آخر 10 مشاركات
خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          207 - ملاك في خطر - شارلوت لامب ... (الكاتـب : * فوفو * - )           »          212- الارث الاسود - أيما دارسي (تصوير جديد) (الكاتـب : Gege86 - )           »          219 - صديقان ...وشيئا ما - جيسيكا ستيل (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          165 - السجانة - كيت والكر .. ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          254 - أين ضاعت إبتسامتى ؟ - كارول مورتيمر ( تصوير جديد ) (الكاتـب : marmoria5555 - )           »          251 - زائر الليل - كيم لورنس (الكاتـب : PEPOO - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1465Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-08-20, 08:07 PM   #31

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم

في انتظار آرائكم وتعليقاتكم بعد قراءة الفصل <3

الفصل الخامس
ما قبل البداية!
قبل عدة سنوات:
وقفت عايدة أمام باب شقة أخيها تنظر له بتوسل هاتفة:
_أرجوك صلاح، أرجوك أنقذني، ليس لي سواك لا تتركني!
صرخ بها بغضب:
_الآن تذكرتِ أن لديكِ أخاً؟ والآن تطلبين مني المساعدة؟ بعدما أجرمتِ بحق نفسك وبحقي؟ حمدا لله أن أمك ليست على قيد الحياة لترى ابنتها وقد أصبحت بذلك الـ....
قاطعته صارخة:
_لا تقلها صلاح، أنا لست مخطئة، لقد تزوجته، أقسم أنني تزوجته.
رد أخوها بحنق:
_وهل الزواج العرفي يعتبر زواج؟ إنه زواج في الظلام لا تستطيعين مواجهة أحد به ولا يعطيكِ أية حقوق، ماذا إن أنجبتِ منه؟
شحب وجهها وهي تتهرب منه بعينيها فحدق بها بصدمة للحظات ثم قال بِتوجس:
_أنتِ..أنتِ لستِ حاملا عايدة، أليس كذلك؟
انهارت أخته باكية فتخلل شعر رأسه بيديه وهو يحوقل مصدوما ثم صرخ بها:
_يا للمصيبة! يا للمصيبة! ماذا سنفعل الآن؟! ماذا سيقول الناس عنا؟!
وعندما لم يجد منها ردا سوى زيادة في البكاء أردف صائحا:
_اسمعي! ذلك الرجل يجب أن يشهر زواجه بك، يجب إتمام عقد قرانكما لدى مأذون وبوجود شهود، وفي أقرب وقت قبل أن يُكتَشَف الحمل.
ناحت أخته وهي تهتف من خلال عويلها:
_لم يوافق صلاح، لم يوافق.
حدَّق بها للحظات بعدم فَهم، ثم ما لبث أن تحولت ملامحه تدريجياً إلى الرعب فسألها:
_ماذا تعني بأنه لم يوافق؟
أجابته بانهيار وهي تقترب منه:
_يقول إنه إن علم أحد بشأني ستقوم زوجته بأخذ طفله وترحل، وهو لن يسمح بذلك.
فأمسك بذراعيها بعنف وسألها بذعر:
_وأنتِ؟! والجنين؟!
لم يجد منها ردا سوى البكاء المرير فتراجع إلى الخلف حتى سقط على أقرب مقعد وعم الصمت إلا من صوت شهقاتها الباكية، لكنه بعد ثوانِ رفع رأسه فجأة هاتفاً:
_لا تخبريني أنكِ لا تمتلكين ما يثبت ذلك الزواج العرفي!
مسحت دمعاتها وهي تجيبه بسرعة:
_لا أخي، معي عقد، وهناك اثنان يعملان معي بالمصنع قد شهِدا عليه.
زفر براحة وهو يهُب واقفاً ويأمرها بصرامة:
_هيا معي إذن إلى ذلك الحقير!
سألته بِحَذَر:
_ماذا ستفعل أخي؟
أجابها بازدراء صارخاً:
_سأجبره على إشهار زواجكما، هناك طفل سيولد الآن وليس له ذنب في فِعلتِك الشنيعة ونذالته!
طأطأت رأسها بحرج ثم تحدثت بخوف:
_لكن.. لكن يا صلاح هو ليس بهين، يستطيع إيذائنا بمنتهى البساطة ولا يخشى أحداً، أنت لا تعلم عنه شيئاً، لا يوجد ما لا يقدر على ارتكابه!
بغيظ واضح هتف بها:
_ألم تدركي ذلك سوى الآن؟ ما الذي ورطك مع من مثله إذن؟!
قالت له بلهجة دفاعية لم تعلم بأنها تُدينها أكثر:
_لقد أخبرني أنه يعاني إهمال زوجته منذ إنجابها ابنه، وأنه سوف يقوم بإشهار زواجه مني ما إن يستطيع تطليقها!
وبكل امتعاضه صاح بها:
_وصدقتِه يا غبية؟! بالطبع سيخبرك بذلك، لأنه كاذب محتال وخائن، وأنتِ لا تختلفين عنه بشيء!
وعندما طأطأت رأسها أرضاً بِذُل شديد زفر يائساً وهو يهتف:
_أيا كان يجب إعلان زواجكما على الفور، حتى وإن طلقك بعد فترة، ذلك الطفل لا يجب تحميله عاراً ليس له شأن به.
واصطحبها وذهبا إلى مصنع شديد بك، وهناك تحقق ما حاولت تنبيه أخيها إليه، طردهما شديد بكل برود بعد أن قام بتهديدهما بفضحهما بين الجميع إن حاولا ابتزازه، فعاد ومعه أخته مهزومين، لا يجدا حلا لتلك المعضلة!
وكي يضمن شديد ألا يُعيدا الكَرَّة حرِص على أذية صلاح في محل عمله، حتى اضطر إلى تغييره وتغيير مكان إقامته أيضاً هرباً من بطشه.
وبعد بضعة أشهر وضعت عايدة مولودتها، نبذتها منذ اليوم الأول وكذلك فعلت زوجة أخيها، فكان صلاح لها الأب والأم.
رضيعة شديدة الجمال، لم تكن تبكي باستمرار كجميع المواليد، ومن يومها الأول كانت هادئة للغاية ليجد نفسه يناديها ب"رهف!"
****
عودة إلى الوقت الحالي:
"إنها أختي!!"
صاح أبوه بغضب:
_أنت ليس لك إلا أخت واحدة، هي تغريد، ويجب عليك نسيان ما غير ذلك، لأنني لن أقبل بذلك الهراء الذي تريد القيام به.
هز عَمَّار رأسه برفض عنيد وهو يرد بنبرة مشددة:
_لا أبي، لن أخضع لك في ذلك الأمر أيضا، رهف أختي وستنتمي إليّ رغماً عن الجميع.
صرخ شديد بجنون:
_هل جننت؟! أتريد أن تُحضر تلك اللقيطة إلى منزلي؟! أتريد أن تتسبب لنا بالفضائح؟! لن أسمح بذلك العار أبدا.
فقد عَمَّار كل هدوئه وهو يصيح بغضب عارم:
_عاااار؟! عن أي عار تتحدث شديد بك؟! العار هو أن نعيش نحن الرجال في ذلك القصر المنيع محاطين بحُراسك من كل اتجاه بينما ابنتك تقطن غرفة وضيعة يتطاول عليها الرائح والغادي ويتهمها ويحاسبها على ما ليس لها به ذنب، هل لك أن تخبرني كيف تشعر وجزء منك يُهان ويُحاسَب طوال الوقت بسبب غلطة لم يرتكبها؟ هل لك أن تخبرني كيف تنام قرير العين وأنت لا تعلم كيف تقضي هي ليلتها؟ هل تستطيع النوم بأمان؟ألا تتساءل هل يتعرض لها أحد وهي الفريسة الأكثر سهولة على الإطلاق، بمفردها تماما بدون عائلة..
خفتت نبرته مردفا:
_بدون أب.
ثم تابع دامعا مُتحسِّراً:
_وبدون أخ!
ولم ينتظر ردا يعلم أنه أبدا لن يسمعه، فهو قد آمن تماما أن أبيه عقله قد قُد من حجر، وقلبه قد مات منذ زمن، لذا فقد استدار صاعدا ليجد أمه تنظر له بلوم قائلة:
_ما الذي ستفعله عَمَّار؟ ما الذي تريده؟
وبهدوء رد:
_أريد أختي أمي، أريدها معي.
وبنهي صارم صاحت به:
_هي نتاج نزوة أبيك عَمَّار، لن ترضى أن تسكنها بيتي في ذلك العمر، لن ترضى بأن أُفضح بين الناس الآن، لن تقبل بأن تُضر أختك تغريد بسببها، مستقبلها مُشرقاً، ألم تفكر عندما يأتي لها الخاطبون بِمَ نخبرهم؟
نظر لها بقهر مجيبا:
_قولي لهم ابنتي لها أخت أخرى من زواج سري، أخت تعاني ظلم الأهل قبل الأغراب، قولي لهم إن كنتم تريدون حسابا فحاسبوا الذي خان وغدر ثم افترى ، أو حاسبيه أنتِ أمي، فأنا أرى أنكِ سامحتِه هو ورضيتِ بالظلم لفتاة مسكينة لم يطلب أحد رأيها في نسبها وأصلها.
تجاوزها إلى الأعلى ثم توقف فجأة ملتفتا لهم وقال:
_هذا المكان الذي تخافون جلب العار إليه أنا لا يشرفني أن أعيش به.
وهم بالالتفات عندما عاد مرة أخرى رامقا والديه بابتسامة شامتة:
_وبالمناسبة، تغريد تعلم عن وجود أخت لها، بالأصل هي من سمعتك أبي وأنت تتفق مع المجرمين الذين يعملون لديك للذهاب لتهديد خالها.
ثم أردف بخفوت ساخر:
_هذا إن كنت قد لاحظت تهربها منك وانعزالها وتتساءل عن السبب في الأساس.
وبمنتهى البساطة صعد إلى جناحه ليجذب حقيبة ملابسه المُعَدَّة سَلفا وانطلق خارجه يشعر ببوادر الحرية تلوح في الأفق، وعندما وصل لآخر درجة توقف بمواجهة والده، ثم جذب كفه ببطء ووضع مفتاح سيارته بها هامسا بأذنه:
_هاك أبي، مفتاح السيارة الرمادية الكئيبة، لقد ابتعت أخرى.
وبابتسامة متسعة حملت بعض التشفي تابع:
_زرقاء اللون!
ثم انطلق إلى الخارج يهرول على الدرجات الخارجية ويكاد يرقص فرحا وهو يرمق الفيلا بلا تصديق جاذباً نفسا عميقا إلى صدره ثم قفز بسيارته الجديدة، وقبل أن يشرع بالقيادة أخرج هاتفه ليكتب رسالة نصية محددة:
"أحتاجِك، وافيني بالعنوان التالي!"
****
وقفت أمام الباب تتطلع حولها بفضول وتتململ بتوتر منتظرة بعدما دقت الجرس، فتح لها بلهفة شديدة وعندما وقعت عيناه عليها..
ابتسم!
ابتسم لها عَمَّار بالفعل ابتسامة لم ترها موجهة إليها على الإطلاق، بللتكون صادقة لم ترها على ملامحه يوماً، بدا سعيدا، مشرقا، مرتاحا.
سألته مُتوجسة:
_ما بك عَمَّار؟ لِمَ تـ.....
وعبارتها بترتها عندما احتضنها فجأة لتتخشب مُتسعة العينين جاهلة ما يجب عليها فعله..
أتدفعه؟!
أم تحيطه بذراعيها؟!
ولما ازدادت حيرتها فضلت الاستسلام، أو الاستمتاع!
والدفء الصادر منه بدأ يصيبها بالدوار؛
دفء تقسم أنه مستجد تماماً!
تلك الحيرة التي لم تصبه هو بينما يعتصرها بين ذراعيه هاتفا:
_لقد تحررت مَوَدَّة، لقد تحررت!
أفاقت من استسلامها المخزي متراجعة للخلف ببطء، ثم تهربت من عينيه متسائلة بارتباك:
_ماذا تقصد عَمَّار؟ مِمَّ تحررت؟
وبِسعادة لم يُخفِها أجابها:
_من سطوته وقسوته، لقد تركت بيته وسأعيش هنا، سنعيش هنا سويا.
عقبت بدهشة لم تخل من الفرحة:
_هل تَقَبَّلتك رهف بهذه السرعة؟!
ارتسم الحزن فورا على ملامحه وهو يزفر بيأس نافياً:
_لا، لم أكن أتحدث عنها، هي لاتزال لا تعرف شيئا عني، أنا قصدت أنني سأعيش معِك أنتِ وإياد هنا.
عقدت حاجبيها بدهشة:
_أنا سأعيش معك؟! متى أخبرتك بذلك؟
هَزَّ كتفيه وهو يرد ببديهية:
_أنتِ زوجتي!
لكنها على الفور هتفت بصرامة:
_نحن سننفصل!
ارتفع حاجباه دهشة بينما سألها:
_من قال أننا سنفعل؟ أتذكر جيدا أن شرطك الوحيد للطلاق كان الخيانة، وهذا ما لم أقم به أنا مطلقاً، ولن أفعل للأبد.
زفرت بيأس تحاول الخروج من تلك الدائرة المؤلمة، ثم رددت بخفوت:
_اسمع عَمَّار! أنت لم تخني بالفعل، لكن.. لكن تلك العلاقة مرهقة لكلينا، لا أجد جدوى من الاستمرار بها، دعنا ننفصل بسلام من أجل إياد ومن أجل أمي وأمك، وستظل أنت ابن خالتي صديقي وأخي وملاذي الآمن طوال العمر.
أنهت عبارتها بابتسامة دبلوماسية مفتعلة اختفت فور أن لمحت عُقدة حاجبيه ونظرته الخطرة قبل أن يهتف بِتحفز:
_أعيدي ما قلتِ!
بتوتر حمحمت وببطء تلعثمت:
_قلت أنت ابن خالتي وصديقي وأخـ.....
قاطعتها صيحته المستنكرة:
_أخوكِ يا امرأة؟! هل أنتِ بلهاء؟! نحن لدينا طفل!
فاجتاحها الغضب وهي تناظره بعينيها البارقتين أثناء صياحها:
_لماذا تصرخ؟ قصدت أن شعورنا تجاه بعضنا مثل الـ...
قاطعها مرة أخرى بتحذير غاضب:
_أعيديها مَوَدَّة، أعيديها وأطلقي شياطيني كلها تلك اللحظة، فأنا بالفعل أبحث عن وسيلة لتفريغ بعض توتري.
كتمت غيظها وهي تحاول التظاهر بالهدوء ثم خاطبته ببرود:
_حسنا عَمَّار، مبارك خروجك من بيت أبيك، ومبارك الشقة الجديدة، إلى اللقاء.
حاولت تجاوزه فتمسك بذراعها قائلا باقتضاب:
_لقد اشتريت سيارة جديدة أيضا!
هزت رأسها بدهشة ثم ردت بِتوجس:
_مبارك السيارة الجديدة أيضا!
حدق بها بنظرة ماكرة ولاحت الابتسامة مرة أخرى على ثغره فتعالت دقات قلبها بينما تحدث بخفوت:
_إنها الجميلة اللامعة ذات اللون الأزرق بالأسفل، بالتأكيد رأيتِها بطريقك.
وعندما لم تجد ردا أو تفهم ما التعليق الذي يتوقعه منها أومأت برأسها بلا معنى فأردف بمكر أشد:
_أريد أن أعلمك بأنني لا أحب اللون الرمادي، ولا أفضل اللون النبيذي، لذا إن فكرتِ يوما بإهدائي قميصا قطنيا ليجعلني أكثر وسامة فاجعليه أزرقا لأنه لوني المفضل.
اتسعت عيناها بدهشة والذكرى المريرة تضرب عقلها، لكنه فورا طردها بتصميم وهو يميل مقتربا من عينيها سابحاً بهما متابعا بهمس:
_أو ربما عسلياً!
شهقة خافتة انطلقت منها رغما عنها فانحدرت عيناه إلى شفتيها لتنتفض هي إلى الخلف متظاهرة بتثبيت حقيبتها، أما هو فقد حاول السيطرة على ضربات قلبه وهو يحمحم بخشونة شاعراً برضا جراء ارتباكها، ثم هتف آمراً:
_غدا سأمر على فيلا والدك لتحضري معي أنتِ وإياد، جهزي جميع أغراضكما.
وبسبب توترها لم تستطع معاندته وهي تومىء برأسها بطاعة فأردف هو بحنان:
_هيا بنا لأقلك وأرى إياد، لقد اشتقت إليه جداً.
تململت في وقفتها وهي تبدي اعتراضا متخاذلا:
_ولكني.. ولكني أتيت بسيارتي، سأعود وحدي.
حدق بعينيها بعاطفة وهو يهز رأسه رافضا، ثم قال بِحزم:
_لا مَوَدَّة! لن تعودي وحدك، ليس بعد الآن!
وبابتسامة بدت طفولية أردف:
_كما أنني أرغب أن تكوني أنتِ أول من يستقل سيارتي الجديدة.
بصعوبة تحكمت بابتسامتها وهي تُشيح ببصرها عنه ثم تقدمته فلحقها بشوق عارم.
ها هي البداية الجديدة يراها كنور الشمس مُحلِّقة في الأفق، وسيكون من الغباء أن يفقدها ثانية..
ربما كان وجوده في ذلك السجن هو ما يضع غشاوة على عينيه تمنعه من الرؤية، ومن الشعور، والآن وقد تخلَّص من ذلك القيد سيضم كلتاهما إليه وسيعوضهما معا..
مَوَدَّة.. ورهف!
****
قبل عدة سنوات:
في الظلام الدامس وقفت متشبثة بكف طفلتها ذات الستة أعوام وهي تحدق بالبوابة الحديدية الكبيرة بتوتر مشوب بالتصميم، والغضب!
تعلقت بها عينا الصغيرة ببراءة وهي تحاول البحث عم تنتظره أمها بذلك الارتباك، كانت تنقل نظراتها بين ملامح أمها والبوابة الحديدية بانتظام، حتى فُتحت البوابة وخرج!
قوي البنية؛
عريض المنكبين؛
فارع الطول؛
قاسِ الملامح مظلم العينين؛
وبتلقائية تراجعت خلف ظهر أمها وهي تتشبث بذراعها وقلبها يرتجف، بينما اتجه الرجل إليهما وغضبه يزداد مع كل خطوة حتى توقف أمامهما هاتفاً بصوت غاضب منخفض:
_هل فقدتِ عقلك؟ أتجروئين على الحضور إلى بيتي؟ ماذا إن رأتك زوجتي؟ ماذا إن رآك ابني؟
لكن أمها هتفت بنبرة أعلى:
_أنا أيضا زوجتك، وهذه أيضا ابنتك!
مالت رهف برأسها من خلف ظهر أمها تتطلع إليه لوهلة بينما انطلقت الأسئلة داخل عقلها الصغير: أهذا هو أبوها الذي لطالما تساءلت عنه؟
أهذا هو أبوها الذي أغاظتها دينا دوما بعدم وجوده؟ تسللت ابتسامة بريئة إلى شفتيها هاتفة بهمس: مرحى! ستعود اليوم للمنزل وتخبرها أن لها أب، أنها رأته وصافحته، ربما سيحتضنها الآن ثم يعطي لها بعض الحلوى، وربما غداً سيصطحبها إلى مدينة الألعاب!
لكن النظرة التي ارتسمت بعيني الرجل أرعدتها، اتسعت عيناه بصدمة وهو يقترب أكثر من أمها متسائلا بنبرة خافتة تحذيرية:
_ألم تجهضينها؟
وبعناد هزت عايدة رأسها نفيا وهي ترد:
_لا! لم يوافق صلاح، لِذا أقدم لك ابنتك! رهف شديد الناجي!
اندلعت النيران بعينيه للحظات وشعرت هي بارتجاف جسد أمها، أما الرجل فلم يهتم حتى بإلقاء نظرة عليها وهو يبتسم لأمها ببرود قائلاً:
_اثبتي!
أجفلت أمها وهي تنظر له بقلق شديد ثم سألته بِتوتر:
_ماذا تقصد؟
ليعيد نفس الكلمة ببرود أكبر:
_اثبتي عايدة، اثبتي أنني سبق وتزوجتك، اثبتي أن تلك اللقيطة ابنتي.
توترت عايدة وهي ترد:
_أنت..أنت تعلم أنني أملك نسخة من عقد الزواج شديد.
اتسعت ابتسامته الخبيثة متسائلا بلا انتظار الإجابة:
_حقا؟!
وعندما لم ترد هي عم الصمت، تسارعت أنفاسها وهي تتهرب من عينيه بينما الذعر يكتنف قلبها، كيف علم بفقدانها العقد منذ مدة؟ كيف علم بأنها بالفعل ليست لديها ما يثبت زواجه منها؟
نظراته مُتوعدة شامتة؛
نظراتها مرتعبة خاسرة!
أخفضت عينيها ترمق ابنتها ثم جذبتها لتوقفها بينها وبينه ووضعت كفيها فوق كتفيها وهي تهزها بقسوة هاتفة:
_انظر شديد!، تلك هي ابنتك وأخت ولدك المدلل! لها حق بك وباسمك وبذلك القصر الذي تعيش به، هل ستتركها؟ هل ستتخلى عنها؟ هل ستقبل بأن ينعتها الناس بــــ"ابنة الخطيئة؟"
مط شفتيه مُبتسِماً ببرود ثم أجابها:
_لا أهتم في الواقع عايدة، فأنا أتذكر جيدا عند زواجنا اشتراطي عدم الإنجاب لكنكِ خالفتني، أتذكر أيضا طلبي إجهاضها ما إن اكتشفتِ الحمل لكنكِ عاندتِ، الآن تأتين لي راغبة بالإنقاذ؟! أنتِ من تسببتِ لنفسك ولتلك اللقيطة بالفضائح، فلتتحملي نتائج أفعالك! أنا بالفعل لدي زوجة يعلم بأمرها الجميع، لدي ابن سيشرفني وسيُحقق أحلامي، أما أنتِ!.. للأسف عايدة أنتِ تطلعت لمكانة لن تطاليها أبدا.
كل كلمة قالها لم تُفاجئها تماماً، فهي علِمت منذ سنوات كم هو نذل وخسيس، لكنها كانت تأمل في أن يرق قلبه تجاه طفلته عندما يعلم بوجودها ويراها..
والآن لا تملك سوى...تهديده!
صرخت بقهر:
_سأفضحك شديد! سأذهب إلى مصنعك وسأفضحك أمام العاملين لديك، سأخبر الجميع أن شديد بك الذي يتظاهر بالشدة والالتزام والانضباط ويرهبه الجميع لديه ابنة لا يود الاعتراف بها!
وكان رده على تهديدها دَفعة بصدرها أسقطتها أرضا لتصرخ بألم بينما أخذ يسُبَّها بأقذع الألفاظ، فاندفعت إليها رهف بجزع هاتفة:
_أمي! أمي هيا بنا، لا أريد أب، لا أريد ذلك الرجل ولا أريد منه الحلوى، خالي يجلب لي منها الكثير، هيا نبتعد عن ذلك الرجل، وأنا سوف أدعو عليه أن ينتقم الله منه مثلما تدعو عليّ زوجة خالي!
ومع الكلمة الأخيرة شعرت بقوة عاتية تجذبها إلى الأعلى، فالتفتت إليه لتقابلها صفعة مؤلمة اختطفت الأصوات من إحدى أذنيها للحظات، وبينما هي تكافح للاستيعاب إذا بقبضة قاسية تتمسك بذراعها اليسرى لتعتصرها بعنف وجسدها الهش يهتز بين يديه حتى ما عادت تشعر بأية آلام.
_إنكِ وقحة تماما! كيف تتفوهين بذلك الكلام؟ أنتِ حشرة! أنا لست أبيك، وأنت لا تمتلكين أي أب!
ثم دفعها لتسقط بجوار تلك الجاثية أرضاً تنتحب بلا جدوى، الذعر يتملك منها وهي تشعر بالذعر من أن يهجم عليهما ثانية، فتراجعت زاحفة تحتمي بأمها بينما تابع هو بِوعيد خالص:
_إن أتت إحداكما إلى بيتي أو إلى مصنعي أو تجرأت بالاقتراب من أي شخص يخصني سوف أقتلكما، تعلمين عايدة أنني أفعلها ولا أهتم.
من بين دمعاتها ابتسمت بسخرية..بالطبع تعلم!
نظرت له بقهر ثم لملمت عباءتها ووقفت بضعف تستند على طفلتها، وما إن ابتعدتا بضعة خطوات حتى نادتها رهف بضعف:
_أمي!
ومن بين نشيجها ردت بغضب:
_ماذا تريدين أنتِ؟!
وبألم مختلط بذعر أجابتها:
_ذراعي الأيسر تأبى التحرك!
وبدهشة نظرت عايدة إلى ذراع ابنتها لتراهاللمرة الأولى متيبسة تماما!
****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-08-20, 08:10 PM   #32

