آخر 10 مشاركات
طريقة سهلة لعمل صينية أرز معمر مصري بخطوات سهلة (الكاتـب : الماخيكو 123 - )           »          صفقة زواج (56) للكاتبة jemmy *كاملة* ...a marriage deal (الكاتـب : Jamila Omar - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          346 - قاهرة اليأس - جانيت بازويل - م.د ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1465Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-09-20, 07:54 PM   #41

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي


تابع الفصل الثامن
وفي شقة "العروسين":
بعدما لم يُوجه له أحد كلمة واحدة ولم ينتظر هو بالأصل، بتثاقل دلف إلى الغرفة المُزينة، وببطء مشى يتلمس أغراضها التجميلية على طاولة الزينة؛
ملابسها المعلقة داخل الخزانة؛
مئزر أبيض حريري خطف دقات قلبه قبل أن تدركه عيناه؛
ولوح من الشوكولاتة على الفراش وبجانبه..خطاب!!
وكأنه يُطالِع قيد آخر، سيلتف حول قلبه تلك المرة؛
سيختطف أنفاسه التي تجبره على الاستمرار بالحياة؛
يخاف من ورقة؟!
بعدما هدم عالمه قبل عالمها، بعدما كسر قلبه قبل قلبها، بعدما مَزَّق روحه قبل روحها..
يخاف من ورقة؟!
بل تذكار، هدية، نفحة من حبيبته!
"حبيبي ساري
الآن أنت حبيبي، زوجي ومستقبلي الذي أشرق أخيراً، أعلم أنك لم تقُلها لي أبداً، أعلم أنني_بما أنني الفتاة_ فيجب علي الانتظار حتى تخبرني إياها أولا، لكنني "أحبك".
أحبك ساري منذ رأيتك للمرة الأولى بغرفة مكتبك، أحبك كما لم أظن أنني سأفعل يوماً، أحبك وأعلم شدة الصراع الذي تعانيه بسبب ارتباطك بفتاة لها مثل ظروفي، أحبك وأعدك أنني سأبذل كل ما بوسعي حتى أعوضك، وحتى أستمع إلى تلك الكلمة التي أتمناها منك : "أحبك".
رهف:زوجتك"
وسقطت منه دمعة..
تلو أخرى..
وتلو أخرى..
شوهت حروف كلماتها؛
وطمست كلمات خطابها؛
خطاب عشقها ووعودها الذي مزق ثنايا قلبه وروحه وهو يهتف متأوها صارخاً معذباً باسمها..
آآآآآه يا رهف!
بل..
رهف شديد الناجي!
**********
بفستان الزفاف البسيط وفي وضع الجنين مضطجعة على فراش بغرفة لا تعلم من صاحبها، بشقة لا تعلم من مالكها منذ بعض الوقت.
الباب يُفتح ويُغلق..
أشخاص تدخل وتخرج..
تربيتة حانية على كتفها..
قبلة حانية على رأسها..
أنين رجولي خافت بالقرب منها..
وهي حقاً لا تعلم أكل هذا واقع أم خيال!
أيجب عليها البكاء؟ لا!
أيجب عليها الانهيار؟ لا!
أيجب عليها الصراخ؟ ربما!!
وفي فعل لطالما قامت به ببيت خالها حينما كانت تحيط بها الأزمات من كل جانب، اجتذبت وسادة صغيرة من أسفل رأسها، كاتمة بها فمها وصوتها، ثم..
صرخة
وصرخة أعلى
وصرخة أعلى وأعلى وأعلى......
دقائق متواصلة من الصراخ المكتوم المصحوب بنحيب حتى شعرت بجفاف مآقيها وانهاك روحها وجسدها..
ثم أخيراً استسلمت.. نائمة!

وفي الخارج:
"لقد نامت!"
قالتها مَوَدَّة لزوجها ذي العينين الحمراوتين وهو يدفن رأسه بين كفيه، جلست إلى جواره مربتة على كتفيه بمواساة، وبخفوت رددت:
_عَمَّار، يجب أن تتشبث ببعض القوة ، هي تحتاج إليك الآن بالتحديد أكثر من أي وقت مضى.
_لقد قتلناها!
قالها بهمس ذاهل ثم تابع:
_شديد بك، وأنا، وخالها، وذلك الوغد.
مردفاً بصوت أقوي:
_جميعنا قتلناها!
ثم هب واقفا وهو يصرخ:
_شديد بك تبرأ منها، أنا تخاذلت في استعادتها، خالها لم يقُم بدوره وفضّل التخلص منها سريعا، وذلك الحقير قتلها بسكين بارد!!
وسقط مرة أخرى على المقعد متابعاً بعد صمت مرير:
_عندما ذهبتُ إليها منذ يومين أرجوها أن تتقبلني بحياتها، شعُرت كم العذاب الذي تعانيه وأدركُت أن ما تدمّر بها منذ سنوات لا يمكنني إعادة بنائه بسهولة.
ثم رمقها بألم قائلاً:
_أخبريني الآن مَوَدَّة ما الذي يمكنني فعله بعد استباحة كرامتها وثقتها وقلبها هذه الليلة على مشهد من الجميع؟
لتجيبه مَوَدَّة بدمعات ممتزجة بلهجة واثقة:
_يمكنك فعل الكثير عَمَّار، يمكنك التواجد بجانبها، يمكنك التمسك بها، كما يمكنك البحث عن حل لمشكلتها الأساسية.
رفع أنظاره إليها متسائلاً:
_ماذا تقصدين؟
مسحت دمعاتها بسرعة وهي تهتف بقوة:
_يجب أن تعلن بكل مكان أنها أختك كما فعلت الليلة أمام الجميع، يجب أن تساعدها على عدم الاستسلام لانهيارها، الفتاة فقدت بالفعل كل ما كان لديها، لم يعد هناك سواك عَمَّار، فلا تخذلها أنت أيضاً.
تأمل عَمَّار الإصرار الذي يرتسم بعيني زوجته ثم توسلها بخفوت:
_ضُميني مَوَدَّة!
رمشت بأهدابها مترددة فكرر:
_أرجوكِ مَوَدَّة ضميني!
فلم تسمح له بتكرارها للمرة الثالثة وهي تجذبه إليها بسرعة مربتة عليه بحنان شديد بينما استسلم هو باحثاً عن سَكَن بين ذراعيها.
**********
قُرب الفجر:
منهارة ببكاء مرير بداخل أحضان أمها على فراش الأخيرة منذ عودتهما إلى المنزل؛
كلما اعتقدت سوسن أنها ستنام إنهاكاً فاجأتها ابنتها بذرف العديد من الدمعات المصحوبة بشهقات عالية..
_سارة، أرجوكِ توقفي عن البكاء، لا أحتمل المزيد، اهدئي ابنتي!
وصوت سارة جاء مبحوحاً متقطعاً، والذعر لايزال يتحكم به:
_لقد..لقد اعتقدت أنني نسيته أمي، لقد تجاهلت كل الكوابيس التي زارني خلالها بإصرار طوال تلك السنوات...
ثم هَبَّت جالسة تسألها بألم:
_لماذا لم أنس وجهه قط؟ لماذا طُبِعَت ملامحه بمخيلتي لثمانية عشر عاماً؟!
وأتبعته بآخر أكثر ألماً:
_كنت طفلة! كيف لازلت أتذكر ملامحه حتى الآن، وكأنه لم يغِب عن عيني قط؟
ثم آخر مُتشبِّع بالحيرة:
_وكيف لازلت أتذكر كل شيء أمي؟ وكأنه تم الليلة فقط!
تعالت دقات قلب سوسن بخوف وأحاطت وجه ابنتها متسائلة بِحَذَر:
_أي كوابيس تلك التي تنتابك سارة؟ ومنذ متى؟ ولماذا لم تخبرينني عنها من قبل؟
ازدادت غزارة دمعات ابنتها وارتجفت شفتاها..
شحب وجهها أكثر وارتعشت أصابعها حتى عادت تماماً على نفس الصورة في مثل ذلك اليوم...منذ عدة أعوام!
_كنت..كنت أراه يكتم فمي يمنعني عن الصراخ، كنت أرى كفه غارقة بالدماء فأتسمَّر مكاني ولا أستطيع النطق..
قالتها سارة برهبة، ثم أردفت بخفوت:
_وبنفس الكف يقوم بجرائمه أمامي، بينما أنا..صامتة كالتمثال!
صمتت رغماً عنها بعدما انقطع صوتها فجأة مع آخر كلمة فانتفضت أمها مذعورة، لكن سارة رَفَعَت وجهها إليها متابعة ترمقها بعينين زائغتين..ضائعتين:
_وعندما تسيل الدماء أنهاراً، يولِّي هو مذعوراً، فأكتشف أنها كانت كفي أنا، كفي أنا أمي! أنا من كنت أضع كفي على فمي، أنا من كنت أكتم صوتي بنفسي، أنا من أحمل على عاتقي تلك الدماء!
جذبتها أمها إلى أحضانها تربت عليها برفق وتشاركها بكائها، ثم بعد قليل قالت متوسلة:
_ليس لكِ ذنب سارة، لم يكن بوسعك فعل أي شيء، هو المجرم لعنه الله، أرجوكِ حبيبتي لا نريد مصيبة أخرى الآن، إياكِ أن تهربي إلى ذلك العجز مرة أخرى!
لكنها نظرت إليها لتسألها بحسرة:
_ما ذنب رهف أمي؟ لماذا فعل ساري بها هذا؟ لماذا قتلها؟ وكيف فعل بها وبنفسه ذلك؟!
والحسرة أيضاً شاركتها بها أمها، وقد ظهر عذاب السنوات الأآن تحديداً على ملامحها، ثم أجابتها:
_ساري أُصيب بالعمى يا سارة، وقريباً سيرتد إليه بصره، لكنه لن يفيده حينها!
**********
"بحياتي كلها لم أتوقعك بمثل تلك النذالة!"
لم يكلف نفسه عناء الرد على عاصم الذي يبدو وأن هدفه منذ وصوله صباحاً مُركّز بصياحه به، صياح يستحقه على أي حال.
_كيف؟! كيف واتتك الجرأة لتفعل بها ذلك؟! أنت حتى استخدمتني أنا!
لم يُعلِّق ساري بِحرف فتابع عاصم هادراً:
_استخدمتني ساري كي أستطيع دعوة ذلك الرجل على زفافك دون إخباره بأنه عُرسك أنت، وأنا كالأحمق لم أشأ أن أعارضك أو أسألك عن نيتك في أمر يخص ماضيك المؤلم برغم دهشتي من تصميمك على دعوته، لكن.. لكن لم أكن أتصوّر أبداً أنك تُخطط لتلك المسرحية، ما ذنبها هي؟ ما ذنبها؟!!
الصمت المقابل أثار أعصابه إلى أقصى حد وهو يصرخ به:
_أجبني ساري! أجبني يكاد عقلي أن ينفجر!
أخيراً جاء صوته بمنتهى الهدوء وهو يشرد بأحد الجدران:
_ماذا تريد مني أن أقول؟
وبغيظ سأله عاصم:
_ماذا استفدت؟
صمت طويل عمّ والنظرة السوداء المظلمة تحتل ملامحه بالتدريج..
يرمقه عاصم بقلق يتحول إلى دهشة..أيضاً بالتدريج!
أهذا صديقه الذي يعرفه منذ سنوات؟
أهذا من اعتقد أنه مرآة لروحه؟!
أهذا هو أكثر من يثق به في هذا العالم؟!
ليجيبه بلهجة حاقدة لم يستمع إليها منه يوماً:
_لقد رأيت الذعر بعينيه، رأيت سقوطاً مدوياً، رأيت توسلاً لم ينطق به أن أرحمه، ألا أفضحه، رأيت بكاءاً صامتاً وترقباً لما سيحدث، رأيت ذل وإهانة وخزي وقهر.
اقترب منه عاصم متسائلاً بصوت غاضب:
_وماذا رأيت بها هي؟ إذا كنت قد اهتممت بها في الأصل؟
اختفت النظرة السوداء لتحل ملامح تعاني شيئاً لا يدركه، شيء عَبَر حدود العذاب إلى أقصاها، أغمض عينيه ثم أمره بهدوء:
_اذهب عاصم، اذهب ولا تتحدث في ذلك الأمر، لقد انتهى.
وبضحكة ساخرة أجاب عاصم:
_بل انتهت، إنسانة بريئة كانت تكافح للهرب من براثن وحوش المجتمع التي لم ترحمها يوماً فسقطت بين فكي الوحش الأكثر خداعاً على الإطلاق!
وصفعة الباب خلفه أجفلته، وعندما ظنّ أنه بمفرده أتاه صوت أمه التي دلفت إلى غرفته قبل انصراف عاصم حانقاً:
_هل أحببتها حقاً يا ساري؟
أغمض عينيه ثانية وهو يكور قبضتيه بقوة حتى ابيضتا فكررت أمه:
_هل أحببتها يوماً؟
ليزفر بألم ويجيبها بخفوت صادق:
_لم أعشق بحياتي سواها يا أمي، ولآخر نفس بصدري لن تكن هناك سواها!
ونبرتها الباكية قطعت صمته الميِّت الذي يغرق به:
_لِمَ خدعتها إذن؟
_لِمَ استغللتها؟
_لِمَ ذبحتها؟
وثلاثة أسئلة أحرقت قلبه وعقله، ليجد نفسه يستدير إليها صارخاً بزئير ليس من عادته_أمامها_:
_لأنها السوط الذي جلدته به أمي! هي ابنة ذلك الوغد القاتل! ابنة شديد الناجي يا أمي، ونقطة الضعف الوحيدة لديه، ولا تخبريني أنكِ نسيتِه!
واشتد بكاؤها وهي تصرخ به بدورها:
_لم أنس، لم أنسه، لم أنس يوماً ما فعل، لكنني اعتقدت أنك تخطيت ذلك منذ زمن، لقد اعتقدت أنك ستبدأ بالاهتمام بنفسك وبحياتك ومستقبلك، لقد اعتقدت أنك لن تُغرِق نفسك عمداً في عذابات الماضي وغيابات بحور الانتقام.
توقفت قليلاً شاهقة ببكاء عندما أدار وجهه عنها ثانية ثم تابعت بذهول:
_يا إلهي! كلما تذكرت كم شعُرت بالغيرة منها وأفكر في حالها الآن يتمزق قلبي من أجلها.
ثم صرخت به:
_أهي اختارت أن تكون ابنته؟ ألا يكفيها ما تعاني؟ ألا يكفيها القهر الذي عايشته منذ صغرها؟!
وتابعت بحسرة:
_أنت لا تعلم كم كانت تحبك! لقد اعتقدت أنا أنها وجدتك فرصة عظيمة لم تكن لتحلم بها، لقد اعتقدت أنها لا ترى بك أكثر من اسم وبيت تحتمي بهما.
توقفت لتنتحب قليلاً ثم أضافت بندم:
_وعندما ذهبت إليها أدركت أن تلك الفتاة تعشقك، تعشقك يا ساري بغض النظر عن معاناتها، لقد رأيت بعينيها وعداً بالسعادة لك وحدك، لكنك.. لكنك أجهزت عليها، ذبحتها بكل قسوة ولم تتراجع لحظة واحدة!
التقطت أنفاسا متسارعة ثم تابعت:
_هل أنت ابني بالفعل؟ ابني الذي ربيته طوال سنوات ورأيت به السند لي ولأختك بعد مصائبنا؟ كيف تحولت إلى إنسان قاسِ هكذا؟! متى نُزِعت منك الرحمة يا بني؟
يوليها ظهره ببرود مفتعل، وعيناه تسيلان أنهاراً من العذاب والألم، كل كلمة تنطق بها عن عشق حبيبته له تقتله بدلاً من أن تمنحه السعادة، والآن ليس لديه رد، كل ذلك بلا فائدة، لا يمكنه إعادة الزمن أليس كذلك؟!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 07:56 PM   #42

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الثامن
"دكتور حمزة!"
التفت عابساً ثم ما لبث أن ازداد عبوسه أكثر وهي تقترب منه بارتباك، وعندما هَمَّت بالكلام عاجلها بحنق:
_خيراً؟! بأي مصيبة أرسلك أخوكِ النذل؟
تلفتت حولها وهي ترى بعضاً من المارين بالمشفى ينظرون إليهما بفضول بسبب صياحه ثم قالت بِحرج:
_هو.. هو لا يعلم أنني جئت، لقد.. أردتُ الاطمئنان على رهف بعدما...
ليقاطعها بغضب:
_بعدما قتلها أخوكِ الحقير الخسيس أليس كذلك؟
وباعتراض واهن ردت:
_أرجوك لا تسبه!
ليميل بوجهه تجاهها بغضب مشدداً بنبرة بطيئة:
_ليتني أستطيع فعل أي شيء سوى السَب، ليتني أطال عنقه الآن لأكسره، عديم الضمير الغادر النذل.
طأطأت رأسها حرجاً لا تحاول حتى البحث عن دفاع، محق هو بكل كلمة قالها وإن قال أكثر...
هي نفسها_للمرة الأولى بحياتها_ لا تتحمل رؤيته، لا تتحدث معه، تقاطعه بامتعاض!
_أردت فقط معرفة حالها، هاتفها مغلق منذ الأمس و....
ليقاطعها مرة ثانية ساخراً:
_أنسيتِ أنها عروس و زفافها كان بالأمس فقط؟! بالطبع هاتفها مغلق!
ازدردت لعابها بألم وهي تحدثه بخفوت:
_أرجوك دكتور حمزة، أريد فقط الوصول إلى أخيها الذي أخذها بالأمس، أريد أن اطمئن عليها.
نظر لها حمزة باشمئزاز شديد وهو يهتف:
_ابتعدي عنها، لا أعتقد أنها ستتحمل رؤية أي شخص له صلة بذلك الجبان، يكفيها ما فعلتم بها، يكفيها المصيبة الجديدة التي أهديتموها إليها.
فرفعت عينيها الدامعتين إليه بألم هاتفة بحروف تلكأت رغماً عنها:
_وما ذنبي أنا؟ هل تعتقد أنني راضية عَمَّ فعل؟ هل تعتقد أنني كنت على علم بذلك؟ أقسم لقد صُدمت مثل جميع الحضور بالأمس.
حدق بالصدق الناطق بعينيها بغيظ شديد واجتاحه خيط من الندم إلا أنه سرعان ما هتف:
_وإن كنتِ صادقة، ماذا تريدين منها؟ لا يحق لأيٍ منكم حتى ذكر اسمها، دعوها وشأنها، هي الآن ليست وحيدة، عَمَّار لن يتركها وأخبري أخوكِ النذل بذلك!
ثم أولاها ظهره وانصرف لتقف هي مكانها للحظات تحارب ظهور دمعاتها، وما لبثت أن تقهقرت منصرفة.
********
خرجت من الغرفة الصغيرة بفستان زفافها تتجول كالتائهة في المكان الذي لم تتعرفه بعد، وحينما دعست بالخطأ على إحدى الألعاب أتاها صياح طفولي من خلفها:
_احذري آنسة رهف!
التفتت بدهشة مشوشة الرؤية لترى أمامها الطفل الجميل ينظر إليها ببراءته المحببة صائحاً:
_يا إلهي! لِمَ أنتِ بشعة هكذا؟!
شهقتها الضعيفة اقترنت بصيحة أنثوية حرِجة من مَوَدَّة:
_إياد! ما هذا؟! أيصح أن تتحدث هكذا مع عَمَّتَك؟!
نظرت إليها بدهشة والإدراك يغزو حالها لوضعها ومكانها، بينما الطفل طأطأ رأسه بحرج:
_عذرا أمي، قصدت أن وجهها يبدو غريب الشكل.
وضعت مَوَدَّة يدها على ذراعها المتيبسة مبتسمة:
_صباح الخير رهف، يبدو أن مواد الزينة لطخت وجهك تماما، هيا بنا إلى غرفتك لتبدلي ملابسك وتنتعشي قليلا.
وبدون كلمة واحدة سارت بجانبها بانقياد تام إلى نفس الغرفة التي قضت ليلتها الكئيبة بها، وبينما مَوَدَّة تبحث عن شيء ما بالخزانة بادرتها رهف بصوت متقطع:
_أعاني صداعاً شديدأً.
التفتت لها مَوَدَّة بحنان جارف وهي تعطيها بعض الملابس قائلة:
_سأجلب لكِ مُسكناً، لكن بعد أن تتناولي طعام الإفطار، هيا انعشي نفسك وسأنتظرك خارجاً.
ودعتها مَوَدَّة مؤقتاً بابتسامة لم تستطع مبادلتها إياها ثم خرجت.


