ثم سرعان ما فتحته مجددا لتقول بغضب خجول :
- م..ماذا هناك يا فارس لماذا تحدق بي هكذا .. ؟!!
لتنطلق ضحكته التي كسرت سكون المكان لعلوها ، كم يعشق ملامحها الخجولة والفاتنة كما البريئة فقال بين ضحكاته :
- الم أخبرك بأن المكان جميل جدا ..
أشاحت بوجهها بعيدا عنه وقالت بخجل :
- صحيح انه أجمل منظر شاهدته في حياتي ..
ابتعدت عنه قليلا وشغلت نفسها بإخراج كيس الحلوى تتجنب النظر إليه وإلى عينيه التي لطالما عشقت النظر إليها ، مدت إليه بكيس الحلوى ليلتقطه ولكنه فاجأها بأن امسك بمعصمها بدل الكيس جاذبا إياها نحوه فشهقت بخوف شهقة لم تتعدى مستوى سمعها لكنها بدت واضحة للذي لا يزال يمسك بمعصمها نظرت إليه بتوتر كم فاجأها سحبه لها حتى أصبحت ملاصقه له فابتسم بمكر وهو يرمقها بنظرات لم تفهمها قائلا :
- ماذا بك ؟؟ .. لماذا خفتي ..؟؟
شتت نظرها تنظر في كل شيء حولها عداه ولم تستطع أن ترد على سؤاله فما الذي يمكنها قوله ؟؟ خفت منك !! كم ستبدو حينها سخيفة وساذجة ، لم تستطع التحكم بنبضات قلبها التي ارتفعت حتى خُيل لها انه يسمعها لشدة خفقانها عندما حوط كتفيها بذراعه بعد أن طال صمتها فقال بهمس هادئ لم يستطع إخفاء الحزن منه :
- سأعود للمعسكر غدا صباحا ..
نظرت إليه بسرعة بعينان سرعان ما امتلأت بالدموع عندما رأته ينظر للبعيد بشرود حزين ، لماذا يسرقون منها سعادتها وفرحتها دائما ؟! لماذا يقتلونها بالبطيء بإبعاد فارس عنها ؟! ألا يعلمون انه يشكل لها كل معاني الأمان والسعادة ؟! ألا يعلمون بأنها لا تستطيع الابتعاد عنه ؟! إذا لماذا يفعلون ذلك بها هي لم تطلب الكثير فقط تريد أن يكون معها وهي تكون معه أهو أمر صعب أم مستحيل ؟! ، تساقطت دموعها تباعا لم تعد تستطيع حبسها أكثر مدركة تماما شيئا واحدا حاولت بشدة نكرانه في السابق أن فارس لن يكون بقربها دائما ولن يعيشا معا كزوجين دون أن يحيل بينهما أي حائل إلا بمعجزة تخرجه من المعسكر الذي لطالما أكنت له جميع مشاعر الكره والحقد لسرقته لفارسها وفارس أحلامها منها وكم تنتظر هذه المعجزة أن تحل بهم قريبا وقريبا جدا ، امتدت يده ماسحا لدموعها بظهر أنامله الطويلة بخفة يستشعر مدى حزنها ومعاناتها عندما يبتعد عنها ولكنه يحاول جاهدا بأن يغير ما حوله يسعى ويخطط ليخرج بالحلول التي تكون بأقل الخسائر لأنه يعلم بأنه يتعامل مع من هم أقوى سلطة منه وأعلى مكانه والاهم من ذلك أنهم يحصلون على ما يريدون ولو دفعوا بذلك حياة الآخرين للهاوية ، بكت بنحيب موجع حين رأت عيناه المعلقتان بعيناها ونظرة الحزن لا تخفى عليها علمت حينها انه الوداع الأخير فارتفعت شهقاتها الصغيرة المكتومة فدفنت وجهها بين كفيها ليس لديها القدرة على التوقف عن البكاء أبدا ، شعر بالألم يجتاح صدره من رؤيته لدموعها فجذبها نحوه مقبلا رأسها يضمها بين ذراعيه يزيد من شدها نحوه وكأنه سيدخلها في صدره في حركة فهمت منها انه لن يتركها ويتخلى عنها مجددا وهذا ما كان يريد أن يخبرها به فعلا ، قبل رأسها مرة أخرى وهو يهمس لها قائلا :
- اششش يكفي بكاء يا فاتن يكفي ، أرجوك ارحميني ..
أبعدت كفيها عن وجهها تمسح دموعها ورأسها لازال للأسفل فتنهد تنهيدة عميقة خرجت من عمق روحه وقال بهدوء وعيناه تهيم في السماء الواسعة :
- اقسم بأنني لن أتخلى عنك حتى لو كان في ذلك موتي ..
- لا تذكر الموت أمامي يا فارس أرجوك ..
قالتها باندفاع قوي وسريع من بين شهقاتها وهي لا تزال سجينه ذراعه المحوطه لكتفيها فابتسم لها بحب وقال :
- حسنا حسنا لن اذكره مجددا لكن توقفي عن البكاء وارحميني يا فاتنتي ..
ابتسمت بخجل من بين دموعها عندما سمعته يناديها بفاتنته وأومأت له برأسها إيجابا فهي لا تزال تحت تأثير بكائها المجنون ذاك ، أرخى ذراعه عن كتفيها لترتفع يده إلى رأسها يربت عليه بخفة وحنان قبل أن يبعثره لها بمشاكسة جعلتها تنظر إليه بحنق فقالت ببحة بكاء وهي تحاول إبعاد يده عن رأسها بانزعاج :
- فارس ابتعد ، هيا ابعد يدك ألا تسمع ..
ابتسم لها وقال بضيق مصطنع ناظرا إلى عيناها العسليتان المجهدتان من كثر البكاء :
- أعطني من الحلوى ولا تأكليها لوحدك يا ظالمة ..
غلبتها ضحكة لم تتوقعها هي بنفسها خصوصا في هذا الوقت فمن يرى فارس وحركاته الطفولية التي لازالت تسيطر عليه وعلى أفعاله كما أقواله لا يصدق أبدا بأنه من امهر اللصوص وعضو في اخطر عصابة ومن الجنود الماهرين المكلفين بمهام مختلفة فقالت بابتسامة بريئة :
- أنت ألا تكبر أبدا ..؟!!
ضيق حاجبيه بضيق غزى ملامحه الوسيمة واضعا يديه وسط جسده وقال بعد أن ابتسم ساخرا يرمقها بمكر :
- ليس من صالحك أن اكبر والآن بالذات فسوف تندمين بالتأكيد ..
شهقت بصدمة كادت روحها أن تخرج معها من مقصده وسرعان ما احمرت وجنتيها ونهضت بسرعة في محاولة الهرب والابتعاد عنه لكن يده كانت اسبق لها فجذبها لتجلس على الأرض مجددا فقالت بغضب وهي تشيح بوجهها عنه في محاولة أن تبتعد عنه :
- ابتعد عني يا وقح ..
فلم تكن له القدرة أبدا على كبح نوبة الضحك التي سيطرت عليه ودوى صدى صوتها في الأرجاء وقال مبتسما بعد أن أوقف ضحكاته المجنونة التي أصابته ينظر للتي كانت تنظر إليه بغضب على ضحكته التي ترى بأنه يسخر منها ليس إلا :
- لقد جنيتي على نفسك لم أكن أريد ذلك .. كما أني خطيبك وقريبا زوجك إن نسيتِ ذلك ..
زمت شفتيها بغضب ورمقته بنظرة نارية كادت تحرقه وهو جالس في مكانه ولم تتحدث ولا بكلمة فقال مبتسما :
- هيا هيا أنا جائع وأريد الحلوى ..
فابتسمت له بخفوت خجول ومدته له ، التقطه واضعا إياه بينهما وضمت فاتن ركبتيها بذراعيها تتلذذ بطعم الحلوى في فمها بوضوح بينما كان فارس يسند ذراعه على ركبته المنتصبة أمامه يبتسم لها ، يأكلان من حلواهم بسعادة متأملين جمال الطبيعة من حولهم بكل هدوء ليسيطر عليهم الصمت لا تسمع إلا صوت الطبيعة من حولك وفي لحظات هادئة وساكنة كم تمنا بأن تدوم للأبد إلى أن شعر فارس بثقل على كتفه ليرمق تلك الفاتنة التي سيطر النوم عليها وسرق متعتها بالتأمل والاسترخاء لتذهب إلى عالمها الخاص وتكمل نسج أحلامها بكل حرية دون قيود وتدخل أيا كان ، تنهد بقلة حيلة ثم ابتسم وهمس قائلا :
- سحقا أهذا وقت النوم يا فاتن ..؟!!











نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..




روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 30-01-20, 01:19 PM   #16

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي


.. الفصل الحادي عشر ..

.
.

[ بدء التحرك ]

.
.

يسير بهدوء واضعا يديه الباردتان في جيوب معطفه الرمادي في ذلك الرواق الطويل ذو الجدران الحجرية المظلم الذي لا تكاد الشمس تصل إليه ، ينظر في جميع الاتجاهات بعينيه الحادتين ، خصلات شعره البني تغطي جبينه ، علامات الضجر والغير مبالاة ظاهرة على ملامحه ، توقف أمام إحدى الأبواب الحديدية المنتشرة والمتراصة جنبا إلى جنب ، مد يده طارقا الباب ثلاث طرقات متتالية ثم ابعد يده ، انتظر ردا لكنه لم يسمع شيء فقطب حاجبيه بانزعاج واخذ يطرق ثلاث طرقات أخرى ليسمع أخيرا صوت الآخر الناعس المتضجر يقول بترجي :
- وسام أرجوك ارحمني قليلا من التمارين دعني أنام فالشمس لم تشرق بعد ..
تنهد بكل كره وقال بضيق :
- دعنا نتناول الفطور معا بسرعة ..
لم يكن وسام يريد ذلك فهو دائما ما يحب الابتعاد عن الكل بقدر المستطاع حتى في تناول الطعام فهو لم يشارك احد أبدا سوى فارس لكنه فعل ذلك لكي يغطي على غياب فارس ولكي يتفقد الأوضاع بين باقي الجنود أمثالهم المتواجدون في المعسكر فدائما ما يتناولون طعامهم في غرفة مخصصة لهم جميعا فيلقي نظرة عامة حولهم ليعلم كل ما يجري بينهم ، اخذ سيف يصرخ من داخل الغرفة بمرح ويقول :
- حاضر سيدي خمس دقائق وسوف اخرج لك ..
قال له ببرود وبنبرة تهكمية :
- ثلاث دقائق فقط وإلا ستعاقب ..
ارتعب سيف ليتخبط في غرفته فسمع وسام صوت حركاته الخائفة والمضطربة وصوت وقع أقدامه الغير مدروسة في أرجاء الغرفة وصوت باب الخزانة يفتح ويغلق بعشوائية ليضيق وسام عينيه بعدم رضا على أفعال سيف الطائشة لتتسع عينيه دهشة حين سمع صوت ارتطام شيء بالأرض لكنه لم يكن ذلك الصوت إلا صوت ارتطام جسد سيف الضعيف بالأرض ، اخذ يصرخ متألما ويقول :
- اااااخخخخخ حسنا ، حسنا سيدي ..
ابتسم وسام ساخرا فهذا الطفل لن يكبر أبدا ثم غادر بخطوات كسولة متوجها إلى غرفة الطعام ، فتح الباب بهدوء يخطو خطوات هادئة لا يسمع لها أي اثر داخل غرفة الطعام التي اكتظت بالرجال الأقوياء ، كانت تقاسيم وجوههم لا تبشر بالخير فهم نخبة من الجنود يعملون سرا لمصالح بعض المنافقين من الضباط مثل ذلك الطلال المخادع ، تتراوح أعمارهم مابين الثلاثين إلى الأربعين وقلما تجد شخصا في العشرين من عمره ، مفتولين العضلات ، طويلين القامة، ضخام البنية ، لا يعرفون الرحمة ، انتشرت على أجسامهم بعض النقوش والرسومات لتنانين وبعض أنواع الطيور وبعض الكتابات أيضا ، أصواتهم الخشنة ذات النبرات العالية غطت على المكان بالكامل ، ضحكات وسخريات وبعض الشتائم التي لم يتوقفوا عن نعت بعضهم البعض بها كما يوجد البعض منهم يتفاخر بجرائمه التي فعلها أمام أصدقائه ليُصفِروا له ويصفقوا بحماس ، خطا وسام بخفة وهدوء من بينهم وسحب صحنا حديديا يملأه بأنواع الطعام ، رغيف خبز وبعض قطع البيض والدجاج وأخيرا سلطة خضراوات مع عصير فاكهه كان الطعام مقسم على حسب قوة الشخص ودهاء فكره ومدى براعته في تنفيذ المهام فكانت جماعة قراصنة الموت لهم الأولوية في اختيار ما يشاءون من أفضل أنواع الطعام بقدر ما يشاءون مما جعل الجنود الباقين يمقتونهم بشدة ويكنون لهم الكره ، وما أن انتهى وسام من ملئ صحنه حتى انتبهوا له فسكت جميع الجنود في لحظة واحدة وعم صمت مخيف أرجاء الغرفة لا تسمع ألا همساتهم الساخرة وشتائمهم التي لا تكف ألسنتهم عن النطق بها يحدقون بوسام بنظرات استحقار ملؤها الكره والاستهزاء يتمنون تقطيعه إلى أشلاء صغيرة ورميه للكلاب لكي تأكله فهو المدعو بالذئب المتوحش والوحش الكل يهابه والكل يكرهه لذلك أعداؤه كثر ، رمقهم وسام بنظرة حادة وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة تهكمية ساخرة جدا ، أغمض عينيه بكبرياء ومشى من بينهم بكل ثقة وجلس على إحدى الطاولات الخشبية واضعا قدما على الأخرى بطريقة مستفزه ثم أشاح بوجهه لجهة الباب الذي فتح على مصراعيه ليظهر فتى بشعر أسود كما عينيه كما حال أغلب أبناء إمبراطورية البراكين الذين لم تختلط دمائهم بالغير، في الخامسة عشر من العمر والذي أصبح اصغر جندي واصغر رجل مهام أخذا اللقب الذي لطالما كان يدعى به وسام فوسام يكبره بثلاث سنوات فقط ، صرخ قائلا بسعادة وعيناه تجوبان المكان بحثا عن وسام :
- وسام أتمنى أنني لم أتأخ......
