آخر 10 مشاركات
أسيرة الثلاثمائة يوم *مكتملة * (الكاتـب : ملك علي - )           »          عذراء الإيطالى(141)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء1سلسلة عذراوات عيد الميلاد) كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          8 - الحب الساحر - سوزان كاري (دار الكتاب العربي) (الكاتـب : Gege86 - )           »          3 - ارحل وحدي - بينى جوردان (الكاتـب : فرح - )           »          طلب مساعدة لاشراف وحي الاعضاء (نرجو وضع تنبيه بنزول الفصول الجديدة للروايات) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          روايه لا يغرك نبض كفي وارتجافه ضاق بي قلبي وشلته في يدي (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          عــــادتْ مِنْ المـــــاضيِّ ! (1) * مميزة ومكتملة *.. سلسلة حدود الغُفران (الكاتـب : البارونة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1465Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-09-20, 08:11 PM   #61

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
اااااخ ياااافرحتي بحالة ساري انا حقودة و لسا قلب ما برد هذا وهو بعيد صر معه هيك لما يواجهها شوووو 😈😈😈😈😈
ياااريت ماتحن عليه بسرعة لانه ما يستاااهل اكيد امه راح تعطيها كلمتين تلينها بيهم
ههههههههههههه كنت عارفة انك هاتفرحي فيه
ولسه


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-09-20, 08:02 PM   #62

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث عشر
*لا تُصَالِح!*
**********
عندما تنجح تعويذتِك..
لا تلومي قلباً للسِحر خضع!
وحينما تُصيب لعنتِك..
لا تزدري عقلاً بالجنون اندلع!
رُوَيدِك يا رقيقة فلم أستسلم بعد؛
حُبا هو أو صار حرب؛
صابر أنا.. مثابر أنا؛
دوما تَأَنَّيت.. مرارا تَمَهَّلت؛
عمري كله تَدَبّْرت؛
والآن قد حان موعد مسابقتي الأثيرة..
والكأس قلب!
**********
في صالة الاستقبال بالمكتب تعالت ضحكات سارة المُتسلية فنظرت لها رهف بغيظ شديد هاتفة:
_أتضحكين يا سارة؟! ألا تتخيلين الموقف المُحرج الذي وضعني فيه أخوكِ أمام قريب مَوَدَّة؟
لملمت سارة ضحكاتها بصعوبة ثم قالت:
_لا تغضبي مني رهف! لكن كلما تخيلت صدمة ساري وهو يستمع لآخر يغازلك أغتاظ لأنني لم أكن أشاهد.
اكتفت رهف بالصمت وهي تتذكر ما حدث باليوم السابق..
فما إن استشعرت حلول شجار حتى تركتهما سوياً وأنقذت نفسها دون تردد..
لا ينقصها سوى افتعال مشاكل أمام عملها أيضاً..
_أنتِ تعلمين أنه نادم ويتعذب أليس كذلك؟!
ردت بشرود:
_أعلم!
فعاجلتها سارة متسائلة:
_وهل ستسامحينه؟
اهتزت حدقتاها وهي تستعيد ملامحه بالأمس..
أكثر من أربعة أشهر مَرَّت منذ رأته بالمرة الأخيرة بالمرآب؛
حينما قَصَّ عليها كل معاناته بنظراته دون كلام صريح بينما لم تفهم؛
حينما أوشكت أن تُصاب بالجنون وهي تُطالِع العشق الصارخ بعينيه متناقضاً مع فِعلته الشنيعة بحقها!
حينما اتخذت عهداً على نفسها بأن تنساه تماماً وكأن طريقاهما لم يتقاطعا يوماً..
ذلك العهد الذي لم تستطع الوفاء به ساعة واحدة؛
في البدء كانت النِقمة هي السبب؛
ثم صار الحِقد هو الدافع؛
وأخيراً توقفت عن خداع نفسها لتعترف ببساطة أن العِشق هو المبرر الوحيد!
ولِتصل بهذيانها بعد ذلك إلى شعورها الدائم بمراقبته لها..
في الشارع؛
أمام البيت؛
أمام مقر عملها؛
وفي مدينة الألعاب!
مجنونة أصبحت؛
عفواً!
مجنونة "به" أصبحت!
هذا الرجل اختطف قلبها ثم تخلَّى عنها أمام الجميع بلحظة؛
هذا الرجل هو نفسه الذي تَسَمَّرت أمامه بالأمس ذاهلة من الحالة التي صار إليها؛
فإن كان قد شُفِيَت ذراعها ولم تخذلها منذ صارت في رفقة أسرة أخيرة؛
وإن كان محياها قد أشرق بوضوح، والسعادة_ برغم كونها ظاهرية_ قد وجدت طريقها أخيراً إليها؛
فإنه على النقيض تماماً منها؛
عيناه الخضراوتان اللتان دوماً ما كانتا عابثتين صارتا.. ميتتين!
صوته اللذي كانت تستشعر التلاعب به مهما تَصنُّع الجدية، صار.. مُتعَب، مُرهَق، مُتوسِّل!
حيويته وقوته وسطوته صاروا.. ضعفاً واستسلاماً وإنهاكاً!
هذا الرجل فائق النشاط كيف تحول خلال أشهر إلى كهل بأرذل العُمر هكذا؟!
انتفضت عندما أخرجتها سارة من شرودها الذي طال مُكررة سؤالها بتصميم، وبنفس الشرود زفرت مجيبة:
_لا أعلم!
سارعت سارة بحزم:
_إياكِ!
نظرت لها رهف بدهشة فأوضحت:
_إياكِ أن تسامحيه رهف! يجب أن تستعيدي حقك منه أولاً.
تعاظمت دهشة رهف وهي تسألها:
_هل هو أخوكِ حقاً؟
ضحكت سارة بشقاوة هاتفة:
_هو أخي وصديقي وأبي، لكن هذا هو العدل!
مطت رهف شفتيها بلا اهتمام ثم سألتها:
_إذن أين هي صديقتك التي سأُجري معها المُقابلة بشأن الوظيفة؟ لم تتبق إلا ساعة على موعد بدء المحاضرة الأولى.
ابتسمت سارة وهي تتطلع إلى نقطة خلف رهف، قبل انطلاق صوت الوافدة:
_السلام عليكم!
التفتت رهف لتتطلع إليها بابتسامة ودودة انمحت فوراً وهي تتذكر ذلك الوجه الذي رأته للمرة الاولى والأخيرة بأسوأ أيامها، لكن سارة أسرعت إلى الفتاة جاذبة إياها هاتفة بارتباك:
_مرحباً سما!
**********
"لقد آلمني عنقي حقاً، اهدأ واجلس كي أفهم أولاً!"
هتف بها عاصم وهو يتابع ساري الذي يدور في غرفة المكتب كالمجنون منذ عدة دقائق، فالتفت الأخير إليه صارخاً:
_اهدأ؟! أتريدني أن اهدأ؟! لقد أخبرتك أن ذلك المائع المُستفز كان يبتسم لها ويغازلها..
وبصراخ أعلى:
_أمامي!
زفر عاصم بِضَجَر وهو يرُد:
_أعلم، لقد أخبرتني عشرات المرات بالفعل، وأنا لا أفهم كيف أن غضبك بذلك الشكل سيجعلك تنسى الأمر!
هتف ساري به فجأة وهو يلتفت إليه:
_أنت ستبحث خلف ذلك الشخص يا عاصم، ستخبرني بكل شيء عنه منذ ميلاده وحتى اليوم، يجب أن أعلم لماذا يحوم حول زوجتي، وماذا يريد منها بالضبط!
صمت عاصم للحظات ثم حمحم وهو يتراجع بضعة خطوات للخلف احتياطاً للأمان، ثم تحدث مبتسماً باستفزاز:
_أولاً: ربما هو لا يحوم حولها كما تعتقد، هو بمثابة قريب لأخيها وكان يُحييها ليس أكثر، ثانياً: أنا_بِخِلافك_ قد تُبت إلى الله عن وظيفة التجسس، فاشبع بها وحدك وابحث أنت خلفه كيفما تشاء، ثالثاً:...
استنشق نفساً عميقاً ثم هتف بنفس الابتسامة:
_رهف لم تعُد زوجتك منذ شهور يا ساري، وهي الآن حُرَّة تماماً!
والنظرة التي اعتلت وجه ساري جعلته تلقائياً يضع يده على مقبض الباب خلفه كي يلوذ بالفِرار إن احتدمت الأمور وجُنَ صاحبه أكثر، إلا أن الاخير بمنتهى الهدوء وبعض من الألم تحدث قائلاً:
_أعلم ذلك!، لكنها ستصير زوجتي ثانية، لأنني ليس لدي أي خيار آخر.
ضرب عاصم كفيه ببعضهما بغيظ ثم هتف:
_كما تحب، لكن أرجو ألا تتهور!
والابتسامة الماكرة التي عادت للتو بعد غياب طويل على وجه ساري أكدت له أنه بالفعل قد تهوَّر وانتهى الأمر!
**********
"ولماذا تركتِ عملك سما؟"
ألقت رهف السؤال على الفتاة التي تجلس أمامها بثقة أثارت إعجابها حقاً، فأجابتها:
_كان المدير يعلم بحاجتي إلى العمل مع عدم مقدرتي على التأخر كثيراً بالخارج، لكنه قام بالضغط عليَّ كي يُضيف عدد ساعات عملي، فقدمت استقالتي.
والفضول الأنثوي غلبها وهي تسألها:
_ولماذا لا تستطيعين التأخر؟
ببساطة أجابتها سما:
_لأن أمي ضريرة ولا تستطيع الاعتناء بنفسها طوال اليوم.
ابتسمت لها رهف بإشفاق ثم سألتها بلا تعبير:
_ألا يظل أي من أشقائك معها؟
وإجابة سما كانت أيضاً بلا أي تعبير:
_ليس لدي أي أشقاء، ولقد توفيت أمي أثناء وضعها لي.
تسمَّرت يد رهف على القلم الذي تمسك به ثم افتعلت ابتسامة وهي تنظر لسما بتوجس:
_أنتِ ظريفة حقاً مثلما قالت سارة، لقد أرعبتني لوهلة!
ضيقت سما عينيها بعدم فهم ثم ضربها الإدراك فجأة فضحكت باستمتاع وهي تُعلِّق:
_آسفة لم أوضح الأمر، أمي التي أنجبتني توفيت فعلا أثناء الوضع، لكن أمي التي ربتني وأعيش معها هي زوجة أبي.
أطلقت رهف أنفاساً مُحتبسة بصدرها، ثم ضحكت برقة وهي ترد:
_اتفقنا إذن سما، المواعيد هنا مَرِنة لأننا لازلنا في البداية، تستطيعين البدء منذ اليوم إذا أردتِ.
اشتعل الحماس بعيني سما وهي تهتف:
_حقاً؟! حسناً! أين سيكون مكاني؟
وقفت رهف فتبعتها سما تتجولان في أنحاء المكتب ثم عادتا إلى مكتب الاستقبال، شرحت لها رهف أجزاء المكان وأهدافهم المستقبلية للعمل، ثم استدارت لها مرددة بحرج:
_اسمعي سما! المكتب لايزال ببداية العمل ولذا ليس لدينا موظفين كثيرين، أعلم أن تخصصك في الدعاية والتسويق، لكن اليوم بداية الدورة التدريبية التي سأقوم بتدريسها ويجب أن أجهز المادة العلمية، هل ستنزعجين إن طلبت منك العمل من مكتب الاستقبال لأن الطلاب على وشك الوصول وسيقومون بالتسجيل؟
هزت سما رأسها نفياً بسرعة وهي تُجيبها:
_بالطبع لا، أنا أعمل من أي مكان، أخبريني فقط مكان الإيصالات وتلك الأمور.
شكرتها رهف بابتسامة ثم بدأت ترشدها إلى خطوات الحجز وعادت هي إلى القاعة التي ستنعقد بها الدورة بعد قليل.
.......
جلست سما وهي ترتب المكتب بحماس شديد طاردة أي خاطر أو فكرة بإنسان مُعيَّن..
لكن ذلك المُعيَّن يبدو أنه قد قرر اكتفائه من خصامهما الذي لا يفهم له سبباً، فقد دق هاتفها باسمه ليدق قلبها معه..
أجلت حنجرتها وحاولت أن يخرج صوتها طبيعيا، ثم:
_مرحباً!
والابتسامة احتلت ثُغره بمجرد سماع صوتها، لكنه طردها فوراً مُتظاهراً بعُبوس واهِ قائلاً بخشونة:
_مرحباً، أنا اتصل بكِ لأنني أهاتف أمي ولا ترد، من فضلك أريد التحدث معها.
أبعدت الهاتف عن أذنها وأعطته لكمة متمنية أن تستطيع فعلها يوماً مع مُحدِّثها نفسه، ثم أعادت الهاتف مرة أخرى وهي ترد بهدوء بذَلَت جهداً كبيراً للحصول عليه:
_أنا بالعمل الآن، وهذا موعد نومها، أعد الاتصال بها بعد ساعة أخرى، ستكون استيقظت بذلك الوقت.
سألها بسرعة:
_أي عمل؟ لقد أخبرتني أمي أمس أنكِ تركتِ العمل!
"وكأنك تهتم!"
زفرت بغيظ وهي تُجيبه:
_بالفعل تركته، وقد عرضت عليَّ سارة العمل بشركة أخيها لكنني لم أقبل، واليوم بدأت العمل بمكانٍ آخر، ولحظة.. ما شأنك أنت؟!
اتسعت عيناه بغيظ شديد وهو يهتف:
_هي شركتي أيضاً وكان الأفضل أن تعملي معي بدلاً من العمل مع الأغراب، ثم شأني أنني خطيبك، أم هل تراكِ نسيتي؟
فردت ببرود على الفور:
_خطبة مزيفة مهندس عاصم ، وقريباً سأنهيها، وعندئذٍ سأختار من أتابع حياتي معه بإرادتي، سنعيش بسعادة سوياً طوال العمر، وسيكون بيننا مشاعر جميلة متبادلة.
وبينما هو يستوعب القذائف التي تُلقيها على رأسه تِباعاً عاجلته:
_سأنهي المكالمة الآن، أنا منشغلة.
وأنهت المكالمة ليُرَدِد هو بدهشة:
_مشاعر جميلة متبادلة؟!
**********
جلست دينا في صالة الاستقبال بالفيلا الفخمة تهز إحدى ساقيها بغضب شديد وهي تنتظر ظهوره وتتوعده بالانتقام، دخلت مُدبِّرة المنزل مخاطبة إياها بتهذيب:
_شديد بك سيُنهي مكالمته ويقابلك فوراً.
أشارت لها برأسها بلا اهتمام فأردفت المرأة:
_ماذا تُحبين أن تشربي؟
وقبل أن ترد انطلق الصوت الصارم:
_اذهبي أنتِ يا سناء، السيدة لن تبقى طويلاً على أي حال.
خرجت مُدبرة المنزل بصمت بينما هبَّت هي واقفة تهتف:
_أتجرؤ على تهديدي شديد بك؟ ألا تعلم أن ما تبقى من اسم لديك أستطيع أنا أن أمحوه تماماً بضغطة زر واحدة؟!
اتسعت عينا شديد بغضب شديد:
_أنتِ وقحة جداً، يبدو أنني حينما تركتك أنتِ وأمك بسلام اعتقدتِ أنكِ نِداً لي، لكنك لم ترِ مني شيئاً بعد، أستطيع أن أنهي حياتك البائسة هنا في هذه اللحظة!
وبالرغم من الرعب الذي اجتاحها إلا أنها تظاهرت بالشجاعة وهي تجابهه بقوة:
_افعلها! افعلها شديد بك حتى تقوم صديقتي بتسليم عقد الزواج اليوم فيصير ما تُعلِن أنت عنه أنه مجرد إشاعات من منافسين إثباتات لا تقبل الشك، مع دليل دامغ على أنني كنت بقصرك قبل اختفائي.
نظر لها شديد بحقد فتابعت بابتسامة مستفزة:
_هل تعتقد أنك وحدك من تستطيع التخطيط؟ أنا أيضاً أستطيع فعل ذلك وبذكاء، كيف تعتقد إذن أن العقد لا يعلم بوجوده سواي الآن؟
تجاهلها وهو يتجه إلى أقرب مقعد ويجلس فوقه يرمقها بترفُّع:
_ما سبب زيارتك؟
صاحت بغضب:
_أنت! أنت من بدأت شديد بك، لقد كان بيننا اتفاقاً وأنا التزمت بما يخصني بينما لم تفعل أنت، أحتفظ بالعقد لديَّ ولا يدرى أحد بوجوده مقابل أن تُخيف تلك اللعينة وتترك البيت.
صاح بغضب مماثل:
_وأنا قد نفذت باليوم التالي، وهي لم تعد تقطن لديكم، بل وتَسَبَبَت في ترك ابني المنزل والآن تقيم معه، أي أنا من تضررت بآخر الأمر.
صرخت به فاقدة كل سيطرتها:
_هذا ليس من شأني، ليس من شأني ما تسببت هي به، لكن إن اعتقدت أنك تستطيع تهديدي بتخريب حياتي الجديدة فأنت مُخطىء، وإن أنا خسرت ما حصلت عليه بشق الأنفس سيخسر الجميع قبلي!
هب واقفاً يهتف بغضب:
_متى هددتك أنا؟ لم أرك منذ كنت لديكم بمنزل أبيك.
فجابهته بهتاف أقوى:
_بالأمس عندما هاتفتني لتخبرني أنك تراقب زوجي وتهددني به، هل اعتقدت فعلاً أنني لن أعلم أنك أنت من تتلاعب بي وتهددني؟!
دهشة واضحة اعتلت ملامحه ثم تساءل بازدراء:
_بِمَ تهذين أنتِ؟ أنا لم أهاتفك، وزوجك هذا أنا لا أعرفه.
تعالت ضحكة ساخرة غاضبة منها ثم قالت بهدوء خافت:
_وهل أنا سأصدقك؟ لا يعلم شخص بوجود ذلك العقد سوى أنا وأمي، حتى هي تعتقد أنه ضاع فعلاً، من إذن سيفعلها منا؟
صمت قليلاً يستوعب هذه الكارثة الجديدة، ثم صرخ بها فأجفلت:
_أتعنين أن هناك شخصاً آخر بخلافي وخلافك أنتِ يعلم ويُهددني؟! من أخبرتِ أيضاً بشأن ذلك العقد اللعين؟!
والغضب الواضح بلهجته أرعبها؛
والتساؤل الصريح بنبرته أصابها بذعر؛
أهناك احتمال ألا يكون هو حقاً من هددها؟!
عقَّبت بخفوت وتوتر واضح:
_إذا لم تكُن أنت من هاتفتني، من يكون إذن؟
هنا اتسعت عيناه بوعيد مردداً بخفوت:
_عَمَّار!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-09-20, 08:03 PM   #63