بعد قليل:
جلست على طاولة الطعام تراقب اهتمام مَوَدَّة بابنها وهي تطعمه وتقبّله بحب، تضمه بين كل قضمة والأخرى، أخفضت عينيها أرضاً ورغماً عنها شردت في الليلة السابقة.
لن تبكي الآن؛
بالطبع لن تفعل؛
وشهقاتها الباكية جعلت مَوَدَّة تنتفض إليها وهي محتضنة إياها بين ذراعيها، بالضبط كما كانت تفعل للتو مع ابنها، لتجد رهف نفسها تطلق العنان لبكائها مرددة كلمة واحدة:
"لِمَ؟"
**********
بمجرد خروجه إلى صالة الجلوس هَبَّت سارة لتنصرف من المكان فأوقفها نداؤه:
_سارة! أتخاصمينني أنتِ أيضاً؟
وعلى الفور التفتت إليه بغضب عارم هاتفة:
_لماذا سأخاصمك ساري؟ هل فعلت ما يستحق؟ هل ظلمت أحداً ما؟ هل جنيت على روح بريئة ما؟ هل_وبمنتهى البرود_ مزقت قلب ما أحبك ووثق بك؟!
ولما لم يرد صرخت به أخته للمرة الأولى بحياتها:
_لقد وثِقَت بك ساري، رهف وَثِقَت بك وحدك! لقد ظلّت لأيام متتالية تسألني ماذا تحب؟، ماذا تكره؟، كم طفلاً تتمنى؟، هل حقاً تحبها؟... لم تكن تصدق هل تحبها أصلا أم لا يا ساري، لكنها رددتها على مسامعي عدة مرات بمنتهى البراءة، لقد وعدتني أنا_أختك_ بسعادة مقبلة ستغمرك بها، هل لك أن تتخيل ماذا فَقَدْت؟
وبصوت متهدج تابعت:
_لقد كانت خائفة ، خافت أن تتركها يوماً ما إن أصابك بعض الندم، لكنها للأسف لم تكن تتصور أن ذلك اليوم سيكون هو نفسه أسعد يوم بحياتها.
ودمعاته التي ترقرقت بها عيناه جعلتها تُخرِس لسانها بنفسها وهو يجيبها بصوت أكثر تهدُجاً:
_أتعتقدين أنني لا أتعذب سارة؟! أتعتقدين أنني أرفل في ثوب راحتي منذ اتخذت قراري؟! أتعتقدين أنني لا أموت حياً؟!
رمقته بألم فيما تابع هو بنبرة تقطر منها القهر بكرم:
_لقد نحرت روحي بيدي، لقد قهرتُ قلبي، وحكمت على نفسي باحتراق أبدي لا أستحق منه أي إنقاذ!
ودمعاتها سألته وهي تعي حالته التي لم تره عليها يوماً:
_ولِمَاذا فعلت بنفسك ذلك؟ ولماذا فعلت بها ذلك؟
ولما آثر الاستسلام للصمت تابعت بمرارة:
_لقد قلتها بنفسك لأخيها، أبوهما السفاح لم يكن ليهتم بأحدهما، لماذا دعست قلبك بقدمك أخي؟
والإجابة التي رددها على نفسه منذ سنوات باستمرار لم تكن لتضيف شيئاً فالتزم الصمت.. ثم الهروب.
**********
"وما ذنبها المسكينة؟"
لم يستطع عاصم إجابة أمه وهو نفسه لا يجد أي مبرر لِمَ فعله صديقه، صديق الذي شعر أنه أصبح بالسبعين من عمره فقط ذلك الصباح!
"كيف حال صديقك النذل؟ عسى أن يكون هانىء مرتاح البال!"
هتفت بها سما بعد أن استيقظت بوقت متأخر بعدما تنازعتها أفكارها الحزينة على عروس الأمس!
_كُفّي سما! عاصم ليس له ذنب، هو لم يكن يعلم.
قالتها أمه بحزم، فعمّ صمت بالمكان فسألته سما بصرامة:
_أحقاً لم تكن تعلم؟
وعاد الصمت لتقطعه أمه بتوجس:
_أنت لم تكن تعلم بخطة صديقك يا عاصم أليس كذلك؟! أنت لم تشارك بتلك الجريمة! أنت لم ترضى بالظلم لفتاة مسكينة وقد رأيت ما وقع على أمك من ظلم لسنوات.
ولما لم يجب أمرته بصياح:
_أجب عاصم، أجبني ولا تصدمني بابني الوحيد!
هنا فقد كل هدوئه وهو ينتفض صارخاً:
_كنت أعلم!! كنت أعلم أنه يريد الانتقام منه منذ سنوات! كنت أعلم أنه لديه كل الحق ليعيش عمره كله منتظرا القصاص، كنت أعلم وكنت أشجعه بكل ما أوتيت من قوة، بل ساعدته!
شهقة ذاهلة من أمه مقترنة مع نظرة مصدومة من سما أوقفتاه، لكنه ما لبث أن تابع حاقداً:
_أنا أرسلت عدة تهديدات لذلك المجرم، ولقد تسببت بِصِلاتي في خسارات متتالية له بدون ظهور ساري في الصورة لأن مجرد ذكر اسمه سيجعل ذلك القذر يحذر، أتعرفان لِمَ؟ لأنه يستحق عذاباً أبدياً في جحيم لا ينتهي!
ثم تهدّلت كتفاه بألم واضح وهو يتابع بنبرة انهزامية:
_لكن.. لكني لم أكن أعلم بالجزء الخاص برهف، لم أكن أعلم قط أنها ابنته، لم أكن أعلم أن ساري في فورة غضبه وجنونه سيظلم أخرى ليس لها ذنب سوى أنها تنتمي رغماً عنها لحقير سفاح مجرم، ظلم الكثيرين قبلها وتنصل منها!
_هل يدرك صديقك أنه بالأمس خسر أكثر مم اكتسب؟
والسؤال خرج بنبرة عادية جداً من سما، وبالرغم من ذلك فقد تحفّز لاستدراكها الذي أتى بالفعل بسرعة:
_أنا لم أر تلك الفتاة سوى بالأمس، لكني أجزم أنها كانت تعشقه، أجزم أنها كانت ستقضي حياتها متفانية في إسعاده.
محقة هي، فكل من حضر الزفاف شهِد كم كانت فرحتها طاغية، كم كانت نظراتها عاشقة وبالكثير واعدة، انتزعته عبارة سما من أفكاره مرة أخرى وهي تردف بلهجة بها بعضاً من الوعيد:
_لكنه فضّل انتقامه فهنيئاً له!، وأرجو أن يظل مكتفياً به عندما تدرك هي كيف كانت مخطئة بحق نفسها عندما أقللت من قدرها لأجله!
**********
"لِمَ أنت مرتدية تلك الملابس رهف؟"
نظرت رهف إلى هيئتها ثم ردت بحرج:
_اعذريني ملابسي ليست هنا و.....
قاطعتها مَوَدَّة مقتربة منها بهدوء:
_لم أقصد حبيبتي، كل الملابس بالخزانة لكِ بالأصل، لقد ابتعناها أنا وعَمَّار لكِ ما إن انتقلنا إلى هنا، أنا قصدت هل أنتِ ذاهبة إلى مكانٍ ما؟
هزت رهف رأسها بالإيجاب وهي تجيب:
_نعم، أنا لدي حصص بعد قليل.
نظرت لها مَوَدَّة بدهشة شديدة ثم سألتها ببطء:
_ألستِ.. ألستِ في إجازة؟
تلك المرة هزت رأسها بلا اهتمام وهي تجيبها:
_كان لدي أسبوعين كإجازة زواج، والآن.. لا زواج، إذن سأعود إلى عملي، لا داعي لبقائي بالبيت.
حدقت بها مَوَدَّة بقلق شديد ثم افتعلت ابتسامة هاتفة:
_معِك حق، العمل أفضل وسيلة الآن للــ...
ثم بترت عبارتها بنفسها مستدركة:
_انتظريني قليلاً سأبدل ملابسي وأُقلك.
تمسكت بكتبها بذراعها السليمة وهي ترد:
_لا داع، سأستقل أقرب حافلة، ألن يذهب ابنك اليوم؟
صمتت مَوَدَّة واعية لتهربها من نطق اسم الطفل متعمدة، هي لازالت لم تتقبل تلك الصلة، لم تتقبلهم جميعهم، لكن هل هذا البرود طبيعي بعدما بكت بأحضانها لساعات بالأمس حتى نامت إرهاقاً؟
_لقد ذهب به عَمَّار إلى أمي وأبي كي يقضي معهم بعض الوقت.
لم تكلف نفسها عناء الرد عليها وهي تتجه إلى الباب فهتفت بها مَوَدَّة:
_هل قمتِ بتشغيل هاتفك؟
وبدون كلمة هزت رأسها وهي تختفي بالخارج!
**********
"ما ذلك الصوت المرتفع؟"
صاح بها صلاح وهو يغلق جهاز التلفاز الذي استمع إلى صوته من الدور الأسفل ثم تابع:
_أليس لديكِ ذرة إحساس دينا؟ ابنة عمتك طُلِقت أول أمس وأنتِ تستمعين إلى تلك الأغاني بمنتهى البرود؟
مطت دينا شفتيها بلا اهتمام ثم رَدَّت:
_تقصد تزوجت وطُلِقت أول أمس أبي، وماذا تريد مني أن أفعل؟
نظر لها صلاح باشمئزاز وخيبة أمل، وهَمَّ بنهرها عندما تصاعدت الطرقات على باب الشقة، وبمجرد أن فتح الباب اقتحم عَمَّار المكان بثورة هاتفاً بدينا:
_أين هي؟ الآن حالاً ستخبرينني أين هي وإلا سأفتعل فضيحة هنا!
ارتعدت دينا وهي تختبىء خلف جسد أبيها الذي صاح بعَمَّار:
_ما الذي تفعله يا هذا؟ كيف تقتحم منزلي بذلك الشكل؟ ماذا تريد منا؟
وهنا صاح عَمَّار بغضب مُوجه كله إلى دينا:
_اسأل ابنتك، اسألها ما الذي لديها ويستطيع تبرئة أختي من تهمة ليس لديها شأن بها.
التفت صلاح إلى ابنته مستفهماً:
_ماذا يقصد؟ عمّ يتكلم؟
شحب وجه دينا تماماً وهي ترد بتوتر:
_أنا.. أنا لا أعلم، إنه سبق وهددني وأنا لم أرغب بالتسبب بمشكلات، لكن يا أبي هو من يصمم على التعرض إليّ!
ضيق عَمَّار عينيه وهو يود لو يهدي وجهها لكمة يشفي بها بعضاً من غضبه مردداً:
_أخبري أبيكِ إذن عن زيارتك أنت ووالدتك منذ بضعة أشهر إلى فيلا شديد بك، أخبريه عن سبب ظهوركما قبل تشريفه بزيارته الكريمة إلى منزلكم والتي على إثرها تركت رهف البيت.
حدق صلاح في وجه ابنته الشاحبة بعدم فهم وذكرى تلك الإهانة تعود إلى عقله بعد أن تهرّب منها مراراً، بينما دارت عينا دينا بعيداً وهي تحاول فهم كيفية معرفته بكل تلك التفاصيل، لا يعقل أن أباه أخبره بها!
وبدهشة سألها أبوها مجدداً:
_ماذا يقصد دينا؟
نظرت إلى عَمَّار بِغِل شديد وهي تستعيد تلك الفترة التي أعقبت طلاقها..
لقد ظهر في حياتها متقرباً منها فلم تمانع اعتقاداً منها بأنه سيقوم بتعويضها عن حياتها مع حمزة، لم تهتم بزواجه أو بطفله، حتى فوجئت به يطلب منها ما يخص رهف ولم تعرف لِمَ يتحدث عنه بتلك الثقة..
لتخبرها أمها بأنه أخيها!
لكنه الآن يتفوه بتفاصيل جديدة تماماً لا يعلم بشأنها سواها وأمها وشديد!
"أنا كنت هناك!"
حدق به الاثنان أحدهما بعدم فهم والأخرى بصدمة، فتجاوز أبيها وتوقف أمامها مردداً بصرامة:
_أنا كنت هناك، ورأيتك أنتِ وأمك في فيلا شديد بك الناجي!
**********
منذ بضعة أشهر:
اختلس النظر من شق الباب الموارَب لغرفة مكتب والده بعدما حضر في غير موعده ليفاجأ بصياحه المرتفع:
"أتهدديني أنتِ وابنتك؟! ألا تعرفا ما يمكنني فعله؟ ألم تخبرك زوجة أخيك قبل أن تموت أنني أستطيع تحطيم كل من يتجرأ على إغضابي؟"
وقفت شروق يبدو الذعر على وجهها وهي تخاطبه بأسف:
_والله لم نقصد أبداً أن نهددك يا بك، نحن فقط نحذرك، تلك الفتاة تنوي ابتزازك وفضح زواج أمها منك بالماضي، ونحن نتمنى أن تتدخل وتخلص نفسك وتخلصنها منها، الوضع أصبح لا يطاق!
هنا صاح شديد بها :
_وما شأني أنا؟ لقد تبرأت منها منذ زمن بعد أن أمرت عايدة بإجهاضها وعصتني، أنا حتى لم أتذكر وجودها إلا حينما أتيتما اليوم.
وببرود وقفت دينا ترد:
_لكنها لاتزال ابنتك أنت!
عقد عَمَّار حاجبيه بدهشة وهو يحاول البحث عن معنى آخر معقول غير ذلك الذي يفرض نفسه أمامه، لكن أبيه وأد تلك المحاولة تماماً في مهدها عندما رد بنبرة أكثر خبثاً يحفظها جيداً:
_وهل تستطيعين إثبات أنها ابنتي؟ أمها نفسها لم تستطع فعلها قبل أن تموت.
ابتسمت دينا أمام وجهه بتحدي وهي تهتف:
_أمها لم تستطع، لكننا نمتلك شيء ما قد يقلب الأمور كلها، أنت تفهم ما نقصد تماماً شديد بك أليس كذلك؟! تخيل أن يظهر الآن ما يشوه سمعتك بوجود ابنة غير شرعية لك، ماذا ستفعل حينها؟
ارتد عَمَّار للخلف مصعوقاً والكلمة تضرب عقله
ابنة؟!
غير شرعية؟
أخت له؟
كيف؟؟؟
لكنه اضطر إلى متابعة الحديث الدائر عندما تحدثت المرأة الأكبر سناً بمهادنة وقد بدت أضعف من ابنتها المتبجحة:
_اسمع يا بك، نحن هدفنا واحد، أنت لا تريد تلك الفتاة بحياتك ولا نريدها نحن ببيتنا، لكنها كالطفيلية لا تود الانصراف، تستطيع أنت المجيء وتهديدها كي تبتعد عنا وتتراجع عن نيتها بابتزازك، ماذا قلت؟!
وما حدث بعد ذلك علمه من أخته الصغرى تغريد التي سمعت اتفاق أبيها مع رجاله، فما كان منه إلا أن بحث خلف المرأتين ليعلم أن الصغرى متزوجة من زميل، وهكذا قرر أن يقوم بتأديبها!
**********
عودة إلى الوقت الحالي:
وصفعة من أبيها جعلتها ترتمي أرضاً صارخة وهو يجذبها من شعرها صارخاً:
_كنت غاضباً منكما بسبب طردكما لها، لكنني لم أتخيل أنكما قد صرتما على تلك الدرجة من الوضاعة، لقد أهانني هؤلاء المجرمين بسببكما؟! لقد ضربوني أمامكما في عمري هذا ولم تتحرك أحدكما، لم تكن إلى جواري سوى تلك التي تكرهونها كالعمى، كيف أصبحتما على ذلك الشر؟ كيف أصبحتما بتلك الوضاعة؟!
"أريد أن أعرف ما الذي لديكما وخاف شديد بك من ظهوره؟"
صاح بها عَمَّار بنفاد صبر وهو لا يهتم حقاً بإهانة أبيها لها أمامه:
_عقد الزواج العرفي.
والعبارة انطلقت من شروق التي تقف مرتجفة بأحد الأركان فحدق بها الرجلان بصدمة، لكن عَمَّار اقترب منها هاتفاً بلهفة:
_أين هو ذلك العقد الآن؟
صاحت شروق بسرعة:
_أقسم أنه ضاع، لم يعد بحوزتنا!
فصرخ بها عَمَّار:
_بالتأكيد تكذبين، أين هو؟
ثم رقّت نبرته وهو يتوسلها:
_أرجوكِ سيدة، أخبريني أين هو ذلك العقد؟ إذا كانت مشكلتك وجود رهف معكم فهي تقيم معي الآن، لن ترينها أبدا، لكن أخبريني أين العقد كي أُحسن من موقفها.
هتفت دينا بتقطع:
_قالت لك ليست بحوزتنا!
نظر إلى كلتيهما باشمئزاز واضح ثم اتجه إلى الباب هاتفاً:
_أعلم أنكما كاذبتين، وسأعود من أجل ذلك العقد وسأثبت لكما كم أنني أحياناً أشبهه!
**********
وعندما أصبح أسفل البناية التي يقطن بها صلاح جاؤه اتصال هاتفي للمرة الأولى..منها!!
وبكل لهفة الدنيا رد هاتفاً:
_رهف!
ليجد الرد الهادىء تماماً:
_لقد طردوني من العمل عَمَّار!
**********
عاد إلى البيت مسرعاً والغضب يعلو وجهه، وما إن دلف إلى الشقة قابلته مَوَدَّة بقلق:
_هل هاتفتها عَمَّار؟
ليجيبها بغضب :
_هي من هاتفتني، أخبرتني أنهم طردوها من العمل، وأنها تريد التمشية وحدها قليلا ثم ستعود.
اقتربت منه مَوَدَّة مخاطبة إياه بهدوء:
_أعطها وقتها لاستيعاب صدمتها عَمَّار، يكفي أنها ستعود إليك.
ويبدو أن عبارتها البسيطة هدأت من جموح غضبه فزفر مستسلماً ثم قال بقهر:
_هناك عقد زواج عرفي يثبت زواج أمها من شديد بك.
بانت الفرحة على وجه مَوَدَّة وهي تهتف:
_حقاً؟! حمداً لله، وأين هو؟
_لقد قالت زوجة خالها وابنتها أنه ضاع ولا يعلما أين.
سألته مَوَدَّة باهتمام:
_وهل تعتقد أن هذا ما حدث بالفعل؟
هَزَّ رأسه نفياً ثم قال بِنبرة مُتوعِّدَة:
_بالطبع لا، إنهما تكذبان، لكنني لن أتركهما ينعما بحياتهما، سوف أجعلهما يندمان على كل ما تسببا به لأختي، وذلك العقد سوف آخذه حتى وإن اضطررت لارتكاب الجرائم في سبيل الحصول عليه.
حَدَّقَت مَوَدَّة في عينيه وسألته بلهجة ذات مغزى:
_وتصبح مثل ساري؟
رَفَع عَمَّار عينيه إليها في صمت فتابعت بِحزم:
_اجعل هدفك ترميم ما فسد برهف عَمَّار، الانتقام لا يمنح الراحة، لقد رأيت ذلك واضحاً في عينيه أمس الأول.
تَمَسَّك بالصمت فأردفت باستفهام:
_هل ستخبرني لِماذا انتقم بتلك القسوة؟
وأضافت باستغراب:
_هل ستخبرني عَمَّار ما الذي يُجبر رجل عاشق أن ينتزع حبه بيده ويتخلَّص من روحه بنفسه بذلك القهر الذي كان يصرخ به؟
التمعت عينا عَمَّار بِرفض واضح ثم قال بِخِزي:
_لا مَوَدَّة! لن أخبرك، لأن من بين جميع أفعال شديد بك تظل جرائمه المُرتَكَبَة في حق ساري وأسرته هي الأكثر شناعة على الإطلاق.
وأردف بألم:
_كنت أنتظره، كنت أعلم أنه سيظهر يوماً ما ولقد اتخذت احتياطاتي منذ سنوات لحماية تغريد، لكنني في صدمة اكتشافي وجود أخت أخرى غفلت عن حمايتها، وكان هو أقرب إليها مني.
ونظر إليها بحسرة متابعاً:
_ربما لو أخبرتك ستخافين مني أنا أيضا لأنني أحمل دمائه، ربما ستخافين على إياد من جده، لذا لا! لا أحب التحدث في تلك القصة على الأخص.
والخوف بِعينيه جعلها تتراجع بالفعل عن رغبتها بالمعرفة وهي تشعر أن ما تبحث خلفه مخيف ولا تُحَبِّذ العلم به!
**********
"أرجو التوقيع على تلك الملفات وإرسالها إليّ مع سكرتيرتك!"
ألقى عاصم عبارته بنزق ثم عاد إلى الباب لينصرف بِغضب واضح فأوقفه ساري بِصوت مهموم:
_حتى أنت يا عاصم؟!
التفت إليه وكأنه كان منتظراً عتاباً منه هاتفاً بِكل حنقه:
_بالذات أنا ساري، بالذات أنا!
ثم اقترب من المكتب مُشيراً بِسبابته إلى صدره وهو يصيح:
_أنا من عشت في خدعة كبيرة لسنوات ظلمت بها امرأة كل ذنبها أنني لم أستمع إليها مرة واحدة ولم أبحث عنها وعندما وجدتها في نهاية الأمر لم يعد بإمكاني رفع الظلم عنها، ولا محو الإحساس الذي عانته بسبب أبي وبسبب حرمانها مني، والآن أجد نفسي مشاركاً_وبدون قصد _ في ظلم أخرى ليس لها أي ذنب بأي شيء على الإطلاق!
ثم عاد أدراجه إلى الباب مردداً:
_لذا فأرجو أن تسامحني عندما تجدني لست متعاطفاً معك أو فخوراً بمشاركتك جريمتك!
ظل مكانه في صمت قاتل وأغمض عينيه يطرد دمعات تحرق مقلتيه ولا يُصرَّح له بظهورها، ثم وقف ببطء كهِرَم تثقل أمراضه وذنوبه جسده، ألغى باقي مواعيده وانصرف.
وفي موقف السيارات بحث بعينيه عن سيارته حتى وجدها..
وأيضاً وجدها عليها تستند!
بحقيبة مرتخية على كتفها الأيمن؛
وكتب متمسكة بها بذراعها الأيمن؛
فأدرك أن الأخرى والفضل له.. مُعطلة!
وعندما أدارت رأسها جانباً تنظر له توقفت نبضات قلبه حتى ظن أنه يحتضر!
ألا يستطيع الاقتراب؟!
ألا يستطيع الاعتذار؟!
ألا يستطيع تفحُّص أهدابها؟!
ألا يحق له استنشاق رائحة لم يجد الوقت للتمتع بها؟!
ألا يحق له الاستشفاء بضمة منها؟!
واختطفت عيناه حلقتها الذهبية التي لاتزال بيسراها مُتزينة..
بالضبط كما يتحسس هو حلقته الفضية الآن.. بحسرة؛
وعندما فتحت شفتيها لتطلق عليه لعنات وسباب يستحق الآلاف منه جاء صوتها الرقيق المبحوح بكلمة واحدة:
"لِمَ؟!"
*****نهاية الفصل الثامن*****
في انتظار تعليقاتكم