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الخامس:
عودة إلى الوقت الحالي:
استيقظت من شرودها في بحر ذكرياتها المظلم وهي تتطلع إلى ذراعها التي فاجأتها صباحا بتيبسها بعد أن قضت ليلتها شاردة في الصورة الأخيرة التي تركت ساري عليها..
مصدوماً، عاجزاً عن الكلام، وقراره لا يحتاج إلى تخمين..
وكأن مقولة "المصائب لا تأتِ فرادى" صادقة تماما!
اجتذبت ابتسامة رقيقة وهي تتطلع إلى الوجوه البريئة أمامها ثم تساءلت بصوت اصطنعت به المرح:
_إذن هل هناك منكم من لم يكتب اسمه على السبورة؟
هز الأطفال رؤوسهم نفيا وتعالت صيحاتهم المُحببة إلى قلبها، فابتسمت لهم ثم التفتت إلى اللوح الخشبي وهي تردد بصوت هاديء:
_مالك أحمد عادل.
_أسيل هاني محمد.
_إياد عَمَّار الناجي.
!!!
تَخَشبت ملامحها كما تخشب جسدها تماما وهي تحدق في الاسم الذي اخترق عقلها فأدركه قبل لسانها، ازدردت لعابها وهي تعيد الاسم بنبرة مرتجفة:
_إياد عَمَّار الناجي!
التفتت ببطء تبحث بعينيها عن الطفل اللطيف الذي استقبلته منذ بضعة أيام فقط فنظر لها بابتسامة بريئة وسألها مترقباً:
_هل كتبت اسمي بطريقة صحيحة آنسة رهف؟
ظلت على صمتها الذاهل لبعض الوقت بينما قلبها يرتجف وبالمثل صوتها وهي ترد:
_نعم إياد، لكن.. لكن هل هذا هو اسمك؟ أعني أن أبيك اسمه عَمَّار وجدك اسمه ناجي؟ أليس كذلك؟!
ازدادت ابتسامة الطفل اتساعا وهو يستشعر اهتمام المعلمة الخاص به فرد بنبرة مُتحمسة:
_لا آنسة رهف، أبي هو من يؤكد علي ترديد ذلك الاسم، لكنني أعلم أن اسمي كاملا هو..إياد عَمَّار شديد الناجي!
تردد الاسم في عقلها ليهتز جسدها بأكمله، شحب وجهها وهي تتطلع إلى الطفل الجميل باحثة عن ملامح سوداء مظلمة تكرهها وتخافها فلم تجد..
باحثة عن قسوة، حقد، نفور.. فلم تجد..
كيف؟! كيف تنتمي تلك البراءة إلى ذلك الوحش؟! كيفبأي طريقة تكون له به صلة دم؟!
لحظة!
أهذا يعني بالتبعية صلته بها؟!
أهذا يعني أنها تتعامل معه منذ أيام غافلة عن الرابط الذي يجمعهما؟!
لملمت أغراضها وبارتباك ثم خرجت مسرعة باعتذار واه للمشرفة، وأمام البوابة كانت تحاول لملمة شتات نفسها، وعندما ظنت أنها قد نجحت شعرت بانفلات دقات قلبها وانهارت أعصابها تماما وهي تراه أمامها مُحدقا بها بألم حائر لينطلق لسانها بنداء مستجد:
_ساري!
وجاءت الابتسامة الحزينة مقترنة بالرد الخافت منه:
_مرحبا يا مشعثة!
****
وأمام المشفى صف سيارته الجديدة ثم ربت على سطحها بحنو مُريب منطلقا إلى الداخل ومُطلقا صفيرا ناعما فأوقفه نداء هادىء:
_دكتور عَمَّار!
التفت إلى الخلف ثم انعقد حاجبيه بدهشة هاتفا:
_دكتور حمزة، أهلا بك.
تقدم منه حمزة بابتسامة ودودة ثم قال:
_أردت أن أتحدث معك بأمر ضروري.
رحب به عَمَّار وهما يعودان إلى الخارج مرة أخرى، وبأقرب مقهى جلسا ليبادره حمزة:
_لقد جاءت إليّ دينا، وعلمت منها أنك قد قابلتها، ويبدو عليها الذعر تماما.
هتف عَمَّار بحنق:
-عسى أن تعيش طوال عمرها كالفأر مذعورة.
ثم استدرك بحرج:
_آسف، أعلم أنها كانت زوجتك وربما...
قاطعه حمزة بهدوء:
_لا عليك، لم آتِ اليوم للتحدث بشأنها، بل جئت من أجل رهف.
عقد عَمَّار حاجبيه وهو ينظر إليه بتدقيق للحظات، ثم سأله بصرامة:
_أخبرني دكتور حمزة، ماذا تريد من أختي؟ ولماذا تهتم بها بهذا الشكل بالأساس؟
مط حمزة شفتيه بضيق واضح وهو يجيبه:
_لا أريد أن تجنح بخيالك بعيدا، رهف مثل أختي تماما، بالإضافة إلى أن تجربتي السابقة تجعلني أهرب بالأميال من أي امرأة مهما كانت هويتها، لكن.. لكن أنا مُدان لِرهف، وسأساعدها بقدر ما استطعت.
مال عَمَّار برأسه تجاه حمزة وهو يستند بذراعيه على الطاولة مُرددا ببطء:
_أحب أن أعرف عن هذا الدَين، أحب أن أعرف أي شيء يتعلق بأختي دكتور حمزة.
غامت عينا حمزة بحزن مشوب ببعض الغضب ثم زفر بيأس قبل أن يتكلم بخفوت:
_كنت أقطن مع دينا في الطابق الذي يعلو شقة أهلي.
توقف للحظة والألم يقفز بملامحه ثم تابع:
_والدتي .. والدتي قعيدة وتعاني أحيانا من نوبات صرع تتغير شدتها من نوبة لأخرى، لذا يجب أن يظل هناك مُرافق لها.
صمت مرة أخرى فشعر عَمَّار بالإشفاق عليه وهم بإيقافه لكن حمزة استكمل حديثه بنفس النبرة المُتألمة:
_وبأحد الأيام كنت أنا بالمشفى وحدث ظرف طارئ استدعى خروج أخي الأصغر من المنزل، هاتفتُ دينا كي تجالس أمي حتى أعود من العمل فوافَقَت غاضبة بعد أن ترجيتها، لكنها لم تكلف نفسها عناء النزول إليها ظنا منها أن أحد أشقائي سيعود أو ربما والدي، جاءت رهف مُحملة بالأطعمة التي ترسلها زوجة خالها، لتجد دينا بشقتنا، بينما صوت ارتطام أمي من فوق مقعدها يصل لأسماعها، أحضرت أحد الجيران الذي كسر الباب وانطلقت إلى أمي تحاول إنقاذها بينما الجميع يبتعد إلى الخلف عنها كأنها وباء، جئت أنا بآخر لحظة لأجد رهف قد أنقذت أمي من ابتلاع لسانها.
صمت حمزة محاولا التغلب على دمعات قاهرة تود الظهور دائما كلما ارتسمت بعقله صورة أمه ملقاة أرضا ورهف تحاول ستر ما يتكشف منها بعد أن فتحت فمها بالقوة وأخرجت لسانها من حلقها.
نظر له عَمَّار بأسف مُختلط بفخر بتلك الرقيقة التي ستنتمي إليه رغما عنها ورغما عن والده.
حمحم حمزة بخشونة وهو ينظر إلى عَمَّار مرة أخرى مستدركا:
_الآن أخبرني ماذا تنوي أن تفعل مع دينا.
ليحل الغضب عيني عَمَّار وهو يجيبه:
_تلك الحقيرة جاءت مع أمها لتبتز شديد بك حتى يجبر رهف على الرحيل من بيتها، أنا لا أعلم ما هو لكنني متأكد من مدى أهميته، لن يرضخ هو لهما إلا إذا كان ما يمتلكانه خطِراً للغاية.
ثم أردف بغيظ:
_ والآن أختي تعيش وحيدة منبوذة بسبب شيطانة وأمها، لكنني أريد أولا التقرب من رهف، أريد أن تسمح لي بالمحاربة من أجلها، أريد أن أتواجد من أجلها طوال الوقت.
زفر حمزة بتعب معقبا:
_لن تكون محاولتك معها سهلة عَمَّار، رهف تعاني فقدان الثقة بالجميع، خاصة بعدما اصطحب والدك هؤلاء المجرمين إلى خالها وعَلِمَت بتورط زوجته وابنته أيضاً.
شرد عَمَّار بعيدا وهو يردد:
_أعلم، أعلم تماما.
وبلهجة قوية مؤكدة خاطبه حمزة:
_أحببت أن أخبرك أنني معك ومع رهف، سأفعل أي شيء في سبيل إثبات نسبها ورد حقوقها.
ابتسم له عَمَّار بود شاكرا وهو يومىء برأسه شارداً في المُستقبل الضبابي...
لا يعلم هل عليه أن يشع بالقلق من موقف والده أم من موقف أخته نفسها!
****
"مرحبا يا مشعثة!"
تعلقت أنظارها به بدهشة وهي ترد بخفوت بأول شيء قفز إلى لسانها:
_مريم.. مريم ليست هنا اليوم أيضا.
افتعل نظرة حانقة وهو يرد:
من أخبرك أنني قد تبنيتها، كما أنني لست السائق الخاص بها وأعلم أنها ليست هنا اليوم، لكننيكالأمس_ لم آتِ من أجلها.
نظرت له بأمل حاولت وأده في مهده وبهدوء قلِق سأَلَته:
_ولِمَ جئت؟
ارتخت ملامحه المتألمة وهو يرد محدقا بها بحُب واضح:
_جئت أبحث عن إجابة لسؤال يؤرقني منذ فترة، ولكن.. ولكنني فكرت باحتمالية وجودها لديكِ أنتِ.
ازدردت لعابها وهي تسأله من بين أنفاسها الهاربة:
_أي سؤال؟
ليقترب خطوتين بعينيها غارقا مُتسائلاً:
_متى تعتقدين يا رهف أن الإنسان منا يدرك التقاؤه برفيق روحه؟ هل يُعقل أن يتعرفه منذ اللقاء الأول؟ هل يُعقل أن ترتبط أفكاره وخيالاته ومخططاته كلها بشخص لم يره إلا بضعة مرات؟ وهل من الممكن أن يكون ذلك الشعور متبادل؟
حدقت بعينيه وهي ترد بخفوت:
_أربعة أسئلة!
عقد حاجبيه بدهشة فأردفت بنفس النبرة:
_أنت قلت سؤالا لكنك سألت أربعة أسئلة!
فارتسمت النظرة المتوسلة بعينيه وهو يرد:
_إذن أجيبيني! أجيبيني رهف فأنا لا أفهم ما الذي يحدث لي!
وكان الرد الذي لم تفهم سبب تفوهها به يائسة:
_ساري!
ليهتف هو بصوت متقطع:
_سيُجن ساري!، سيُقهر ساري إن لم يفهم ما الذي يحيط به، أرجوكِ رهف أجيبيني!
أغمضت عينيها ألماً فأردف بألم مماثل:
_لماذا حدث ذلك؟ لماذا أشعر بذلك؟
أنا تائه، أنا لم أتعرض لذلك من قبل، دوماً ما حكَّمت عقلي بكل شئون حياتي، الآن لا أجد نفسي قادراً على استخدامه، الآن هناك ما يدفعني تجاهك منذ اللحظة الأولى التي رأيتك بها ولا أدري كيف أتصرف، أجيبيني رهف!
لتدمع عيناها وهي تفتحهما لترد بالكلمة التي فرضت نفسها بقوة:
_لقيطة!
ثم تابعت والدمعات تنهمر بغزارة :
_أنا لقيطة ساري، بدون أصل، بدون نسب، بلا أم وبلا أب.
توقفت وهي تهز كتفيها مُبتسِمة بسُخرية وهي تضيف مُتجاهلة الوجع الذي يزداد على ملامحه مُقترناً بوجعها مع كل كلمة تنطق بها:
_إن عَلِم أحد أولياء الأمور الذين يُعلمون أولادهم هنا بذلك سيمنعونهم من الحضور، إن عَلِم صاحب المعهد بذلك سيُقيلني على الفور، إن عَلِم صاحب الغرفة التي أقطن بها بذلك لن يسمح لي بقضاء ليلة إضافية بها.
توقفت مرة أخرى ولكن مُرغَمة، فالدمعات التي انحدرت من عينيها أخفت صوتها للحظات، ثم عادت تتابع بضياع:
_أنا .. أنا ليس لديّ أصدقاء، ليس لديّ أقارب، لا يوجد من يؤنس وحدتي، ليس لي إلا خال واحد تمت أذيته بسببي، يتهرب مني الجميع باشمئزاز كالمصابة بمرض مُعدي.
ارتفع صدره وهبط في تنفس سريع بينما وارت هي دمعاتها عنه بأناملها بينما استكملت بألم:
_ابتعد ساري!، ابتعد ولا تتعلق باعتقاد واه، أنا لا أؤمن برفيق الروح، لا أؤمن بتلك الأفكار الحالمة، أنا وحدي ومن الأفضل لي وللجميع أن أظل وحدي.
لتنتفض فجأة وهو يصرخ بها بصوت عال حتى نظر بعض المارين إليهما بفضول:
_أنا أؤمن رهف!، أؤمن بأن ما يحدث ليس مصادفة، أؤمن بأن هناك سببا ما لاحتلالك عقلي منذ وقعت عيناي عليكِ، أؤمن بأن الرجفة التي تصيب قلبي ما إن أتفوه باسمك وأنا وحدي ليست اعتقاد واه كما تدَّعين.
أسدلت أهدابها بِقهر فتابع بِرجاء:
_ انظري إليّ رهف! أنا لست مراهقا، عمري اثنان وثلاثون عاما قضيتهم أركض ليلا نهارا كي أعول أسرتي حتى نسيت أنني إنسان، لديّ حياة، ولديّ قلب، قلب اعتقدت أنه لن يوجه مشاعره يوما إلا لأفراد أسرته، حتى ظهرتِ أنت! ليصرخ نفس القلب مُطالباً بالانتباه لِما يجيش به، ليصرخ مُهللا بلقاء لم يتخيل وقوعه أبدا.
ثم أردف بِصدق:
_ سأخبرك صراحة رهف، منذ أن رأيتك بالشركة وخلال دقائق معدودة تفاعل معك كياني كله في بادرة لم تحدث مطلقا ، اعتقدت أنه إعجابا أو انجذابا عابرا لكن الأيام التالية أثبتت لي أن ظهورك بحياتي سيكون مغايرا لذلك الاعتقاد.
صمت للحظات ثم تابع بنظرة قاتمة وبنبرة يشوبها العذاب:
_سيكون كاسحا، وربما مؤلما.
رَفَعَت رأسها تنظر إليه بِقلق لكنه أضاف بتصميم:
_لكنني لا أهتم رهف، ما حدث قد حدث بالفعل، وما أشعر به وما يجب علي القيام به لا أملك عنهما تراجعا.
أخفضت رأسها تحاول التهرب بدمعاتها التي عادت أشد، بينما قلبها ينتحب بألم وصدى كلماته تقع به وتتخلله تماما، يريد الإعلان عن نفسه، عن دقاته، عن احتياجه لحنان غامر يفيض بكثرة من عينين راجيتين.
تابع هو مناديا بخفوت:
_رهف!
واسمها الذي انطلق بعذوبة من شفتيه زاد في حيرتها فَرفعت رأسها تنظر له بضياع، ثم هَزَّت رأسها رافضة:
_لا ساري! لا! أنا لا أقبل لك العار، لا أقبل لك الإهانة، وحتما أنت لا تتقبلها على أفراد أسرتك الذين تحبهم وتهتم لأمرهم، دعني وشأني ساري ولا تحاول رؤيتي مرة أخرى.
وانطلقت متجاوزة إياه مطلقة أنينا خافتا كرداً ضعيفاً على صراخ قلبها الغريب ب..حبه!
لكنها لم تتوقع إصراره وهي تجده واقفا أمامها مرة أخرى مدققا بها بصرامة ثم قال:
_أتعتقدين أن الأمر هين؟! أتعتقدين أنني لم أفكر منذ الأمس بكيفية المواجهة؟!أعلم تماما أننا سنتعرض لصعوبات كثيرة، لكن أنتِ لم تعرفيني بعد، وإن كان هناك درسا مبدئيا أريدك أن تستوعبيه عني، هو أنني أستطيع فعل الكثير في سبيل تحقيق أهدافي، مهما كان الطريق طويلاً وعراً محفوفاً بالمخاطر، فلا أسمح لأيٍ كان أو لأي شيء بالحول دونه.
وأمال رأسه مرددا بنبرة خافتة:
_وبتلك اللحظة أنتِ أهم أهدافي رهف!
جف حلقها وهي تحدق بعينيه الحنونتين اللتين اختطفتاها تماما للحظات، لكنه عقد حاجبيه وارتسمت شِبه ابتسامة على شفتيه وهو يدقق بها مرددا بخفوت:
_يا لجمال أهدابك! سبحان الله!
وتورُد وجنتيها طرد الشحوب تماما بينما ظهرت الابتسامة على وجهه مُكتمِلة ماكرة قائلا:
_بالمناسبة، أنتِ مدينة لي بترجمة!
عقدت حاجبيها بدهشة متسائلة:
_م..ماذا؟!
تظاهر بالحنق وهو يعود برأسه إلى الخلف قائلا:
_" أنا لا أفهم ما الذي يحدث لي، لكنني أفكر بك طوال الوقت، هلا خرجتِ من عقلي قليلا كي أستطيع التركيز بعملي يا مشعثة؟!"
ألم أطلب منكِ ترجمة تلك العبارة سابقاً؟ الخدمة لديكم سيئة للغاية وسأرفع شكواي للمدير.
الوجنتان تزدادا تورداً، والقلب يرقص بصخب، ولا تجد ردا فيعاود هو هجومه بلا رحمة، قائلاً بخفوت:
_لكن هناك تعديل بسيط: الآن فهمت ما الذي يحدث لي، ولا أريدك أن تخرجي من عقلي أبدا يا مشعثة!
ونبرتها خرجت متظاهرة بالحنق تخفي فرحة عارمة وخجلاً هائلاً:
_كُف عن مناداتي بالمشعثة!
رفع أحد حاجبيه يغيظها:
_لكنِك بالفعل كذلك!
وقبل أن تقتل فرحته برد مستفز آخر أخرج من جيب سترته شيئا وقدمه إليها، نظرت لكفه بفرحة ثم رفعت أنظارها له متسائلة بغباء:
_ما هذا؟
ليجيب متظاهرا بالدهشة:
_إنها إحدى أنواع الحلوى الشهيرة يطلقون عليها اسم الشوكولاتة، ألم تتذوقي مثلها من قبل؟ لحظة! ألم أحضر لكِ مثلها من قبل يا جاحدة؟ هل ستنكرين ما أقدمه لكِ بدءاً من الآن؟!!
وهربت منها ضحكة خافتة ليبتسم هو مرددا بهمس متألم للغرابة أثار رجفة بكامل جسدها:
_قاتلتي أنتِ يا رهف! يوما ما ستكونين قاتلتي!
بلهجة ملهوفة ردت وهي تهز رأسها رفضاً:
_بعيد الشر عنك ساري، حفظك الله وأدامك.
وعادت النظرات الصامتة بينهما حتى قطعتها هي بتوتر:
_اسمع ساري! سأطلب منك طلبا، لا تأتِ إلى هنا ثانية، أنا.. أنا لا أريد أن يتحدث عني أحد بـ..
رنت في أذنيها العبارة الصارمة الخافتة مقاطعة:
_أويجرؤ شخص على مَسِّك بسوء؟! أنتِ منذ الآن تنتمين إليّ أنا رهف، وقريبا سيعلم الجميع بذلك، ستصبحين لي قلبا وقالبا!
ثم ضيق عينيه بحذر وهو يدقق بذراعها المستقيمة وسألها:
_لماذا تحملين كل أغراضك بذراع واحدة، ولماذا ذراعك الأخرى متصلبة هكذا؟!
نظرت له بِتوجس وهي تفكر... عيب آخر ساري! نقص آخر وعلة أخرى ملتصقة بي؛
وتوترت ملامحها وهي تشعر بقلق يكتنفها، ثم تهربت بعينيها للحظات بينما هو منتظر إجابتها باستغراب فَرَفَعت رأسها وبِحذر خاطبته:
_لدى ذراعي اليسرى عادة، إن طرأ عليّ شيء جديد، خبر محزن، أو صدمة ما، تتوقف عن الحركة بضعة أيام ثم تشفى وحدها بالتدريج.
وازداد قلقُه بعينيه وهو يسألها باهتمام:
_وماذا قال الطبيب؟
هزت كتفها الأيمن بلا اكتراث مجيبة:
_سببها نفسيا، ليس لها علاجا موضعيا.
حدق بها بضعة لحظات صامتا ثم بعينيه المبتسمتين بحنان وعدها:
_سأهتم بنفسي مستقبلا على ألا تعاودك تلك الحالة، هذا وعد مني!
أومأت برأسها والتوتر يكاد يقتلها، وبدون أن تلقي عليه سلاما رحلت وبلوح الشوكولاتة متشبثة!
****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-08-20, 08:11 PM   #33

