آخر 10 مشاركات
الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          1027 - القدر المشؤوم - سالي وينتوورث - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          سَكَن رُوحِي * مكتملة **مميزة** (الكاتـب : سعاد (أمواج أرجوانية) - )           »          لهيب عاشق-قلوب أحلام زائرة- للكاتبة الرائعة::هبة خاطر *كاملة+روابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          إغواء البريئة (67) للكاتبة: جيني لوكاس .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          Wed for the Spaniard's Redemption by Chantelle Shaw (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1465Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-09-20, 07:46 PM   #51

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الحادي عشر
*ضياع واهتداء*
**********
مُندفعة.. مجنونة.. مُتهورة
لا أحمل همَّاً لشيء
لا أُلقي بالاً لأحد
هكذا أنا
هكذا "هم" يرونني أنا
وهكذا أستمع دائماً بابتسامتي الزاهية
فخورة بقُدرة رائعة على الإخفاء!
أُخفي قهراً ويُتماً
أُخفي عجزاً وتخبُطاً
أخفي دمعات قاسية
وحُلم قديم بصُحبة راحلين..
وأمل وَلَّى لأحضان مُسالمة
ثم كابوس أخرس يحوي دماءً باكية!
**********








استيقظت دينا تتمطى بكسل في الفراش الناعم الوثير باحثة عن زوجها بجوارها فلم تجده، حدقت في سقف الغرفة للحظات ثم أجبرت نفسها على النهوض، خرجت تبحث عنه بكل مكان منادية إياه فلم تجد إجابة، لتعود مرة أخرى إلى غرفتها وتهاتفه، انتظرت حتى جاءها صوته أخيراً مُرَحِّبَاً:
_صباح الخير حبيبتي.
ردت بصوت ناعم:
_صباح الخير تامر، أين أنت؟ لقد استيقظت لتوي ولم أجدك!
رد بنبرة جادة:
_أنا بالعمل دينا.
اتسعت عيناها بدهشة وهي تهتف:
_بالعمل؟! ألم نتفق على ألا ذهاب للعمل الآن؟! لم يمر سوى أسبوعان على زواجنا!
باستهجان واضح أجابها:
_أتريدينني أن أظل بالمنزل أكثر من أسبوعين دينا؟ هل أنا متفرغ لتدليلك فقط؟ المعرض يحتاج إلى وجودي، وأشقائي قد تحملوا غيابي الفترة الماضية.
وبضيق واضح هتفت بِحنق:
_نحن تزوجنا لتونا تامر ويجب أن..
لينطلق في أذنها صياحه الغاضب مُقاطعاً إياها:
_لا تصرخي دينا! ولا تهاتفيني أثناء العمل ثانية!، إذا تفرغت سوف أهاتفك أنا.
وبدون كلمة أخرى أنهى المكالمة لتحدق هي في الهاتف بذهول تحول بالتدريج إلى شرود...
لقد مر أسبوعان على زواجها من تامر، ابن تاجر السيارات الثري، والذي تعرّفت عليه منذ بضعة أشهر عن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعي ثم ما لبث أن أخبرها برغبته في اللقاء بها، ومن ثَم الارتباط بها!
لم تصدق أنها بعد محاولتين فاشلتين خلال فترة قصيرة أعقبت طلاقها سيتحقق حُلمها بالفعل تلك المرة!
لكنها رغماً عنها بدأت بالمقارنة بينه وبين طليقها..
حمزة وسيم.. تامر يفوقُه وسامةً؛
حمزة طبيب متوسط الحال..تامر تاجر سيارات ثري؛
حمزة من عائلة بسيطة تماثل عائلتها تماما..تامر سليل عائلة مرموقة؛
ليكسب_بالطبع_ تامر المقارنة باكتساح وتُجبر والدها على الموافقة بالرغم من عدم اقتناعه بسبب الفروقات الواضحة بين العائلتين، لكنها أرادت من يجعلها تكتشف أوجه الرفاهية المختلفة، من يحقق كل طموحاتها التي لم تنجح بتحقيقهم ببيت أبيها ثم ببيت زوجها السابق.
لكن...
بعدما عاشت معه لأسبوعين كاملين أصبحت تستطيع تبين أوجه أخرى للمقارنة..
حمزة كان واضحاً تماماً.. تامر غامض بشدة؛
حمزة كان هادئاً دوماً ويتحملها حتى عندما كانت تُثير إغضابه مُتعمدة.. تامر عصبي بشدة وينقلب مِزاجه لأتفه الأسباب؛
ثم وجه المقارنة الأخير والفاصل..
أهل زوجها!
فبينما كانت عائلة حمزة دائماً ما تحاول التقرُّب منها وإقامة علاقات ودية معه..
عائلة تامر تتعامل معها بتكلُّف شديد يتحول أحياناً إلى عجرفة واضحة وتعالي خانق؛
لكنها لم تقتنع أبداً بحياتها معه، طوال السنوات الثلاث كانت ناقمة عليه، حتى عندما اكتشف ما فعلته ثم ذهابها مع أمها إلى شديد بك وتشاجر معها مُخبراً إياها أنه لا يستطيع الاستمرار معها لم تعترض، في الواقع لقد شعرت براحة أنها ستتخلص من حياتها المملة بزواجها الرتيب منه.
ماذا ينتظرها إذن مع تامر؟
تساءلت بقلق ثم أجبرت نفسها على تجاهل السؤال، لتعود إلى وجه المقارنة الحاسِم بالنسبة إليها..
حمزة طبيب متوسط الحال.. تامر تاجر سيارات غني!
**********
اندفعت إلى غرفة مكتب زوجة أخيها هاتفة بِحماس:
_مَوَدَّة! لقد طرأت فكرة على ذهني وأريد مناقشتك بها.
رفعت مَوَدَّة عينيها عن الحاسب الآلي وسألتها باهتمام:
_أخبريني رهف! ما الأمر؟
استندت رهف على حافة المكتب أمام مَوَدَّة ثم قالت:
_كنت أفكر في استغلال خبرتي التعليمية هنا في المكتب، ما رأيك في إنشاء دورات تقوية خاصة بمجال الترجمة لحديثي التخرج بمقابل مادي زهيد، نستطيع عن طريقها إفادة الخريجين ونحصد من خلالها بعض الشُهرة؟
وقبل أن ترد مَوَدَّة تابعت رهف:
_أيضاً بإمكاننا استغلال خبرتي مع الأطفال بسن الروضة.
ظهر التفكير المُتَمعِّن على وجه مَوَدَّة ثم ردت بعد لحظات:
_نستطيع أيضاً إقامة اختبار في آخر الدورة لنختار الأفضل للعمل معنا.
ابتسمت رهف بحماس أشد وهي تهتف:
_فكرة رائعة!
بادلتها مَوَدَّة الابتسامة وهي ترد:
_ابدئي بتنفيذها فوراً، وأخبريني ما يلزم كي نبدأ بإطلاق بعض الدعاية.
مطت رهف شفتيها بتفكير ثم قالت بخفوت:
_ربما يجب علينا البحث عَمَّن لديه خبرة في مجال الدعاية مَوَدَّة، أنا لا أفقه في ذلك الأمر شيئاً.
لملمت مَوَدَّة أغراضها وهي تستقيم مُجيبة إياها:
_سنفعل بكل تأكيد، سأتحدث اليوم مع عَمَّار، عسى أن يدُلّنا على شخص ما.
نظرت لها رهف باستغراب متسائلة:
_هل ستنصرفين الآن؟
رمقتها مَوَدَّة بلا فهم، ثم ما لبثت أن استدركت باعتذار:
_اعذريني رهف، نسيت أن أخبرك، اليوم سنتناول طعام الغداء في بيت أبي حيث سيستقبل خالد ابن عمي الذي عاد من سفره منذ أسبوعين ولم تسنح لنا الفرصة للترحيب به، هل ستشعرين بالملل بمفردك؟ أستطيع أن اعتذر لأمي.
ابتسمت لها رهف بحب ثم اقتربت منها مُقبلة إياها على وجنتيها وهي ترد:
_لا حبيبتي، لن أشعر بالملل، ستكون فرصة للبقاء في هدوء بعيداً عن صخبك أنتِ وزوجك وابنك، سأبدأ على الفور في دراسة أمر تلك الدورات، استمتعوا بوقتكم.
ثم صمتت لوهلة وتابعت بتردد:
_وإن.. وإن كانت هناك فرصة لترك إياد للمبيت عند والدتك أو لإحضاره إليَّ بعد الزيارة والخروج وحدكما سوياً أنتِ وعَمَّار فافعلي!
نظرت لها مَوَدَّة بدهشة ثم تسائلت:
_لم أفهم! لِمَاذا؟
وبنبرة مُتحرِّجة ردت رهف:
_أريد أن.. أريد أن تقضي أنتِ وعَمَّار بعض الوقت بمفردكما قليلاً، منذ أن أتيت للإقامة معكما وأنتما تلازمانني، حتى عندما تخرجان لتناول الطعام بالخارج أو للتنزه أكون معكما وهذا يُشعرني بأنني أنانية و.....
أسكتتها النظرة الغاضبة بعيني مَوَدَّة التي هتفت بها:
_هل أنتِ بلهاء رهف؟!
ولما لم ترد تابعت مَوَدَّة بلهجة أقل حدة:
_هل أكسبتك شعوراً أنا أو عَمَّار في أي وقت بضيقنا لوجودك معنا؟
هزت رهف رأسها رفضاً وهي تهتف بحنق:
_لا! على الإطلاق! لكنني يجب ألا أكون....
قاطعتها مَوَدَّة بنفاد صبر:
_حمقاء! يجب ألا تكوني حمقاء أكثر من ذلك رهف، أنتِ لا تفهمين شيئاً.
نظرت لها رهف باستفهام فَزَفرت مَوَدَّة بحرارة ثم تابعت مبتسمة:
_ منذ أن علمت بوجودك وبلحاق عَمَّار بك اعتبرتك جزء أساسي في أسرتي، وعندما أتيتِ بالفعل أحببتك كشقيقة لي، كما أنني مدينة لكِ بالكثير.
نظرت لها رهف مبتسمة في صمت فأضافت:
_لولا ظهورك بحياتنا رهف لما كان عَمَّار قد ثار أخيراً على حياتنا البائسة، أنتِ هدية له ولي، لا أريد مطلقاً أن تفكري بعكس ذلك، اتفقنا؟
أومأت رهف لها بابتسامة ممتنة ثم احتضنتها دامعة فتظاهرت مَوَدَّة بالحزم صائحة بها:
_هيا يا فتاة لن نهدر الوقت في خواطر سخيفة، ابدئي بترتيب أمر هذه الدورات منذ الآن، وأريد منكِ تقريراً شاملاً على الفور.
ابتسمت لها بتشجيع و انصرفت لتحدق رهف في إثرها بامتنان شديد، ثم اتجهت إلى غرفة مكتبها لتستأنف عملها.
حينما...
"هي لازالت هناك، حبيسة قبو مُظلم، مُعلَّقة بسوط ينهال على جسدي ليُبعثر كرامتي ويمزق رجولتي!"
انتفضت فجأة واضعة يديها على أذنيها ظنَّاً منها أنها بتلك الطريقة ستُسكِت تلك العبارات اللعينة التي لم تتركها لأشهر...
فبصوته الرخيم المُعذب؛
ونظراته الضائعة الميتة؛
ودمعاته مهدورة الكرامة؛
اعتاد على اقتحام عقلها أثناء يقظتها ونومها، بعبارة لم تفهم منها شيئاً، سوى أنه
يتعذب؛
يتألم؛
وأنه قد ضاع منذ زمن!
"أنتِ تكرهينه رهف، أنتِ تكرهينه مثلما تكرهين شديد بك، أنتِ تكرهين ذلك الرجل يا رهف ولا يوجد أي احتمال آخر!"
وبتلك العبارة التي اعتادت على تلقينها لنفسها أجبرت عقلها على الانهماك في العمل وطرد صورة أي عينين خضراوتين دامعتين تتسللان إلى مُخيلتها على حين غرة!
**********
"يا إلهي! سأقدم استقالتي بنهاية هذا الشهر!"
تعلقت عينا عاصم بالموظفة التي خرجت للتو من مكتب ساري هاتفة بتلك العبارة الحانقة ويبدو على وجهها علامات الغضب الشديد، زفر بضيق وهو يعي أن الوضع بات يهدد بالقلق فعلاً، فصديقه أصبح خارج حدود السيطرة، الموظفون بدءوا بالشكوى المتزايدة بسببه، فلا يتحمل أحد التعامل معه في أوقات عبوسه وجفائه ونزقه، أما عن نوبات غضبه فحدِّث ولا حَرج!
وضعه بالضبط أصبح كما المُدمن الذي نزعوا عنه العقاقير المخدرة فجأة، وها هو يتخبط ويثور على الجميع بلا استثناء!
غيَّر اتجاهه منطلقاً إلى مكتب سارة مؤجلاً التحدث معه في ذلك الوقت، فملامح الموظفة أنبأته بحالته العصبية تلك اللحظة، لِذا فأي مناقشة في العمل ستبوء بالفشل حتماً.
وماذا عن حالته هو نفسه؟!
لا يدري!
أيامه متشابهة، عمل وزيارة يومية لأمه ثم عودة إلى البيت لينام متهربا من أي حديث وِدِّي مع والده مكتفياً بتبادل عبارات رسمية معه!
نعم لم يسامحه بالكامل؛
نعم لايزال يلومه ويعاتبه بداخله على السنوات التي حُرِم خلالها من أمه بسببه؛ نعم لا يستطيع التغاضي أو النسيان خاصة مع حالتها الصحية الضعيفة وعدم وجوده بجوارها بالرغم من كونها تتلقى الرعاية الكاملة من سما..
وسما؟!
يا لحيرته!
يا لتخبطه!
يا للتِيه الذي يسبح به مستسلماً!
لا يفهم ما الذي أغضبها منه بالمرة الأخيرة، متأكد هو من أنه أغضبها بالرغم من أنها المرة الوحيدة التي لم تُصِح خلالها به أو تُفحِمُه بأي من قصائد لسانها، لكن نظرتها كانت كافية، وكأنها قالت:
"لقد خيَّبت أملي فيك يا عاصم!"
"لقد انتظرت منك أكثر مم تستطيع يا عاصم!"
"لم تكن على قدر توقعاتي للأسف يا عاصم!"
"لقد رسبت عن جدارة في ذلك الاختبار المُبهَم يا عاصم!"
عن أي أمل كانت تتحدث عيناها؟!
وأي انتظار خذله؟!
على العكس..
هي من خذلته!
هي من أغضبته!
هي من تتحاشى رؤيته بوضوح!
لمدة أسبوعين يذهب يوميا إلى أمه فتنعزل بغرفتها حتى ينصرف، لا يراها، لا يسمع صوتها، لا تتشاجر معه، لا تخبره بمدى قلة ذوقه! ولا تخبره أنها لن تسمح له بأخذ أمها بعيداً عنها..أمه!
وهو لا يدري أين الخطأ أو متى وقع؟
لقد كان يحاول بدء علاقة طيبة معها، كان يحاول تأسيس حياة جديدة معها لأنها تناسبه من جميع الجهات وهو بالمثل..
فقط لأنها مناسبة؟!
نعم فقط!
ولا يوجد سبب آخر بالطبع..
وعند ذلك الخاطر اندفع إلى مكتب سارة صائحا بغضب:
_إن أغلقت الشركة أبوابها بسبب أخيك الذي أصبح مثل الطوفان مع جميع الموظفين سأقتله وأرتاح!
وضعت إحدى كفيها تحت وجنتها ثم مطت شفتيها قائلة بضجر:
_إذا كنت تلقي تلك المُقدمة كي أذهب أنا إليه لأخبره بتفاصيل العرض الجديد، فوفِّر على نفسك العناء، ليس بي رغبة بالشجار معه اليوم أيضاً.
جلس عاصم على المقعد المواجه لمكتبها هاتفاً بحنق:
_لقد سئمت سارة، والموظفون أيضاً فعلوا، إلى متى سيظل على ذلك الغضب؟ وممن يغضب أساساً؟ هل نحن من أمرناه أن يتقمص دور أمير الانتقام مع الفتاة المسكينة؟ ألم يكن ذلك هدفه وقد حققه؟ لِمَ هذا الجنون؟
ردَّت سارة بشرود:
_لم يكن يدرك أنه عشِقها بهذا الشكل عاصم، لم يكن يتوقع أن ينهار بعد فراقها، وصدقاً_بالرغم من أنه أخي وصديقي وأبي_ إلا أنني يتنازعني الشعور بالشفقة عليه والغضب منه في آنٍ واحد.
وعندما وجدته شارداً رمقته شزراً ثم صاحت بغيظ:
_و تجاه أي غبي آخر!
أجفل وهو ينظر لها بتحفز:
_عفواً! ماذا تقصدين؟
ابتسمت وهي ترد ببراءة مصطنعة:
_لا عليك! بالمناسبة، كيف حال سما؟
توترت عيناه ببريق حزن مختلط ببعض الحنين وهو يشرد في صورتها بذاكرته..
في ملامحها؛
في عبوسها الطفولي؛
في قامتها الضئيلة؛
في شجاراتها معه؛
وفي نظرة الخيبة الأخيرة!
حتى أجفل على صياح سارة:
_يا ابني! سألتك كيف حال سما؟
نظر لها بغيظ ثم رد:
_لِمَ لا تسألينها بنفسك؟ ألا تتواصلين معها؟
اتسعت ابتسامتها وهي ترد ببرود:
_للتو كنت أهاتفها.
ظهرت اللهفة بعينيه وهو يسألها:
_عَمَّ كنتما تتكلمان؟
لتشيح بوجهها متظاهرة بالتحديق في الحاسب المحمول:
_أسرار فتيات لا شأن لك بها!
ضغط على أسنانه بغيظ وهب واقفاً وهو يصيح:
_زوج من اللزوجة المُجسمة في هيئة بشر اضطر للتعامل معهما يوميا، عسى الله أن يخلصني منكِ ومنه قريباً!
ابتسمت مرة أخرى ببرود وهي تهتف به:
_إلى أين أنت ذاهب؟
ليرد بحنق بدون أن يلتفت:
_سأحمل كفني وأذهب إلى الطوفان!
أولاها ظهره واتجه إلى الباب لينصرف قبل أن تُثير أعصابه أكثر، وما إن خرج حتى ارتفع رنين هاتف مكتبها لترد على مكالمة مكتب الإستقبال:
"مرحباً آنسة سارة، هناك شخص يود مقابلتك."
وبلامبالاة أجابتها:
_إن كان مندوب شركة الإنشاءات اجعليه يذهب إلى المهندس ساري.
ليأتيها نفي الموظفة:
_لا، إنه يقول أن اسمه الدكتور حمزة، ويريد مقابلتك بالتحديد.
تسمَّرت سارة للحظات ثم قالت باقتضاب:
_أرسليه!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-09-20, 07:47 PM   #52