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-20, 07:52 PM   #43

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم
ومع فصل جديد من سَكَن روُحِي
***
الفصل التاسع
*السّاري*
**العمود.. مسافر الليل
**********
لا تنبش الأسرار!
لا تحفر الجدار!
لا تبحث خلف الواجهة اللامعة!
فالأبيض يغشي العينين عن السواد؛
والأسود يكدر نقاء البياض!
هنا القانون.. وهناك روح القانون؛
هنا اللحظات الحاسمة..
وهناك سنوات شقاء المَظْلَمَة!
هنا دماء أُهدِرَت..
هنا ضحايا قُتِّلَت..
هنا أرواح بعيداً للأبد حَلَّقَت..
شاكية، يائسة، مُكَمَّمَة، مُكَبَّلَة؛
والحقوق؟! واجبة!
والعدالة؟! غائبة!
وهل أملك اختيار؟!
**********








منذ ثمانية عشر عام:
"هيا سارة! لا تزيدي في إرهاقي، رددي اسمك خلفي أرجوكِ: ســــــارة!"
قالتها سوسن برجاء واضح لطفلتها ذات الستة أعوام التي يتعلَّق نظرها كله بشقيقها التوأم الراقد في فراشه، هَزَّت الصغيرة رأسها رفضاً ثم همست ببطء متلعثم مُشيرة إليه:
_ســــا..ســـامــــر!
زفرت سوسن بحنق ثم تراجعت إلى المقعد بحركتها البطيئة وتوسلتها بحنان:
_حبيبتي، أريدك أن تنطقي اسمك أنتِ، ألا تريدين الذهاب إلى المدرسة مثل جميع الأطفال؟
هَزَّت الطفلة الصامتة رأسها نفياً فزجرتها سوسن بعصبية:
_لا تهزي رأسك سارة، قولي نعم أو لا!
طأطأت سارة رأسها أرضاً وهطلت دمعاتها في صمت فأحاطتها أمها على الفور مرددة بخفوت:
_أعتذر حبيبتي، لا تحزني!، لكنني أريد أن أسمع صوتك، ألا تريدين أن تتحدثي مثل أخويكِ؟
أومأت سارة برأسها إيجاباً في صمت فاستحثتها أمها وهي تأخذ إحدى يديها وتضعها على بطنها المتكورة قائلة بحماس:
_ألا تريدين أن تغني لسلمى ما إن تصل بعد أيام؟
ارتفعت رأس سارة والحماس انتقل إليها واضحاً، بان الجهد الذي تحاول بذله وهي تتمتم بحشرجة:
_ســـ..ســـلـــمـــى!
دمعت عينا سوسن بفرحة وهي تمازحها هاتفة بسعادة غامرة:
_إن علم ساري أنكِ اليوم نطقتِ اسم سامر وسلمى بينما لم تفعلي المثل مع اسمه سيغضب كثيراً!
هَزَّت سارة رأسها نفياً بقلق واضح، فتحت فاهها تحاول بصعوبة نطق اسم شقيقها الأكبر، الحنون، الذي يهتم بها وبتوأمها طوال الوقت..
حاولت بجدية؛
حاولت بقوة؛
حاولت بإصرار؛
لكن.. لم يصدر عن حنجرتها الضعيفة سِوى:
_ســـ...
ودمعاتها البريئة أكملت بقية الاسم.
طفلة صغيرة ضعيفة كأي مثيلة بنفس عمرها؛
طفلة رقيقة هادئة أكثر جداً من أي مثيلة بنفس عمرها!
ورغماً عنها!
طأطأت رأسها ثانية بِعجز، ليس لِسنواتها القليلة سبباً به، إنما لضياع قدرتها عن التعبير كأي أخرى بنفس عمرها!
**********
استند صبري على أقرب جدار مغمض العينين وهو يحاول السيطرة على الإرهاق الشديد الذي ينتابه منذ الأمس بسبب ارتفاع ضغط دمه، التفكير يؤلمه والحيرة تقتله وهو لا يجد حلاً للمصيبة التي طرأت على أسرته مؤخراً، يحاول بكل الطرق تدبير الأمر فلا يستطيع.
انتبه على تربيته خفيفة فوق ذراعه فالتفت ليبتسم بتعب شديد لابنه:
_ما الذي جاء بك إلى هنا ساري؟ ألم تُنهي اختباراتك اليوم؟ لماذا لم تخرج مع أصدقائك؟
أجابه ابنه بابتسامة غير مبالية:
_أنا لا أود الخروج أبي، أتيت إليك كي نعود إلى المنزل سوياً، وربما.. ربما أراد أحد التجار تحميل سيارته فأسلّي وقتي.
يُسلّي وقته!!
نظر صبري إلى ابنه بإشفاق مشوب بفخر شديد، ابنه الأكبر، بل صديقه والسند الذي أخذ على عاتقه مشاركته مسئوليته..
يشعر أنه رجل كبير وليس مجرد صبي في الرابعة عشر، فبينما مشكلات الآباء مع ابنائهم هروبهم من المدرسة أو دروسهم الخصوصية، أو ظهور بوادر تمرد مرتبطة بمرحلة المراهقة، كانت مشكلته الوحيدة مع ساري اكتشافه عمله باليومية في وظائف مختلفة عدة مرات..
لا يطلب منه أية مصاريف، لا يُعذبه ولا يرهقه بأية طلبات، منذ ستة أعوام وقد بدأ يعتمد على نفسه مادياً كيفما استطاع، وكلما واجهه باعتراض يخبره أنه..
يُسلّي وقته!
زفر يائساً وهو يراقبه قد عرض مساعدته بالفعل على أحد التُجار ثم بدأ يحمل بعض الأخشاب على إحدى كتفيه ليضعها فوق سيارة النقل الكبيرة، كان التعب يبدو جلياً على ملامحه الفتية لكنه يحاول جاهداً عدم إظهاره.
شعر صبري بوخزة بقلبه وهو يرى ابن الحاج محمود صاحب المصنع يصطحب ابنه الذي يكبر ساري بعامٍ واحد ويقوم بتعريفه على مرافقيه.
الصبي يمسك بيده أحد أجهزة الألعاب الإلكترونية التي انتشرت مؤخراً وينهمك في اللعب عليها تماماً، بينما ساري على بُعد بضعة أمتار منه يحمل أثقالاً تفوقه وزناً كي يتحصّل على بعض الجنيهات ليعطيها لأمه في الخفاء ظنّاً منه أنه لن يعلم!
استغفر بضيق وهو ينهر نفسه ويحمد ربه على حاله، فهو أفضل من غيره بِعدة مراحل، ثم ابتسم بضعف وهو يرى حفيد صاحب المصنع يتجه إلى ساري الذي أنهى عمله ويقف لاهثاً يتصبب منه العرق بغزارة محاولاً التقاط أنفاسه.
نظر ساري بابتسامة مهذبة إلى الصبي الذي يتطلع إليه بدهشة، فهتف به الأخير بفضول:
_ أنت تعمل هنا، أليس كذلك؟
أومأ ساري برأسه وهو لا يزال يلتقط أنفاسه بصعوبة فتابع الآخر:
_هل أستطيع أن أعمل مثلك؟
رد ساري ببساطة:
_نعم تستطيع بالطبع، التجار هنا كثيرون والحمّالون قليلون، إن عرضت على أحدهم تحميل بضاعته فوق السيارة لن يرفض، لكن سأسدي لك نصيحة! يجب أن تكون جيداً في المساومة، لأنهم يعتقدون أن أمثالنا يسهُل خداعهم بسبب السن.
اتسعت عينا الولد بانبهار وهو يرد مبتسماً ببشاشة:
_شكراً، أنا سأفعل ذلك بالتأكيد، ربما استطعت بناء بعض العضلات مثلك.
ابتسم ساري بود بينما تابع الصبي وهو يمد جهازه تجاهه:
_أتريد اللعب عليه قليلاً؟ إنه صدر مؤخراً، أُسلِّي وقتي به.
تردد ساري وهو ينظر إلى الجهاز الذي سمع عنه من بعض زملائه بالمدرسة ثم سأله بخفوت:
_هل ستسمح لي؟!
اتسعت ابتسامة الصبي بترحيب وهو يضعه في كفه قائلاً:
_طبعاً، العب به كما تشاء، أنا لدي واحد آخر بسيارة أبي.
أمسك ساري الجهاز بين يديه وهو يضغط أحد أزراره بلهفة شديدة، لكنه في نفس اللحظة لمح سيارة نقل فارغة كبيرة تدخل إلى باحة المصنع..
نقل أنظاره بين الجهاز بين يديه والسيارة التي توقفت بالفعل وهو يفكر...
"لقد أصبح معي مالاً يكفي بالفعل لطعام غداً وبعده، وربما بعض الحلوى لسامر وسارة، أستطيع اللعب قليلاً."
لحظات فقط مرت حتى زفر بحسرة وهو يُعيد الجهاز إلى صاحبه الذي نظر له بدهشة قائلاً:
_ألم تستطع اللعب؟ يمكنني أن أعلمك!
مط ساري شفتيه بشبه ابتسامة مُتحسّرة:
_لا! شكرا! لقد تذكرت أنني لستُ متفرغاً، ربما في مرة أخرى.
ثم مد يُمناه إلى الولد مصافحاً بابتسامة:
_أنا ساري صبري رشوان.
صافحه الصبي ببشاشة وهم بالرد عندما انطلق من خلفه صياحاً غاضباً:
_عَمَّار!
التفت عَمَّار بذعر واضح إلى الرجل الذي يُقبل تجاههما بغضب صارخاً:
_ألم أنهَك من قبل عن التحدث مع العاملين بالمصنع؟! ألا تفهم أنك حفيد رب عملهم؟ إنهم يعملون لديك يا أبله!
تلجلج عَمَّار بحرج مختلساً النظرات إلى ساري الذي عَبَر الألم وجهه فأخفاه على الفور، بينما تابع شديد:
_هيا تعال معي إلى مكتب جدك، هيا!
وانصرف الرجل فوراً بدون النظر إلى ابنه أو رفيقه، رفيقه الذي يحاول كبت دموعاً أُهين صاحبها ولا يعلم..
"لِمَ؟!"
التفت عَمَّار له بتوتر ثم قال مُصافِحاً، آسفاً:
_لا تحزن، أبي عصبي بعض الشيء، أنا.. أنا عَمَّار شديد الناجي، سأراك ثانية بالتأكيد، وفي المرة المُقبلة سأُحضر الجهازين معاً كي نتنافس سوياً في أحد أركان الباحة، ما رأيك؟
أومأ ساري برأسه موافقاً برغم عِلمه بأن ذلك لن يحدث، وعندما انصرف عَمَّار لاحقاً بأبيه زفر بقوة ماحياً ما حدث منذ قليل من عقله، ثم اتجه إلى التاجر الذي يبحث بعينيه عن حمّال ما هاتفاً بصلابة:
"مرحباً! أستطيع أن أتوَلَّى حمل بضائعك كلها خلال نصف ساعة لا أكثر!"
**********
"كُفّي عن البكاء يا سوسن أرجوكِ، سيدبر الله الأمر، اهدئي حتى لا تسوء حالتك أنتِ أيضاً!"
قالها صبري بحنان لكن زوجته لم تتوقف عن البكاء وهي تستغفر في نفس الوقت، فاقترب منها يربت عليها برفق ، ثم ضمها بين ذراعيه فزفرت بتعب مخاطبة إياه:
_ماذا سنفعل يا صبري؟! لا أجد حلاً، رأسي سينفجر من التفكير، لا أستطيع تخيل أن يحدث سوءاً لابني!
لثم صبري رأسها بِحُب وهو يتحدث بنبرة هادئة، بالرغم من الهلع الذي يكتنف قلبه:
_إن شاء الله لن يحدث شيء له، سنقوم بإجراء العملية وسيشفى تماماً، وسيشب مزعجاً يتشاجر طوال الوقت مع إخوته، وسترين صدق ما أقوله لكِ!
لم تستطع تصديق آماله، لم تستطع مبادلته ابتسامته المفتعلة، لم تستطع إيجاد حلاً أبدا فهتفت وهي تهب واقفة قدر ما أسعفتها صحتها:
_كيف سنفعل يا صبري؟ أخبرني كيف سندبر ثمن العملية؟ كيف سنواصل جلسات التخاطب لسارة؟ نحن حتى لا نملك ثمن عملية الوضع وبقى أسبوعان فقط وأبدأ بشهري التاسع، من أين سنحصل على كل تلك المصاريف؟ من أين؟
"أنا لدي سبعون جنيهاً!"
هتف بها ساري شاحب الوجه مُتحرجاً، بينما كان يتظاهر بتصفيف شعر سارة وجرَّها إلى التحدث، فهتفت به أمه بحنق:
_اسكت يا ساري!
لكنه تابع بحماس:
_لقد بدأت العطلة الصيفية، أي أنني متفرغ طوال اليوم، أستطيع العمل بالمصنع مع أبي طوال النهار ثم أعود للعمل في ورشة عم صقر بالفترة الثانية، أستطيع تدبير مصاريف بعض جلسات سارة، أستطيع المساهمة في ثمن عملية سامر عندما أتسلَّم أول راتب، وربما استطعت المساهمة في عملية وضعك يا أمي، ما رأيكما؟
نظر له والداه بألم شديد وانتحبت أمه ببكاء أشد، بينما اقترب منه والده واجتذبه إلى أحضانه قائلاً:
_أنت صديقي يا ساري، أنت رجل وأنا فخور بك، لكنني أحتاج منك أن تظل مع أمك وإخوتك تلك الفترة وأنا في العمل كي أكون مطمئناً، أخاف أن يتعب سامر أكثر أو تتعرض أمك لآلام المخاض وكلانا بالعمل، اتفقنا؟
ويبدو أن ابنه لا يريد النطق بوعد لن يلتزم به، فقد ظهر عدم الاقتناع على وجهه لكنه رغماً عنه نطق بخفوت:
_اتفقنا!
**********
أنهى صبري عمله وهو يشعر ببوادر ارتفاع ضغط دمه بعدما تم رفض منحه سُلفة يحتاجها الآن أيما احتياج، فآثر العودة إلى المنزل مسرعا بصحبة ابنه الذي لم ينفذ اتفاقه معه بالطبع..
رمقه ملياً بجانبي عينيه دون أن يلاحظه ابنه مستغلاً إنهاكه الشديد وحاجته الواضحة إلى الراحة؛
لو بيده لم يكن ليسمح له أبداً بأن يُفني فترة طفولته ومراهقته يعمل بمشقة تفوق مشقة الكبار أحياناً؛
لو بيده لكان أجبره ألا تطأ قدماه أرض المصنع فيتعرض للذل والإهانة من بعض التجار؛
لو بيده لكان أغدق عليه بكل ما يستحقه من رفاهية ومعيشة رَغدَة مع إخوته؛
الذنب يتغذى عليه.. والحيرة تقتات على روحه؛
لكم كان بعيد النظر حينما اختار له اسمه..
العمود الذي تشتد به سفينة أسرته، والأمان الذي يقف معه بوجه عواصف حاجاتهم وابتلاءاتهم..
ولا يقوى سوى على الابتهال بأن يحفظه له، وتضع زوجته طفلتهما القادمة بالسلامة، ويستمع لكلمتين متتاليتين بدون تلعثم من سارة..وأن يستطيع إنقاذ سامر قبل أن يستسلم قلبه!
لكن للأسف ليس بإمكانه شيء!
وأثناء خروجهما لمح صبري سيارة ابن صاحب المصنع تقف بالباحة الخلفية فتغاضى عن شروده شاعراً بدهشة من وجوده بتلك الساعة وهَمَّ باستئناف طريقه لكنه فكر أنه ربما يحتاج شيئاً ما بذلك الوقت المتأخر.
الحاج محمود والده له أفضال كبيرة عليه ويثق به ثقة عمياء، التفت بصحبة ابنه عائداً إلى حيث يقف شديد بك ابنه، لكنه عندما اقترب أكثر اكتشف أنه لم يكن بمفرده، هذا شوقي أيضاً أمين المخازن الذي حياه بنفسه مُودعاً منذ ساعتين!
وبينما أوشك على فتح فمه بتحية عابرة لكليهما وصلت إلى مسامعه عبارة شديد الخافتة:
_لن يعلم أحد بشيء لا تخف!، الحاج أصبح مريضاً ولا يُدقق في تلك الحسابات، والأوراق معي أنا، وقّع فقط بالاستلام ولا تقلق، والمكسب من تلك الصفقة لك به السُدس، ما رأيك؟
لم يكن الأمر بحاجة إلى الكثير من الذكاء ليدرك صبري فحوى ما يجري بالخفاء،
فأشار إلى ساري فوراً بالتزام الصمت وانتبه بشدة حينما اعترض شوقي الذي أدرك صبري أنه كأمين المخازن بالمصنع _ ربما ليس بأمين تماماً_:
_السُدس؟ هل تمزح معي شديد بك؟ إن أدرك الحاج محمود أو راجع الأوراق أنا وحدي من سيذهب إلى السجن، لن أقبل بأقل من الربع!
صاح به شديد:
_كيف تتحدث معي بذلك الشكل يا شوقي؟ وما الذي تغير تلك المرة؟ كنت دائماً ما تقبل بالسُدس!
تلك المرة؟!
ودائماً؟!
نظر صبري إلى ساري الذي لا يفهم شيئاً بصدمة شديدة بينما احمرّ وجهه تماماً وارتفعت دقات قلبه شاعراً بدوار وشيك فتمسك به ابنه بقلق واضح لكنه ابتسم له بضعف كي لا يشعر أحد بوجودهما، بينما تابع شوقي بِنبرة ابتزاز واضحة:
_المكسب تلك المرة أربعة أضعاف، ويجب ألا تطمع به وحدك شديد بك، ماذا قلت؟ هل أوقع أم أعود إلى بيتي؟
حدّق صبري بنظرة الشر التي ارتسمت على وجه شديد قبل أن يهتف بحنق:
_وقّع يا شوقي، لكنني لن أسمح بابتزاك مرة ثانية.
ولم يكلف شوقي نفسه عناء الرد وهو يوقع الأوراق والطمع يقفز من عينيه بلهفة.
**********
"هل هؤلاء أشرار يا أبي؟"
ألقى ساري السؤال على أبيه الذي يستغفر ويحوقل منذ خرجا من المصنع، فأجابه بشرود وهو يسير بجواره في طريقهما إلى المنزل:
_لصوص يا بني، هم لصوص!
ظهر التفكير على وجه ساري للحظات ثم هتف بحماس ظاهر:
_إذن لِم لا نُسلّمهما إلى الشرطة؟، ربما يعطوننا مكافأة نستطيع بها علاج سامر، وتكثيف الجلسات لسارة حتى تتحدث قريباً، وتلد أمي بمشفى جيد.
نظر صبري إلى ابنه بتفكير شديد ثم هتف:
_أتعلم؟! أنا.. أنا لا أستطيع السكوت عن الحق، سأبلغ أبيه، الحاج محمود لا يجب أن يظل مخدوعاً في ابنه الذي يسرقه أكثر من ذلك.
ابتسم ساري وهو يسأل أبيه:
_وهل سيعطينا الحاج محمود المكافأة؟
خلل صبري شعر ابنه مرددا:
_سنفعل الصواب يا ساري ولن ننتظر المقابل، ما عند الله لا يضيع أبداً.
**********
قابعة أرضاً أمام شقيقها ذي الملامح المتطابقة والذي يبدو عليه التعب أكثر من المعتاد هذا اليوم؛
فتحت فاهها رغبةً في ندائه لكنها أغلقته ثانية باستسلام؛
تصلها أصوات الأطفال الذين يتصايحون ويلعبون خارجاً وتتمنى لو تستطيع التحدث بحُرية مثلهم.
تعالى رنين جرس الباب بإصرار فهرولت الصغيرة إلى الباب وفتحته بفرحة مستعدة لارتمائها في أحضان شقيقها الأكبر والحصول على الحلوى اليومية التي يحضر منها اثنتين دوماً، لها ولِسامر..
لكنها وجدت أمامها ذلك الرجل صاحب.. البنية الضخمة؛
والملامح العابسة المخيفة القاسية؛
وبالرغم من أن سنواتها لم تتعد الست بعد، إلا أنها استشعرت الخطر الذي ينضح منه بتلقائية!
تراجعت الطفلة برعب حينما ارتفعت صيحة أمها من الداخل:
"ألم أنهَك عن فتح الباب يا سارة؟!"
خرجت سوسن بحركتها المتثاقلة من المطبخ معتقدة أن شقيقتها أنعام جاءت لتزورها لكن بدلاً منها طالعها وجه أثار خوفاً غريباً بداخلها فسألته بقلق:
_من تكون حضرتك؟
وصيحة ضعيفة خافتة من الطفل المريض أتبعت سؤال أمه:
_أمي، أنا خائف، أنا أشعر بالألم.
وكلماته التي تخللتها أنفاسه اللاهثة لم تصل إلا إلى سارة، ربما لم تسمعه أيضاً، لكنها..شعرت به!
وبمنتهى الغضب صاح الرجل بسوسن:
_أين هو زوجك؟
خرج صبري من غرفته مسرعاً بعدما سمع الصوت الرجولي بالخارج، وعندما توقف أمام شديد ازداد قلقه وهو يسأله:
_لِمَ جئت إلى هنا شديد بك؟
اندفع الرجل فجأة مُمسكاً صبري من تلابيبه صائحاً:
_كيف تجرؤ على الوشاية بي لدى أبي؟ كيف تجرؤ على التلصص عليّ؟ كيف فعلت ذلك؟ ألم تستطع طلب بعض المال مني وتتظاهر بعدم معرفة شيء؟ كنت أستطيع أن أعطيك، كيف جرؤت على أن تتحداني؟
ابتعدت سارة إلى أقصى ركن حيث شقيقها التوأم سامر تختبىء بجواره لتجده ينظر إلى الرجل برعب مثلها وهو يلهث بسرعة ويكافح للتنفس هامساً:
_سارة، أنا خائف!
رفعت أنظارها إلى أمها فوجدتها تتشبث بأبيها بمواجهة ذلك الوحش صارخة:
_ابتعد عنا! كيف تهجم على بيوت الناس؟ سأصرخ وسيلقيك الجيران بالخارج!
انطلقت سارة إليها جرياً تجذب جلبابها بيد وتشير بالأخرى إلى توأمها متفوهة بالكلمة الوحيدة التي استطاعت اختطافها من صوتها بأقصى جهدها:
_ســ..سامر!
وسامر كان يلهث؛
بشدة يلهث؛
والدماء تنحسر من وجهه؛
والعرق يتصبب منه..
بينما اندفع ساري إلى الداخل بعد أن وصل لتوه من عمله الإضافي صارخاً:
_ابتعد عن أبي، لِمَ تتشاجر معه؟
لكن شديد كان يصرخ بصبري موجها إليه سباب بأقذع الألفاظ، وموجهاً إليه بعض اللكمات..
صبري يختنق هاتفاً بِحشرجة وعيناه تهربان إلى ابنه الأصغر قائلاً بنبرة متقطعة:
_انزع يديك.. القذرتين عني!
وسوسن تبكي صارخة:
_ساعدونا! سيقتل زوجي!
ساري يحشر نفسه بين أبيه ومهاجمه هاتفاً:
_اترك أبي أيها اللص!
سامر يلهث أكثر حتى ابيضَّ وجهه تماماً هامساً بحشرجة:
_ساري! أشعر بالألم، لا أستطيع التنفس!
وساري كان يكافح لإبعاد ذلك الحقير عن والده..
وسارة تجذب ساري من ملابسه قائلة بذعر واضح:
_ســ..سامر!
وصرخت سوسن وهي تلاحظ ابنها الأصغر الذي لا يستطيع التقاط أنفاسه، لتدفع شديد بقوة عن زوجها فتصيبها..
ركلة...
تماماً بأسفل بطنها المتكوِّرة!
وصرخة عالية ملتاعة؛
ثم مياه تندفع منسالة؛
وتهتف سارة بضعف:
_أ..أمي، ســـ..سامر!
لهاث!
وحشرجة!
ووجه صار أزرق!
وانتفاضة أخيرة لجسد ضعيف!
وتهتف سارة بهمس متحشرج مذعورة:
_سامر!
وأدرك المجرم فعلته فتسمر مكانه لحظات ثم تراجع إلى الخلف هارباً..
وسقط صبري بجوار جسد زوجته مذعوراً صائحاً:
_سوسن! سوسن أجيبيني!
وبِكل الألم الذي تشعر به صرخت:
_الطفلة صبري، سأجهض الطفلة، أنقذ سامر!
وانطلق ساري يحمل جسد أخيه صارخاً:
"سامر!"
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-20, 07:54 PM   #44