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثالث عشر
سلَّمت الإيصال للطالبة التي تواجهها أمام المكتب وهي تبتسم لها ببشاشة قائلة:
_تفضلي الإيصال، المُحاضرة ستبدأ بعد خمسة دقائق، القاعة رقم 2.
شكرتها الفتاة بابتسامة فأومأت لها برأسها حينما دق هاتفها لتجد اسم صديقتها فردت بمرح:
_أنتِ تعرفين أنني أصبحت غير متفرغة للثرثرة مثلك أليس كذلك؟
لترد سارة بمرح مماثل:
_أنا المخطئة فعلاً لأنني أردت الاطمئنان عليكِ.
قالت سما بهدوء:
_لم تتحدث رهف معي بأي شيء سوى العمل، تبدو طيبة للغاية.
ثم تابعت بغيظ:
_لا أفهم كيف لأخوكِ أن يفعل بها فِعلته؟
زفرت سارة بتعب وهي تُعَلِّق:
_هو يتلقى عقابه الآن سما.
ثم تغيرت نبرتها مرة أخرى:
_ على العموم لقد أردت شكرك حقاً.
ابتسمت الأخرى وهي تجيب:
_على الرحب والسعة، لكن ما السبب؟
وجاؤها الرد سريعاً:
_النظارات الشمسية التي أرسلتها لي اليوم، لم أكن أعتقد أنكِ تذكرت شكلها عندما رأيتِ صورتي بها، لكنها بالفعل مماثلة تماماً.
ضحكت سما بشدة ثم رَدَّت:
_لكنني لم أرسل إليكِ أية نظارات سارة!
اعتدلت سارة في مقعدها وهي تهتف:
_حقاً؟! إذن هو ساري يحاول أن يتملَّقني كي أُقنع رهف بمسامحته، أيعتقد أنه سيشتري ضميري الأخلاقي وميزان العدل خاصتي عن طريق تلك النظارات الرائعة؟
ثم استدركت بابتسامة ماكرة:
_آآآآآه يا ساري المسكين! لا يعلم أنني بالفعل أعددت قائمة لمكائد متعددة ننصبها له!
تعالت ضحكات سما على الطرف الآخر هاتفة:
_أريد المشاركة معك في تلك المكائد لو سمحتِ.
وقبل أن يأتيها التعليق من سارة استدركت هامسة:
_سأُنهي المكالمة الآن، يبدو أن هناك طالب قادم، إلى اللقاء!
وضعت هاتفها على سطح المكتب ورسمت نظرة جادة على وجهها ثم:
"مرحباً، أريد التسجيل في الدورة التي ستبدأ الآن!"
وبمجرد أن رفعت رأسها حدَّقت بصدمة في "الطالب" القادم!
**********
وفي داخل القاعة:
استنشقت بعمق ثم واجهت الطلاب بابتسامة مفتعلة وهي تحاول اكتساب بعض الثقة..
لطالما تمسكت بتدريس الأطفال والمراهقين وتهرَّبت بإصرار من الأكبر سناً..
خجلاً؛
حرجاً؛
أو قلة ثقة!
لكنها ببدايتها الجديدة قررت أن تُلقي رهف القديمة بكل عِلاَّتها خلف ظهرها، قررت أن تُصبح أقوى وتواجه كل مخاوفها بشجاعة!
"مرحباً بكم، اسمي رهف، وأعمل بمجال التدريس والترجمة منذ خمسة أعوام، وسنتعرف من خلال تلك الدورة على أساسيات الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية والعكس، هلا بدأنا التعارف؟ الاسم والتخصص، وسبب الالتحاق بالدورة."
توالى التعارف بالترتيب من الطلبة والطالبات من مختلف الكليات وبأعَمَّار مُتقاربة ما بين الثامنة عشر والواحد والعشرين، وحينما همَّت بالبدء ارتفعت طرقات على باب القاعة، هتفت بترحيب وهي تقوم بتشغيل العرض على الجهاز المرئي:
_تفضل بالدخول!
لحظات والطلاب جميعهم أخذوا يتطلعون إلى الوافد ببعض الدهشة حينما انطلق الصوت من خلفها:
_مرحباً، أنا مهندس ساري صبري رشوان، عُمري اثنان وثلاثون عاماً، والتحقت بالدورة لأنني أحب مجال الترجمة ودوراتها جداً جداً!
والتفتت مُجفلة لتقع عيناها على الفور داخل عينيه الخضراوتين اللتين عادتا..
عابثتين!
**********
فتحت مَوَدَّة الباب وهي تحاول التغلُّب على إرهاقها الشديد لتشهق بتوتر وهي تهتف:
_عمي شديد؟!
صاح بها بغضب:
_أين هو زوجك؟ أخبروني أنه ليس بالمشفى!
فتحت فمها لترد لكنه أزاحها بيده وهو يدخل متطلعاً إلى أركان الشقة بازدراء:
_أهذا هو الجُحر الذي تركتما الفيلا من أجله؟
ضغطت أسنانها بغيظ وهي تحاول التمسك بأقصى درجات التهذيب لديها، بينما تابع هو بِتَهَكُّم:
_وأين هي تلك اللقيطة؟ هل تتركين حفيدي معها كثيراً؟ احذري مم يمكن أن تُكسِبه إياه في الخفاء!
وحلَّقت أقصى درجات التهذيب بعيداً وهي ترد ببرود:
_إياد بمدرسته عمي، ورهف بعملها الآن فهي تُدير مكتب الترجمة، وبالنسبة لإياد فرهف مُعلمته بالفعل منذ شهور، وأتمنى حقاً أن يكتسب بعض الأخلاق الحميدة من عمته!
التفت إليها مستعداً للصراخ عندما جاؤه الصوت الذي بات يستفزه ويُقلقه:
_مرحباً شديد بك!
حدق بعيني ابنه الذي استيقظ الآن بسبب الصوت المرتفع ثم هتف به:
_اسمع! أنا لم أتخذ ضِدك أي فعل عندما عصيتني وتركت الفيلا لتعيش مع تلك اللقيطة لأنني أعلم أنك ستأتيني يوماً نادماً بعد أن تُدرك فداحة خطأك، لكن ذلك لا يعني أنني سأظل مُتفرِّجاً على وقاحتك وجنونك هذا.
وبنبرة مُهددة أكمل:
_لا تتحداني عَمَّار، فأنت لا تعلم إلى أي مدى ممكن أن أصل!
ابتسم عَمَّار ببرود وهو ينظر لأبيه قائلاً:
_لديَّ فكرة مُبَسَّطَة، فخلال بضعة أشهر واجهت ضحيتين من ضحاياك، وما خفيَ كان أعظم!
صاح به بغضب:
_ابتعد عن قصة عقد الزواج العرفي تماماً، كُف عن البحث خلف الشهود، ولا تحاول تهديد المرأة!
كتف عَمَّار ذراعيه وهو يتساءل ببرود:
_أية مرأة؟!
اقترب أبوه منه مُجيباً بخفوت:
_لا تتخابث عَمَّار! أنت تعلم أنني أتحدث عن تهديداتك لابنة خال اللقيطة كي تُسلِّم لك عقد الزواج، لكن انس!، وإياك أن تظن أنني نسيت ما حدث في الزفاف، وما يمنعني عنك أنت وهي وذلك الحقير أنني لديّ ما هو أكثر أهمية منكم جميعاً لأنشغل به، لكنني لن أسمح لكم بالتلاعب معي أكثر من ذلك، وقريباً سيصلكم ردي!
قالها وانصرف صافعاً باب الشقة بقوة، فرمقت مَوَدَّة زوجها بقلق وسألته:
_ماذا يقصد عَمَّار؟
لكن عَمَّار لم يرد وهو يشرد بعيدا بغيظ.
**********
حاولت التركيز مع استفسار الطالبة التي تجلس أمامها لكنها كانت تكافح بالفعل!
لقد مرت نصف ساعة..
نصف ساعة فقط منذ بدء المحاضرة شعرت بها كأنها ساعات!
متوترة.. مرتبكة.. خرقاء!
وكيف لا تكون وهو جالس على مقرُبة منها مُحدقاً بها بتلك الدقة، متأملاً، مُتظاهراً بالـ..ـ
تركيز!
فالطالب المجتهد لم ينس شيئاً، بدءاً من الدفتر، والقلم، و قاموس مُصغَّر، وعبارة مُكررة كالمُجيب الآلي!..
"عفواً آنسة رهف، لم أفهم هذه النقطة!"
ونقطة تجُر نقطة تجُر نقطة...
وغباؤه منقطع النظير؛
واستفساراته لا تنتهي؛
وعشقه يقفز من عينيه؛
وكلما نظرت إليه شزراً أهداها..
غمزة!!
و..
"تباً لكِ رهف! هو يعلم أنكِ لازلت تُحبينه ويتلاعب بكِ!"
ابتسمت للفتاة وهي ترشدها بكلمات مُقتضبة إلى كيفية تخمين معنى كلمة مجهولة من خلال سياق الجملة..
وبدون أن تنظر تجاهه تشعر بعينيه تخترقانها بقوة، فأولته ظهرها وعادت إلى استكمال شرحها متشبثة ببرود مفتعل كي تنتهي تلك المُحاضرة بدون فضائح..
وبعدها ستقتل سما التي سمحت له بالدخول؛
أو ستقتل نفسها التي أحبته بذلك الشكل؛
أو ستقتله هو وتسترجع حقها بيديها؛
أو...
لا لن تقتله فهي لازالت تـ...
"اصمدي يا فتاة!"
**********
خرجت من مكتب عاصم متجهة إلى مطعم الشركة متأففة، فهو يبدو عصبياً ويتشاجر مع الجميع، وساري حضر هذا الصباح ثائراً ثم اختفى في ظروف غامضة، لتَعلَق هي بين العمل وحدها منذ أن تركت رهف وسما..
"إذن هل أحببتِ النظارات؟!"
انطلقت العبارة خلفها فالتفتت باستغراب ثم ابتسمت بإشراق هاتفة:
_دكتور حمزة! كيف حالك؟
توقف أمامها مُحدقاً بعينيها لاإرادياً وهو يجيبها:
_بخير تماماً، أنتِ تبدين سعيدة.
ضحكت برقة فازدرد لعابه وخفق قلبه بجنون ثم ردت هي:
_سعيدة جدا، بصرف النظر عن الكآبة المنتشرة بالشركة إلا أنني سعيدة للغاية، أتريد بعضاً من القهوة؟ لتوَّي أعطيت نفسي فترة راحة، ما رأيك؟
لتتسع ابتسامته وهو يرد بلهفة:
_وهل تسألينني؟!
.......
أحضر الكوبين وجلس على المقعد المقابل لها ثم سألها باهتمام:
_ما سبب سعادتك؟
ويبدو أنها كانت تنتظر السؤال فأجابت بسرعة:
_اليوم ذهبت إلى رهف بالصباح وتناولنا طعام الإفطار سوياً وقصَّت عليّ ما حدث بالأمس مع ساري وذلك الرجل قريب أخيها الذي رأيناه سوياً، وقد التحقت سما صديقتي وخطيبة عاصم بوظيفة بالمكتب، ثم اختفى ساري منذ ساعات فاسترحنا من غضبه لكن صديقه تَسَلَّم الدفَّة وتركته حالاً يصرخ في الموظف المسكين، وأفضل شيء حدث اليوم على الإطلاق أنني حصلت على نظارات جديدة بدلاً من نظاراتي التي كسرتها أنت بحذائك الغر...
بترت عبارتها وهي تعض على شفتها السفلى بحرج بينما أخذ هو يضحك باستمتاع شديد فاستدركت:
_آسفة!
هز رأسه نفياً وهو يميل على الطاولة:
_لا تأسفي!
حمحمت بحرج من نظراته التي لاحظت للتو أنها مُربكة ثم استأنفت بمرح وهي تتهرب بعينيها منه:
_ساري يدور كالمجنون باحثاً عن أي شيء يساعده في التقرب من رهف، وبدأ بي أنا فأهداني النظارات الجديدة كي.....
بترت عبارتها وهي تلاحظ انقلاب ملامحه المفاجىء فسألته بتوجس:
_ماذا حدث؟
ليسألها بتحفز:
_من الذي أهداكِ النظارات؟
هزت كتفيها مُجيبة:
_ساري!
ليسألها بحنق:
_هل أخبرك ساري أنه من أهداكِ إياها؟
فأجابته باستغراب:
_لا، لم يكن موجوداً حين استلمتها، لكنه أرسلها إليّ عبر الــ.......
بترت عبارتها وهي تفغر فاهها دهشة وذهنها يعود إلى العبارة التي ألقاها عليها ببداية اللقاء:
"إذن هل أحببتِ النظارات؟!"
لقد اعتقدت أنها تضعها فوق رأسها لكنها الآن تذكرت أن النظارات بحقيبتها بالأعلى، كيف إذن...
_هل أنت من أهديتني النظارات؟
ليتظاهر بالغضب وهو يُشيح بوجهه بعيداً ولا يرد، فمالت هي على الطاولة متابعة بلهجة آسفة:
_أعتذر دكتور حمزة، لقد اعتقدت أن ساري هو من أحضرها إليّ، اعتقدت حتى أن سما هي من أحضرتها إليّ، لكنني لم أعتقد أبداً أن تكون أنت...
وصمتت لا تجد تتمة سوى:
_لقد مرَّت شهور على ذلك اليوم فلم....
مرة أخرى صمتت، لكنه نظر إليها متأملاً ثم أتمَّ عبارتها بخفوت:
_ربما أنا فعلاً قد تأخرت كثيراً يا سارة!
وردُّه الذي يبدو عابراً يحمل بعينيه معانِ مختلفة، تهربت منها بسرعة وهي تبتسم بارتباك مُعلِّقة:
_النظارات رائعة دكتور حمزة، مثل السابقة بالضبط، كيف لا تزال تذكر شكلها؟
ورد آخر مربك لم يعُد يرغب بالتحكم به:
_ربما أنا لا أنسى أي شيء يخص من يهمونني، حتى وإن لم أدرك ذلك إلا مؤخراً!
وازداد توترها وهذا نادراً ما يحدث؛
وتزايد حرجها وهذا أيضاً نادراً ما يحدث؛
فوقفت فجأة لينظر لها باستفهام فهتفت بمرح كان الارتباك به واضحاً:
_فترة راحتي انتهت، سأضطر إلى استئناف العمل كي لا أكون هدفاً لغضب الشريرَيْن الذين أعمل معهم، إلى اللقاء دكتور حمزة، سعِدتُ بزيارتك.
أولته ظهرها تبغي هرباً سريعاً، لكن كالعادة يندفع لسانها بدون استئذان، فالتفتت إليه متسائلة:
_لِمَ جئت هنا أصلاً؟
و الرد كان
اقتراب؛
ثم تحديق؛
ثم ابتسامة؛
ثم:
_كي أراكِ!
وتوردت وجنتاها فشكِّلت مع اخضرار عينيها لوحة جمالية مذهلة!
وعندما كان ينتظر رداً أو تعليقاً أو استفساراً كي يحظى ببضعة دقائق أخرى معها فاجأته كعادتها وابتسمت بِخجل ثم.. رحلت!
**********
خلت القاعة إلا منهما وطالب آخر يتقدم نحوها بابتسامة بشوشة قائلاً:
_عفواً آنسة رهف، هناك جزء لم أفهمه، أيمكنك إعادة شرحه لي؟
ابتسمت رهف وهي تومىء للشاب بترحيب قائلة:
_بالطبع، تفضل باسم!
أشار لها إلى بضعة أسطر كتبها وهو يقول:
_لم أفهم كيف أبدأ بالــ......
"ولِمَ لا تسأل ذلك السؤال في المرة المُقبلة أثناء المحاضرة وأمام باقي الزملاء؟!"
صدح صوته القوي في القاعة خلف الشاب فنظرت له بدهشة بينما رمقه الطالب بعدم فهم فتابع ضاغطاً على حروفه بغيظ هائل:
_كي تعُم الاستفادة!
شعر الطالب بالحرج فسحب الورقة وابتسم لها بلا معنى ثم خرج..
تعالى صدرها وهبط في تنفس سريع وفجأة اتجهت إلى باب القاعة وصفعته بقوة ثم التفتت إليه مُحدقة به بغضب شديد هاتفة:
_ما الذي تفعله هنا بالضبط؟ ما الذي تفعله بمكان عملي؟ ماذا تريد مني ساري؟ ألا تتحمل فكرة أنني تخطيتك؟ ألا تتحمل فكرة أنني نسيتك وبدأت ثانية؟ ألا تتحمل فكرة أنني أستطيع استئناف حياتي بعد غدرك بي؟
اقترب منها بسرعة والندم يأكل ملامحه:
_حاولت.. والله رهف لقد حاولت، وبكل قوتي، لكنني لم أستطع!
وبنبرة انهزامية أضاف:
_الموت يحدث للإنسان مرة واحدة ، لكن أنا ظللت لأكثر من أربعة اشهر ونصف أموت يومياً بدونك، أنا...
توقف للحظات ثم استدرك بألم شديد:
_أنا.. تمنيت كثيراً أن تتخطيني وأن تنسيني وتتجاوزي بشاعة ما اقترفته بحقك، تمنيت أن تستأنفي حياتك وتجدي السعادة التي تستحقينها أخيراً.
خفُت صوته بحسرة متابعاً:
_لكنني أنا لم أستطع، لم أنس، لم أتجاوز، ولن أفعل مُطلقاً.
ارتعشت شفتاها ودمعت عيناها وهي ترمُقه بعتاب شديد فأردف برجاء:
_اقتليني رهف! اقتليني حقاً وبأي وسيلة، لكن ظلَّي معي وأنا أستقبل آخر أنفاسي، لا تحرمينني منكِ رهف!
أغمضت عيناها وزحفت دمعاتها المُتألمة على وجنتيها..
اقترب خطوة فابتعدت إلى الخلف خطوتين؛
اقترب خطوتين فالتصق جسدها بالحائط خلفها؛
وانطلق صوته هامساً أمام وجهها:
_انظري إليَّ رهف!
هزت رأسها بضعف رفضاً فكرر بإصرار:
_افتحي عينيك وانظري إليَّ!
فتحت عيناها لتغرق داخل عينيه مباشرةً فسألها بخوف واضح:
_أتكرهينني ؟!
هطلت دمعاتها بسخاء ولم ترد فتوسلها:
_أرجوكِ رهف أجيبيني! أكرهتني حقاً؟!
وجاؤه صوتها المُتألم العاتب:
_حتى وأنت تتخلى عني ببساطة لم أكرهك، حتى وأنت تُطلقني بعد نصف ساعة من الزفاف لم أكرهــــ....
قاطعها بعشق، دامع العينين:
_أُحـبِّـك رهف!
اتسعت عيناها بصدمة؛
ارتجفت شفتاها بتأثر؛
وارتعش قلبها بجنون؛
أخيراً؟!
أخيراً سمعتها منه؟!
بينما تابع هو بصوت مبحوح:
_أُحِبِّك منذ رأيتك بالمرة الأولى، أُحِبِّك وتمنيتك حينها بكل ذرة بكياني، أُحِبِّك برغم كل الأثقال التي تعلو ظهري وتُقَيِّد قلبي، أُحِبِّك ولم أحب سواكِ أبداً ولن أفعل، أُحِبِّك وأموت الآن لأنني لا أستطيع ضمك بين ذراعيّ، أموت كي أشعر بكِ بين أحضاني، أموت الآن وأريدك زوجتي ثانية بجنون!
صمت تام..
وأنفاس ثائرة؛
عشق جارف..
وعتاب صارخ؛
ليتابع بخفوت مُتألم دامع:
_كلما تذكرت أنكِ كنتِ فعلاً زوجتي وأنا من انتزعت ذلك الحق مني أتمنى لو استطعت قتل نفسي!
وبهمس توسلته:
_ابتعد!
وبهمس مماثل رفض:
_لم يعد بإمكاني!
وبهمس آخر سألته:
_ماذا تريد مني الآن؟
وبتوسل أجاب:
_تزوجيني رهف!
حدَّقت به بذهول فتابع مُسرعاً:
_تزوجيني وانتقمي مني كما تشائين، فقط عودي زوجتي رهف، أعيدي لي حقي بكِ!
والرفض علا ملامحها التي يتنازعها الألم والعتاب والتوسل فرددت بخفوت:
_مستحيل! مستحيل ساري، لم أسامحك، ولا أثق بك، أنا لا أثق بك على الإطلاق!
وانسلَّت من هالة جذبه لتفتح الباب وتُهروِل إلى الخارج..
بينما ظل هو مكانه مُغمِضاً عينيه بعذاب للحظات ثم انطلق غاضباً!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-09-20, 08:05 PM   #64