بتر جملته في حين اتسعت عيناه بذهول فالكل كان ينظر إليه بل يفترسونه بنظراتهم المميتة ، ابتلع ريقه بصعوبة من هول الموقف عليه ، تجبست أطرافه فنظراتهم فقط كانت كفيلة بقتل عشرات الرجال ، تسارعت نبضات قلبه عندما لمح احدهم يضحك بسخرية يخرج من بينهم متوجها ناحيته فكما يبدو بأنه يريد أن يفتعل شجارا عنيفا ويطرحه أرضا يفرغ كل الحقد والكره الذي في قلبه على جماعة قراصنة الموت في الذي يعتبر الحلقة الأضعف من السلسلة القوية والمترابطة لتلك الجماعة لكنه توقف حين سمع صفير دوى صدى صوته في الأرجاء جعلت العيون كلها تتجه ناحية مصدره ليروا تلك الابتسامة الساخرة لوسام في حين رفع يده ببطء في إشارة لسيف ليفهم الآخر بأن عليه التوجه نحوه بسرعة والجلوس جانبه تجنبا للمخاطر ، بعد خطوات متعثرة سريعة ونفس متقطع تنهد سيف بارتياح فلم يشعر بالأمان إلا عندما كان جالسا جانب وسام بكل هدوء ، قال وسام ببرود بينما كانت نبرة صوته الساخرة تعلو شيئا فشيئا لكي يسمعه كل من في الغرفة :
- اذهب وأملأ صحنك بما شئت يا سيف ثم عد ، ليس لدينا المزيد من الوقت لكي نضيعه في هذا المكان ..
امتثل لأمره ناهضا بسرعة واخذ يركض متخطيا إياهم واحدا تلو الآخر لم يجرؤ على رفع بصره بل اكتفى بالنظر إلى الأرض والى أقدام من حوله خوفا منهم ، سحب صحنا واخذ يملأه بعشوائية يداه لم تتوقفا عن الارتجاف بشكل ملحوظ في حين عاد بسرعة وجلس بجانب وسام الذي اخذ يقطع الخبز ويدخله في فمه ويشرب كوب العصير في غير اكتراث لمن حوله وكأنه في منزله الخاص يجلس بكل ارتياح على الكرسي الخشبي ليبتسم ويقول بلهجة شديدة السخرية ونظره على كوب العصير في يده :
- كم تبدو أشكالكم مثيرة للشفقة وانتم تحدقون بنا هكذا..
علت الدهشة وجوههم وكأنهم استفاقوا من سباتهم عند سماعهم لتك الكلمات حينها التفت كل منهم للآخر يلف رأسه يمينا وشمالا يتفقد حال من بجانبه ووضعه ليجدوا أنفسهم كالحمقى جميعهم فيبدو أنهم نسوا الطعام ونسوا جوعهم وانه لا وقت لديهم ليأكلوا إلا بضع دقائق معدودة ومحسوبة عليهم بالثانية وفضلوا إرسال نظرات الكره والحقد والغيرة لوسام في محاولة استفزازه وبث الرعب في قلبه والذي كان بدوره لا يكاد يبالي بوجودهم جميعهم ومن يلومهم على تصرفهم ذاك في حضور امهر عضو في جماعة قراصنة الموت الذي ذاع صيتها في جميع أرجاء الإمبراطورية كما العضو الجديد فيها الذي استنكر الكل وجوده بينهم ، صرخ احدهم بغضب منقضا لموقفهم السخيف متوجها نحوهم ، فضرب الطاولة الخشبية بقبضته الصلبة لدرجة أن الأطباق قد ارتفعت في الهواء ثم عادت مصدرة رنينا مزعجا ، تجبس سيف في مكانه خوفا في حين شحب وجهه واتسعت عيناه بصدمة أما وسام فأكمل تناول طعامه دون مبالاة ولا إي اكتراث لمن كان يقف أمامه ينظر إليه بغل وقد ظهرت على ملامحه النية في القتل ، كان يريد أن يفتعل شجارا مع وسام فكم كان يمقت غروره الشديد وبرود أعصابه ونظراته الهادئة المستفزة وضحكاته الساخرة خطواته الواثقة قوته ومهاراته القتالية التي تفوقهم بكثير كم يشعر بغليان دمه فقط بمجرد النظر إلى وجهه فقال وهو يشدد على كل كلمة يقولها بغيظ بفكين متصلبين يحكم قبضته الكبيرة والقوية أمام وجهه :
- كم أمقتك أيها المغرور ..
- اعلم ذلك ..
قالها وسام ببرود يشبه الصقيع يعلم مدى حقدهم الشديد له فلطالما لم تعجبهم أي من أفعاله وتصرفاته بينما حمل صحنه الذي لم يأكل منه إلى القليل ، توجهه نحو البوابة بخطوات واثقة ليغادر بهدوء كما دخل ، احمر وجهه غضبا من تركه خلفه بدون أن ينظر إليه حتى كم يكره برودته وثقته بنفسه كما تجاهله لهم وكأنهم حشرات حوله فصرخ به قائلا بصوته الجهوري :
- أتهرب مني أيها الجبان هيا نازلني ..
توقف وسام عن المشي بعد أن زفر بكره واستدار ناحيتهم ببطء مستفز يتنقل بينهم بنظراته الصامتة اللامبالية وتوقفت عند سيف الذي كاد أن يترك مكانه ليلحق به لولا تلك النظرات التي أوقفته عما كان ينوي فعله والتي تحولت لنظرات محذرة حادة وجهها له وسام والتي فهم منها بأن يجلس مكانه ولا يغادر فجلس سيف بسرعة يحار كيف لوسام قراءة أفكاره دون أن ينطق بها هل هي الخبرة ؟! أم ذكائه وفطنته التي عرفا بها ؟! كانت ملامح الخوف ظاهرة في قسمات وجهه مما قد يحدث فذلك الرجل الأشبه بكومة عضلات متحركة شمر عن ساعديه واخذ يفرقع أصابعه بغيض مبتسما بخبث ينوي تحطيم ضلوع وسام لكن وسام رمقه بنظرة اللامبالاه من أخمص قدميه صعودا إلى أن استقرت في عينيه التي تحولتا لحجرين مشتعلين وقال ببرود وكأن الذي أمامه لا يشتعل غضبا بينما رفع إصبعه بخفة يشير به إلى الباب خلفه :
- لقد جلبت الضباط بصراخك المزعج كالأطفال ..
اتسعت عينيه وعض على شفتيه غيضا بينما دخل ثلاث ضباط ضخام البنية ، مفتولين العضلات يحملون أسواط سوداء طويلة بأيديهم تلك التي يقومون بضرب كل من يخالف أوامرهم ويعاقبونهم بها ، اخذ يصرخ احدهم قائلا :
- ما الذي يجري هنا ..
ارتبك الجميع ليعود كل واحد منهم يتصرف على طبيعته وكأن شيئا لم يكن تجنبا للعقاب الذي لن يكون يسيرا أبدا متنهدين في أنفسهم بحقد على كتلة الغرور كما يسمونه كيف له أن ينجو منهم دائما ؟! لماذا لا أحد يستطيع إلحاق الأذى به ؟! فلم يزدهم ذلك الموقف إلا كرها على كرههم الأسود ، في حين اختفى وسام من بينهم وكأنه نسمة هواء لا تعلم متى تأتي ولا متى تذهب ، توجه نحو غرفته بخطوات هادئة كسولة فتح الباب وأغلقه خلفه ثم ابتسم بسخرية وهو يرمق المستلقي على ظهره بتعب شديد على سريره أقدامه على حافة السرير متدلية على الأرض يغطي عينيه بذراعه بينما يريح يده الأخرى على صدره جهة قلبه ليقول وسام ببرود :