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الحادي عشر
ولج إلى المكتب وهو يستدعي أقصى قدر من انضباط النفس ثم أغلق الباب بهدوء ووقف يتطلع إليه أثناء وقوفه شارداً أمام النافذة..
إلى هذا الكائن الذي لم يعتقد يوماً بوجوده..
مُتشح بسواد روحه قبل ملابسه؛
يُوليه ظهره متأملاً الخارج من النافذة ولا يبدو أنه موجود في العالم ذاته من الأصل!
في حِداد دائم هو؛
يبكي ضياع حبيبته وقلبه بلا دموع مرئية؛
يُشفق عليه وأيضاً يود ضربه!
يرغب بمساعدته وأيضاً يرغب بالثورة عليه!
هل استرحت يا ساري؟!
هل شُفيت عن طريق الانتقام؟!
هز عاصم رأسه نافياً سؤالاً لم يخرج من عقله ثم زفر يائساً منادياً إياه:
"ساري!"
مرت لحظات حتى ردَّ أخيراً ببرود:
_ماذا تريد؟
اتجه عاصم إلى أحد المقاعد المواجهة للمكتب وجلس ليتحدث بلهجة عملية:
_العرض الذي نود تقديمه إلى......
قاطعه بنفس البرود دون الالتفات إليه:
_تناقش أنت وسارة ونفذا ما تريانه مناسباً.
هتف عاصم بغيظ:
_وماذا عن رأيك أنت؟ يجب أن أعلــ....
قاطعه مرة أخرى:
_لا يهم، رأيي أنا لا يهم، افعلا ما تريدان.
هنا فقد عاصم كل صبره وهو يهب واقفاً بصياح:
_بل يهم ساري، يهم، الشركة تهتم، أنا أهتم، أختك تهتم، أمك التي تتعذب وهي تراقبك تذوي أمامها تهتم، ولا يستحق أي منا أن تنعزل هكذا، الحياة لن تتوقف على رهف ساري!
وكانت تلك هي الطريقة الوحيدة التي يُدرك تماماً أنه سيجذب انتباهه بها..
اسمها!
رهف!
كلمة من ثلاثة حروف قادرة على فعل الأفاعيل به حقاً!
قادرة على إخراجه من جموده؛
إخراجه من ظلامه؛
انتزاعه من ذلك القبو الذي تقطن به روحه وهو مستسلم تماما؛
اندفع إليه ساري مُمسكاً إياه من مقدمة سُترته هاتفاً بشراسة:
_ليس لك شأن، لا أحد له شأن بما أفعل، لا أحد يحق له أن يتدخل بيني وبينها!
ابتسم عاصم بسخرية ضاغطاً على جرحه بكل قوته وهو يرد بخفوت:
_استيقظ ساري! لم يعُد هناك شيء بينك وبينها أصلا.
اتسعت عيناه واستنفرت ملامحه كلها بلحظة، فشعر عاصم بالندم والقلق، بينما تحدث ساري من بين شفتيه مُحذِّراً:
_إياك أن تكررها!
هنا اتسعت عينا عاصم بدوره لكن دهشةً وهو يسأله:
_أكرر ماذا؟!
ليجيبه ساري بنفس التحذير:
_أنه لم يعد هناك شيء بيني وبينها، رهف ستظل إلى الأبد حبيبتي الوحيدة، وزوجتي!
ازدرد عاصم لعابه بتوجس وهو يستدعي بعقله رقم مشفى الأمراض العقلية!
فالرجل الواقف أمامه ويكاد أن يُزهِق أنفاسه فَقَدَ كل عقله بالتأكيد!
عندئذٍ تحدث ساري بهدوء وصدره يعلو ويهبط في تتابع سريع مُقلق:
_أنا لا أهذي يا عاصم، حقاً لا أهذي، لقد اعتقدت أنني سأعتاد الألم الذي أستحقه بمرور الوقت، اعتقدت أن الراحة التي ستورثها لي رؤيته مذلولاً كما كنت وأسرتي يوماً ستساهم في تَقَبُّلِي انفصالها عني، لكن..
بتر عبارته وتاهت عيناه ثم سقطت يداه إلى جانبه باستسلام، فالتقط عاصم أنفاساً اشتاق إليها، بينما أضاف ساري ببطء مريب:
_لكن ها أنا.. لا راحة، لا تقبُّل، والاشتياق إليها يجُز أعماقي جَزَّاً.
راقب عاصم التحذير يرحل بعيداً عن عيني صديقه ليحتلها مزيجاً من..
الحسرة؛
الألم؛
الضياع؛
الغرق؛
يموت صديقه على قيد الحياة!
نظر له بإشفاق فتابع ساري بلهجة مُتحشرجة:
_رهف!
والطريقة التي يتلفظ بها باسمها وحدها تُشعِره أنه يتنفسها!
أضاف ساري والضياع ينتشر أكثر بعينيه:
_أنا لم أنسها لحظة ولن أفعل، لقد تسللت إلى دمي، لقد احتلتني ولا أرغب منها بأي تحرير!
ثم استكمل بنفس اللهجة متسائلاً:
_أتعتقد يا عاصم أن هناك إنسان يموت بالافتراق عن آخر؟
ولم ينتظر إجابة وهو يتابع بنفس الحسرة:
_أنا لم أكن أعتقد ذلك أبداً، بل.. بل لقد كنت أسخر ممن يُظهرون مشاعرهم وأراهم يُبالغون في وصف الألم والعذاب بعد الفراق.
صمت مرة أخرى ثم استدرك مبتسماً بتهكم كان التألم به جَليَّاً:
_من عاب اِبتُلى، أليس كذلك؟!
أغمض عاصم عينيه مُشفقاً على صديقه الذي أكمل بصوت متقطع..
صوت رجل يعاني؛
صوت رجل محروم؛
_يوماً ما سألتها أربعة أسئلة لم يكونوا مطلقاً ضمن خطة انتقامي، لم تمنحني هي عندئذٍ إجابة شافية.
ثم عاد إلى النافذة يُحدق إلى الخارج دون أن يرى حقاً ما يدور هناك:
_لحظة أن قتلت نفسي قبلها، لحظة أن أزهقت روحي قبل أن أفعل المثل بها، لحظة أن دمَّرت قلبي وسددت أذناي عن صوت صرخاته أتتني الإجابات وحدها!
وابتسم بعشق مُتَحَسِّر ابتسامة لم يرها عاصم الواقف خلفه لكنها كانت مُوجهة إلى طيف رهف الذي يطالعه الآن كما اعتاد طوال مائة وثمانِ وثلاثين يوما وسبعة عشر ساعة هي عمر تنفيذ حكم إعدامه بيديه!
وبخفوت أجاب طيفها:
_رهف! أنا أدركت أنني التقيت برفيقة روحي لحظة أن التفتِّي إليّ ووقعت عيناي على براءة عينيكِ.
وبخفوت أشد تابع:
_رهف! نعم أنا حقاً تعرَّفت إليك منذ اللقاء الأول.
وبحسرة أكمل:
_رهف! لقد ارتبطت خيالاتي ومخططاتي كلها بكِ خلال بضعة أيام فقط.
وبدمعات أنهى:
_رهف! أعلم أنكِ بادلتِني حبي، لكنني لم أكن أهلاً له ولا لقلبك النقيّ.
وعندما صمت وأدرك عاصم أن لا قوة ستنتزعه الآن من اتصاله الوهمي بها لم يجد تعليقاً مناسباً على كلماته، حتى بعدما لاحظ ظل ابتسامته العاشقة على سطح النافذة، فتراجع ببطء وخرج بهدوء تاركاً إياه مع خيالاته!
**********
ارتفعت طرقات على باب غرفة مكتبها وفُتِح ليدخل الطارق رامقاً إياها بجدية ثم قال بنبرة مهذبة:
_كيف حالك آنسة سارة؟
نظرت له بلا تعبير ثم ردت باقتضاب:
_بخير، لماذا أتيت؟
حمحم بحرج ثم ابتسم بتكلف وهو يجيبها:
_كنت أريد التحدث معك قليلاً.
مطت شفتيها ببرود ثم سألته بهدوء:
_ألا تعلم بوجوب حجز موعد مُسبق؟ أم توقعت أنني بالتأكيد مُتفرغة لتشريف سيادتك بالزيارة؟!
حدق بها بدهشة والحرج يتملك منه أكثر وسؤالاً معيناً يُلح على رأسه:
"أهكذا شعرت عندما تعاملت معها بوقاحة في المرتين الأخيرتين؟!"
ثم تبعه سؤال آخر يفرض نفسه الآن بقوة:
"ما الذي أتى به إلى هنا في الأساس؟!"
والإجابة بداخلة كانت مُبهمة، فمُنذ أسبوعين وعندما جاءت إلى المشفى تسأله عن رهف مُعلنة عن رغبتها الشديدة في التواصل معها ليبدأ هو بإفراغ غضبه بها حتى أحرجها أمام صديقه وهو يشعر بـ:
الذنب والضيق!
ويشعر أيضاً أنه تعنَّت معها كثيراً..
هي ليست الجانية، وقد أقسمت أن نِيَّة أخيها كانت سرية ولم يشاركه بها أحد، فلِمَ قسى عليها هي بذلك الشكل؟
يوم يتبعه يوم يتبعه يوم..
ليجد نفسه اليوم يُنهي عمله وينطلق إلى هنا داعياً الله ألا يُقابل أخيها بأي مكان كي لا يرتكب جنايةً ما..
والآن ها هو يقف أمامها كالطالب الفاشل الذي ينتظر توبيخاً!
لتُحقق له خاطره على الفور وهي تهتف ببرود:
_أنا ليس لدي اليوم بأكمله كما تعلم دكتور، إن كنت لديك إهانة ما تود إلقائها على مسامعي فأنا لن أسمح لك، لكن أعدك أنني سأصل إلى رهف، رغماً عن أنفك وتعنُتك!
_آسف!
والكلمة انطلقت منه تلقائياً ليعبس هو نادماً، ولتتسع عيناها الجميلتان دهشةً ثم تتساءل بلا تصديق:
_ماذا قلت؟!
والحرج يكتنفه أكثر وأكثر وعيناه تتهربان منها بعيداً، لكنها لم تكن لتُفلت تلك الفرصة، حيث وقفت مُسرعة ودارت خلف مكتبها متجهة إليه ثم كررت سؤالها:
_ماذا قلت؟!
صمتت للحظة بحث فيها عن تبرير أو تراجُع فلم تُمهله وهي تسأله بدهشة:
_هل اعتذرت لي الآن؟!
والتراجُع لم يعد في الإمكان، بينما التبرير وصل خافتاً متقطعاً:
_لقد.. لقد قسوت عليكِ، فقد كنت غاضباً من أخيكِ ومازالت، لكن أنتِ ليس لكِ ذنب في فعلته.
والسخرية تمكنت من ملامحها وهي تمط شفتيها هاتفة:
_لا تسعني الفرحة حقاً، هل عفوت عني أخيراً دكتور حمزة؟ هل صدقت أنني لست بِشريرة؟ سأقوم بتوزيع المشروبات الغازية في الشارع احتفالاً!
حدَّق بعينيها للحظات متأملاً، وبدلاً من الرد النزق الذي كان سيُلقيها به وجد نفسه يسألها باهتمام عملي:
_لماذا عيناكِ حمراوتان؟
اختلطت سخريتها ببعض الدهشة هاتفة:
_عيناي خضراوتان، هل أصابك عمى الألوان يا دكتور؟!
من بين أسنانه هتف بغيظ:
_أعلم جيداً أنهما خضراوتان آنسة سارة، لكنني أقصد أنهما مُلتهبتان.
بحنق ردت:
_لا ليستا مُلتهبتين.
بحنق أكبر رد:
_بل مُلتهبتين!
وكي يُنهي تلك المناقشة المُثمرة أضاف بسرعة:
_أنا طبيب رمد آنسة سارة وأؤكد لكِ أنهما مُلتهبتان بشدة!
اتسعت عيناها بدهشة ثم التقطت حقيبتها الموضوعة على المكتب وأخرجت مرآتها الصغيرة لتُحدِّق بها بقلق، ليجد نفسه لا إرادياً يشاركها تحديقها لــ .. عينيها!
بالطبع هو اهتمام مِهني بحت اعتاده مع الكثير، لكن..
لكن..
لا...!
_لا تقومي بفركهما هكذا! سأصف لكِ نوعاً من القطرات سيقوم بتهدئتهما خلال فترة قصيرة.
أغلقت مرآتها ووضعتها بحقيبتها، استدارت له مرة أخرى وعقدت ذراعيها ثم سألته بهدوء:
_شكراً، أنا سأتصرَّف، الآن ماذا تريد دكتور حمزة؟ لقد التزمت برغبتك ولم تر وجهي منذ ذلك اليوم، لماذا أتيت الآن؟
أجابها بهدوء يحوي نظرة اعتذار لم ينطقه:
_لقد جئت لأُخبِرك بمكان إقامة رهف.
وكما حدث عندما قابلها بمكتب شقيقها للمرة الأولى ارتخت ملامحها بابتسامة جميلة وحلَّت الفرحة عينيها وهي تهتف:
_حقاً؟! ستفعل؟!
عيناها.. عيناها..
طفلة هي؟
أم..
أنثى هي؟
نَضِرَة هي!
وباهرة هي!
"ماذا بكَ حمزة؟! أكل ذلك لأن عينيها مُختلفتان قليلاً؟ لقد رأيت أعيُن كثيرة خلال عملك يا رجل، ما بالك مُتسمِّر هكذا؟"
نفض رأسه بسرعة وهو يدور بنظراته في أنحاء المكتب مُجيباً إياها:
_نعم، أنا أثق بك، ربما أنتِ فعلاً أحببتها.
وبلهفة شديدة ردت:
_جداً جداً أقسم لك، ولا أريد سوى الاعتذار لها والاطمئنان على أحوالها، لقد.. لقد كنت أتجهز نفسياً كي تُصبح أختي.
والعبارة الأخيرة جاءت مُتحسرة ليهتف فجأة:
_من هي سلمى؟!
أجفلت وهي تنظر له بصدمة ثم تساءلت بصوت مبحوح:
_من.. من أخبرك عن سلمى؟
نظر إلى التحول البادي على وجهها بقلق ثم قال:
_أنتِ! أنتِ أخبرتني في المرة الأخيرة أنكِ اعتبرتِ رهف تعويضاً لكِ عن سلمى.
ازدردت لعابها وهي تتذكر آمالها المتحسرة التي تنطلق على لسانها أحياناً بدون تركيز، ثم أغمضت عينيها وهي تمسح على وجهها بكفيها وتزفر بحزن، وعندما فتحتهما كانتا خضراوتين..مُحمرَّتين.. مُلتمعتين بالدموع!
_سلمى هي أختي التي ماتت قبل موعد الوضع ببضعة أيام.
ثم أردفت بقسوة فاجأته:
_قتلها ذلك المُجرم شديد، بنفس اليوم الذي تسبب فيه بموت أخي التوأم سامر، ثم أبي، بينما أنا كنت خرساء لا أستطيع الصراخ أو الاستغاثة!
تدلى فكُّه السفلي ببلاهة وهو يُحدِّق بصدمة في عينيها اللتين ترمقانه بهدوء، ليعود بذاكرته إلى يوم الزفاف خارج القاعة عندما أخبر عَمَّار عن الاسم الكامل للعريس، ليدهش من ردة فعله المُرتعبة وهو يقفز من السيارة مُتجهاً إلى الداخل ومُردداً عبارة اخترقت أذنيه ولم يجد الفرصة لفهمها أبداً:
"كنت أعلم أن جرائم شديد بك لن تموت، وكنت أعلم أنه سيعود ليأخذ بثأر عائلته، لكن رهف ليس لها أي ذنب."
بعد قليل استطاع الحصول على صوته وهو يسألها:
_آسف، لكن...
قاطعته بهدوء:
_لكن رهف ليس لها أي ذنب فيم فعله أبوها ولا تستحق ما فعله بها ساري، أؤمن بذلك تماماً دكتور حمزة.
فاجأته ثانية تلك الفتاة..
هي فعلاً صادقة؛
هي فعلا لا تدافع عن أخيها؛
هي فعلاً عانت أيضاً!
ربما.. ربما أكثر من رهف!
لقد رأت أحبابها يموتون أمامها تباعاً؛
تُرى هل حصلت على فرصة لنسيان هذه المشاهد يوماً؟!
لا يظن ذلك!
_ماذا تعنين بأنكِ كنتِ خرساء؟
ابتسمت ببساطة تحاول إخفاء حسرتها:
_كنت أعاني تأخراً شديداً في النطق، وذلك اليوم امتنعت عن الحديث تماماً، وبعد سنوات كان ساري قد جمع مبلغاً مناسباً من عملُه في أحد المطاحن وقام بتكثيف جلسات التخاطب من أجلي، بالتزامن مع جلسات لدى طبيب نفسي مختص في الحالات المماثلة، وبالتدريج أصبحت طبيعية وأتحدث بطريقة عادية.
ثم ابتسمت بافتعال مستدركة:
_أنا متأكدة أنه يندم على ذلك الآن!
وفشلت تماماً في إخفاء كل ما هو خلف تلك الابتسامة الرائعة
لم تُخفِ الحسرة؛
لم تُخفِ الألم؛
لم تُخفِ الاحتياج؛
لم تُخفِ بعض الذنب!!
ولا يدري كيف يختلط شعوره بالغضب من شقيقها بآخر.. واجب الاحترام!
الفارق في العُمر بينها وبين شقيقها ليس كثيراً، فكيف كانت حالته مع تتابع المصائب والنكبات عليه؟
وكيف استطاع النجاة بأمه وشقيقته؟!
وشقيقته...
لا يدري الآن هل يشعر تجاهها بالإشفاق على ما تعرضت بطفولتها، أم بالعطف و..الحنان؟!
_أنتِ كنتِ طفلة، لا يسعكِ فعل الكثير على أية حال.
قالها بخفوت شابه بعضاً من حنان قاصداً محو تلك النظرات من على ملامحها فردت بصوت مبحوح:
_كنتُ أستطيع الصراخ دكتور، لو لم أكتفِ فقط بجذب أمي أو ساري من ملابسهما، ربما لو علا صوتي فوق صوت ذلك الوحش لِما مات سامر، لِما ماتت سلمى، لِما مات أبي، لِما اختُطف ساري لأيام يتعذب، ولِما أصبح يموت الآن بابتعاده عن حبيبته.
ها هو يتأكد أنها لم تنس تلك المشاهد مُطلقاً..
والدمعات لم تعد تستطيع إخفائها، فاستدارت مُسرعة وهي تهتف بمرح مُفتعل:
_لقد أُصِبت بالكآبة أنا أيضاً، عُذراً دكتور، تستطيع كتابة عنوان رهف في تلك الورقة وتنصرف من هنا لأن الشركة بها ميكروب حزين مُعدِ قاتل!
واستدارت مرة أخرى وبيدها ورقة توجهها ناحيته دون النظر إليه، على عكسه تماماً..
فقد كان ينظر
بدِقَّة!
وبتركيز!
مد يده ملتقطاً الورقة ثم مال على مكتبها وكتب العنوان..
وعندما همَّت بأخذ الورقة مد يده ليسحب أخرى ويخط بها شيئاً ..
حدّقت في الورقتين بفضول هاتفة على الفور لا إرادياً:
_خطك سيء للغاية!
ثم استدركت مُحمحمة بحرج:
_أقصد ما هذا؟
ورغماً عنه منحها ابتسامة واسعة وهو يُجيبها:
_ثلاث مرات يومياً، سينتهي الالتهاب سريعاً.
بادلته الابتسامة بتهذيب وهي تتطلع إلى الورقتين ثم قالت بامتنان:
_شكراً دكتور حمزة.
أومأ برأسه وهو لايزال مبتسماً ومواصلاً تحديقاً لا يعلم ما سببه..
"تحرك حمزة!"
"انصرف يا رجل!"
"لِماذا تقف كالصنم هكذا؟!"
ونظرتها المبتسمة تحولت لأخرى متسائلة فتملَّك منه الحرج حتى دفع ساقيه تجاه الباب بصعوبة!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-09-20, 07:48 PM   #53