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل التاسع
***
وفي المشفى:
مُحتضنا أخته التي لم تتوقف عن الارتجاف منذ أكثر من ساعة بقوة بين ذراعيه، مُحدقاً بصدمة مثل أبيه في الطبيب الذي أخبرهم أنهم قد وصلوا متأخرين كثيراً؛
وهكذا..
لم يعد هناك سامر!
لم يعد هناك أخوه الأصغر اللطيف الهادىء منذ مولده!
لم يعد هناك من ادَّخر من أجله مائتين وثلاثين جنيها كي يساعد في إجراء عمليته الجراحية!
"لِمَ؟"
**********

وبعد قليل:
طبيبة أخرى باختصاص آخر مع خبر آخر..
يبدو أن الركلة التي تعرَّضت لها والدته كانت أخطر مم توقعوا؛
وهكذا..
لن تصل"سلمى" الرضيعة بعد أسبوعين!
لن تصل تلك التي انتظر أن تغار سارة من بكائها المزعج وتتكلم أخيراً!
لن تصل تلك من ابتاع بالأمس من أجلها شراباً قطنياً شديد الصغر باللون الوردي!
"لِمَ؟"
**********


لا يوجد سامر..
لا توجد الرضيعة "سلمى"..
أسرتهم التي كانت ستتكون بعد أسبوعين فقط من ستة أشخاص أصبحت الآن تحتوي على أربعة فقط..
لكن مهلا!
ربما ثلاثة!
أهذا أبوه الذي لِتوه سقط؟!!
"لِمَ؟!!"
**********
جنازة صغيرة لثلاثة أشخاص من أسرة واحدة، أحدهم لم ير الدنيا أصلا!
جنازة صغيرة لثلاثة أشخاص من أسرة واحدة، كما لو أنها تعرَّضت لغارة ما!
جنازة صغيرة لثلاثة أشخاص من أسرة واحدة، والجاني واحد فقط!
الأب؛
الأخ؛
والأخت التي لم يرها!
جنازة صغيرة لثلاثة أشخاص ضحايا
لـ..
شديد محمود الناجي!!
**********
وبعد أسبوعين:
وقف شديد بين العمال بعد أن استطاع مصالحة والده وإقناعه أنه كان يمر بضائقة مالية أجبرته على التصرف بتلك الطريقة مع وعد_زائف_ بعدم تكرارها..
يُملي أوامره على بعض العاملين وإلى جواره عَمَّار يحاول تجنب صوته المرتفع الذي يؤذي أذنيه حقاً، ليبتعد قليلاً عابس الوجه، ضَجِراً والنقمة تسود كيانه بأكمله، بعينيه يبحث عن ذلك الذي يَوَد صداقته ويشرع في مَدّْ أواصرها بالرغم من عدم تبادلهما الحديث سوى مرة واحدة.
لكنه ابتسم فجأة وهو يراه يطُل من البوابة الضخمة للمصنع، تلك الابتسامة التي انحسرت وهو يلاحظ أن ذلك_الصديق_ يتخطاه متوجهاً إلى أبيه..
بغضب شديد؛
خطوات مصممة؛
جفون منتفخة؛
وبقايا دموع!
"شديد الناجي أيها اللص القاتل!"
والهتاف الصبيّ الذي انطلق في باحة المصنع جعل الجميع يتوقفون عن أي كانت أعمالهم ويحدقون في ذلك "الطفل" الذي يقف أمام ابن صاحب المصنع شخصياً سابّاً إياه بمنتهى الوقاحة!
تَسَمَّر شديد مكانه مصدوماً، متطلعاً لذلك اليافع الذي لا يتذكر أين رآه من قبل، لكنه ما لبث أن هدر ساخطاً:
_هل جننت؟ من أنت أيها الوقح؟
وببكاء لم يستطع كتمانه هتف بصوت متقطع منهار:
_أنا ساري صبري رشوان، من قتلت أبيه، وأخيه، وأخته، أنا من دمّرت أسرته كلها خلال بضع دقائق فقط، أنا من سينتقم، سأقتلك يا شديد!
وابتسم شديد بسخرية، وارتفعت ضحكات المحيطين به، يضربون كفوفهم ببعض باستمتاع، يلقون النكات، يشيرون إليه بسخرية ويتلامزون!
وفي الخلفية يقف عَمَّار مستنداً إلى أحد أكوام الأخشاب، ينقل نظراته بين أبيه و_صديقه_ بلا اهتمام حقيقي!
شديد يبتسم بسخرية!
وساري تتساقط دمعاته حسرة..
على أب؛
على أخ؛
على رضيعة موؤودة؛
على أم مكلومة؛
على أخت أصبحت بالفعل تماماً خرساء!
على رجولة فتيّة مهدورة!!
وأخرج من بنطاله سكين مطبخ تستخدم عادةً لتقطيع الخبز؛
وانقض على المجرم رغبةً بالثأر!
عَمَّار يشاهد بلا مبالاة!
شديد يبتعد للخلف خطوات وئيدة مبتسماً بسخرية..
وساري يصرخ منهاراً؛
وحان الآن وقت التملُّق و المُجاملة!
.....
أحاط به العاملون وأوسعوه ضرباً حتى تشربت الأرض دماءه في عدة أماكن.
بصقوا عليه وركلوه ودعسوه بأحذيتهم كالحيوانات المصابة بالسعار، بينما هو بجسده الأضعف يتلوى أسفلهم كاتماً صراخه بإصرار..
لا يطلب الرحمة ولا يمنحونه إياها!
وقفز عَمَّار للمرة الأولى بحياته بوجه أبيه ووحوشه صارخاً:
_اتركوه! ابتعدوا عنه أيها المجرمون، إنه ينزف بشدة!
ثم انطلق عَمَّار إلى الداخل ليجلب له المساعدة..
وارتخى جسد ساري أرضاً مغمض العينين لا يقوى على فتحهما، مستسلماً، ضعيفاً، منهكاً، لكن دمعات حسرته وقهره خانته لتجري على وجنتيه أمامهم جميعاً..
وسؤال وحيد يدور بعقله لا يجد القدرة للتفوه به:
"لِمَ؟"
وفجأة مال شديد عليه هامسا بوعيد:
"اليوم سوف تدرك نتيجة تهورك!"
وقد كان!!
**********
المكان: قبو مظلم في منزل بأحد الأحياء القديمة.
الزمان: بالتأكيد ليلاً، فهذا المكان لا يرى نور الشمس مطلقاً.
الأشخاص: مجموعة من أحط البشر بالإضافة إلى صبي بمرحلة المراهقة جسداً، ورجل أنبل منهم جميعاً أخلاقاً.
والحدث...:
على عمود خرساني مُقيد بسلاسل حديدية منذ وقت ليس بالقليل؛
عاري الجذع؛
حافي القدمين؛
مُستسلماً تماماً للجَلْدَة القادمة!
أحبال خشنة مُلقاه هنا؛
أصفاد حديدية للتو نزعوها عنه مُلقاه هناك؛
وَ..سَوْط!
وكأنه مُتهم بِقَلُب الحُكم!
ثمانية أيام مرت منذ أن اقتاده بعض الوحوش من المصنع ليلقوا به إلى ذلك المكان ثم يتناوبوا على تعذيبه، طوال الوقت يُركل بأقدامهم، يُجلد بأسواطهم، أو يُضرب بالأحذية!
والسباب دائم..
والسخرية لا تنتهي..
والتهديدات وفيرة..
والوعيد مُستمر لا ينقطع..
لكم صرخ!
لكم بكى!
لكم توسلهم أن يتركوه كي يعود إلى أمه وشقيقته المتبقية كي يُدافع عنهما ويعتني بهما بعد المصائب المتلاحقة..
لكن أوامرهم بتهذيب أخلاقه التي فسدت حتماً وإعادة عقله الذي فقده مؤكداً تغلبت على كل توسلاته.
ثمانية أيام من التعذيب؛
ثمانية أيام من الإهانة؛
ثمانية أيام من السبّ والضرب...
لا يستمع أحد له، ولا يستجيب أحد له، بالرغم من تدهور حالته، وبالرغم من الدماء التي تسيل من صدره وظهره جراء جلداتهم لتلطخ الأرضية والعمود والحائط الذي ارتكن إليه بالأمس مستسلماً..
ثم ظهر أخيراً المجرم!
"أيجرؤ صبي مثلك أنت على إهانتي؟ بمصنعي؟ وأمام العاملين لديّ؟"
ليفتح عينيه أخيراً هاتفاً مردداً بِصوت باكِ متحشرج:
_أنت قتلت أبي، وأخي، وأختي، أنت دمّرت أسرتي.
ليصرخ به شديد:
_لو لم يكن أبوك بذلك الغباء لما حدث كل ذلك، كان من الممكن أن يشارك شوقي نسبته، لكنه فضّل الوشاية بي ربما ليكسب مكاناً لدى أبي، وانظر الآن ماذا حدث! أنا حققت أهدافي وهو بقبره.
ضغط ساري أسنانه بقوة والغضب يستيقظ كبركاناً ثائراً بداخله، احمرت عيناه بِشدة فمال عليه شديد ساخراً:
_أتريد البكاء؟ أتريد الصراخ؟ افعل، فلن يستمع إليك أحد في هذا القبو.
هز ساري رأسه رفضاً وبعينيه محدقاً فتابع شديد:
_ماذا تريد إذن؟ ماذا ستفعل؟
وبنبرة ميتة تماماً تخرج من حلقه للمرة الأولى رد ساري بخفوت:
_أريد أن أحقق هدفي ، وهدفي منذ الآن هو الانتقام منك، يوماً ما سأنتقم منك شديد بك، يوماً ما سنتبادل الأدوار وسأكون من يتسبب بسقوطك وفضحك، وأنا أعدك بذلك.
تعالت ضحكات شديد الساخرة فتابع ساري بصراخ مقهور:
_اقتلني! اقتلني في الحال وإلا فدعني وسوف أعود إليك!
حدّق شديد بعينيه ثم صرّح ببرود:
_أتعلم؟! أنا بالفعل سأتركك، لأنني لا أريد مشاكل بسبب اختفائك، فللأسف البعض قد رآك بمصنعي، وأمك لا تكف عن المجىء تتوسلني، وأنا_ كي تدرك أنني أسديت لك خدمة_ قد أخبرتها اليوم أنني سأعيدك طالما لم تقم بإبلاغ الشرطة، لكن إن فكّرت بالاقتراب من المصنع ثانية، سأقتلك حتماً، أنت وأمك وأختك!
**********
وبعد ثمانية أيام عاد ساري، نازف الجسد، مجروح القلب، فاقد الروح، متوعداً!
لم يُخبر أي شخص بما حدث؛
لم يستطع تعرية نفسه أمام الآخرين؛
لكنه اتخذ عهداً على نفسه وسينبش الأرض نبشاً حتى يُنفذه!
**********
ليالي تليها ليالي وهو واقف بمكانه بجانب جذع الشجرة المواجهة لفيلا عائلة الناجي، لا يعلم ماذا ينتظر، لا يعلم ماذا يتوقع، لكنه لن ييأس، ستظهر لشديد بك هفوة، ستنفتح تحت أقدامه هُوَّة ما ليلقيه هو بداخله ويدفنه حياً.
**********
وبأحد الأيام:
جالساً بجوار جذع الشجرة منتظراً أي بارقة أمل..
وفي تلك الليلة ظهرت هي!
تجذبها امرأة ما بجفاء واضح وتنتظران أمام باب الفيلا بتوتر شديد، وبعد قليل خرج المجرم من عرينه، فاختبأ ساري خلف جذع الشجرة منصتاً:
"أنا أيضا زوجتك شديد، وتلك أيضا ابنتك!"
حدق بالفتاة المتشبثة بأمها بصدمة..
"أقدم لك ابنتك! رهف شديد الناجي!"
أرهف سمعه في ترقب شديد لرد فعل المجرم..
"سأفضحك شديد! سأذهب إلى مصنعك وأفضحك أمام العاملين لديك، سأخبر الجميع أن شديد بك الذي يتظاهر بالشدة والالتزام والانضباط لديه ابنة لا يود الاعتراف بها!"
وهكذا..
دونما إدراك، ألقت له المرأة بالهفوة، ثم أهدته الهُوَّة، ليلتقط هو المنحة منتظراً إسقاطه ثم إهالة التراب عليه!
ومنذ ذلك اليوم لم يعد يجلس عند الشجرة يومياً، واكتفى بالمرور كل فترة كي لا ينسى هدفه، أخذ على عاتقه مسئولية المتبقي من أسرته، سيعمل من أجلهم، سيعوضهم عن خساراتهم، سيرفع مستواهم لأقصى قدراته، سيخفف عن أمه عذاب فقدانها زوجها وطفليها، سيعالج شقيقته حتى تملأ الدنيا صياحاً، وعندما يحين اليوم المناسب سيشفي وجعهم ويهديهم انتقامهم من ذلك المجرم..
وعن طريق تلك الـــ..رهف!
**********
إنْ كانَ وجهي فَتيًّا في ملامحهِ
‏ فللفؤادِ وأحلامي تجاعيدُ
حذيفة العرجي
**********
وهكذا.. لسنوات ظل متربصاً بها على فترات متباعدة، وبخالها أيضاً، منتظراً لحظة ظهور شديد بحياة ابنته كي يفضحه، أو لحظة ذهابها هي إليه كي تفضحه فيساعدها.
والفتاة بريئة للغاية، وحيدة للغاية، ضعيفة للغاية..
لا تقابل أحداً، لا أصدقاء ولا أقارب؛
وبدأ اليأس يدب في قلبه: ألن تبدأ بتهديد والدها فيستغل هو تلك اللحظة كي يفضحه؟
وبمثابرته المعتادة، وبتصميمه الدائم حصل على بعض المساعدة!
ويبدو أن تلك اللحظة اقتربت، فها هي زوجة خالها وابنته تدخلان إلى فيلا شديد، ربما أرسلتهما إليه للابتزاز، أو لإجبراه على الاعتراف بأبوته لها، لا يهم، الآن ستتجمع خيوطه وسيحظى بانتقامه أخيراً بعد عدة أعوام!
ثم إصراره على ابنة خالته بالالتحاق بذلك المركز الذي تعمل به كي يقترب منها أكثر!
لكن..
استقلالها المفاجيء؛
ثم ظهور صديقه القديم، والذي هو بالطبع أخوها..
يراقبها أخوها ويراقبه!
الخيوط تتعقد وربما من يديه قريباً ستنفلت!
إذن يجب عليه التدخل على الفور!
و...
اتفاق مع اثنين من أرباب المقاهي بالحي القديم، سرقة حقيبة وهاتف، وإغلاق للهاتف بضعة أيام حتى تفقد الأمل، ثم فَتْحُه مرة أخرى، وموقف شهامة!
**********
مكالمة هاتفية أثارت بداخله تشتتاً غريباً؛
ما بال صوتها يصرخ بالسذاجة؟
وما باله يحدق بصورة هويتها باهتمام؟
وما باله قد صار فجأة رائقاً يمازحها بتلقائية؟!
ثم كان الوعد باللقاء!
وكان اللقاء!
**********
يتطلع إليها مليّا ويبدو أن موظفة الاستقبال ستطردها الآن، فقرر التدخل واقترب منها ببطء حينما سمع:
"أتريدين مقابلة المهندس عاصم؟"
وبسرعة تدخل:
"لا! الآنسة تريد مقابلتي أنا!"
واستدارت..
ويا ليتها ما استدارت!
وحدّقت به..
ويا ليتها ما حدّقت به!
هل يعقل أن يظل الإنسان حياً مع تأكده من توقف نبضات قلبه؟
هل يعقل أن تتذبذب مشاعره كلها لمجرد نظرة مرتجفة متوترة؟
هل يعقل أن يتصرف لسانه وعيناه طوال عدة دقائق على النقيض تماماً مم نوى؟
لقد ظل يراقبها لسنوات عن بُعد على فترات، فكيف للتو لاحظ مدى هشاشتها ورقتها؟
لِمَ براءتها تصرخ بصوتها الحزين؟
لِمَ عيناها تحاولان إخفاء احتياجاً واضحاً؟
ولِمَ أهدابها بهذا الجمال مشعثة؟!
انفصال!
ما يشعر به هو انفصال تام؛
عن الماضي، عن مأساته، عن هدفه الوحيد؛
دقات قلبه تتسارع، وتوتر غريب يكتنفه؛ شرود وتحديق منه؛
خجل وارتباك منها؛
ولسانه ينطلق طوال اللقاء بإرادة حرّة!
ما يحدث له الآن غريب مريب وخارج أي خطة، ما يحدث لم يكن بِحسبانه يوماً لا معها ولا مع غيرها، ما يحدث يُشبِعه بِنسيم عليل بعد جفاف سنوات حياته كلها.
وبينما تستعد للانصراف أجهزت تماماً على البقية الباقية من تماسكه وهي تهديه..
غمزة!
بانشداه يحدق بها، ويبدو أن قلبه سيخرج من صدره الآن حتما كما يحدث في الأفلام المصورة، سيتوسلّها ألا تنصرف، سيطلب منها لقاءاً آخر، لكنها انصرفت!
مهلاً!
ألا يوجد احتمال بسيط أنها ليست ابنة عدوّه؟
ألا توجد نسبة ضئيلة للخطأ؟
وأغمض عينيه بألم لنفسه ناهراً، ولنفسه واصلاً الانفصال..
أهكذا يتأثر كالأبله خلال دقائق بها وهو الذي لم يهتم في حياته بأية امرأة؟!
"اهدأ ساري، لا تنس هدفك ساري!"
"لقد انتظرت سنوات وها قد حان الوقت أخيراً، لا تحِد عن مُخططاتك!"
"إنها رهف شديد الناجي!"
وفتح عينيه فجأة..
ليرتحل الهيام ويحل الغضب!
*********
ولقاء آخر بحجة إقلال ابنة خالته بعدما أجبر سارة بالعدول عن الذهاب، ليصبح تأثره بها أشد، وبدلا من تعقله المعتاد في كل كلمة تخرج من فمه وجد نفسه يهذي بهراء ما عن دورات ودروس وأهدابها التي تختطف نظراته رغماً عنه...
"تلك الفتاة أعادتك مراهقاً يا ساري!"
"تلك الفتاة اختطفت قلبك يا ساري!"
"تلك الفتاة لقد عَشِقتها يا ساري!"
وكانت الصدمة!
هو يحب ويعشق؟!
الأصح: هو يحب ويعشق ابنة شديد الناجي؟!
متى أصبح إلى هذا الحد خائناً؟
متى أصبح إلى تلك الدرجة عديم الإحساس؟
لقد قتل أبوها ثلاث من أفراد أسرته قبل أن يختطفه ويعذبه؟
لحظة!
لقد قتلها أبوها أيضاً!
بصرف النظر عن جميع البشر، تنتمي الإنسانة الوحيدة التي أحبها إلى ذلك الشيطان!!
"لِمَ؟"
**********
يسير في الطرقات المظلمة ليلاً بلا انتباه حتى وجد نفسه أمام ذلك البيت بأحد الأحياء القديمة، البيت الذي قُيد به وعُذب وجُلد، البيت الذي أصبح حلمه منذ أن خرج منه منذ سنوات أن يملكه!
وقد كان!
البيت الذي شهِد إذلاله وهدر كرامته وسحق رجولته الفَتِيَّة أصبح أخيراً بعد سنوات يملكه.
لن يترك انتقامه؛
لن يترك ثأره؛
سيعيش لليوم الذي سيقف به أمام قبر يحوي ثلاثة جثث تخصه وتطالبه بحقوقهم متسائلين:
"لِمَ؟"
*********