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثالث عشر
عادت من العمل والسعادة تنتشر على محياها، فبالرغم من عودة المهندس ساري إلى مقاعد الدراسة في ذلك العُمر والشجار الذي توقعته بينها وبين رهف لسماحها له بالدخول إلا أنها لم تفعل، فقد اكتفت بالانصراف والألم يبدو على وجهها ثم تبعها هو والعذاب يتسيَّد ملامحه، زفرت بضيق وهي تتساءل بداخلها:
"لماذا يؤلم الحب البعض؟"
وعلى ذِكر الحب فما إن دلفت وأغلقت الباب ثم التفتت حتى وجدته أمامها واقفاً متأهباً، فرفعت رأسها إلى الأعلى قليلاً كي تنظر إليه باستفهام..
"طويل القامة حقاً!"
_شرفتِ أخيراً آنسة سما!
"قليل الذوق فعلاً!"
_ألا تستطيعين إخبار أمي أنكِ ستتأخرين حتى لا تنتظر عودتك بقلق؟
"عديم الإتيكيت جداً!"
بعصبيته غير المبررة والغيظ ينضح من وجهه يُناظرها، رمقته بابتسامة رسمية اكتسبتها خلال عملها السابق وهي ترد:
_عُذراً! لقد كان يومي الأول بالعمل حافلاً، سأعتذر أنا لأمي.
وتخطته فأوقفها بعصبية:
_انتظري!
توقفت مكانها فاتجه إليها يواجهها:
_أين هو مكان عملك الجديد؟
اتسعت ابتسامتها وهي تجيبه بشماتة لم تحاول إخفائها:
_تستطيع سؤال صديقك عن العنوان، فقد شرَّفنا اليوم بالزيارة، وأرجو أن تُخبره أن يتهيأ جيداً للاختبار الشفوي القادم، وإلا ستُحرِجه المُعلِّمة أمام الطلاب الذين يصغُرونه بعشرة أعوام على الأقل!
عقد حاجبيه بدهشة يسألها:
_صديقي؟!
لترد بابتسامة مستفزة:
_نعم! المُهندس ساري، يستحق الاحترام فعلاً، لقد بدأ بالاستذكار بهذا السن، فأنا أعمل بمكتب الترجمة الذي تديره زوجته السابقة، واليوم قد حضر الدورة التدريبية، ألم يُخبرك؟
ثم تابعت ببؤس مُفتعل تستغل علامات الذهول على وجهه:
_شيء غريب، ألست أنت من تساعده في التخطيط والتدبير؟! ماذا حدث يا تُرى كي يستغنى عن خدماتك التحقيقية؟
ضغط أسنانه بغيظ هاتفاً:
_سما!
فانقلبت ملامحها وهي تبادله هتاف مماثل:
_عاصم!
وقبل أن يرد سألته بهدوء عاد
حزيناً؛
مُتحسراً،
خائب الأمل!
_ماذا تريد عاصم؟
وقبل أن يفكر سألها:
_لماذا أنتِ غاضبة مني سما؟ أنا لا أحب غضبك مني!
وبينما اعتلتها لمحة دهشة كان هو يغرق في بحورٍ منها، هو بالفعل لا يحب غضبها منه، هو بالفعل منذ آخر لقاء بينهما وقد أصبح نزِقاً بسبب خصامها له وهجرها إياه، هو بالفعل منذ الصباح لم يستطع التركيز بالعمل بسبب....
صاح فجأة بغضب:
_وما قصة "المشاعر الجميلة المُتبادلة" تلك؟
حدَّقت به لوهلة لا تفهم قصده ثم تذكَّرت رغبتها صباحاً في التلميح ببساطة استبداله بعد أن يتركها، فكتفت ذراعيها وتحدثت ببرود:
_إنها نوع من المشاعر ينشأ بين اثنين ويجعل حياتهما سعيدة، وأنا سأحصل عليه يوماً.
ازداد الغضب على وجهه وهو يسألها:
_أليس بيننا أي نوع من المشاعر الجميلة؟
فغرت فاهها دهشة وهي تهتف به:
_أي مشاعر جميلة يا رجل؟! أنا لم أقتلك حتى اليوم كي لا أقضي فترة شبابي بالسجن، وأنت لم تفعل المثل معي لنفس السبب!
أحنى أصابع كفيه العشر في وضع استعداد لهبش وجهها وهو يهتف من بين أسنانه:
_أعتقد أنني قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من فعلها ، أو سأقطع لسانك على أقل تقدير، أو سأثقب عينيك كما يفعلون بأفلام الرعب، ما رأيك إذن في تلك المشاعر الجميلة سما؟
والسؤال الأخير كان بابتسامة مُتحدية فمنحته مثلها وهي تجيب:
_هي متبادلة عاصم!
"هل عُدتِ يا سما؟"
والصوت الضعيف انطلق من خلف جسده الذي يمنع الرؤية عنها فانشرحت ملامحها فوراً وهي تتخطاه إلى أمه تحتضنها وتُقبِّل رأسها وتقُص عليها تفاصيل يومها الأول بالعمل، بينما التفت هو يتابعها بتدقيق وهو يتجاهل_مُتعمِّداً_ دقات قلبه الذي يحاول إزاحة الغشاوة المُجبر عليها من صاحبه، أيُعقل أنه_رغم كل احتياطاته_ قد وقع فعلاً بالفخ؟!
**********
بددت ضحكات مَوَدَّة بعض القلق الذي انتابها منذ التهديد الذي تلقته مع زوجها من أبيه، فودت لو تشكر رهف الغاضبة أو ربما ذلك الطالب المجتهد!
_أتضحكين مَوَدَّة؟! لقد كانت أول مُحاضرة وقد جاء ليُفسدها بمكره وتصنعه الغباء وأسئلته اللامتناهية وصوته المُتلاعب وتحديقه المستمر و...
بترت رهف عبارتها فاستحثتها مَوَدَّة بمكر:
_وماذا أيضاً رهف؟
وبصوت ضعيف ردت:
_لقد اعترف بحبي!
صمتت قليلاً تتشبع بمعنى عبارتها ثم أردفت:
_بعد كل ما حدث اعترف بحبي، اعترف أنه أحبني منذ المرة الأولى كما فعلت أنا، اعترف بأنه لا يطيق الابتعاد، اعترف بأنه نادم وبأنه يريد الزواج بي ثانية.
سألتها مَوَدَّة بهدوء:
_وماذا قلتِ؟
هزت رهف رأسها نفياً دامعة العينين:
_قلت لا، لن أتزوجه.
وبنفس الهدوء سألتها مَوَدَّة:
_حقاً؟! ألن تفعلي؟!
سقطت رهف على الفراش وردت يائسة:
_لا أعلم مَوَدَّة، لا أعلم وقد عاد الضياع يتملَّكني بسبب عودته.
ثم تابعت بملامح غاضبة:
_أرغب في سبُّه، في لكمُه، في ركلُه، في خنقُه.
وبيأس أشد تابعت:
_أرغب في التربيت عليه، في احتضانُه، في التمتع بكل العشق المُنبثق من عينيه!
صاحت فجأة وهي تهُب واقفة:
_أريد أن أشفي غليلي مَوَدَّة، أريد أن أُهدِّىء غضبي ولا أجد طريقة، لكنني متأكدة أنني إن استسلمت له بدون أن أسترد كرامتي سأكره نفسي.
اتسعت ابتسامة ماكرة على شفتي مَوَدَّة وهي ترد بهدوء مُثير للقلق:
_ربما هناك طريقة، لا أضمن عواقبها، لكن.. لا بأس بأن نتسلَّى قليلاً عندما تحترق دماؤه!
**********
"أخاف العيون التي تستطيع اختراق ضفافي فقد تُبصر القلب حافي، أخاف اعترافي"
محمود درويش
حدَّقت سارة في الرسالة النصية بدهشة لعدة لحظات وهي تحاول استيعاب اسم المُرسل، لينتابها خجل مشوب بـ.. غضب!
وكان ردها النصِّي أيضاً بعد لحظات:
"دكتور حمزة أنا بدأت أشعر بوجود تلميحات غير مُريحة، إذا أنا_وبدون قصد_ قد أوصلت إليك أي أفكار غير واضحة فأنا أعتذر عن سوء الفَهم!"
اتسعت عيناه بدهشة وهو يُعيد قراءة ردها عدة مرات، بدأ بالكتابة ثم محا ما كتب..
عاد ليكتب ثم محا..
عاد ليكتب ثم محا ثم اتصل!
تجاهلت الرنين للحظات وهي تحاول السيطرة على دقات قلبها لكنها في النهاية خضعت، وبنبرة صارمة رَدَّت:
_نعم دكتور حمزة؟
_هل أنتِ مرتبطة؟
وأجفلت بدهشة وتوردت وجنتاها ؛
وانتظر الرد بلهفة شديدة؛
فجاؤه ليس كما أراد:
_ألا ترى أن هذا السؤال شخصي قليلاً؟!
ليرد مُسرعاً:
_أعلم، لكني أريد إجابة حالاً.
وطبعها الناري عاد ليفرض نفسه بقوة وهي تهتف:
_آسفة دكتور حمزة، أحب الاحتفاظ بما يخصني لنفــ....
_أنا كنت مُتزوج!
شهقة مصدومة، وتوقف عن الكلام، وشعور بالــ..ضيق!
ليتابع هو:
_كنت متزوجاً لمدة ثلاثة سنوات من ابنة خال رهف.
والضيق يتملكها أكثر لكنه هرِب فجأة ليحل محله ذهول وهي تسأله:
_لحظة! هل قلت ابنة خال رهف؟! أنت لا تعني تلك الشريرة العقر...
بترت عبارتها بِندم متأخراً، والصمت المشوب بالحرج منه جاء كإجابة واضحة بالإيجاب، لتهمس رغماً عنها:
_أعتذر، لكن.. يا إلهي! لم أستطع تحملها نصف ساعة فقط، وأنت عِشت معها ثلاثة سنوات!
ثم استدركت باندفاع:
_ألازلت تُحبُها؟
فأجابها بسرعة:
_لم أحبها يوماً.
ثم تابع:
_ولا هي أحبتني.
فسألته بفضول شديد:
_لماذا تزوجتما إذن؟
ليأتيها الرد بصوت هادىء:
_كانت جارتي، ومناسبة لي، وألح عليَّ والدي من أجل الاستقرار، وهكذا وجدت نفسي أطلب الزواج منها، استمرت الخطبة لبضعة أشهر كانت كفيلة بتحذيري، لكنني كالأعمى أكملت الطريق لآخره.
سألته تلقائياً بفضول:
_لكن هل لو كانت هناك فرصة ثانية لعودتكما معاً، ستتمسك بها أم تــ......
ليقاطعها بضحكة رائقة:
_مُحال!، هي أيضاً لا تُطيقني، ذلك الزواج كان بمثابة كارثة على جميع الجهات، بالإضافة إلى أنني علمت أنها تزوجت.
فسألته بتدقيق:
_وبِمَ شعرت؟
ليجيبها بسؤال آخر:
_في أي شيء؟
لتوضح بنزق:
_عندما علمت بزواجها!
زفر بعمق وهو يجيبها:
_لا شيء، لا شيء على الإطلاق، لم أفرح، لم أحزن، أُشفِق على الضحية الجديدة فقط.
وسؤال أيضاً لا إرادي:
_ألم تشعر بالغيرة؟
وقبل أن يُجيب أردفت:
_ساري سيُجن منذ الأمس لأن خالد هذا قريب مَوَدَّة غازل رهف بمُجاملة عادية من وجهة نظره، ألم تشعر بالمثل وأنت تعلم بزواجها من آخر؟
صمت دام لِثوانِ ثم إجابة غريبة:
_الغيرة نوعان سارة: الأولى وهي الغيرة الطبيعية التي يشعر بها الرجل على زوجته من كانت هي، والأخرى مُتعلَّقة بالقلب، تُشعل النيران وتُطلق الغضب، وأنا كنت أغار عليها عندما كانت زوجتي، شيء طبيعي لأي رجل، أما عندما علمت بزواجها لم تتحرك بي أية مشاعر من ذلك النوع.
ثم صمت فانتظرت ليتابع بنبرة جعلت دقات قلبها تتسارع:
_لكن بالنسبة للغيرة الأخرى فقد شعرت بها للمرة الأولى بالأمس ، وبسبب خالد هذا أيضاً!
تظاهرت بالغباء وهي تفهم ما خلف عبارته من معانِ مُبطنة، ليستأنف هو متسائلاً:
_فهل أنتِ مُرتبطة؟
ووصلت الإجابة أخيراً:
_لا!
ليُربكها بسؤال غريب:
_إذن ما رأيك باختراق ضفافي؟!
والفَهم حلَّ عليها فجأة؛
فتوترت واضطربت وكالعادة...
تهرَّبت!
_تصبح على خير دكتور حمزة.
وبسرعة أغلقت!
ليتنهَّد هو بحرارة مُغمض العينين هامساً لنفسه:
_مُبارك عليك الورطة الجميلة حمزة!
**********
"أنا لا يعجبني ما تنويان على فعله!"
نظرت مَوَدَّة لعَمَّار الذي يقف متحفزاً لها فسألته بدهشة:
_وما الذي ننوي على فعله؟
اقترب منها هاتفاً بحنق:
_أنتِ تُشجعيها على مسامحته والعودة إليه، أتعتقدين أنني لا أفهم؟
ابتسمت مَوَدَّة بدهشة وهي تسأله:
_هل تعتقد أن رهف لن تعود إلى ساري يا عَمَّار؟
انعقد حاجباه بغضب فأضافت:
_أنت تحب أختك كثيراً وتخاف عليها وتريد تعويضها ، أعلم كل ذلك جيداً، لكنك لا تدرك شعور امرأة تتعذب بحبها وهي تعلم أن حبيبها يبادلها مشاعرها وعذابها، فلا تُطلق أحكامك بعشوائية!
همِّ بالتحدث عندما تابعت بهدوء أغاظه:
_هل فكرت يوماً بوضع نفسك مكانه؟ هل فكرت يوماً ماذا ستكون ردة فعلك إن تعرضت لنفس الحوادث البشعة التي قضت على سلامته النفسية في وقت مبكر؟
صمتت تترك له فرصة للتفكير ثم تابعت ثانية بشجن:
_لقد ثُرت فقط عندما فقدت حبيبتك السابقة، ثم أقمت الدنيا وأقعدتها عندما اكتشفت وجود أخت لك ولم تتوقف إلا عندما أصبحت معك.
صمتت فشاب نظراته القلق بينما تابعت هي بإشفاق واضح:
_أخبرني إذن بمدى غضبك ورغبتك في الانتقام عندما تفقد ثلاثة من أسرتك إلى الأبد أمام عينيك وأنت مجرد صبي عاجز ليتم اختطافك بعدها وتُعَّذب بقسوة، هل سيظل حُكمك على الأمور بمنتهى الشفافية عَمَّار، هل ستتمسك بالعقل؟ هل ستتحرَّى العدل؟
انعقد لسانه داخل حلقه فتابعت دامعة:
_هل تلوم رهف على تفكيرها بمسامحته بعد خمسة أشهر فقط من غدره بها رغم توسلاته وعذابه الذي لا يحاول إخفائه عن أحد؟ وهل فكرت أن تلُمني يوماً عندما سامحتك بعد أكثر من سبعة سنوات من الإهمال والتجاهل والهجر والبرود؟
اقترب منها مُردداً بخفوت:
_مَوَدَّة أنا..
فقاطعته بابتسامة مُتألمة:
_أنا لم أنس يوماً عَمَّار عذاب انتظاري لك، لكنني سامحت، لأنني أعلم الآن أنك تحبني، كنت أستطيع الثورة لكرامتي وأنهي زواجنا للأبد، لكنني لم أفعل لأنني أحبك.
صمتت قليلاً تحاول السيطرة على دمعاتها ثم استدركت:
_ أنا لا أقارن بين ما فعله ساري برهف بما فعلته أنت بي، لكن الحب واحد والجرح واحد عَمَّار.
حاول اجتذابها لأحضانه هاتفاً باعتذار لكنها ابتعدت مُسرِعة وهي تقول:
_سأنام الليلة بغرفة رهف، تصبح على خير!
تركته بسرعة قبل أن تغرق في نوبة ألم لم تنسه يوماً وربما لن تفعل أبداً.
أما هو فقد جذب شعره بغضب هاتفاً:
"لازلت بطىء الفهم عَمَّار!"
**********
استيقظت من نومها على إزعاج الرنين المتواصل لهاتفها فردت بصوت ناعس:
_مرحباً!
لتنتفض جالسة مرة واحدة عندما رد الطرف الآخر بهدوء:
_لقد أخلفتِ موعدنا سيدة دينا، ثم تصرفتِ بدناءة وأزعجتِني حقَّاً، تستحقين عقاباً سريعاً إذن!
وانتهت المكالمة بسرعة كما بدأت لتظل هي بفراشها مذعورة!
**********
"هل فهمتِ كيف تستطيعين جذب العميل إلى الخدمة التي تُقدمينها له دون أن تبدي لحوحة؟!"
أومأت سما برأسها سريعاً وهي تُحدق بتركيز في العرض التوضيحي الذي يُقدمه لها خالد على شاشة الحاسب الآلي، وهو الذي تعرَّفت عليه ذلك الصباح كابن عم لمَوَدَّة والذي لديه خبرة هائلة وأساليب متطورة متعلقة بمجال دراستها وعملها، بدا كريماً معها للغاية وهو يحاول إكسابها بعضاً منها..
وعلى بُعد خطوات جلست مَوَدَّة شاردة في أحد أركان صالة الاستقبال، تشعر بالضيق ولا تود البقاء بمفردها، لكن رهف انتزعتها من شرودها وهي تسألها بإشفاق:
_ألن تُخبريني ماذا فعل أخي ليجعلك على تلك الحالة منذ الأمس؟ أستطيع التدخُّل والشجار معه لأجلِك!
ابتسمت مَوَدَّة بتعب ثم تحدثت:
_خلاف عادي رهف، سيُحل إن شاء الله.
مسدت رهف على كفها هامسة:
_إن شاء الله حبيبتي، لا تحزني هكذا!
ثم نظرت إلى حيث سما وخالد يتناقشان بجدية قائلة:
_يبدو أن ابن عمك بالفعل ماهراً في أمور التسويق تلك.
علَّقت مَوَدَّة:
_جداً، حتى إن أبي يستشيره أيضاً بعمله، لكن خالد مشكوراً عرض خدماته عليَّ بما أننا لازلنا في البداية، عسى أن يُصبح للمكتب شُهرة بسبب....
بترت عبارتها وهي تحدق_مع رهف_ بالرجل الذي دلف لتوه من الخارج ويقف بهدوء مُحدقاً في سما وخالد غير المنتبهين إليه وعلى وجهه...
ابتسامة مُخيفة!
_أين رأيت ذلك الرجل من قبل؟
ألقت مَوَدَّة السؤال باستغراب لتُجيبها رهف بدهشة:
_إنه صديق ساري!
ثم هبَّت واقفة مستدركة:
_يا إلهي! إنه خطيب سما!
............
"هل أنا أقاطع حواراً شيقاً ما؟"
ظل ضخم حط من خلف مكتب سما فرفعت رأسها لتراه أمامها، ثم ما لبثت أن ضيقت عينيها بتساؤل:
_عاصم؟! ماذا تفعل هنا؟
وتجاهلها تماماً وهو ينظر إلى خالد بنفس الابتسامة البلهاء ويمد يده مصافحاً:
_جئت أتعرَّف على مكان عملك الجديد.
صمت متعمداً ثم أضاف بتشديد بينما نظراته لاتزال مُثبتة على خالد:
_يا خطيبتي!
ابتسم خالد بدهشة مُتسائلاً:
_هل أنتِ مخطوبة سما؟! أنتم غريبون هنا حقاً! رهف متزوجة ولا ترتدي حلقة، وأنتِ سما مخطوبة ولا ترتدي حلقة بدورك، ما السبب؟!
ليأتيه الرد من عاصم الذي لايزال يتمسك بكفه مبتسماً:
_نحن بُخَلاء!
ضحك خالد باستمتاع وحاول سحب كفه فلم يستطع بينما تابع عاصم يتحدث من بين أسنانه بالرغم من ابتسامته التي بدت مُريبة حقاً:
_أنا لم أتعرَّف إليك حتى الآن!
أجابه خالد سريعاً:
_أنا خالد ابن عم مَوَدَّة، وأقوم بتدريب سما.
"كنت مُحقاً ساري! جيد أنني عُدت للجاسوسية إذن!"
حمحم عاصم محاولاً إخفاء حنقه وهو يُعلِّق:
_وعلام تُدرِّب "الآنسة سما خطيبتي" يا أستاذ خالد؟
انمحت ابتسامة خالد بالتدريج وهو يحاول بقوة سحب كفه مُجيباً:
_على التسويق.
ثم أضاف بصوت خافت:
_أنت تؤلم يدي!
تدخلَت رهف بسرعة هاتفة:
_كيف حالك مهندس عاصم؟ سما بدأت بالعمل معنا والأستاذ خالد عاد لتــ...
قاطعها عاصم بابتسامته التي أصبحت مُخيفة لِيُتِم عبارتها:
_عاد لتوه من الخارج، لقد تأكدت من ذلك بنفسي!
وأخيراً نجح خالد في جذب يده من عاصم بصعوبة، لكنه ما لبث أن تحدث بتلقائية مُجاملة:
_خطيبتك رائعة مهندس عاصم!
وضعت مَوَدَّة يدها فوق رأسها بيأس بينما شهقت رهف بصدمة، أما سما فقد شعرت بالقلق وهي ترى تدلَّي فك عاصم السفلي بذهول وهو يسأله:
_خطيبتي رائعة؟!!
نظر خالد إلى أربعتهم بتوجُس وهو يؤكد:
_نعم رائعة جداً!
هتفت رهف باستدراك وهي تقف حائلاً بينهما:
_يقصد أنها تتعلم بسرعة، ذهنها هو الرائع مهندس عاصم!
والنظرة القاتلة على وجه عاصم لم ترتحل وهو يُحدِّق في خالد الذي ابتعد قليلاً مستشعراً حلول الخطر في الجو..
أما سما فقد تراقص قلبها وهي تُدرك ما يحدث؛
يغار!
عاصم يغار!
حبيبها الغبي يغار!
_خالد! أشكرك جداً على ما فعلته، أنا متأكدة أن سما استوعبت كل نصائحك، لا نريد أن نُعطلك أكثر!
هتفت بها مَوَدَّة فأومأ خالد برأسه بسرعة وانطلق إلى الخارج تتبعه نظرات عاصم المُتوعِّدة.
وعندما اختفى التفت عاصم إلى سما المبتسمة بهيام هاتفاً بذهول:
_رائعة؟!
ارتخت ملامحها بقلق فصاحت بها رهف بحزم مُفتعل:
_سما! لو سمحتِ كفى هدراً للوقت، اذهبي الآن إلى القاعة الأولى وقومي بتشغيل الجهاز المرئي.
التقطت سما الفرصة شاكرة وهرولت سريعاً إلى الداخل، بينما وقف عاصم مكانه للحظات يكاد أن يُحطم أسنانه غيظاً ثم انصرف.
...
وفي سيارته قام بمهاتفة صديقه، وبمجرد أن رَدَّ صاح به:
_لقد كنت على حق يا ساري، هذا السخيف الذي يُدعى خالد ربما نيته ليست بريئة بالفعل، لقد أصبح عدواً لي شخصياً!
وفي غرفة مكتبه هب ساري واقفاً، وبغضب صاح بدوره:
_لقد أخبرتك ولم تصدقني يا عاصم، إن أنت علمت بوجوده في مكتبها مرة أخرى احتجزه هناك ثم أغلق بوابة البناية وأخبرني!
**********
أنهت المكالمة مع أمها تشعر بضيق أكبر، فقد هاتفتها طالبة لنصيحتها بعدما تعقدت الأمور معها بهذا الشكل، واعترفت لها أنها هي من سرقت العقد من خزانتها كي لا تضعف أمها وتعطيه لشديد خوفاً منه، وهو الفرصة الوحيدة التي تضمن عدم تعرضه إليهما، وحتى عندما أخبرتها بالتهديدات الهاتفية من ابنه الآن ظلت أمها تصرخ بها بأنها كذبت عليها وخانتها شخصياً ويجب عليها حل أمورها وحدها....
انتفضت من أفكارها على اندفاع زوجها إلى داخل الغرفة، لتشعر بخوف مشوَّب بالدهشة بسبب مظهره الهائج وعودته مُبكراً، واتجهت إليه تسأله بِقلق:
_ما بك تامر؟ لماذا أتيت في هذا الوقت الــ....
وقاطعها بـ..ـ
صفعة!
صفعة أحرقت وجنتها، وسببت لها طنين بأذنها، وأشعرتها بألم هائل بعظام فكّها..
فتراجعت للخلف بذعر وهي تسأل بصوت متقطع:
_ما.. ما الذي تـــ.....
ليقاطعها مرة أخرى بجذبها من ذراعيها وهو يهتف بها:
_ما علاقتك بشديد الناجي؟ ولماذا كنتِ ببيته بالأمس؟
*****نهاية الفصل الثالث عشر*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-09-20, 10:12 PM   #65