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الحادي عشر
اقتربت دينا من حماتها بابتسامة مُتملِّقة قائلة بنعومة:
"أتريدينني أن أساعدك أم تامر؟"
نظرت لها المرأة بعبوس ثم تحدثت باشمئزاز:
_اسمي سيدة هدى، لا أريد سماع ذلك اللقب الآخر ثانية!
شعرت بالحرج من لهجة والدة زوجها التي استدركت:
_كيف تخرجين من شقتِك بهذه الملابس؟!
نظرت دينا إلى فستانها الجديد وأخذت تحدق بكل جزء منه ثم رفعت أنظارها إلى المرأة متسائلة:
_ما به فستاني؟
هتفت بها المرأة بعصبية:
_ذوقه سيىء للغاية، ألا تستطيعين اختيار ملابس لائقة بوضعك الجديد؟ افهمي جيداً أنكِ تركتِ الحي الشعبي وانتقلتِ إلى منطقة راقية، تصرفي على ذلك الأساس، يكفينا فضائح!
ثم تمتمت بصوت واضح أثناء ابتعادها:
"اختيار رائع تامر!"
تخشبت دينا مكانها ثم علا الغضب ملامحها بالتدريج فصعدت إلى شقتها منتظرة وصول زوجها الذي اقترب.
وزوجها وصل بالفعل..
لكن بنهاية اليوم!
وبالرغم من أنها رأت سيارته أمام الفيلا التي تقطن بالطابق العلوي بها مع أهله منذ ساعات وانتظرت صعوده إلا أنه لم يفعل!
لتجد نفسها قد قضت اليوم كله بمفردها، وحتى عندما هاتفته قام بإلغاء المكالمة ولم يهتم بإعادة الاتصال بها، والآن قد تذكَّر أخيراً وجودها ببيته.
وقفت خلفه وهو يُبدِّل ملابسه في وضع تحفز فسألها بتحفز مماثل:
_ما الأمر؟
لتصرخ فجأة:
_هل نسيت وجودي تامر؟ أنا أنتظرك منذ الـــ...
وكتم صراخها بإحدى كفيه على فمها والأخرى تجذب شعرها إلى الخلف صائحاً:
_لقد أمرتك ألا تصرخي هكذا، هل أنتِ غبية؟!
والجذب تبعه دفعة الى الفراش متابعاً بهتاف تحذيري:
_إن تكرر صراخك مرة أخرى دينا سأجعلك تندمين.
وبمنتهى العنف جذبها لتقف مرة أخرى دافعاً إياها إلى باب الغرفة وهو يأمرها بغضب:
_هيا! اخرجي، نامي ليلتك بأي مكان آخر!
وبمنتهى القوة صفع الباب بوجهها لتقف هي محدقة به بذهول وخاطر واحد بذهنها يبتسم لها بسخرية:
"حمزة لم يصرخ بكِ هكذا مُطلقاً!"
**********
فتحت سوسن باب الشقة هاتفة بحنق:
_لماذا تدقين الباب بتلك الطريقة؟ وأين هي مفاتيحك؟
ابتسمت سارة باستفزاز مُجيبة:
_في الحقيبة، لكنني أردت أن تفتحي لي الباب يا جميلتي.
نظرت لها أمها بشك ثم سألتها بتوجس:
_هل أُصبتِ بالحُمَّى أم ماذا؟
ضحكت سارة برقة وهي تجيبها:
_بل حصلت على عنوان بيت رهف اليوم أمي، وغداً منذ الصباح الباكر سأذهب إليها مُحمَّلة بالهدايا كي لا تَسُبَّني فور أن تراني، لقد أخبرني ساري ذات مرة أنها تحب الشوكولاتة والمثلجات، سأبتاع لها الكثير منهم.
اتسعت عينا سوسن بدهشة متسائلة:
_كيف حصلتِ عليه؟
لتبتسم سارة بفخر وهي ترد:
_ذلك الطبيب الأرعن اكتشف فداحة خطأه بحقي وأتى اليوم إلى الشركة مُعتذراً ثم أعطاني العنوان طواعية.
ولما لم تُعلِّق أمها تابعت بزهو:
_تعرفين أن تأثيري رائع!
لكن تعليق أمها الذي انطلق لم تتوقعه مُطلقاً:
_أعطني العنوان سارة!
**********
"ولماذا الترجمة بالتحديد مَوَدَّة؟ أعتقد أنه ليس لدراستك علاقة بها."
أطلق خالد السؤال باهتمام شديد فأجابته مَوَدَّة فوراً:
_أنا بالفعل لست متخصصة في ذلك المجال، لكنني أتولَّى الشئون الإدارية بالمكتب، وبالنسبة للترجمة فهي من اختصاص رهف أخت عَمَّار.
ضيق خالد عينيه بدهشة وهو ينظر إلى عَمَّار متسائلاً:
_أليست أختك اسمها تغريد على ما أظن؟
ابتسم عَمَّار بتكلُّف وهو يراقب ردود أفعال المُحيطين به قبل أن يُجيب..
فخالته مطت شفتيها باعتراض وبعض الامتعاض؛
وزوجها ظل وجهه مصمتاً بلا تعبير؛
أما حبيبته فقد ابتسمت له بتشجيع؛ فالتفت إلى خالد الذي ينتظر مُتحدثاً بهدوء:
_أختي الصغرى هي تغريد، لكنني اكتشفت وجود أخت أخرى نصف شقيقة منذ بضعة شهور فقط، اسمها رهف وهي من لديها خبرة تعليمية ولُغوية، لذا هي من تتولى تلك الأمور بالمكتب.
عم صمت بالمكان والكل على نفس وضعه، إلا خالد الذي اتسعت عيناه بدهشة أكبر وهو يتساءل:
_ماذا تعني بأنك اكتشفت وجودها منذ شهور؟
حدَّق عَمَّار بعينيه للحظات ثم أجاب مُشدداً على كل كلمة بهدوء:
_أبي كان متزوجاً بالسر منذ سنوات وأنجب رهف لكنه لم يعترف بها حتى الآن، وربما لن يفعل مطلقاً!
هنا لم تستطع خالته التزام الصمت أكثر فاندفعت هاتفة:
_وهكذا آويتها أنت ببيتك بعد تلك الفضائح التي يتعرض أبيك وأمك لها بسبب تلك اللــقيــ...
قاطعتها مَوَدَّة هاتفة:
_أمي!
وبينما نظر عَمَّار لخالته بغضب شديد، انطلق صوت زوجها مؤنباً:
_لا داعِ للكلام في هذا الأمر يا عفاف، الفتاة المسكينة لم تضر أحداً بشيء، كما أنها عَمَّة حفيدك ويجب عليكِ احترامها.
ابتسمت مَوَدَّة لأبيها بامتنان فبادلها الابتسام بينما هتف خالد باستغراب:
_أنا لا أرى ما المشكلة في كونها غير مُعتَرف بها من جهة أبيها!
نظر له الأربعة بدهشة فتابع وهو يهز كتفيه بلا اكتراث:
_هي نتيجة ذلك الزواج وليست المُتسببة به، لذا لا أجد منطق في أي لوم أو عتاب يُوجه إليها هي.
هتفت عفاف بحنق:
_أنت تفكر هكذا لأنك عِشت معظم عُمرك بالخارج، لذا فلا ترى حرج في أمر مثل هذا، لكن هنا بمجتمعنا الشرقي يُعتبر عار يجب التخلص منه وليس العكس.
هب عَمَّار واقفاً هاتفاً بسخط:
_عار على الرجل والمرأة اللذين تزوجا في الخفاء خالتي، وليس للضحية أي ذنب في هذا!
ثم أردف مُحذراً:
_رهف مثل تغريد تماماً، ولا أسمح بأي كلمة من شأنها الإقلال منها!
ثم التفت إلى مَوَدَّة صائحاً:
_سأنتظرك بالسيارة مَوَدَّة، الحقي بي!
وانطلق إلى الخارج مسرعاً فنظرت مَوَدَّة لأمها بِعِتاب شديد ثم اصطحبت ابنها وهرولت للحاق به، بينما نظر توفيق إلى زوجته بضيق متسائلاً:
_لماذا فعلتِ ذلك عفاف؟!
ولم يجد رداً منها سوى نظرة اعتراض، بينما رمقها خالد بعدم استيعاب حقيقي لتفكيرها الخالي من المنطق.
**********
"ألن تتناول طعام العشاء معنا عاصم؟"
رد على أبيه باقتضاب دون أن يرفع عينيه عن هاتفه:
_لستُ جائعاً.
حمحم أبوه وهو يتابع:
_إذن ما رأيك أن تأتي لتشاهد التلفاز معي أنا ومريم؟
ليرد بنفس الاقتضاب:
_شكرا، لا أريد..
تململ أبوه في وقفته بحرج ثم تساءل باهتمام:
_كيف حال ساري الآن؟
هنا رفع عاصم عينيه إليه بسخرية مُجيباً:
_أخبرني أنت أبي! كيف تعتقد حاله؟ كيف يكون شعور الرجل عندما يظلم امرأة يعشقها؟ أنت أدرى مني بذلك!
نظر له أبوه بألم ثم خرج مُغلِقاً الباب بدون كلمة، فزفر عاصم بضيق وهو يترك هاتفه على الفراش ثم خرج من الغرفة ملاحقاً إياه.
دخل إلى غرفة أبيه ليجده جالساً على فراشه يتأهب للنوم، لكن الندم والألم يسيطران على ملامحه، شعر بأسف رهيب فنطق بِعبارة بسيطة لكنها صادقة:
_آسف أبي، لم أتعمد مضايقتك.
نظر له أبوه بابتسامة متحسرة ثم علَّق:
_لا عليك! لديك كل الحق في الغضب مني، لا أستطيع تعويضك ولا تعويضها.
اتجه عاصم إليه وجلس على المقعد المواجه لفراشه واضعاً رأسه بين كفيه ثم تحدث بخفوت:
_ضائع أنا أبي، ضائع بين اشتياقي وغضبي وندمي ولهفتي، ضائع ولا أجد سبيلاً.
ثم أردف:
_ أمي تتمنى وجودي معها ولا تبوح بذلك، أراها في عينيها الضريرتين، أشعر بها في لمساتها وبين ذراعيها، وأنا..
صمت قليلاً ثم استدرك:
_وأنا لا أعرف كيف أتصرَّف.
وبحزم مفتعل أمره أبوه:
_اذهب إليها عاصم، لقد فاتت سنوات كثيرة من عمرك وعمرها، عِش معها.
ابتسم عاصم بسخرية هاتفاً:
_ما الذي تقوله أبي؟، كيف سأفعل ذلك؟
ابتسم أبوه بحنان:
_ما سمعت عاصم، أنت تستحق التمتع بحنان أمك ما بقى من العمر، وهي تستحق الشعور بابنها الوحيد معها يهتم بها ويرعاها.
زفر عاصم بضيق وهو يتحدث قائلاً:
_الأمر ليس بتلك السهولة أبي، لا تنس أن ابنة زوجها المتوفى تعيش معها.
ابتسم أبوه بمكر وهو يسأله:
_تلك الفتاة المجنونة التي كنت تحكي لمريم عنها؟
تهرَّب عاصم بعينيه عن أبيه وهو يُجيب بنزق مفتعل:
_هي بذاتها، وأمي مُتمسكة بها كأنها أسطوانة الأكسجين الأخيرة تحت سطح البحر!
ضحك أبوه وهو يُعلِّق:
_هل تغار منها؟
هب عاصم واقفاً وهو يهتف بغضب:
_إنها.. إنها ضئيلة القامة طويلة اللسان عابسة طوال الوقت بالرغم من روعة ابتسامتها، تلومني عيناها على شيء لم أفهمه!
وبحيرة أضاف:
ألا يكفي أنها تمتعت لأعوام بأمي على العكس مني أنا؟ لتُزيد صعوبة الأمر وتُشعرني أنني أغضبتها وآلمتها.
ثم نظر إلى أبيه قائلاً بِتَوَعُّد:
_لكن أتعلم شيئاً أبي؟! أنا لن أترك لها أمي! سآخذها منها ولتريني هي كيف سيفيدها حزام الكاراتيه الأسود الذي تتفاخر به!
والابتسامة الماكرة عادت بسؤال هاديء:
_أتحبها؟
رد عاصم باستهجان:
_هل هناك من لا يحب أمه؟!
والابتسامة الماكرة على وجه أبيه اتسعت وهو يُعقِّب:
_أنا لم أكن أتحدث عن أمك!
انتفض عاصم وهو ينظر إلى أبيه باعتراض هاتفاً:
_ماذا تقصد؟! سما؟! تلك الــ....
القوية؟
الأصيلة؟
الجميلة؟
الرائعة؟
هز رأسه بقوة نافياً أفكارا لا يدري من أي مصائب تهبط عليه متابعاً بغضب ليس له ما يبرره:
_تلك السليطة اللسان؟! إنها.. إنها مجنونة أبي، مجنونة بالفعل وأتوقع منها أي شيء، بالإضافة إلى أنني لست من ذلك النوع.
ضيق أبوه عينيه بتساؤل قائلاً:
_أي نوع؟
ليهتف عاصم بارتباك:
_النوع الذي يغرق حتى أذنيه في الحب، لقد رأيت بنفسي ما حدث معك جراء الحب، لقد رأيت ماذا حدث لساري جراء الحب.
رد أبوه بشجن:
_ما حدث لكلينا أنا وصديقك لم يكن جراء الحب يا عاصم، الحب ليس له ذنب في الحقد والانتقام، كلانا حَقَد لأسباب مختلفة، وكلانا انتقم بطرق مختلفة، فلا تُلصِق تلك التُهم بالحب!
رد عاصم بإصرار:
_وإن يكُن، أنا لست بغبي كي أقع في نفس الفخ!
ثم اتجه إلى باب الغرفة وخرج منها مُسرعاً هارباً ليحدق أبوه في إثره قائلاً بخفوت:
_إلا أنك وقعت بالفعل عاصم، وبمنتصف الفخ تماماً!
**********
"لا تغضب عَمَّار! آنا آسفة."
هتفت بها في السيارة وهي تُطالع وجه زوجها المتجهم فرد بخفوت:
_أنتِ لم تُخطِئي بشيء مَوَدَّة، هي خالتي وبنفس تفكير أمي، لا تهتمي، طالما رهف لم تستمع لذلك الهراء أنا لا أهتم.
خاطبته بنبرة قوية:
_إذن لا يجب عليك التأثر بأي مم يُقال، يجب أن يشعر الآخرين بالحرج من الحُكم عليها، يجب أن تظل أنت جدارها الحامي عَمَّار.
نظر إليها وابتسم مُردداً:
_ما الخير الذي فعلته بحياتي كي تكوني أنتِ زوجتي؟
ابتسمت برقة وعاد هو إلى متابعة الطريق بتدقيق..
فداعبت ذراعه بأناملها هامسة:
_لِمَ العبوس إذن؟ لا أحب أن أراك بهذا الشكل.
التفت إليها مُبتسماً بمكر ثم سألها:
_هل نام إياد؟
توردت وجنتاها وهي تومىء برأسها ثم تساءلت:
_نعم، لماذا تسأل؟
وإجابته أدركتها عندما صَفّ السيارة بجانب الطريق واختطفها في قُبلة دافئة، ثم بكل عِشقه هَمَس:
_أحبك مَوَدَّتِي، لا حرمني الله منكِ.
**********
ارتخى بمقعد سيارته إلى الخلف مُعَلَّقة عيناه بنافذة غرفتها، يتمنى منها
فقط..طَلَّة!
لا يريد أكثر من ذلك حتى يستطيع العودة إلى بيته للحصول على بعض النوم الذي يجافيه لساعات طوال لشدة اشتياقه..
لكم قضى من ليالِ بنفس المكان متوسلاً أن يراها فقط، حتى أنه رغماً عنه بات بعضاً من تلك الليالي داخل السيارة، لتكون مكافأته في الصباح الباكر رؤيتها وهي مُتجهة إلى عملها الجديد.
لقد فاجأته حبيبته حقاً!
الضعف والخوف اللذين طالما رآهما بعينيها يرتحلان شيئاً فشيئاً..
لتحل محلهما ثقة وليدة استشعرها خلال الشهور الفائتة..
لكم يشعر بالفخر بها!
لكم يشعر برغبته بالصراخ قائلاً للجميع..:
"ها هي حبيبتي! ها هي قد نبذت ضعفها وترددها وخوفها، ها هي قد صارت فتاة قوية بعد أن وجدت عائلة حقيقية!"
ولكم يشعر بالخزي من نفسه!
لكم يشعر برغبته بالصراخ قائلاً للجميع..:
"ها أنا قد جَنَيت على نفسي! ها أنا أتلمس لمحة عابرة منها، ها أنا لا أقوى على الظهور أمامها خشية رؤية نظرة كراهية أنا أضعف من تحمُلها!"
تساءل متألماً:
إلى متى؟!
إلى متى سيظل ضائعاً؟!
متى سيصل إلى اهتداء عشقه بين أحضانها التي لم يتمتع بها مرة واحدة؟
وما الذي من الممكن أن يقوم به كي تسامحه؟
تسامحه؟!!
انطلقت ضحكاته الساخرة من نفسه حتى دمعت عيناه لتختفي الضحكات بالتدريج ويبقى البكاء والألم فقط!
أيجرؤ على الحُلم بأن تُسامحه؟!
أي وهم تملًّك منه كي يظن ذلك؟!
لا هي ستسامحه ولا هو يوماً سيفعل!
لقد أصبح يكره نفسه..
شخصه؛
انتقامه؛
غضبه؛
كل ما تسبب في ضياع حبيبته أصبح يكرهه..
أما لحياته من نهاية؟!
لكن..
حياته الآن أخيراً أشفقت عليه ومنحته تلك الــ..طَلَّة!!
اعتدل في مقعده مزدرداً لُعابه وهو يتمعن فيها بنهم..
...
جميلة هي جميلة..
تخطو برقة فوق أوردته وشرايينه لينتفض قلبه..
نبضة.. فنبضة.. فنبضة!
...
"وآآآآآآه يا رهف!"
مُتذوقاً اسمها، مُستلذاً بكل حرف به، مُتفحصاً صاحبته التي تزداد جمالاً كل يوم كعقاب رادع له؛
تقف بنافذتها مُحدِّقة في الأفق بنظرة يتنازعها الضياع ثم الاهتداء؛
هل له علاقة بتلك النظرة؟
لا يتمنى!
لا يتمنى أن يكن لايزال سبباً لألمها.
ومُجدداً:
هل له علاقة بتلك النظرة؟
نعم يتمنى!
يتمنى ألا تكون قد نسيته تماماً.
يتمنى فرصة واحدة أخرى معها، سيُبدي ندمه وألمه واعتذاره، ربما تشفق عليه.
سيُبدي عشقه وشوقه، ربما لاتزال لمشاعره لديها بعض الصدى.
وها هي قد قررت كفايته منها لتلك الليلة، لتغلق النافذة فيهب هو خارجاً من سيارته بلهفة مُتابعاً إياها كي يحظى بآخر لمحة منها.
وبحسرة عاد إلى سيارته واعداً نفسه بنوم تلك الليلة، كي يستقبلها بلهفة كالعادة بأحلامه!
**********
تدثرت بغطائها زافرة بإرهاق بعد يوم حافل في ترجمة بعض العقود القانونية، استشعرت الهدوء المحيط بها وهي تعترف بالاشتياق لثلاثتهم.
لقد أضفوا بهجة على حياتها وقد كانت خالية منها تماماً من قبل، وبالرغم من سنواتها التي عاشتها ببيت خالها فإنها لم تشعر بمعنى الأسرة إلا مع عَمَّار ومَوَدَّة وإياد، حتى تغريد بدأت تتقرب منها شيئاً فشيئاً وتنوي أن تكن لها الأخت الصديقة مثلما تمنت يوماً أن تكن.
انتقلت بعقلها بحماس شديد إلى الدورات التدريبية التي ستقوم بها قريبا فاستغرقت في أفكارها باحثة عن النوم.
حينما...
"أهناك فصول لشاب في الثانية والثلاثين يرغب_وبشدة_ في التعلم؟ وأصدقك القول حينما أؤكد لك أنه مجتهد جدا! وملتزم بالحضور جدا! وسيحرص على الاستذكار جدا جدا!!"
هبت جالسة في فراشها شاهقة بدهشة واضعة يديها على أذنيها مُحاولة إسكات عبارة أخرى هاربة من ذكرياتها معه.
فبصوته المتلاعب؛
ونظراته الخضراء الماكرة؛
وابتسامته الجذابة؛
اقتحم صفاءها مرة أخرى، مُصمماً على اللحاق بأفكارها أينما كانت ووقتما تكون!!
دمعت عيناها بألم مُخاطبة نفسها بضعف أقلقها:
"أنتِ تكرهينه رهف! تكرهين ذلك الرجل ولن تُفكري به ثانية!"
**********
وفي الصباح الباكر حينما همَّت بالذهاب إلى العمل مع مَوَدَّة فتحت الباب هاتفة:
"مَوَدَّة! سأسبقك إلى الأسفل كي أبتاع بعض الشوكولاتة، لا تتأخري!"
وما إن أغلقت فمها حتى تسمَّرت وهي تجدها أمامها
نفس المرأة كانت، مع إضافة..
بعض التوتر؛
بعض الألم؛
بعض الندم؛
وبعض الاعتذار!
وبلهجة تضمنتهم جميعاً قالت السيدة سوسن:
"مرحبا رهف، كيف حالك يا ابنتي؟"
*****نهاية الفصل الحادي عشر*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-09-20, 07:50 PM   #54