- عدت أيها العجوز ..
قفز معتدلا في جلسته وهو يبتسم ويقول ناظرا إليه بنظرات ملأها الشوق كما الحنان :
- الم تشتق لي يا صغيري .. ؟!!
قال بكل برود :
- لا أبدا ..
فضرب فارس جبهته بحسرة وقال بينما كان يدعي الحزن بتلك النظرات الطفولية التي رسمها على وجهه :
- وسام هيا تعال وعانقني يا صغيري ..
جلس وسام على الأرض واضعا طبق الطعام أمامه وكتف ذراعيه وقال وهو يرمق فارس بنصف عينه :
- تعال وتناول الفطور فلن أرحمك اليوم من التدريب كما أنني ذقت ذرعا من التغطية عليك والقيام بمهامك السخيفة التي لا تنتهي ..
استقام فارس يمد ذراعيه للأعلى طاردا للكسل وقال له بابتسامة :
- أشكرك يا عزيزي فأنا لا استطيع الاستغناء عنك حقا وشكرا على الطعام لأنني اشعر بأني سأموت جوعا ..
تقدم وجلس أمامه متربعا يأكل اللقم تباعا دون توقف وبشراهة مستمتعا بكل لحظة ، قال له وسام بنصف ابتسامه وبنبرة ذات لكنه ساخرة بملامحه باردة في سؤال مباغت :
- إذا كيف كان شهر العسل .. ؟!!
غص فارس واخذ يكح ويكح ويكح يضرب صدره بقبضة يده لكن لا جدوى فيبدو أن الطعام سرى في مجرى تنفسه من صدمته فمد يده ليلتقط كوب الماء شربه دفعة واحدة لتتوقف تلك الكحة وليتنهد أخيرا وهو يتنفس بصعوبة ثم ضحك بارتباك وقال :
- اااااه يا وسام كدت أموت ، ما الذي تتفوه به أتعلم أن مزاحك ثقيل ..
وأنهى كلامه بضحكة متوترة حين رمقه وسام ببرود شديد وقال بجدية :
- من قال لك أنني امزح ..؟!!
رمش عدة مرات وقد احمرت وجنتيه قليلا لا يعرف بماذا يرد أو كيف يتجنب سؤاله فاخذ يدور بأعينه في جميع الاتجاهات بنظرات قلقة متوترة يحاول أن لا تلتقي عينيه بعيني وسام التي كادت أن تمزقه أربا أربا ليقول بتلعثم :
- ع..عزيزي وسام كانت زيارة ليس إلا ...
رفع وسام حاجبه الأيمن وقال بسخرية :
- غبت ثلاث أيام أي زيارة هذه .. ؟!!
تنحنح فارس وهو يدعي الجدية في حديثه وقال محاولا إنهاء الموضوع الذي بات يوتره كثيرا :
- وسام إنها يومان فقط ليست ثلاثة ..
اخذ وسام يجادله بجدية وكم بدا مستمتعا بإغاظته واستفزازه لاسيما عندما رأى حمرة طفيفة كست وجنتي فارس وقال :
- بل ثلاثة ..
رد فارس بسرعة مدافعا عن نفسه :
- يومان ..
- ثلاثة ..
فصرخ فارس بعد أن علم أن في ذلك نهايته قائلا :
- بل يومان يا وسام هيا كف عن هذا ودعني أكمل فطوري ..
كشر وسام عن أنيابه بخبث وقال ساخرا مبتسما :
- بربك يا فارس تعلم جيدا أن لا احد يغلبني في الحساب ..
ضيق فارس عينيه وعقد حاجبيه بغضب وقال بعد تنهيدة كارهه :
- صحيح ، صحيح تذكرت أنا آسف يا سيد فهيم ..
ابتسم وسام ساخرا معلنا انتصاره ورمقه بنظرات قوية تهكمية مغرورة التي لا تدل إلا على قوته فلطالما أجاد وسام رسمها على ملامحه وكم استفز الجميع بها ، تنهد فارس بقلة حيلة ثم اسند رأسه على كف يده اليمنى وبدا انه شرد إلى عالم آخر فقد دخل في صمت مطبق مخيف بنظرات شابها الحزن ، ليقطع وسام شروده بسؤاله بنبره هادئة :
- إذا كيف كانت زيارتك .. ؟!!
ابتسم فارس نصف ابتسامه ونظر إلى وسام الذي لا يجيد أبدا ما يحاول فعله الآن والذي كان يجاهد نفسه على ادعاء الاهتمام وطرح السؤال وتلطيف الجو قليلا ومحاولة الاستماع والإنصات إليه بجعله يفضفض له قليلا عله يستطيع مد يد العون له ، من يعرف وسام مثل فارس ؟! لا احد فقد عاشا معا مدة كافية لدراسة كل منهما الآخر..
ابتسم بصعوبة ثم تنهد بتعب وقال :
- من أين ابدأ لك يا وسام .. ؟!!
اعتدل وسام في جلسته في محاولة أخرى بأن يستمع ويهتم ليس لأجله فهو يمقت الاستماع لمشاكل الآخرين وحكاياتهم التي يظن بأنها مضيعة للوقت ليس إلا لكنه يفعل أي شيء إذا تعلق الأمر بفارس ، كم بدا انه يحاول أن يغير من تعابير وجهه الباردة إلى شيء يمكن للناظر إليه أن يفهم بأنه منتبه لما يقول كان منظره غير مألوف وغريب فوسام دائما ما يحب التجاهل وعدم الاهتمام بمن حوله ، انطلقت ضحكه فارس لا إراديا على منظر وسام ذاك وقال له بضحكة :
- كم أحب ملامحك اللطيفة يا وسام ..
قطب حاجبيه بانزعاج وكتف ذراعيه واخذ يتمتم لنفسه ويتندم على ما فعله وأطلق بعض الشتائم يوجهها في جبهة فارس مباشرة والتي انفجر ضاحكا عليها وعلى عودة وسام السابق سريعا ، اخذ يهدئه من بين ضحكاته الصبيانية ويقسم له بأنه سيصمت وهو يشير إليه بيده دلالة على انه سيتوقف عن العبث ليتنهد أخيرا ويقول :
- بصراحة يا وسام أنا اشعر ببعض الاطمئنان على فاتن الآن ..
سوى من جلسته معتدلا فيها ينظر إلى عيني وسام مباشرة والذي بدوره انزل رأسه قليلا وعيناه لا تزالان معلقتان بعيني فارس وكأنها عيني ذئب يراقب فريسته لينقض عليها ، في حركة فهم فارس معناها وهو علمه واستعداده المسبق بما سيقول فقال بهمس جاد بعد أن أماء برأسه مؤكدا بإيجاب لكي لا يسمع احد حديثهم :
- لذلك سنقوم بأول خطوات خطتنا ونبدأ بتحركنا ..







نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 30-01-20, 01:22 PM   #17

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

الفصل القادم إن شاء الله سيكون هناك تغير جذري في الأحداث فترقبوا أحبتي ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 31-01-20, 02:49 PM   #18

ع عبد الجبار

? العضوٌ??? » 460460
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 260
?  نُقآطِيْ » ع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond reputeع عبد الجبار has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عنوان جميل جدا وجذاب جاري القرأة دمتي بخير 🌷

ع عبد الجبار غير متواجد حالياً  
قديم 02-02-20, 10:14 AM   #19

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ع عبد الجبار مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عنوان جميل جدا وجذاب جاري القرأة دمتي بخير 🌷
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أسعدك الله وكم أنا سعيدة لسماع ذلك شكرا كثيرا وقراءة ممتعة إن شاء الله ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
قديم 03-02-20, 10:53 AM   #20

روح الوسن ..

? العضوٌ??? » 455523
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 91
?  نُقآطِيْ » روح الوسن .. is on a distinguished road
افتراضي

.. الفصل الثاني عشر ..
.
.
[ بعد مرور عشرة أعوام ]
.
.

الإمبراطورية الخضراء في الساحة الخارجية من معسكر البلدة ، الساعة الثانية عشر ظهرا فترة الغداء حيث جميع الجنود يأكلون طعامهم ويحتسون شرابهم ، يجلسون على طاولات خصصت لهم مصنوعة من الخشب مرهقين من التمارين والتدريبات الصباحية ، يجلس على الأرض في زاوية مبتعدا عن إزعاج الجميع فلطالما أحب الهدوء والاستفراد بنفسه ، يعلو ملامح وجهه الوسيمة هدوء مميت وحزن عميق ينظر في الفراغ بعينيه العسليتين الباهتتين بجانبه سيفاه الصلبان المنحوت عليهما بركان صغير ليثبت هويته الحقيقية ، سيفاه اللذان لم يخسرا أي معركة سابقا ملقيان أرضا بكل إهمال ، تداعب خصلات شعره البني الرياح بطريقة جذابة تجعل منه وكأنه أحد الأمراء وليس أحد الجنود العاديين المكلفين بالمهمات في أرجاء البلاد ، امتدت ذراع والتفت حول عنقه وهمس في أذنه قائلا بمرحه المعتاد :
- ماذا يفعل الوسيم لوحده هل ينتظر أميرته أن تأتي ..؟!!
ابتسم بخفوت لمدة لا تتجاوز عدة ثوان لصديق غربته الذي لا يكف عن إزعاجه وقطع حبل أفكاره بترهاته السخيفة ، رمقه بنظرة باردة وقال له بنبرته الهادئة شديدة البرودة :
- اخرس ..
انطلقت ضحكته عاليا في جميع الأرجاء مما جعل كل من هم قريبين منهم ينظرون إليه باستنكار وقال :
- وسام بحق الله ما هذا البرود اعتقد انك ستموت في يوم من الأيام من شدة برودتك ..
لم يعره أي اهتمام ودخل في صمته المعتاد ثم قال بعد فترة :
- كيف هي جراحك .. ؟!!
تنهد الآخر وهو يجلس بجانبه ويضرب على كتف وسام بخفة قائلا :
- لا تقلق علي يا وسام جرح بسيط أشكرك على كل ما فعلته لأجلي لولا تدخلك في تلك المعركة لربما فقدت حيات...
نهض وسام بسرعة قاطعا لكلامه ينفض معطفه الأسود بيديه نافضا الغبار العالق به وقال بهدوء بينما كان يحمل سيفاه :
- اهتم بنفسك يا رامي فلن أكون بجانبك دائما ..
ابتسم رامي بخفوت يعلم مدى تأثر وسام بكلمة موت أو فقد للحياة يخشى عليه من الخطر المحدق بهم ويرى مدى قلقه عليه واضحا في ملامحه التي دائما ما تكتسي ملامح البرود واللامبالاه ، نهض هو الآخر ولف ذراعه حول عنق وسام وقال بمرح محاولا تغير مزاجه المتعكر قليلا :
- أين !! أين يا عزيزي أنت ذاهب فأنا لم أتناول غدائي بعد ..
ابتسم وسام بسخرية وهو يدخل يديه داخل جيوب معطفه قائلا :
- لن تنال مني يا رامي اذهب لحيث تريد فأنا لن اذهب معك مهما حاولت ..
صرخ رامي بيأس فمهما حاول التظاهر باللامبالاه يكتشفه وسام ويقرأ أفكاره بسهوله ، هو يريد من وسام أن يندمج مع بقية الجنود وتناول أطراف الحديث معهم ليخرجه من هدوئه المميت وانعزاله عن الجميع لكن للأسف فدائما محاولاته تنتهي بالفشل لكنه لا يزال يحاول كعادته ، أسرع في خطواته لكي يجاري خطوات وسام وقال له :
- هيه وسام انتظر ألا تريد أن تذهب معي إلى وسط المدينة لنتناول اللحم المشوي اللذيذ هناك ..؟!!
أجاب ببرود شديد :
- لا ..
بانت ملامح الضيق على وجه رامي ثم سرعان ما ابتسم بسخرية شديدة وهو يرمق وسام بحدة لقد خطرت في باله فكره يستطيع بها مضايقته فكم يكره هدوئه وبروده الشديد واختصاراته في الكلام وكم يعجبه مضايقته فقال بلهجة مستفزة :
- اها إذا أنت تهرب منها ..
توقف عن السير في حين تنهد بضيق يخلل أصابعه في شعره دلالة على غضبه فقال بحدة :
- رامي أغلق فمك وابتعد عني خير لك ..
رفع كتفيه بقلة حيلة هذا هو وسام لا يتغير أبدا لكن اليوم يبدو أكثر حدة وأكثر برودا لابد من أنها تلك الساعتين التي قضاها خارج المعسكر عندما طلبه احد القادة لرؤيته ، قال بعفوية :
- إذا يا وسام ما الذي أراده منك القائد رائد عندما طلب رؤيتك صباح اليوم ؟! ألن تخبرني ..؟!!
رمقه وسام بحدة بعينيه العسليتين وكأنه يحذره من أن ينطق بأي كلمة أخرى فمزاجه في أسوأ حالاته وهو يحاول جاهدا السيطرة على أعصابه والتماسك أكثر كي لا يثور ويفعل مالا يحمد عقباه .