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فصل رااااااائع حبيت سارة لما وقفت مع رهف ضد أخوها لانه العدل رهف متاكدة انها راح ترجع لساري لكن مو قبل ما تثأر لكرامتها قبل
عصام و ساري اجتمعو ضد خالد المسكين اللي مو فاهم و لا شي لكن اكيد هو اللي رح يربيهم
حاسة انه ساري هو اللي بيهدد دينا
و اخيرا راح تتعاقب دينا على أفعالها و راح تندم على حمزة اللي ضاع منها
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹😍😍😍😍😍😍😍😍👏👏👏👏👏👏👏


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-09-20, 11:33 PM   #66

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
فصل رااااااائع حبيت سارة لما وقفت مع رهف ضد أخوها لانه العدل رهف متاكدة انها راح ترجع لساري لكن مو قبل ما تثأر لكرامتها قبل
عصام و ساري اجتمعو ضد خالد المسكين اللي مو فاهم و لا شي لكن اكيد هو اللي رح يربيهم
حاسة انه ساري هو اللي بيهدد دينا
و اخيرا راح تتعاقب دينا على أفعالها و راح تندم على حمزة اللي ضاع منها
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹😍😍😍😍😍😍😍😍👏👏👏👏👏👏👏

حبيبتي يا آلاء مبسوطة جدا ان الفصل عجبك
يا رب باقي الفصول كمان تعجبك
خالد هايربيهم كلهم