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل الخامس:
استقلت المقعد المجاور له بعدما أحكمت حزام الأمان حول جذع ابنها بالمقعد الخلفي بينما صاح الصغير مُهللاً :
_اشتقت إليك أبي.
التفت إليه مطلقا قبلة طائرة وهو يرد:
_وأنا أيضا إياد، اشتقت لكما جدا.
تظاهرت بعدم الاهتمام وهي تتطلع إلى الخارج من النافذة فبادرها بنبرة مُتمَهِّلة:
_كيف حالك مَوَدَّة؟
بنبرة لامبالية ردت:
_أنا بخير، الحمد لله.
انطلق صوت إياد المتحمس:
_هل هذه سيارتك الجديدة أبي؟
وبفرحة لم يحاول إخفائها رد عَمَّار:
_نعم إياد، ما رأيك بها؟
مط الطفل شفتيه وهو يجيبه بينما يدور بعينيه في أنحاء السيارة:
_سيارتك الأخرى كانت أكبر!
فصاح به معترضا:
_لكن هذه لونها أزرق!
وكأن تلك الإجابة كانت كافية لإياد الذي لمس فخر والده الشديد باقتنائها، بينما اختلست مَوَدَّة النظرات له بجانب عينيها مندهشة.
أفقد عَمَّار رشده أم ماذا؟! أين العابس الكئيب الذي يقطر حزنا وألما؟! أكل تلك الفرحة لأنه غير سيارته! عوجت شفتيها بلا رضى وهي تعود إلى مطالعة الخارج بينما انهمك عَمَّار وإياد في حوار ما حتى انتبهت إلى عبارة إياد:
_اليوم جعلتنا الآنسة رهف نكتب اسمائنا باللغة الإنجليزية على السبورة.
نظر كلا من عَمَّار ومَوَدَّة لبعضهما ثم التفتت مَوَدَّة تخاطب ابنها:
_وهل كتبت "إياد" بطريقة صحيحة؟
رد الطفل بفخر:
_بل كتبت اسمي كله، ويبدو أن الآنسة رهف كانت فخورة بي بشدة حيث نادتني أنا وحدي وجعلتني أعيد اسمي أمامها كاملا.
ثم صمت الولد غير مدرك لتصلب والديه فاستدرك بنبرة معتذرة:
_آسف أبي، أعلم أنك طلبت مني أن أعلن أن اسمي إياد عَمَّار الناجي، لكني لم أرغب بأن تعتقد الآنسة رهف أو أصدقائي أنني لا أعرف اسمي كاملا.
ردت مَوَدَّة بنبرة حاولت إخفاء القلق بها:
_لا عليك إياد، أنت ولد مجتهد وبالتأكيد الآنسة رهف فخورة بك.
عم الصمت السيارة طوال الطريق وعَمَّار يقود عابس الوجه بعقل مُزدحِم بالأفكار والأسئلة..
ما شعورها عندما اكتشفت صلة قرابتها بابنه؟ ما رد فعلها تجاهه؟ أهناك أمل في أن يتسبب إياد في التقريب بينهما؟
ظل شارداً حتى وصلوا إلى الشقة الجديدة، انطلق إياد يتأمل أركانها بحماس ، بينما بحثت مَوَدَّة عن عَمَّار لتجده جالسا فوق الأريكة بغرفة الجلوس واضعا رأسه بين كفيه، اقتربت منه وجلست بجواره تطالعه بإشفاق ثم بادرته:
_كنت تعلم عَمَّار أنها ستدرك وجودك حولها إن آجلا أو عاجلا، ولهذا اقترحت عليك أن تجعلها تتعرف على إياد أولا.
وبصوت مكتوم رد:
_لكني لست مستعداً مَوَدَّة، لن تتقبلني الآن.
وبدون إدراك أمسكت بكفيه تبعدهما عن رأسه وهي تهتف به بحزم:
_اسمع عَمَّار! أبوك قد ظلم أختك لسنوات، زوجة خالها وابنتها ظلمنها لسنوات، المجتمع كله ظلمها وسيظل يحاسبها بسبب ذنب لم ترتكبه إلى الأبد، أنت أخوها الأكبر والأحق بالدفاع عنها واستجلاب حقها من الجميع، أنت لن تعود الآن لتلك الحالة من التردد والضياع.
صمتت لتجتذب شهيقا عميقا ثم تابعت بِقوة:
_لقد تغيرت يا عَمَّار، تركت أبيك، تخلصت من سطوته، تخلصت من سيارته الرمادية الباهتة، أنت بدأت في بناء شخصية قوية مستقلة تخصك وحدك فلا تتراجع أبدا، اجعل أختك فخورة بك، واجعل ابنك فخور بك!
حدق في عينيها الجميلتين بتدقيق يتشرَّب الحزم المُنبثِق منهما وهو يسألها بخفوت:
_وأنتِ! أتفخرين بي مَوَدَّة؟
بابتسامتها الجميلة ردت مؤكدة:
_بالطبع! ليس من الشائع أن ينتفض رجل بسبب الظلم فيستبدل كل المال والقوة ويبدأ مجددا، ولا القصر الكبير بتلك الشقة المتوسطة.
وبنبرة مازحة أضافت:
_ولا السيارة الرمادية الفخمة بتلك الزرقاء الرياضية!
سألها بقلق:
_ألا تعجبك الشقة؟ أعلم أنني كان يجب عليّ طلب رأيك بها أولا لكنني أردت أن أفاجئك.
تظاهرت بالحنق مجيبة:
_وهل استطعت أن أتفحصها؟! أنا لم أر أبعد من تلك الغرفة!
لم يستجب لمزاحها وهو يدقق النظر بها قائلاً:
_أتعلمين؟! حينما اكتشفت وجود رهف كنت أدرك تماماً ردة فعل أبي وأمي الرافضة وتجهزت لذلك وهيأت كل شيء لاستقلالنا، توقعت أيضاً قلق تغريد وترددها، لكنني لم أهتم.
صمت للحظات يتأمل جمال وجهها وتابع مُكملاً:
_ما كان يُثير خوفي هو موقفك أنتِ، لأجدني أعترف لنفسي بأنه الوحيد الذي عليّ القلق بشأنه.
ارتسمت الدهشة على وجهها فأضاف هو حازماً:
_وحينما أخبرتك اعتقدت أنني سأمنحك الاختيار، لكنني أدركت أن لا خيار في وجودك معي، ليس من أجل إياد فقط، بل لأنني لا أقوى على البقاء دونك مَوَدَّة.
ولما انعقد لسانها في حلقها ابتسم لها متجولا في ملامحها ثم همس:
_أين كنتِ من قبل مَوَدَّة؟ بل أين كنت أنا؟
لم تجد إجابة مناسبة، خاصة وهو ينظر إليها بتلك الطريقة التي لطالما حَلِمَت بها..
وخاصة وهو يزداد اقتراباً منها بطريقة تُنذِر بالخطر!
فأشاحت بوجهها بتوتر قائلة:
_آ.. سأذهب للداخل كي أرتب أغراض إياد، بعد إذنك!
وانتفضت متهربة من نظراته التي لم تعتدها منه أبدا متسائلة عن مدى صحة قرارها بمساعدته في استعادة أخته..
أما هو فقد ظل مُحدقاً في إثرها والأمل ينبت بقلبه بلا قيود؛
لقد كان خائفاً أن تتخذ مَوَدَّة نفس موقف والدته وتنبذها وترفض ظهورها؛
كان متوقعاً أن تبتعد مصممة على الطلاق إن تسبب بالفضائح رغبة منه في إعلان أخوته لرهف؛
لن ينس أبداً صدمته ذلك اليوم في فيلا والدها عندما أخبرها عن الحقيقة قلِقاً، فنهرته لانتظاره كل ذلك الوقت قبل أن يضم أخته إليه!
وهي..
تعلم أن قلبها سيتضرر أكثر بقربه، لكنها لن تتخذ موقفا سلبيا تجاه تلك المسكينة التي أدركت سبب نظرتها الضائعة بالمرة الوحيدة التي التقتها بها.
.......
وبعد أن رتبت أغراض ابنها بغرفته اتجهت إلى الغرفة الصغيرة التي عزمت على جعلها غرفتها، وبينما هي منشغلة بترتيب ملابسها بخزانتها إذا به يدخل رامقا إياها بدهشة هاتفا:
_ماذا تفعلين مَوَدَّة؟ الغرفة الرئيسية بآخر الممر، هذه غرفة إضافية لرهف ما إن تأتي لتقيم معنا.
حدقت به كأنه أبله فبادلها التحديق باعتقاد مماثل، لكنها ردت أخيرا:
_أعلم أن غرفتك بآخر الممر، تلك غرفتي أنا، سنحاول تدبير الأمر عندما تأتي رهف.
أغمض عينيه مدركا ما تناساه في خضم الأحداث الأخيرة، ليفتحمها زافرا بيأس وهو يتقدم منها بتمهل، حتى توقف أمامها مرددا بنبرة مشددة:
_اسمعيني جيدا مَوَدَّة! أدرك تماما أن بدايتنا لم تكن طبيعية، أدرك أنني ظلمتك كثيرا، وأدرك أنكِ تحملتني لسنوات، وأنا الآن أرغب ببداية جديدة بجميع أركان حياتي، وخاصة معِك!
نظرت له بصدمة فبادلها النظر بتصميم، لكنها ما لبثت أن دمعت عينيها قبل أن ترد رافضة:
_لا أستطيع عَمَّار، لا أستطيع أبدا، أعذرني! إن كان أمر قلبي ليس بيدي فأنا لن أقوى على خذلان كرامتي أكثر.
توقفت لبرهة تستنشق أنفاساً تحتاجها بشدة ثم تابعت بألم:
_ سبعة سنوات عَمَّار، سبعة سنوات من الترقب والانتظار، من الحُلم والتمني والتخيل، لقد كان قلبي يئن متوسلا إياك كل ليلة أن تسمعه وتشعر بآلامه، لكنك صممت أذنيك عنه حتى ما عاد ينتظر أو يأمل أكثر، والآن أنا لا سلطة لي على عقلي الذي يرفض وجودك بصفة أبعد من الصديق ووالد الابن، آسفة عَمَّار، آسفة!
وانتقلت الصدمة إليه وهو يُحدِّق بها..
لقد انذوت الوردة العسلية وذبلت بسبب انعدام بصيرته وبصره؛
أهذه هي مَوَدَّة التي كانت ضحكاتها طفلة تسعد يومه؟!
وكانت مكائدها مراهقة تثير أعصابه وتلقي ببعض الحركة في مياة حياته الراكدة؟!
ما الذي فعله بها؟ وكيف أطفأ الأمل بعينيها بمنتهى قسوته؟!
أحاط وجهها بكفيه وهو يرمقها بتصميم قائلا بهدوء:
_اسمعيني أنتِ جيدا مَوَدَّة، أعلم أن أخطائي بحقك طوال تلك السنوات لن تُمحى بلحظة، أعلم أنكِ عانيتِ معي وبسببي كثيراً في صمت، وأعلم أنكِ تحملتِ انفصالنا الغريب وحياتنا الفارغة الجافة بصبر تام، وبالرغم من ذلك فقد قررتِ مساعدتي حتى أجتمع بأختي.
صمت لوهلة ثم اتسعت عيناه بتحذير مُستكمِلاً:
_لا تظني مَوَدَّة أنني سأتركك، لا تظني أنني سأسمح لكِ بالابتعاد عني.
صمت ليزدرد لعابه ثم قال بخفوت يصرخ بالصدق:
_أنتِ يا مَوَدَّة لا تعلمين كيف شعرتُ أنا عندما خلا المنزل منكِ، لقد اكتشفت أنني سلمت بوجودك بحياتي لسنوات غير مدرك لأهميتك لدي حتى فقدتك.
وتوقف قليلا ملتقطاً أنفاسا هاربة ثم أردف بصوت مبحوح:
_يوم تركتِني فقدتُ أنا روحي، ولم تعد إليّ إلا بعودتك، أنتِ روحي، أنتِ حقا روحي ولديّ غالية!
أغمضت عينيها وهي تحاول استيعاب ما قاله للتو..
"لا تستيقظي الآن أرجوكِ!"
"لا تهدري تلك اللحظات الاستثنائية!"
هكذا توسلت نفسها معتقدة أنها بداخل حلم جميل، لكنه نزع يديه عن وجهها ففتحت عينيها لتطالعه وهو يبتعد للخلف خطوات مبتسما بتوتر هاتفا:
_لكن أنا لن أضغط عليكِ، لن أطالبك بقرب لا تريدينه الآن، سأصبر مثلما صبرتِ أنتِ، ومن أجلِك وحدك سأنتظر!
ثم أردف بِجدية زائفة:
_عندما تنتهين من الترتيب تعالِ لأخبرك بالقرار الذي اتخذته.
أدركت الآن وهو يخرج من الغرفة أنها بالفعل مستيقظة، لقد كان عَمَّار للتو هنا، يخبرها أنه افتقدها، يخبرها أنها روحه وأنهاكما تمنت طوال عمرها لديه غالية!
****
"أحياناً أخاف من عينيك ساري!"
أجفل وهو ينظر إلى أمه التي خاطبته بهدوء بينما تمد يدها بكوبا من الشاي، أخذه منها مقبلا يدها بامتنان فربتت فوق شعره بحنان بالغ بينما ارتسمت الشقاوة المحببة بعينيه وهو يرد مازحاً:
_ليس هذا رأي الفتيات أمي، فإنهن يجدن عيني ساحرتين!
وكزته في إحدى كتفيه فضحك باستمتاع لتنظر هي إليه بحب وفخر..
بالرغم من أنه ابنها الأكبر إلا أنه لطالما كان المسئول عن كل ما يخصهم منذ صغره، هو العامود الذي تستند عليه تلك الأسرة، هو حصنها وآمانها.
_ما بك ساري؟ لِمَ أنت شارد اليوم؟
نظر لها بتردد ثم زفر بيأس وقال بهدوء:
_تعلمين أمي أنني أفتديكما بروحي، تعلمين أنكما أغلى ما أملك، وتعلمين أنني في سبيل راحتكما مستعد أن أفعل الكثير مهما كان.
عقدت حاجبيها بدهشة مجيبة:
_أعلم حبيبي بالطبع، حفظك الله لنا!
لينظر في عينيها بتوسل قائلا:
_طوال سنوات عمري وأنا لا أفكر إلا بسعادتكما وتعويضكما عن الحاجة، لكن.. لكن الآن أمي أنا من أريد شيئا ما، وبشدة، بإمكانك القول أنني لن أجد راحة إلا به!
طل القلق من عينيها بوضوح وهي تميل عليه متسائلة:
_أخبرني ساري، ماذا حدث؟ ماذا تريد؟
وبصوت خافت كانت الإجابة:
_أريدها أمي، بكل كياني أريدها!
انشرحت ملامح أمه ببسمة متشوقة ثم هتفت:
_إذن أنت لم تكن تمزح! هناك فتاة بالفعل؟
ليومىء برأسه بجمود مرددا:
_هناك فتاة أمي.
فازدادت سعادة ملامحها وهي تهتف به:
_الحمد لله! أخيرا سأحضر زفاف أحد أبنائي!
وقبل أن تستغرق في فرحتها عاجلها ساري بصوت قلِق:
_هناك مشكلة أمي!
انعقد حاجبيها بوجل وهي ترمقه فتابع مفجراً مفاجآته مرة واحدة:
_الفتاة كانت تعيش مع خالها، والآن تقيم وحدها، أمها متوفاة منذ زمن، وأبوها لا يعترف بها!
****
كانت تدور في غرفتها والحيرة تقتات على مشاعرها، أيعقل أنه بالفعل يحبها؟ هو لم ينطق لكن عيناه أقسمتا بها!
لم تتخيل بحياتها أن ينظر لها رجلا بذلك العشق خاصة إذا أدرك مصيبتها، أيعقل أنها من الممكن أن تحصل على مستقبل معه؟
بيت بسيط؛
زوج رائع؛
أطفال صاخبين بعيون خضراء وأهداب مشعثة!
ضحكت بسعادة وهي تغرق في بحور تخيلاتها، حينما انتشلها منها صوت رنين جرس الباب الضعيف..
"بوقتك تماما خالي صلاح !"
هكذا هتفت وهي تحيط وجهها بحجابها بعشوائية تحسباً ثم انطلقت إلى الباب وفتحته مبتسمة بسعادة غامرة لكنها بلحظة تسمرت:
_مرحبا رهف!
ضيقت عينيها بشك وهي تدقق النظر بالزائر، ثم ما لبثت أن أدركت أين رأته من قبل فشحب وجهها على الفور..
وبنبرة مرتعدة تساءلت:
_إنه أنت! ماذا تريد مني؟! وكيف تجرؤ على الحضور إلى هنا؟
ازدرد لُعابه بارتباك، وبابتسامة حنونة مشتاقة شابها توسل، أجابها:
_أنا عَمَّار الناجي، أخوكِ!
** نهاية الفصل الخامس**


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-08-20, 07:59 PM   #34

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير حبيباتي
معادنا مع الفصل السادس
*****

الفصل السادس
صِراع
قبل عدة سنوات:
بعد أن انصرف آخر مؤدِ لواجب العزاء جلس صلاح مربتا على رهف التي نامت بأحضانه بعد أن أعيتها شدة البكاء، أخذ يدعو بالمغفرة والرحمة لأخته التي انتقلت إلى رحمة ربها بعد معاناة كبيرة مع الاكتئاب انتهت بانتحارها.
عاد بذاكرته إلى تلك السنوات المُضنية، منذ فرارهما من أذى ذلك الحقير ورفضه تطليقها كعقاباً لها على الوشاية بزواجهما لديه، ثم نبذه طفلته بعدما أظهر عدم اهتمامه بتهديدها إياه!
لقد عاتب شقيقته ونهرها لسنوات بلا فائدة؛
ها هي قد سقطت في بحور آثامها حتى الأعمق وإلى أنفاسها الأخيرة!
جلست شروق بجانبه فجأة متأففة:
_أخيراً انصرف الجميع؟! لقد كاد رأسي أن ينفجر!
لم يبد على صلاح أنه استمع إلى عبارتها فنادته بتصميم:
_صلاح، فيمَ أنت شارد؟
نظر لها والألم ينضح من ملامح وجهه، ثم هبط بأنظاره إلى تلك النائمة مردداً:
_أفكر بتلك المسكينة وما ستعانيه مستقبلا.
وبنبرة يشوبها القلق ردت هي:
_بل يجب أن تفكر فيما سنفعله معها، من سيتولى تربيتها؟
ضيق عينيه بعدم فهم فتابعت مهددة:
_لا تخبرني صلاح أنها ستقيم معنا، لقد تحملتها مع أمها لثمانية سنوات كاملين، لكنني لن أسمح بتواجدها معنا أكثر، أبوها على قيد الحياة ويجب أن يتحمل مسئوليتها.
رد صلاح بذهول وهو ينظر لها وكأنها مجنونة:
أنتِ تعلمين أنه رافض الاعتراف بها، وأننا ليس لدينا ما نثبت أبوته لها بعد أن فقدت عايدةرحمها الله_ العقد، بالإضافة إلى أنني خالها وليس لديها سواي، أين ستذهب تلك اليتيمة؟
انتفضت شروق واقفة وهي تصرخ:
_وما خصني أنا؟ لِمَ أتحمل تربيتها؟ هي ليست ابنتي.
ليرد هو بصوت منخفض بعد أن تململت الفتاة بجواره:
_وفيمَ تتعبك هي؟ إنها هادئة لا تثير المتاعب، حتى صوتها لا نسمعه، كما أنني أعلم أنها تقوم بكافة مسئولياتها بالإضافة إلى مسئولياتك أنتِ وابنتك أحيانا!
لتصرخ بنبرة أعلى جعلت الفتاة تهب جالسة مستيقظة بذعر:
_أنا لا أريدها! لا أريدها ببيتي تأكل من طعامنا وتنفق أنت على تعليمها من دخلنا القليل، أريد أن أنجب أخا أو أختا لابنتي يكون لها سندا بالمستقبل، لا أريد لتلك اللقيطة أن تلطخ بيتنا أكثر.
ليقف أمامها صلاح متحدثا بحزم:
_اسمعي شروق وافهميني جيدا! ربما أنا أخبرتك أنني لا أريد أطفالا آخرين خشية الحاجة المادية، لكنني في الواقع لم أشأ أن أخبرك بأنني أخاف إنجاب آخرين منكِ، فأنا أرى بوادر نبتتك التي تتضح بسلوكيات ابنتي، لا أريد فردا أنانيا آخر في ذلك المنزل، وأفضل تكثيف جهودي في إصلاح ما ستفسدينه أنتِ بدينا، واعلمي جيداً أن رهف مسئولة مني أنا، ولن أتركها ما حييت، والآن لا أريد منكِ التفوه بحرف واحد بذلك الشأن.
ثم جذب ابنة أخته التي لا تعي ما يحدث حولها لكنها تشعر أنها قامت بخطأ ما لا تدري كنهه بسبب نظرات زوجة خالها التي تزداد كراهية وحقداً.
ومنذ ذلك اليوم بدأت معاناتها الحقيقية في بيت خالها على أيدي زوجته وابنته، فأقل خطأ كان يستوجب عقابا بالضرب ويصل أحياناً إلى التقييد في عامود الفراش حال خروج الخال إلى عمله ، مع تحذير صارم بإخباره لأنها حينها ستتذوق من العذاب ألوانا.
****
"إلى أين أنت ذاهب يا عاصم؟"
توقفت يده فوق مقبض الباب بعد أن كان يهم بإغلاقه ثم أجاب أبيه باقتضاب دون أن يلتفت إليه:
_ذاهب إلى أمي.
اقترب منه متسائلا بحرج:
_كيف حالها؟
تسارعت أنفاسه ثم ما لبث أن صفع الباب بقوة وهو يستدير إليه والغضب يتقافز من عينيه هاتفا:
_بخير أبي، هي بخير، ربما ضريرة بعض الشيء ولا تستطيع التحرك خطوة بمفردها، لا تستطيع تناول الطعام ولا الذهاب إلى المرحاض ولا الاغتسال ولا تناول دوائها إلا بمساعدة..
صمت يلتقط أنفاساً يُهدىء بها ثورته الداخلية ثم تابع بحسرة:
_ أوتعلم من يساعدها؟ ابنة زوجها المتوفى، وأنا هنا ابنها الوحيد أمارس حياتي بصورة طبيعية بكامل صحتي ولياقتي وأستأنس بك وبأختي، عدا ذلك فهي بخير تماما!
تهرب أبوه من عينيه بندم واضح والتزم الصمت، وبعد عدة ثوان زفر عاصم آسفاً مرددا بخفوت:
_أعتذر! لم أقصد أن أكون وقحا.
أومأ أبوه رأسه بلا تعبير وهو يرد:
_لا عليك بني، اذهب إلى أمك واعتنِ بها.
ثم أولاه ظهره واتجه إلى غرفته بخطوات متثاقلة، فظل هو واقفا يتمزق بين الغضب والندم..
غضب من أبيه الذي تسبب في حرمانه من أمه طوال تلك السنوات ولم يعترف بحقيقة ما حدث إلا حينما صمم هو؛
وندم لأنه للمرة الأولى بحياته يرفع صوته أمامه؛
لكنه سرعان ما تخلص من كليهما وانطلق مشتاقاً إلى أمه.
****
"أهو نوع جديد من المزاح ساري؟! لأنه سخيف جداً!"
ارتسم الإصرار في نظراته وبهدوء أجابها:
_لا أمي، أنا لا أمزح، ما أخبرتك به هو الحقيقة كاملة، الفتاة وحيدة تماما.
هَبَّت أمه واقفة تصيح به:
_هل هذا ما يهم الآن؟ أتريد إحضار فتاة لقيطة تعيش بمفردها إلى بيتي؟ مع شقيقتك؟ أتعلم عنها أي شيء؟ عن أخلاقها؟ عَمَّ تفعله بالخفاء؟ هل فقدت عقلك ساري؟!
وبنفس الهدوء الذي بدأ باستفزازها وقف أمامها وهو يرد:
_أعلم أنها معلمة محترمة، تعلم ابنة أختك التي تحبها بشدة بالمناسبة، أعلم أنها بغاية التهذيب وأخلاقها عالية وربما تتسم ببعض السذاجة والكثير من البراءة، أعلم أنها ضعيفة هشة عانت ماضياً أسوداً وتعاني حاضراً مظلماً، وربما مستقبلاً أكثر قتامة، لكنني أريدها هي فقط أمي.
دمعت عيناها مخاطبة إياه بتوسل:
_فكر بغيرها بني، لا يهم أي واحدة تختارها، فقط لها أصل ونسب.
تدخلت سارة التي التزمت الصمت بجانب باب الشرفة منذ البداية هاتفة باندفاع:
_وما ذنبها أمي؟ ما ذنبها في طريقة مجيئها إلى هذه الدنيا؟ هل سألها أحد عن رأيها؟ إن كانت بالفعل على خلق ودين ما الذي يمنعه من الارتباط بها؟
نهرتها أمها صارخة:
_اسكتي سارة ولا تتدخلي!
تقدمت سارة حتى وقفت بجانب أخيها متشبثة بكفه بقوة ثم قالت بِعِناد:
_لا أمي، إن كنتِ تعتبرينني لساري مجرد أخت صغرى فأنا أعتبره أبي، لقد خاض الكثير من أجلنا وحقق كل أحلامنا، وهو أبدا لم يتمن شيئاً لنفسه، كما أنه ليس ساذجا أيضا، اتركيه يخوض تجربته، عسى أن تكون تلك الفتاة له تعويضاً عن شقائه منذ الصغر.
شبَّك ساري أصابعه بأصابع أخته وهو ينظر لها بامتنان شارداً، نقلت سوسن أنظارها بينهما بحسرة وهَزَّت رأسها رفضاً ثم خرجت من الشرفة حانقة، التفتت سارة إلى ساري هاتفة بمرح مفتعل:
_الآن ستسرد عليّ منذ البداية قصتك مع تلك التي سرقت قلب أخي، بالفعل ساري لم أتخيل أبدا أن تسقط صريع الحب، اعتقدت دائما أنك عندما تقرر الزواج ستختار فتاة مملة لتنجب منها بعض الأطفال وتدبر لي المكائد فأُكدر صفو حياتها، لكن على ما يبدو أن هناك من قضت على أحلامي!
أدرك محاولتها المزاح معه كي تهون عليه الحالة البائسة التي وضعته بها أمه برفضها، لكنها فشلت بجدارة، فقد أولاها ظهره وهو يحدثها بنبرة حزينة:
_اعذريني سارة، أريد أن أبقى قليلا بمفردي.
زفرت بضيق ثم طبعت قُبلة حنونة على ظهره وخرجت رامقة إياه بحزن.
أما هو فقد تمسك بسور الشرفة وهو يعاني صراعا يتغذى على قلبه وعقله وروحه، ضغط أسنانه بشدة وأغمض عينيه هامسا بعذاب:
_اعذريني أمي، لم يعد باستطاعتي التراجع!
****
في عمر التسعة:
ذات يوم عادت من المدرسة رأساً إلى غرفة خالها، وسؤال واحد يؤرقها منذ الصباح..
وبالتحديد منذ أن رأت إحدى زميلاتها تصطحب شقيقتها من أمام فصلها الدراسي بعد أن تشاجرتالأولى مع أحد الأولاد الذين أزعجوا الصغيرة..
بحزن سألته:
_خالي! ألن يكون لي إخوة يوماً؟
بألم أجابها:
_أنتِ لديكِ أخ بالفعل رهف.
بفضول فَرِح سألته:
_أين هو؟ وكم عمره؟ وما اسمه؟
بقهر أجابها:
_ببيت والدك، يكبرك ببضعة أعوام، اسمه عَمَّار شديد الناجي!
........
"عَمَّار الناجي، أخوكِ!"
العبارة البسيطة تتردد في ذهنها بتكرار رتيب وتزامُن مع ذكرى بعيدة جداً لاكتشافها الأول بوجود أخ لها..
أخ انتظرته طفلة أمام نافذتها كثيراً ولم يأتِ؛
أخ انتظرته مراهقة كي ينقذها من قسوة زوجة خالها وابنتها ولم يأتِ؛
أخ انتظرته شابة أن يضمها إليه مُذيقاً إياها حنان لطالما تساءلت عن ماهية الشعور به فلم يأتِ؛
إلى أن جاء أبوه ليُلقنها وخالها درساً ففقدت الأمل به ولم تنتظره أكثر، بل وتمنت ألا تراه مطلقاً حتى مصادفة؛
لكن منذ متى وتحققت أمنياتها؟
ها هي أمامه الآن كالصنم تقف..
"عَمَّار الناجي، أخوكِ!"
بل في الواقع
عَمَّار شديد الناجي!
نفس الاسم؟.. نعم؛
نفس الطول؟.. نعم؛
نفس النظرة القاسية؟... لا
نفس الملامح المرعبة؟... أيضا لا!
حنان... اشتياق... توسل؛
تفيض عيناه بالكثير، لكنهللأسف يظل:
"عَمَّار شديد الناجي!"
ابن الرجل الذي ضرب أمها أمامها، ثم صفعها؛
ابن الرجل الذي تسبب في اكتئاب أمها ثم انتحارها؛
ابن الرجل الذي تسبب في شلل ذراعها؛
ابن الرجل الذي ضرب خالها ثم هددها بالمزيد إن لم تختفِ من بيته؛
ابن الرجل الذي بسبب نبذُه إياها أُهينت وعُذِبت وقُيدت ببيت خالها؛
ابن الرجل الذي بسبب عدم اعترافه بها يتعامل معها الجميع باشمئزاز واحتقار؛
وابن الرجل الذي ألصق بها صفة "لقيطة!"
ابن شديد الناجي..
قاتل أمها، مُكدر حياتها، ومُدمر أحلامها، ولاصق العار بها!
عَمَّار شديد الناجي ليس أخوها..
بل هو ابن عدوها!
وهتاف مشتاق منه انطلق:
_أخيراً يا رهف!
والصرخة خرجت منها مرتجفة:
_ماذا تريد مني؟
والرد كان حاضرا، سريعاً، وبمنتهى الصدق:
_أريدك رهف، أريدك معي وبجانبي، أريد تعويضك.
رَدَّت بصوت متحشرج:
_لماذا كنت تلاحقني طوال الوقت؟!
وأضافت:
_في الهاتف، وفي العمل، وأمام مسكني!
تحرك يهم بالدخول عندما رَفَعَت كفها أمامه ثم صاحت بحزم:
_إياك!
وبتنفس سريع كررت:
_إياك أن تدخل! ماذا تريد مني؟ لقد تركت بيت خالي حتى لا تؤذوه، تركت الحي كله وأعيش بمفردي الآن، ماذا تريدون بعد؟ أن أترك البلد بأكمله؟ أن أنتحر مثلها؟! لِمَ لا تدعوني وشأني؟ لِمَ لا تمحونني من عقولكم؟!!
هز رأسه بنفي قائلاً بألم:
_لا رهف، أنا لست مثله، أنا لن ألحق بكِ أي أذى، أنا أخوكِ رهف، وأريدك أن تعيشي معي، أريدك أن تدركي كم أنا أحبك وأرغب ببقائك بجانبي، أنا.. أنا لم أعلم بوجودك إلا منذ فترة قصيرة، أقسم رهف لو كنت أعلم عنكِ أي معلومة منذ زمن لما كنت تركتك يوماً واحداً بمفردك.
اللهفة، الاشتياق، الأسف، الندم..
يتزاحمون في عينيه؛
ارتجافة صوته، ذراعيه اللذين يجبرهما على الثبات إلى جواره..
يصرخون رغبة في احتضانها؛
لكنها ليست غبية، لن تصدق ابن ذلك الرجل، لن تصدق سليل نسل الأذى..
لن ترتمي بين ذراعيه الآن صارخة معترفة باشتياقها إليه؛
لن تخبره عن معاناتها في انتظاره هو على الأخص؛
لن تفعل ذلك مطلقاً!
نظرت له بسخرية هاتفة:
_أتعلم؟! لو لم تكن ابنه لكنت للتو صدقتك، أنا لا أفهم أي لعبة حقيرة يدبرها والدك لكنني لن أسمح لكم بإفساد حياتي أكثر، ارحل ولا تحضر مرة أخرى كي لا أبلغ الشرطة، فإن كنت لا تعلم أنا ليس لدي ما يثبت أنني ابنة والدك، ولا صفة رسمية على الإطلاق تربط بيني وبينك!
وبأقصى قوة تمتلكها أغلقت الباب ليغمض عينيه بألم متقهقراً، لم تفاجئه على أي حال لكنه تمنى لو أعطته فرصة؛
تمنى لو استطاع احتضانها..
تمنى لو منحته فرصة للاعتذار..
ويا إلهي كم هي جميلة بريئة ضعيفة تصرخ رغبةً واحتياجاً!
ويا لحسرته! للمرة الأولى يراها بذلك القرب ولا يستطيع الدنو منها أكثر!
مسح على وجهه بِتعب حينما ارتفع رنين هاتفه فرد بخفوت:
_نعم مَوَدَّة!
وبصوتها المتلهف سألته:
_ماذا فَعَلَت؟
ليرد بنبرة ساخرة:
_كما توقعنا تماما، رَحَّبَت بي أشد الترحيب!
فأتته نبرتها مواسية:
_أعطها عذرها عَمَّار، واعطها وقتاً حتى تتأكد من حُسن نواياك تجاهها.
زفر باستسلام متمتماً:
_وماذا بإمكاني مَوَدَّة سوى الانتظار!
****
"لقد أتيت!"
هتفت بها سما وهي تدلف إلى الشقة محملة بأغراض كثيرة وضعتها جانبا، عقدت حاجبيها عندما استمعت لضحكاتها مختلطة بضحكات رجولية، عندئذٍ زفرت بملل وهي تدرك هوية صاحبها، وما لبث أن انطلقت صيحة زوجة أبيها:
_تعالي سما، عاصم هنا!
"أعرف! لقد شعرتُ باختناق مفاجىء ورغبة في تهشيم رأس أحدهم ما إن وصلت، بالتأكيد هو هنا!"
تمتمت متجهة ببطء إلى غرفة الجلوس تحاول إخفاء ضيقها من وجوده، لقد احتمت بغرفتها عندما حضر بالمرات السابقة بحجة النوم، لكن أين لها من مهرب الآن؟!
_السلام عليكم!
رفع رأسه بابتسامة مغيظة ينظر إليها، فالضيق واضح تماما بعينيها، ويدرك جيدا أنه السبب، لقد أصبح يشعر بتسلية كبيرة حقا عندما يراها غاضبة، يعلم أنه يتصرف بطفولية لم يعتدها لكن الأمر أصبح خارج عن سيطرته.
_وعليكم السلام آنسة سما، كيف حالك؟ اشتقنا لكِ!
لم يفُته تكوير قبضة يدها في تأمل واضح بتسديد لكمة إلى وجهه، ومن بين أسنانها ردت:
_متى اشتقت وقد أتيت خمسة مرات خلال أسبوع واحد؟!
اتسعت عينا صفاء هاتفة باستنكار:
_سما!
تطلعت إلى ملامح السيدة المؤنِبة ثم تململت بِضيق وقالت بحرج:
_سأدخل غرفتي أم عاصم، إن احتجتِ أي شيء قومي بمناداتي.
ما إن استدارت حتى تنصرف فعاجلتها المرأة باستدراك:
_صحيح سما، الحاجة دلال أتت مع ابنها اليوم، إنها تصر بشدة على التحدث معِك.
التفتت سما والغضب يقفز من عينيها قفزاً هاتفة:
_ألا تمل تلك المرأة؟ كم مرة يجب عليّ إخبارها أنني أغلقت تلك القصة إلى الأبد؟ بالمرة القادمة لا تشجعيها على الحديث بالأصل، وإن صادفتها أنا سأجعلها تندم على ذلك الإصرار.
وانطلقت بغضب شديد إلى غرفتها، بينما زفرت صفاء بحزن، فلم يستطع عاصم التحكم بفضوله وهو يسألها:
_من دلال وابنها يا أمي؟
أجابته صفاء بنبرة حزينة:
_إنها جارتنا وكان ابنها خاطباً لسما من قبل، لكنهما انفصلا منذ بضعة أشهر، والآن هو نادم بشدة ويود استعادتها، لكنها ذات رأس كالجدار لا تود إعطاؤه فرصة ثانية.
وبلهجة أكثر فضولية تساءل:
_ولِمَ انفصلا أمي؟
بامتعاض واضح أجابته:
_لقد اكتشفت أنه يحادث فتيات أخريات، على سبيل التسلَّي، ذو الحظ النحِس تكون معه فتاة مثل سما وينظر إلى غيرها.
رد عليها عاصم بمرح:
_ أنتِ مخدوعة في تلك الفتاة يا أمي، إنها تجعل الرجل يلعن حظه الذي أوقعه مع من مثلها، سلاطة لسانها لم أر مثلها بحياتي، بالتأكيد ذلك المسكين ولى مدبراً ذعراً منها.
عبست أمه وهي تنهره:
_لا تتحدث عنها بتلك الطريقة عاصم، إنها ابنتي، هي فقط تتحسس من وجودك غيرةً منك لا أكثر، لكنها في الواقع لطيفة.
ثم استدركت بلا اقتناع:
_أقصد.. أحياناً تكون لطيفة.
ضحك عاصم وهو يُقبِّل كفها بحنان فربتت بيدها الأخرى أعلى رأسه، قضى معها بعض الوقت ثم وضعها في فراشها وظل بجوارها حتى نامت.
خرج من غرفة أمه متجها إلى باب الشقة ليستمع إلى صياح خافت قادم من المطبخ:
"دعني وشأني شريف، لا تتصل بي مرة أخرى ولا تجعل والدتك تحدث أمي في ذلك الموضوع، أنا التزم الصمت احتراماً لها فقط، لكنني قريباً سأفقد صبري وسأتصرف بطريقة غير لائقة! لديّ من المشاكل بالعمل ما يفوق دلالك وتفاهتك، وما كان بيننا قد انتهى منذ شهور!"
ثم أنهت المكالمة وهي تلقي الهاتف على سطح إحدى الخزانات بغيظ واضح.
أمي؟!
لقد سمعها مراراً تناديها "أم عاصم"، لِم تذكرها الآن ب"أمي"؟!
ألقى سؤاله جانبا واتجه رغماً عنه إلى المطبخ لتتسع عيناه دهشة وهو يستمع إلى صوت بكائها الخافت، كانت توليه ظهرها مخبئة وجهها بين كفيها وجذعها يهتز ببطء، لا يعلم لِمَ لم يتحرك، لا يعلم لِمَ ظل واقفاً يراقبها بصمت، لا يعلم لِمَ انطلق ذلك اللسان الغبي بـ:
_سما!
التفتت مجفلة وهي تنظر له بدهشة من بين دمعاتها الغزيرة ثم مسحت وجهها بكفيها وبمنتهى العنف هتفت به:
_ماذا تريد؟ ما الذي تفعله بالمطبخ؟
ثم ارتخت ملامحها وهي تسأله بهدوء:
_أتريد أم عاصم الذهاب إلى المرحاض؟
هز رأسه مسرعا بنفي وهو يجيبها:
_لا، لقد نامت.
زفرت بتعب وهي تعاود سؤاله بخشونة بدتلأول مرة لا تليق بها:
_إذن ماذا تريد؟!!
حك عاصم مؤخرة عنقه وهو لا يجد إجابة على سؤالها ثموبكل تهور رد بأول شيء جال بخاطره:
_أنتِ تقولين "أمي"!
ضيقت عيناها بحذر وهي تسأله:
_ثم..؟!
حمحم بعبوس مفتعل وهو يرد:
_أنتِ تقولين عن أمي أنا "أمي"، أي أمك أنتِ! انتظر تفسيراً!
اتسعت عيناها بدهشة وارتسم الشر على ملامحها فبحث بعينيه متوجساً عن السكين الضخم، لكنه عاد بنظراته إليها مسرعا وهي تتقدم منه ليتراجع بضع خطوات إلى الخلف، فتبادره هي بلهجة منتصرة:
_لقد كنت أعلم، كنت أعلم أنك ستأخذها مني، منذ أن ظهرت أنت وأصبَحَت طوال الوقت لا تتحدث سوى عنك.
ثم ابتسمت مُفتَعِلة حناناً زائفاً وهي تتابع مُقلدة صوت والدته:
_ كيف يبدو مظهره سما؟ كيف تبدو ضحكته؟ ألم أخبرك أنه فارع الطول، خفيف الظل سما أليس كذلك؟ وسيم بشدة أليس كذلك؟
وبتهور أشد سألها وهو يحدق بعينيها اللتين اكتشف لتوه أنهما جميلتين:
_وهل أنا وسيم بشدة؟
جَزَّت على أسنانها وهي ترد بسرعة:
_وبِمَ تفيد الوسامة إذا انعدم الذوق؟!
ملامحها أيضاً جميلة..نظراتها قوية واثقة..حتى ضآلة قامتها تبدو له الآن..مُحَبَّبَة!
جال في ملامحها مدققاً وبنبرة خافتة قليلا عقّب:
_قَلّ!
انعقد حاجباها بتساؤل واضح فأردف:
_قَلّ الذوق وانعدم الإتيكيت، لا تنسِ نعوتك التي أطلقتها عليّ بنفسك!
أغمضت عينيها وهي تزفر بضجر باحثة عن صبر مفقود فتابع بابتسامة زاهية:
_هذا يعني أنكِ ترينني وسيماً بشدة.
وضعت إحدى كفيها على فمها في إشارة لكظم غيظ شديد فتحدث هو ثانية متسائلاً:
_لِمَ تبكين وليس هناك بصل؟!
ألقت كفها جانباً وهتفت به بنزق:
_ألا ترى أنك تتدخل فيما ليس لك به شأن؟ ألم تنم أم عاصم؟ هيا! ارحل كي أوصد الباب بالقفل!
نظر لها بِغِلّ شديد ثم خرج من المطبخ فتبعته هي، وعند باب الشقة توقف ملتفتاً إليها مُكرراً سؤاله بإصرار بداله شخصياً عجيباً:
_لِم تناديها ب"أمي" في غيابها وليس ب"أم عاصم" كما تفعلين دوماً؟
ولدهشته نحت سلاطة لسانها جانباً وهي تجيبه بهدوء وبصدق ظهر واضحاً بعينيها:
_لأنها أمي مهندس عاصم، لم تنجبني أعلم، لكنني لا أملك أم سواها، هي من رَبَّتني وعاملتني بحب وعطف أكثر مم أتمنى، وهي دائماً ما فضلت أن يناديها الجميع بـــ"أم عاصم" حتى يظل اسمك ملاصقاً لها.
حدق بها للحظات يستشعر حبها الهائل لأمه، ووفائها وإخلاصها، وحتى حنانها الذي تخفيه بِتعمُّد، ليشعر بشيء غريب يتسلل إليه، شيء ناعم، ممتن، فضولي... مُعجب!
وعندما هم بإلقاء أحد الردود اللطيفة التي تستوجبها اللحظة في دعوة للسلام هاجمته على الفور بهتاف مُتحفز:
_ولهذا احذر! أنا لن أسمح لك بأخذ أمي مني مطلقاً! لا تعتقد أنني منشغلة بعملي ولا أفهم ما يدور من محاولاتك المستمرة لاقناعها بالانتقال معك، لكنني أوقن تماماً أنها لن تتركني إلى الأبد، وأنصحك بأن تكف عن محاولاتك لأنها ستفشل!
عاد لتحديقه بها للحظات في صمت حتى بدأت هي تشعر بالتوتر؛
ألن يرد عليها بسخافة؟
ألن يغيظها ويتحداها؟
ولماذا يبتسم كالأبله هكذا؟!
أسئلة دارت برأسها ولم تحصل على إجابات لها، لكن أعصابها ارتخت فوراً عندما فتح الباب وانصرف دون كلمة.. مبتسماً!
***