*******

يجلس على أريكة عتيقة في مكتب واسع غلب عليه اللون البني ، طاولة من الخشب تقع بين الأريكتين المتقابلتين تزينها زهرية مليئة بالأزهار وبجانبها مجموعة أوراق ، رأسه بين ذراعيه مطأطأ برأسه أرهقه التفكير وأتعبه ، رجل في أواخر الأربعين من عمره بشعره الأسود وعينيه الداكنة ، يضرب برجله الأرض بحركة تدل على توتره وقلقه ينتظر بفارغ الصبر من يأتي ليخفف عنه توتره ويساعده في حل مشكلته التي حلت به وما هي إلا لحضات حتى سمع طرقات على باب مكتبه انتصب واقفا وقال بصوته الرجولي الجاد :
- تفضل ..
دخل حينها رجل لا يقل عنه في العمر بابتسامته البشوشة صاحب الخصلات الصفراء الناعمة ببدلته العسكرية التي يرتديها الضباط فقط ، أغلق الباب خلفه بهدوء وضرب التحية بكل احترام وقال :
- سيدي القائد رائد أنا تحت أمرك ..
توجه نحوه بخطوات سريعة ليقف أمامه في حين ارتسمت على شفتيه ابتسامه هادئة وقال :
- لا داعي لكل تلك الرسميات يا جميل فنحن وحدنا الآن ..
وما أن انتهى من كلامه حتى تعانقا بحب عناقا رجوليا ، أصدقاء منذ مدة طويلة قبل أن يرتدي كل منهم بدلته الرسمية صداقة حبلها متين لم تكن من اجل مال ومنصب ومصالح بل كانت أنبل واطهر صداقة ولكن مع مرور الزمن ترقى رائد إلى مستوى قائد أما جميل ففضل أن يبقى ضابطا يدرب الجنود في المعسكر ويشرف على المهام الموكلة لهم ، جلسا متقابلين كل على أريكة حينها اسند القائد رائد رأسه على حافة الأريكة ينظر إلى السقف بشرود في حين قطب الضابط جميل مستنكرا استدعائه له في هذا الوقت خصوصا ومن شحوب وجه صديقه فلابد من أن هنالك أخبار لا تسر أبدا ، عم صمت قاتل بينهم لكن سرعان ما كسره الضابط جميل قائلا بنبرة متوترة :
- هيه رائد هل من خطب ؟! لا أراك في صحة جيدة ..
رفع القائد رائد رأسه واعتدل في جلسته في حين غلبته ابتسامه هادئة وقال :
- اخبرني أولا كيف هي أحوال زوجتك وابنتك المدللة .. ؟!!
ضحك قليلا ثم تنهد مبتسما وقال بنبرة محب صادق وهو ينظر إلى في الفراغ :
- ااااه يا رائد أنا مشتاق لهم جدا ..
حينها انطلقت ضحكة رائد وسرعان ما تغير مزاجه هذا هو جميل سبب ابتسامته وضحكته دائما ثم قال بابتسامة خبيثة :
- وكأنك لم ترهم لمدة سنة أيها العاشق ..
قطب منزعجا من سخرية صديقه مكتفا لذراعيه وهو يرمقه بغضب فقال بضيق :
- أتسخر مني يا رائد ؟! أنت يجب أن تتزوج واعتقد بأنني أنا من سيبحث لك عن زوجة لتخلصنا منك قليلا ..
لم يستطع رائد أن يتوقف عن الضحك بل علت قهقهاته فنهض جميل مكشرا يسير بغضب إلى أن وصل أمامه فمد يديه إلى رقبته في محاولة لخنقه لكنها كانت فاشلة كعادتها فأمسك رائد يدي جميل بعد أن توقف عن الضحك لتتغير نبرته إلى الجدية فنظر إلى عينيه بثبات وقال وهو لا يزال ممسكا بيديه :
- جميل هناك تغيرات خفية في الجيش العام وحركات سرية خطرة لمجموعات مختلفة من العصابات انتشرت في الآونة الأخيرة هنا في الإمبراطورية الخضراء ..
صدم جميل لسماعه لهذه الأخبار ارتعشت يديه وخانته قدميه فجثا على الأرض ينظر إلى رائد بضياع فقال رائد متداركا حجم القلق والخوف الذي اعتلى ملامح جميل :
- اسمع يا جميل أنا لم أخبرك إلا لأني واثق بأنك ستساعدني وتساندني لا نريد لأخطاء الماضي أن تعاد ..
نهض رائد والتقط كوب ماء ومده لجميل فكما يبدو بأنه لم يسمعه من شدة صدمته كيف لا وهذا يعيد الماضي المرير ذلك الماضي الذي قامت فيه حرب شنيعة بين الإمبراطوريات الثلاث تقتل الكثير من الرجال وتيتم الأطفال وترملت النساء كله لأجل السلطة والمال وحب التملك ، اخذ كوب الماء وشربه دفعة واحدة ثم قال بعد أن عاد إليه هدوئه قليلا :
- إذا ما الذي سنفعله الآن .. ؟!!