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 07:52 PM   #67

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

أخباركم إيه؟
في انتظار تعليقاتكم وآرائكم في الأحداث لغاية دلوقتي
****
الفصل الرابع عشر
**من أجل حُبِّك أنتظر!
**********
اعطِني يدك يا صغيرة..
واسمحي لي برفقتك!
اعطِني يدك يا صغيرة..
ربما بقلبي وجهتك!
لا تجفلي! لا تجزعي! لا تهربي أو تمنعي!
نهاية كابوسك هنا؛
صوتك الدافىء سيصدح بِحُبي أنا؛
سارَّة اسماً وفعلاً ستكونين معي؛
وحقول عينيك ستزدهر من أجلي أنا!
حُرٌ كان قلبي حتى حَلَّ القدر..
ولم أكن يوماً لأفكر مرتين أمام القدر!
**********
"أرجوك تامر، انتظر سأخبرك بكل شيء!"
أخفت دينا وجهها بإحدى كفيها هاتفة به تتوسله بينما عربدت شياطين الغضب بوجهه بِحُرِّية تامَّة وهو يصفعها مرة ثانية يصرخ بها:
_بِمَ ستخبرينني؟ أي سبب يجعلك تذهبين إلى بيت رجل آخر دون عِلمي يا حقيرة؟!
ثم أردف متسائلاً بنفس الغضب:
_هل تخونيني معه؟
وبالرغم من حالة الدوار التي انتابتها إلا أنها هَزَّت رأسها نفياً بقوة ومن بين دمعاتها صاحت:
_لا تقل هذا يا تامر! أنا لست خائنة، لقد كنت أطلب منه أن يبتعد عنا فقط.
توقفت كفه قبل أن تصل إلى وجنتها مرة ثالثة عاقداً حاجبيه بدهشة فأسرعت موضحة:
_ابنة عمتي تهدده وهو بدوره يقوم بتهديد أبي.
أرخى يديه تماماً وهو يقول بحنق:
_لا أفهم! هلا وضحتِ لي تلك الألغاز؟!
اعتدلت في الفراش مرددة بكلمات متسارعة خشية استئنافه ضربها:
_ابنة عمتي التي أخبرتك أن علاقتها السرية مع طليقي هي ما سَببت انفصالي عنه، وُلِدَت بالأصل نتيجة زواج عُرفي، وتحاول منذ سنوات الانتساب إليه، حتى أنه قد تشاجر مع أبي منذ شهور ببيتنا طالباً منا الابتعاد عنه، والآن قد عاد ثانية مُعتقداً أننا نبتزه، وأنا قد ذهبت إليه كي أطلب منه أن يتوقف عن التعرض لنا، ولم أشأ إخبارك كي لا أتسبب في قلقك.
ثم وقفت أمامه متابعة برقة:
_لأنني أخاف عليك تامر، ولا أريد أن تتعرض للمشاكل.
لكنه دفعها مرة أخرى لتسقط على الفراش هاتفاً بنزق:
_مالي أنا ومصائبك أنتِ وأهلك؟!
ثم أردف والدهشة تسود ملامحه:
_ما هذا الهراء؟! ما هذا العبث؟! أي عائلة صاهرت أنا؟! زواج عرفي ونسب مجهول ثم تهديدات وابتزازات!
تدافعت دمعاتها بسرعة وهي تتوسله:
_ليس لنا أي ذنب حبيبي، أنا وأمي طالبنا أبي مراراً بأن نتخلص منها منذ سنوات، ولم يوافق إلا حينما جاء ذاك الرجل وضربه، لكننا لم نرض مطلقاً بوجودها.
رَفَع سبابته أمام وجهها مُحَذِّرَاً ثم هتف:
_اسمعيني جيداً، أنا لا أريد التعرض إلى الفضائح بسبب عائلتك الكريمة والمصائب الملاحقة بها، اسم عائلتي لن يُدَنَّس بسببك أنتِ!
تدافعت دمعاتها الغزيرة في صمت، بينما تابع هو بصراخ أقوى:
_وإياكِ أن تتجاوزي عتبة الفيلا دون إذني دينا، وإن خالفتِ أمري لن تدخلينها مرة أخرى!
ونظرة اشمئزاز واضحة كانت ختاماً لتهديده إياها قبل أن يستدير عائداً من حيث أتى..
وما إن خرج من الغرفة حتى وضعت كفيها على رأسها لاعنة شديد وعَمَّار..ورهف!
**********
بعد بضعة أيام:
جلست سما إلى المائدة في صمت كئيب شعرت به السيدة صفاء بسهولة، وبائت كل محاولتها الحثيثة لاجتذابها إلى الحديث بالفشل..
_ما به صوتك سما؟ لِمَ الانزعاج الدائم هذه الأيام؟ ألستِ سعيدة بعملك الجديد؟
قالتها باستسلام طالما لم تفضِ إليها سما تلقائياً، فأجابتها الأخيرة على الفور:
_لا أم عاصم، بالعكس، أنا سعيدة جداً.
لم تجد السيدة مفر من أن تقول بضيق:
_إذن هو ابني النابغة بالطبع! بِمَ ضايقك؟
سمعت صوت الملعقة ترتكن ببطء إلى الصحن فأدركت أنها أصابت التخمين الصحيح، ولما لم ترد سما تابعت بغيظ:
_أخبريني حبيبتي ماذا فعل، وسوف أعلمه الأدب.
هَبَّت سما واقفة مُحررة كل حنقها الذي تكبته بصعوبة:
_لم يفعل شيء، المشكلة أنه لم يفعل شيء على الإطلاق.
أخذت تدور حول المائدة والغيظ لا تحتاج أمها لأن تراه فهو يعبر عن نفسه بصوتها:
_أنتظر أن يجتاحه الفهم عنوة فلا يحدث، أنتظر أن ينتبه لما يشعر به أصلاً رغماً عنه فلا يفعل، هل يجب عليّ أن أقحمها في عقله إقحاماً؟!
احتل الأسى ملامح السيدة مع إدراكها للتوتر الشديد الذي ساد علاقة ابنها بسما؛
ربما كانت هي الأسعد بين ثلاثتهم حينما اضطرا للخطبة؛
ربما في لحظة ما أرادت دفع ابنها دفعاً كي يتخذ تلك الخطوة حينما استشعرت اهتمامهما المتبادل الذي تَخَفَّى في هيئة شجارات طفولية دائمة؛
لكن ها هو ابنها سيفسد الأمر الآن!
زفرت بضيق ثم قالت لها بلهجة حنونة:
_اعذريه سما، ربما قد أثَّرت تجربتي مع والده سلباً به، ربما هو خائف.
لتهتف سما بعصبية شديدة:
_مم يخاف؟! هل سأعذبه؟! هل سأقضم عنقه؟!
وقبل أن تتحدث السيدة صفاء تابعت بعصبية أشد:
_هل يحتاج لإجراء بحث شامل لاكتشاف أسباب اهتمامه بي وغيرته عليّ؟ أليس الأمر بديهياً؟!
ثم ضاقت عيناها وهي تضيف بلهجة متوعدة:
_لكنني لن أنتظر أكثر من ذلك، وتلك الخطبة المعنوية يجب أن أفهم مصيرها!
**********
كانت على وشك إغلاق باب غرفة رهف حينما أسرع هو صائحاً:
_مَوَدَّة!
التفتت له متصنعة البرود دون كلمات فاقترب منها متسائلاً بضيق:
_هل ستنامين لدى رهف اليوم أيضاً؟ لقد مَرَّت أيام ومنحتك الوقت كي تهدئي، ألازلتِ على عِنادِك؟!
أخفت حنقها بقوة وكَتَّفَت ذراعيها مُجيبة إياه:
_نعم سأنام بغرفة رهف، هل هناك مشكلة؟
حَكَّ ذقنه بِحيرة ثم قال عابساً:
_هناك حفل زفاف يخص أحد معارفي بالغد، هل ستأتين معي أم أذهب مع حمزة؟
ابتسمت بتهكُّم ثم قالت بهدوء:
_لا تقلق عَمَّار، لقد دَرَّبْت نفسي كثيراً على فصل غضبي منك عن واجباتي الاجتماعية، لِذا سأحضر بالتأكيد!
زفر بغيظ ثم رد بنبرة عاتبة:
_لم أعتد منكِ ذلك الكلام المُبَطَّن مَوَدَّة.
وبالرغم من الندم الذي شعرت به بسبب تسببها في إيلامه، فإنها تغاضت عنه بإصرار قائلة ببرود:
_اعتاده إذن!
فقد هدوئه على الفور هاتفاً بسخط:
_أكل هذا من أجل عودة ذلك السَمِج؟
واستعرت عيناه بغضب شديد متابعاً:
_بعد أن ظننت أنني تخلصت منه وأنها ستعود إليّ ها هو يُخرِّب حياتي ويهدد بقائها معي!
وعندما جَزَّ على أسنانه بغيظ انتبهت هي إلى حقيقة الأمر، فهتفت بلا وعي:
_عَمَّار!
نظر لها قائلاً بنزق:
_نعم؟!
ترددت لوهلة إلا أنها سألته بِحَذَر:
_هل.. هل تغار من ساري؟
ضاقت عيناه بسرعة وانعقد حاجباه، ثم صاح غاضباً:
_وكيف سأغار منه يا أستاذة؟ إنها أختي التي يحب، بالطبع لا أغار!
ولم يستطع الكذب يوماً؛
وتهرُّب عيناه منها قدم لها تأكيداً لا تحتاجه أكثر؛
لذا فقد رددت فخفوت شابته الدهشة:
_يا إلهي! أنت حقاً تغار منه! أنت تغار عليها منه!
هَزَّ رأسه رفضاً بسرعة وقال مشيحاً بوجهه عنها:
_لا أغار! لكن.. هل نسيتِ فعلته بها؟
أمعنت النظر بعينيه وهي ترد ببساطة:
_لم أنس، وهي لم تنس، وهو أيضاً لم ينس.. لذا هل سنظل ندور في تلك الدائرة إلى الأبد؟
ثم تابعت بأسى:
_هل تعتقد أنها طالما نجحت في عملها وتجاوزت صدمة ما حدث منذ أشهر صارت لا تحتاجه؟!
وأطلقت تنهيدة حارَّة ثم أضافت برفق:
_أنت مخطىء عَمَّار، رهف_أختك التي تحب_ تعشق هذا الرجل ولم تتخطى ذلك العشق يوماً.
عندئذٍ ظهر الاعتراض الصارخ على وجهه فأردفت بِحزم:
_كما أنك متأكد أيضاً من صدق مشاعره بنفسك، أنت من أخبرتني بذلك.
واقتربت خطوة منه مُضيفة برجاء:
_لماذا لا تدرك أن راحتهما التامة لن يحصل أحدهما عليها إلا بوجودهما سوياً؟!
فما كان منه إلا أن صاح بها حانقاً:
_أية راحة تلك التي ستحصل عليها هي في حال عودتها إليه بعد فعلته؟! أما هو فعسى ألا يجد راحته أبداً!
ولم تزد في نقاشها معه عند هذه النقطة؛
بل منحته نظرة خيبة أمل قبل أن تتمتم بحسرة:
_لا فائدة، ولن تشعر بامرأة عاشقة!
وقبل أن يدافع عن نفسه تراجعت إلى الغرفة قائلة:
_تصبح على خير عَمَّار!
وحينما صفعت الباب أمام وجهه جَزَّ على أسنانه بغيظ هاتفاً بأعلى صوته:
_منك لله أيها السمِج!
**********
رَفَعَت سما رأسها عن ذلك الملف الذي تسجل فيه حضور الطلاب عندما تناهى إلى مسامعها صوت الخطوات الواثقة، وعلى الفور تأففت بغيظ مرددة بصوت واضح:
_يا إلهي! الطالب المجتهد ثانية!
والطالب المجتهد ابتسم لها ببرود قائلاً من بين أسنانه:
_كيف حالك آنسة سما؟
وببرود مماثل أجابته دون تردد:
_تم تعنيفي بشدة وتلقيت جام غضبها باليوم التالي بسبب سماحي لسيادتك بدخول المحاضرة، لِذا أنا بخير!
وتلاشت ابتسامته على الفور تاركاً الحرية لغيظه منها ليحتل ملامحه كاملة، ثم غمغم ممتعضاً:
_لَبِئس مصيرك حقَّاً يا عاصم!
ضيَّقَت عينيها وهي تقف متخصرة ثم سألته بريبة:
_بِمَ تتمتم؟
نفض رأسه قائلاً بلا مبالاة:
_لا شيء، هل بدأت المحاضرة؟
استندت بِكفيها على المكتب ثم سألته ببرود:
_ألست مهندساً حسب اعتقادي؟! أي أن لغتك الإنجليزية فوق الممتازة ولا تحتاج للتدريب، وأنا متأكدة أنك تتحدثها بطلاقة أفضل من الجميع هنا، كما أن مجالك بعيد تماماً عن الترجمة، فيم تحتاج تلك الدورات يا تُرى؟
عادت ابتسامته الباردة باتساع أكبر ثم أجابها مؤكداً بهدوء:
_أحب أن أضيف مجالات أخرى إلى اهتماماتي، مثقف أنا وأشجع النهل من جميع أنهار المعرفة، وأؤمن بأن الإنسان يجب أن يطلب العلم بِكل أنواعه مهما كان عُمره وعمله، لِمَ يزعج حُبي للتعلم سيادتك؟!
وقبل أن ترد عاجلها بتصميم:
_اسمعي! أنا سأحضر اليوم رغماً عن أنف الجميع هنا، سأدخل تلك المحاضرة الآن، ولن تستطيع أية قوة منعي!
لكنها_على عكس اعتقاده_ ابتسمت قائلة بلا اكتراث:
_لم أقل أنني سأمنعك!
عقد حاجبيه يناظرها بارتياب للحظات ثم سألها مُتَوَجِّسَاً:
_هل أدخل إذن؟
أشارت بإحدى كفيها إلى الممر المؤدي إلى القاعات قائلة بحماس فائق:
_بالطبع تفضل، إنها في القاعة رقم ثلاثة اليوم، هيا أسرع كي لا يفوتك شيء!
منحها نظرة متشككة فطالعته ببراءة أقلقته أكثر، لكنه تجاهلها والاشتياق يدفعه دفعاً إلى حيث حبيبته..
وضع يده على مقبض الباب إلا أنه ما لبث أن تسَمَّر مكانه مُحدقاً ببلاهة في..الزملاء!
أطفال هنا وهناك أكبرهم لا يَتَعَدَّى السادسة، لا يجلس واحد منهم بهدوء، بينما توليهم هي ظهرها وتنهمك تماماً في رسم أحد الحيوانات على السبورة!
حتى المقاعد ليست كمثيلتها في القاعة الأولى، إنما تم تبديلها بأخرى اسفنجية رخوية!
ألوان متنوعة، ألعاب بكل مكان، صناديق طعام ملونة، وفوضى عارمة!
تتقافز القرود حولها حتى أن أحدهم الآن يمسح ما ترسمه فتعيد رَسْمُه بصبر تُحسَد عليه!
ولوهلة تخيلها تفعل المثل مع..طفله!
خفق قلبه بقوة وذلك الخاطر الغريب يتردد في عقله للمرة الأولى بحياته!
لقد عماه الانتقام عن أي خطط مستقبلية طبيعية تتملك من أي رجل أصغر منه سناً.
البيت، والزوجة، والأطفال، والاستقرار ثم تكوين أسرة صغيرة لم يكونوا من ضمن مخططاته مطلقاً.
لماذا الآن يشعر بذلك الاشتياق؟
ولماذا الآن يراها بداخل ذهنه ببطن منتفخة، وشهية مفتوحة طوال الوقت، وشجار معه بلا داعِ تُفَرِّغ عن طريقه تعبها ومشقتها؟
سيتحمل، بل يتمنى ذلك!
لتكن زوجته وأم أطفاله ولتفعل به ما تشاء!
زفر بحرارة في نفس الوقت الذي التفتت هي فلمحته..
وَلَّت الابتسامة الحنونة؛
وحَلَّت النظرة الحاقدة!
واتجهت إلى الباب تفتحه بعنف وتطل برأسها فقط خارجاً هامسة بغضب:
_ماذا تفعل هنا؟ هل عُدت إلى سن الروضة أيضاً؟!
ابتسم مدققاً في كل جزء بوجهها هامساً بالمثل:
_ربما وددت أن أرى كيف ستقوم أم أطفالي بتعليمهم، هل ستتسم بالصبر مثلما يحدث الآن، أم ستكون غاضبة منهم طوال الوقت كما تفعل معي؟
اختلجت انفعالاتها الداخلية وهي تشاركه تصوراته، إلا أنها كبتتها وابتسمت بحنق واضح ثم قالت:
_لا أدري، ربما لو لم تفاجئها بما يكسر قلبها لن تغضب منك كثيراً.
وبِكل حُبه الصارخ تمتم ببطء:
_ما عاش من يكسر قلبك يا رهف.
والألم احتل وجهها وهي ترد:
_عاش يا ساري، عاش وعاد مرة أخرى ربما ليكسره مرة أخرى.
لكنه هَزَّ رأسه نفياً قائلاً بسرعة:
_يموت إن فَكَّر بذلك، ويتمنى فرصة ثانية وسيثبت لكِ مدى عشقه، ألا تمنحينه إياها؟
ثم أردف برجاء:
_ألا ترحمينه وتنهي عذابه؟
هَزَّت رأسها رافضة ثم قالت بحقد:
_لا، لن أرحمه، وأتمنى أن يظل طوال عمره يتعذب يا ساري.
اقترب أكثر فعاد شعورها بالخطر خاطفاً دقات قلبها التي تسارعت في غفلة منها، وبهمس رَد:
_لا تليق بكِ القسوة يا سَكَن رُوح ساري وحبيبة قلبه، لكنني أستحقها، وسأتقبل كل ما ستفعلينه، حتى أحظى بتلك الفرصة.
والعذاب حقاً كان يجتاح عينيه الآن؛
ليعود إليها السؤال الذي يؤرقها منذ أيام..
بِمَ شعر وهو يُعَذَّب حرفياً على يد هؤلاء المجرمين؟!
نفضت أفكارها التي تدفعها للحنو عليه وتمسكت بحقدها بصعوبة قائلة بتحذير:
_لا تحضر إلى هنا مرة أخرى! هذا مكان عملي ولا أسمح بِعَبَثَك هذا به.
ابتسم بمكر متسائلاً:
_أين بإمكاني العَبَث إذن؟
ومنحته هي ابتسامة صفراء مُعَلِّقَة:
_في أحلامك!
وعلى الفور تراجعت لتغلق الباب بكل قوتها أمامه..
لِثوانِ ظل مكانه مستعيداً كلماتها وحتى نظراتها المغتاظة؛
هل يستطيع عشقها أكثر؟!
اتجه إلى الخارج عازماً على أنه سيكتفي اليوم بذلك القدر، وربما لن يتبادل الحديث مع أي فرد آخر كي يظل صدى صوتها الرقيق يتردد في ثنايا عقله.
لكن سُفُن أحلامه تحطمت على رياح لسان ضئيلة القامة!
"لماذا تركت المحاضرة سريعاً يا مهندس؟ المعلمة ستغضب كثيراً!"
ولو لم تكن خطيبة صديقه لَرَد عليها بما يتمنى، لكنه مضطر لاحترام نفسه للأسف!
منحها نظرة شريرة ثم قال:
_إنها دورة للأطفال!
أومأت برأسها إيجاباً قائلة باستفزاز:
_أعلم، هيا عُد إلى الداخل كي لا تفوتك فقرة مسرح العرائس!
اقترب من مكتبها بنظرة متوعدة ظهرت أيضاً في نبرته:
_أتعلمين؟! كنت أدرك يوماً ما أنني سأقتله، لكنني لم أكن أعتقد أن السبب سيكون خطيبته المُبَجَّلَة!
وقبل أن تتحول الشراسة في ملامحها إلى رد مماثل خرجت مَوَدَّة من مكتبها هاتفة بِجِدية:
_أهلا مهندس ساري، تفضل إلى مكتبي!
اتجه بِعَزْم خلف مَوَدَّة فصاحت سما بلهجة مغيظة:
_إن خرجت رهف وعلِمَت أنك لازلت هنا ستغضب كثيراً.
أمام باب غرفة مكتب مَوَّدة قال ببرود:
_سأهتم بمصالحتها عندئذٍ، لا تُشغِلي بالك أنتِ!
...
جلس بأدب أمام مكتب مَوَدَّة فبادرته بسرعة:
_لِمَ أنت هنا؟
وعلى الفور أجابها بصدق:
_أردت رؤية رهف.
نظرت له بتدقيق قائلة:
_لكنك تعلم أنها لا تريد ذلك، لقد أوضحت صراحةً أن كل ما بينكما قد انتهــ..
قاطعها مُشدداً والتصميم صارخاً بعينيه وكلماته:
_لم ينته، ولن ينتهي إلا بموتي.
التزمت الصمت مانحة إياه الفرصة للتعبير عَمَّا يدور بداخله، فتابع بلهجة آسفة:
_أعلم أن ما اقترفته بحقها كان بشعاً، لكن.. ألا أستحق فرصة ثانية أثبت بها ندمي وأسفي وحبي لها؟
ارتسم بذهنها حديث أمه مع رهف عن ذلك اليوم الذي فقد فيه هذا الرجل المتمسك بصلادة غريبة ثلاثة أفراد من أسرته..
ثم ارتسم بذهنها حديث زوجها عن اليوم الآخر حيث تمت إهانته على يد زوج خالتها ورجاله ثم اختطافه وتعذيبه..
وها هي تشفق حقاً عليه بالرغم من فعلته القاسية بِحق رهف؛
لكن الحب بعينيه لا يحتاج لتصريح؛
والندم أيضاً لا يحتاج لتوضيح؛
زَفَرت باستسلام قائلة برفق:
_تعلم أن طريقك صعب جداً، معها، ومع عَمَّار.
لكنه أومأ برأسه وقد بدا عليه التصميم أكثر مُعَلِّقَاً:
_أعلم، وسأصبر.
ثم أردف بصدق:
_إن كنت قد صبرت تلك السنوات كلها كي أنتقم من المُجرم، فرهف تستحق الانتظار أكثر.
وأردف برجاء غير منطوق:
_هل..هل بإمكانك مساعدتي؟
سألته باهتمام:
_وكيف تريدني أن أساعدك؟
واللهفة الصارخة تَغَلَّبَت على كلماته:
_بإقناع رهف ألا تصدني، أو تخبريني بِمَا تريدني هي أن أفعله ويرضيها..
ثم جمدت ملامحه فجأة وهو يضيف بهدوء:
_أما زوجك الدكتور فبيني وبينه لقاء قد تأخر لسنوات، لكنني أخشى إن رفض ألا أتمالك أعصابي، فلا حيلة لي عندما يتعلَّق الأمر برهف.
ورغماً عنها ابتسمت بحنان وهي تستشعر كم العاطفة التي ترافق اسم رهف حينما ينطقه هو، فزفر أنفاساً مرتاحاً موقناً أنه قد اكتسب زوجة أخيها في صفه..
شكرها ووقف ليخرج مسروراً ببوادر انتصاره في حربه لاستعادة حبيبته، لكنه قبل أن يخرج التفت إليها قائلاً بِتحذير:
_هناك شيء آخر.
أعطته نظرة استفهام دون كلام فتابع بِحنق مشتعل:
_ابن عمك المائع هذا إن ألقى عليها تحية الصباح فقط سوف أسدد له ركلة تُعيده إلى حيث المكان الذي تركه كي أُبْتَلَى أنا به هنا!
ثم تركها بملامح مندهشة وانصرف، وبدلاً من أن يخرج من الشقة بأكملها اقتادته قدماه لا إرادياً مرة أخرى إلى حيث القاعة التي تدرس بها رهف، وقف يراقبها من خلال الزجاج الذي يتوسط الباب المغلق، وتلقائياً ارتسمت ابتسامة عاشقة على وجهه..
تلاعب الأطفال وتتحدث معهم بينما ينظرون إليها بسعادة مختلطة بالانبهار؛
مثله تماماً!
نظرات بعضهم إليها تشي باهتمامهم وإعجابهم ببشاشتها وحنانها؛
مثله تماماً!
هذا الولد يقترب منها قائلاً شيئاً فتميل هي إليه لتهدي وجنته قُبلة حانية؛
رباااااه! للأسف ليس مثله تماماً!
"سأستعيدك رهف، ستصيرين زوجتي ثانية، ثم أم أطفالي، وستسامحينني حتى إن طال بي الزمن في الطلب!"
همس بها عازماً ثم أجبر نفسه على الانصراف بعدما اكتشف أنه لا يجد غضاضة في الوقوف هنا إلى الابد!
"إلى أين أنت ذاهب مهندس ساري؟ بعد دقائق سوف تُكافيء المُعَلِّمَة الطلاب المُميزين بالحلوى، انتظر حتى تختار نكهتك المفضلة!"
ولم يلتفت إلى تلك المستفزة وهو يخرج مغمغماً بغيظ:
_سأقتلع عينيك يا عاصم، سأقتلع أصابعك قبل أن ترتدي حلقتها، وسأقتلع مخك الغبي أيضاً!
وتابع وهو يكاد يفتك بأسنانه:
_لَبِئس مصيرك حقاً يا عاصم!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 07:53 PM   #68