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-08-20, 08:02 PM   #35

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل السادس:
"ماذا حدث رهف؟ لقد أقلقني صوتك في الهاتف صباحاً"
ارتمت رهف بين ذراعي خالها باكية ليحتضنها بحنان شديد وهو يعيد سؤاله بقلق:
_ماذا حدث يا ابنتي؟
رَفَعت رأسها تنظر إليه من بين دمعاتها وهي تجيب:
_لقد عاد خالي، لن يدعني وشأني!
رمقها بلا فهم للحظات ثم ما لبث أن اتسعت عيناه بذعر وهو يسألها:
_شديد؟!
هزت رأسها نفياً هاتفة:
_بل ابنه!
انفرجت ملامح صلاح بلحظة وهو يربت على ذراعها التي لاحظ تصلبها ثم جذبها برفق ليساعدها على الجلوس على المقعد القريب وجلس أمامها، انتظرها حتى تكف عن بكائها تماما، عندئذ تحدث قائلا:
_أعطِه فرصة رهف!
نظرت له بدهشة ثم سألته بضعف:
_من؟!
ليجيب بحذر:
_أخوكِ.
عندئذ هبت واقفة تصرخ بهياج:
_أنا ليس لدي إخوة، ليس لدي أب، ليس لدي أم، ليس لي إلاك خالي، ولا أريد آخرين، هو مؤذِ، مؤذِ بالتأكيد مثل أبيه، الذي تسبب بانتحار أمي وتسبب بإلصاق العار بي، وأنا لست بلهاء إلى الدرجة التي تجعلني أصدق تمثيله البارع.
ثم استدركت وهي تحدق بخالها بدهشة قائلة:
_لحظة! أنت لم تفاجأ عندما أخبرتك بحضوره، هل كنت تعلم؟
طأطأ صلاح رأسه أرضا يجيبها بخفوت:
_لقد أتاني عند مقر عملي يرجوني أن أحدثك عنه، وأن أخبرك أن نواياه ليست سيئة تجاهك، وأنه.. يريد تعويضك...
قاطعته رهف بصراخ باكِ قلّما انطلق منها:
_عن أي تعويض يتحدث؟! كيف سيعوضني عن كراهية أمي لي؟، عن حرماني منها في عمر الثمانية؟، كيف سيعوضني عن نومي كل ليلة أتقلب بداخل كابوس يحمل وجه مظلم وعينين حاقدتين؟ أيستطيع تعويضي عن كل مرة ناداني فيها أحدهم بـ"عديمة الأصل"؟ "ابنة الخطيئة أو اللقيطة"؟ أيستطيع تعويضي عن النبذ الذي أقابله بكل من يعرف حقيقتي؟ أيستطيع تعويضي عن العذاب والإهانة والألم الذين تمرغتُ بهم على يد زوجة خالي وابنتها؟ أيستطيع تعويضي عن بقائي بمفردي هنا أعاني الوحدة والحرمان واحتقار الذات؟
صمتت للحظات تنتحب ثم تابعت من بين شهقاتها بقهر:
_أيستطيع تعويضي عن ذكرى سيئة لأبيه بينما يتعدى بالضرب عليك أمامي وأمام زوجتك وابنتك؟ أخبرني خالي، أيستطيع تعويضي عن كراهيتي لرؤية وجهي بالمرآة حتى لا أرى أي صورة ضعيفة وضيعة متدنية أحملها أنا؟!
لم يتفوه صلاح بكلمة وبكاؤها المرير يتسرب إلى خلاياه، وبصعوبة منع دموعه من مشاركتها وهو يدرك أنها للمرة الأولى تتخلى عن صمتها، يدرك أن ظهور أخيها تسبب في ظهور بوادر تمرد لم يكن مطلقاً من شيمها، يدرك أن الغضب الذي لطالما ادّعت عدم وجوده يزأر للإعلان عن نفسه بقوة الآن.
انفجار وشيك يستطيع رؤيته عن بُعد، وما يتمناه ألا تتضرر هي منه أولاً.
اقترب منها مربتاً عليها بحنان، وبصرامة خاطبها:
_إن كنتِ لا تريدينه بحياتك لن أُجبرك، وإن حاول التواصل معِك مرة أخرى فقط أخبريني وأنا من سيتصدى له.
لم تستطع حتى رسم ابتسامة ممتنة على وجهها وهي توميء لخالها بشرود.
لكن صورة أخيها النادمة تعلَّقَت بذهنها مورثة إياها ندماً مماثل، لكنها سرعان ما تجاوزت ذلك الندم مستعينة بكل لحظة ذل عانتها منذ أدركت حقيقتها.
****
"هيا ساري! لا تكن سخيفاً، أنت لم تتناول شيئاً منذ الأمس."
هتفت بها سارة برجاء وهي تقدم له إحدى الشطائر بإلحاح بينما هو أكثر عناداً من تقبله..
نظر لها بلا تعبير متسائلاً:
_هل عينتكِ أمك مراقباً علي؟
وقبل أن ترد استدرك ساخراً:
_صحيح، لقد نسيت أنها تقاطعني ولا تتحملني ولن تهتم إذا ما مِتُ جوعاً حتى!
زفرت سارة بتعب وهي ترد:
_لا تحزن ساري، بعض الوقت فقط وستتفهم كيف تحبها وسيتغير موقفها.
لم يرد مكتفياً بتقطيبة حاجبيه، فارتسمت نظرة شقية على محياها وأردفت متسائلة:
_هل هي جميلة؟
ولاحت ابتسامة نادراً ما رأتها على وجهه وهو يجيبها شارداً بنبرة لم يخف بها الوَلَه:
_فاتنة! وجنتان متوردتان، عينان تائهتان، وأهداب مشعثة!
أطلقت صفيراً ناعماً وهي تعلق بابتسامة متسعة:
_يا إلهي! لا أصدق، ساري أخي الذي فقدت الأمل في زواجه يوما هو من يتغزل بفتاة بذلك الهيام؟ أصبحتُ لا أطيق صبراً لرؤيتها.
ثم مالت عليه بهمس ماكر:
ألا توجد لديكوأعني مصادفةً_ صورة لها؟
ليخرج من شروده تماما وابتسامته تتسع أكثر ويحتل عينيه مكر محبب وهو يخرج هاتفه، فرمقته بدهشة قائلة:
_لقد كنتُ أمزح، بالفعل كنتُ أمزح! لم أتوقع أبداً أنك أصبحت مُتيماً وتحمل صورتها على هاتفك يا ساري!
لم يرد وهو يعرض عليها صورتها منتظراً رأيها بحماس، فعلقت بإعجاب:
_إنها جميلة فعلا، لكن أين التقطت لها هذه الصورة؟ ومن هؤلاء الأطفال؟
ظهر الحرج على ملامحه وهو يتهرب من عينيها مجيباً:
_لست أنا من التقطتها، إنها مريم، هي معلمتها بالمعهد الملتحقة بإحدى دوراته.
لتسأله سارة باستغراب وهي لازالت تتفحص الصورة بفضول أنثوي:
_وكيف وصلت الصورة إليك؟
وعندما لم يتحدث مستسلماً للحرج، رَفَعَت عينيها إليه بإدراك بدهشة هاتفة:
-هل تسللت إلى هاتف مريم وسرقتها؟! لقد فسدت أخلاقك تماما بالفعل يا ساري!
اختطف الهاتف منها نزِقاً ووضعه بداخل سترته فسألته:
_ما اسمها؟
وارتسم العشق في عينيه وهو يجيبها:
_رهف!
عاجلته بآخر:
_ما قصتها؟
نظر لها ساري بضيق ثم أجابها زافراً بيأس:
_أمها متوفاة، عاشت مع خالها ثم استقلت عنه.
تساءلت بحذر:
_وأبوها؟
جمدت ملامحه ثم تحولت لاشمئزاز واضح وهو يرد بخفوت:
_أخبرتني أنه لا يريد الاعتراف بها، وأنا لم أفضل أن أسألها عنه حتى لا أضيف لآلامها، ولا يهمني هذا يا سارة، هي فقط من أريد، وعندما تكون لي، ستتحقق كل أحلامي.
وضعت سارة إحدى كفيها تحت خدها وهي تتنهد قائلة بهيام:
_ارزقني يا الله برجل يحبني كهذا الحب.
لتنتفض عندما طار أحد الملفات بوجهها وهو يهتف بها حانقاً:
_تأدبي سارة!
تعالت ضحكاتها ثم توقفت والباب ينفتح ليطل منه عاصم رامقاً إياهما بغيظ:
_ما شاء الله! تتبادلان الضحكات هنا وأنا غارق مع الطلبيات الجديدة، ثم تتصل بي خالتي تشكوكما إليّ، ماذا فعلتما للمرأة الطيبة؟
وعندما ارتسم الحنق على وجه ساري والتحذير على وجه سارة أغلق الباب وجلس على المقعد المقابل لها قائلاً:
_لنترك أمر الطلبيات الجديدة جانباً، ما قصة تلك الفتاة التي سببت المشاكل بينك وبين أمك ساري، أحقاً تود الارتباط بفتاة ليس لها أهل؟
وقبل أن يرد اندفعت سارة بحماس مختلط ببعض الحالمية:
_لها خال كانت تعيش معه، وأمها متوفاة، إنها معلمة مريم أختك في مركز الدورات، اسمها رهف، أحبها ساري منذ النظرة الأولى والآن يتعرضان لصعوبات تهدد بتفريقهما، لكنني أثق أنهما سينتصران عليها وسيجتمعان سوياً بالنهاية رغم كل العقبات.
نظر لها الاثنان باستهجان ثم ما لبث عاصم أن هتف:
_مهلا! هل قلتِ رهف؟ لقد رأيتها من قبل مع مريم.
سألته سارة بلهفة:
_هل هي جميلة في الواقع مثل الصورة؟
هم بالرد حينما توقف ليختلس النظر إلى ساري الذي رَفَع أحد حاجبيه واسودت نظرته بتحذير شرير قائلاً بخفوت أرعبه:
_أجب عن هذا السؤال عاصم لأفصل رأسك عن جسدك على سطح هذا المكتب وفي التو!
حمحم عاصم بتوجس وهو يتهرب من نظرات ساري إلى أخته ليهتف بها بعبوس:
_ومالي أنا وشكلها؟ هل تعرفين عني أنني أنظر إلى الفتيات؟
لتعلق سارة وهي تهز كتفيها ببساطة:
_وحتى إن نظرت؟! من تلك التي ستبادلك النظر؟!
سبها من بين شفتيه وأخرجت لسانها له تغيظه، فاستدرك زافراً بغيظ:
_لا أعلم عنها الكثير، لكن مريم لا تتوقف عن التحدث عنها طوال الوقت، هي مقربة منها بشدة، حتى أنها في إحدى المرات صممت أن تهديها شيئا ما فاقترحت عليها الشوكولاتة.
لم يلاحظ أحدهما ابتسامة ساري التي اتسعت بينما استأنف عاصم سائلا إياه:
_أخبرني ساري، أهي تستحق إغضاب أمك؟
انمحت ابتسامته فورا ليحل محلها عبوساً شديدا وهو يرد حانقاً:
_أنت تعلم أنني ليس لديّ أغلى من أمي، وأنني أفتديها بروحي، لكنها حياتي، لِمَ لا تتفهم أمي أنها تمنع عني تحقيق حُلمي؟
نظر له عاصم بدهشة شديدة يحاول استيعاب ما يستمع إليه، لقد أصبحا صديقين منذ سنوات حينما تقرب منه ساري بعد وفاة زوجة أبيه، لم يفترقا أبداً طوال ذلك الوقت، إنه يعلم عنه كل شيء، لم يعهده أبداً بتلك الرومانسية، لقد اقتنع منذ سنوات أنه آلة للعمل ليلاً نهاراً وتلبية طلبات أسرته فقط، ماذا فعلت به تلك الفتاة لتغيره بذلك الشكل؟!
زفر باستسلام متحدثاً بنبرة مطمئنة:
_اهدأ ساري، سأتحدث أنا مع خالتي، مادُمت تحبها بذلك الشكل.
لم يرد وهو يعود لشروده المُقلق بينما صمم عاصم على مساعدة صديقه ليجتمع بالفتاة التي يحبها.
****
تُحمم ابنها الذي يلعب ببعض الألعاب في المغطس بانهماك، بينما هي شاردة تماماً فيما أصبح عليه واقعهم..
خالتها وأمها ينهرانها على موافقة عَمَّار بترك الفيلا والاستقلال، بينما أبوها يبدو مؤيداً بشدة لزوجها تلك المرة..
زوجها يعاني بسبب عدم تقبل أخته لوجوده بالرغم من منطقية الأمر، وهي لا تستطيع مساعدته سوى بإسداء النصائح له بالصبر والتريُث قبل المحاولة ثانية..
وعلى جانب آخر لا يفوتها التطور الذي تتعرض له علاقتها به؛
لا تفوتها نظراته المُدققة بها وكأنه يبحث عن شيء ما..أو وكأنه قد وجد شيء ما!
لا تفوتها محاولاته للتقرب ولإظهار الاهتمام والندم والتمني ببداية جديدة معها؛
لقد ذهب البرود والجفاء واللامبالاة، أو ربما قد تركهم أيضاً بسجن والده..
تحاول هي الانصياع، تحاول المسامحة لكنها رغماً عنها لا تقوى على تجاهل تلك السنوات بسهولة؛
والسؤال الخبيث لا ينفك يطرق عقلها أحيانا:
"ألايزال يفكر في حبيبته السابقة؟"
زَفَرت بضيق وهي تقرر طرده بعيداً فالتفتت إلى ابنها متسائلة:
_أخبرني إياد، هل تحدثت معك اليوم الآنسة رهف؟
أجابها الطفل وهو يلعب بإحدى ألعابه المطاطية داخل المغطس:
_لم تأتِ اليوم.
مطت شفتيها بشرود ثم قالت:
_عندما تذهب إلى الدورة المرة القادمة يمكنك أن تصافحها وتحتضنها.
نظر الطفل لها بابتسامة قائلاً بحماس:
_أنا أقوم بذلك بالفعل.
ثم عاد إلى اللعب فعادت هي إلى شرودها حتى أخرجه منها هاتفا بعتاب مفاجىء:
_لِمَ لا تشاركينني اللعب بالمياه ونقوم بالغناء سوياً مثلما كنا نفعل في المنزل الكبير أمي؟
انتبهت إلى نبرة الحزن التي تخللت صوت ابنها، وأدركت أنها انشغلت عنه منذ بدأت المشاكل الأخيرة وأهملته، فاجتاحها ندم شديد واقتربت منه بسرعة وهي تخاطبه بحنان:
_لا علاقة بالمنزل الكبير بذلك إياد، هذا المنزل أفضل كثيراً، إنه منزل ثلاثتنا فقط، نستطيع اللعب فيه والغناء كما نشاء، انتظر! سأبدل ملابسي وأشاركك اللعب!
تهلل وجه الطفل وتقافز الحماس بعينيه،
بينما بَدَّلت هي ملابسها فعلاً وعادت إليه تلوم نفسها بشدة..
المياه تتطاير من المغطس الكبير في جميع أنحاء المكان؛
صوتاهما يصدحان سوياً بالأغاني الطفولية والصخب سائد؛
العبث يعم الأرجاء دون تمييز؛
وهما يتضاحكان بمرح شديد؛
غافلين تماماً عن ذلك الذي يستند إلى الباب، مشاهداً، متأملاً، ومستمتعاً!
أغنية؛
تلو أخرى؛
وأخرى؛
ولا يتحرك من مكانه قيد أنملة!
أهذه الصاخبة هي زوجته؟!
أهذه المرحة هي من أصبحت تتحفظ معه وتتعامل معه برسمية مغيظة؟!
لقد عهدها بذلك الانطلاق منذ سنوات ولّت، لكنها عندما بدأت مرحلة مراهقتها أخذت تهدأ وتنكمش رويداً رويداً حتى ظنّ أنها تنزعج منه!
الآن أدرك أنه كان بالفعل أعمى وعديم الإحساس، كيف لم ير ذلك الجمال؟
كيف لم يدرك عقله كم هي رائعة؟!
كيف لم يشعر قلبه بحبها حتى أطفأ روحها؟!
قلبه؟!
مهلا!
أهذا قلبه الذي يدوي داخل صدره بعنف؟!
أهذا قلبه الذي ينتفض هاتفاً باسمها وحدها مطالباً؟!
أهذا قلبه الذي يتضخم الآن وعيناه تراقبانها بتدقيق حريصاً على ألا تفته هفوة من حركاتها؟!
لكن كان لابنه رأياً آخر عندما التفت فجأة إليه مقاطعاً أفكاره صارخاً بفرحة:
_أبي!!
وانتفاضة منها للخلف؛
توردت الوجنتان؛
تهربت العسليتان؛
وقُضِمَت الشفتان!!
ليميل محتضناً ابنه غير عابئاً بابتلال ملابسه وعيناه معلقتان بها، وبنبرةاكتسبها مؤخراً خرجت ماكرة أردف:
_ما هذا الجمال يا إياد؟!
والطفل المتحمس صاح:
_هل رأيتنا نلعب ونغني أبي؟ لِمَ لا تشاركنا؟
استقام وعينيه لا تحيدان عنها مجيباً ابنه بإيحاء واضح:
_رأيت إياد، وأخيراً رأيت!
والطفل يتابع بثرثرة لا ينتبه إليها حقاً:
_من يغني أفضل أبي؟ أنا أم أمي؟
وخرج صوتها أخيراً متحشرجاً بحياء:
_إياد!
ليتابع هو بلهجته الماكرة:
_لا أستطيع أن أحكم بعد ست أغنيات فقط، يجب أن تعيدا ذلك العرض منذ البداية حتى أستطيع الحكم بضمير.
حدقت به بدهشة بالرغم من خجلها..
كم هو وسيم! حبيبها وزوجها ووالد طفلها؛
متى تستطيع التوقف عن عشقه؟
متى تنقذ نفسها من الغرق به أكثر؟
متى تبتعد عن هالة الجاذبية التي يفرضها حضوره؟!
ونبرتها خرجت مرتعشة وهي تمر بجواره:
_سأجهز الطعام.
ليتمسك بذراعها هامساً بأذنها:
_أحببت تلك الملابس عليكِ جداً.
انخفضت نظراتها إلى ملابسها القصيرة المُلتصِقة بجسدها بفعل البلل فتصاعد حرجها أكثر، ثم ارتفعت نظراتها إليه بدهشة ليتابع محدقاً:
_وأحببت تلك الأغنيات، أنتِ ماهرة!
جذبت ذراعها منه مهرولة إلى الخارج وانفرجت شفتاها في ابتسامة خجولة فرحة، أما هو فقد أخذ يصدم رأسه بالباب هاتفاً:
_تحمل نتيجة تأخرك عَمَّار وادفع الثمن من أعصابك، تحمل!
_أبي؟!!
أجفل وهو ينظر لابنه الذي يرمقه بدهشة متسائلاً:
_لماذا تضرب رأسك بالحائط؟
وكانت الإجابة سريعاً حاضرة مُزينة بامتعاض موجه إلى نفسه بكل كرم:
_لأن أباك بطيء الفهم إياد، بطيء الفهم جداً!
****
منذ بضعة أشهر:
انتفضت من نومها على صوت طرقات عنيفة على باب المنزل، ارتدت إسدالها البيتي بسرعة وهي تخرج لتجد زوجة خالها وابنته تحتميان ببعضهما مذعورتين بينما خالها يفتح الباب الذي كاد أن ينكسر بقوة الطرق، وما إن فتحه حتى ارتد إلى الخلف بلكمة عنيفة أسقطته أرضا!
_خالي!!
انتفضت صارخة تحاول مساعدة خالها على الوقوف وهي تنقل نظراتها بين ثلاثة وجوه يقفز الإجرام من كل ملمح بهم، ثم من خلفهم ظهر وجه..
قوي البنية؛
عريض المنكبين؛
فارع الطول؛
قاسِ الملامح مظلم العينين؛
بضع شعيرات فضية تخللت مقدمة شعره وشاربه؛
إنها تهذي حتماً!
لِمَ خرج ذلك الوجه الآن من ذاكرتها؟
لِمَ خرج من أسوأ كوابيسها؟
وأي مصيبة تلك التي أرسلته إلى هنا؟
وقفت ببطء يستند عليها خالها، وهي تحدق بوجهه بذعر واضح، قابلها هو بازدراء وحقد، بينما ارتفع نحيب زوجة خالها وابنتهالتي تشاجرت مع زوجها أثناء سفره وتبيت هنا خلفهما، أما خالها فكان يحاول لملمة شتات نفسه التي بعثرها ذلك الوحش بدون كلمة واحدة.
لتتمسك هي بخيط البداية، وبارتجاف تساءلت:
_ماذا تريد؟
وإجابته ارتفعت صارمة:
_إذن أنتِ هي! أنتِ هي تلك الحشرة التي تجرأت وفكرت بتهديدي أنا؟!
تشتت انتباهها لِوهلة وهي تقول بدهشة:
_أنا.. أنا لم ....
لتقاطعها صرخة زوجة خالها:
_نحن ليس لنا ذنب فيم تفعله، هي ابنتك إن أردت تأديبها فهذا حقك، لكن زوجي ليس له شأن.
التفتت بدهشة إلى زوجة خالها بينما نهرها صلاح هاتفاً:
_اصمتي يا شروق، لا تتفوهي بكلمة واحدة.
لتعانده صائحة:
_لن أصمت يا صلاح! لقد صمتتُ لسنوات وسنوات، لكن إن وصل أذاها إلى داخل بيتي ولزوجي فسأتحدث كيفما أشاء، انظر لحالنا التي وصلنا إليها، هي السبب صلاح ، هي السبب.
مجددا!
"أنا السبب!"
هكذا فكرت وهي تحدق بعيني الرجل الأكثر قسوة على وجه الأرض، ثم برعب سألته:
_ماذا تريد منا يا بك؟ أنا لا أتذكر أنني هددت سيادتك بشيء! أنا لم أقابلك إلا مرة واحدة طوال حياتي ولا أريد تكرارها، ماذا تريد منا الآن؟
اقترب منها مزيحا أحد مرافقيه جانباً وهو يجيبها ساخراً:
_هل تريدين خداعي يا فتاة؟! أتعتقدين أن لقيطة مثلك تستطيع أن تتلاعب بي؟! أتأملين أن تحملي اسمي أنا؟ أتطمعين في إرث مني؟!
لتجيبه بلهجة خرجت مهزوزة:
_صدق أو لا تصدق شديد بك، اسمك قد صار آخر ما قد أرغب به، لم يعُد يعنيني بشيء، أموالك وسلطتك ونفوذك لم تعنِني بشيء مطلقاً، أنت نفسك لا تعنيني بشيء.
والصفعة التي امتدت يده بها إليها تلقاها عنها خالها بجسارة، لتتعالى صرخاتها مع زوجته وابنته، فتمسكت بخالها الذي أنهكه الحرج أكثر من الصفعة، ثم نظرت إلى ذلك المجرم صارخة:
_أنا لا أريد منك شيئاً، لا أعلم عم تتحدث، ابتعد عنا ولا تتعرض لنا وإلا أقسم أنني سأبلغ الشرطة.
هنا توقف أمامها تماماً وهو ينظر إلى داخل عينيها بنظرة جمدت الدم في أوردتها مبتسما بتحذير:
_افعليها! افعليها وأبلغي الشرطة حتى لا يرى أحد من أربعتكم نور الشمس ثانية، وأنا لا أهدد جزافاً.
ثم تراجع إلى الخلف بضعة خطوات، وعند الباب وقبل أن ينصرف هتف بوحوشه آمراً:
_اعرضوا عليهم عينة مم يمكنني فعله بهم.
وانصرف..
وحده!
تاركاً معهم ثلاثة من الوحوش البرية التي تقتات على الدماء، حاولت الدفاع باستماتة عن خالها المسكين فنالت منها بعض الضربات والركلات، أما عن زوجة خالها وابنته فلم تحاول إحداهما الاستنجاد بالجيران، وقفا يشاهدان في صمت غريب وبعض البكاء، حتى ارتوت الوحوش أخيرا وانصرفوا..
وَشَبَّ الشجار بين زوجة خالها وابنته من جهة، وبينها من جهة أخرىهذا إن تم اعتبار اعتذاراتها المتتالية ودفاعها الواهي تعادلاً للشجار ؛
سباب واتهامات ودعوات بالأذى ثم طردها شر طردة، وبالطبع لأنها"هي السبب!"
وحينها عَقَدَت المقارنة؛
بين ذلك البيت، المصدر الوحيد للأمان الظاهري؛
وبين خالها ذي الكدمات والسجحات والكرامة المبعثرة؛
وهكذا بعد عدة أيام تركت منزله صاغرة!
........