******

بعيدا عن المعسكر وفي ذلك القصر الضخم المتكون من ثلاث طوابق ، مبني بشكل مختلف ذو طراز فريد من نوعه يجعل كل من في الإمبراطورية يستطيع رؤيته لموقعه الاستراتيجي ، في إحدى تلك الغرف المنتشرة تجلس فتاة هادئة وجميلة أمام المرآة مرتديه فستان باللون الأسود تزينه بعض حبات اللؤلؤ والشرائط ذات اللون الذهبي كشعرها تماما ، تضم يديها إلى صدرها تفكر بعمق لم تعد تعلم ما الذي تخبأه لها الأيام ولا تعلم كيف يمكنها الابتعاد عن عائلتها تحت أي ظرف كان ، مخاوف كثيرة وتساؤلات أكثر تقفز في ذهنها الواحدة تلو الأخرى ، لم تعد تعلم لماذا كل هذا التفكير ولماذا كل هذا الخوف فهي في الآونة الأخيرة أصبحت تفكر كثيرا وتشرد بذهنها إلى البعيد جدا قلبها يخبرها بأن تبقى دائما في استعداد لاستقبال المجهول وكم تكره هذا الشعور فهو يسرق منها يومها كما نومها لتفكر في شيء لا تعلمه ولا تعرفه وهل سيأتي أم لا ؟! وهل تستطيع المواجهة أم ستفشل ؟! لتقاطع تلك الأفكار صوت حنون وهادئ قادم من خلفها قائلا :
- ما الذي يشغل تفكير زهرتي الحبيبة ..؟!!
التفتت الفتاة لمصدر الصوت لتبتسم بحب وهي تقول بنبرتها الهادئة :
- لا تقلقي يا أمي أنا مرتبكة قليلا من الاجتماع الذي سيعقده والدي .. ؟!!
اقتربت منها السيدة ميادة وأخذت المشط الخشبي من على الطاولة الكبيرة المزينة بالنقوش الذهبية لتمشط لها شعرها الذهبي الطويل وهي تقول بابتسامة تغرس المشط في شعرها الحريري :
- كم تبدين جميلة يا زهرتي ..
ابتسمت بخجل وقالت بارتباك بان في نبرتها :
- لا تقولي هذا يا أمي فأنتي هي الجميلة بحق ..
ضحكتا معا فعلى ما يبدو أن السيدة ميادة نجحت في تخفيف توتر ابنتها ، سمعتا طرقا خفيفا على الباب مما جعلهن يتوقفن عن الضحك ليدخل ذلك الشاب الوسيم ببدلته الرسمية باللون الأبيض والذهبي ، انحنى باحترام لهن قائلا بابتسامة ساحرة بنبرته المخملية :
- زهرة هل انتهيتِ فوالدي يريد قدومنا حالا ..
أماءت رأسها إيجابا ونهضت بهدوء ، التفتت نحو والدتها بنظرات مرتبكة وقالت بشبه همس تقصد ذلك الواقف عند الباب بكلماتها :
- طارق أرجوك أريد أن تحضر أمي معي ..
تنهد طارق بقلة حيلة فهو يكره أن يرفض لها أي طلب وان يرى الحزن في عينيها وهي تترجاه لكنها يجب أن تعتمد على نفسها ولا تبقى تلك الطفلة التي تطلب حنان والديها كل حين ، رمقها بنظرات ساخرة قائلا في محاولة أن تتدارك وضعها وتعتمد على نفسها :
- بلغنا العشرون عاما من العمر يا زهرة ولا زلتي تريدين أمي أن تأتي معك ..
نظرت إليه باستياء لتنطلق ضحكته الرجولية المخملية الهادئة التي تناسبه هو فقط وهو يتوجه نحوها بخطوات واثقة ، امسك يدها وطبع قبلة على كفها بعد أن رفعها لمستوى فمه بخفة واخذ يسير بها خلفه وهو يردد بنبرته الهادئة والعميقة التي تبعث في النفس السكينة :
- عندما أكون بجانبك يجب ألا تخافي من أي شي يا زهرتي ..
ابتسمت زهرة بخجل لأخيها التوأم فلطالما كان يقف بجانبها ويساندها كلما احتاجته كما انه مصدر الأمان في قلبها والذي غالبا ما يفهمها جيدا فهما روح واحدة انشطرت في جسدين بجنسين مختلفين ، قالت بشبه همس :
- أشكرك يا طارق يا شقيقي العزيز ..
لوحت السيدة ميادة لهم بيدها مبتسمة بحب لرؤية قرة عينيها وأجمل شيء حصلت عليه في هذه الحياة يكبرون أمامها فما أجمله من شعور أن ترى ما جنيته من السنين وما زرعته وتعبت عليه مثمر ويانع وجاهز للحصاد فهم يعنون لها كل شيء جميل في الحياة تراهم سعادتها متجسدة فيهم كما بسمتها ، تمتمت بكلمات حنونة متمنيه لهم حظا موفقا وسرعان ما تبدلت تلك الابتسامة إلى الاستياء فهي تعلم تماما أن هذا الاجتماع لن يسر الجميع ولن يجلب لهم إلا المشاكل لذلك أصرت على زوجها الإمبراطور عامر ألا تحضره وفضلت البقاء بعيدا تحتسي كوب شاي الأزهار تجلس في شرفة غرفتها تستمتع برؤية الأشجار والأزهار وتطرب سمعها لزقزقة العصافير وخرير الماء تتمنى لهم بكل صدق من أعماق قلبها أن تسير أمورهم على خير ما يرام ، في حين توجها الشقيقين معا إلى احد الغرف المنتشرة بكثرة في الطابق الأرضي والتي غالبا ما يعقد فيها الاجتماعات العائلية وكل ما يخص عائلة الإمبراطور عامر لا يعلمون ما الذي تخبأه لهم الأقدار من مفاجآت .