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الرابع عشر
وعاصم كان نزقاً أكثر من المعتاد؛
حانقاً أكثر من المعتاد؛
يود تهشيم رأس أحدهم أكثر من المعتاد!
وعلى عكس المعتاد اندفع فجأة إلى غرفة مكتب سارة التي هَبَّت واقفة بذعر بينما يصيح هو بها:
_أنتِ المخطئة بالأصل!
زفرت براحة وهي تجلس ثانية ببطء، ثم نظرت له بغيظ هاتفة:
_وفيم أخطأت أنا؟! لأنني وُلِدت؟ ثم أصبحت مريم ابنة خالتي، ثم أصبحت أنت أخوها، لأتلَقَّى أنا بآخر الأمر كل هذا الغضب بلا داعِ!
استند بكفيه على سطح مكتبها هاتفاً باستياء:
_لماذا لم تقنعيها بالعمل هنا؟ لماذا تركتها تعمل بمكتب الترجمة حيث ذلك الناعم، اللامع زيادةً عن اللازم، المبتسم زيادةً عن اللازم، والمهذب زيادة عن اللازم؟!
تراجعت بمقعدها وشملت ابتسامتها المستفزة وجهها بأكمله، ثم تظاهرت بالنظر في أحد الأوراق قائلة بلا اكتراث:
_هل كنت سأخطفها؟ لقد عرضت عليها الأمر كثيراً وقبل حتى أن تترك عملها السابق، لكنها رفضت تماماً.
ثم نظرت له بوداعة متابعة:
_كما لو أنها لا تتحمل التواجد هنا بسبب شخص ما!
ثم أردفت بهدوء:
_بالإضافة إلى أنني أرى أن عملها مع رهف ومَوَدَّة أفضل لها كثيراً، ليس بازدحام المكان هنا، وظروف العمل مرنة للغاية.
استقام هاتفاً باعتراض:
_مرنة جداً بالفعل! لقد لاحظت ذلك، وهذا الذي يُدعى خالد يقدم خدماته التسويقية لها بِكرم يُحسَد عليه!
وَدَّت لو أطلقت العنان لضحكاتها التي تكبتها بصعوبة؛
فـــ عاصم الذي تواجهه الآن ليس أبداً كما عهدته؛
الغيرة تندلع بعينيه وهو يمنع نفسه من التفوه بها؛
الحب يصرخ بنظراته وهو يمنع نفسه من الاعتراف به؛
والمسكينة منذ أشهر تنتظر!
تسلَّحَت بالبرود وهي ترد:
_ لا أفهم ما مشكلتك أنت وصديقك مع خالد هذا، هل يعيبه أنه بشوش، خفيف الظل، مهذب، يتقن طريقة التعامل مع النساء؟!
ثم اتسعت عيناها بنظرة مغيظة وهي تضيف متعمدة إغضابه:
_أو هل يجب عليه أن يكون متأخر الفهم، عابس الوجه، قليل الذوق مثلاً؟!
انتفخت أوداجه حتى أنها شعرت ببعض القلق، إلا أنه سرعان ما هدَّأ نفسه بتصميم، ثم رَفَع سبابته بوجهها آمراً:
_اسمعي سارة، أنتِ ستحاولين إقناع سما بترك العمل لدى رهف بأي شكل، ثم ستقنعينها بأن تعمل بشركتنا على الفور.
ورغبتها بإثارة استفزازه هرولت عائدة على الفور، فابتسمت متسائلة:
_وإلا؟!
ضاقت عيناه وهو يجيبها بإصرار:
_وإلا لن أهتم بأي شخص وسوف أجبرها على العمل هنا بأي طريقة.
نظرت له شزراً ثم عوجت شفتيها بامتعاض متمتمة:
_رجال كهف، أنت وصديقك رجال كهف لا تدركان كيفية التعامل مع الرقيقات مثيلاتنا!
ثم وقفت ببطء ترتدي حقيبة يدها قائلة ببرود:
_على كل حال لا أعتقد أن مكان عمل سما يخصك بأي شكل، على حسب آخر معلوماتي أن خطبتكما بالأصل مزيفة، وأنها رفضت عرض التضامن الاجتماعي الذي قدمته أنت لها في هيئة طلب زواج يصدر حقاً عن شخص عديم الإتيكيت مثلك.
وتجاوزته إلى الباب مرددة بصوت قوي:
_لِذا دعها وشأنها، ربما تقابل شخصاً مهذباً يدرك الطريقة المُثلى التي تُعامَل بها الفتاة.
وعند الباب التفتت إليه بنظرة شامتة بوضوح قائلة:
_استأذنك عاصم، سأذهب لأقابل صديقتي، وسأوصل لها تحيتك.
**********
ما إن هَمَّت تغريد بفتح الباب الداخلي كي تخرج حتى تعالى نداء والدها من خلفها، انتابها توتر هائل لكنها استدارت إليه قائلة بهدوء ظاهري:
_نعم أبي؟
اتجه إليها بخطوات وئيدة تزامنت مع تسارع ضربات قلبها، وعندما توقف أمامها سألها بهدوء:
_إلى أين أنتِ ذاهبة؟
لم تستطع النظر إليه فدارت بعينيها في أرجاء البهو مُجيبة إياه بخفوت:
_أشعر بالضجر، لِذا سأتجول بالسوق التجاري القريب، ربما سأبتاع بعض الـ..
قاطعها غاضباً:
_أتخدعينني يا تغريد؟! أعلم أنكِ ستذهبين إلى أخيكِ الأبله والحشرة التي فَضَّلها علينا.
اجتاحها حنق هَدَّد بفقدانها تماسكها المعتاد، لكنه تابع صائحاً:
_هذا الأحمق انسيه تماماً، لم يعُد لكِ أخ، أنا شخصياً اعتبرت أنه مات يوم ساهم في فضحي على الملأ.
رَفَعَت تغريد رأسها إليه ثم قالت بتهذيب:
_لا أبي، أخي عَمَّار لم يمُت، وليحفظه الله لي ولزوجته وابنه..
صمتت للحظات ثم تابعت مؤكدة:
_ولأختنا!
اتسعت عيناه بدهشة فأردفت بقوة:
_رهف أختي أنا أيضاً يا أبي، هي أختي الكبرى، وأنا لن أنكر وجودها أو صلتي بها لأنك تفعل.
وقبل أن يتخلص من دهشته أضافت بثقة:
_تستطيع منعي من الذهاب إلى إخوتي، لكنك لن تقطع صلتي بهما مُطلقاً.
وانتفضت حينما صرخ بها بشراسة:
_لقد علمك أخوكِ الوقاحة، أليس كذلك؟! هيا اصعدي إلى غرفتك! لا خروج بعد اليوم إلا في صحبة الحارس الشخصي وإلى الوجهة التي أوافق أنا عليها!
ارتجفت شفتاها بتأثر لكنها التزمت الصمت وهي تتخطاه صاعدة بحسرة إلى الأعلى!
بينما هو يقف مكانه يشعر بالنيران تكاد تلتهمه..
الأمور كلها تنفلت من سيطرته؛
تتوالى المصائب ولا يستطيع إيجاد حلول لها قبل ظهور المزيد؛
وبينما كان منذ شهور يرفض صفقات مربحة لكنها لم تكن ترقى لمستوى تطلعاته؛
الآن التجار هم من يتخلوا عنه ببساطة حتى أنه اضطر لبيع بعض الممتلكات كي يُدبر أمر اتفاق جديد!
"شديد!"
التفت إلى زوجته التي تتجه إليه بغضب ما لبث أن أدرك سببه مع سؤالها التالي:
_هل قمت ببيع الفيلا الجديدة حقَّا؟!
وبجمود أجابها على الفور:
_لقد فعلت.
صرخت به بثورة:
_كيف؟! كيف تقوم بهذا دون استشارتي؟! كيف تفرط بها بعد أن انتقيت كل جزء بها بنفسي؟!
لكنه قابل ثورتها بمنتهى البرود المشوب بالسخرية مُعلِّقَاً:
_وبم ستفيدنا الفيلا الغالية حينما نُعلِن إفلاسنا تماماً؟!
شحب وجهها بلحظة قبل أن تسأله بِحَذَر:
_عن أي إفلاس تتحدث شديد؟
ثم تابعت بتوجس:
_الوضع ليس على تلك الدرجة من السوء، أليس كذلك؟!
لكنه اقترب منها هاتفاً:
_بل أسوأ يا نهال! أسوأ مما كنت أتصور أن يحدث لي يوماً.
وبمنتصف البهو وقف يصيح بكل قهر:
_أنا.. شديد الناجي، يقوم أكثر من تاجر بِفَض اتفاقاته معي خلال بضعة شهور دونما تردد بعد أن كانوا يتوسولنني كي أوافق على التعامل معهم!
ثم أضاف هادراً:
_وأعتقد انني قد أخبرتك من قبل، لكنكِ لا تهتمين بالأصل سوى باحتياجاتك فقط!
واتسعت ابتسامة مقيتة على وجهه وهو يضيف بخفوت:
_لكن في الواقع نحن نتعرض لكارثة محققة يا نهال، وإن لم أنجح في إنقاذ الاتفاقات الحالية، سوف ينتهي أمر تجارتي إلى الأبد!
**********
رحل آخر طالب بعد انتهاء موعد الدورة لليوم فأغلقت رهف الباب بعد انصرافه وعادت إلى سما وسارة اللتين تضعان يديهما تحت وجنتيهما في إعلان واضح عن البؤس والكآبة..
بينما تَوَلَّت سارة بداية الحديث قائلة:
_لو تتبعين نصيحتي وتخبرينه أنكِ تريدين إنهاء الخطبة سيعترف!
التفتت سما إليها بِحِدَّة هاتفة باستنكار:
_وهل سأجذب اعترافه تحت التهديد يا سارة؟
هَمَّت رهف بالتحدث إلا أن رنين هاتفها ارتفع في نفس اللحظة فاتجهت إليه قائلة:
_هل بإمكانكما أن تخفضا من صوتيكما حتى أجيب الهاتف؟
وما إن طالعت الاسم حتى اختلست النظر إلى سارة ثم رَدَّت بصوت عالِ:
_كيف حالك حمزة؟
توترت ملامح سارة على الفور وهي تشيح بوجهها بعيداً عن مرمى نظرات رهف التي تابعت حديثها الهاتفي:
_بخير، هل هناك ما حدث؟
أجابها حمزة بينما أصوات ضجيج السيارات تعلو حوله:
_لا، في الواقع لقد هاتفت عَمَّار ولم يجبني، وقد ترك لي رسالة نصية يخبرني برغبته بلقائي لأمر هام، هل أنتم جميعاً بخير؟
عقدت حاجبيها مع انتباهها للأشخاص الذين دخلوا لتوهم إلى المكتب، بينما هَبَّت كلا من سارة وسما واقفتين بقلق..
رَدَّت على الفور بتوتر:
_نحن بخير حمزة، لكنني الآن أنا بالمكتب ولم يهاتفني عَمَّار منذ الصباح، اليوم يقوم بإجراء بعض عمليات تصحيح البصر و...
لكنها بترت عبارتها مع ملاحظتها بدأ سما بالتحدث بِحدة مع أحدهم...
_ماذا هناك؟
سألها حمزة فأجابته بِوَجَل:
_لا أعلم حمزة، هناك ثلاثة أفراد دخلوا المكتب للتو ويبدو أن هناك مشكلة ما، إلى اللقاء!
جاؤها رده على الفور:
_لا تخافي، أنا بالقرب من المكتب، في طريقي إليكِ وإن حدث شيء يثير القلق اجمعي الجيران حتى أصل.
......
بخطوات حاولت إظهار بعض الثقة بها اتجهت إلى هؤلاء الأشخاص متسائلة بهدوء:
_عفواً، كيف بإمكاني خدمتكما؟
رَدَّ أحدهم بعصبية شديدة:
_لماذا هذا الإزعاج طوال الوقت؟ لا نستطيع التمتع بالهدوء أو النوم بسبب ضجيج أصواتكم!
اندفعت سما صائحة به:
_عن أي إزعاج تتحدث يا هذا؟!
جذبتها رهف برفق من ذراعها هامسة:
_اهدئي سما!
ثم اتجهت بنظراتها إليهم مرة أخرى متسائلة:
_بِمَ أزعجنا حضراتكم؟
ليهتف رجل آخر بها بخشونة:
_من تكونين أنتِ؟ وأين هو صاحب هذه الشقة؟
كَتَّفَت ذراعيها قائلة بِفخر تشعر به حقاً:
_أنا أخت الدكتور عَمَّار صاحب الشقة، ومديرة هذا المكتب.
والتعليق جاء من الرجل الأول متهكماً:
_إذن اتصلي بأخيكِ هذا على الفور، لن نتحمل هذه الضوضاء إلى الأبد، ولن ننصرف من هنا حتى نتحدث إليه شخصياً.
هَمَّت بالرد حينما سمعت صوت سما القلِق:
_ماذا بكِ يا سارة؟ لماذا شحب وجهك هكذا؟
التفتت تنظر إلى سارة لينعقد لسانها بحلقها؛
فالفتاة تقف خلفها تماماً متشبثة بذراع سما الأقصر منها قامة؛
زائغة العينين؛
شاحبة الوجه؛
أطرافها ترتجف بصورة ملحوظة!
وأدركت رهف أن سارة عادت الآن إلى ذلك اليوم الذي فقدت فيه نصف أفراد أسرتها؛
وبالرغم من خطورة الموقف الواقع عليهن جميعاً فإن شفقتها تجاهها أخذت تزداد بسرعة حتى شعرت بالرغبة باحتوائها بأحضانها..
**********
بضعة مرات هاتفت عَمَّار لكنه لا يجيب، وثلاثة أشخاص يجلسون أمامها والتهديد بعيونهم واضح بطريقة مبالغ بها!
"حمزة!"
هتفت بها وهي تقف فجأة مع دلوفه المندفع إلى المكتب، لكنه اتجه بنظراته إلى الرجال الذين استقاموا والتحفز بادِ عليهم بشدة وهتف بهم بجمود:
_ماذا هناك؟ ومن تكونون أنتم؟
والإجابة جاءت من أحدهم بحنق:
_نحن نقطن هذه البناية، كنا نعيش في سلام، والآن لا نستطيع النوم ولا الخلود للراحة بسبب هذا الهراء.
وقبل أن يرد حمزة استأنف آخر بغضب:
_لا نريد هذا الضجيج في البناية، لسنا بصدد تحمل وجود مدرسة هنا.
صاحت سما بهجوم وهي تنظر إليه نظرة قاتلة:
_أي مدرسة يا...
لكن حمزة قاطعها بتهذيب:
_انتظري يا آنسة من فضلك!
واتجه بحديثه إلى الرجل الأول متسائلاً بهدوء مستفز بعض الشيء:
_هل أنتم من الشرطة أو ما شابه؟
لم يرد أحدهم فعاجلهم بصرامة:
_إن كانت الإجابة بــــ"لا" فالأفضل أن تنصرفوا جميعاً قبل أن أطلبها لكم بنفسي، نحن نملك جميع التصاريح لإنشاء ذلك المكان، وكل شيء هنا قانوني تماماً.
وصياح الرجل الثاني اندفع بوجهه:
_سوف نقدم شكوى.
ليبتسم حمزة بلامبالاة قائلاً:
_أسرعوا إذن! فمواعيد العمل الرسمية على وشك الانتهاء!
ثم أردف بتحذير:
_وإياكم أن تطأ قدما أحدكم هذه الشقة مرة أخرى!
...
وعندما تأكدت من انصرافهم جميعاً سمحت لأنفاسها أخيراً بالخروج من صدرها، ثم قالت بعد برهة:
_يا إلهي! لا أعلم كيف أشكرك يا حمزة، لقد كدت أموت رُعباً.
لكنه قال ببساطة:
_اعتادي على إزعاج الجيران رهف، واتخذي احتياطاتك جيداً، شددي على التزام الطلاب بالهدوء حتى لا يُكرروها.
أومأت برأسها بالموافقة في نفس اللحظة حيث ظهرت سما من أحد الأركان هاتفة:
_سأبتاع لها بعض العصير.
وقبل أن تخرج من الشقة هتفت:
_شكراً دكتور حمزة.
وتمتمت بغيظ:
_بالرغم من أنني كنت أستطيع تلقينهم درساً لن ينسونه مطلقاً!
ولم يستمع هو إلى تمتمتها وهو يلاحظ وجود سارة بأبعد ركن بصالة الاستقبال؛
أو..
ربما قلبه هو من شعر بوجودها!
ازدرد لُعابه هاتفاً بحبور:
_كيف حالك يا سارة؟
رَفَعت عينيها المتوترتين إليه قائلة بخفوت:
_بخير دكتور.
وعلى الفور لاحظ حالتها الغريبة فنظر لرهف متسائلاً بقلق:
_ماذا بها؟
هَزَّت كتفيها مرددة بأسى:
_لا أعلم، ما إن دخل هؤلاء الرجال حتى انتابها الذعر وأصبحت ترتجف بهذا الشكل!
ولم يكن يحتاج إيضاحاً أكثر، ليتجاوز رهف ويتجه إلى حيث تجلس الأخرى محاولة تماسك نفسها بلا جدوى..
هتفت رهف بِحَرَج:
_أنا سوف أقوم بتحضير أحد دروسي بالداخل، وإن أردتما...
ثم بترت عبارتها حينما جلس حمزة أمام سارة التي تتهرَّب بنظراتها منه إلى الأرض؛
وتسمرت عيناها عليه هو..
لقد عاصَرَت علاقة حمزة بابنة خالها منذ البداية وحتى النهاية؛
دوماً ما كان مُهذَّب، صبور، متريث، هادىء؛
كان يتحمل الكثير في صمت بينما تتفاخر هي أمام أمها بقدرتها على إجباره على تنفيذ كل رغباتها؛
وحتى عندما شَبَّت الخلافات بينهما فجأة لم يُهِنها مرة واحدة؛
وحتى عندما طَلَّقها بالنهاية لم يتحدث عنها بسوء بكلمة واحدة؛
لقد رأت كل المشاعر التي انتابته خلال السنوات الثلاث؛
والعشق لم يكن من ضمنهم يوماً!
هذا العشق المقترن بالحنان الذي ينضح بعينيه الآن وهو يطالع تلك الطفلة ذات الستة أعوام التي لا تجد القدرة على النطق بحرف واحد تنقذ به أحبائها!
زفرت بألم وهي تتراجع إلى إحدى القاعات بهدوء آملة أن يستطيع حمزة التغلُّب على كل مخاوفها!
...
_هل انخفض ضغطك ثانية؟
سألها بهدوء لترفع عينيها المرتجفتين إليه بدهشة قائلة:
_ضغطي لم ينخفض من قبل.
اتسعت ابتسامة رائعة على وجهه وهو يقول بمكر:
_بل فعل، على درجات شركتكم، حينما دعست بحذائي الغريب على حافظة نظاراتك الفخمة!
لوهلة لم تفهم مقصده، ثم ما لبثت أن ارتخت ملامحها المتشنجة فجأة، حتى شاركته ابتسامته ورغماً عنها هبطت بنظراتها إلى قدميه فتظاهر بالحنق وهو يحاول إبعادهما عن مرمى نظراتها!
ضحكت برقة شديدة هددت بإنهاء حالة وقاره التي تتذبذب أمامها وحدها، ثم سألها:
_لماذا أنهيتِ مكالمتنا السابقة فجأة؟
الشحوب أخذ يرتحل بالتدريج، ليحل محله تورُد راق له كثيراً، لكنها حافظت على تهرب نظراتها منه قائلة بارتباك لم يكن للخوف علاقة به:
_لم.. لم يكن هناك حديثاً آخر لِذا...
لكنه_وعلى العكس من طبيعته_ شعر بنفاد صبره فجأة:
_سارة!
نظرت له بتساؤل فتابع بتصميم:
_أعلم أننا لم نتعارف إلا منذ فترة قصيرة، لكنني أريد التقرب منكِ أكثر، و...
ثم بتر عبارته مبتسماً بِحيرة واضحة:
_أتعلمين؟! أنا لا أفهم ما الذي يحدث معي، لم أجرب كل هذا من قبل.
ازداد التورد فقرر عدم التوقف:
_لا أفهم لِمَ هذا الارتباك والتشوُّق والتخبط في حضرتك يا سارة.
ويا لنظرته!
ويا للقيمة العالية التي يضعها بها فقط بنظرته!
وكل هذا هي أضعف من تحمُّلُه..
لذا وقفت بارتباك قائلة:
_دكتور حمزة، أنا يجب عليّ الانصراف.
لكنه وقف أمامها مانعاً عبورها مخاطباً إياها بتصميم:
_لن تتهربي كما عادتك، سؤال واحد هو ما أريد إجابتك عليه.
نظرت له بلهفة فتابع بخفوت:
_هل عدم ارتباطك إلى الآن يعني أن هناك مواصفات معينة فيمن تخططين لاستكمال حياتك معه؟
لكن عيناها ضاقتا فجأة وهي تتخصر هاتفة باعتراض:
_إلى الآن؟!
ابتسم رغماً عنه مستغرباً قدرتها الفذة على الانقلاب من الحال إلى النقيض في لحظة واحدة، بينما رَفَعَت هي إحدى حاجبيها مانحة إياه نظرة أوضح لعينيها وهي تسأل بترقب:
_هل ترى أنني تأخرت كثيراً دكتور؟
هَزَّ رأسه نافياً بهدوء:
_لا أعني ذلك.
ثم أضاف بصوت هادىء أثار قلقها:
_أقصد_ولا تفسري الأمر بأنه وقاحة مني_ أنكِ مهذبة، سليلة أسرة كريمة، خفيفة الظل، جميلة.. بعينين رائعتين حتى في حالة تعرضهما للالتهاب!
وعادت كالقطة المذعورة مرة أخرى؛
وأرخت ذراعيها إلى جانبيها مرة أخرى؛
وتمكن منها الخجل مرة أخرى؛
بينما أردف هو:
_لماذا إذن لم يسعد حظ أحدهم باقترانه بك؟!
حمحمت بحرج ثم ردت:
_لأنني لم أقابله بعد.
وضغط هو بكل قوته مستغلاً ارتباكها:
_هل يُعانون جميعاً ضعف النظر أم ماذا؟
فأفلتت منها ضحكة قبل أن تتخفى بمزاحها قائلة:
_لا تستطيع نسيان تخصصك مطلقاً أليس كذلك؟!
ثم تابعت بهدوء:
_لقد.. لقد كانت هناك بعض جلسات التعارف، والدتي تود تزويجي بشدة، بينما ساري وعاصم يدافعون عن رغبتي بالتريُث حتى أتأكد من اقتناعي التام بأحدهم.
وفجأة عقد حاجبيه مُعقِّبَاً:
_عاصم هذا صديق أخيكِ أليس كذلك؟!
فأجابته على الفور:
_هو ابن خالتي أيضاً، و_نوعاً ما_خاطب سما.
ثم استدركت بِغِية الإيضاح:
_أعني.. ليس ابن خالتي حرفياً، هو أخ ابنة خالتي من الأب، لكنه بمثابة أخ لي، مثل ساري تماماً.
وللمرة الثانية يشعر بالغيرة بسببها.. بل عليها!
لكنه تجاهل ذلك الشعور متسائلاً بتصميم:
_وما هو الشيء الذي سيقنعك بأحدهم؟
أشاحت بوجهها بعيداً مغمغمة برقة:
_لا أعلم، أنا أنتظر.
وعيناه اجتذبتا نظراتها تماماً وهو يقول:
_ربما حان وقت التوقف عن الانتظار يا سارة.
وعند ذلك القدر لم تقو هي على البقاء أكثر، لذا فقد تجاوزته مرددة بارتباك:
_أنا.. قد تأخرت كثيراً، ووالدتي ستشعر بالقلق، استأذنك..
وهتافه باسمها أوقفها رغماً عنها، أتبعه بكلماته الحازمة:
_إنها المرة الأخيرة التي سأسمح لكِ بالهرب بها، ربما سأقيدك من الآن وصاعداً حتى أستطيع إنهاء حديثي معك.
ثم أضاف بنبرة مغازلة تسمعها منه للمرة الأولى:
_إلى اللقاء جميلة العينين!
**********
هبطت رهف من البناية بعد أن أنهت عملها بذلك اليوم المرهق للأعصاب، لتجد سيارته تصطف أمام البوابة الحديدية تحجب المَدْخَل وتكاد تسد طريق الخروج، جزَّت على أسنانها بغضب وأسرعت بخطواتها تنوي تجاهله، لكنها لاحظت أن السيارة خالية..
تلفتت حولها باحثة بعينيها عنه فلم تجده، ولا تعلم متى ارتسمت الخطة الخبيثة بعقلها، ولا تعلم أيضاً كيف واتتها الجرأة لتنفيذها..
لكنها_دون تردد_ التقطت سلسلة مفاتيحها من حقيبة يدها واتجهت بخطوات عازمة إلى سيارته!
وبعد قليل:
خرج ساري من المحل الكبير حيث كان يبتاع بضعة ألواح من الشوكولاتة بِغِيَّة إرسالها إليها مع حارس البناية التي تعمل بها، إلا أنه توقف مبهوتاً أمام سيارته كما توقفت دقات قلبه للحظة...
اقترب يُحدق بسيارته الحبيبة التي تَزَيَّن سطح بابها بآلة حادة ربما، بِعبارة مُنمقة؛
وبخط واضح؛
"الطالب المجتهد.. أمير الانتقام!"
كظم غيظه بمعجزة ما، ولم يكن ليحتاج كثيراً من الذكاء كي يدرك صاحبة تلك الفِعلة!
والغيظ تحول إلى ابتسامة؛
والابتسامة تحولت إلى ضحكات لينظر بعض المارة إلى ذلك الرجل المجنون الذي يضحك بمفرده بمنتصف الشارع!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 07:55 PM   #69