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-08-20, 08:04 PM   #36

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل السادس:
عودة إلى الوقت الحالي:
انتزعها صوت هاتفها من ذكراها القريبة فمسحت دمعاتها واتجهت إليه بتثاقل لترتفع دقات قلبها وهي تتطلع إلى الاسم الذي سجلته منذ بضعة أيام فقط، عذاب آخر يقض مضجعها، حيرة أخرى وألم آخر، لكنه يبدو مصدر النور الوحيد في ظلمة حياتها.
_مرحبا ساري!
وصوته المازح جاءها بسؤال بطيء هادىء:
_ماذا تفعلين يا مشعثة؟
أغمضت عينيها باستمتاع ونبرته تطفو بالتدريج على ذكريات عقلها، لترد بخفوت:
_لا شيء!
افتعل نبرة غاضبة وهو يرد:
_لو كنتِ سألتني أنتِ نفس السؤال لكانت إجابتي بلا تفكير:"كنت لتوي أفكر بكِ" لكن يبدو أنكِ قاسية!
ابتسمت برقة ثم جمدت ابتسامتها فجأة وهي تناديه بخفوت:
_ساري! أريد.. أريد أن اطلب منك طلباً.
فرد بدون تفكير:
_كل ما تريدينه رهف سأحققه مادام في استطاعتي.
فتحدثت بنبرة ضعيفة متألمة، حاولت بقدر الإمكان إظهار البرود بها:
_أريدك أن تعيد التفكير في الأمر، أريدك أن تضع في حسبانك كل ما ستتعرض له أنت وأحبائك بسببي، لقد علمت من مريم أن لديك أخت، لا أريدها أن تتأثر، لا أريد لعملك أن يتأثر بسببي، لا أريدك أن تكرهني ساري، لذلك فكّر، واعلم جيداً أنك إن غيرت قرارك سأكون متفهمة تماماً.
وانتظرت ثانية..
ثانيتين؛
وطال الانتظار؛
إنه بالفعل يفكر!
الآن يزن جميع جوانب الأمر ويقارن!
الآن سيجبره عقله على رؤية ما عمي عنه بسبب تهوره!
والآن سيدرك قلبه أنه ربما بالغ قليلاً في اعتقاده بحبها بالرغم من عدم اعترافه به!
والآن سيعتذر لها بتهذيب؛
سيخبرها بأنهما سيظلان أصدقاء وأنه لن يتخلى عنها و...
سيبتعد!
ساري سيبتعد!
الوحيد الذي وثقت به بعد خالها وحمزة سيبتعد!
الوحيد الذي لم ينظر لها اشمئزازاً بعد أن علم علاتها كلها سيبتعد!
الوحيد الذي أيقظ قلبها بعد سنوات من السبات الإجباري ليعلن عن
فرحة..أمل..حياة..ومستقبل!!
سيبتعد؛
وانتهى الانتظار، فأغمضت عينيها تترقب الحكم
ليتحدث بكلمات متمهلة:
_أخبريني رهف! إن حققت لكِ مطلبك، إن قلت الآن أنني سأتراجع، إن قلت أننا يمكننا أن نظل أصدقاء، إن قلت أنني لن أهاتفك مرة أخرى ولن ترينني ثانية، هل ستحزني؟ هل ستتذكرينني فيما بعد وتتأملي لو أننا معاً؟ أم ستنسينني بعد فترة وربما..
صمت فجأة ثم استأنف بصوت ازدادت خشونته:
_ربما تستبدلينني بآخر؟!
شددت من إغلاق جفونها تحاول السيطرة على دمعاتها التي تكافح للهرب فكرر بصوت أكثر صرامة:
_أنتظر إجابة رهف، وأوقن أنكِ دوماً صادقة.
لازالت مقيدة عينيها ودمعاتها خلف جفونها ثم أجابته بهمس متقطع:
_سأحزن ساري، سأحزن كثيراً.. جداً، ولن أنساك أبدا، ولن أستبدلك بآخر مُطلقاً.
زفرة حارقة وصلتها من الطرف الآخر أتبعها بقوله الذيرغم هدوئه أرعبها:
_إذن فاسمعيني جيداً، لقد أخبرتك أنني لا أتراجع، أخبرتك أنني دائماً أحقق أهدافي، أخبرتك أنكِ ستكونين لي.
فتحت عينيها لتسمعه يردف بخفوت:
_أنتِ لا تعلمين كم انتظرتك رهف!
ثم أضاف بنبرة حانقة:
_وأقسم لو أتيتِ على ذكر آخر سترين مني ما لم تتوقعينه بأسوأ كوابيسك!
فغرت فاهها دهشة وهي ترد بحنق:
_أنت من قلت أن....
قاطعها بغضب:
_إذن لا تسمعي!
فتحت فمها وأغلقته بضعة مرات تبحث عن رد مناسب فلم تجد، ليتابع هو بجدية أقلقتها:
_سأكون صادقاً معِك رهف، لقد تحدثت مع أمي عنك، وكما توقعت عارَضَت، لكنني سأقنعها بكل الطرق حتى تدرك كم أنتِ مهمة بالنسبة لي، وأنني لم ولن أفكر إلا بك، لا تقلقي أبداً، لن أسمح لأي شخص أن يحول بيني وبينك.
تألمت بشدة بالرغم من الوعود التي يطلقها،
ها هي قد سببت المشاكل له أيضاً؛
ها هي قد أصابته بلعنتها؛
ها هي قد كدرت صفو حياته بعد أن أعطاها الأمل.
_بِمَ شردتِ؟
حمحمت بحرج وهي تجيبه بارتباك:
_أنا.. أنا أريد النوم!
وجاءت لهجته منزعجة:
_أتطردينني من هاتفك؟! خيراً خيراً!، فيما بعد سأنتقم منكِ رهف.
وابتسمت برقة وهي ترد:
_أنا لدي حصص في الغد لهذا يجب أن أنام مبكراً.
وبنبرة ملتوية جاء سؤاله:
_ألا زلتِ على إصرارك بعدم تدريس كِبار السن أمثالي؟!
وبمشاكسة نادرة أجابته:
_ألم تتخذ قراراً بحجز درس خصوصي؟
فسألها بسرعة:
_وهل وافقتِ أنتِ؟
افتعلت اللامبالاة وهي ترد:
_أنا كنت سأقوم بترشيح معلم آخر لك!
فجاء رده الهادىء:
_لا أريد سواكِ!
والعبارة البسيطة تلاعبت بدقات قلبها الذي أخذ يخفق بجنون فَعَم الصمت لحظات حتى حمحمت هي بخجل:
_سأغلق!
ليرد مسرعاً وقد بدا لها أن حالته مُماثِلة:
_هكذا أفضل!
وبدون كلمة أخرى انتهت المكالمة، اتسعت ابتسامتها والأمل يطرد الخوف بقلبها، حتى كادت تنطلق إلى الشارع بحبه صارخة!
****
"ماذا تعني أنت؟ لقد استعنت بك كي تقنعه بالعدول عن ذلك الجنون، فإذا بك الآن تطلب مني التعرف على الفتاة؟ أتقبل بها على نفسك يا عاصم؟"
عوجت سارة شفتيها باعتراض وهي تختلس النظر إلى عاصم الذي يتلقى غضب أمها كله بصبر مخاطباً إياها بهدوء يُحسد عليه:
_يا خالتي! أولا لا فرق بيني وبين ساري، وأنتِ تعلمين جيداً أنني لا أقبل بالسوء له، ومستعد لمساندته في أي شيء يفعله وإنقاذه إذا احتاج، ثانياً أنا لم أقل لكِ هيا بنا نجلب المأذون ونزوجها له، عرضتُ فقط أن تقابليها.
وبغضب هتفت سوسن:
_ولِمَ أقابلها وأنا لن أوافق على دخولها بيتي بالأساس؟! أبعد كل من رفض حتى رؤيتهن يتزوج من هي بلا أصل؟! أبعد صبري وانتظاري طوال تلك السنوات كي أراه في بيته مع زوجة تحفظه يختار لقيطة؟!
صاحت سارة:
_أمي! لقد بدأت تلك الكلمة تثير أعصابي بالفعل، أنا لا أعرف تلك الفتاة ولم أرها مرة واحدة ولم تفعلي أنتِ بالمثل، لكنكِ حكمت عليها بتهمة لا يد لها بها، ما الذي تتعرض له المسكينة إذن من الناس عندما يعلموا بابتلائها؟، لم أعهدك قاسية أمي، لم أعهدك أنتِ بالذات قاسية!
هتف بها ساري الذي فَضَّل الصمت منذ بداية الحوار:
_سارة! لا تتحدثي مع أمك بهذه الطريقة.
التفتت له سارة دامعة وهي ترد بخفوت:
_أعذرني أخي! لقد نشأنا في أحوال صعبة لكن الله منّ علينا بك، لقد رأيتُ بنفسي كم أنت تعذبت وكافحت من أجلنا، الملبس، المسكن، والتعليم، والعلاج، والحماية، كل خطوة بحياتنا كنت معنا بها تدعمنا وتؤيدنا، ولوهلة وضعت نفسي مكانها تلك التي لا أب ولا أم ولا أخ يدعمونها، لم تلقي بنفسها إلى الشارع مستسلمة وحاربت للحفاظ على نفسها، وبالرغم من ذلك فها نحن نظلمها ونحكم عليها بجريمة لم تكن موجودة حتى وقت وقوعها!
عم الصمت المكان وارتسم الألم بأشد صوره على وجه ساري..
صراع؛
صراع عنيف يدور بداخله؛
لقد مسته كل كلمة تفوهت بها أخته..
كل كلمة كانت صحيحة تماما..
أهذا ما تعانينه رهف؟!
أهذا ما تقابله يومياً في أعين الجميع؟!
وكيف هي إلى الآن لم تتشوه روحها؟!
كيف هي إلى الآن ظلت صامدة؟!
وماذا عن المستقبل؟!
وماذا....
قطع صوت اندفاع أخته إلى غرفتها شروده فهب لاحقاً إياها..
نقطة ضعف أخرى تنخر بروحه؛
لا يتحمل الحزن لها أو لأمه؛
لا يتحمل أن يرى إحداهما غير راضية وعلى استعداد أن يخوض الكثير والكثير من أجل سعادتهما.
اقترب عاصم من سوسن متحدثاً بهدوء:
_أتعلمين خالتي؟! لقد نبهتني سارة بالفعل إلى مدى الظلم الذي يقع على الضحية، في حين أننا لا نبحث عن الجاني مطلقاً، الآن سأجيب عن سؤالك ، نعم أقبل! أقبل الزواج من فتاة لها ظروف رهف مادامت على خلق ودين، وبكل سرور.
نظرت له سوسن بحيرة متألمة، فاتجه هو إلى الباب مهموماً حتى أوقفته نبرتها الحازمة:
_قلت أنها معلمة مريم بالمركز؟!
****
صف سيارته والتقط هاتفه ليكتشف أنه نسى إعادة تشغيل صوته، ثم حدق به مليا ليجد بضعة اتصالات من رهف، شعر بالقلق وبسرعة شديدة اتصل بها:
_مرحباً حمزة.
رد بوجل:
_هل أنتِ بخير رهف؟
جاءت نبرتها رائقة وهي تجيب:
_أنا بخير تماما الحمد لله، عذراً على اتصالاتي المتكررة، لكنني أريد رأيك بموضوع هام وبشدة بالنسبة لي.
وجاء صوته هادئاً مهتماً :
_طبعاً رهف تفضلي!
تلجلجت قليلا بحرج ثم تحدثت:
_أعلم أنني كان يجب علي إخبار خالي أولا، لكن.. لكني لا أريده أن يشعر بالقلق من أجلي الآن إلا بعدما اتأكد تماماً.
صمت منتظراً توضيحا فتابعت:
_أنا.. أنا.. هناك من يريد الزواج بي!
هتف بها بدهشة:
_من هو؟ وأين رأيتِه؟
فجاءت إجابتها متوترة:
_اسمه ساري، مهندس، هو أيضا ابن خالة إحدى طالباتي بالمركز.
واتسعت ابتسامته وهو يهتف بسعادة:
_مبارك مقدماً رهف.
فردت سريعا:
_لا! ليس مبارك! أقصد..ربما لا توافق والدته، لكنه يؤكد لي أن باستطاعته إقناعها.
خاطبها بجدية:
_وأنتِ ترغبين بأن يقنعها؟ أم تخافين من عدم إقناعه لها؟
ردت بحنق:
_هل هو لغز؟
ليرد بنفاد صبر:
_سأكون صريحاً رهف ولا تغضبي مني، تعلمين قيمتك لدي، هل تريدين الزواج بذلك الرجل من أجل فكرة الزواج فقط أو الاستقرار خاصة مع.. مع ظروفك؟ أم تريدينه هو بالذات لشخصه؟
همت بالإجابة فعاجلها:
_إن كانت إجابتكِ هي الخيار الأول فسأنصحك بالتراجع بصرف النظر عن هوية الرجل، خذي من قصتي مع ابنة خالك عبرة، لا تتزوجي من أي شخص إلا إذا كنتِ على اقتناع تام بشخصه هو.
عم صمت للحظات حتى قطعته هي بهدوء:
_وإن أخبرتك أنني لم أفكر في الزواج مطلقاً إلا به هو؟ وأنني لا أستطيع استبداله بأي شخص آخر حتى لو تقبل كل ظروفي؟
اتسعت ابتسامته بشدة وهو يجيب واعِداً:
_إذن سأقوم بدوري حسب الأصول.
****
اتجهت إلى مكتب الاستقبال مندهشة من تعدد الزيارات لها في الآونة الأخيرة على الرغم من أن عدد معارفها لا يتعدون أصابع يديها، حدقت في المرأة الجالسة أمامها بابتسامة مهذبة وهي تصافحها بود:
_مرحباً، أنا رهف، أخبروني أنكِ تريدين مقابلتي.
تفحصتها المرأة بدقة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها ثم ردت بصرامة:
_وأنا الحاجة سوسن، خالة مريم، وأم ساري!
وانمحت بالتدريج ابتسامتها الودودة، لتحل محلها أخرى متوترة!
****
وفي الشركة:
وقفت سارة أمام المصعد تدق الأرض بضيق وتوتر ليمر بجوارها أحد الموظفين هاتفاً:
_آنسة سارة، ألا تعلمين أن المصعد معطل؟
حمحمت بحرج تدعي الصرامة:
_أعلم بالطبع، لقد كنت أبحث عن شيء ما بحقيبتي فَحَسْب!
وتجاوزته إلى السلالم متظاهرة بالعبث بحقيبتها، وبينما تهرول فوق الدرجات سقطت حافظة نظاراتها الشمسية إلى الأسفل، وعندما التفتت كان هناك حذاء رجولي ضخم يدعسبمنتهى القسوة نظاراتها.
وضعت إحدى كفيها على فمها كاتمة صرخة ستجتلب جميع الموظفين بالشركة والشركات المجاورة بينما عيناها متعلقتان على حذاء المعتدي، ليلتقط الأخير الحافظة بتوجس وهو يقدمها لها قائلاً:
_آسف! لم أستطع تفاديها!
أتبكي الآن؟
يحق لها!
كانت تحبها!
باستغراب سألها:
_هل أنتِ بخير يا آنسة؟
لقد تحطمت تماما!
قبل أن تراها بعينيها تشعر بها بقلبها!
وبقلق سألها:
_أتعاني من انخفاض الضغط أو ما شابه يا آنسة؟
من أين ستحصل على مثيلة لها؟!
لقد كانت نادرة!
بإطار فضي فخم، وعدسات لامعة تضفي على مظهرها المتهور تعقلاً تفتقر إليه كثيراً!
بتوجس خاطبها:
_أستطيع مساعدتك، أنا طبيب.
تنقل نظراتها بين حذائه وبين الحافظة بحسرة واضحة!
رمقها بِحَذَر متسائلاً:
_هل تتعرضين للشلل الآن؟!
والرد كان صارخاً، بالمرة غير متوقعاً:
_لِمَ لديك حذاءاً ضخماً بهذا الشكل؟!!
وحمدا لله لم تنتظر إجابة لن يستطيع الحصول عليها، وانطلقت مختطفة حافظة نظاراتها منه فوقف قليلاً يحدق في إثرها بدهشة.
****
وفي مكتب ساري:
_هناك شخص يريد مقابلتك للضرورة القصوى، هو نفسه الذي اتصل صباحاً.
أشار لسكرتيرته بالإيجاب فخرجت لتسمح للزائر بالدخول، ذلك الذي تقدم منه بجدية متحفزة بادله إياها بكل سرور وهو يبادره:
_مرحباً دكتور، كيف لي أن أخدمك؟
وكان الرد بهدوء:
_لقد جئت من أجل رهف، أنا دكتور حمزة، كنت.....
ليقاطعه ساري ببرود:
_أنت إذن ذلك "الأخ!"
** نهاية الفصل السادس**