يموت هو بين صراع قلبه وصوت انتقامه؛
حتى عقله يأمره بألا يفعلها؛
ليس ذنبها!
يعرف أنه ليس ذنبها، لكنها الهُوَّة التي ستجتذب جسد المجرم، ربما حينها يستطيع أخيراً الشعور بطعم تلك المسماة بــ..الراحة!
إلى جوار بيت خالها يقف متخفياً متظاهراً بتناول إحدى الشطائر، ينتظرها وقد صعدت منذ بعض الوقت إلى شقة خالها والضيق يبدو عليها جلياً، بينما صديقه القديم يجلس بسيارته الرمادية على مسافة من البيت متربصاً..
بِعِتاب رغماً عنه، وبخسارة رغماً عنه، تعلقت عيناه به تحديداً..
"هل لازلت تتذكرني يا عَمَّار؟"
"هل لازلت تتذكر وعدك بتعليمك إياي كيفية اللعب على جهازك؟"
"تُرى من منا كان ليفوز على الآخر بالمنافسة؟!"
"لماذا لم تأتِ وتنقذني عَمَّار؟!"
وانتبه إلى أنها من تأخرت ببيت خالها غير الموجود بذلك الوقت فعلاً، والقلق يأكل ذرات جسده حقاً، فهو على علم بنوايا زوجة خالها وابنته السيئة تجاهها!
وها هي أخيراً تخرج ملقية تحية مرتبكة على جارهم ليبدأ الحقير بإهانتها!
تتشنج أطرافه؛
تفور دماؤه؛
والسواد يتخلل عينيه الخضراوتين!
ليقوم بالاتصال بها بحُجة خرقاء..فيستقبله صوت بكائها؛
وهذا حقاً فوق مستوى احتماله!
حبيبته تبكي بسبب ذاك القذر وهو لا يستطيع التدخل علناً..
وحقها.. أهدره ذلك الحقير مُتَجَبِّراً؛
والعدالة.. من أجلها الآن تجِب؛
وهدفُه..تلقينُه درساً وسيحققه!
وهو بارع في التمهُّل والانتظار!
انصرفت..فانصرف عَمَّار على الفور إياها ملاحقاً.. ليجد نفسه يلتقط عبوة طلاء من سيارته، وعلى باب المحل من أجلها قرر أن ينتقم..
و..:
"يا من تتشدقون بالطهارة، حاسبوا أنفسكم أولا!"
**********
يتعذب ليلته وصوتها الباكي يرن في أذنيه، وكان أول ما فعله باليوم التالي أن انطلق إليها ملهوفاً، ليستمعها تهاتف ذلك المدعو..حمزة!
يغار!
أدرك أنه عليها يغار!
وتحبه!
حبيبته الوحيدة تحبه!
تحبه لدرجة أنها تقف أمامه الآن وتخبره بالخزي الملتصق بها، تحبه لدرجة أنها لا تستطيع إخفائه عنه، ثم تتركه راحلة والدمعات بعينيها لم تخف عليه.
تعتقد أنها تخبره بمفاجأة، ولا تعرف أنه على عِلْم بها قبل أن يدركها عقلها الصغير منذ سنوات بالأصل!
وطالما يعلمها هو حقاً منذ سنوات، لماذا يشعر الآن بكل ذلك الغضب؟
لماذا يشعر برغبته في التربيت عليها؟
لماذا يكافح من أجل عدم إخفائها بين ذراعيه في التو؟
وها هي رغبته في قتل ذلك القذر تزداد..من أجلها وحدها تلك المرة!
يتمزق قلبه ويكاد يُجن عقله! ما الذي عليه فعله؟، أيكتفي بها؟! أيأخذها هارباً من أي مكان يتواجد به شديد الناجي؟ وأين سيهرب من ثلاث صور لا تتركه متوسلة أن يعيد لها حقوقها!
**********
وأسئلة حقاً تقض مضجعه يلقيها عليها ليرى إجاباتهم جميعهم بعينيها..
تحبه..ويعشقها!
تتمناه..ويموت من أجلها!
ووعد بالتمسك يعلم جيداً أنه لن يفي به!
إن كان في شيء صادقاً سيكون في عدم اهتمامه بكونها ابنة شرعية أو غير شرعية أو حتى معدومة النسب.
هو أحب رهف، وعشق رهف، وبكُليته لا يريد إلا رهف، لكن..
ليست من يريدها رهف شديد الناجي!
**********
وصراع آخر مع أمه لكنه يعلم جيداً أنه سينتصر به، لن تكون أمه هي سبب إفشال خطة طالت لسنوات، لن تكون أمه هي من تمنعه راحته، وكل ما يتمناه فقط أن ينتهي قبل الموعد المحدد حتى يؤدي ما عليه كاملاً!
لكن....
ألا يخيب ظنه وتفعلها أمه حقاً وتعرقل خطته فلا يهرع بنفسه نحو قبراً رابعاً يُزين شاهده..اسمه هو؟!
وخِطبة!
تلك الجميلة خطيبته! السعادة بعينيها مقترنة بوعد لن يدعها تفي به، أين يستطيع التهرب من نظراتها العاشقة؟ أين يستطيع التهرب من قلبه الذي يئن بداخله، ومن عقله الذي يصرخ به متوسلاً..
لا تُكمل!
لا تمش هذا الطريق!
ليس ذنبها هي!
هي تحبك وأنت تحبها، ستندم!
وتوسُّل منه بأن يهربا معاً يقسم أنها لو وافقته حينئذٍ لكان فعلها بلا تردد؛
لكنها للأسف لم توافق!
وكما اعتاد كل ليلة ذهب إلى منزله الجديد_السجن سابقاً_ ليصرخ ويحطم كيفما شاء، وبعد قليل يخرج هادئاً_ظاهرياً_ ليواصل طريق انتقامه!
وزفاف!!
*********
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير!"
شرد وهو يستمع إلى دعوة الشيخ وترديد الحاضرين بعده، ثم رفع رأسه رامقاً إياه بوجوم وهو لا يصدق أنها أصبحت بالفعل زوجته..
رهف زوجته؟!
رهف زوجة ساري؟!!
أغمض عينيه متشبعاً بتلك المعلومة التي تمسك بها قلبه وهو يتوسله أن يتراجع، لاتزال هناك فرصة، يستطيع إتمام زواجه بها بطريقة طبيعية دون تنفيذ خطته الأبشع على الإطلاق.
والآن رآها!
آية في الجمال والحُسن، عيناها تخبرانه كم تعشقه لكنه لا يستطيع إخبارها بالمثل؛ بسمتها تعطيه فكرة عن المستقبل الذي تعِده به لكنه لا يستطيع وعدها بالمثل؛ ليس وهي..
رهف شديد الناجي!
الذي وصل أخيراً للتو بعد أن انتظره لأعوام طوال؛
هب واقفاً..
وارتد قلبه متوارياً..
واحتل انتقامه المظلم عقله ..
يراه أمامه وبجواره دماء أمه!
يراه أمامه وبجواره وجه سامر الأزرق!
يراه أمامه وبجواره جثة سلمى الرضيعة!
يراه أمامه وبجواره تصرخ سارة بلا صوت!
يراه أمامه وبجواره يرقد أبوه يائساً رافعاً سبابته إلى الأعلى لِرَبُّه مُفَوِّضَاً أمره!
يراه أمامه وبجواره هو نفسه مراهقاً مُقَيَّداً إلى عمود حديدي كي تنهش الوحوش جسده ويستبيحوا كرامته!
يراه أمامه ويرى فيه نهاية مشواره الذي هرول فيه يائساً!
والآن حان وقت القصاص!!
نظرة حقد منه..
تقابلها نظرة دهشة من ذلك القاتل!
نظرة كراهية صريحة..
تقابلها نظرة خوف وقد بدأ يشعر بوجود خطأ ما!
نظرة تشفِ تأخرت كثيراً..
تقابلها نظرة ذعر ما إن بدأ العريس بالتحدث!
ثم..
"أنتِ طالق!"
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-20, 07:55 PM   #45

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل التاسع
***عودة إلى الوقت الحالي:
"لِمَ؟!"
يقف أمامها منهكاً كما كان في ذلك القبو منذ سنوات؛
أطرافه باردة كما كانت أطراف سامر منذ سنوات؛
وجهه شاحب كما كان وجه أبيه عندما غطاه بنفسه منذ سنوات؛
لا يجد صوته كي يتحدث كما كانت سارة منذ سنوات؛
ضئيل الروح، والنفس، والقوة، كما كانت سلمى منذ سنوات؛
ملتاعاً، مقهوراً، متحسراً، كما هي أمه..حتى الآن ومنذ سنوات!

وبم يجيب؟
أيخبرها لأنه نذل؟
خسيس؟
ظالم؟!
أيخبرها لأنه لا يشعر حقاً بأي مما يدور حوله؟
أيخبرها بأن ذلك السؤال بالتحديد يقف منذ سنوات في حلقه لِيُصَعِّب عليه التنفس، لكنه للأسف يفشل في إيقافه تماماً؟
ولما لم يجب تابعت:
_هل شعرت بالندم أثناء عقد القران؟ أم قبله؟ أم بعده؟ هل فكرت في التخلّي عني قبله أم بعده؟ هل اكتشفت صعوبة ما ورطت نفسك به قبله أم بعده؟
وجاء صوته المبحوح أخيراً لدهشتها صادقاً حاسماً:
_أنا لم أشعر بالندم على ارتباطي بكِ أبداً رهف.
واصلت تحديقها الهادىء به ثم تحدثت:
_إذن؟!
ازدرد لعابه ثم أجاب بخفوت:
_أبوكِ هو من كان هدفي!
وكانت تلك العبارة هي بداية جذب انتباهها إلى شيء آخر، إلى العبارات المُشَوَّشَة التي صاح بها أخوها في القاعة عقب الفضيحة، عقدت حاجبيها باستغراب ثم بدأت عيناها تتسعان ببطء، ليدرك هو أنها أدركت.
_منذ متى؟
أغمض عينيه مدارياً ألمه فصرخت فجأة:
_أجبني منذ متى؟
ولما لم يرد اقتربت منه مصدومة هاتفة:
_منذ البداية؟ منذ البداية يا ساري كان هو هدفك؟
ثم توقفت لحظة واتسعت عيناها أكثر وارتجفت شفتاها مُتسائلة :
_السرقة.. كانت مُدبرة؟!
ترقرقت عيناه المغمضتان بالدموع فكررت صارخة:
_أجبني ساري، السرقة كانت مُدبرة؟ زياراتك لابنة خالتك كانت مُدبرة؟ كل ما حدث لم يكن صدفة ؟ لم تكن هناك أية صدفة؟!
ثم شهقت باكية وهي تتابع:
_كل تمسُكك بي واهتمامك بي وإصرارك عليّ لم يكونوا صدفة؟ كل.....
بترت عبارتها واتسعت عيناها مرة أخرى ثم سألته بِخفوت:
_أكنت تعرف ساري؟ كنت تعرف منذ البداية أنني لقيطة وتركتني أشعر بالخزي والخجل أمامك؟ كنت تعرف وتركتني أرتعب وأنا أفكر في نظرتك إليّ طوال الوقت؟ أكنت تعرف؟
وعندما حاول الرد كان صوته قد هرب منه تماماً، ليقوم بإيماء رأسه إيجاباً فارتدت إلى الخلف شاهقة:
_يا إلهي!
فتح عينيه أخيراً وهو لا ينوي إخفاء دمعاته عنها وحدها قائلاً بألم:
_أنا.. أعرف أنني ظالم ونذل، أعرف تماماً أنكِ لا تستحقين ما فعلته بك، لكن.. لكن ثقي بأن عقابي بكراهيتك لي وفقداني لكِ أنا أتلقاه الآن و...
صرخت مقاطعة إياه بِقهر:
_بِمَ يفيدني ذلك؟ بِمَ يفيدني بعد أن كسرت قلبي وأجهزت على حياتي، لقد عشت بماض مُخزِ وحاضر مؤلم وبلا مستقبل، وحينما وعدتني أنت بالمستقبل اختطفته مني وصفعتني بعار آخر سيلاحقني لبقية عمري.
أنَّاتها الضعيفة الباكية تمزقه، اقترب خطوة يتوسل لمسة..
لمسة واحدة فقط هي كل ما يتمنى؛
لمسة كانت من حقه منذ يومين فقط لكنه بمنتهى القسوة والغباء حرم نفسه منها! فَكوَّر قبضتيه يبغي تمزيقهما وهي تتابع بصوت سيقتله حتما الآن:
_ألم.. ألم يكن هناك أي شيء حقيقي؟ أي شعور ربما؟
وعندما هم بالإجابة بسرعة انتفضت مقاطعة بصراخ:
_لا! لا تُجِب! لا أريد، لن أصدقك على أي حال.
اتسعت عيناها وازدردت لعابها بينما غيوم الجهل تنقشع عن عقلها رويداً رويداً:
_هو.. قام بإيذائك بطريقةٍ ما فاستخدمتني أنا! .. أهذه هي العدالة التي كنت تتمنى تحقيقها؟ ألهذا كنت أنا أهم أهدافك؟!
وعادت شهقاتها الباكية ثم أردفت بصوت خافت:
_لقد أحببتك منذ رأيتك ساري، أحببتك لكنني لم أجرؤ حتى على تمني ارتباطك بي، وعندما حدث ذلك كدت أطير من فرط سعادتي، كنت أحدق بصورتي بالمرآة وأتساءل: هل أنت حقاً تراني؟ هل أنت تفكر بي؟ هل أنت فعلا تريد الزواج مني؟
وفجأة ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تهتف:
_ أتذكر ذلك اليوم الذي نعتّك فيه باللص؟! يا إلهي كم كنت محقة!
وبلهجة متوسلة حدّق بعينيها قائلاً بِخفوت:
_أرجوكِ رهف، أنا أموت بالفعل، أموت كلما أستعيد ما فعلته بك، لكنني لا أستطيع تراجعاً، لا أجد راحة فيما فعلت، ولم أكن سأجدها مطلقاً إن لم أفعل، لكنني لم أتعمد قتلك أنتِ رهف، لم....
هنا قاطعته صائحة:
_قتلي؟! أتعتقد ساري أنك قتلتني حينما عيرتني أمام الجميع بأن أبي لا يريد الاعتراف بي ؟!! أتعتقد بأن ما آلمني هو معرفة الحاضرين بأنني ابنة غير شرعية؟!
صمتت ليتنازعا النظرات المتألمة فتابعت:
_لا!، لقد اعتدت ذلك الوصف منذ سنوات من الجميع حتى ما عاد يؤثر بي.
سقطت دمعتان على وجنتيه توازيان دمعتيها بينما أكملت بصوت مبحوح وهي تشير إليه بسبابة مرتجفة:
_ما قتلني وجرحني حتى الصميم هو أنك أنت من أطلقت رصاصك على قلبي تماماً بينما أنا بانتظار ضمة من ذراعيك، ضمة تخبرني أنني وصلت لملاذي الآمن أخيراً، ضمة تخبرني بها أنك لن تسمح لأي شيء بجرحي مجدداً.
أغمض عينيه مرة أخرى والاحتراق بداخله يزداد ويشتعل وهو يدعو بداخله أن تنتهي أنفاسه فورا عند قدميها، ثم فتحهما مرة أخرى على عبارتها الهادئة:
_أنت دون الجميع من وثقت بك، أنت فقط! هل ستصدقني حينما أخبرك أنني لم أحب سواك مطلقاً؟ لم أهتم بتلك المشاعر حتى بمراهقتي مثل جميع الفتيات؟
اجتذبت أنفاساً اختلطت بشهقاتها ثم تابعت:
_لكن أنت وحدك ساري من استيقظ قلبي لك، حتى تمزقه بمنتهى القسوة!
ودمعتاه تكاثرا وتكاثرا حتى أغرقوا وجهه وهي تسأله بتوسل:
_أخبرني ساري، وأنت تطلق عليّ يمين الطلاق بليلة زفافي، وأمام جميع الحاضرين، وأمام عدوّي الأكبر، ألم.. ألم تشعر ولو بقليل من الشفقة بقلبك؟
ولما اختار الصمت صرخت به:
_تكلم ساري!، تكلم! ألم تشعر بأية شفقة بقلبك؟! بروحك؟!
أتموت عينا إنسان وهو على قيد الحياة؟!
أتتردد الأنفاس بصدر جثة؟!
أترتعش أصابع تمثال يقف أمامها الآن..يختنق؟!
وعندما وصلها رده الهادىء تماماً تسمرت تحاول استيعابه، واستيعاب الألم والقهر والحسرة الذين تغرق بهم خضراوتاه:
_ أتسألين عن قلبي؟!
توقف مبتسماً من بين دمعاته ثم تابع:
_أنا لا أملك واحداً، لقد دفنته في نفس القبر مع أبي وأخي وأختي الرضيعة.
حدقت به بلا فهم فأكمل بابتسامة أكثر اتساعاً ولا زالت دمعاته تنهمر أكثر:
_أتسألين عن روحي؟!
هز رأسه نفياً وهو يردف:
_هي لازالت هناك، حبيسة قبو مظلم، معلّقة بسوط ينهال على جسدي ليبعثر كرامتي ويمزق رجولتي!

وعادت غيوم الجهل إلى عقلها مرة أخرى؛
وعاد الضياع يلف كليهما على حدة مرة أخرى؛
وصمت تام!
تتلاقى به نظرات الوداع؛
تعجز الألسنة عن النطق؛
تغلق القلوب أبوابها باكية؛
وانتهى!
عدلت من حجابها وأغراضها وتقدمت لتتجاوزه، وعندما وصلت إلى جواره، على بُعد سنتيمترات قليلة من كتفه نظرت له وبصوت خافت تحدثت:
_أتعلم ساري؟! ربما أنا المخطئة منذ البداية، لقد ركضت خلف سراب.. سراب الحب والحماية والأمل، بينما المنبع الحقيقي يلهث خلفي وأرده كل مرة خائباً..
صمتت تلتقط أنفاسها الثقيلة فاستغل الفرصة ليغرق في عينيها ربما للمرة الأخيرة، حتى أردفت:
_ لِذا ربما يجب عليّ شكرك على تسببك في إفاقتي.
وبمنتهى الهدوء خلعت حلقتها لتضعها على مقدمة سيارته بينما شحب وجهه تماماً وارتفع صدره وانخفض في تنفس عنيف وهو يحدق بها..
وبدون تحية وداع رحلت!
ليستند هو على سيارته ملتقطاً حلقتها، ثم ألقى نفسه خلف عجلة القيادة، وأخيراً أطلق العنان لدموعه كي تنعي خسارة روحه
وموت قلبه!
*********
وبمجرد أن فتح لها عَمَّار الباب بلهفة وقلق بادرته بدمعات متألمة:
_لقد طلبت مني يوماً أن أسمح لك بالتواجد إلى جواري، وأن أسمح لك أن تكن سندي وأماني، ووعدتني أنك ستدافع عني.
صمتت للحظات فَحَدَّق بها بلهفة يومىء رأسه إيجاباً بسرعة، لتتابع هي:
_ ها أنا جئت إليك اليوم لتحميني من أبيك ومن أذاه، ولتحميني أيضاً من مُعذّبي ومن قلبي الذي بالرغم من كل ما فعل به فإنه مازال يهفو إليه، هل لازالت عند وعدك عَمَّار؟
وكانت إجابته زفرة حارقة مُتبعة بضمة شديدة بين ذراعيه اللذين تشبثت بهما ليبكي كلاهما سوياً!
مودعان ظُلماً غابراً وحرماناً مؤلماً..
مُستقبلان حناناً أخوياً وحُباً صادقاً..
بينما هتف عَمَّار بِصِدق:
_سأحميكِ بحياتي رهف، سأبذل قصارى جهدي كي أعوضك، وسأثبت لكِ كم أنكِ لديّ غالية.
*****نهاية الفصل التاسع*****