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

في انتظار آرائكم وتعليقاتكم


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-09-20, 10:19 PM   #55

Aroma.

? العضوٌ??? » 460249
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 32
?  نُقآطِيْ » Aroma. is on a distinguished road
افتراضي عزيزتي

مشكورة للرواية الرائعة

Aroma. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 03:45 AM   #56

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اااااخ ياااافرحتي بحالة ساري انا حقودة و لسا قلب ما برد هذا وهو بعيد صر معه هيك لما يواجهها شوووو 😈😈😈😈😈
ياااريت ماتحن عليه بسرعة لانه ما يستاااهل اكيد امه راح تعطيها كلمتين تلينها بيهم


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 07:52 PM   #57

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني عشر
*عودة*
**********
ظالم أم مظلوم أنا؟
جانٍ أم ضحية أنا؟
رُبما تلقين السؤال مُنتظرة مني إجابة شافية..
رُبما تتوقعين مني اعترافات كافية..
لا أدري سيدتي حقاً ما هي خطوتي التالية!
أمامك..
هل أُدافع عن نفسي؟
أمامك..
هل أسوق مُبررات؟
أو رُبما تشفقين على حالتي فتمنحيني عفواً لم أطلبه يوماً مِن سواك...
**********











"مرحباً رهف، كيف حالك يا ابنتي؟"
حدَّقت رهف بها مليَّاً دون أي رد
ذاهلة..
صامتة..
لا تدري ما يجب عليها قوله!
أتطلب منها أن تنصرف؟!
أم ترد تحيتها وتتعامل معها بطريقة طبيعية؟
أم تتجاوزها وتنصرف هي؟
أنقذتها مَوَدَّة وهي تأتي من خلفها هاتفة بترحيب:
_أهلاً وسهلاً، من تكونيــ...
وبترت عبارتها فور أن تذكرت رؤيتها بالزفاف، نقلت نظراتها بين سوسن ورهف بدهشة وقلق فردت سوسن بهدوء:
_أهلا بكِ ابنتي، أعتقد أنكِ تذكرتني بالفعل.
صمت طويل للحظات مُعبَّأ بالحيرة وسوسن ورهف تحدقان لبعضهما، بينما احتارت مَوَدَّة في كيفية التصرف..
أما سوسن فقد شردت بعقلها في يوم فقدت فيه الزوج والحبيب وطفلين، ثم كادت أن تفقد ابنها الأكبر وسندها على يد مجرم واحد.. هو والد هذه الفتاة.
وشردت رهف بعقلها في يوم آخر، كان من المفترض أنه أفضل أيام حياتها، عندما تم تمزيق قلبها على مرأى من الجميع، كل ذلك حدث على يد رجل واحد.. هو ابن هذه السيدة.
حبيبها!
سار....
"لا رهف إياكِ!"
تدخلت مَوَدَّة قائلة بتهذيب:
_تفضلي سيدة أم ساري.
أغمضت رهف عينيها واسمه الذي حَرَّمَت حروفه على مسامعها ولسانها منذ أشهر يتخلل كيانها ليُذكِّرها بما اشتاقت إليه..
"إياكِ رهف إياكِ!"
اضطرت لاتباع مَوَدَّة وسوسن إلى غرفة الاستقبال وجلست بجانب زوجة أخيها صامتة، فما لبثت الأخيرة أن استقامت هاتفة:
_استأذن منكِ أم ساري لحظات.
مُجدداً مَوَدَّة؟!
اسمه مُجدداً؟
_كيف حالك رهف؟
والسؤال كان الافتتاحية اللازمة لأثقل حوار على قلبها، فما كان من رهف إلا أن ردَّت بوجوم:
_بخير تماماً سيدة سوسن، شكراً.
لحظات مرت ورهف تحدق بها بكل برود ولامبالاة، حتى وقفت المرأة ثم جلست على الأريكة بجوارها تماماً فنظرت لها رهف باستغراب، إلا أن سوسن أمسكت بكلتا يديها وهي تتحدث بهدوء:
_اسمعيني جيداً رهف، لقد ظلت سارة تبحث عن عنوانك طيلة الأشهر الماضية ولم تحصل عليه سوى بالأمس فقط..
سارة؟!
تلك الفتاة الرقيقة خفيفة الظل التي تهيأت كي تكون أختاً لها بعدما نبذتها دينا لسنوات بإصرار؟
تلك الفتاة التي كانت تخبرها مثرثرة بكل تفاصيل سا....
"توقفي رهف!"
لكن الله عوضها بمَوَدَّة ثم تغريد، يجب ألا تحزن إذن!
سألتها رهف بلا تعبير:
_ولماذا تبحث ابنتك عن عنواني؟
"الطريق ليس سهلاً أبداً."
هكذا فكَّرت سوسن وهي تنظر إلى ملامح الفتاة التي كانت يوماً مُحتاجة مُتوسلة، والآن صارت قوية واثقة، مجروحة وهذا واضح، لكنها تظل واثقة.
زَفَرت سوسن بِتَعَب ثم قالت:
_سأخبرك رهف، سأخبرك بكل شيء!
هتفت رهف برفض قاطع:
_أنا لا أريد أن أعرف أي شيء، لم يعد لديكم ما يخصني أو أهتم به على الإطلاق.
لتدمع عينا المرأة بضعف وألم وهي تقول برجاء:
_أرجوكِ رهف اسمعيني، أنا لا أطلب منكِ أي شيء، فقط بضعة دقائق لتسمعيني.
ازدردت لُعابها وهي تنظر إلى دمعات المرأة ثم تلقائياً اجتذبت بضعة محارم ورقية من فوق الطاولة القريبة ومدَّت يدها إليها بدون كلام فأخذتهم المرأة بشكر خافت.
بعد قليل تحدثت سوسن بإرهاق قائلة:
_أنا هنا اليوم من أجل أمرين: الأول: اعتذار واجب مني على كلامي معك بالمرة الأولى التي قابلتك بها.
ابتسمت رهف بسخرية مُعلِّقة:
_أتقصدين تلك المرة حينما حذرتِني من تكدير حياة..ابنك؟ لا عليكِ! لا تهتمي! أظن أن الجميع بات يعلم حقيقة الوضع حالياً.
تجاهلت سوسن سخريتها المُبطنة موقنة بأن لديها كل الحق فيما تقوله، ثم رددت بخفوت:
_الأمر الثاني: هو التوضيح الذي لم يقدمه إليكِ أحد.
همَّت رهف بالتحدث فأوقفتها سوسن بإشارة مُتوسلة من كفها مُتابعة:
_أنا لن أطلب منك أبداً أن تسامحيه، إن حدث لسارة ما حدث لكِ بسبب ابني ربما كنت قتلت الجاني.
والصدق بعيني المرأة أخرسها وجعلها تستسلم لكلماتها، حيث شردت بسنوات إلى الخلف وهي تتحدث بشجن:
_كنت أحب صبري رحمه الله حُبا جماً منذ مراهقتي واعتقدت أنه لا يراني أبدا، إلا أنني فوجئت ذات يوم بأبي يخبرني بأنه يريد الزواج بي.
صمتت سوسن قليلاً وهي تبتسم لتُدقق بها رهف بفضول حتى تابعت:
_تزوجنا وعشنا أياماً جميلة سوياً ثم رزقنا الله بساري.
تشنجت رهف مع ذكر اسمه وهي تُغمض عينيها وتستمع إلى حديث المرأة:
_ظللنا لأعوام بعدها نحاول الإنجاب مرة أخرى ولم ننجح، وعندما أصبح ساري عمره 8 أعوام رزقنا الله بسارة و.. سامر.
فتحت رهف عينيها فجأة بدهشة متسائلة:
_من سامر؟
ابتسمت المرأة بألم شديد:
_توأم سارة، كلا منهما عانى شيئاً مختلفاً، فبينما تأخرت سارة في الكلام حتى ظننا أنها خرساء، سامر اكتشفنا ضرورة إجرائه جراحة عاجلة بالقلب وهو في عمر السادسة، حينما كنتُ أنا أتهيأ لوضعي طفلتي سلمى.
شهقت رهف هاتفة بذهول:
_سلمى؟!!
ازداد هطول دمعات المرأة وهي تُعقِّب:
_كان من المفترض أن يكون لدي زوج رائع مُحب، وأربعة أطفال، وفي يوم واحد فقدت زوجي، وابني، وطفلة لم أحملها إلا جثة.
هبَّت رهف واقفة بصدمة وتسارع تنفسها وهي تسألها:
_هل.. هل كان حادث ما؟
ابتسمت المرأة من بين دمعاتها وهي تُجيب:
_بل شيطان في هيئة إنسان، دخل بيتي وقتل الجنين، ومات ابني وزوجي بسببه.
"أتسألين عن قلبي؟!"
وبالرغم من أن الإجابة بدأت تُعلن عن نفسها على استحياء إلا أنها سألتها بصوت مبحوح:
_مَن هو؟
لتنظر لها سوسن بعذاب مغمغمة بخفوت شابه الحقد الصارخ:
_شديد محمود الناجي!
"أنا لا أملك واحداً، لقد دفنته في نفس القبر مع أبي وأخي وأختي الرضيعة."
سقطت رهف على الأريكة والفَهم يغزوها بهدوء..
هذا هو السبب؟!
كان ينتقم من الرجل الذي يرفض إلحاق اسمها باسمه بعد أن دمَّر أسرته؟
الآن فقط فهِمَت، الآن فقط وجدت الإجابة على سؤالها الوحيد:
"لِمَ؟!"
لكن سوسن تابعت بصوت متقطع:
_ساري الذي كان هو عمود البيت مع أبيه لم يتحمَّل الصمت، فذهب إليه بمصنعه بين رجاله وهدده أنه سينتقم منه.
"أتسألين عن روحي؟!"
صمتت المرأة فنظرت رهف إليها تتوسلها بعينيها المذعورتين بالتوقف عن الكلام عند ذلك الحد رفضاً لسماع القادم، لكنها خلافاً لذلك استحثتها تلقائياً بخفوت:
_ثُمَّ؟
ذهبت الابتسامة الساخرة ليحل ألم وحسرة وعذاب بعمر ثمانية عشر عاماً، فاستأنفت سوسن بصوت مُتكسِّر:
_ثم اختطفه شديد إلى مكان مجهول، ولمدة ثمانية أيام لم أعلم شيئ عن ابني وسندي سوى أنه شُوهد للمرة الأخيره بمصنعه، فتوقعت أنني لن أراه أبداً ثانية.
"هي لازالت هناك، حبيسة قبو مظلم، معلّقة بسوط ينهال على جسدي ليبعثر كرامتي ويمزق رجولتي!"
تلهث..ودمعاتها تهطل؛
وتلهث..وقلبها يدق؛
وتلهث..وتبكي.. وتلهث.. وروحها تختنق؛
"يا إلهي!"
لكن المرأة التي أصبحت في زمان آخر ومكان آخر أردفت بصوت متحشرج:
_أنا لم أعلم مُطلقاً ما الذي حدث لساري بذلك المكان الذي اقتاده المجرم إليه، فهو لم يعُد حتى الآن منه كي يخبرني، لكنني لَمَحت نبذة مم وقع له هناك على جسده ذات يوم صدفة!
وضعت رهف كفها على شفتيها تكتم بكاءاً مُنفلتاً؛
قلبها يصرخ..
لقد مات أخوه أمامه!
لكن.. "رحبوا معي بشديد بك الناجي والد زوجتي والذي لا يريد الاعتراف بها."
عقلها يصرخ..
لقد ماتت أخته الرضيعة أمامه!
لكن.." أنا لا أستطيع تحمل نتائج أفعالك أنت."
كل ما بها يصرخ..
لقد مات أبوه أمامه ثم تم تعذيبه!
لكن.. "أنتِ طالق!"
يا إلهي!!!
ما هذا العذاب الذي تعانيه؟!
وما هذا العذاب الذي يعانيه؟!
و"لِمَ؟!"
وضعت رأسها بين كفيها لتنهار في بكاء مرير حتى شعرت بالمرأة تجتذبها إلى حضنها مُربتة عليها و...
لحظة!
هذا الحضن مُختلف..
ليس كحُضن عَمَّار أو مَوَدَّة، هو حقاً مُختلف، لم تذُقه يوماً والآن تُريد التشبع به!
استسلمت تماماً لذراعي المرأة وهي تتنعم بأحضانها الدافئة الحنون بينما الأخيرة تعتذر لها:
_سامحيني ابنتي! سامحيني أنني لم أكتشف نيته مُبكراً، سامحيني أنني لم أستطع إنقاذك.
وبِمَ ترد؟.. لا رد!
سوى الاستسلام لذراعيها..
وعند باب الغرفة وقفت مَوَدَّة مصدومة تشاركهما دمعاتهما وهي لا تتخيل أن الرجل الذي اعتبرته يوماً بمنزلة عمها يُخفي شراً وظلاماً وإجراماً هكذا.
**********
"ولِمَاذا لم تصعدي إليها مع أمك؟"
هتفت بها سما هاتفياً باستغراب لسارة الواقفة أسفل البناية التي صعدت أمها إليها منذ قليل، لترد سارة بضيق:
_لا أعلم سما، خائفة ربما، مُحرجة، لا أدري.
خاطبتها سما بنبرة هادئة:
_لن يحدث شيء، هيا اصعدي واعتذري وكوني شجاعة، ربما أنتِ لم تؤذِها لكنكم جميعاً مدينون لها باعتذار.
زفرت سارة بتعب وعيناها مُتعلقتان بمدخل البناية ثم سألتها كي تُغير الموضوع:
_ماذا تفعلين في البيت في تلك الساعة؟ لِماذا لم تذهبي إلى العمل؟
عم صمت قليل للحظات ثم أجابتها سما هامسة:
_لقد تركت العمل!
انتبهت إليها سارة قائلة على الفور:
_حقاً؟! هكذا أفضل، لقد كان مديرك متعنتاً للغاية، لا أدري كيف صبرتِ عليه إلى الآن!
لم ترد سما التي يبدو أنها شردت تماماً فتابعت سارة متسائلة:
_إذن متى ستبدئي العمل معنا؟
جاءها رد سما هادئاً حزيناً بعض الشيء:
_أنا لن أعمل بشركتكم سارة، سأبحث عن عمل بمفردي.