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الرابع عشر
نظر عَمَّار إلى زوجته التي لم ينجح عبوسها المصمم وعقدة حاجبيها في التأثير على جمالها، إلا أنه مال على أذنها هامساً:
_على الأقل بإمكانك إظهار الفرحة قليلاً، لا يجب أن يعتقد زملائي أنني أجبرتك على الحضور!
اختلست النظر إليه ثم اتخذت قرارها فجأة، تظاهرت باللامبالاة وهي ترد عليه بهدوء:
_أنا لم أُجْبَر على شيء عَمَّار، كل ما هناك أنني أفكر فيما حدث اليوم فَحَسْب.
سألها باهتمام واضح:
_وماذا حدث اليوم؟
أشاحت بنظرها بعيداً متصنعة تأمل العروسين ثم قالت:
_شيء لن تحب سماعه، ولا يهمك بالأصل، لن يتغير قرارك بشأنه على أي حال.
لكنه ابتسم قائلاً برفق:
_ولماذا لا تخبريني؟ عَلَّني أُخَيِّب توقعاتك!
وكأنها كانت تنتظر عبارته، فألقت كلماتها مرة واحدة وهي تبتعد عن نظراته بتصميم.. وتوجُّس:
_لقد جاء ساري إلى مكتب الترجمة اليوم.
_ماذا؟!
وعندما هَبَّ واقفاً والذهول يسيطر على ملامحه جذبت كفه لتجلسه هامسة:
_اجلس عَمَّار، الناس يتطلعون إلينا!
ارتمى على المقعد متسائلاً بلهفة:
_لماذا جاء؟ هل قابلها؟ هل سامحته؟ هل ستتركني وتعود إليه؟
مطت شفتيها بضيق ثم قالت بتهكم:
_لا لم تسامحه، ولقد طردته بنفسها، هل انتابتك الراحة؟
ابتسم بزهو فعاجلته بامتعاض:
_لا تفرح كثيراً عَمَّار، إما أنها ستعود إليه بآخر الأمر، أو ستظل إلى الأبد تتعذب باشتياقها إليه.
عَبَس هو قائلاً بخشونة:
_ربما أنتِ من تعتقدين ذلك، وربما هي ستنساه تماماً بمرور الوقت.
منحته نظرة ذات مغزى ثم قالت بتشديد:
_إن كانت قد أحبته حقاً لن تستطيع نسيانه مهما فَعَل ومهما طال بها الوقت عَمَّار، واسألني أنا!
بدا الغيظ على وجهه مقترناً بالرفض فأضافت برجاء:
_هو نادم، ويريد فرصة أخرى.
هز رأسه نفياً وقال باقتضاب:
_لست موافقاً، فليبحث بمكان آخر!
احتدت نبرة صوتها وهي تقول:
_هل يريد تأجير شقة؟! إنه يريد استعادة أختك لأنه يحبها هي.
فنظر لها بابتسامة صفراء مُعَقِّباً:
_أعلم، وبالرغم من ذلك لست موافقاً!
ثم توقفت نظراته فجأة وتخشب كالصنم وهو يطالع تلك المرأة التي تقترب مع أحد زملائه القدامى.. من طاولتهم!
_ماذا هناك؟ لماذا شحب وجهك هكذا؟!
وسؤال زوجته القَلِق أخرجه من جموده فوقف على الفور قائلاً باضطراب:
_لا شيء.. هيا بنا ننصرف!
وقفت إلى جواره هاتفة بدهشة:
_لتونا وصلنا!
لكنه نظر إليها برجاء قائلاً:
_هيا بنا موَدَّة أشعر بالنعاس و...
"كيف حالك دكتور عَمَّار؟"
التفتت مَوَدَّة إلى صاحب الصوت الرجولي لتلاحظ التوتر على وجه مرافقته، بينما رد عَمَّار بارتباك:
_مرحباً!
ثم أضاف بارتباك أكثر وضوحاً:
_أهلاً دكتور محمد، أهلاً دكتورة رضوى، كيف حالكما ؟
والاسم الذي لم تنسه لسنوات أيقظ في عقلها ذكريات مريرة، مع تفسير سهل لحالة زوجها المضطربة!
........
وفي البيت:
"ألن تتحدثي معي؟"
هتف بها ما إن دلفا إلى الشقة فأجابته باقتضاب:
_لا.
لحقها قبل أن تطرق باب غرفة رهف قائلاً برجاء:
_لم أكن أعلم أنها ستحضر الزفاف، صدقيني مَوَدَّة لو كنت أعلم لم أكن لأذهب مُطلقاً.
جَزَّت على أسنانها بغيظ ثم قالت بحدة:
_لا أهتم!
نظر لها باستنكار فتابعت بتصميم:
_بلى عَمَّار، لا أهتم على الإطلاق بلقائنا بحبيبتك السابقة، ولا رغبة لديّ بإجراء هذا الحديث.
اتسعت عيناه بغضب ثم هتف:
_جيد!
وعندما كادت أن تستدير عاد مدافعاً:
_أنا لم أرها منذ أعوام.
وكزته بإصبعها في صدره صائحة بشراسة:
_تعني لم ترها منذ حضرت زفافها عَمَّار وبكيتها على صدري أنا عَمَّار.
ولم يكد يستكمل دفاعه عن نفسه حتى أغلقت هي الباب بوجهه.. مرة أخرى!
**********
"كنتِ تعلمين أنها كانت زميلته، ومن الوارد أن يتقاطع طريقاهما يوماً ما، لِمَ البكاء الآن حبيبتي؟"
قالتها رهف بمواساة وهي تربت عليها برفق، بينما مَوَدَّة تنشج إلى جوارها ببكاء غزير، إلا أنها قالت بكلمات متقطعة:
_لا أدري رهف... أشعر بالألم، أشعر بالاحتراق، كلما تذكرت أنني رأيتها الليلة، وكلما تذكرت كم كان يتعذب لعدم زواجه بها، بينما أجبرته خالتي وزوجها على الزواج بي أنا.
هتفت بها رهف بقوة:
_لا سبب لكل ذلك مَوَدَّة، وإياكِ أن تستسلمي لتلك الأفكار الخبيثة! أنتِ قلتِ بنفسك أنه لم ينظر لها مرتين ولم يوجه إليها كلمة واحدة، وها هو يدور كالضائع بالخارج في انتظار فرصة للتحدث معك.
هَزَّت رأسها رفضاً وهي تمسح وجنتيها بعنف:
_لا أود رؤيته الآن رهف.
ثم استدركت بغيظ:
_لم يطل النظر إليها وبدت عليه المفاجأة أيضاً، لكنني لا أعلم كيف يفكر، لا أعلم ماذا يدور داخل عقله.
مطت رهف شفتيها بسأم وسألتها حانقة:
_ما هذا الجنون؟! أين عقلك الذي تتميزين به؟
تعالت همهماتها الباكية وهي تردد بألم:
_ينام تماماً عندما يتعلق الأمر بِعَمَّار يا رهف.
ثم رَفَعَت رأسها قائلة فجأة:
_إنها جميلة جداً، أتدرين ذلك؟!
هَزَّت رهف رأسها نفياً بسرعة مجيبة إياها:
_وكيف سأدري وأنتِ لم تخبريني عنها سوى اليوم؟ وما ضرك إن كانت جميلة أو..
لكن مَوَدَّة قاطعتها صائحة:
_لا! أنا أجمل منها كثيراً بالمناسبة!
ارتفع حاجبا رهف وهي تطالعها بتوجس ثم ابتسمت قائلة برقة:
_بالطبع حبيبتي أنتِ أجمل.
عَبَسَت مَوَدَّة ثم قالت بنزق:
_لماذا تقومين بمهادنتي؟! أنتِ لم ترينها مطلقاً كي تحكمي!
أطبقت رهف شفتيها تاركة عينيها تعبران عَمَّ تشعر به...
"كانت زينة الفتيات، ولقد أصابها الرجل بالجنون!"
_أعتذر!
لكن مَوَدَّة أولتها ظهرها وهي تستلقي على الفراش هامسة بتعب:
_أرجوكِ أطفئي الضوء، أريد النوم.
**********
أغلقت السيدة سناء مدبرة شئون فيلا شديد الناجي غرفة مكتبه بعد أن دلف إليها مُساعده، وارتفع على الفور صوت رئيسه الذي يغرق في مكالمات هاتفية منذ ساعات:
_ماذا هناك يا أنور؟
اقترب أنور من المكتب قائلاً بابتسامة هادئة:
_لقد فعلت ما أمرتني به يا بك، بعض الجيران ذهبوا إليها وتشاجروا معها، لكن.. الدكتور عَمَّار لم يكن هناك.
رَفَع شديد عينيه القاسيتين إليه متسائلاً باقتضاب:
_ثم..؟
وبسرعة رد أنور:
_ثم هددوها وتلك الفتاة التي تعمل معها، وقد أكدوا لي أنها كانت مرتعبة تماماً!
لم يُعَلِّق شديد فتابع أنور بقلق:
_ثم جاء رجل ما وطردهم وحذرهم، للأسف لم تكن وحدها.
انعقد حاجبا شديد متسائلاً باهتمام:
_أي رجل؟
وأجابه مساعده بلهجة من أدى واجبه قبل أن يأمره به رئيسه:
_لقد استقصيت الأمر، وعلمت أنه صديق الدكتور عَمَّار.
جَزَّ شديد على أسنانه بِغِلّ؛
هذا العاق يقف له كالشوكة في الخاصرة؛
يحرسها كالكلب وحتى أصدقاؤه أيضاً؛
والمصيبة الأكبر تهديده لدينا والتي لا يثق هو بتماسكها أمامه؛
ربما تخضع له بآخر الأمر اتقاءاً لِشرُّه!
_أريد الانتظار يومين ثم تكرارها مع زيادة حدة التهديد، لا أرغب لها بأن ترتاح، وليرى عَمَّار نتيجة نبشُه فيما لا يخصُّه.
هتف بها بصرامة اختلطت بالتوعد لهما معاً!
**********
راقبت شاشة هاتفة التي تضىء باسمه منذ دقيقة كاملة بعد أن أخرست صوته لئلا يستيقظ أخيها بعد أن دلف إلى غرفته يائساً من التحدث مع زوجته الليلة..
ولما بدى لها أن المتصل، لحوحاً ومثابراً ومن أجلها متفرعاً زفرت بضجر واستدعت أقصى طاقة من البرود ثم أجابته:
_ماذا تريد؟
والنبرة الرخيمة الهادئة دغدغت أذنها وهو يسألها:
_هل وصل لوح الشوكولاتة إليكِ مُعلمتي؟
عقدت حاجبيها دهشة وهي تستعيد لحظة أن أعطتها زوجة حارس البناية لوحاً ضخماً من الشوكولاتة دون إخبارها بالمرسل..
_إذن أنت من أرسلته!
والزمجرة الخشنة اقتحمت سمعها قبل أن يسألها بنبرة تحذيرية:
_وهل هناك سواي من يجرؤ على إرسال أي شيء إليكِ؟
أغمضت عينيها والتزمت الصمت لبعض الوقت شاركها هو به..
وكأنه.. وكأنه يستمتع حتى بصمتها طالما يستحوذ عليه هو!
_ماذا تريد يا ساري؟
وسؤالها المتألم تلقَّى إجابته المتلهفة:
_أريد العفو رهف.
وبمنتهى البرود رَدَّت:
_لن أمنحك إياه.
ثوانِ مَرَّت حتى وصلتها كلماته، والتي بالرغم من الثقة التي شابتها فإن هناك قدراً هائلاً من الألم كان محسوساً بكل حرف بها:
_ستفعلين، وإن استمر غضبك مني وحقدك عليّ، في نهاية المطاف ستفعلين.
والألم تجاهلته بِتعمُّد، والثقة أثارت غيظها بشدة، لتهتف به بنزق:
_إن كنت تتصل كي تهذي بآمالك التي لا طائل منها سأنهي المكالمة.
_آمالي ستتحقق رهف، كما أنني اتصلت كي أقل لكِ:"سُلِّمَت يداكِ!"
والغيظ الذي نطق به عبارته الأخيرة جعلها تشعر بالدهشة، فما لبثت أن سألته:
_علام؟!
وكادت أن ترى ابتسامته بينما يقول بخفوت:
_على النقش الرائع الذي زينتِ به سيارتي، ولو بإمكاني لتركته كتذكار منكِ للأبد!
زفرت بتعب ثم قالت بهدوء لا تشعر به حقَّاً:
_ابتعد عني يا ساري! دعني أرمم قلبي دون تواجدك حولي.
وزفرته هو جاءت حارقة؛
مُشتاقة؛
مُعَذَّبَة؛
ثم أتبعها بتعليق جعلها تشعر بالمثل:
_لقد كنت بعيداً لأكثر من أربعة أشهر رهف، لِمَ لم ترممينه؟
ولم يكن يسألها حقَّاً، حيث تابع بخفوت:
_ما إن تَفَوّْهت بهاتين الكلمتين اللعينتين بقاعة الزفاف حتى انزاحت الغشاوة عن عيني، انقض الندم على روحي وتمنيت لو استطعت إعادة الزمن إلى الخلف دقائق قليلة فَحَسْب.
ثم أردف بسؤال شابه الألم:
_لِمَ تعتقدين أنني انتظرت كل ذلك الوقت إذن يا رهف بالرغم من أنكِ لم تغيبي عن عيني يوماً واحداً؟
وقبل أن تفهم أجاب سؤاله بنفسه على الفور:
_كنت أمنحك الفرصة كي تنسيني، كنت أتمنى أن تتجاوزي جريمتي، بل إنني_رغم عذابي_ كنت أشعر بالسعادة من أجل رهف الجديدة، القوية، الواثقة.
ثم زَفَر قائلاً بخليط من الراحة والعذاب:
_لكنكِ لم تنسِ، كنت أرى تفكيرك بي في عينيكِ، بالضبط كما كانت عيناي تحترقان شوقاً لنظرة واحدة منكِ!
أغمضت عينيها تنهر دمعاتها التي ستفضح ضعفها أمامه، لكنه تدخل على الفور محرراً إياها هامساً بحرارة:
_أنتِ وأنا.. لا خيار لنا في عشقنا، لا نهاية له، لا مرسى إلا باجتماعنا سوياً، ولا اكتمال لأحدنا دون تواجد الآخر.
والتصميم تخلل همسه التالي:
_وأنا لن ينتابني اليأس في استعادتك رهف، إذا كان مستقبلي لن يتضمنك، على الأقل لن أحرم نفسي من الأمل بالحصول على عفوك يوماً.
ثم كانت الحسرة ما تَوَلَّت نبرته المستسلمة:
_سأنتظر، سأتشرب مرارة صبري حتى تصير علقماً، لكن افتراقنا لن يكن أبدياً.
وتلقف الأمل صوته الذي تحشرج على حين غرة:
_وذلك اليوم.. ذلك اليوم يا رهف بعد أن تصبحي زوجتي ، حينما سأتلمَّس بأناملي أهدابك، حينما تصيرين بِكُلِيَتك ملكي أنا وحدي، حينما أفوز بكأس غفرانك عن استحقاق، آتِ لا محالة، ومن أجله دوماً سأنتظر!