في انتظار تعليقاتكم وآرئكم


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 09:33 PM   #46

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل العاشر
*بداية جديدة*
بعد مرور أربعة أشهر:
ظل إياد يقفز فوق فراشها وهو يصيح منادياً إياها فهبّت جالسة تهتف به:
_كُف عن القفز إياد! لقد استيقظت بالفعل.
ارتمى الطفل بجسده عليها ضاحكاً باستمتاع فضمته إلى صدرها بقوة وهو يصيح:
_صباح الخير عمتي.
لثمته على رأسه بحنان قائلة:
_صباح النور حبيب قلب عمّتك.
ابتعد الطفل مسرعاً والحماس يشع من خلجاته كلها هاتفاً:
_لديّ مفاجأة لكِ، لن تتوقعينها أبداً!
اتسعت عيناها بقلق مُفتعل قبل أن تتوسله:
_أرجو ألا تكون إحدى مكائدك التي ستجعل والدتك تطرد كلينا من البيت حتماً تلك المرة!
ارتفعت ضحكات الطفل المستمتعة فضمته مرة أخرى بحنان شاردة...
لقد كانت تنأى عن القرب منه منذ أن عرفت أنه ابن أخيها، لم تكن لتتقبل أي ما يربطها به، لكنها ومنذ أن تذوقت شعور الاحتضان والأمان الذي أغدق به عَمَّار عليها وكل شيء بحياتها تغير..
أصبحت تنتظر قُبلة عَمَّار على جبهتها قبل ذهابه إلى العمل، ومثيلتها عند عودته، مِزاحهم على مائدة الطعام، وتجمعهم كل مساء حيث تتنافس مع إياد على إحدى الألعاب الإليكترونية على شاشة التلفاز الضخمة فيفوز إياد عليها كل مرة، ثم مكائدها معه فيتنصّل منهما عَمَّار هارباً لتحتار مَوَدَّة في تحديد هوية الجاني!
مَوَدَّة؟!
اسم على مسمى هي، شقيقة لم تحلم يوماً بامتلاك مثلها، وأحياناً أم، أم تهتم بطعامها وملبسها وراحتها وتُدللها حد الاختناق.
تتذكر جيداً شجارها الأول والأخير معها منذ ثلاثة شهور ونصف عندما عرض عليها عَمَّار فكرة إدارة مكتباً للترجمة تساعدها به مَوَدَّة لكنها رفضت متجهة بكل انقياد نحو فُوهة اكتئاب مظلمة، عندئذٍ اتخذ عَمَّار جانب التدليل المُفرِط كي لا تبتعد عنه ثانية، لكن مَوَدَّة هي من صاحت بها بحزم:
"أفيقي يا فتاة، لم ينتهِ العالم!"
"لن تظلي مكانك ساكنة للطعنات ، يجب أن تضعي حداً لهم جميعاً!"
"إن كنتِ تريدين الشفقة على ذاتك فاغرقي بها كما شئتِ، لكنك ستندمين حينما تكتشفين ضياع عمرك بلا جدوى."
"أنتِ لستِ ضعيفة رهف، أنتِ قضيتِ سنوات وحدك، الآن أنا معك، عَمَّار معك، لن نتركك أبداً، انتهزي فرصتك واجتذبي حقك من الجميع رغماً عنهم!"
وهكذا وجدت نفسها في اليوم التالي تتجه مع مَوَدَّة وعَمَّار لتتفحص إحدى الشقق الفاخرة التي سيبدأ عَمَّار بتأثيثها كمكتباً للترجمة مُستعيناً بخبرتها اللغوية وبخبرة مَوَدَّة في إدارة الأعمال..
وقفت تتأمل الجدران والأركان بينما يطالعها الاثنان بفضول وحماس، ورغماً عنها سألت بدهشة:
_لِمَ كل الطلاء باللون الأزرق عَمَّار؟! ألم تفكر في طلاء بعضهم بأي لون آخر؟!
ثم سكتت مفكرة قليلاً وقالت فجأة:
_لا أدري، ربما الرمادي مثلاً؟
وقفزة عَمَّار المجفلة تزامنت مع ضحكة مَوَدَّة العالية التي بترتها فوراً حينما لمحت التهديد بعينيه، وبينما رهف تنقل نظراتها بينهما بفضول بادرتها مَوَدَّة:
_نصيحتي لكِ رهف، لا تأتي على ذكر اللون الرمادي أمام أخيك لأنه يعاني بعض الحساسية الزائدة منه!
فترد رهف بنفس الدهشة:
_وما علاقة ذلك بتفاصيل حياته الزرقاء كلها؟! ملابس زرقاء، سيارة زرقاء، حتى ابنك المسكين ألعابه كلها زرقاء، أشعر أننا نعيش داخل غواصة أو ما شابه!
هنا أسرع عَمَّار ينفي اتهاماً لم تقصده رهف مطلقاً:
_أنا أبداً لم أجبره على اختيار أيا من ألعابه، هو من يحب اللون مثلي..
احتل القلق عينيه ثم استدرك عازماً:
_ لكن أنتِ مُحقة، ربما يجب أن أحذر من إرغامي له على أي شيء.
نظرت رهف لمَوَدَّة بتساؤل فأشارت لها الأخيرة بألا تهتم ثم سألتها:
_إذن ما رأيك رهف؟ هل نبدأ بتجهيز ذلك المكان؟ بالطبع بعد أن نُعيد طلائه بشكل لائق؟
هنا تلجلجت رهف وهي تُمسد على ذراعها اليسرى التي بدأت تعود لحركتها:
_أنا.. أنا لا أعرف، ربما تلك الخطوة لازالت مبكرة بعض الشيء، أخشى أن أفسد الأمر.
تململت مَوَدَّة وهي تهتف بحنق:
_يا إلهي! ستُصيبينني بالجلطة يا فتاة!
بينما اقترب منها عَمَّار مُشدداً على ذراعيها بيديه الاثنتين وهو يُحدق بعينيها هاتفاً بهدوء شابته الصرامة:
_لا رهف! أنتِ لن تُفسدي شيئاً، أنا أثق بكِ، وأثق بقدراتك، أنتِ أختى وبالتأكيد هناك تشابه ما بيننا، ربما نستسلم لفترة طويلة لكننا ننهض في النهاية مُثبتين لأنفسنا قبل غيرنا أننا لسنا بذلك الضعف.
تعلَّقت عيناها به باحتياج واضح ليتابع مبتسماً:
_ نحتاج لدافع فقط، دافع يُحركنا إلى استقامة حياتنا.
ثم نظر إلى مَوَدَّة بعشق مُضيفاً:
_وأنا قد وجدت دافعي منذ زمن، أعلم أنني تأخرت كثيراً حتى أدركته، فلا أريدك أن تتأخري ثم تندمي مثلي.
توردت وجنتا مَوَدَّة وهي لا تستطيع إبعاد عينيها عنه، فنقلت رهف أنظارها بينهما بحرج، عندما نظر لها عَمَّار مرة أخرى جاذباً إياها بين أحضانه..
ذلك الحُضن!
الحُضن الذي لم تشبع منه طوال الأيام الفائتة؛
الحُضن الذي يشعرها براحة لم تكن لتتخيل أبداً وجودها؛
الحُضن الذي اكتشفت أنه هو ما كانت تسعى إليه منذ زمن؛
ليس مجرد حُضن أخ..
إنه حُضن أب لم يوجد أبداً بحياتها..
حُضن آمن يقيها كل المساوىء خارجه..
ضمته بحنان مماثل ثم رفعت رأسها مبتسمة وقالت بامتنان:
_شكراً عَمَّار!
وانتزعت نفسها قبل أن تنطلق دمعاتها المتأثرة وهي تنظر لمَوَدَّة التي لازالت متوردة الوجنتين، وابتعدت خطوتين هاتفة بمرح:
_سأتجول بالمكان، وأعتقد أنني سأغير بعض الطلاء فعلاً.
وبنبرة شقية خاطبت عَمَّار غامزة:
_ربما أضيف بعض اللون العسلي!
ابتسم عَمَّار بمكر عندما انطلقت هي إلى الداخل تاركة مَوَدَّة متسعة العينين بحرج وتتظاهر بتأمل بعض الجدران الخالية من أي شيء يستحق التأمل بالفعل!
بينما اقترب هو ووقف خلفها تماماً متسائلاً بخفوت:
_تُرى لِمَ اللون العسلي بالتحديد مَوَدَّتِي؟!
أغمضت عينيها تتشبع بلفظة التملك التي أصبح يناديها بها طوال الوقت، حينما أردف بهمس:
_أنا لم أخبر أحداً أنني أحب ذلك اللون أيضاً.
لازالت محدقة بالجدار ولا تجد رداً ليتابع بنفس الهمس:
_متى ستحين لي الفرصة بالغرق بهما؟
عندئذٍ استدارت لتقع عيناها داخل عينيه تماماً متسائلة بارتباك:
_م..ماذا تعني؟!
وإجابته لم تكن بالكلمات..
إجابته كانت لطالما انتظرتها وانتظرها..
إجابته كانت قُبلة!!
قُبلة لطالما تمنى أن تسمح له بها وخاف من ردة فعلها..
لكن صبره الذي ولّى هارباً لم يدع له فرصة للانتظار أكثر..
وهكذا ..
احتضنها واحتضنته؛
تنفسها وتنفسته؛
غرق بها وغرقت به!
وحينما تراجعت بعد لحظات هَمَس لها:
_يا إلهي! لكم أحبك مَوَدَّة! لكم أتمنى تلك البداية الجديدة معك، هلا وافقتِ؟!
انتشر التورُّد بوجهها وهي تومىء برأسها إيجاباً بلا تركيز ثم ابتعدت بصعوبة حينما سمعت صوت خطوات رهف المقبلة فعادت مرتبكة متخبطة لتحديقها بالجدار الخالي..
وكان ذلك اليوم هو البداية الحقيقية لهما؛
بداية جديدة لحب متوازن بينهما؛
بداية واعدة ماحية ما قبلها من جراح.
..........
خرجت رهف من ذكرياتها بزيارتها لمقر عملها الجديد أول مرة على عبارة إياد المُتحَمسة:
_لا! ليست مكيدة، هناك من ينتظرك بالخارج وقد أرسلتني أمي كي أوقِظك.
عقدت رهف حاجبيها بدهشة متسائلة:
_من ينتظرني؟!
وفي الخارج:
تطلعت إلى فتاة رقيقة الملامح تصغرها بسنوات قليلة و تجلس بجوار مَوَدَّة رامقة إياها بترقب ومبتسمة بارتباك ثم وقفت تتقدم تجاهها قائلة برقة:
_مرحباً رهف، أنا تغريد، أختك الصغرى!
**********
نظرت إليها سما بصمت تام ثم هتفت فجأة بها:
_ولِمَ لا تعاودي الاتصال بها؟ لقد مرت أربعة أشهر يا سارة، كما أنكِ لم ترضِ أبدا عما حدث!
بادلتها سارة النظر باستهجان شديد ثم صاحت بنزق:
_أتمزحين معي سما؟ أنا آخر شخص يمكن له التواصل معها.
هزت سما كتفيها بلا اهتمام:
_ لا أظن ذلك، أنتِ سارة، من ظلمها هو ساري، لستِ أنت، لذا لا أعتقد أنها سترفض التحدث معك، فقبل ما حدث كنتما قد أصبحتما مقربتين خلال فترة قصيرة للغاية.
ردت سارة بضيق :
_لكنني أخته سما، أخته، أخت من ظلمها، كيف سترحب بي ثانية؟
عقدت سما حاجبيها بدهشة وهي تهتف:
_وهل أخبرتك أنها ستطير فرحاً بمقابلتك؟! بالطبع هي لا تطيقك وربما تدعو الله أن ينتقم منكِ ومن كل من ابتسم يوماً في وجه أخيكِ النبيه.
انعقد حاجبا سارة بغيظ وهي تهُم بجذبها من حجابها، لكن سما تابعت بتشديد:
_ وهذا لا يعني أن تتوقفي عن المحاولة، تقصي عن مكان أخيها واذهبي إليها، ربما الأشهر التي مرت قد هدأت من حدة غضبها قليلاً.
بان التردد على سارة حتى هتفت سما بحماس:
_أتعلمين؟! ربما بإمكانك الاستعانة بذلك الطبيب الذي هَشَّم نظاراتك، ألم يكن يقربها؟
ضحكت سارة ثم قالت ساخرة:
_الدكتور حمزة؟! أجزم أنه لو رآني بأي مكان صدفة لقتلني! أنتِ لم تكوني معي عندما ذهبت إليه بعد ما حدث بيومين.
بهدوء سألتها سما:
_وهل تلومينه؟
هزت سارة رأسها رفضاً تجيبها بشرود:
_بالطبع لا.
وقبل أن ترد سما ارتفعت طرقات على الباب ثم دخل عاصم مُحدقاً في أحد الملفات:
_سارة، أريدك أن تقابلي مندوب شركة الـ...
بتر عبارته وهو يرفع رأسه ثم هتف:
_سما! متى جئتِ؟
ردت عليه بابتسامة نادراً ما تهديه إياها:
_لقد وصلت لتوي، كيف حالك عاصم؟
جلس على المقعد المقابل لها مبتسما باستغراب:
_بخير حمداً لله، ماذا تفعلين هنا؟ لِمَ لم تأتي إلى مكتبي؟
هتفت سارة ببرود قبل أن ترد سما:
_هي ليست هنا كخطيبتك، هي هنا كصديقتي، أهناك ما يمنع زيارتها لي؟
نظر لها عاصم بدهشة شديدة ثم رد:
_لماذا أنتِ منزعجة هكذا؟، لقد سألت سؤالاً عادياً.
أهدته نظرة ممتعضة فمنحها المثل مغمغماً:
_أنتِ وأخوكِ أصبحتما لا تُطاقان بالفعل، وأنا أعتبر نفسي أُكفِّر عن ذنوبي كلها بالتعامل معكما.
بدأ الشجار المعتاد بينهما فأخذت سما تتأملهما، أو.. بالأحرى تتأمله!
لا تفهم ما الذي يحدث لها بالتحديد، فعاصم بالنسبة إليها لم يكن أكثر من شخص ظهر بحياتها مؤخراً لينتزع منها أهم شخص لديها وهي ليست باستطاعتها منعه..
لقد اعتادت على معاملته بجفاء ولم تبخل أبداً في إظهار عدائيتها تجاهه، حتى خطبتهما المزيفة كانت تثير أعصابها في البدء، ولكن...
موقفه بعد فعلة صديقه وإحساسه بالذنب واستماعها صدفة لحديثه مع أمه عن معاناة أسرة ساري ومساعدته له تسببوا في تغيير شعورها تجاهه.
هو لم يتعمد المشاركة في ظلم الفتاة؛
لكنه لم يُبدِ تقاعساً في مساعدة صديقه الذي ظُلِم؛
وبالرغم من غضبها الواضح من ساري والذي تُظهره بصراحة فور سماع اسمه من سارة، إلا أن رؤيتها لعاصم نفسه تغيرت تماماً؛
لقد اكتشفت أنه حنون جداً ومهتم جداً بكل من حوله، حتى أنه أحضر أخته الصغيرة معه مرة ورأت كيف يرضخ لطلباتها ويُدللها، كما أنه يخاف على أمه بشدة ويعتني بها، وقد حرِص على اصطحابها لإجراء فحص طبي شامل منذ شهرين، لكن..
لكنها لم تتحدث معه منذ أشهر أكثر من بضعة تحيات عادية، لم يُصادف حضوره لزيارة أمه وجودها إلا مرات تُعَد على أصابع اليد الواحدة، وكأنه.. وكأنه يتعمد الحضور أثناء دوامها بالعمل!
يزعجها هذا الخاطر وترفضه بشدة ولا تعرف السبب ولا تريد أن تعرف مطلقاً!
لكن.. أمن الوارد أنه لا يُحبذ رفقتها؟
وهل يبحث عن فرصة للتخلص منها؟
"لماذا عبستِ؟"
نظرت إلى سارة باستغراب ثم نقلت انظارها إلى عاصم الذي يتفحصها بتدقيق، فهتفت على الفور دون تفكير:
_أريد التحدث معك عاصم!
توترت ملامحه لوهلة ثم انفرجت أساريره فجأة بترحيب ملحوظ وهو يستقيم واقفاً قائلاً ببشاشة:
_انتظريني نصف ساعة فقط مع تلك المُزعجة حتى أُنهي أعمالي ونتحدث كما تشائين.
أومأت برأسها إيجاباً فخرج هو من مكتب سارة التي بادرتها بتدقيق:
_وضعكما غريب ولا يعجبني!
تظاهرت سما بعدم الفهم وهي ترد:
_ماذا تقصدين؟
اندفعت سارة هاتفة:
_أقصد أنكما اضُطررتما إلى التظاهر بالخطبة، لكنها مازالت مستمرة، ليست حقيقية ولا تنتهي، ما هذا العبث؟!
استولى عليها الضيق وظهر قوياً على وجهها وهي تشرد للحظات ثم عَقَّبَت:
_أنتِ مُحقة سارة، إنه مجرد عبث!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 09:35 PM   #47