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 07:55 PM   #37

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير حبيباتي
معادنا مع الفصل السابع من سَكَن روُحِي.. في انتظار آرائكن وتعليقاتكن

الفصل السابع
*نهاية سعيدة أم..؟!*
**********
خذلان فجرح فانكسار..
وأمل فإشراق فحياة..
ثم خذلان
فــ....
وهكذا حياتي أنا؛
دائرة أجوب بها منذ الأزل..
متى بَدَأَت؟
لا أعرف!
متى تنتهي؟
أيضاً لا أعرف!
معصوبة العينين..
مُكَبّلة اليدين..
مُجبرة على طأطأة رأسي ومِن ثَم الاعتذار..
على ذنب لم ارتكبه أنا..
هل يا تُرى سيحين إثبات براءتي يوماً؟
أم أنني سأظل إلى الأبد البريئة الآثمة؟!
**********







"وأنا الحاجة سوسن، خالة مريم، وأم ساري!"
لا تعلم كم من الوقت ظلت محدقة بالمرأة التي أدركت _هي_الآن رأيها بالأمر بأكمله دون مواربة، لكن ردها وصل أخيرا، متحرجاً خافتاً:
_أهلا بك!
جلست فوق المقعد المقابل لها وهي تبحث عن فرصة للهرب وأدتها المرأة بمهدها وهي تباشرها بسؤال صريح:
_ماذا تريدين من ابني؟
فتحت فمها وأغلقته عدة مرات تبحث عن إجابة فلم تجد، أظافرها تنهش كفيها وهي بالفعل لا تشعر بأي ألم.. جسدي؛
لكن المرأة لم تكن لتترك لها فرصة أطول للإجابة فأردفت:
_أخبرني ساري بظروفك كلها، وأريد إجابة سؤال لن أقبل بعدم حصولي عليها.
رفعت أنظارها إليها في ترقب، وبكل برود سألتها المرأة:
_أين هو أبوكِ؟ هل لا يعلم بوجودك؟
لترد رهف بلهجة رتيبة قد دَرَّبَت نفسها عليها مراراً عند تلقيها ذلك السؤال:
_ يعلم بوجودي ولا يعترف بي، تبرأ مني منذ سنوات وليس لدي ما يثبت أبوته لي.
ظهر الغضب على محيا سوسن وهمت بسؤالٍ آخر فسبقتها رهف:
_كان متزوجاً من أمي زواجاً عرفياً، إن كان سيشكل هذا فارقاً معك، لكن للأسف أمي قد فقدت العقد منذ سنوات ففقدت أنا معه الفرصة لحصولي على اسمي ونسبي وكل حقوقي.
تراجعت السيدة سوسن في مقعدها كما بدأ غضبها يتراجع دونما ملاحظة منها ليحل محله شيء لم تدرك كنهه بعد، بينما تابعت رهف بنبرة_رغم وجود الحرج بها_لم تخل من التهكم:
_ولو سألتني عن رأيي الشخصي فلا أجد فرقاً بين الزواج العرفي والخطيئة، كلاهما في الظلام وفي الخفاء، يعتمدان على الغش والخيانة، لا يرضى بهم رب ولا عبد، ويضيعون بهم حقوق غيرهم.
عقد الرد لسانها ففضلت الصمت متأكدة أن الفتاة لديها أكثر، فأردفت رهف بلهجة ساخرة أكثر.. حزينة أكثر:
_وإن سألتني السؤال المعهود في موقفنا هذا: "إن كنتِ مكاني ماذا ستفعلين؟ إن أخبرك ابنك أنه يريد الزواج من لقيطة عديمة النسب تحيط بها الشبهات من كل الجوانب وهو حفظه الله ذو مركز ومكانة وبار بأهله" سأجيبك بدون تردد بــــ"لا" ، لن أقبل أبداً، لأن مستقبله سيصبح مكللاً بالعار، وربما أولاده سيتحملون نصيبهم أيضاً، لذا فإجابتي القاطعة هي لا.
حدقت بها المرأة بدهشة، ورغماً عنها تسلل بعض الإشفاق عليها إلى قلبها بينما بدت رهف كمن وجدت فرصتها أخيراً للتعبير عن الظلم الواقع عليها ولن تفلتها:
_لديكِ إبنة، كيف تتقبلين وجود من هي مثلي معها بمكان واحد وببيت واحد؟ كيف تتقبلين أن تكون أم أحفادك لقيطة؟!
والكلمة الأخيرة خرجت دامعة متكسرة لكنها لم تأبه وهي تتابع:
_وهذا لا يعني أنني أعترف بخطأ لم أرتكبه مطلقاً، ولا أنني أحكم على من هي مثلي بنفس الحكم الذي يوقعه الجميع عليّ، لكن _وببساطة شديدة_ أنا لا أتحمل كوني أتسبب في الأذى للآخرين، خاصة إن كنت أهتم لأمرهم كثيراً.
ثم مسحت دمعاتها بسرعة مبتسمة بألم وأضافت:
_نعود إلى البداية، سألتني ماذا أريد من ساري؟ سأخبرك صراحة، لكن تذكري أن أمي ماتت وأنا طفلة وربما لم أتلقَّى التعليم الكافي للرد في موقف كهذا، فاعذريني إن كانت إجابتي وقحة قليلاً.
تعلقت نظراتهما ببعضهما وهي تتابع بدون ابداء أي رغبة في إخفاء دمعاتها:
_أحبه! بكل بساطة أنا أحب ساري، لم أجرب ذلك الشعور من قبل ولم أتمناه مطلقاً، أعلم أنه شيء يصعب تصديقه خاصةً أننا تقابلنا مرات قليلة جداً، لكن هذا ما حدث.
صمتت تتنفس بعمق، ثم بخفوت أضافت:
_ابنك كان أول إنسان أثق به منذ سنوات، أول إنسان أتكشف أمامه بحقيقتي فلا أخجل، أتدركين لِمَ؟
وبهمس باكِ أردفت:
_لأنه لم يشعرني بخزي أو نبذ، لم يشعرني برغبة في التخفي والهرب، لم يحاسبني على ما لم أرتكب، ولم ينظر لي بأية شفقة، نظراته كلها شفافة واضحة، يحبني أعلم ذلك بالرغم من الذعر الذي لمحته بعينيه بالمرة الأخيرة على الأخص.
صمت أطول حل بينهما، تنازعها مشاعر فقدان وشيكة ورغبة بالتشبث..
قلبها يصرخ بها: تمسكي؛
عقلها ينهاها بحزم: ابتعدي ولا تضريه، أجزاء ما منحك من شعور سامِ عاراً تلصقيه به طوال عمره؟
_هو أيضاً يحبك بالفعل!
أجفلت وهي تنظر للمرأة منتظرة توضيحا فأكملت عابسة:
_ساري، لم يحب أبداً، عِشنا حياة أصعب مم تتصورين وظروف لا يحب أحدنا تذكرها، كان يعمل منذ طفولته كي يساعد زوجي رحمه الله، ثم تحمل مسئوليتنا كاملةً بعد وفاته منذ الصغر، لم يهدأ يوماً، كان يدور هنا وهناك كي لا نشعر بالحاجة، نسى نفسه تماما..
ازدرت المرأة لعابها وتسارعت أنفاسها بتأثر شاركتها به رهف مع إضافة الفخر بنفس الشخص لكليهما، إلى أن تابعت الأولى بابتسامة حزينة:
_لطالما ألححت عليه بالزواج لكنه كان يرفض رفضاً قاطعاً مُتمسكاً بحجج واهية، حتى أنني توقفت منذ بضعة سنوات عن ذلك الإلحاح مؤمنة_بحسرة_ أنه لن يفعل إلا حينما يكتشف أن عمره ضاع وحيداً، وحينها سيتهور ويهرع إلى أول فرصة حتى وإن كانت غير مناسبة.
أعطتها رهف نظرة متوجسة صامتة فتابعت والدته:
_لكنه لم يطلب بحياته كلها سواكِ، لم يتمنَ شيئاً ولا شخصاً غيرك، حتى أنني متأكدة وبدون أن يعلنها صراحةً أنني إذا أصررت على رفضي فإنه لن يستبدلك بأخرى مطلقاً، ولهذا أجد نفسي مضطرة إلى التغاضي عن نشأتك وأوافق.
تهللت ملامحها كمحكوم عليه بالإعدام منحوه عفواً باللحظة الأخيرة بينما تابعت المرأة بحزم:
_لكن احذري!، إن تضرر ابني يوماً بسببك للحد الذي يكدر صفو حياته ويجعله يندم على ارتباطه بك لن أسمح له بالاستمرار معك.
تجاوزت الإهانة الواضحة وهي ترد بوعد صادق:
_صدقيني حاجة سوسن، إن أنا شعرت يوماً أنني سأتسبب بأبسط ضرر لساري سأرحل فوراً ولن يراني ثانية.
نظرت لها المرأة شزرا ثم زفرت بضيق ووقفت لتنصرف بدون تحية.
**********
_أنت إذن ذلك "الأخ!"
ضيق حمزة عينيه بحذر وهو يلاحظ الغيظ المتخفي وراء الملامح الباردة، وقف ساري ببطء مصافحاً إياه بلهجة رسمية بادله إياها وهو يجلس مُرَحِّبَاً، ثم تولى حمزة بداية الحديث مباشرة:
_أخبرتني رهف برغبتك في الزواج بها.
أزاح الغيظ البرود جانباً وساري يجابهه بقوة هاتفا:
_أنا أرى أن رهف تخبرك بأدق خصوصياتها بالرغم من أن الصلة بينك وبين ابنة خالها قد انقطعت!
لم يهتم حمزة لنظرة التحذير بعينيه وهو يخاطبه مُشدداً:
_رهف بمثابة أخت لي ولا تأثير لزواجي السابق على ذلك، وهي أيضاً تعتبرني أخاها وأحد الشخصين اللذين تثق بهما، أنت تعلم ظروف رهف كلها، تعلم أنها ليس لديها أب، وتركها خالها ترحل، لكن ما لا تعلمه أن لديها أخ حقيقي ليس بهين، يريدها ولن يتركها، يريد حمايتها ولن يسمح لأيٍ كان بأذيتها.
ضيق ساري عينيه وهو يميل بوجهه باتجاه حمزة قائلاً بسخرية:
_أخ آخر؟! عظيم عظيم!، أين كان ذلك الأخ إذن منذ البداية؟ كيف تركها تعاني الذل لسنوات حتى اضطرت للإقامة وحدها، لِمَ نبتت له فجأة مشاعر أخوية حانية؟
ليرد حمزة ببرود:
_لم يكن يعلم بوجودها إلا منذ بضعة أشهر، والآن يكافح حتى يكتسب ثقتها ويستعيدها.
تحولت النظرة الساخرة على وجه ساري إلى ابتسامة مماثلة ثم قال:
_انصحه بالصبر إذن! لا أعتقد أن أمنية ثقتها به ممكن تحقيقها بهذه السرعة.
_ماذا تريد من رهف؟
والسؤال خرج من حمزة قاطعاً آمراً، حتى أن ساري توقف قليلاً ونظر له بقوة مجيباً:
_بما أنك هنا بناءاً على إخبارها لك عني فأنت تعلم أنني أريد الزواج بها.
وبنبرة شك رد حمزة:
_مهندس محترم، صاحب نصيب بشركة كبيرة، مكانة مرموقة وسُمعة رائعة، يشيد به الجميع ويفخرون بأخلاقه ونزاهته، ألا تجد الأمر غريب بعض الشيء عندما تترك كل الفتيات ذوات الظروف المناسبة والخلفية الاجتماعية المشرّفة لتقترن برهف بكل ما يحيط بها؟
استرخى ساري بمقعده وهو يبتسم باستفزاز مُعلقاً:
_أرى أنك صدقت كونك أخيها وولي أمرها بالفعل وقمت بإجراء تحرياتك عني.
ثم مال مرة أخرى يقترب منه بنظرة منذرة ونبرة محذرة:
_لكن ألا ترى أن كلماتك تحوي إهانة لرهف؟ إهانة يلقيها بها الجميع؟ حتى أنت ترى أنها أقلّ من الارتباط بشخص مناسب؟ حتى أنت يا"أخ"؟!
عم الصمت لتدور بينهما حرب النظرات
نظرات مغتاظة؛
وأخرى قلقة؛
نظرات محذرة؛
وأخرى مشككة؛
نظرات مصممة؛
وأخرى أخيراً استسلمت!
ليقف حمزة ببطء مردداً بهدوء:
_جئت أخبرك مهندس ساري أن رهف ليست بمفردها، وأخبرك أيضاً بشيء آخر ربما خفي عنك.
حدق ساري بعينيه بترقب والآخر يتابع بلهجة مشددة:
_إن عانت رهف تقلّبك أو إن أكسبتها شعورا بالتفضّل عليها يوماً لن أقف متفرجاً، ولا أظن أن أخاها أيضاً سيفعل!
تشبع ساري بالمعنى المخفي لكلمات حمزة فزفر بابتسامة قائلاً:
_إذن لا يوجد ما يدعو للقلق.
مد حمزة يده مصافحاً إياه فبادله ساري المصافحة بكل سلام..
سلام انتزعه إعصاراً هائجاً اقتحم غرفة المكتب فجأة، فضغط أسنانه بغيظ بينما انتفض حمزة قافزاً رغماً عنه هاتفاً:
_بسم الله الرحمن الرحيم!
"أنت يجب أن تحل مشكلة ذلك المصعد يا ساري، لقد كُسرت نظاراتي الفخمة بسبب ذلك العُطل!"
وألقت الحافظة على سطح المكتب، بعدستين مفككتين وهيكل تم طحنُه!
_كم مرة سأعلمك طرق الباب ونحن بالشركة سارة؟! لقد أرعبتِ الرجل!
خرج هتاف ساري غاضباً فطأطأت سارة رأسها بحرج وهي تلمح وجود رفقة بصحبة أخيها، أما حمزة فقد انعقد حاجباه بحنق مدافعاً:
_أنا لم أرتعب، إنه رد فعل بشري تلقائي.
لم تهتم سارة بالرد على أخيها أو بالاعتذار من ضيفه، بينما كل ما كان يشغل عقلها حذاء أسود ضخم !
وبخفوت رددت وهي تدقق النظر به أكثر:
_إنه أنت! أنت من كسرت نظاراتي!
ثم رفعت عينيها إلى وجهه متابعة بغيظ واضح:
_أنت كسرت نظاراتي الفخمة باهظة الثمن، لقد كانت أحدث إصدار!
"آسف؟!"
وَرَدُّه خرج في هيئة سؤال أكثر منه اعتذار حقيقي عن اقتناع، بينما ينظر لساري يسأله بعينيه عن كيفية التصرف مع تلك المخلوقة الغريبة فيمط ساري شفتيه في إشارة إلى أن الأمر طبيعي تماماً!
والغيظ تحول إلى حنق في صوتها وهي تهتف:
_وبِمَ سيفيدني أسفك وقد أصبحت نظاراتي أشلاء بفضل قدميك الغريبتين؟
وبتلقائية وفضول أطال ساري عنقه مدققاً بقدمي حمزة ليشعر الأخير بالحرج وببعض الذنب!
_أنا حقاً لم أجد الوقت الكافي لإنقاذ نظاراتك الفخمة، أعتذر!
نزع ساري عينيه انتزاعاً عن قدمي حمزة وهو يسأل بنفاد صبر:
_ما الذي حدث سارة؟
وكطفلة غاضبة يتطاير الشرر من عينيها أشارت إلى حمزة شاكية:
_هذا الرجل دعس نظاراتي بحذائه حتى تحطمت تماماً، إنها النظارات التي أهديتني إياها مؤخراً يا ساري!
دار ساري حول مكتبه حتى توقف بجانبها وأحاط إحدى كتفيها بذراعه وهو يربت عليها قائلاً:
_لا تحزني، فداكِ كل النظارات، سأبتاع لكِ غيرها.
انتفضت للخلف رامقة أخيها بغضب وقالت:
_أنت السبب في الأصل، لو لم يكن مصعد شركتك معطل لما اضطررت إلى صعود الدرجات، ولم تكن نظاراتي لتتحطم تحت حذائه غريب الشكل.
وهتف بها الإثنان سويا:
_أنا السبب؟!
_حذائي ليس غريب الشكل!
هنا نظر ساري إلى حمزة بنبرة اعتذر متحرجة:
_لا عليك! هي فقط مندفعة قليلا ولم تتعمد مضايقتك.
وبذقنها أشارت إلى حمزة تسأل أخيها:
_من هذا؟
من بين أسنانه وبنبرة محذرة رد:
_إنه دكتور حمزة، بمثابة أخ لرهف.
ثم نظر إلى حمزة بابتسامة متكلفة معتذراً:
_إنها أختي سارة، وقد سقطت مراراً على رأسها أثناء طفولتها، لذا لا تؤاخذها.
اتسعت عينا حمزة بتوجس وهو يرى انقلاب ملامحها إلى النقيض تماماً إلى الابتسامة المنشرحة التي جعلت ملامحها أكثر جاذبية رغم طفوليتها، حتى أنه الآن فقط لاحظ لون عينيها الأخضر!
بينما اقتربت هي منه ببشاشة وترحيب هاتفة:
_أخ رهف؟!! أهلا أهلا، أرجو ألا تنزعج مني، كيف هي رهف؟ كيف حالها الآن؟
ظل حمزة محدقاً بها بدهشة، ثم التفت إلى أخيها عاجزاً عن الكلام فمط ساري شفتيه مرة أخرى ثم أشار على رأسه بحركة مُبطنة، فالتفت حمزة إليها مجيباً بكلمات بطيئة:
_هي بخير، وتبلغك سلامها.
اتسعت ابتسامتها وهي تلتفت إلى شقيقها هاتفة بفرحة:
_حقاً؟ أحدثتها عني يا ساري؟
هز أخوها رأسه نفيا بدهشة بينما تحدث حمزة بارتباك:
_لا! هي لم تبلغك سلامها بالفعل، إنه مجرد رد تلقائي.
مطت سارة شفتيها بحزن طفولي ثم انفرجت ملامحها مرة أخرى وهي ترد:
_لا عليك، قريبا سأتعرف عليها بنفسي وسنصبح صديقتين، بل أختين!
نظر حمزة له بتساؤل فتظاهر ساري بالتحديق إلى الجدار مُخفياً حَرَجُه، لكن سارة لم تكن لتقف عند هذا الحد وهي تسأل حمزة بتهور شديد:
_هل هي مثل الصور جمـ.....
ليقاطعها صياح أخيها الغاضب باسمها محذراً فابتلعت بقية كلماتها وهي تستدرك مبتسمة:
_حسناً، بالتأكيد سأعرف بنفسي.
ثم التفتت إلى شقيقها ولثمت وجنته قائلة:
_بالتأكيد أيضاً ستعوضني عن النظارات التي كسرها لي أخ خطيبتك.
خطيبتك؟!
والكلمة تسللت إلى قلبه لترسم ابتسامة على شفتيه وتقيم الأفراح بين دقاته.
حمحم حمزة بخشونة وهو يلاحظ شرود ساري قائلاً:
_سأنصرف الآن مهندس ساري، أستأذنك آنسة سارة.
وعندما هم بالإنصراف التفت إلى ساري مرة أخرى وفتح هاتفه قائلاً:
_سأعطيك رقم خال رهف، الأستاذ صلاح.
وبدون كلمة استمع ساري إلى الرقم وهو يومىء رأسه بشُكر، فانطلق حمزة هارباً من تلك المجنونة التي تنظر لهما بحماس زائد وتركها لتتلقى تعنيف أخيها بصمت تام!
**********
أنهت المكالمة الهاتفية مع أمها وهي تزفر بتعب، لقد سئِمت تلك المكالمات بينها وبين أمها وخالتها التي لا تنتهي، كيف يطلبان منها إقناع عَمَّار بالعودة الى الفيلا وهي نفسها لا تقتنع بذلك؟! كيف يعتقدان أنها قد تفرط في عَمَّار الجديد الذي يفاجئها يوماً بعد يوم؟
ليس ابن خالتها الكئيب؛
ليس صديقها الشارد؛
ولا هو بزوجها الناقم على الجميع المتقبل أي شيء في صمت.
إنما عَمَّار آخر.. مهتم، متفائل، حازم، ماكر، ومهووس باللون الأزرق!
ومن جهة أخرى هي تعلم تماماً أن هدفهما من ذلك الإلحاح أن يغير عَمَّار رأيه بشأن أخته، وهو ما أصبحت هي متأكدة من أنه لن يسمح به أبداً.
"ليتكِ ظهرتِ منذ زمن رهف، لقد أعدتِ إليّ عَمَّار الذي أحببته وبالصورة التي طالما رسمتها بخيالي!"
زفرت بحالمية لتجده فجأة يجلس بجوارها يكاد يلتصق بها فابتعدت قليلاً، لكنه اقترب بتصميم ومد ذراعه ليضعها على ظهر الأريكة خلفها فحاولت التظاهر باللامبالاة بالرغم من تأثرها الواضح على وجهها.
_فيم أنتِ شاردة؟
قالها باهتمام فأجابته بارتباك قائلة:
_لقد.. لقد كانت أمي تحدثني للتو.
وبنبرة قلقة سألها:
_أهي بخير؟
_نعم، كانت.. تطلب مني إقناعك بأن نعود إلى الفيلا، وأن تتصالح مع أبيك، يبدو أن لديه بعض المشاكل الخطيرة بالعمل حتى أنه يتعرض لبعض التهديدات أيضاً.
أطلق عَمَّار ابتسامة ساخرة دون مبالاة.. وهل توقفت تلك التهديدات أبداً؟!
منذ سنوات كان يقلق بسببها بالفعل، حتى أنه كان يصمم على عدم خروج تغريد من المنزل بمفردها وقام بالحرص على تحركاتها إلى درجة الاختناق أحياناً!
لكنه الآن بدأ يشك أن أباه يجذب الانتباه إليه بعدما بدأ مصنعه في التدهور بسرعة غريبة بالفترة الأخيرة.
طرد خيال أبيه من عقله ونظر لها بتدقيق متسائلاً:
_وبِمَ أجبتها؟
هزت كتفيها قائلة:
_وعدتها أنني سأتحدث معك.
عَمَّ الصمت للحظات وهو يحدق بعينيها ثم سألها بخفوت:
_وأنتِ ماذا تريدين؟
انعقد حاجباها بدهشة وهي ترد:
_ماذا تقصد؟
أعاد سؤاله بطريقة أوضح قائلاً:
_أقصد هل أنتِ تريدين العودة إلى ذلك المكان؟ أم تفضلين البقاء هنا؟ في بيتنا وحدنا؟
اتسعت عيناها هاتفة برقة:
_هل تطلب رأيي؟
ليبتسم لعينيها مؤكداً:
_ألستِ زوجتي وأم ابني؟ هذا القرار لا يخصني وحدي مَوَدَّة، أنتِ شريكة حياتي ومن حقك أن توافقي أو ترفضي.
وبنبرة أكثر خفوتاً أضاف:
_ألم أقل لكِ أنكِ روحي مَوَدَّة؟
تسارع تنفسها وتسابقت ضربات قلبها..
ما الذي يفعله بها؟
ما الذي يريده منها؟
إن كان ضميره قد استيقظ أخيرا ويشعر بالذنب فيكفي أن يعيدها صديقته فقط، لا تريد التعلق بأمل واه، لا تريد التطلع لأماني زائفة.
هَبَّت واقفة مبتعدة عنه لأقصى ركن بالغرفة فزفر بحنق متجهاً إليها:
_ماذا بكِ مَوَدَّة؟ لِمَ ابتعدتِ؟
التفتت إليه هاتفة بألم:
_ماذا تريد مني عَمَّار؟ إلى ماذا تهدف بمعاملتك الجديدة معي؟
صاح بها غاضباً:
_أريد العفو مَوَدَّة، أريد سماحِك، أريد فرصة أخرى، أعلم أنني كنت....
قاطعته بصراخ دامع:
_لا عَمَّار! أنت لا تعلم أي شيء، لا تشعر بجرح كرامتي وجرح قلبي، لن تدرك أبدأً الحرقة التي تنتابني منذ سنوات بسبب وجودك أمامي لكنك لست معي، أرى بعينيك صورة امرأة أخرى لم تحب غيرها، وأرى صورتي كخاطفة رجل ليس من حقها، أنا أكره حبي لك الذي لم ينقص ذرة واحدة منذ احتل قلبي عَمَّار، أكره قلبي الذي يتوسلك كي تسمع أنينه.
صمتت محاولة السيطرة على أنفاسها المتسارعة بينما حَدَّق هو بها بألم شديد ممتزجاً بنقمته على نفسه، حينما تابعت هي بصوت أكثر هدوءاً:
_أتعلم؟! بالرغم من أنك لم تخني بالفعل، لكن يجب أن نضع حد لتلك العلاقة المرهقة، أنت لا ترضى لي أن أتعذب بتلك الطريقة.
هنا تمسك بذراعيها هاتفاً بغضب لم تره إلا يوم واجه أبيه منذ سنوات:
_اسمعيني جيدا مَوَدَّة، لقد سبق واهتممت بفتاة لم يشأ الله إتمام علاقتي بها وانتهت تماما منذ سنوات قبل زواجي بك، لا تحاسبينني على فترة كنت فيها ضائعاً وأنتِ خير من يعرف معاناتي التي لم تنتهي حتى الآن ولن تنتهي إلا عندما أجتمع بأختي.
ثم خَفَّت قبضته على ذاعيها كما رَقَّ صوته وهو يتابع بِصِدق جلي وعشق واضح للأعمى:
_لكن.. لكن أنتِ مختلفة مَوَدَّة، أعلم أنني كنت عديم الإحساس لوقت أطول مما ينبغي في الواقع، لكنني ندمت، وأدركت الآن قيمتك لدي، أتعتقدين أنني أرى بكِ مجرد بداية لحياتي الجديدة؟
التزمت الصمت مكتفية بالانتظار فتابع يهُز رأسه نفياً:
_أستطيع البحث عن أخرى لم تشهد كل أخطائي وخضوعي وسلبيتي، أستطيع أن أتمسك بصورة عَمَّار الجديد التي لا يعرف أحد الماضى المخزي منها، لكن.. لكنني أريدك أنتِ مَوَدَّة، ليس لأنكِ زوجتي، ولا لأنكِ أم ابني، ولا لأنكِ تساعدينني على استعادة أختي، بل لأنكِ أنتِ مَوَدَّة، لأنكِ.. حبيبتي!
فغرت فاهها بذهول وهي تتطلع إليه، بينما يبدو أن الكلمة التي نطق بها فاجأته هو شخصياً قبلها، حيث رمقها بدهشة ثم ظهرت ابتسامة أخذت تتسع بالتدريج على وجهه وهو يردد بخفوت:
_حبيبتي!
ليكرر بلهجة متهللة:
_حبيبتي!
ويعيد صائحاً باكتشافه بفرحة عارمة:
_حبيبتي أنتِ! مَوَدَّة، روحي أنتِ وحبيبتي!
ظلا لبعض الوقت يحدق كلا منهما بالآخر ولا يريد أحدهما كسر سحر اللحظة، حتى تراجعت هي للخلف فترك ذراعيها مترقباً، بينما أعلنت الصدمة عن نفسها على وجهها بوضوح، ثم ما لبثت أن تهربت من عينيه المُصرتين على شيء لم ترغب_أو لم تتحمل_ تصديقه.
وبعد قليل تحدثت بخفوت:
_عَمَّار أنا.. أنا لازلت....
وبلهفة اقترب منها متوسلاً:
_أريد فرصة مَوَدَّة، فرصة واحدة أثبت لكِ بها صدقي، أثبت لكِ بها حبي فلا تَرُدّينني خائباً!
هزت رأسها بلا تعبير ممزقة بين خبرتها الطويلة معه وعدم ثقتها به وبين أمل بعينيه مشرق يَعِدُها بسعادة مقبلة ثم ما لبثت أن انصرفت مُسرعة ليبقى هو مكانه مبتسماً بدهشة غارقاً في اكتشافه الجديد والذي يشعر وكأنه أصح ما حدث له مؤخراً.
**********