وبيد أغلقت الهاتف، وبالأخرى كتمت شهقات بكائها؛
وها هي الآن ترى نفسها تتألم، وترفض، وتقبل، وتنتظر؛
وها هي ترى وجهه الحقيقي؛
ترى ساري الحقيقي، ذلك الصبي الذي لاقى من الألم ما لا يتحمله أقوى الرجال؛
ترى ساري الغارق في عشقها، ترى قلبيهما يصرخان بها معاً؛
أن اغفري! سامحي! اختطفي سعادتك ولا تلقي بالاً لــ...
كرامتك؟!
لا.. لا تستطيع فعلها بعد!
**********
"أنتِ أيضاً تعانين الأرق؟"
التفتت إلى أخيها مجفلة ثم دارت دمعاتها على الفور، واصطنعت نبرة ماكرة:
_أنت لا تعاني الأرق عَمَّار، أنت لا تستطيع النوم بعيداً عن حبيبتك.
ابتسم وجلس إلى جوارها على الأريكة البسيطة أمام شاشة التلفاز التي لا يراها أحدهما، ثم سألته بفضول:
_متى أحببتها عَمَّار؟
انمحت ابتسامته وعادت الحيرة إليه مغمغماً:
_لا أعلم، بالفعل لا أعلم...
ثم تابع بصدق:
_لكن عندما كدت أن أفقدها اكتشفت أنني لا أقوى على التفريط بها، وليس لإياد شأن بهذا.
استندت رهف على كتفه فأحاطها بذراعه، بينما سألته بفضول أشد:
_وتلك الأخرى التي تُدعى رضوى؟
نظر لها مندهشاً فابتسمت قائلة:
_لقد أخبرتني مَوَدَّة بكل شيء عَمَّار، ولقد فوجئت بك حقَّاً، أنا أرى حبك لها واضحاً بعينيك، كيف استطعت إيلامها طوال تلك السنوات؟ وكيف استطاعت هي التحمُّل؟
زفر بضيق وارتسم الامتعاض على وجهه مردداً بخفوت:
_أصدقك القول رهف، أنا أشعر بالاشمئزاز والنفور من شخصيتي السابقة، وأشد ما أندم عليه إهمالي لِمَوَدَّة وخذلاني لساري.
لم تفته ارتجافة جسدها ما إن أطلق الاسم فازداد الامتعاض على وجهه وهو يعتدل بمواجهتها قائلاً بحنق:
_وبالحديث عن ذلك السمِج، بِمَ حدثك عندما جاء إلى المكتب؟
تسلَّمَت حيرته على الفور وقالت:
_يريد فرصة ثانية.
عقد حاجبيه عابساً يسألها بنفس الحنق:
_وهل ستمنحينه إياها؟
نظرت له بتساؤل مرددة:
_أريد أن أفعل، وأيضاً لا أريد.
ثم أضافت بأسى:
_أتعلم؟! لطالما رأيت بعينيه خوفاً لم أفهم له سبباً، ولطالما كان حبه لي يُنازِعه تحذير صارخ، كان يحاول إبعادي عنه بينما يشدني إليه، وأنا لم أدرك.. لم أدرك أنه كان يحاول إنقاذي.
وشخصت ببصرها بعيداً عنه متابعة:
_لم أدرك أن ذلك الرجل الذي استشعرت قوته وهدوءه يخفي ضعفاً وغضباً بعمر أعوام من العذاب اللانهائي.
تعلَّقَت عيناه بها مُدققاً؛
منذ أن عادت إليه بنفسها وقد بذل أقصى جهده كي يمحو عذابها الذي طال لسنوات؛
بهدوء وبِرَوِيَّة نَجَح مع زوجته في تعويضها عن عدة جوانب حُرِمَت منها؛
لم يعد يرى حاجتها لوجود أب؛
ولا أخ؛
ولا أخت أو أم؛
أمان.. حنان.. سَنَد.. حماية.. وعائلة!
يُجزِم أنها لم تعُد تشتاق لأيُّهُم؛
لكن...
جانب وحيد لم يستطع تعويضها عنه؛
حُبها لذلك الرجل الذي لم يخف عليه محاولاتها المستمرة الفاشلة للتظاهر بنسيانه؛
نظرتها التي تعترف ببساطة باحتياجها إليه هو تحديداً..
والآن ماذا عليه أن يفعل ؟
أيشجعها على العودة إليه برغم ما فعل؟
أم ينهرها عن التفكير به ويضع حداً لذلك الأمر إلى الأبد؟
_يُحبك!
قالها عَمَّار ببساطة بينما ملامحه تصرخ بالغيظ دونما سبب، نظرت له بترقب فتابع باستسلام:
_للأسف هو يُحبك جداً، أي أعمى يستطيع اكتشاف ذلك بسهولة.
ويبدو أن ما قاله لم يمنحها راحة، فاقترب منها ليسألها باهتمام:
_ألازلتِ تحبينه حقاً؟
والإجابة كانت واضحة مرئية بنظرتها الصامتة، فعاد الامتعاض إليه ثانية وهو يسأل باستنكار:
_أكل هذا لأن عينيه خضراوتين؟
ارتفع حاجباها إلى الأعلى واتسعت حدقتاها دهشة لتسأله باستنكار مماثل:
_هل تعتقد أنني سطحية عَمَّار؟
وعدم الرضى احتل وجهه وهو يشيح به عنها، فمالت هي على كتفه ثانية تتنعم بالحنان الصادر منه تجاهها طوال الوقت، وبعد بضعة دقائق قالت فجأة:
_إذن..كنتما أصدقاء!
لا ترى وجهه، لكنها تجزم بالحسرة التي تفيض من كل خلجاته أثناء قوله:
_كنا على وشك أن نصير أصدقاء، وأعلم أنه كان ليكون بمثابة أخ لي أيضاً، رأيته ذات مرة بصحبة إخوته أمام المصنع، وبالرغم من أن حالتهم المادية كانت سيئة للغاية إلا أن السعادة والرضا كانا واضحين تماماً، كان يهتم بهما كالأب!
ودونما تفكير أو تخطيط سألته برهبة:
_هل رأيت.. سامر؟
اهتز صوت عَمَّار وأجابها بخفوت:
_كان طفلاً جميلاً للغاية، عيناه خضراوتان مثل ذلك الأحمق بالإضافة إلى شُقرة بسيطة لفتت انتباهي، لكن المرض كان قد أنهك ملامحه البريئة..
ترقرقت عيناها بالدموع وعقلها يرسم لها نسخة بريئة مطابقة لِسارة، لكن.. أشد ضعفاً..
_وعندما.. عندما علمت بوفاته شعرت بحسرة، وإلى الآن لا أتصوَّر كيفية شعور ساري أو أمه أو أخته وذلك الطفل يموت أمامهم.
والإضافة التي قام بها زادت في إيلامها، لكن يبدو أنه لم يكتفِ بذلك حتى استكمل بصوت مبحوح:
_لقد سمعت التفاصيل مصادفة من أحد رجال شديد بك الذين كانوا يحرسون بيت عَم صبري رحمه الله وقتما كان يرتكب جرائمه بحق أسرته، وحينها_وللمرة الأولى_ بحثت بِجِدية عن طريقة أستطيع من خلالها تغيير اسمي!
انتفضت رهف تحدق بعيني أخيها بدهشة..
ألم، وذنب، وحسرة..
وماضٍ لا يرحل أبداً!
_لا ذنب لك عَمَّار، لم تكن تستطيع مساعدته، أنت تكبره بعام واحد فقط.
رمقها باستفهام ثم سألها باستهجان:
_أتعتقدين أنه أيضاً يفكر بهذه الطريقة؟
ولم ينتظر إجابتها وهو يهُز رأسه نفياً متابعاً بنبرة موقنة:
_لا رهف، ساري يلومني أنا، لقد رأيت ذلك واضحاً بقاعة الزفاف، كان ينتظر مني شيئاً، مساعدة.. مؤازرة.. دفاع، أي شيء سوى الاكتفاء بالمشاهدة حتى اللحظات الأخيرة.
استرسلت دمعاتها على وجنتيها بينما حائط صد ذهنها ينهار بالتدريج عن صور العذاب التي تعرَّض لها..
لكن عَمَّار رسم شراسة مُفاجئة على وجهه ثم حَذَّرَها قائلاً:
_وهذا لا يعني أن تسامحيه أنتِ كالخرقاء، لا شأن لكِ بما بيني وبينه.
وما إن أنهى كلماته حتى انطلقت الأصوات التحذيرية في عقله هو..
هي تحبه، وهو يحبها؛
هو أخطأ، ويستوجب العقاب؛
أنت لن تجبرها على أي قرار؛
أنت لن تكون شديد الناجي يا عَمَّار!
انتفض واقفاً فجأة ثم استدرك بلا اقتناع:
_أو.. افعلي ما شئتِ! أنا لن أجبرك على أي شيء.
ثم تململ للحظات وأضاف عابساً، ناقماً:
_لكن..سأضطر لقولها للأسف، بصرف النظر عن رغبتي بضربه ثم فقأ عينيه اللتين يسحرك بهما ثم حرقه حياً والتمثيل بجثته، فإنني موقن من حبه لكِ.
وقبل أن ترد عاجلها بِجِدية:
_لكن إن رفضتِه أنتِ لن أسمح له بالتواجد بأي مكان بقربك، ما عليكِ إلا أن تخبريني فقط.
تهدَّلَت كتفاها وقالت بلا تفكير:
_أحبه عَمَّار!
استنفرت ملامحه كلها بمجرد نطقها عبارتها؛
عَضَّ على شفتيه بغيظ، وازداد عبوسه، وتقبضت كفيه بقوة..
ثم استدار عائداً إلى غرفته صائحاً بسخط:
_خرقاء، عسى أن تحترقا سوياً إذن!
**********
"هل تسمعني يا عاصم أم أنني أخاطب نفسي منذ دقائق؟"
نظر عاصم إليه ثم استقام مردداً بضيق:
_ساري، ليس لي رغبة اليوم بأي نقاش، سوف أتخذ قراري مع سارة وسنطلعك عليه.
مال ساري على مكتبه وهو يسأله بقلق:
_ماذا بك؟ هل لازلت على خلاف مع خطيبتك؟
وقبل أن يرد اندفعت سارة فجأة إلى غرفة المكتب لتتخذ جانباً ثم تتبعها..سما!
هَبَّ عاصم واقفاً بدهشة متسائلاً بقلق:
_ماذا هناك سما؟ هل أمي بخير؟ هل أنتِ بخير؟
نظرت له بابتسامة صفراء ثم قالت:
_نحن بخير تماماً عاصم، لا تقلق!
ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه وهو يقول بثقة:
_إذن لقد أدركتِ أن العمل معي أفضل من أي مكان آخر، أليس كذلك؟!
تلاشت ابتسامتها الصفراء لتحل محلها أخرى مثيرة للريبة وهي تتقدم إلى المكتب واضعة ما تحمله عليه ببساطة، ثم تراجعت إلى الباب، واستدارت لتنقل نظراتها الممتعضة بين عاصم وساري بوضوح، وقالت:
_أنا لازلت أعمل بمكتب مَوَدَّة ورهف، وهذه الشركة لا يعنيني العمل بها على الإطلاق.
وبينما هو يحدق بها بدهشة ابتسمت له ثانية وهي تتابع بنبرة سعيدة بلا سبب:
_تَقَبَّل هديتي عاصم!
وعندما انصرفت تطلع ساري بِتوجُّس إلى الصندوق الورقي الذي لا يبعد عن مرمى بصره سوى بسنتيمترات قليلة، ثم أشار بسبابته إلى حيث خرجت وهو يسأله بِعينين متسعتين قلقاً ونبرة حَذِرة:
_هي ليست مجنونة إلى الدرجة التي تجعلها تُفجر الشركة كلها بِمَن بداخلها نِكايةً بك أنت، أليس كذلك؟!
ونظرة عاصم الحائرة أنبأته أنه ليس واثقاً من الإجابة للأسف، لكنه التقط الصندوق وفتحه بفضول...
وبعد ثوانِ بينما لم تستطع سارة كبت ضحكاتها المستمتعة حقاً، نظر عاصم بِعَدَم فهم إلى ساري الذي زفر براحة وارتسم الامتعاض على وجهه واضحاً، لكن الأول نقل نظراته بينهما متسائلاً:
_ما هذا؟
ارتمت سارة على أحد المقاعد مقهقهة، ومط ساري شفتيه بملل وهو يطالع العُلبة المخملية الحمراء التي يمسك بها عاصم بِحيرة..
أنيقة للغاية؛
رقيقة للغاية؛
فخمة للغاية؛
خالية للغاية!
مخصوصة لتقديم حلقات خِطبة!
ابتسم ساري ببرود قائلاً:
_أعتقد أن الأمر واضح ولا يحتاج إلى الذكاء الذي يهرب منك بإصرار يُثير العَجَب!
وحينما ظلت نظرة عاصم تشي بِعدم استيعابه تابع ساري ببطء:
_خطيبتك المُبَجَّلَة أعادت إليك عُلبة هدية الخِطبة التي لم تبتاعها لها أنت، فارغة من الحلقة الذهبية التي لم تُلبسها إياها أنت!
ثم مال أكثر يومىء برأسه مُشدداً:
_إنها أنهت خطبتكما التي لم تعقدها عليها أنت!
وبينما اتسعت عينا عاصم بذهول أكبر، وتعالت ضحكات سارة بسبب مظهره، هَزَّ ساري رأسه آسِفاً ثم ردد بإشفاق صريح:
_لَبِئس مصيرك حقَّاً يا عاصم!
*****نهاية الفصل الرابع عشر*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-09-20, 01:25 AM   #70

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

فصل رررراااااااائع👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏👏
😂😂😂😂عاصم المسكين و الله سما راح تجننو برافو عليها
علاقة عمار و رهف جميلة جدا تحسيهم كبرو مع بعض عبتني غيرة عما عليها 💖💖💖💖💖
حمزة و سارة كووبل جميل 😍😍😍😍😍😍😍
شديد اسم على مسمى انسان كريه فعلا حتى أولاده الشرعييين و ما حن عيهم 😡😡😡😡😡
دينا تعيش الحياة التي تستحقها فعلا
الحوار السرد الشخصيات كله برفكت خاصة الكوميديا الساخرة اللي بتكون في حوار الأبطال او اثناء السرد
فعلا 👏👏👏👏👏👏رواية قوية خفيفة ظريفة على الفلب ٢🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺💖💖 💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:28 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.