هتفت بها سارة بنزق:
_أنتِ تعلمين أن خطيبك لديه نصيب بتلك الشركة أليس كذلك؟
ردت سما ببطء:
_أعلم سارة، أعلم جيداً، ولا يُشكِّل ذلك لديَّ أي فارق.
خاطبتها سارة بإشفاق:
_ماذا فعل بكِ ذلك الأخرق يا سما؟ لماذا هذا الحزن بصوتك؟ لو فقط تُخبريني سأجعله يكره أيامه ويندم أشد الندم.
جاؤها صوت سما المرح بافتعال واضح:
_وهل أنا سأبكي باستسلام إذا ضايقني، لا تنسِ أنني أستطيع الدفاع عن نفسي جيداً!
ثم تابعت بسرعة كي تُنهي ذلك الحوار:
_سأذهب إلى أمي سارة لأنها تناديني، تشجعي يا فتاة واصعدي إلى رهف.
أنهت سما المكالمة بسرعة لتجلس على فراشها مُحدِّقة في اللاشيء..
منذ أكثر من أسبوعين لم تره، ولم تتشاجر معه، لم يُبهرها بقُدرته الماهرة على استفزازها..
منذ حوارها الأخير معه بالمطعم وانهيار حُلمها الوليد به وقد أصبحت...
يائسة!
نعم هي يائسة؛
وغاضبة!
غاضبة من نفسها أكثر منه، لم تفهم حتى الآن ما الذي حدث ليحتل تفكيرها ومشاعرها التي اكتشفت وجودها بسببه في الأصل!
حياتها كلها كانت مُكثَّفة لرعاية أمها والعمل، حتى عندما خُطِبَت لشريف لم تشعر مُطلقاً بقلبها يدق من أجله، ولهذا سَلَّمت أنها ليست مثل مُعظم الفتيات..
مشاعرها فاترة..
قلبها يضخ الدم بعروقها فقط..
ثم ظهر هو!
عاصم عبد الرحمن.. عدُوَّها والخطر الذي يهدد بسرقة أمها منها!
ما الذي حدث فجأة إذن؟!
خطبة مزيفة؛
ثم اكتشاف جوانب أخرى ليست سيئة تماماً بشخصيته؛
فبصرف النظر عن غبائه الواضح كنور الشمس..
حنون هو، ومُراعِ هو..
لتجد نفسها كالبلهاء أصبحت تنتظر حضوره، ثم تحاول لَفت انتباهه، ثم يجد قلبها لنفسه وظيفة أخرى بخلاف ضخ دمها..
يدق حين تسمع اسمه؛
يدق أكثر حين تسمع صوته؛
يدق أكثر وأكثر حين تراه؛
يرقص بين أضلاعها حينما يبتسم لها!
أحبته؟!
لا بالطبع هي ليست مثل جميع الفتيــ......
كفى هراء، بالطبع أحبته!
لكن...
يبدو أن قلبه لم يكن بنفس المكان معها، فهو مُتمسِّك بوظيفة ضخ دمائه فقط!
**********
"اهدئي حبيبتي، سيُغشى عليكِ."
رددتها مَوَدَّة دامعة العينين بخفوت وهي تحتضن جسد رهف الباكية بين ذراعيها على فراشها..
رهف التي عادت أكثر من أربعة شهور ونصف إلى الخلف، حيث تلك الليلة المشئومة..
زفاف..وطلاق؛
واليوم صدمة!
اليوم فقط تنهار تماماً، اليوم فقط حصلت على إجابة سؤالها، وحصلت أيضاً على تفسير لنظراته التي لم تفهمها قبل أن ينبذها أمام الجميع.
اليوم فقط تريد الصراخ بأعلى صوتها دون أية وسادات تكتمه بها.
والآن بالتحديد تريد أن تراه؛
تريد أن تصفعه وتصفعه بعدد كل الكلمات والنظرات التي اغتالتها في تلك القاعة بسببه!
ثم..
تريد أن تضُمُّه إلى قلبها وتُربِّت عليه وتُخفف عنه عذاب عمره!
الآن هي مُمزقة؛
مُشتتة؛
ترغب بالشيء والنقيض منه تماماً؛
ماذا تفعل؟!
_ماذا أفعل مَوَدَّة؟! أخبريني ماذا أفعل؟ أنا لم أسامحه، لكن.. لكنني الآن أفهم، أفهم جزء من شعوره، لكنني لا أستطيع مسامحته، أموت مَوَدَّة، أنا أموت، ليتها لم تأتِ، ليتها لم تُخبرني، ليتها تركتني مُقتنعة أنه ظالم فقط، أنه مُخادع وكاذب، ليتها تركتني أكرهه.
أحاطت مَوَدَّة وجهها بكفيها متسائلة:
_وهل كرهتيه حقاً رهف؟
أغمضت رهف عينيها تنشج ببكاء مُعذب صارخة:
_أعشقه مَوَدَّة، أعشقه ولم أستطع التخلص من ذلك العشق مُطلقاً!
اقتحم عَمَّار الغرفة وقد وصل لتوُّه من العمل بعد أن هاتفته مَوَدَّة تُخبره بما حدث، هاتفاً:
_رهف! حبيبتي، ماذا بكِ؟
احتضنها بحنان مُشِوِّب بالقلق فرفعت رأسها تنظر إليه مُتسائلة:
_هل كنت تعلم عَمَّار؟ كنت تعلم ما فعله ذلك الرجل بـ.. بساري وأسرته؟
واسمه الذي انطلق على لسانها بعد خصام أربعة أشهر ونصف جعلها تشهق ببكاء..
مُشتاق.. عاتب؛
مُحتاج.. لائم!
لكن نظرة عَمَّار النادمة أعطتها الإجابة دون أية كلمات لتغطي وجهها بكفيها لتجهش ببكائها المُعذَّب، حتى أخذ أخوها يُربت عليها بحنان ثم تحدَّث أخيراً بهدوء:
_كان من المُفترض أن نُصبح أصدقاء.
رفعت رأسها إليه باستفهام فتابع:
_أصغر مني بعام واحد هو، كنت أراه في المصنع يومياً ينقل الأخشاب على سيارات التُجار مُقابل مبلغ زهيد، في البدء استغربت بشدة، كان يحمل ثلاثة من ألواح الخشب على إحدى كتفيه وتساءلت دوماً كيف يُمكنه حمل هذه الأثقال بمنتهى البساطة؟
صمت ثم ابتسم مُتابعاً:
_في إحدى المرات حاولت حمل لوح واحد في الخفاء فسقط على قدمي وأصابني بجرح.
نظرت له المرأتان إحداهما بحنان والأخرى بقلق من القادم، فأكمل:
_ظللت أراقبه لأيام متواصلة، ورغماً عني شعرت بالإعجاب بقُوته، كنت أرغب بالتقرب منه لكني خِفت من تعنيف أبـ.. شديد بك، حيث كان دائماً ما يمنعني من التحدث مع الأقل شأناً كما يقول.
اجتذب نفساً طويلاً ثم عقَّب بحزن واضح:
_ وفي أحد الأيام تجرأت وتسللت بعيداً عنه لأتحدث مع.. مع ساري.
دمعتان تسللتا منها بصمت لم ينتبه هو إليهما وهو يستأنف حديثه:
_كان اليوم الأخير باختباراتي واختباراته، وبينما كنت أنا أحتفل بالجهاز الإلكتروني الجديد الذي ابتاعه لي شديد بك، كان ساري يحتفل بحمل الأخشاب كي يكتسب بعض النقود الزهيدة.
وابتسامة منه ساخرة أخرى وهو يتابع:
_حاولت التقرب منه عن طريق طلب نصيحته بالعمل مثله ثم إغرائه بمشاركته اللعب على جهازي، ويبدو أنني نجحت، فقد رأيت الفضول بعينيه مُختلط بالانبهار وبعض الــ..الحرمان.
شهقتها الباكية ودمعات زوجته المسترسلة لم توقفنه عن الحديث مبتسماً بحسرة:
_أسدى لي بعض النصائح عن كيفية المُساومة حتى أستطيع جني مبلغ جيد.
وبخفوت ساخر أردف:
_لم يكن يعلم أن ذلك المبلغ الذي يراه هو أقصى طموحاته بنهاية كل يوم شاق، أحصل أنا عليه كل صباح قبل أن أخرج من فراشي!
ارتسم الامتعاض فوراً على ملامح عَمَّار وهو يتابع:
_وقبل أن أوطد علاقتي به تدخل شديد بك فوراً وأهاننا سوياً أمام العمال، بينما اضطر ساري إلى التخلَّي عن الجهاز كي يحصد بضعة جنيهات إضافية!
لم يعد عَمَّار بالفعل يستمع للبكاء الأنثوي بجانبه وهو يتابع بقسوة:
_ظللت فترة أذهب إلى المصنع معي جهازين إلكترونيين كي أشاركه اللعب لكنه لم يأتِ، وفي يوم ما رأيته، رأيت ساري ينطلق إلى باحة المصنع صارخاً وبيده سكيناً صغيرا يُهدد به شديد بك مُتهماً إياه بأنه قتل أبيه وأخته وأخيه.
صمت قليلا يجتذب أنفاساً ثائرة وأولاهما ظهره ثم تابع بقهر:
_وتكالبت عليه الوحوش فجأة يتملَّقون رئيسهم عن طريق ضرب فتى بعمر أبنائهم، لدقائق انهالوا عليه بضرب مُبرح بدون توقف.
ودمعتان سقطتا من عَمَّار من عينين..
شاردتين؛
مُتألمتين؛
مُحمَلَتين بالذنب!
_كنت هناك، رأيتهم وهم يُهينونه ويسحقون كرامته تحت أحذيتهم، لكني حاولت.
استدار إليهما بعينين نافيتين تهمة لم تُلصِقه أحدهما به:
_والله رهف حاولت، والله مَوَدَّة حاولت، كنتُ في الخامسة عشر فقط ولم أكن قوياً بما يكفي كي أصدهم عنه سريعاً، وأخيراً نجحت، لكن..
والدمعتين أصبحتا أربعة..
ثم ستة؛
ثم أنهاراً؛
واستأنف بِحسرة:
_تشوَّه وجهه بفعل قذارات أحذيتهم، تشوهت ملابسه بدمائه، لقد.. لقد تطلعت بعيني إلى دمعاته المقهورة الهاربة من جفونه المُغلَقة، فحمدت ربي أنه لم يفتحهما!
بحثت رهف عن صوتها كي تطلب منه التوقف لأنها بدأت تشعر بالدوار فعلاً لكنه تابع بصياح:
_ثم اختفى ساري، بمنتهى البساطة اختفى، وفي اليوم التالي رأيت أمه تصطحب أخته الصغيرة الخرساء المُتبقِّية لها وتتوسل عُمَّال المصنع باكية كي يخبرونها عن مكان ابنها فلم يهتم بها أحد.
صمت آخر ثم متابعة:
_وعلمت بعد أكثر من أسبوع أنه عاد، وعلمت بعد أكثر من أسبوع أنه اِختُطِف، وعلمت بعد أكثر من أسبوع أنني يوماً ما سأراه ثانية، ربما ليقتلني أنا أو ليقتله هو!
بصوت مبحوح طلبت:
_كفى عَمَّار، لا أريد سماع المزيد!
هنا عاد عَمَّار إليها بهتاف غاضب:
_كنت سأسامحه لو انتقم بأي طريقة رهف، أي طريقة حتى لو طلب مني أن أشهد ضد شديد بك، لم أكن لأتردد فهذا حقه، لكنني مُطلقاً لن أسامحه على ما فعله بكِ أنتِ، أنتِ لستِ مُذنِبَة..
نظرت له رهف بضياع وبنفس بحة صوتها ردَّت:
_بالفعل لستُ مُذنِبَة عَمَّار..
صمتت قليلاً ودمعاتها تسيل بسخاء ثم تابعت:
_لكن أخبرني ما ذنبه هو أيضاً؟ أخبرني ما شعوره وعائلته تتدمر أمامه بيوم واحد؟ أخبرني ما شعوره عندما يُهان أمام الجميع لأنه فقط طالب بالقصاص؟ كان لايزال صبياً!
والكلمة الأخيرة خرجت بهمس باكِ فسألها بغضب:
_هل سامحتِه رهف؟!
هبت واقفة وهي تصرخ به:
_لا! لم أسامحه! لقد خذلني، لقد حطَّم قلبي وأحلامي معه، أنا.. أنا لم أكن أفكر أصلا بالزواج يوماً، كنت راضية بوحدتي حتى ظهر هو ليمنحني الأمل والحب، ليجعلني أُجرب شعوراً بالسعادة والأمان والحياة.
صمتت وتهدلت كتفيها بانهزام:
_لكن.. أتعتقد أنه حصل على الأمل والحب يوماً؟ أتعتقد أنه جرَّب بحياته شعوراً بالسعادة أو الأمان أو الحياة؟
صمت تام بين ثلاثتهم إلا من أصوات أنفاسهم الثائرة، لكن مَوَدَّة هي من أمسكت بزمام الحديث فجأة بصرامة:
_تحبينه رهف، تحبين ساري، هو أيضاً يُحبك، لقد ظلمِك بأقسى الطرق، أنتِ الضحية هنا، لم تُسيئي إليه مُطلقاً.
نظر لها الاثنان بترقب، أعطاها عَمَّار نظرة مؤازرة بينما ارتسم الحزن بعيني رهف، فاستكملت بنفس الصرامة:
_هو ليس ملاكاً، وأنتِ لستِ ملاكاً، لا أحد منا ملاكاً، أتعتقدين أن عَمَّار لم يجرحني يوماً؟ أتعتقدين أنني لن أفعل أبداً؟
عقد عَمَّار حاجبيه بتوجس بينما انتبهت لها رهف باهتمام فيما تابعت بِحزم:
_كلنا نجرح رهف، ولا يملك جميعنا القدرة على المغفرة، لكن اعلمي أنكِ إن غفرتِ ربما تحظين ببعض السعادة يوماً مع من تمنيته.
هب عَمَّار واقفاً هاتفاً بسخط:
_أتشجعينها على مسامحته؟
وقفت مَوَدَّة أمامه بنظرة لن يفهمها إلاهما:
_هل تعترض على مبدأ المسامحة عَمَّار؟!
نظر لها بغيظ واضح وهو يضغط أسنانه حتى كاد أن يحطمهن ثم صاح وهو يخرج من الغرفة بثورة:
_افعلا ما تريدان لكنني لن أرحمه!
عادت مَوَدَّة لتجلس بجوار رهف مخاطبة إياها بهدوء:
_اسمعيني جيداً يا فتاة، أنتِ يجب أن تأخذي حقك منه بنفسك حتى تشعُري بالراحة.
نظرت لها رهف بدهشة من بين دمعاتها هاتفة:
_ألم تقولي للتو أن....
قاطعتها مَوَدَّة بنبرة ماكرة:
_هذا لا يمنع ذاك يا ذكية.
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 07:53 PM   #58