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل العاشر
أنهى صلاح صلاة الظهر وخرج من المسجد ليبدأ سكان الحي بتهنئته بحرارة، فاليوم زفاف ابنته، وبالرغم من أنها وأمها لا تستطيعان إخفاء فرحتهما، وبالرغم من أن خاطب ابنته يبدو دمث الأخلاق وكلا من وضعيه المادي والاجتماعي ممتازين فإنه يشعر بقلق شديد من أن تفتعل دينا المشكلات معه مثلما فعلت من قبل مع حمزة.
وها هو عندما يفكر به يجده أمامه، اقترب منه ببشاشته المعهودة مصافحاً إياه:
_كيف حالك عمي؟ مُبارك زفاف ابنتك.
سارا جنباً إلى جنب وبنبرة متحسرة لم يستطع إخفائها رد صلاح:
_بارك الله بك يا ولدي، العقبى لك!
عبست ملامح حمزة فوراً وهم بالرد عندما أدرك أنه إن فعل سيتفوه بما لا يليق، فلا يصِح أن يقل له:
"كيف وابنتك جعلتني أكره صنف النساء كله؟"
أو..
"لست مجنوناً كي أكررها فيقع حظي فيمن تماثل ابنتك!"
أو..
"أنا لازلت أستعيد سلامتي النفسية منذ الطلاق ولا أنوي الوقوع في ورطة أخرى!"
لذا فقد آثر الصمت والاكتفاء بابتسامة مجاملة، أتبعها بسؤال عابر:
_كيف حال رهف؟
انمحت نظرة صلاح المتحسرة على الفور لترتسم بدلاً منها أخرى سعيدة فخورة:
_لقد أصبحت تُدير مكتب الترجمة الذي يملكه أخوها، حينما زرتها آخر مرة شعرت أنها تخطت ما حدث تماماً، لقد رأيتها سعيدة ومرتاحة كما لم تكن من قبل على الإطلاق، يبدو أن أخاها وزوجته يعاملانها جيداً.
هز حمزة رأسه موافقاً ثم عقّب:
_لقد عَلِمت ذلك وقد زرت عَمَّار ببيته فعلاً، هو ليس مثل أبيه أبداً.
وعندما وصلا سوياً إلى بناية صلاح حياه مودعاً فرماه صلاح بنظرة متحسرة أخيرة ثم انصرف.
ارتفع رنين هاتف حمزة ليجد اسم زميله فرد مسرعاً:
_أحمد لقد انصرفت لتوي من المشفى، ولم أصل إلى المنزل بعد، ماذا تريد مني؟
وجاؤه صوت صديقه مازحاً:
_اهدأ يا رجل، لن أطلب منك العودة، لكن هناك فتاة كانت هنا الآن وسألت عنك، وأعتقد أنني قد رأيتها معك من قبل.
عقد حمزة حاجبيه بدهشة متسائلاً:
_أية فتاة؟
أجابه صديقة بعد لحظات حاول فيها تذكر اسمها:
_سارة..سارة صبري رشوان!
**********
توتر متبادل وارتباك جليّ، فكرت رهف في افتتاحية للحوار بينهما فلم تجد سوى:
_كيف حالك؟
وتوتر الأخرى زاد أكثر وهي تُشبِّك أصابعها ثم ابتسمت مُجيبة:
_الحمد لله، كيف حالك أنتِ؟
هَزَّت رهف رأسها بابتسامة كانت مفتاحاً للصمت مرة أخرى..
لكن وصول عَمَّار كان نهاية لذلك الوضع، حيث هَبَّت كلتاهما إليه فاحتضنهما مُهللاً:
_ما هذا اليوم الجميل؟! حبيبتاي هنا معي وببيتي؟!
وكزته تغريد في إحدى كتفيه وهي تصيح به حانقة بافتعال:
_أنا أصلا لم آتِ من أجلك وأخاصِمك، لم أعد أرك عَمَّار، لم نتقابل الأسبوع الماضي كله، لذا فأنا لا أتحدث معك.
شعرت رهف بالذنب وهي تُدرك أنها قد قامت بالاستيلاء على حنان عَمَّار وحدها بينما شقيقته الصغرى تفتقده، إلا أنه سرعان ما أولى تغريد اهتمامه كاملاً وهو يعتذر:
_آسف حبيبتي، لقد انشغلت تماماً في افتتاح العيادة خاصتي فلم أستطع رؤيتك طوال الأسبوع، ثم وصل خالد ابن عم مَوَدَّة من السفر فانشغلت باستقباله والتأكد من استقراره، لكنني سأعوضك بنزهة بدلاً من ذلك، هيا اختاري إلى أين تريدين الذهاب؟
قفزت تغريد بلهفة هاتفة:
_مدينة الألعاب!
صرخ إياد مؤيداً عمته:
_نعم أبي، نريد الذهاب إلى مدينة الألعاب!
صاح عَمَّار بأعلى صوته:
_مَوَدَّتي! ما رأيك؟
وصله صياحها المماثل من الداخل:
_موافقة حبيبي!
هنا التفت إلى رهف التي تنقل نظراتها بين ثلاثتهم بابتسامة مندهشة:
_ما رأيك رهف؟
هزت كتفيها بتوتر مُجيبة إياه:
_أنا لا أعلم.. أقصد..
قاطعتها تغريد بضحكة:
_لا تقولي أنكِ تخافين ركوب الألعاب!
عضت رهف على شفتيها بحرج وهَمَّت بالرد حينما خرجت مَوَدَّة من الداخل قائلة برجاء مُفتَعَل:
_هذا هو نوع الخوف الوحيد المسموح لكِ به رهف، أجيبي بنعم كي أجد من تشاركني الاهتمام بالحقائب!
ترك عَمَّار أختيه واتجه إليها مُقبلا وجنتيها بحب هامساً:
_اشتقتُ إليكِ!
وكان ردها الهامس بعينين مبتسمتين:
_وأنا أيضاً!
لكنه التفت على صياح إياد المعترض:
_أهذا يعني أننا لن نذهب إلى مدينة الألعاب؟
وبدلاً من أن يجيب ابنه نظر إلى رهف متسائلاً:
_أتخافين ركوب الألعاب حقاً يا رهف؟
اختلست رهف نظرات مُحرجة إلى إياد وتغريد اللذين ينظران إليها بفضول ثم ردت بصوت خافت:
_أنا لم أقل أنني أخاف، لكنني لا أعرف ذلك الشعور، لم أجرب ركوب واحدة من قبل.
انقض الألم على ملامح عَمَّار فوراً وهو يدرك وجهاً آخر من الحرمان الذي عانته صغيرته بطفولتها؛
كل يوم يكتشف أنها ربما لم تعِش تلك المرحلة يوماً، وحتى عندما كبرت لم تعِش حياة طبيعية، ليس لديها أصدقاء، ليس لديها ذكريات جميلة..
ولم تذهب إلى مدينة الألعاب!
افتعلت مَوَدَّة لهجة تحذيرية ممتعضة وهي تهتف بها:
_استعدي إذن للكثير من الهلع والصراخ وتقطع الأنفاس، وسألتزم أنا صاغرة بالحقائب.
حاولت رهف بِجِدِّيَّة لملمة ابتسامتها المتشوقة فلم تستطع، الحماس يبدو جليّاً على وجهها ربما أكثر من تغريد وإياد نفسهما، إلا أنها ردت بالكلمتين اللتين اعتادتهما ورددتهما مراراً مؤخراً:
_شكرا عَمَّار!
وابتسامته الحنونة ثم قبلته على جبهتها دائماً ما كانا الرد، ثم جذب زوجته هامساً بخبث:
_عن أي حقائب تتحدثين حبيبتي؟ وأنا سأجهز لكِ جولة ببيت الرعب!
شهقت مَوَدَّة وهي ترمقه شزراً لكنه شدَّها مبتعداً إلى الداخل قائلاً:
_ولنبدأ بالتدريب بدءاً من الآن!
لم تنتبه إليهما أختاه، بينما قامت تغريد بالجلوس إلى جوار رهف لِتُرتبا معاً إجراءات النزهة المُقبلة بكل حماس، وجدت الأخيرة نفسها تبادلها إياه بالتدريج.
**********
سارت سما إلى جواره محاولة ترتيب حديثها القادم بذهنها قبل التفوه به، ولأول مرة ينتابها القلق والخوف عِوضاً عن شجاعتها المعتادة، لكنها الآن حينما تختلس النظر إليه تشعر أيضاً بارتباك غريب...
"ما رأيك بالأسماك؟"
نظرت له سما بدهشة حينما ألقى سؤاله وهو يقف أمام سيارته، انتظرت استئنافاً للاستفهام الغريب، فلما لم تجد أجابته بِحَذَر:
_كائنات لطيفة؟!
ضيق عينيه للحظات ثم انفجر ضاحكاً، وعلى الرغم من أن ضحكاته لطالما استفزتها إلا أنها في تلك اللحظة تجدها..مُمتعة!
وعندما انتهى أخيراً نظر لها ببشاشة قائلاً:
_أنا أسألك عن تناول الأسماك على الغداء، ما رأيك؟
نفضت رأسها تنهر شرودها الذي يتزايد في حضوره بدون مبرر ثم ردت:
_لا! شكراً أنا سأتناول الطعام مع أمي.
نظر إليها مدققاً مستغرباً، متسائلاً..
ألا يجب عليه الشعور بالغيرة من مناداتها لأمه هو بذلك اللقب؟!
ألا ينزعج مطلقاً؟!
لا! لا يُفكر بتلك الطريقة..
متأكد هو من حبها الشديد لأمه واهتمامها بها.
كما هو متأكد أيضاً من أنه لو لم تكن سما هي من تقيم مع أمه لم يكن ليتركها بعيدة عنه أبداً، فكلما قرر الضغط على أمه كي تعيش معه وجد نفسه تلقائياً يفكر في سما..
أيتركها وحدها؟
أيأخذ منها أمه.. وأمها؟
لتأتيه الإجابة طواعية بـ.. لا!
_لقد علمت أن أمي ستتناول الغداء مع جارتها، لذا ليس لديكِ حُجة!
قالها ببساطة فنظرت له بارتباك ثم قالت:
_أنا لا أتحجج، أنا فقط لم أعتد تناول الطعام دونها.
حدّق بعينيها متحدثاً بنبرة هادئة:
_اعتادي إذن، ثم إنها المرة الأولى حيث أقوم بدعوتك إلى الطعام، حتى لا تتهمينني بالبُخل.
ابتسمت برقة وهي تجيبه:
_ولكنني لم أتهمك بالبُخل مطلقاً.
اتسعت عيناه بدهشة فسألته متوجسة:
_ماذا حدث؟
لتأتيها إجابته وهو يتفحصها أكثر:
_أتعلمين أنك ابتسمتِ اليوم مرتين؟!
ولما لم تفهم استدرك:
_أنتِ لا تبتسمين مطلقاً سما!
عبست فوراً هاتفة باعتراض:
_وهل هناك إنسان لا يبتسم؟ ربما أنت من كنت تغيظني وتستفزني طوال الوقت فلا أجد فرصة للابتسام.
اقترب مرة أخرى، ومُحدقاً مرة أخرى، وقائلاً بنبرة خافتة:
_وهل اشتقتِ إلى استفزازي أم ماذا؟
توردت وجنتاها وهي تتهرب من عينيه بدون رد فتابع بابتسامة واسعة:
_أوتخجلين أيضاً؟!
هنا رمقته بنزق معترضة:
_ماذا تعني؟! أولست فتاة ومن الطبيعي أن أشعر بالخجل؟!
ليجد نفسه يرد بتلقائية:
_بل أجمل فتاة شهدتها عيناي يوماً!
تعالت نبضات قلبها بطريقة أنذرتها بالخطر، وعندما ازداد توترها وهربت منها الكلمات سألته بحنق:
_هل سنظل هنا؟ أريد أن أعود إلى البيت.
اتسعت ابتسامته وهو يفتح الباب الجانبي لسيارته:
_تفضلي سما، سنتناول طعام الغداء سوياً أولا، وستخبريني بما أردتِ ثم سأعود معِك لأرى أمي.
..........
وبعد أن أنهيا طعامهما جلس منتظراً إياها البدء بالحديث، لكن وجهها الذي ظهر عليه التوتر الشديد أثار انتباهه فبادرها متسائلاً باهتمام:
_ماذا بكِ سما؟ لِمَاذا يبدو عليكِ القلق بهذا الشكل؟
فهتفت به مرة واحدة وكأنها تريد التخلص من عبء ثقيل، أو كأنها تنتظر نتيجة ما بمنتهى التوتر:
_أريد أن أعرف ما هي نهاية وضعنا يا عاصم!
نظر لها بدهشة شديدة ثم سألها:
_أي وضع؟ هل تقصدين أمي؟! أنا اعتقدت أنكِ لا تريدين لها الانتقال معي، لكن إن أردتِ أن...
قاطعته بغضب:
_أمي لن تتركني عاصم، يجب أن تدرك ذلك جيداً!
ظلت دهشته قائمة مختلطة بسعادة غريبة، لكنها لم تلاحظ ذلك وهي تتابع بــــ:
توتر أشد؛
وجنتين متوردتين؛
وخوف واضح!
_كنت أعني.. وضعنا أنا وأنت.. أقصد..
فقاطعها بهدوء:
_تقصدين خطبتنا؟
أومأت برأسها بسرعة إيجاباً وعيناها متعلقتان به فتابع بعد برهة:
_أعلم أن تلك الخطبة طالت، أتريديننا أن ننهيها؟
وذعرها فاجأها، كما فاجأه امتقاع وجهها، وكما فاجأه أيضاً رفضه هو نفسه للعبارة بمجرد أن ألقاها..
لقد فكر كثيراً في إنهاء ذلك الارتباط الصوري بعد أن حقق هدفه بتأكد الجميع منه، لكنه في كل مرة يقرر إنهائه يتراجع؛
كل مرة يحاول التحدث معها لمعرفة رأيها يتخاذل؛
حتى أنه أصبح يتعمد الذهاب إلى أمه أثناء وجودها بالعمل كي لا يضطر لمناقشة ذلك الأمر معها.
والآن هو ينظر إليها وينتظر ردها بقلق شديد، وبعدم رغبة في التفكير باحتمالية انفصالهما..
وهذا ما يثير جنونه!
إنها سما! الفتاة التي منذ أن قابلها تشاجر معها كلما سنحت له الفرصة؛
وهي سما! الفتاة التي تعتني بأمه بمنتهى التفاني والحب والإخلاص؛
هي سما! الفتاة التي هددته بسكين وأظهرت له بكل وضوح أنها لا تطيقه وأنها لن تترك له أمها..أمه!
وهي أيضاً سما! الفتاة التي جعلته يواجه نفسه وصحة موقفه مم فعل صديقه بحبيبته؛
وأخيراً هي سما! الفتاة التي لولاها لما كان الآن ينعم بوجود أمه بحياته في الأصل!
زفر بضيق شديد وهو يدرك الآن أنها لو أجابت بــ نعم، لو طلبت منه الانفصال، لو طلبت منه إنهاء تلك العلاقة الزائفة سيشعر بعدم رضى..
فقط؟!
سيحزن..
فقط؟!
سيشتاق..
فقط؟!
بل سيرفض!!!
"ما رأيك سما؟"
والسؤال خرج منه عصبياً نَزِقَاً، وقبل أن تجيبه أتبعه بسؤال ثانِ لا يعلم لِمَ نَبَتَ بعقله الآن:
_هل كنتِ تحبينه؟
واستطاع بسؤاله اختطافها من حالة التوتر ليجعلها تنظر له بدهشة مُعقِّبة:
_عفوا؟!
ليكرر بنفاد صبر واضح:
_خطيبك السابق، ذلك الــ"كازانوفا"، أكنتِ تحبينه؟
وإجابتها الأولى كانت نظرة مندهشة، وتوتر، فَعُقدة حاجبين، ثم أخيراً نطقت:
_لم أحبه، لم أكرهه، اعتقدت أنه مناسباً ليس أكثر.
والإجابة جعلته رغماً عنه يزفر براحة، ثم يسألها متوجساً:
_ألم تشعري بالاشتياق إليه؟
هزت رأسها رفضاً مُجيبة بهدوء:
_إطلاقاً، حتى عندما اكتشفت تلاعبه بالفتيات تضايقت من أجلهن، لكنني ثُرت من أجل كرامتي فقط.
مال عاصم على الطاولة بينهما متسائلاً بخفوت:
_أتعنين أنه لم يصل إلى قلبك مُطلقاً؟
هزت رأسها نفياً على الفور فَعَلَّق متأملاً إياها:
_كان سيء الحظ إذن!
وتورُّد وجنتيها زاد، وتهرُّب عينيها واضح..
أحقاً تخجلين يا سما؟!
واتسعت ابتسامته وهو يلقي عليها العبارة الأغرب:
_أتعلمين أننا لا نرتدي حلقات حتى الآن؟!
نظرت له باستهجان ثم ردت:
_لقد لاحظت ذلك بالفعل!
ليدقق أكثر بعينيها قائلاً:
_إذن ما رأيك؟
عقدت حاجبيها بدهشة متسائلة:
_في أي شيء؟
بمنتهى البساطة رد:
_نبتاع شبكة تليق بكِ، ونبحث لكِ عن فستان أنيق وحذاء ذي كعب يرتفع لعشرين سنتيمتراً على الأقل، وبِزَّة رسمية تُظهر وسامتي، ثم يعلم الجميع بارتباطنا رسمياً.
نظرت له باستهجان ثم صاحت:
_يا رجل أنا أريد حلا حاسماً لميوعة تلك الخطبة، فتقترح أنت أن تجعلها رسمية؟
نظر إليها بغيظ شديد ثم زفر مستغفراً وَرَدّ:
_يا سما افهمي ما أعني، إذا ارتدينا الحلقات سنكون مخطوبان بالفعل.
هتفت به بحنق:
_لا حول ولا قوة إلا بالله! لقد فاجأتني حقاً، بِمَ سيفيدنا ذلك إذا كان الوضع بأكمله مُزيف؟
اتسعت عيناه وهو يستشعر مدى غبائها بينما تابعت هي بنفس الحنق:
_إذا نفذنا فكرتك العبقرية سنضطر لإطالة مدة تلك الخطبة الــ......
ليقاطعها صائحاً بغضب:
_أتتزوجينني سما؟!
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 09:36 PM   #48