******

في بناية بعيدة عن القصر والمعسكر علق عليها لوحة كبيرة وخط فيها اسم ( العيادة ) داخل إحدى الغرف ذات جدران غلب عليها اللون الأبيض بسرير مغطى بأغطية وشراشف بيضاء تستلقي عليه عجوز كبيرة في السن تشتكي آلام ظهرها والمفاصل اثر حمى أصابتها ، تقف بجانبها فتاة اقل ما يقال عنها فاتنة بجسم ممشوق وشعر أشقر انسدل على ظهرها بكل عنفوان ترتدي معطفا ابيض اللون تحمل في يدها حقنة صغيرة تحوي دواء للحمى ، ابتسمت وقالت :
- إذا يا خالة سأحقنك بهذه الحقنة اصبري قليلا على الألم وخزة صغيرة وسينتهي كل شي ..
ابتسمت لها العجوز وقالت ضاحكة :
- لا تقلقي يا مايا فأنتهي امهر ممرضة في البلدة لذلك لن اشعر بأي الم أو وخز ..
ابتسمت المدعوة بالممرضة مايا ابتسامة واسعة وقالت بمرح :
- انتهينا ..
رمشت العجوز عدة مرات غير مستوعبه ما قالته ومندهشة مما سمعت أحقا حقنتها ولكن متى ؟! وكيف ؟! إنها حقا أفضل ممرضة في الوجود فهي لم تشعر بأي وخز للإبرة على الإطلاق ، في حين استدارت الممرضة مايا وتوجهت نحو طاولة خشبية هناك ، أخذت تكتب لها بعض التعليمات التي يجب أن تتبعها وبعض الأدوية لتساعدها على التحسن ثم مدت لها الورقة وقالت بابتسامتها الجميلة ذاتها :
- حمدا لله على سلامتك يا خالة أتمنى لك الشفاء العاجل ، يجب عليك تناول بعض الأدوية كما يجب عليك أن تحرصي على أن ترتدي معاطف صوفية لتقيك تقلبات الجو الحالية ..
ابتسمت لها بحب وأخذت الأوراق وشكرتها كثيرا بكل عبارات الشكر التي تعرفها مما جعل مايا تحمر وجنتيها خجلا ، ودعتها وخرجت تلك العجوز من العيادة وهي بحال أفضل بكثير مما دخلت عليه بينما وقفت مايا تلوح لها ، أحست بيد وضعت على كتفها مما جعلها تشهق بقوة وتجفل من الصدمة
لتنظر خلفها بسرعة لتتنهد بارتياح وتوتر قائلة بنبرة تخللها قليل من التلعثم :
- اااه هذا أنت يا حسام لقد أخفتني ..
نظر إليها بحدة في حين ابتسم بسخرية وقال بشبه همس ظهر فيه انزعاجه :
- ومن ظننتني ؟! فلا يوجد في العيادة إلا أنا وأنتِ ..
قطبت بانزعاج من كلماته التي لم تفهم معناها جيدا لكنها أحست بنبرته المنزعجة من شي ما لا تعرفه ، لما هذه النظرة الحادة ما الذي فعلته ليغضب هكذا ؟! استدارت بسرعة متوجهة إلى غرفتها هناك التي تستقبل فيها المرضى من النساء لكن يده التي أمسكت بمعصمها بقوة أوقفتها فأطلقت ااهه متوجعة في حين رمقته بحدقتيها الزرقاء بغضب وعتاب قائلة بنبرة احترام جاهدت نفسها فيها بصعوبة :
- اتركني يا حسام من فضلك ..
لكنه لم يفلت يدها من قبضته حين تاهت نظراته في تلك السماء الصافية المنحصرة بين صفي رموش طويلة ينظر إليها مباشرة بهدوء شديد ثم قال :
- آسف هل أغضبتك بكلماتي .. ؟!!
أشاحت وجهها بعيدا عنه وقالت :
- لا لم اغضب فقط اتركني ..
سحبها معه يجرها خلفه دون أن يرد عليها أو يطلب إذنها ، ادخلها الغرفة المخصصة به وأجلسها على الأريكة مرغمة تحت نظراتها المصدومة والمستنكرة لفعلته ثم توجه نحو مكتبه واخذ بعض الأوراق وقال لها :
- مايا لقد تم استدعائي لأجل اجتماع عائلي ..
تنهد بكره ثم أكمل وهو يدخل أنامله في خصلات شعره الأسود مبعدا لتلك الخصل التي تسللت إلى جبينه :
- يجب علي المغادرة حالا ..
أومأت بالإيجاب وقالت بنبرة مرتبكة قليلا :
- هل من خطب .. ؟!!
هز رأسه نفيا ونظر إليها بهدوء لم تخفى نظرة الحزن أو الكره ربما فيها فلم تفهم تلك النظرة ثم قال بابتسامه ساخرة :
- لا تقلقي أوامرهم السخيفة تلك التي لا يكفون عن إلقائها والتفوه بها ..
تنهدت هي الأخرى بقلة حيلة تعلم مدى كره حسام لعائلته ولأوامرهم تلك كم تتمنى بأن يصلح الحال بينهم لكن يبدو أن حسام لا يعطيهم أي فرصه ، قالت بابتسامه هادئة :
- حسنا سأهتم بأمر مرضاك لليوم لا تقلق ..
ابتسم وقال ناظرا لحدقتيها بنظرة لم تفهمها :
- كم أتمنى ألا اذهب وان أبقى كل حياتي هنا ..
أمالت رأسها دلالة على ضياع أفكارها وعدم فهمها لكلماته تلك وقالت باستفهام وببراءة :
- ما الذي تقصده يا حسام ..
علت ضحكاته الرجولية وقال وهو ينزع معطفه الأبيض مبتسما على براءتها التي تقتله بها دون رحمه :
- لا تشغلي تفكيرك يا مايا أنا اعتمد عليك ..
نهضت وتوجه هو نحو الباب الخارجي بخطوات واسعة وما أن اخرج قدمه اليمنى حتى استوقفه صوتها قائلة بإحراج :
- اهتم بنفسك ..
التفت إليها وقد علت ملامحه الدهشة من قولها ، ضنها غاضبة قبل قليل لكن هذه هي مايا التي لطالما عرفها بقلب طيب لا تعرف للغضب طريق ، أخفضت رأسها بخجل حين علقت أعينهم ببعض وطال صمته ليستدير وهو يقول خارجا :
- أشكرك يا مايا ..









نهاية الفصل , قراءة ممتعة لكم أحبتي ..
بقلم محبتكم : روح الوسن ..


روح الوسن .. غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.