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تُبدِّل قنوات التلفاز بملل شديد، شاردة في حالة أمها الحزينة منذ أن عادت من زيارتها اليوم صباحاً لرهف وكأنها عادت ثمانية عشر عاماً بالماضي!
حائرة.. أيجب عليها الاستماع لنصيحة سما بالذهاب إليها أم تَظل على جُبنِها!
دق رنين هاتفها فتطلعت إلى الرقم المجهول بلا اهتمام وأشاحت بوجهها بعيداً حتى صمت، لا ترغب بأي حديث في العمل الآن.
ومرة أخرى!
يا للإصرار!
يا للإلحاح!
اختطفت الهاتف وبكل غضبها المكبوت صرخت:
"نعم؟!"
ليقابلها صمت للحظة ثم إنهاء المكالمة!
ضغطت أسنانها بغيظ هاتفة:
"أهذا وقت مضايقات أيضاً؟!"
وعلى الطرف الآخر كان هو يُحدِّق في هاتفه بدهشة، من ردة فعله هو أكثر من فعله نفسه!
لِمَ هاتفها؟!
ولِمَ صرخت به؟!
ولِمَ لم يرد وأنهى المكالمة؟!
لا يدري!!
ولِمَ يُعيد الاتصال بها الآن ثانية؟!
أيضاً لا يدري!!
رفعت عينيها إلى سقف الغرفة بملل واضح وهي تستعيد بعقلها شتائم مناسبة سيتلقاها الآن ذلك الكائن الذي يُصر على جلب الإهانة لنفسه تلك اللحظة.
_هل أنت تافه ومتفرغ إلى تلك الدرجة؟! أليس لديك شيئاً آخر يُشغلك؟ و هل أنت أبله يا هذا؟! ألا تزال المعاكسات الهاتفية دارجة؟! أليس لديك أي رغبة بالتجديد؟!
هكذا صرخت فور ان استقبلت المكالمة ليأتيها صوت منافِ تماماً لما توقعته بخيالها من خُبث:
_كيف كنتِ حقاً خرساء ؟!
اتسعت عيناها بدهشة وهي تحاول تذكُّر هوية صاحب تلك النبرة المُميزة متسائلة:
_عفواً؟!
ليعيد سؤاله بأقصى درجات الهدوء:
_أعني.. هل ذلك اللسان امتنع عن العمل يوماً؟
لحظات صامتة مرَّت بينهما، تحاول هي تعرُّفه ويحاول هو إيجاد مبررا سريعاً لاتصاله بها...
منذ الأمس وهو يستعيد حوارهما بمكتبها كفيلم سينمائي لا يمل تكراره..
وخلال الفيلم هناك عينان خضراوتان دامعتان تُحدِّقان به بألم وبعض المرح الذي أدرك تماماً أنه مجرد.. سِتار!
ليجد نفسه يبحث عن رقمِها بسجلات المشفى حيث تركته هناك عندما جاءته أول مرة...
هل حقاً ظل يبحث في السجلات لأكثر من أربعة شهور فائتة كي يصل إلى رقمها؟!
نعم!
ولِماذا؟!
لا يعلم!
وما هدفه من اتصاله بها الآن؟
بالطبع لا يعلم!
_دكتور حمزة؟!
هتفت بها حينما ضرب الإدراك عقلها أخيراً فحمحم ناهراً شروده:
_كيف حالك آنسة سارة؟
جاءته إجابتها الخجِلة:
_بخير، آسفة على الــ....
وبترت عبارتها حيث لم تدرِ تتمتها فأردف هو بنبرة باسمة:
_على الاستقبال الهاتفي الحافل؟! لا عليكِ!
ابتسمت بخجل وصمت هو متوتراً حينما قفز السؤال داخل عقله فجأة فتشبث به فوراً ثم ألقاه على لسانه:
_كيف حال عينيك الآن؟
"أقصد كيف حال عينيك الجميلتين جداً الآن؟"
"أقصد كيف حال عينيك الخضراوتين الجميلتين جداً الآن؟"
نفض رأسه مُسرعاً وهو يهب من جلسته على فراشه ويحُك مؤخرة عُنُقه بتوتر هاتفاً بخشونة قبل أن تسنح لها الفرصة للإجابة:
_هل تُداومين على القطرات؟
ليأتيه صوتها الهادىء تلك اللحظة:
_نعم، وأشكرك بالمناسبة، لقد قلَّ الالتهاب بالفعل.
"سؤال آخر من فضلك!"
"حُجة أخرى من فضلك!"
توسل عقله كي يُشتت ذلك الصمت المُربك فلم يرُدُّه:
_هل ذلك الالتهاب عارض أم أنكِ مُعتادة على التعرض له؟
هتف به بنبرة حاول اصطناع المِهنية بها فأجابته بسلاسة:
_عندما تنتشر الأتربة في الجو فقط.
أومأ برأسه إيجاباً كأنها تراه ثم أدرك حماقته فأهدى نفسه نظرة امتعاض؛
ثم..
صمت متوتر آخر لا يدري كيف يقطعه حتى...
_أنا لم أذهب إلى رهف!
قطعته هي فشكرها بداخله مُعلِّقاً بسرعة:
_لقد كنت أهاتفك كي أسألك عن ذلك الأمر في الأساس!
عقدت حاجبيها بدهشة ثم عقَّبت:
_لقد ظننت أنك هاتفتني كي تطمئن على حالة عيني!
"الخضراوتان؟"
اصمت حمزة!
"الجميلتان؟"
اخرس حمزة!
بحمحمة خشنة رد:
_ومن أجل ذلك بالطبع أيضاً!
_لم أستطع فِعلها!
وصوتها الحزين جعله يتناسى مراهقته الغريبة المتأخرة ويسألها باهتمام صادق:
_لماذا؟ لقد كنتِ مُتحمسة جداً للتواصل معها!
رَدَّت بصوتها الخافت:
_ لقد ذهبت إليها أمي، بينما انتظرت أنا أمام البناية لا أجرؤ على فعل المثل، خِفت!
فَرَد بصوت هادىء:
_رهف طيبة ولن تُقاطعك بسبب خطأ اقترفه غيرك.
وعاد صوتها الخافت:
_لا أعلم.
ولم تساعده تلك المرة أيضاً في قطع الصمت، لذا..
"يجب أن يرتجل!"
_أتُحبين أن أكون معِك وأنتِ تقابلينها؟!
ما إن أنهى اقتراحه حتى تأفف بندم دون صوت لاعناً تسرعه..
"ليته ما ارتجل!"
لكنها هتفت بِلا تصديق:
_أنت لا تمزح أليس كذلك؟
اتسعت عيناه بدهشة.. لم تنزعج إذن!
"خيراً فعل عندما ارتجل!"
ابتسم وتابع بِحماس أشد:
_بالطبع، ما رأيك أن تذهبي إليها بعملها؟
قفزت واقفة لتهتف بصوتها الفرِح:
_موافقة جداً، لكن.. لكن أنت ستكون موجود هناك في نفس الوقت، لن تتركني وحدي معها عند المواجهة، أليس كذلك؟!
"وهل أنا إلى تلك الدرجة أحمق؟!"
_لن أتركك!
"مع رهف فقط بالطبع ولا مجال لأي معنى آخر!"
هتفت بحماس شديد:
_أشكرك جداً دكتور حمزة، أنت أفضل دكتور رمد قابلته بحياتي، تصبح على خير!
وعلى الفور أنهت المكالمة!
لثوانِ يحدق في هاتفه بعدم استيعاب ثم بالتدريج..
اتسعت ابتسامته..
ابتسامة سعيدة؛
ابتسامة واثقة؛
ابتسامة فخورة؛
ابتسامة بلهاء؛
وبمنتهى الحماقة المزهُوَّة بصوته ردد:
_أنا أفضل دكتور رمد قابلته بحياتها!
**********
"أريد التحدث معِك قليلاً رهف"
قالها عَمَّار بابتسامة مرتجفة لأخته التي تورَّمَت عيناها بكاءاً منذ الصباح، ثم أشار إليها لتجلس إلى جواره على الأريكة، ففعلت..
نظر لها بابتسامة مترددة ثم سألها فجأة:
_ما رأيك بإقامة دعوى إثبات نسب وإجراء تحليل حمض نووي؟
وقبل أن تستوعب عاجلها:
_لقد تحدثت مع أحد المحامين بذلك الشأن، فما رأيك؟
فغرت فاهها وسألته بدهشة:
_ماذا تقول عَمَّار؟ لماذا؟
رمقها باستهجان ثم قال:
_حتى نتخلص من تلك القصة تماماً، حتى يدرك الجميع أنكِ لست..
بتر عبارته وهو يتهرب بعينيه منها فأكملت هي بهدوء:
_لست ابنة خطيئة عَمَّار، قلها، فأنا اعتدتها منذ سنوات.
هَزَّ رأسه رافضاً ثم خاطبها بحنان:
_حبيبتي أنا أريد كتم كل الأفواه التي تخوض بنسبك.
ترددت لثوانِ ثم سألته بقلق:
_هل.. هل وصل الضرر إليك؟ أو إلى عملك؟ هل عَلِم أحد زملاؤك أننـ...
هتف بها بغضب للمرة الأولى:
_توقفي رهف!
ثم زفر بضيق متابعاً برفق، مُشدداً على كلماته:
_أنتِ أختي، وصغيرتي، ومن لا يقتنع أو يصدق ذلك فليحترق لا أهتم.
وأضاف بحنان:
_اقتراحي من أجلك أنتِ، من أجل إثبات نسبك.
هَزَّت رأسها رفضاً على الفور قائلة:
_لا أريد عَمَّار.
نظر لها بدهشة فتابعت بألم:
_لن أكذب وأخبرك أنني لا أتمنى إثبات نسبي، لن أخفي أن أشد ما أريده للأسف هو اسم ذلك الرجل بعد اسمي.
وترقرقت عيناها بالدموع وهي تستدرك:
_لكن.. لكن ليس عن طريق تعريضك لفضائح أكثر، أو مخاطر من أي نوع.
ثم طأطأت رأسها أرضاً وأردفت بِوَجَل:
_هذا الرجل رَضى بأن تُلقَى ابنته في بيت آخر وأنكر أبوته لها، هذا الرجل ضرب خالها أمامها وهددها..
صمتت للحظات ثم تابعت بألم:
_هذا الرجل تسبب في موت ثلاثة أشخاص ولم يجفل، ثم اختطف.. ثم اختطف عائلهم الوحيد دون أن تنتابه شفقة أو رحمة.
وفجأة أمسكت يده بقوة متابعة بخوف واضح مُطأطأة رأسها أرضاً:
_ هذا الرجل بإمكانه إيذائك أنت ومَوَدَّة وإياد نفسه، وأنا لن أقامر بأحدكم، أنتم عائلتي التي توقفت عن الحُلم بالحصول عليها، لا أتخيل أن أُحرم من أحدكم عَمَّار.
ثم رَفَعَت رأسها مخاطبة إياه بتوسل:
_انس الأمر عَمَّار، طالما عقد الزواج ليس بحوزتي فسأبقى للأبد رهف وفقط.
هَبَّ واقفاً وهو يصيح بغضب:
_أنا متأكد أن الحقيرة ابنة خالك لاتزال تمتلك ذلك العقد وتكذب بشأن ضياعه.
أومأت برأسها إيجاباً واتجهت إليه قائلة بخفوت:
_أعلم، لكن دعك منها عَمَّار، دينا ستتمسك بأي سبب يكدر معيشتي، لا تهتم!
والغضب بعينيه زاد أكثر فتابعت برقة:
_لا تشغل بالك، أنا قد تَقَبَّلت منذ زمن أنني لن أستطيع الحصول على اسمه، وحمداً لله قد صارت لديّ عائلة، لا تبتئس!
لكنه قد استسلم لشروده تماماً، فلم يُعلِّق على عباراتها التي حاولت بها التخفيف من حِدة غيظه، ولم يشعر بِقبلتها على وجنته قبل أن تعود إلى غرفتها.
**********
باليوم التالي:
"مرحباً، هل سيدة مَوَدَّة موجودة؟"
رَفَعَت رهف رأسها عن طابعة الحاسب الآلي التي تأبى تحرير الورقة، ثم تطلعت إلى ذلك الشاب المبتسم والذي يبدو عليه الذوق والتهذيب وردَّت:
_نعم، هي بمكتبها لكن لديها مكالمة هاتفية هامة.
ثم استدركت:
_هل لدى حضرتك موعد معها؟
اتسعت ابتسامته وهو يُجيبها:
_في الواقع لا، لكنني كنت قد أخبرتها أنني سأزورها من أجل بعض الإرشادات الدعائية، لِذا جئت أعرض مساعدتي.
حدَّقت رهف بوجهه وهي تُحاول تذكُّر هل اتفقت مع مَوَدَّة على الإعلان عن طلب مسئولين دعاية من قبل؟
ربما!
لا تدري!
فما حدث بالأمس محا عن عقلها أي معلومة بشأن أي شيء سوى
ساري!
"مهلاً يا فتاة! أيتلفظ عقلك باسمه بمنتهى البساطة هكذا؟"
"طالما لا يتلفظ به لساني ما الضرر؟"
ابتسمت له بتهذيب وهي تشير إلى أحد المقاعد قائلة:
_تفضل بالجلوس حتى تنتهي السيدة مَوَدَّة.
جلس يتطلع إلى المكان بفضول بينما عادت هي إلى الطابعة اللعينة تحاول استخراج الورقة بغضب منها؛
ومن نفسها؛
ومن ساري؛
"توقفي!"
_خالد؟! يا لها من مفاجأة! متى جئت؟
صاحت بها مَوَدَّة ببشاشة عندما خرجت من مكتبها ووجدته جالساً بصالة الاستقبال، وقف على الفور وهو يرد بابتسامته المعهودة:
_لتوي جئت لكنك كنتِ منشغلة.
أشارت مَوَدَّة إلى غرفة جانبية قائلة:
_تفضل خالد بمكتبي كي تُخبرني ماذا أفعل في قصة الدعاية تلك.
ثم التفتت إلى رهف الغارقة تماماً بغضبها من الطابعة قائلة:
_رهف، لو سمحتِ أخبري السيدة نادية أن تُحضر بعض العصير، واتركي تلك الطابعة حتى يأتي المُصلح.
أومأت رهف برأسها حينما هتف خالد بابتسامة مهتمة:
_رهف؟! هل أنتِ أخت عَمَّار؟
نقلت نظراتها بينه وبين مَوَدَّة التي استدركت بانتباه:
_يا لعقلي الضائع! لقد نسيت أن أقدمكما، خالد هو ابن عمي الذي عاد مؤخراً من السفر.
ابتسمت رهف بمجاملة:
_أهلا وسهلا.
ليُعلق خالد بنفس الابتسامة:
_أهلاً رهف، أنتِ جميلة جداً!
فغرت فاهها دهشة وفعلت مَوَدَّة المثل، لكن الأخيرة كانت الأسرع في التخلص من دهشتها وهي تخاطب خالد:
_تفضل خالد إلى المكتب، سألحق بك.
أومأ خالد برأسه وتحرك بينما التفتت مَوَدَّة إليها هامسة:
_اعذريني أنا رهف، لقد عاش عُمره بالخارج وتعبيره عن جمال فتاة لا يعرفها بمثابة سلوك مهذب منه، أرجوكِ لا تُخبري عَمَّار كي لا يهشم عنقي.
ضحكت رهف برقة مُجيبة إياها بنفس الهمس:
_لا تخافي، هذا أحد أسرارنا، لكن أخبريه عن الفارق بين ما يحدث هنا وما يحدث في الخارج، كي لا تضطروا يوماً إلى استلامه من قسم الشرطة!
ضحكت مَوَدَّة وهي تتجه إلى مكتبها فعادت إلى الطابعة تصب جام غضبها عليها لبعض الوقت، حتى:
"مرحباً رهف!"
التفتت تجاه الباب ثم انفرجت ملامحها بابتسامة واسعة، وهي تهتف:
_أهلاً حمزة!
_كيف حالك سيادة المُترجمة؟
تقدم منها مبتسماً فأشارت إليه بالجلوس على أحد المقاعد المُقابلة وهي ترد:
_أنا بخير، كيف حال أستاذ جمال وكيف حال والدتك؟
رد حمزة بهدوء:
_بخير.
ثم تابع بقلق:
_أنا لم آتِ وحدي رهف، هناك شخصاً ما بصُحبتي يود مُقابلتك.
ضيقت عينيها بتساؤل:
_مَن؟
نظر بساعته بتوتر قائلاً:
_ستعرفين الآن.
لماذا تأخرَت؟!
وهل تأخرَت أصلاً؟!
لقد أرسل إليها العنوان والموعد بالأمس في رسالة نصية بعدما انتهت مكالمتهما القصيرة ذات الأثر الطويل في نفسه، ليعاني نوم مُتقطع ثم استيقاظ نشِط بالصباح الباكر ليسبقها إلى هنا، وها هي قد تأخرت..
دقيقتين!
ربما ثلاثة!
_السلام عليكم.
التفت برأسه بسرعة تجاه الباب يحدِّق بها و...
"لقد اشتقت إليها يا حمزة!"
"أتمزح يا رجل؟!"
في حين لم يرد أحدهما سلامها، فالأول شارد بصدمة اكتشافه شوق لا يفهم له سبب، والأخرى تحدق بها مُستعيدة صور لم تشهدها حقاً
أب؛
أخ توأم؛
أخت مولودة جثة؛
أخ سند؛
وخَرَس!
وعندما هَمَّت سارة أن تستدير لتغادر بيأس وحرج قبل أن تطردها هي، كانت رهف تنطلق إليها بالفعل جاذبة إياها إلى أحضانها، مُتشبثة بها؛
بقوة، باحتياج، بمؤازرة!
لحظات صمت إلا من أصوات بكائهما سوياً..
_إذن أنتِ فعلاً سلمى!
هتفت بها سارة دامعة وهي مُستندة بجبهتها على إحدى كتفيها لتُجيبها بابتسامة دامعة أيضاً:
_أنا سأكون لكِ كما تريدين سارة، صديقة وأخت كما تُحبين وأكثر.
**********
يجلس بالقرب منهما في صالة الاستقبال بالمكتب، متظاهراً بمطالعة أحد المقالات الطبية على هاتفه، لكنه في الواقع للمرة الأولى بحياته.. يتلصص!
الطبيب الوقور الهادىء المتأني يُرهف السمع لأحاديث جوفاء بين فتاتين، أو في الواقع لحديث إحداهن تحديداً!
وعقله؛
ينهره ويُحذره..
وقلبه؛
متيقظ بطريقة غريبة..
وعيناه؛
تهربان إليها رغماً عنه!
"يا دكتور حمزة، الشاي!"
انتبه أخيراً إلى السيدة نادية التي أدرك أنها تقف أمامه منذ فترة ليست بالقليلة، حمحم بخشونة وابتسم لها باعتذار وهو يتناول الكوب الزجاجي منها شاكراً إياها بخفوت، بينما رمقته بابتسامة ماكرة بعدما كَشَفَت مرمى نظراته وسبب شروده..
_هل هي صديقة الآنسة رهف؟
سألته بخفوت فاتسعت عيناه بتوتر وتظاهر بعدم الفهم قائلاً:
_من تقصدين؟
ضَيَّقت السيدة عيناها ثم قالت بلهجة ذات مغزى:
_كتلة الحيوية والمرح تلك.
احتبست الكلمات في حلق حمزة فتابعت المرأة بضحكة مستمتعة:
_أتعلم يا دكتور؟ أنا أحب العيون الخضراء كثيراً، ألا تشاركني رأيي؟
عَبَس حمزة بشدة ثم قال بخشونة:
_أنا أحب جميع العيون سيدة نادية، فهم مصدر رزقي في كل الأحوال!
وقبل أن تتفوه بكلمة ارتشف حمزة السائل الساخن دفعة واحدة متجاهلاً الاحتراق الذي شعر به في حلقه وأمعائه، بينما شهقت هي بدهشة هاتفة:
_ستحترق يا ولدي، حاذر!
لكنه لم يأبه وأعطاها الكوب الفارغ بابتسامة صفراء قائلاً:
_شكراً سيدة نادية! لو سمحتِ أنا كنت أطالع مقالاً هاماً، هلا تركتني الآن؟!
أمعنت السيدة النظر به بمكر ثم أولته ظهرها وانصرفت متمتمة:
"ما أجمل بدايات قصص الحب!"
اتسعت عيناه أكثر والتفت بسرعة إلى سارة ورهف ليزفر نفساً مرتاحاً وهو يتأكد أن إحداهما لم تسمعها!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 07:56 PM   #59