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل العاشر
بكل غضبه وغيظه وشراسته دخل شديد إلى الفيلا صائحاً بأعلى صوته:
"نهال!"
هبطت زوجته الدرجات مسرعة تهتف بقلق:
_ماذا بك يا شديد؟ لِمَ تصرخ بهذا الشكل؟
وقف أمامها والغضب يتقافز على وجهه متابعاً صياحه:
_أين هي ابنتك يا نهال؟ أتعلمين بمكانها الآن؟
نظرت له بقلق ثم أجابته متوترة:
_لقد أخبرتني أنها ستذهب لزيارة عَمَّار.
اتسعت عيناه بصدمة ثم صرخ:
_هذا يعني أن ما أخبرني به الحارس الخاص حقيقي، لقد تركتِ ابنتك تذهب إلى اللقيطة التي يأويها ابنك الغبي في بيته!
حدقت نهال به بغيظ ثم أجابته بتحدي:
_تغريد ذهبت إلى شقيقها يا شديد، وأنا لن أستطيع منعها عن ذلك، أما عن تلك اللقيطة فهي خطأك أنت في الأساس عندما قمت بخيانتي وتزوجت عرفياً لتنتج عنه تلك الثمرة التي خَرَّب ظهورها حياتنا وجعل ابني ينفصل عنا.
احتدت عيناه فتابعت بامتعاض:
_أنت حتى لم تتخلص منها واكتفيت بتهديد خالها فقط، بالضبط كما تركت ذلك الحقير الآخر بالرغم من أنه كان طفلاً ومن السهل التخلص منه حينها!
وها هي قد ضغطت على أكثر ما يثير غضبه منذ أشهر.. وبالتحديد منذ ذلك الزفاف اللعين!
ما إن خرج من تلك القاعة حتى هَمَّ بتدبير حادث لذلك الذي تجاسر على فضحه، لكن نصيحة مساعده له بالتريث هي من جعلته يؤجل عَزْمه؛
ثم قام بالبحث بدوره؛
ليكتشف أن ذلك الطفل الذي دعس وجهه بحذائه وجَلَدُه بِسَوْطه يوماً لم يعد من السهل الإضرار به!
فهو الآن مهندس معروف في مجاله، وما قام به أيضاً بالحفل معروف للجميع...
لِذا فأي مصيبة يتعرض لها ستتجه أصابع الاتهام على الفور إليه شخصياً، حتى وإن كان بريئاً منها!
ويا للسخرية! الآن يتمنى ألا يحدث له مكروه كي لا يُدان هو!
_كان بإمكانك محو تلك الأخطاء جميعها بعدة طرق لكنك لم تفعل، والآن نحن من تم فضحنا بين الناس بسبب خطئين تركتهما ينموان طوال سنوات بدون اقتلاعهما من جذورهما مرة واحدة.
والتقريع الذي صدح به صوت زوجته لاقى صداه بداخله، فهذا هو ما يندم عليه حتى الآن، لو كان انتظر قليلاً بعدما حرره من القبو ثم دَبَّر له أي حادث لِما حدث له كل ذلك، ولِما التهى منذ أشهر في محاولة ترميم فداحات خساراته المتتالية بعد ذلك الحفل!
نظر لها بغيظ مماثل هاتفاً:
_أتعتقدين أنني لم أفكر بتلك الحلول مع كليهما؟ أخبريني إذن ماذا كنتِ ستفعلين إن تخلصت منهما كل في وقته؟ ماذا كنتِ ستفعلين إن تم اكتشاف الأمر؟ هل كان خالها سيصمت؟ هل كانت أمه ستصمت؟ أنا من اكتفيت بتحذيرهما كي لا تهتز تلك المكانة الاجتماعية التي تتنعمين بها، والمظهر العام الذي تلهثين خلفه، بينما ابنك الساذج يعاند مثل الثور ويتمسك بالفتاة وابنتك يبدو أنها ستلحقه، بينما نحن وحدنا من نتعرض للخطر.
توترت ملامح نهال ثم سألته:
_ماذا تقصد؟
صاح شديد بغضب:
_أقصد أنه ومنذ ذلك الزفاف اللعين مصانعي في انهيار، أكثر من تاجر فض اتفاقاته معي، أكثر من معرض أثاث أرسلوا لي اعتذاراتهم على التعامل مع مصانعي، وأخشى أن يأتي اليوم الذي سنشعل فيه النيران بالأخشاب كي نحصل على بعض التدفئة!
اتسعت عيناها بذعر واضح بينما تابع هو بغضب أشد:
_كل ما تعبت به وعملت من أجله طوال سنوات سينهار في شهور قليلة بسبب ابنك الغبي وتلك اللقيطة وذلك الذي عاد إليّ من الماضي على هيئة كارثة محققة!
ثم تابع ساخطاً:
_وبالمناسبة! أخبري ابنك أن يكف عن البحث خلف شهود عقد الزواج العرفي، لأنه لن يجدهم، وهو لم يكف منذ وقعت تلك الفضيحة عن إجراء تحرياته عنهم، فليتوقف عن النبش خلف تلك القصة حتى لا أؤذيه حقاً!
بصوت متحشرج عَقَّبَت :
_إذن ماذا سنفعل يا شديد؟
وإجابته على سؤالها كانت نظرة صامتة حائرة أرعبتها شخصياً!
**********
أتتزوجينني سما؟!""
نظرت له ببلاهة للحظات فتابع مسرعاً:
_وأقصد بالزواج أن يكون حقيقياً وفعلياً.
ارتفعت دقات قلبها بسرعة ملحوظة بينما ظل هو محدقاً بها..
بتوتر وبارتباك وبقلق؛
بأمنية أخذت تنمو بداخله شيئا فشيئا؛
أن توافق؛
أن تمنحه رضاها؛
أما هي فقد ظلت متسمرة لا تستطيع الإتيان بأية ردة فعل على الإطلاق!
أهناك احتمال أن ما بدأت تشعر به تجاهه يوجد له صدى لديه هو؟!
أيعقل أنه أيضا يفكر بها طوال الوقت مثلما تفعل هي؟!
أيعقل أنه ينظر إليها الآن بعينين تتوسلان الموافقة على طلبه الصادم؟!
وانطلق سؤالها برغبة في معرفة إجابة حقيقية بدون سيطرة منها على لسانها:
_لماذا؟
نظر لها بلا فهم ثم سألها باستغراب:
_لماذا ماذا؟!
فأعادت سؤالها مُوضحاً:
_لماذا تريد الزواج مني أنا يا عاصم؟
اعتلى التوتر ملامحه وهو يدور بعينيه في جميع الأنحاء باحثا عن إجابة غير التي بدأت تظهر على استحياء بداخله، ثم عادت نظراته إليها مبتسماً برسمية قائلا:
_لأنني أريد الاستقرار وأستطيع تولي مسئولية بيت وأسرة.
ثم صمت فظلت صامتة بترقب، ولما لم يتابع حثته بأمل:
_ثم؟
توتر أكثر وهو يشعر وكأنه عاد إلى لجان الامتحانات بإجابات ناقصة، فارتجل سريعاً كي لا تهرب منه الدرجات:
_ثم إنكِ يا سما، فتاة مهذبة وبالرغم من سلاطة لسانك وعنفك معي فأنتِ طيبة، وأصيلة و...
هراء..
هراء...
هراء....
نظرت له بملل وهي تشعر أنها تقرأ أحد الإعلانات الصحفية حول الباحثين عن شريك حياة، فلا ينقصه سوى عبارتين:
"لأنكِ يا سما تُقدسين الحياة الزوجية، ولأنكِ يا سما تشاركين في الأثاث!"
ثم صمت فظلت صامتة بإحباط واضح، ولما لم يتابع حثته بخيبة أمل:
_ثم؟
لم تعد الدرجات العالية مطمحه، يكفيه فقط القبول، فما الذي يستطيع قوله ليمحي تلك النظرة الحزينة على وجهها؟!
وما عثر عليه لسانه _للأسف_ كان الأغبى على الإطلاق:
_إذا تزوجنا يا سما هكذا ستبقين مع أمي إلى الأبد!!
وانمحى الأمل مع خيبته، لتحل مكانه نظرة..
مستسلمة، ساخرة، متحسرة؛
وبتلك الحسرة وقفت ببطء قائلة:
_أشكرك عاصم على نُبل أخلاقك، لكن ليس بمخططاتي أن أتزوج من أجل الاستقرار مع أمي فقط، أو من أجل تحقيق أمنية أخرى فقط، وإذا قررت الزواج سوف أفعلها لأنني أريد الارتباط إلى الأبد بشخص معين يريدني أنا (سما محسن) بنفس القوة.
ثم مالت عليه محدقة بعينيه بألم لم تحاول مداراته متابعة:
_يريد سما سليطة اللسان ضئيلة القامة من أجله ومن أجلها، وليس لأنه وجدها بطريقه صدفة حينما شعر بوجوب استقراره.
ثم رفعت حقيبتها على إحدى كتفيها وهَمَّت بالانصراف فهب واقفا يهتف باضطراب:
_انتظري سما! إلى أين تذهبين؟!
وأولته ظهرها كي لا يرى التماع دموع الخيبة بعينيها وهي تجيب بخفوت:
_إذا أردت أن تذهب إلى أمي فافعل عاصم، أريد التمشية وحدي لبعض الوقت.
ولم تنتظر منه تعليقا، أو رفضا، أو رغبة بالمشاركة؛
فانصرفت وهو مكانه واقفا في إثرها محدقا..
بنفس الاستسلام؛
بنفس الخيبة؛
مع إضافة ندم هائل وشعور قوي بالحيرة والخسارة!!
**********
جلس حول إحدى الطاولات بقاعة الزفاف الفخمة مبتسماً يتظاهر بالفرحة وهو ينقل أنظاره بين زوجته التي لم تتوقف عن إطلاق الزغاريد لدقيقتين متواصلتين وابنته التي تتشبث بعريسها كأنه الهدية الأثمن على الإطلاق!
شرد بعقله في صور زفافها البسيط على حمزة منذ أكثر من ثلاثة سنوات ونصف والحسرة تتمكن منه ولا يستطيع التخلص منها أبدا.
يعلم جيداً أن كل شيء نصيب، لكن حمزة لم يكن له مجرد زوج ابنة، كان الابن الذي حرم نفسه منه بغباء لخوفه من تربية زوجته، صحيح أن علاقته بحمزة لم تنقطع بعد الطلاق ويشوبها الود والاحترام، لكنه لا يستطيع أن يتحدث معه على راحته عن كل ما يؤرقه من زوجته وابنته.
استغفر ربه زافراً بيأس وهو ينتقل بذاكرته إلى ذلك اليوم منذ أربعة أشهر عندما وضعه عَمَّار بقسوة أمام الصورة الحقيقية للمرأتين اللتين تعيشان معه والمفترض أنهما أقرب الناس إليه..
حقودتين؛
غادرتين؛
قاسيتين؛
كيف استطاعتا خيانته طوال تلك السنوات؟، كيف احتفظتا بدليل كان من الممكن أن يحُد من تأثير العار الملاحق لأخته وله ولابنتها من بعدها؟
ولماذا تمكن منهما الشر إلى تلك الدرجة؟
لشهور أخذ يبحث في ذاكرته عن مبرر قوي لفعلتهما الشنعاء فلم يجد..
هل دلل أخته؟
لا لم يفعل!
هل دلل ابنتها؟
لا لم يفعل!
هل أنصف رهف يوما على دينا؟
سخر من نفسه، لم تكن زوجته لتسمح بذلك أبداً..
بالطبع لا لم يفعل!
بل العكس ما كان يحدث طوال الوقت...
لقد كان يعلم بكم المسئوليات المُجحِفة التي تلقيها شروق على عاتق رهف وسكت؛
كان يعلم بأنها تضربها وتحبسها أحيانا وسكت؛
كان يعلم أن المصروف الشخصي لها حينما كانت طفلة بالمدرسة لم تحصل عليه فعلا إلا عدة مرات..
وأيضا سكت؛
ربما هنا يكمن الخطأ!!
لقد ظنِّ أن عن طريق سكوته على ظلمهما لرهف سوف يشعران بالملل أو حتى ببعض الشفقة ففضل عدم التدخل كي لا يزداد حقدهما عليها، لكن ذلك لم يحدث...
والنتيجة؟!
النتيجة أن اليتيمة التي نبذها أبيها ثم أمها اضطرت لتحمُّل طفولة قاسية داخل بيته ثم معاناة خارجه مع كل كل من يعلم بقصتها.
النتيجة أن الفتاة المستسلمة دوماً وثِقَت بإنسان واحد ورغِبت به وهو لم يقم بدوره بطريقة صحيحة ويسأل عنه قبل أن يتخلَّى عنها.
النتيجة أنها طُعنت غدراً من الجميع باستثناء أخيها الذي أرسله الله لها في صورة رحمة إلهية كي تتذوق القليل مما حُرِمت منه طوال حياتها.
الندم يُمزقه والحنين يقتات عليه، لو بيده إعادة الزمن لدافع عنها بكل ما أوتي من قوة ضد الجميع، وأولهم أمها وأبيها.
..........
ودَّت دينا لو وجدت أي طريقة تدعوها بها إلى حفل زفافها، تراها الآن بفستان أنيق بفندق فخم تجلس بجوار عريسها؛
وسيم كما ممثلي الأفلام؛
غني كما تجار الذهب؛
ذو هيبة كما أصحاب النفوذ؛
والحظ أخيراً ابتسم لها!
وسيتم زفافها في أبهى صورة مقارنة بما حدث في زفاف تلك اللقيطة.. وطلاقها!
اقتربت منها أمها تحتضنها وتُقبِّلها وهي تهمس في أذنها:
_أخيراً يا دينا! أخيراً ستعيشين الحياة التي تستحقينها! ستتنعمين في الثراء يا ابنتي، يبدو أن جميع أفراد عائلته من ذوي المراكز العالية، هنيئاً لقد اخترتِ بذكاء تلك المرة!
ابتسمت دينا بسعادة طاغية وهي تخاطبها:
_أكاد أطير من فرط سعادتي أمي، لا أصدق أنني وجدت من أحلم به وأكثر.
نظرت لها أمها بتحذير ثم همست:
_أخفضي صوتك وتدللي قليلاً كي لا يعاملك بغرور.
أومأت دينا بعينيها إيجاباً وهي تتابع تلقي التهاني من المدعوين الذين ينظرون لها على الأغلب بتعالي واستغراب..
العروس جميلة.. العريس وسيم؛
العروس لطيفة.. العريس لبِق؛
العروس ابنة موظف حكومي بسيط.. بينما العريس ابن صاحب عدة معارض سيارات!
نظرات دهِشة، مصمصة شفاه، ثرثرات هامسة، مقارنات بين الجديدة والاثنتين اللتين سبقتاها..
فالعروس سبق لها الزواج مرة.. بينما العريس سبق له الزواج مرتين!
**********
بمجرد خروجه من المشفى وجدها أمام البوابة الحديدية، فتصنع عدم رؤيتها وهم بالانصراف لكنها هتفت به بصوت عال:
_دكتور حمزة!
زفر متأففا وبقى مكانه دون الالتفات إليها، فاتجهت إليه حتى وقفت أمامه، ابتسمت بحرج وهي تلاحظ ضيقه الشديد، لكنها أجبرت نفسها على التحمل مُرحِّبة:
_كيف حالك دكتور حمزة؟
وبمنتهى الضيق أجابها:
_بخير، ماذا تريدين مني؟ لِمَ تلاحقينني؟!
بالرغم من توقعها لاستقبال مماثل فإنها نظرت له بدهشة ثم تساءلت:
_ألاحقك؟! أنا ألاحقك؟!
أومأ برأسه وهو يجيبها بلهجة ممتعضة:
_نعم، لقد أتيتِ بالأمس واليوم، ماذا تريدين ؟
تلجلجت بارتباك شديد ثم أجابته بخفوت:
_أنا.. أنا أردت الاطمئنان على رهف، فقد ذهبت إلى مركز الدورات الذي كانت ابنة خالتي تلتحق به وعلمت أنها لم تعد تعمل هناك، لذا جئت أسألك عنها.
مال برأسه تجاهها مُعَقِّبَاً بتشديد:
_بل طُرِدَت منه، طُرِدَت من عملها فوراً بعد فِعلة أخوكِ.
اتسعت عيناها بصدمة وتألم قلبها بشدة وهي تتساءل بداخلها: ترى بِمَ تسببت لحبيبتك أيضا يا ساري؟!
لكن حمزة لم يترك لها المجال للتفكير وهو يتابع ببسمة قصدها مُغيظة:
_لكن الحمد لله، لقد أكرمها الله بأخ حافظ عليها وعوضها عم أفسده بها أخوكِ، فإن كنتِ تعتقدين أنها منهارة تعاني الاكتئاب وتعتزل الجميع فأنتِ مخطئة، رهف الآن تدير مكتبا مرموقاً للترجمة، وقصتها مع أخيكِ قد نسيتها تماما.
ولاستغرابه وجدها تبتسم بفرحة شديدة هاتفة:
_أتعني أنها أفضل حالا الآن؟ أتعني أنني أستطيع التواصل معها؟
حدق بها وهو لا يفهم نيتها تجاه رهف، أليست أخت الرجل الذي دمرها؟!
ألا تريد الانتقام فيها مثله؟!
جذب انتباهه التوسل الواضح بعينيها وهي تسأله:
_أرجوك اخبرني عن مكان عملها الحالي، أو مكان إقامتها، لا أستطيع التحدث معها هاتفيا فهي لن تقبل بمحادثتي، أريد رؤيتها فقط لو سمحت.
هنا وجد نفسه يصيح بها بنزق:
_لماذا هذا الإصرار الشديد على رؤيتها؟ ماذا تريدين أكثر؟ ابتعدي عنها أنتِ وأخوكِ ودعوها تنسى معاناتها معه!
وقبل أن تفيق من صدمتها وترد وجدت من يقترب منهما، ضيقت عينيها تحاول تذكره حتى نجحت..
إنه زميله الذي سألته عنه بالأمس.
أمسك أحمد بذراع حمزة بدهشة متسائلاً:
_ماذا بك يا حمزة؟ لماذا تصيح بذلك الشكل؟
ثم التفت إلى سارة مبتسما بترحيب:
_مرحبا آنسة سارة، أرى أنكِ أخيراً استطعتِ مقابلته.
ابتسمت بمجاملة وهمَّت بالرد حينما صاح حمزة فجأة وهو ينظر لصديقه:
_أحمد!، بأي وقت تطلب الآنسة مقابلتي أخبرها بأنني غير موجود، معرفتي بها في الأصل كانت سطحية وانتهت تماماً.
نظر له صديقه بدهشة ثم نقل نظراته إليها وإلى الصدمة التي تعتلي ملامحها فشعر بالحرج من أجلها، حمحم بخشونة ثم استأذنهما بخفوت، فالتفت حمزة كي يتابع تعنيفه لها لكنها بادرته صارخة:
_اسمع يا هذا! أنا لا ألاحقك، لم أرغب منك سوى بمعرفة مكان رهف كي أقابلها هي، ولا أريد بها أي سوء، وما فعله ساري فاجئني وفاجأ أمي وعاصم وكلنا غاضبون منه حتى الآن بالرغم من عذابه الحالي، لكن رهف...
دمعت عيناها فجأة وهي تستأنف:
_رهف أنا أحببتها بشدة، وانتظرت بشوق كي تعيش معنا، رهف _بصرف النظر عن أنها كانت خطيبة أخي _ إلا أنها أيضاً كانت بالنسبة لي تعويضا عن "سلمى"، تعويضا عن الأخت التي فقدُتها قبل أن أراها، فلا يحق لك تخمين نواياي تجاهها.
ثم أردفت بصراخ أشد:
_ولا يحق لك مطلقاً إهانتي بهذا الشكل!
ثم مسحت وجهها وقالت بهدوء ظاهري:
_أنا آسفة بسبب"ملاحقتي" إياك دكتور حمزة، وأعدك أنها لن تتكرر مجدداً.
وبدون كلمة أخرى أولته ظهرها وانصرفت، أما هو فقد تسمر مكانه محدقاً بها، يستعيد كلماتها ودمعاتها ويشعر بذنب وندم هائلين..
عيناها كانتا صادقتين تماما؛
حُزنها كان صادقاً تماماً؛
والآن يشعر فجأة أنه كان قاسيا!
**********
"هل أنتِ بخير سارة؟"
ألقت سوسن سؤالها على ابنتها التي تنعزل بغرفتها منذ عودتها من الخارج على غير عادتها، فمسحت سارة دمعاتها بسرعة وهي تجيب أمها:
_نعم أمي، أنا بخير تماماً.
اقتربت سوسن منها تتفحص ملامحها فحاولت التهرب منها، لكن أمها فوراً علمت أن هناك خطباً ما، فسألتها بهدوء:
_ماذا تخفين عني سارة؟ ماذا حدث اليوم؟ هل ضايقك ساري بالعمل ثانية؟
لم ترد سارة فتابعت أمها بنبرة مُشفِقة:
_اعذريه ابنتي، لقد تبدّل تماماً وغضبه أصبح يجتاح الأخضر واليابس، عسى الله أن يهديه قريباً.
انفجرت سارة باكية بين أحضان أمها، فأخذت تربت عليها بحنان وهي تُرتِّل بعض الآيات القرآنية، حتى هدأت بعد عدة دقائق، ثم تحدثت تلقائيا بصوت باكِ:
_أنا لست حزينة بسبب ساري، أعلم أنه يحاول مداراة ألمه وحسرته واشتياقه عن طريق الغضب والعصبية، في الواقع_رغم ضيقي الشديد منه_ إلا أنني بدأت أشفق عليه، لقد علمت أنه يحبها منذ يوم الخطبة، لكنني لم أتصور أبداً أن يكون غارقاً فيها بذلك الشكل.
زفرت سوسن بتعب وهي تردد بخفوت:
_غرِق سارة، غرِق فيها وأغرقها معه ولا يستطيع العثور على سبيل نجاة!
عم الصمت للحظات حتى هتفت سارة بعصبية وهي تهب واقفة:
_لكن ذلك الغبي الآخر هو من أغضبني، كل ما طلبته أن أتواصل مع رهف، لِمَ يعتقد أنني سأؤذيها؟! هل أبدو كآكلة لحوم البشر؟!
سألتها سوسن بدهشة:
_أي غبي آخر؟!
ثم استدركت بعبوس:
_هل تشاجرتِ مع عاصم أيضاً؟
أشارت سارة بيدها بضيق ثم أجابتها:
_ليس ذلك أيضاً، بل قريب رهف، جارها الذي له صلة طيبة مع خالها.
ضاقت عينا سوسن بلا فهم فتابعت سارة بسأم:
_ الطبيب يا أمي الذي أخبرتك أنني ذهبت إليه بعد الزفاف كي أسأله عنها.
لحظات مرت وسوسن تحاول التذكر حتى انفرجت ملامحها أخيراً قائلة:
_نعم، لقد تذكرته، ماذا به؟ ماذا فعل؟
هتفت سارة بغيظ:
_لقد ذهبت إليه اسأله عنها بعد أن علمت أنها تركت المركز، والعبقري المتذاكي يعتقد أنني أريد الشماتة بها، يعتقد أنني سأفرح إن علمت بسوء حالها.
تمتمت سوسن بأسى:
_سامحك الله يا ساري!
ثم سألت ابنتها باهتمام:
_ألم يخبرك عن مكان إقامتها أو عملها الجديد؟
هزت سارة رأسها نفياً وهي تجلس على فراشها مرة أخرى باستسلام:
_لا أمي، لكن هي تعيش مع أخيها الآن، أو هو يعلم مكانها على أقل تقدير.
ثم ابتسمت بحماس:
_أتعلمين؟ لقد أخبرني أنها تدير مكتباً للترجمة، وأنا كنت مترددة في التواصل معها طوال الشهور الماضية اعتقاداً مني أنها في حالة اكتئاب وانعزال ولم أود التسبب في سوء حالتها إن رأتني.
بدا على سوسن التفكير الشديد فسألتها سارة:
_ما بك أمي؟ بم شردتِ؟
هزت سوسن رأسها بسرعة وهي تقف:
_لا شيء، ولكن لا تذهبي لذلك الطبيب ثانية طالما ضايقك، بالرغم من تأكدي من أنكِ لم تظلي صامتة مستسلمة بالطبع.
ضغطت سارة أسنانها بغيظ وهي ترد من بين شفتيها:
_لم أشفِ غليلي أمي، للأسف!
**********
للحظات وربما دقائق وقفت بجانب مَوَدَّة وتغريد تحدق في البوابة الخارجية لمدينة الألعاب بانبهار أعلى من انبهار إياد بجوارها، ثم انتفضت فجأة على صوت التقاط صورة على الكاميرا التي يُعَلِّقها عَمَّار حول عنقه، مطت شفتيها وهي تنظر له بعبوس ليضحك بصوت عال فهتفت به:
_لِمَ تقوم بالتقاط الصور لكل حركة أقوم بها؟ هل ستصنع لي فيلماً مُصَوَّرًاً؟! نحن لم ندخل من الباب بعد!
حدق بالصورة على شاشة الكاميرا بحنان شديد، ثم اتجه إليها وأحاط كتفيها بإحدى ذراعيه، بينما وجه الكاميرا إليهما سوياً والتقط صورة أخرى لم تجد الوقت للابتسام من أجلها وهو يخاطبها بِحُب:
_سوف ألتقط عشرات الصور لكِ بكل وقت وبكل فعل، أنا أريد تعويضاً ملموساً عن كل ما فاتنا سوياً كأخ وأخت.
ابتسمت له بحنان شديد فالتقط صورة لهذا التعبير أيضاً ثم قام بمناداة تغريد ومَوَدَّة وإياد لمشاركتهما.
.....
بعد قليل:
كادت تسقط أرضاً من فرط الضحك وهي تراقب مَوَدَّة الغاضبة من عَمَّار بعدما أصر عليها أن يقوما بجولة في بيت الرعب، لينتهي الأمر بها تعاني دواراً، شاحبة الوجه تماماً، وباكية، وبينما هو يحاول مصالحتها أخذت تدفع صدره بِغيظ ليضحك فتغضب منه أكثر!
تسابقت هي وتغريد وإياد على ركوب الألعاب، الخطيرة منها والعادية وأيضاً الخاصة بالأطفال، ليضطر عَمَّار إلى مشاركة مَوَدَّة في الاعتناء بالحقائب وهو يشعر بسعادة طاغية لسماع صوت ضحكات أخته..
كانت تمزح مع تغريد وإياد وهي تحاول تعديل وضع حجابها بعد أن ساء مظهرها تماماً بسبب تنقلهم بين الألعاب..
"يوم لن يُنسى!"
هكذا فكّرت وهي تساعد تغريد في لملمة أغراضهم المتناثرة على المقعد الخشبي بينما عَمَّار يحاول إقناع مَوَدَّة بركوب لعبة أخيرة وهي لا تقبل مطلقاً!
ضحكت كما لم تضحك من قبل؛
لهثت كما لم تلهث من قبل؛
وأيضاً صرخت كما لم تصرخ من قبل؛
وكان أهم ما اكتشفته ذلك اليوم أنها..
لا تخاف ركوب الألعاب!
غافلة عن سيارة سوداء تسكُن بالقرب منها، يجلس صاحبها بها منذ وصولهم صباحاً..
في كل حركة تقوم بها مُدققاً؛
بكل خلجة منها مُحدقاً؛
و بكل ضحكة منها مستمتعاً؛
وبأشد شوق متمتماً:
_اشتقتُ إليكِ حد الموت يا مُشعثَة!
*****نهاية الفصل العاشر*****
في انتظار آرائكم


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-09-20, 08:52 PM   #49

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

ااااااخ😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭دمووووووووو ع الرواية ابدااااااع تسلم ايدك
السرد و الحوار و الاحداث و الشخصياااات كله في القمة
ساااارررري نذل حقييييير واطي ساااافل😡😡😡😡😡حتى بعد ما عرفت قصته ما قدرته اعذره لو ضحيته كانت تغريد ماكنت لمته لكن هو كان شاهد و من الصغر على معاناتها و لاشي يشفعلو اللؤ عملو
الله يخليك بدي ياه ندماااان يزحف زحف وراها و يركع لتسامحه و هي ولا معبراااااه بليييييز لا تخليها تسامحه بسرعة لانه مابيستاااهل حتى لو بيتعذب حاليا
عجبتني رهف و قوتها و تعافيها بسرعة ولو ظاهريا والفضل أكيييد لعمااار و مودة 💖💖💖💖💖💖💖
خالد ابن عم مودة ليه حاسة انه راح يكون شخصية فاااارقة و على الله يعلم ساااري الأدب و خليه يشرب اللي عمله
عارفة ان رد فعي مبالغ لكن للأسف مو قادرة اتعاطف معه الوااااااااااااااطييييييي
ملاحظة لو سمحتي متى موعد تنزيل الفصووول


آلاء الليل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-09-20, 02:05 AM   #50

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
ااااااخ😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭😭دمووووووووو ع الرواية ابدااااااع تسلم ايدك
السرد و الحوار و الاحداث و الشخصياااات كله في القمة
ساااارررري نذل حقييييير واطي ساااافل😡😡😡😡😡حتى بعد ما عرفت قصته ما قدرته اعذره لو ضحيته كانت تغريد ماكنت لمته لكن هو كان شاهد و من الصغر على معاناتها و لاشي يشفعلو اللؤ عملو
الله يخليك بدي ياه ندماااان يزحف زحف وراها و يركع لتسامحه و هي ولا معبراااااه بليييييز لا تخليها تسامحه بسرعة لانه مابيستاااهل حتى لو بيتعذب حاليا
عجبتني رهف و قوتها و تعافيها بسرعة ولو ظاهريا والفضل أكيييد لعمااار و مودة 💖💖💖💖💖💖💖
خالد ابن عم مودة ليه حاسة انه راح يكون شخصية فاااارقة و على الله يعلم ساااري الأدب و خليه يشرب اللي عمله
عارفة ان رد فعي مبالغ لكن للأسف مو قادرة اتعاطف معه الوااااااااااااااطييييييي
ملاحظة لو سمحتي متى موعد تنزيل الفصووول

حبيبتي باشكرك فعلا على اهتمامك وتقديرك 💖💖
ماتقلقيش من جهة هايتعذب فهو هايتعذب إن شاء الله

بالنسبة ليه انتقم من رهف مش تغريد فهو كان يقصد يإذي شديد بإعلان وجود بنت مش معترف بيها، فتغريد مكانتش هاتفيده بحاجة

خالد.. ليه دور طبعا، ليه أدوار كتير بصراحة

ومبسوطة جدا فعلا إنها عجبتك ويا رب باقي الأحداث كمان تعجبك وهانتظر رأيك كل فصل

المواعيد كل أحد وأربعاء الساعة 7 بتوقيت مصر
شرفتيني جدا حبيبتي💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:53 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.