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثاني عشر:
"شكراً خالد، لقد أفدتني حقاً"
هتفت بها مَوَدَّة بامتنان فتقدمها خالد إلى خارج المكتب لتتبعه، لكنها ما لبثت أن توقفت بدهشة وهي تطالع الضيفين الموجودين مع رهف، أحدهما تعرفه بالطبع بسبب صداقته القريبة مع عَمَّار، والأخرى....
_سارة صديقتي يا مَوَدَّة.
ثم التفتت إليها قائلة:
_وهذه مَوَدَّة، زوجة عَمَّار وأخت لي!
اتسعت عينا مَوَدَّة بدهشة وهي تتعرفها، فقد رأتها أيضاً بذلك اليوم المشئوم، تقدمت منها الفتاة بتوجس فطردت دهشتها فوراً مبتسمة:
_أهلا بكِ سارة، أنرتِ مكتبنا.
ارتاحت ملامح سارة فوراً وهمت بالرد حينما ارتفع صوت خالد من خلفها:
_هل كل الفتيات هنا على هذه الدرجة من الحُسْن يا مَوَدَّة؟
والدهشة حلّت على ملامح رهف وسارة، بينما ودَّت مَوَدَّة لو تلكزه في معدته..
وبخلافهن فقد نظر إليه حمزة بهدوء مُريب عابساً بوضوح، متسائلاً بوجوم:
_من هذا؟
حمحمت مَوَدَّة بحرج وهي تجيب:
_إنه خالد، ابن عمي.
ثم استدركت بسرعة:
_لقد عاش عمره كله في الخارج وللتو عاد.
وكأن ذلك التوضيح وافِ، لكن ملامح حمزة المتجهمة لم تنشرح وهو يُعقِّب بامتعاض صارخ:
_أهلاً!
ثم التفت فوراً إلى سارة قائلاً بنزق لاإرادياً:
_سارة! ألم تخبريني أنكِ لا تملكين سِوى ساعة واحدة للاستراحة؟! ها قد انتهت، هيا إلى عملك!
نظرت له كلا من مَوَدَّة ورهف بدهشة، لكن سارة تطلعت إلى ساعتها بقلق ثم هتفت:
_يا إلهي! أنت محق دكتور حمزة، لقد تأخرت كثيراً عن العمل، سيقتلني عاصم!
ارتدت حقيبتها واتجهت إلى مَوَدَّة مُقبِّلة إياها ببساطة؛
ثم فعلت المثل مع رهف؛
ثم..
"ألن يحين دوري؟!"
نفض رأسه مُتسع العينين بذعر..
"لقد جنِنت حمزة!"
_إلى اللقاء دكتور حمزة، شكراً جداً.
وبنفس ابتسامتها البسيطة انصرفت فتخشب مكانه لوهلة مُحدِّقاً في إِثرِها حتى أن رهف ومَوَدَّة لاحظتا ذلك..
"لماذا يدُق قلبك بهذه السرعة حمزة؟!"
**********
ألقت دينا هاتفها فوق الفراش بغضب بعد أن أنهى تامر المكالمة فجأة تلك المرة أيضاً..
لقد أصبح وضعها هنا لا يُطاق، الجميع لا يتعامل معها، وإن تعاملوا لقت الغرور والعجرفة وإشعارها دائماً أنها لم تكن تحلم بالوصول إلى هنا..
وهل هذا غير حقيقي؟!
لا! بالفعل هي لم تكن تتخيل أن تقطُن مكان بذلك الفخامة، ولا تعيش بمستوى بتلك الرفاهية، بعدما ذاقت حياة عادية ببيتها ثم ببيت حمزة..
حمزة؟!
لم يكن يتعامل معها بطريقة فوقية مُطلقاً بالرغم من أنها من كانت تفعل ذلك عبثاً، لكنه كان يتجاهل فورات غضبها بصبر شديد.
الآن هي لا تدري ما الذي تفعلُه ليتسبب بِغضب تامر منها طوال الوقت..
اتسعت عيناها فجأة وهي تهتف:
"أمه!"
بالتأكيد هي من تتسبب في ذلك، فهي لا تترك فرصة إلا وأخبرتها دون كلمات واضحة بمدى كراهيتها وعدم موافقتها على تلك الزيجة، والآن ربما ستدفعه إلى تطليقها؟ ربما هذا ما حدث مع زوجتيه السابقتين أيضاً؟!
وهل ستترك لها الفرصة؟!
هي، من كافحت طويلاً كي تصل لحياة مثل هذه تتخلَّى عنها بتلك البساطة؟!
"أنتِ لا تعرفينني إذن سيدة هدى، أنا لا أستسلم أبداً!"
ماذا تفعل إذن؟
أتنفذ نصيحة أمها وتُسارع بالإنجاب منه؟
لكنها.. لكنها لا تريد الأطفال الآن وليست مستعدة لتربيتهم وتحمُّل عنائهم وضوضائهم..
أمها نفسها لا تعلم السبب الرئيسي في انفصالها عن حمزة وتظن أنه بخصوص ابنة عمتها.....
دق هاتفها فانطلقت إليه مُسرعة هاربة من أفكارها معتقدة أنه تامر، يبدو أنه أدرك خطأه وسيطلب رضاها الآن..
رقم غير مُسجل!
ربما!
"مرحباً!"
صمت للحظات ثم:
_مرحباً سيدة دينا، مُبارك زيجتك الجديدة.
عقدت حاجبيها باستغراب مُجيبة:
_شكراً، من تكون أنت؟
صمت آخر أثار التوجس في نفسها، والذي تحول إلى رعب حقيقي عندما جاءتها إجابته الهادئة بصوت رخيم على النقيض تماماً من المعاني الواضحة بها:
_أنا_يا سيدة دينا_ من سيُحيل حياتك إلى جحيم حارق، أنا من سيُخلص الحق منكِ، ولنبدأ بحق ابنة عمتِك.
صمت هو ولم تجد رداً تتغلب به على رُعبها فتابع بنفس الهدوء:
_هل ستُخبريني بكل أدب أين هو عقد الزواج العرفي الذي يخص والدتها، أم سأضطر لطلب تدخُّل تامر بِك؟!
عندئذٍ شهقت وشحب وجهها وهي تسأله بصوت مبحوح:
_من أنت؟ وكيف تعلم كل ذلك عني؟
ضحكة بطيئة رنَّت بأذنها، ضحكة أكدت لها أن ذلك الشخص على الطرف الآخر لا يُهددها جُزافاً:
_أنتِ تريدين لقاءاً بيننا إذن! في بيتك أنتِ، أقصد في فيلا تامر بك وأهله بالطبع!
صرخت به بغضب:
_أنت تُهددني شديد بك؟ ألا تعلم أنني بإمكاني أن أعرض ذلك العقد على مواقع التواصل لتكتمل فضيحتك التي بدأها عريس ابنتك؟
تنفس ثائر بصمت تام جعلها تدرك أنها تسرَّعت، لكن على العكس تماماً جاء رده هادئاً:
_أولاً: أنا لم أذكر أنني شديد بك، ثانيا: افعليها سيدة دينا كي أكون أكثر من سعيد وأنا أعرض على تامر بك بعضاً من محاسن زوجته، ثالثاً: ساعدي زوجك في اختيار ملابسه قليلاً، تلك السُترة البُنية تبدو بشِعَة عليه للغاية.
لَطَمت خدها وهي تسأله بصوت متحشرج:
_هل تُراقبه؟
فيُجيبها ببساطة:
_أنا لا أحيد عن أهدافي سيدة دينا، ولا أترك من يتسبب لي بضرر!
ثم بنبرة مُبتسمة بالرغم من أنها لا تراه أردف:
_والآن سأُرسل لكِ عُنواناً، أريد العقد به غداً صباحاً، فإن لم يتم ذلك أرجو أن تُضيفوا فرداً على قائمة عشائكم!
وانتهت المكالمة!!
لتقف هي مكانها مُتشبثة بالهاتف بلا إرادة، شاحبة الوجه، ويدوي قلبها بذُعر!
**********
خرجت من المكتب تاركة السيدة نادية التي تهتم بالترتيب في انتظار مُصلِح الطابعة قبل بدء الدورات التدريبية بالغد، وهبطت إلى الأسفل مُنشغلة العقل بما حدث بالأمس، ظهور سارة في ذلك الوقت بالذات هدَّأ قليلاً من ثورة أفكارها بعد علمها بنبذة عن ماضي ساري!
"أحقاً عُدتِ للفظ اسمه بعقلك بمنتهى البساطة؟!"
زفرت بحنق وهي تتطلع إلى الشارع الرئيسي بحثاً عن سيارة الأجرة التي طلبتها عن طريق تطبيق الهاتف، لكن يبدو أنه لا يزال هناك بضعة دقائق على وصولها، استندت إلى أقرب سيارة في ترقُّب وهي تتظاهر بالتطلع إلى واجهة المحل المُقابلة كي تطرد احتلاله لأفكارها، وبجوار الواجهة تماماً، على السيارة السوداء يستند!
هو؟
نعم هو؟
ساري!
المخادع؟..الحبيب!
الغادر؟..المغدور!
الظالم؟..المظلوم!
على الطرف الآخر تفصل الأمتار بين جسديهما وتتحد عيونهما كالحديد بالمغناطيس..
لا هو يحيد بنظره عنها؛
ولا هي تفعل..
لا هي تتحرك قيد أنملة؛
ولا هو يفعل..
لا هو يرفرف مرة بأهدابه؛
ولا هي تفعل..
لكنه لم يكن ليترك تلك المنحة تضيع هباءً...
تقدَّم خطوة.. فخطوة، ببطء يتحرك..
ليُسرع خطوة.. فخطوة، بِتَعَجُّل يمشي..
ليُهروِل خطوات..فخطوات، لينطلق تجاهها..
وتوقف أمامها!
........
يلهث وتلهث على الرغم من سكونها؛
يمتص ملامحها بعينيه وكذلك تفعل هي؛
ترتعش شفتيه فتتراجع دقات قلبها واهية!
ثم..
"رهف!"
وأسدلت جفنيها..
هل يُعقَل أنه يستطيع تقبيل حروف اسمها؟
طبعاً لا! لِمَ تشعر بذلك إذن؟
هل يُعقل أنه يتنفس حروف اسمها؟
طبعاً لا! فلِمَ تشعر بذلك إذن؟
وثانية..
"رهف!"
وحررت عينيها..
صدره يعلو ويهبط بسرعة حتى شعرت أنه سينفجر؛
يداه ترتعشان بطريقة واضحة حتى شعرت بالرغبة في تمسيدهما بحنان تصرخ خلجاته مطالبة به؛
والآن..
أتصفعه؟
أم تضمه؟
ولازالت مشتتة!
وثالثة..
"رهف!"
_ماذا تريد؟!
ويبدو أن عقلها قد استيقظ أخيراً فقرر حل الموقف بطريقته، ثم كررت بِحِقد:
_ماذا تريد مني؟
وإجابته كانت عن سؤال لم تسأله..
رفع كفه التي لاتزال تحمل الحلقة الفضية ليتلمس الهواء بجانب وجهها، وبخفوت رد:
_لم أستطع رهف!
ثم اجتذب نفساً مرتجفاً وهو يُجيب:
_لم أستطع الابتعاد!
شهيقاً آخر وهو يُزيد:
_أموت كل لحظة!
وإضافة أخيرة:
_أستحق كل ما أعانيه بمنتهى العدل رهف!
واحتكمت للبرود فور أن شعرت بقلبها الخائن يعدو نحو الاستسلام، فاجتذبت بسمة ساخرة وسألته:
_ألم تمل مراقبتي؟
ليقترب خطوة.. خطوة واحدة أشعرتها فعلاً بالخطر والضعف وهو يُجيب:
_أنا أستطيع مراقبتك طوال الوقت، طوال اليوم، طوال العمر، وأستقبل تلك الهبة شاكراً.
"إياكِ والضعف يا حمقاء!"
_لكن أنا لا أهتم، وإن رأيتك تراقبني مرة أخرى سأقوم بتبليغ الشرطة!
ومرة أخرى فاجأها وهو يسألها بتوسل:
_هل سيجعلك ذلك تُعطيني فرصة أخرى؟
حدقت به بدهشة متجاهلة الذبذبات التي تطلقها عيناه تجاهها وسألته بدهشة:
_ماذا تعني؟
وبخفوت وضَّح:
_أعني إن أنا ذهبت بنفسي إلى الشرطة وقمت بالتبليغ عن نفسي لأي سبب ما، هل ستُعطيني فرصة أخرى؟
تلجلجت وقد أفلتت دقات قلبها بالفعل:
_فرصة لِمَ؟
وبهمس أجاب:
_لأعتذر لكِ، فقط أريد الاعتذار، أنا لا أستحق تلك الفرصة، فهل إن فعلت أياً ما ستطلبينه مني ستمنحينني إياها؟
ورابعة..
"رهف!"
ومن بين أسنانها هتفت:
_توقف عن مناداتي!
وبعناد رد:
_لا أستطيع!
وبعشق واضح أضاف:
_أنا أتنفسه، أتنفس اسمك، كيف تطلبين مني كتم أنفاسي بيدي؟!
كيف يفعلها؟!
بالله عليه كيف يفعلها؟!
"حمقاء رهف لا تضعفي!"
ورسمت برود مُفتعل، وابتسامة مستفزة، وصوت هادىء:
_لا يهمني حقاً إن توقفت أنفاسك، لا يهمنى إن اشتعلت بك النيران أمامي أو دعستك شاحنة ما يا ساري، سأكون سعيدة للغاية، وشامتة للغاية، وأنت بالأصل تستحق أكثر!
وأغمض عينيه مُستمتعاً بابتسامة آلمت وجهه الذي افتقدها لشهور، لقد نادته! لقد خرج اسمه هو من بين شفتيها هي، بصرف النظر عن بشاعة الجزء الآخر من الكلمات، ليجد نفسه يفتح عينيه ويتجول بهما على كل ذرة بوجهها قائلاً بابتسامة مشتاقة:
_لقد استطال لسانك كما استطالت أهدابك يا مُشعثة!
والصمت تسيَّد الموقف..
نظرات عتاب.. تقابلها نظرات ندم
نظرات ألم .. تقابلها نظرات أسف
نظرات حيرة.. تقابلها نظرات توسل
ثم:
"رهف الجميلة! كيف حالك؟"
والذهول تسيَّد الموقف!
التفت الاثنان تجاه صاحب العبارة؛
تطلعت رهف إلى خالد..
بشوش الملامح، المُهَذَّب، اللامبالي؛
وتطلع ساري إلى خالد..
المستفز، السخيف، المائع!
توقف خالد أمامهما وهو يوجه حديثه إلى رهف المُتخشبة مكانها متسائلاً ببراءة:
_هل أغلقتِ المكتب؟ أنا أتيت من أجل تصليح الطابعة، ألم تُخبرك مَوَدَّة؟!
حمحمت رهف وهي لاتزال تُجمِّع كلمات لا تعرف ماهيتها:
_لقد.. لقد تركت السيدة نادية بالأعلى، هي ستكون معك، و..لا ، لم تخبرني مَوَدَّة أنك أنت من ستقوم بإصلاحها.
وابتسامة مرتجفة منها انمحت فور انطلاق العبارة الخشنة العدائية من الآخر وهو يمسك بتلابيب خالد الذي انتابه ذعر مفاجىء بينما يستمع للأسئلة المتلاحقة :
_من تكون أنت؟وكيف تعرفها؟ وكيف تناديها بالجميلة؟ ولِمَ تضحك بلا سبب مُقنع بهذا الشكل؟!
"يالمصيبتك رهف!"
شهقت بخوف وَهَمَّت بالتحدث، لكنها ابتلعت كلماتها وهي تطالع الغضب يُعربِد بحُرِّية على ملامح وجهه الثائرة، ورغماً عنها التزمت الصمت وتوترها يتزايد بسرعة..
على عكس خالد الذي يبدو مُسالماً بشدة برغم ذهوله، أو ربما مُتبلِّد الإحساس!
_أنا خالد، ابن عم مَوَدَّة زوجة أخ رهف.
وبسرعة أضافت هي رغبةً بمنع حلول شجار بمنتصف الشارع وأمام مكان عملها:
_لقد عاش عمره بالخارج ولا يعــني.....
ونظرته المُرعبة لها جعلتها تبتُر عبارتها والقلق تحول إلى خوف..
خوف لم يصل إلى خالد الذي تساءل بفضول دونما مراعاة لوضعه المُهَدَّد:
_وحضرتك تكون؟
"يا ليومك الذي سينتهي بفضيحة أخرى رهف!"
وانتقلت نظرته المرعبة منها إلى الآخر الذي استفزه بكل خلجة به قبل حتى أن يفتح فمه..
ثم ارتخت كفيه وهو يتركه على مضض، بينما أهداه نظرة قاتلة، حارقة، تنطلق السهام المسمومة منها لتخترق عينيه الوديعتين، وأخيراً شدد ببطء قائلاً:
_أنا المهندس ساري صبري رشوان، أكون زوج رهف، ولا أسمح لأي رجل أن يناديها بالجميلة سواي!
"يا لحُفرتك السوداء التي وقعتِ فيها يا رهف!"
وقبل أن تهُم بنفي ذلك الجنون الذي تفوه به لتوه؛
وقبل أن يستكمل هو الشجار مع خالد الذي يشبه أحد الارانب المذعورة بالقصص المُصورة؛
ارتفع رنين هاتفها مُعلناً عن وصول قائد السيارة، وبمنتهى البساطة انسلَّت من بينهما إليها دون أن تلقي نظرة واحدة عليهما..
حَدَّق خالد في إثرها بدهشة ثم نظر إلى ساري الذي اختفى تهذيبه وأناقته ووسامته تماماً خلف ملامح مُخيفة تُنذِر بالكثير، وتُذكره بأفراد العصابات الذين كان يتحاشى المرور من الحي الذي يسيطرون عليه عندما كان يعيش بالخارج؛
ليبتسم بتوتر قائلاً:
_عُذراً، لم أعلم بأنها متزوجة، لم أرَ بيدها أي...
اقترب ساري منه مُتمهلاً مرة أخرى يسأله بصوت خفيض على النقيض تماماً مم يظهر على وجهه من غضب:
_ولِمَ تنظر ليدها بالأساس؟! هل أنت طبيب أمراض جلدية؟!!
ظهر عدم الفهم على وجه خالد فقال بارتباك:
_أنا...
وبنفس النبرة قاطعه:
_اسمع جيداً، انس أمر الهندسة التي أخبرتك عنها لِتوي تماماً واعتبرني من أرباب الشوارع، وإن تطلعت إلى رهف مرة أخرى لا تلُمني على رد فِعلي!
هَزَّ خالد رأسه قائلاً بدفاعية:
_لا أفهم، أنا لم أعنِ شيئاً، لقد كنت أعبر عن إعجابي بـجمالـــ...
لكنه بَتَر عبارته بنفسه هذه المرة عندما ارتفع حاجبا ساري إلى أعلى جبهته واتسعت عيناه بطريقة مثيرة للقلق قبل أن يضرب إحدى كفيه بالأخرى، ثم يهتف به ذاهلاً:
_هل أنت مُختل يا بُني؟!
تراجع خالد إلى الخلف بِتوجُّس وقد بدأ بعض المارين يلاحظون ما يحدث فتوقفوا للمشاهدة وتحفزوا للتدخل في حال احتدمت الأمور..
وساري الذي أخذ صدره يرتفع وينخفض بصورة غريبة قال له بعد ثوانِ من بين أسنانه:
_اسمع يا هذا! ربما أنت لا تفقه عاداتنا هنا، لكنني أحذرك من مجرد النظر إلى زوجتي كي لا تُجلِب لنفسك المصائب!
وقبل أن يرد خالد تابع ساري مُشدداً:
_وأعني بالمصائب ما لا يخطر على تفكيرك مطلقاً!
ابتسم خالد ببساطة قائلاً:
_أعتذر منك، هل حُلَّت المشكلة الآن؟ نحن بهذه الصورة نرتبط بِصِلَة قرابة بعيدة في آخر الأمر!
عَضَّ ساري على شفتيه بِغيظ فاضت نظراته به بِغزارة شديدة قبل أن يتراجع إلى الخلف لينصرف دون توديع مُغمغماً بمنتهى الامتعاض:
_يا للميوعة!
*****نهاية الفصل الثاني عشر*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 08:08 PM   #60

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة aroma. مشاهدة المشاركة
مشكورة للرواية الرائعة
تسلمي حبيبتي


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:31 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.