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 07:57 PM   #38

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل السابع

"لقد قابلت تلك الفتاة التي تريد الزواج منها اليوم."
ألقت سوسن تلك العبارة بهدوء على مائدة الطعام فحدق بها كلا من ساري وسارة بدهشة للحظات، ثم بادرت سارة بحذر:
_أين قابلتها يا أمي؟
باقتضاب ردت سوسن:
_ذهبت إليها في عملها.
"يا إلهي! أهو أحد الأفلام العربية القديمة؟!"
همست بها سارة بصدمة بينما_وبصوت متحشرج_ سألها ساري شاحب الوجه:
_بم تحدثتِ معها يا أمي؟ هل.. هل سألتِها عن والدها؟
رمقته أمه بنظرة حانقة وهي تهتف:
_لا تخف على حبيبة القلب يا ساري! لم أعذبها، لقد تحدثت معها كي أفهم منها قصتها.
شحب وجهه تماماً وهو يسألها باقتضاب:
_وماذا قالت؟
ثم أردف بِغضب قبل أن تجيبه:
_لقد أخبرتك بنفسي عن قصتها يا أمي، لِمَ أمعنتِ في إحراجها؟
هَبَّت سوسن واقفة وهي تهتف بغيظ:
_كان يجب أن أراها، أن أتحدث معها، أن أعلم هل هي تستحق تضحيتك أم لا؟
ليقف أمامها ثائراً كما لم تره منذ سنوات عدة:
_أي تضحية يا أمي؟ عن أي تضحية تتحدثين؟ أما يكفي نظرة الناس لها حتى تزيدي أنتِ في إيلامها؟ أنتِ تعلمين تماماً أنني لم أكن لأتزوجها بدون موافقتك، لِمَ إذن أهنتِها؟
والألم على وجه ابنها مزقها..
ألهذه الدرجة يا ساري أحببتها؟!
ألهذه الدرجة تتعذب خوفا من فقدانها؟! ورغماً عنها تسللت إليها بعض الغيرة.
لترد بعد قليل بخفوت:
_تزوجها يا ساري، أنا لا أرفض.
فانطلقت زغرودة حادة طويلة من أخته وهو لا يزال يستوعب ما قالته أمه، ليضع إحدى كفيه على فمها يخرسها وهو يطالع أمه ببلاهة متسائلاً ببطء:
_هل أنتِ جادة أمي؟!
هزت أمه رأسها إيجاباً وعدم الرضى يعلو ملامحها بوضوح، وبدلاً من أن ترى الفرحة بعينيه كما توقعت..وجدت وجوم!
بينما أزاحت سارة كفه وأطلقت زغرودة أخرى أعلى وأشد فلم يمنعها.
وبعد قليل بغرفته التقط هاتفه ثم عبث بأرقامه وانتظر عدة لحظات:
_مرحباً أستاذ صلاح، معك مهندس ساري، وأرغب بالتحدث معك بموضوع شخصي.
**********
"لقد اشتقنا إليكِ آنسة رهف."
ابتسمت بضعف للطفلة الجميلة التي قلدت زملائها في وصف اشتياقهم إليها بعد غياب بضعة أيام هرباً، لكن ها هو سبب تهربها يجلس على مسافة قريبة ويبتسم لها ببراءة شديدة، لتتهرب هي بعينيها منه وتبدأ بإلقاء درسها على الأطفال حتى تناست بعضاً من همومها على وجوههم وبين ضحكاتهم.
وأثناء استراحة الفصل اقترب منها إياد فنظرت له بتوجس وهو يسألها بطريقته الفضولية المحببة:
_لِمَ كنت غائبة طوال تلك الأيام آنسة رهف؟
شردت بملامحه تحاول البحث عن أخرى قاسية، لكنها للأسف لم تجد إلا عينين كانت تحدق بمثيلتيهما بمنتهى الخوف منذ بضعة أيام حينما كانا يحملان نفس النظرة المشتاقة، لم تجد إلا ابتسامة ذكرتها بأخرى ارتسمت من أجلها حانية..
ما المشكلة إذن؟
أيعقل أنها تخاف من طفل؟! إنه طفل! ليس له ذنب في نسبه.. تماماً مثلها!
_آنسة رهف؟!
هزت رأسها محاولة إخفاء القلق المضحك على ملامحها وهي تجيبه:
_نعم؟
_لقد سألتك لِمَ لم تحضري تلك الأيام الفائتة؟
ردت بنبرة مرتبكة:
_كنت متعبة بعض الشيء.
ليرد الطفل بحزن بريء على ملامحه:
_شفاكِ الله وعافاكِ، عندما أمرض تقوم أمي بتقبيل مكان الوجع فيشفى فوراً، اجعلي أمك تفعل المثل معك.
ابتلعت غصة مسننة تسد حلقها وهي تومىء برأسها إيجاباً، فابتسم الطفل أكثر ثم ابتعد.
حدقت في إثره تحاول تحليل مشاعرها تجاهه..
إنه طفل!، مجرد طفل!..
لكنه ليس كأي طفل؛
هو ابن أخـ....
أغمضت عينيها طاردة الكلمة كلها بما تعنيه من عقلها، ثم أجبرت نفسها على لملمة شتات نفسها ومواصلة عملها.
**********
أنهى مقابلته مع أحد العملاء بخارج الشركة ثم تناول هاتفه ليهاتف والدته قبل عودته إلى المنزل، وحينها جاءه صوتها مهموماً:
_ما بكِ أمي؟
_لا شيء حبيبي، كيف حالك أنت؟
تملك القلق منه وهو يعيد سؤالها:
_أمي ما بال صوتك؟ هل أنتِ مريضة؟ هل أنتِ وحدك؟
ردت بلهجة حنونة:
_لا تخف عليّ بني، أنا فقط في انتظار مشكلة ما ستحدث اليوم ولا أعرف كيفية التصرف.
سألها عاصم بإلحاح متوتراً:
_أمي لقد بدأت أفزع بالفعل، أخبريني ماذا حدث؟
وصلته زفرة أمه الحانقة بوضوح وهي تجيب:
_تلك المرأة لن تهدأ إلا عندما تسبب فضيحة، وأنا أعلم أن سما تتعامل معها بهدوء فقط من أجلي، لكنني لن أستطيع السيطرة عليها للأبد.
وبدهشة رد عاصم:
_أية امرأة؟! وأية فضائح؟! أنا لا أفهم شيئاً أمي!
وبعد عدة دقائق كان ببيت أمه التي جلست بجوار سما وبرفقتهم ثلاثة أشخاص من ذوات الدم البارد ربما..!
التزم الصمت مفضلاً تحليل الموقف كاملاً قبل التدخل في شيء لا يعنيه على الإطلاق، وعلى بُعد بضعة أمتار شعر أنه إن دقق النظر سيستطيع رؤية دخان متصاعد من رأسها، أو ستتناثر أسنانها أرضا من فرط ضغطها عليهم، أو ستنتفض فجأة مُشهرة سلاحاً في وجه ذلك الشاب الذي يقفز العبث من عينيه بفخر غريب!
"هل نستطيع التحدث بمفردنا سما؟"
ألقى الشاب سؤاله بِأمل واضح، وبمنتهى البرود صدحت إجابتها حاسمة:
_لا!
نظرت السيدة دلال لها بغيظ ثم خاطبتها بِعِتاب:
_لا يصح ما تفعلينه يا سما، يجب أن تمنحي شريف فرصة، لا ينتهي كل شجار بين الرجل وخطيبته بالانفصال.
ابتسمت ابتسامة رغم برودها إلا أنها كانت لائقة بها أكثر من عبوسها الدائم قائلة:
_ليس خطيبي، ابنك لم يعد خطيبي منذ أشهر، لذا ما أفعله يصح تماماً.
هنا تدخل الأب تحت تأثير نظرة آمرة من زوجته قائلا بِمهادنة:
_يا سما، هو أخطأ ويعترف بذلك، ما رأيك إن تعارفتما من البداية، وكأنما لا خبرة سابقة جمعت بينكما؟
نظرت له سما باستهجان وكذلك فعل عاصم، لكنها سارعت بالإجابة بهدوء:
_أعرفه تماماً ، ابنك يعتقد أنه ذكي بشدة، يستطيع التلاعب بالفتيات وبنفس الوقت يحتفظ بي، آسفة عمي، أنا لا أقبل بذلك أبدا.
وبابتسامة أيقن عاصم تماماً أن صاحبها ليس بالواقع كما يحاول التظاهر بالكياسة والرزانة تحدث شريف:
_كانت زلة سما، ولن تتكرر أعدك، كما أن جميع الشباب في مثل سني لهم علاقات متعددة، إنه أمر طبيعي، أؤكد لكِ ذلك!
هنا التفتت سما فجأة إليه هاتفة:
_عاصم!
المرة الأولى!
إنها المرة الأولى التي تناديه باسمه!
لا يعرف لِمَ لفت شيء مثل هذا انتباهه لكنه رد مسرعاً:
_نعم سما؟!
لتفاجئه ثانية وهي تسأله باهتمام شديد:
_هل لك علاقات بأكثر من فتاة بوقت واحد؟
وبرغم دهشته فإنه بسرعة مماثلة هز رأسه نفياً هاتفاً:
_أنا ليس لي علاقات بأية فتيات سوى بمريم أختي وسارة ابنة خالتي.
ثم تمتم هامسا لنفسه:
_على اعتبار أن الأخيرة فتاة!
لكن سما التفتت مرة أخرى إلى خطيبها السابق هاتفة بابتسامة مستفزة:
_أرأيت؟! هذا شاب بمثل سنك ومهندس محترم، لا يتعرف على الفتيات بدون داعِ ولا يخدعهن.
ثم هبت واقفة مخاطبة الجميع بصوت قوي:
_عذراً شريف، أنا لا أقبل بك شريكاً لحياتي تحت أي ظرف، أرجو أن تكون تلك هي المرة الأخيرة لِذِكر هذا الأمر.
وقفت الأم تنظر لها بغيظ واتجهت إلى الباب ليتبعها الأب فورا، لكن شريف تقهقر وهو ينظر لسما بتوسل قائلاً:
_سما، أنتِ تعلمين أن مكانتك لدي مختلفة، أنتِ لست مثل الأخريات، أنتِ.....
حسناً! لقد تمسك بالصمت منذ نصف الساعة لكن ذلك اللحوح أثار أعصابه إلى الحد الأقصى ليجد نفسه يهتف به بحنق مقاطعاً:
_هل لديك صعوبة في الفهم يا هذا؟
نظر له شريف بتحفز:
_عفوا؟! ماذا تقصد؟
ليجيبه عاصم بابتسامة مفتعلة يخفي بها الغيظ الذي بدأ بالتملك منه:
_أقصد أنها أوضحت انعدام رغبتها بك أكثر من مرة، لكنكَ_ولا أقصد حسداً_ مثابر ولحوح إلى أقصى درجة.
نقل شريف نظراته بين عاصم وسما المبتسمة باستمتاع شديد ثم سأله حانقاً:
_ما صفتك أصلاً؟ لِمَ تتدخل بالأساس بيني وبينها؟ وكيف تتحدث معي بهذا الشكل؟!
وضع عاصم يده على رأسه بأسف مفتعل وهو يرد:
_ألم أعرفك بنفسي؟! يا لذاكرتي الضعيفة!
ثم رسم ابتسامة واسعة وهو يمد كفه تجاهه مصافحاً فوضع شريف يده بها بتلقائية مندهشاً، ليبدأ عاصم بنبرة مهذبة:
_معك المهندس_قليل الذوق، عديم الإتيكيت_، عاصم عبد الرحمن شخصياً!
وبلحظة محا ابتسامته ليضع محلها نظرة صارمة مخيفة مشدداً على كل كلمة بشراسة:
_والآنسة سما في حمايتي!
ارتسم الغضب على وجه شريف وهو يتجاوزه بنظره إلى سما الواقفة خلفه والتي تتضح عليها مظاهر السعادة الفائقة، فعاد إليه بعينيه وهو ينزع كفه منه متسائلاً بحنق:
_هل أنت خطيبها؟
عقد عاصم حاجبيه دهشة ثم التفت إلى سما التي جعلتها الكلمة ترمق شريف ببلاهة مستنكرة، حدق بها للحظات متأملاً ثم التفت مرة أخرى إلى شريف...
وببساطة رد مبتسماً:
_بالطبع أنا خطيبها!
**********
كانت تقف بأحد أركان باحة المركز تراقب الأطفال أثناء مغادرتهم باهتمام؛
لا تعلم لِمَ تفعل ذلك؛
لا تعلم هل هو الفضول الذي يجعلها تنتظر منذ نصف ساعة مترقبة انصراف الأطفال أم ماذا؛
هل سيأتي هو ليصطحب ابنه؟ أم زوجته؟
تُرى ما شكل زوجته؟
وكيف تقابلا؟
تُرى كيف كان زفافهما؟
وكيف كان يوم ميلاد ابنهما؟
ترى هل له أشقاء آخرين؟ وبالتالي يكونون إخوة لها؟!
أسئلة تتصارع بعقلها ينبهها كل واحد منهم إلى ما فاتها..كأخته!
وانطلق إياد إلى خارج المبنى مهرولاً لتتبعه عيناها بإصرار حتى توقف أمام إحدى الشابات ثم ارتمى بأحضانها، ضيقت عينيها قليلا محدقة بها بدهشة..
لقد رأتها من قبل! هي أيضاً رأتها من قبل! وبلا إرادة منها اتجهت إليهما حتى شعرت الأخرى بها فرفعت رأسها مجتذبة ابتسامة متوترة قائلة:
_مرحباً رهف!
فجاءها الرد المتشكك فوراً:
_لقد رأيتك من قبل! هل كنتِ معه وهو يراقبني؟!
هزت مَوَدَّة رأسها بسرعة وهي تجيبها والصدق واضح بعينيها:
_لا! لقد.. لقد تحدثنا سوية من قبل، أنتِ من أخبرتني عن الدورات هنا.
ثم أشارت إلى ابنها متابعة:
_كنت أسأل من أجل إياد.
نظرت رهف إلى الطفل المبتسم بفرحة شديدة لأن معلمته تقف معه وتتحدث مع والدته هو على الأخص، لكن معلمته كانت بوادٍ آخر وهي تعود بنظراتها لأمه متسائلة بتهكم لم يخف عليها:
_صدفة غريبة، أليس كذلك؟!
لقد كانت مَوَدَّة طوال عمرها فاشلة في الكذب، فاشلة في الاصطناع، فاشلة في التمثيل، ولذا فقد تهربت عيناها منها فورا فأردفت رهف:
_هل كان يجعلك تراقبينني؟
وبسرعة نفت مَوَدَّة:
_لا! لم يكن له شأن بذلك، عَمَّار لم يطلب مني أبداً مراقبتك.
كتفت رهف ذراعيها وهي ترمقها ببرود ثم سألتها:
_ماذا تريدون مني؟
وبلهفة اقتربت منها مَوَدَّة هاتفة:
_عَمَّار مظلوم رهف، هو ليس مثل والده على الإطلاق، عَمَّار يريدك معه، يريدك إلى جواره، أنتِ أخته مثل تغريد تماماً، لا تدرين كم يتعذب هو بسبب كراهيتك له ونفورك منه.
وبالرغم من الألم الذي ازداد بقلبها صَامَّاً أذنيها عن أي شعور آخر يرغب بالتصديق، فإن كلمة واحدة اجتذبت انتباهها، وبالأحرى..اسم!
والسؤال غير المتوقع انطلق بلا تفكير:
_من هي تغريد؟
والإجابة التلقائية خرجت بحماس:
_أختك، تغريد أصغر منكِ بستة سنوات، هي أيضاً متشوقة جداً لرؤيتك، مثل عَمَّار.
تراجعت رهف إلى الخلف خطوة وهي تهز رأسها
رفضاً..
رفضاً لأخ ظهر مؤخراً؛
رفضاً لأخت علمت بوجودها للتو؛
رفضاً لزوجة أخ يبدو التوسل بعينيها صادقاً؛
رفضاً لابن أخ ينظر إليها بانبهار حالاً؛
رفضا لهدم اعتقادات احتلت عقلها لسنوات كثيرة بعدم رغبة أحد بها!
كاذبون..
كلهم كاذبون..
هم ليسوا بملائكة!
وهي أيضاً ليست إلى تلك الدرجة متسامحة!
لترد بنبرة قوية ظاهرياً مرتجفة باطناً:
_أخبري زوجك وأخته أن يبتعدا عني، أنا لا أريد أياً منكم بحياتي، لقد اعتدت على عدم وجودكم، والآن لن أتقبلكم مطلقاً!
ثم استدارت راحلة قبل أن تضعف أمامها وأمام الطفل الذي_رغماً عنها_ شعرت برابط طبيعي يجذبها إليه..
بينما حدقت مَوَدَّة في إثرها بألم..
الفتاة تعاني بقسوة؛
تأمرها بالابتعاد عنها وتتوسلها عيناها بالوقت ذاته بالاقتراب وعدم التخلّي!
**********
"يا إلهي! توقفا عن الشجار للحظة!"
هتفت بها صفاء بالاثنين الذين حولا غرفة استقبالها إلى ساحة حرب، يتبادلان النظر لبعضهما بِغِل واضح بصوتيهما، ليبادر هو:
_اصرخي بها هي أمي، بدلاً من أن تشكرني لأنني أنقذتها من ذلك الــــ"كازا نوفا" ها هي تتشاجر معي وتتهمني بالتدخل فيما لا يعنيني.
لتهتف الأخرى بسخرية متظاهرة بالانبهار:
_يا الله! المهندس عاصم شخصياً تنازل وأعلن أنه قد خطبني لينقذني من ذئب آخر، كيف لم أرقص أنا طرباً وفرحاً حتى الآن؟!
فيرد ببرود:
_لا أعلم حقاً، فأنا لم أمنعك!
لتصرخ حانقة:
_أم عاصم، اجعلي ابنك يتوقف عن إثارة غيظي وإلا صدقيني سأتجاوز فرق السن وسأجعله يدرك ماذا باستطاعتي أن أفعل.
فيسألها باهتمام مستفز:
_وماذا عن فرق الطول؟!
أشهرت قبضتيها أمام وجهه في وضع لَكْم متحفز، لكن صوت صفاء هو ما جعلها تسكن مكانها:
_يا سما، عاصم لم يتعمد ما فعل، هو أراد أن يخلصك من إلحاح شريف فتحدث بتلقائية.
تدخل هو بنزق:
_ها قد قُلتِها! أخبريها يا أمي، أخبريها أنه لولا تدخلي لكان ذلك الـــ"كازانوفا" عاد غداً وبعد غد وبعده، ثم لا تستبعدي أن يقم باختطافك وإلقاء مياة النار على وجهك لإجبارك على الزواج به، فهو يبدو_وحقاً لا أفهم السبب_ مدله تماماً في عشقك.
اتسعت عيناها بصدمة بسبب وقاحته حتى شعر هو بأنه ربما تجاوز حدوده قليلاً، لكن مجدداً أمه تحدثت بهدوء:
_يا عاصم نعلم أنك نجحت في تخليصها من مشكلة، لكنك ورطتها بأخرى.
انتظر عاصم توضيحاً ما فلم تتأخر أمه وتحدثت بضيق:
_أنت أعلنت خطبتكما وهذا غير صحيح، ودلال تدخل بيوت الجميع في الحي، وهي ليست أمينة تماماً وسترغب في الانتقام، لذا من الغد سيعلم الجميع بأنك تتردد على البيت منذ فترة في وجود أمك الضريرة فقط وعندما ضغط شريف عليك تذرعت بِخطبة وهمية.
هنا قفزت سما تربت على كتفيها بحنان هاتفة:
_لا تتحدثي بتلك الطريقة أم عاصم، إن شئت يمكننا أن ننتقل من الغد إلى مكان آخر.
"أو نستمر في ادعائنا الخطبة!"
ما باله اليوم ينفصل لسانه عن عقله تماماً؟! وما بال لسانه المتهور يتمسك بكلمة"الخطبة" وكأنه لا يعرف من اللغة بأكملها إلاها؟!
نظرت له سما وكأنه مجنون في حين هتفت أمه بها بالفعل:
_هل جُننت يا عاصم؟ أهناك مزاح في أمر مثل هذا؟
رد بصبر لا يعلم من أين اكتسبه تلك اللحظة:
_أنا لا أمزح أمي، وقبل أن تصرخا بي فكرا معي، الحي بأكمله يعلم تلك اللحظة أنني تحججت بكوني خطيبها بفضل موهبة تلك السيدة، فلِمَ لا نتظاهر بحقيقة الموضوع؟ نستطيع التمثيل أننا مرتبطان بالفعل ثم بعد فترة نعلن انفصالنا، وبهذا الوقت أكون أنا قد رتبت أمور انتقالك معي أمي.
هَبَّت صارخة:
_مجددا؟! ذلك الانتقال مجددا؟!
وقبل أن يبادلها صراخها سبقته أمه بِحزم:
_أنا لا أريد الانتقال عاصم، ولن أترك سما إلى الأبد.
وعبوسها تبدّل فوراً لابتسامة مغيظة منتصرة ما إن أبدت أمه تمسكاً بها؛
وتخصرت وهي تواجهه بتحدي؛
أيستطيع حرمانها تلك الفرحة بعناده؟
أيستطيع حرمان"أمه بالطبع" من ذلك الإشراق؟
_حسناً خطيبتي، انتصرتِ تلك الجولة!
همسها ببرود ظاهري لتتقدم منه مثلما فعلت من قبل والتحدي يتراقص بعينيها، فينظر إليها مدركاً أنها حقاً جذابة!
_كما سأنتصر في كل الجولات القادمة، أعدك!
هتفت بها بتوعد وهي ترفع رأسها إلى أعلى محدقة به، فقال بخفوت:
_انتصري إذن! لو كنتِ ستبتسمين أخيراً بتلك البشاشة، انتصري كما يحلو لكِ!
وتوترت عيناها أخيراً وانعقد حاجباها بدهشة، وبلحظات ابتعدت إلى الخلف متظاهرة بترتيب المكان تواري اضطراباً غير اعتيادياً، فلم يشأ أن يسمح لها بالهرب.
_كم عمرك خطيبتي؟
التفتت إليه عاقدة حاجبيها ثم هتفت:
_عفوا؟!
هز كتفيه بلا تعبير ثم رد:
_ألستِ خطيبتي؟! من واجبي أن أعلم بعض المعلومات الأساسية عنكِ، في حال أراد شخص ما اختبارنا.
من بين أسنانها ردت:
_أربع وعشرون.
تظاهر بالصدمة هاتفا:
_يا إلهي! لقد اعتقدتك في الخامسة عشرة.
وقبل أن تثأر منه عاجلها بسؤال آخر:
_ماذا تعملين؟
رسمت ابتسامة باردة على شفتيها:
_موظفة خدمة عملاء بإحدى شركات الاتصالات.
وحينما هَمَّ بإلقاء سؤال آخر عاجلته بنزق:
_لا أحب الرسم، لا أحب القراءة، لا أحب إلقاء الشِعر، ولا أحب السباحة، لكنني بارعة جدا في الكاراتيه!
ابتسم لها باحترام وهو يحك ذقنه:
_لم أنس ذلك أبداً.
تعلَّقت عيناها به للحظات دون سبب واضح وكذلك فعل هو، لكنها على الفور تغلبت على حالتها الغريبة هاتفة بِسأم:
_هل من أسئلة أخرى؟ أو هل ستسمح لي أخيراً بالخلود إلى النوم بعد ذلك اليوم الخانق؟
أشار لها بإحدى يديه صارفاً إياها بعجرفة:
_لا! اذهبي الآن.
وبمجرد أن أنهى أمره حتى دخلت غرفتها صافعة بابها بقوة لتتعالى ضحكات أمه التي يبدو عليها الفضول والرضى.
وعندما ساعدها على الوصول إلى فراشها وهم بالخروج أولته ظهرها هاتفة:
_لا تنس نسخ رقم خطيبتك عاصم!
أما هي فلم تستطع النوم كما ادعت، حالة من التوتر الممتزج بالدهشة والترقب تجتاحها وتسيطر عليها خاطفة من عينيها راحة وهي تستعيد تلك اللحظة التي أعلن فيها أنه خطيبها بكل سلاسة، لكنها نهرت نفسها بضعة مرات ثم أجبرتها على النوم وهي تطرده بصعوبة خارج تفكيرها.
**********
"سأُصاب بالجلطة أمي، أذلك الوسيم الغني يريد الزواج من تلك اللقيطة وأنا تزوجت من حمزة لمدة ثلاثة سنوات؟"
هتفت بها دينا وهي تكاد تبكي قهراً فانطلق صوت أبيها مُغيظاً من خلفها:
_لقد اشترى حمزة سيارة جديدة، ما شاء الله!
التفتت تنظر إلى أبيها المبتسم بحنق فعاجلها:
_أين العصير؟ توقفا عن الثرثرة الحاقدة واخرجا للضيوف.
التفت ليخرج ثم عاد فجأة هاتفاً بخفوت:
_وإن سمعت كلمة "لقيطة" تلك مرة أخرى لن تخرجي من هذا المنزل دينا!
وعندما خرج بالفعل تلك المرة مصمصت شروق شفتيها بحسرة:
_تلك اللعينة كلما أعتقد أنها خرجت من حياتنا تعود ثانية لتحرق دمائنا!
وفي الخارج:
توجه صلاح بالحديث إليه بصرامة هادئة:
_اسمعني جيداً بني أنت تعلم عن ظروف رهف كلها، وكل ما سأطلبه منك ألا تظلمها وألا تجرحها، ألا تعاقبها يوما على جرم لم يكن لها يد به، هي قد استسلمت منذ زمن لمصيبتها فلا حاجة لها بأخرى تتضمن كسر قلبها.
لم يبادله ساري النظر وهو يرد بخفوت مقتضب:
_لا تقلق!
حدق به صلاح بقلق هاتفاً:
_أقلق بني! أقلق كثيراً، رهف لن تتحمل منك أنت أي ألم، أستطيع أن أرى بعينيها مدى ثقتها بك، فلا تخذلها!
اتجه ساري بنظراته إليها فتقابلت الأعين سوياً، أكدت هي على توسل خالها فابتسم رغماً عنه متردداً ووعدها..
غامزاً!
ثم أومأ إيجاباً بابتسامة متوترة مخاطباً خالها:
_هل لنا أن نحدد موعد عقد القران والزفاف الآن؟
نظر له خالها بدهشة هاتفاً:
_عن أي عقد قران وزفاف تتحدث بني؟ يجب الالتزام بفترة خطبة أولا، حتى تتعارفا جيداً وحتى أستطيع شراء ما يلزمها.
هنا تدخلت شروق بوقاحة هاتفة:
_من الذي سيشتري ما يلزمها؟ راتبها لن يكفي، لذا فسنبتاع القليل.
توردت وجنتا رهف بحرج بالغ وطأطأت رأسها حتى لا تبكي أمامهم، بينما نظرت لها كلا من سوسن وسارة بدهشة حينما مالت الأخيرة على أذن أمها هامسة:
_هل رأيتِ أمي إحدى تلك الصور المُركبة المتداولة بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر جسد حية رقطاء برأس بومة ناعقة وذيل عقرب مسموم؟ الآن فقط رأيت أحدهم على الحقيقة، فسبحان الله وأعوذ بالله!
لتزيد دينا من الشعر بيتا متحدثة ببرود:
_سيجب أن تنتظري رهف ربما أكثر من عام قبل الزواج حتى تستطيعي ابتياع كل ما ستحتاجين، وأنتِ بالطبع لم تكوني تتوقعين أن تفعلينها يوماً فلم تهتمي بمعرفة ما يلزم عن ذلك الحِمل الثقيل.
لازالت مطأطأة رأسها شاعرة بالحرج الشديد من الموقف الذي وُضِعت به أمام ساري وأهله، وفاتتها النظرة القاتلة المتوعدة التي رماهما هو بها، لكن ما جعلها ترفع رأسها بذهول هو رد"حماتها" التي انطلق صوتها ضاحكاً:
_أتعتقدين حبيبتي أن ساري سيتحمل الانتظار عاماً كاملاً؟ بالكاد أقنعناه بعدم إحضار المأذون معنا اليوم!
وتوردت وجنتاها بينما ضحكت أخته بشقاوة واضحة، لتنظر هي لأمه بامتنان فبادلتها بِشبه ابتسامة متكلفة.
حتى انطلق صوته الذي شعرته متلاعباً مثل أول مرة حدثته هاتفياً وهو يشدد ببطء:
_أنا لا أريد سوى رهف، حتى حقيبة ملابسها لا أريدها، لتصبح زوجتي فقط وحينها لا أهتم بأي شيء آخر.
وأصاب الهدف مرماه ببراعة، فنظرت شروق وابنتها لبعضهما بذهول شابه الغيظ، حينما أطلقت سارة زغرودة ظهرت وكأنها احتفالاً بإحراجهما أكثر من الارتباط المرتقب!
ثم تابع ساري متوجهاً بحديثه إلى صلاح:
_ عمي، أنا لا أريد فترة خطبة، أريد الزواج برهف في أقرب فرصة.
ازداد تورد وجنتيها وهي تتمنى لو قبّلت رأسه امتناناً على ما يفعله معها وبها، لم يرفع أحد قدرها مثله، لم يُشعرها أحداً بأن لها قيمة مثله، كيف يمكنها أن تفيه حقه؟ كيف يمكنها أن تسعده؟
وبنظرة من خالها إليها أدرك أنها غرقت في حب ذلك الرجل حتى نخاعها، أيعقل أن يحرمها أملا واضحاً على محياها وبعينيها؟ أيعقل أن يتعنت في المطلب الوحيد الذي تمنته بكل قلبها؟
عندئذٍ عاد بنظره إلى ساري ليجده يُخرج من حقيبة بجواره صندوق مخملي أحمر، وعندما وقف متجهاً إلى عروسه ليفتحه أمام عينيها شهِقت زوجته وابنته بينما سمع سارة تردد المعوذتين بصوت واضح!
وبأصابع مرتجفة التقطت حلقتها الذهبية وارتدتها قبل أن يفعلها هو، فقام بالمثل وارتدى حلقته الفضية بنفسه حينما أدرك_بسبب ارتجافة أصابعها_ أنها لن تستطيع فعلها!
الناس حولها، خالها وزوجته وابنته، أمه وأخته..
وهو!
تحاول التهرب من نظراته..
فلا تستطع!
تحاول السيطرة على ابتسامتها البلهاء..
فلا تستطع!
تحاول إيقاف ارتجاف أصابعها..
طبعا لا تستطع!
أهذا الوسيم أصبح رسمياً خطيبها؟!
أبعد بضعة أيام كما "أجبر" بشدة إلحاحُه خالها سيصبح زوجها؟!
أستكون لها عائلة تنتمي إليها؟
أغمضت عينيها بسعادة وهي تشعر أنها لو ماتت الآن ستكون راضية!
ليزورها خاطر جعلها تطلق ضحكة خافتة:
"أكان يجب عليها شُكر ذلك اللص لما تسبب لها في سعادة لم تطمح يوما إليها؟!"
وبعد قليل وجدته يزيح أخته الملتصقة بها جانباً وهو يهمس بسعادة:
_مُبارك يا مشعثة!
فكان ردها للمرة الأولى بدون اعتراض:
_بارك الله بك وفيك يا حُلم المشعثة!
ازدرد لعابه وتعلَّقت عيناها به قبل أن يسألها برجاء واضح:
_رهف، هل باستطاعتنا الهرب الآن؟
ارتفع حاجباها دهشة بينما حافظت على فرحة ابتسامتها وسألته:
_مم نهرب؟
لم يتردد وهو يجيبها بنبرة حاسمة:
_من الجميع، من الماضي، ومن المستقبل.
هَزَّت رأسها مُعَقِّبَة باستغراب:
_لكنني لا أريد الهرب، ذلك المستقبل أنا أتمناه وبشدة، بالإضافة إلى أنني قد صرت خطيبتك حقاً، وخلال أيام سأصير..
توقفت والتورد يحتل وجهها فهمس على الفور راجياً:
_تابعي رهف! انطقي بها، قولي سأصير زوجتك يا ساري.
عَضَّت على شفتيها بحرج وطأطأت رأسها فأضاف:
_هيا رهف، خالك سيقتلني، وهاتين العقربتين نظراتهما بدأت تثير قلقي حقاً!
رَفَعَت رأسها لترمقه بتردد شاعرة أن هناك خطب ما؛
أو على الأوقع.. عيناه بهما خطب ما؛
نفس الرجاء الغريب، والذعر بات أكثر صراحةً!
عندئذٍ حَسَمَت أمرها قائلة بوعد صريح:
_سأصير زوجتك يا ساري!
وبدلاً من الراحة التي انتظرتها على ملامحه؛
كان الخوف هو سيدها، قبل أن يغمض عينيه متمتماً بألم لم يخف عليها:
_ليتكِ لم تنطقي بها يا رهف!
**********
وفي آخر الليلة أرسل رسالة إلى عاصم كاتباً:
"بارك لي! لقد خطبت!"
ثم أرفق رسالته بوجه يحمل قلوباً بدلاً من العينين.
ليأتيه الرد أسرع مم توقع:
"بارك لي بالمثل! فقد خطبت أنا أيضاً!"
مُرفق بوجه يلطم خديه!!
**********



سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-20, 07:59 PM   #39

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع الفصل السابع

قبل الزفاف بيومين:
"ستتزوج؟!"
هتف بها عَمَّار بصدمة فصاح به حمزة:
_اهدأ عَمَّار! هي لن تهاجر، زواجها ليس له علاقة باستعادتك لها، ربما يستطيع زوجها إقناعها بإعطائك فرصة.
وبمنتهى الألم رد عَمَّار:
_أنت لا تفهم حمزة، زواجها في ذلك الوقت بالذات يعني أنني قد حُرمت من أداء أحد أهم واجباتي كأخ إلى الأبد، تسليمها لزوجها بيدي كان سيُشعرني بأنها قريبة مني، بأنها تعتبرني أخاها، بأنني استعدت أخيراً جزءاً مفقوداً من حياتي معها..
زَفَر حمزة بضيق بينما تابع عَمَّار بحسرة:
_أنت لا تفهم، أنا ألازم تغريد بكل خطواتها، بكل قراراتها، ومنذ الصغر، لكن.. لكن رهف التي لم أكتشف وجودها إلا مؤخراً يبدو وكأنها قد ضاعت مني إلى الأبد!
عم صمت مكبّل بالألم أنحاء المكان فلم يستطع حمزة التفوه بكلمة، لقد هاتفه عَمَّار غاضباً يسأله عن صحة خبر زواج رهف والذي علمه من خالها، ليأمره بالحضور إلى بيته فوراً، وعندما وصل وجده ثائراً هائجاً، وسرعان ما تحولت تلك الثورة إلى حسرة متمثلة في ملامحه المتعذبة.
أيلوم رهف؟
بالطبع لا!
لقد نشأ معها بنفس الحي وشهِد بنفسه القليل من الإهانات التي تعرضت لها ، وعندما تزوج من ابنة خالها هاله كم الألم الذي تتحمله راضية معتقدة أنها تدفع ثمن إيواء خالها لها ببيته.
ولهذا لن يلومها أبداً..
وعَمَّار أيضاً لا ذنب له، لكن يجب عليه الصبر أكثر، عسى أن يكن الأمل في ذلك الساري الذي يبدو أنها أخيراً وجدت به ملاذها الآمن.
أجفل وهو يتطلع إلى عَمَّار الذي هب واقفاً فجأة وعلى وجهه ينتشر تصميم مُقلق، تمسك بإحدى ذراعيه هاتفاً:
_إلى أين أنت ذاهب؟
وكان الرد المختصر بنظرة عازمة:
_إليها!
**********
منذ عدة أسابيع جمعت نفس الأغراض ووضعتها داخل نفس الحقائب لتترك بيت خالها الذي نشأت به وتقطن تلك الغرفة، الآن ستتركها..
أخيراً ستتركها..
ستذهب إلى بيت حبيبها؛
أكثر من تثق به تلك اللحظة؛
ولوهلة شعرت بالإشفاق عليه، فمنذ زيارته الوحيدة في بيت خالها اقتصر الأمر بينهما على رسائل نصية يطمئن فيها عليها باقتضاب على عكس ما اعتادت منه من مرح دائم؛
بعكس أخته التي تهاتفها طوال الوقت وتقسم لها أنه يسابق الزمن كي يستطيع تجهيز الشقة بموعد الزفاف الذي صمم عليه وكأن حياته تتوقف على ذلك اليوم بالتحديد!
تشتت خاطرها بصوت رنين جرس الباب، ربما زوجة صاحب البيت التي هنأتها عشرات المرات خلال يومين فقط، حيث تبدّلت كل معاملتها المزدرية إلى ترحيب عجيب ما إن علمت بقرب زواجها، ربما لأنها ككل من يعرف أنها تقطن الآن وحدها يراها في صورة الفتاة المخطئة، هزت كتفيها بلا اهتمام حقيقي، بِمَ يهمها رأي أي شخص الآن مادام ساري بحياتها؟!
وأمام الباب تسمرت، ارتفع صدرها في تنفس عنيف ماثله تنفس ذلك الواقف أمامها، لترى في عينيه
نفس الحنان؛
نفس الاشتياق؛
نفس التوسل؛
مع إضافة عاتبة!
لتجد نفسها تهتف به بألم:
_لِم جئت ثانية؟
فأسرع عَمَّار بالإجابة:
_من أجلك رهف جئت، من أجلك فقط.
وجاء ردَّها صارخاً:
_لا أريدك، لا أريدك ألا تفهم؟! أنا لا أريد أي منكم وقد أخبرت زوجتك بالفعل بذلك، ابتعدوا عني، أتستكثرون علي السعادة؟ أتستكثرون عليّ الأمل؟ هل أنا إلى تلك الدرجة وضيعة؟ ألا تستحق من هي مثلي نهاية سعيدة؟!
لم تشعر حتى ببكائها، كما لم يشعر هو بدموعه التي تندفع من عينيه متألما..
ألا يحق له أن يربت عليها؟
ألا يحق له احتضانها؟
ألا يحق له اخبارها كم هو نادم على جهله بوجودها؟
ومن بين دمعاته الضعيفة توسلها هاتفاً:
_رهف! اسمحي لي أن أحضر زفافك، اسمحي لي أن أكون بجانبك، اسمحي لي أن أكون لكِ السند والأمان، اسمحي لي أن يكون بيتي ملجأً لكِ، لا تبعديني رهف، لا تحرميني أخوتك!
كلماته تعذبها؛
تنخر بعظامها؛
تقتلها؛
تُشعرها بيُتمِها وذلها؛
تنبهها إلى ما حاولت تجاهله طوال سنوات..
الفقدان، الحرمان، الاحتياج؛
الأخ والسند!
ونداء خافت منه باسمها متوسلاً أخرج صرخاتها:
_أين كنت أنت؟ لقد انتظرت لسنوات، انتظرت ظهورك أنت بالتحديد لسنوات، انتظرت أن تأتي وتأخذني إلى أبيك، لم أرغب منه هو سوى بالاسم، لكنني أردتك أنت بكليتك، أردت حنانك، احتوائك، أردت حبك، أردت الشعور بالاحتماء بك عَمَّار!
واسمه الذي استمع إليه للتو منها للمرة الأولى نبهه أيضا إلى ما فقد!
يا إلهي!
ما هذا العذاب الذي يتقافز بينهما؟
ما هذا القهر الذي يتقاسمانه بكل لهفة؟
وبأقوى دفعة ضعيفة منها أصبح خارج غرفتها، وحياتها!
وبأقصى قدر من الجمود أمرته:
_اذهب عَمَّار! اذهب ولا تعُد، نحن لم نكن يوماً إخوة، ومطلقاً لن نكون!
وأغلقت الباب بكل قوتها لتنهار أخيراً باكية، وعندما استطاع هو التحرك أخيراً وصل إلى سيارته ببطء وارتمى على المقعد الجانبي، ليسأله مرافقه بقلق:
_ماذا حدث؟!
وبالنبرة الأكثر هزيمة أجابه:
_إنها النهاية حمزة، لقد خسرتها!
**********
"أيعني هذا أنني سأرى الآنسة رهف كثيراً؟"
هتفت بها مريم بفرحة شديدة وهي تساعد سارة في ترتيب بعض الأغراض بشقة ساري العلوية فردت عليها الأخيرة:
_نعم، إن سمح لنا ساري الذي يبدو هذه الأيام شارداً أكثر مما يجب، ماذا سيفعل إذن عندما يتزوج؟
"هل بدأنا تلك الحركات منذ الآن؟!"
ضحكت الفتاتان وهما تلتفتان إلى ساري الذي يبدو بالرغم من افتعاله المرح فهناك شيئ ما يشغله؛
شيئ ما يُخيفه!
لترد مريم بسعادة:
_ألا يجب عليك أن تشكرني ساري؟
مط شفتيه وهو يسألها باستغراب:
_ولِم أشكرك؟
ردت بغرور مصطنع:
_لأنه لولاي لما كنت قابلت الآنسة رهف وتزوجتها.
فابتسم لها ببرود مردداً:
_شكراً جزيلاً مريم، أتحبين أن أحضر لكِ هدية؟
لتبتسم الفتاة مجيبة:
_لا! يكفي أنني لن أترك الآنسة رهف ما أن تعيش هنا، سأظل ملاصقة لها تماماً.
فهمست سارة بمشاغبة:
_هذا إن رأينا وجه أحداً منهما.
ليصفعها ببطء على مؤخرة عنقها هامساً:
_تأدبي سارة!
ثم اتجه إلى الباب تاركاً كلتاهما منهمكتين في الترتيب، وعندما كاد أن يختفي بالخارج هتفت مريم:
_أوتعلم ساري؟! ربما أنا من يجب عليّ شُكرك، ففي الأصل أنت من أصررت علي كي ألتحق بذلك المركز بالتحديد!
وبينما مريم مبتسمة بسعادة نظرت له سارة باستغراب حينما أعطاهما هو ابتسامة مرتجفة وانصرف!
*********



يوم الزفاف:
"اهدئي سما، لا يجب أن يعلم الجميع أننا لا نتحمل بعضنا!"
هتف بها عاصم بخفوت حانق فردت عليه مسرعة:
_إذن لِمَ جلبتني معك؟ نحن"نتظاهر" بالخطبة، فلا يجب أن يكون دورك متقناً إلى ذلك الحد.
نظر إلى الأعلى بنفاد صبر متوسلاً:
_ساعدني يا إلهي!
لكنها تابعت بتبرم:
_كان من الأفضل أن أظل أنا مع أمي بدلا من حضور زفاف شخصين لا أعرفهما، لحظة! أنا لا أعرف أي شخص هنا بالأصل!
وجاء رده حانقاً:
_أنتِ تعرفين سارة!
تخصرت بعناد قائلة:
_إنه زفاف شقيقها، لن تكون متفرغة!
ليبتسم لها ببرود آمراً:
_إذن أنتِ مضطرة للتعامل معي أنا وحدي، تحملي!
وبالرغم من أن نظرتها التي ترسمها بعينيها حانقة، إلا أنها كانت تخفي شعوراً غريباً بالاطمئنان، والترقب، والثقة!
فقد اعتادت على تلصص خطيبها السابق بالنظرات على الفتيات طوال الوقت، أما الآن وقد قررت مراقبة"خطيبها" الحالي فإنه بالفعل لم ينظر لأخريات حتى من حاولن لَفت انتباهه، هل هو مخلص ومحترم أم أنه بمنتهى البساطة لا يهتم؟!
وما يُقلقها حقا هو اهتمامها الشديد بذلك الأمر، فقد وجدت نفسها رغما عنها تتابعه لتعترف لنفسها ببساطة أنه مهذب، لَبِق، محبوب بين معارفه، وجنحت بتفكيرها إلى أنها لو كانت قابلته في ظروف مختلفة لربما قَلَّت حدة رغبتها باستفزازه قليلاً!
**********
تطلعت إلى صورتها بفستان الزفاف بالمرآة وهي تحاول تهدئة ملامحها التي تتصارع ما بين..حنين لأخ..وفرحة بحبيب!
حتى انتزعتها أخته رغماً عنها من شرودها مطلقة زغرودة أكثر حدة جعلتها تبتسم، وعندما التفتت لتخرج من باب الغرفة التي تجهزت بها بالفندق بمساعدة سارة ومريم وجدتها أمامها..
زوجة أخيها!
الآن فقط تستطيع رسم ابتسامة كاملة!
قابلتها مرتين والصلة بينهما معدومة لكنها لا تستطيع إلا الشعور بالامتنان لوجودها.
شخص آخر بخلاف خالها وحمزة حضر عقد قرانها..
عقد قرانها؟!
_هل تم عقد القران؟
والإجابة أتت من خالها الذي دخل بصحبة المأذون يطلب توقيعها، وبأصابع مرتجفة ودمعات كتبت اسمها ولأول مرة تدرك كم هو جميلا بالفعل حينما جاور اسمه هو!
لثم خالها جبهتها مباركاً، لثمتها سارة مهنئة، واقتربت منها زوجة"أخيها" وأمامها توقفت حائرة..
ثم ألقت حيرتها جانباً وهي تحتضنها بحنان غريب لم تشعر به رهف يوماً على الإطلاق، وهكذا شددت هي أيضا من احضانها.
**********
وبالسيارة خارج الفندق:
بعدما عاد حمزة من القاعة سأله عَمَّار:
_أتعرف أي شيء عن ذلك العريس؟
وبلهجة مطمئنة أجابه حمزة:
_مهندس محترم صاحب نصيب بشركة جيدة، يشيد الجميع بأخلاقه ويبدو أنه يعشق رهف.
وبسؤال اعتيادي خاطبه عَمَّار:
_ما اسمه؟
_ساري صبري رشوان.
تسمر عَمَّار لحظة محدقاً أمامه ببلاهة ثم انتفض!
**********
أخذت تحدق في الوجوه المحيطة من أصحاب الشركات التي يتعامل معها وهي لا تستطيع تصديق ما حدث..
لقد أصبحت زوجته!
هي بخلاف الجميع أصبحت زوجة ذلك الرجل الرائع!
بعد أن أيقنت منذ زمن أنها أبدا لن تكون زوجة أو أم، لن يكون لها مستقبل يشاركها به آخر في بيت يسوده الود والدفء..
شردت ببصرها بعيدا بابتسامة آملة تتخيل طفلا صغيرا يلهو ثم تنهره برقة لتحتضنه بعدها بحنو؛
لا! بل طفلين! وربما ثلاثة أو أربعة!
سوف تحبهم وترعاهم، سوف تمدهم بكل الحب والدعم والحنان الذين حُرمت منهم.
زفرت بسعادة وهي تعود بنظراتها إليه، إلى الرجل الذي أعاد إليها معنى الحلم والأمل، إلى من منحها الحب والسعادة، من تحمل وسيتحمل_لا مفر_ العديد من الهمزات واللمزات التي نفر منها الأقربون بسببها، لكن هي ستعوضه، ستجعله يعلم إلى أي مدى تعشقه، لن تتركه للندم يوما على اختياره لها وتمسكه بها وحدها.
توقفت عند عينيه المبتسمتين دوماً، لكن لدهشتها للمرة الأولى لم تكونا كذلك! كان هو من يحدق بها بطريقة مريبة..
لا حب، لا مكر، لا رجاء.. حتى الخوف وَلَّى!
دقات قلبها تباطأت وهي تشعر وكأنه آخر، هل ندم بالفعل؟! هل أدرك الآن فقط أنه قد تَسَرَّع؟!
لكنها أعطته الخيار أكثر من مرة وهو من لاحقها بمنتهى الإصرار، ربما هي من تهذي، ربما عدم تصديقها لوضعها الآن هو من تسبب في ذلك الارتباك، ابتسمت له بارتجاف تبحث عن طمأنة لطالما وجدتها لديه وحده ليشيح بوجهه عنها بإصرار!
ازدردت لعابها وهمت بالإشارة إليه كي تتحدث معه لكنه عَلَّق نظره بمدخل القاعة لتتسع ابتسامة تراها على ملامحه للمرة الأولى..
ليست راجية، ليست خائفة؛
إنما..مُخيفة!
ثم هب واقفا ببطء وهو يغلق أزرار سترته السوداء..
بصعوبة أشاحت بنظرها عنه وهي تنظر في نفس الاتجاه الذي اجتذبه تماما لتتوقف أنفاسها في حلقها وتغمض عينيها وتفتحهما عدة مرات ببطء بينما تدعو ربها أن تكتشف أنها تعيش أحد كوابيسها ليس أكثر!
فتحت عينيها وهي تحدق في ذلك الرجل الذي دلف لتوه إلى القاعة ويقف مع صديق زوجها ، هزت رأسها برفض هزات ضعيفة لم يلحظها أحد، انتزعت بصرها عنه وهي تبحث عن مصدر أمانها الوحيد لتجده الآن واقفا على القاعدة الخشبية العريضة بمنتصف القاعة ممسكاً بمكبر الصوت!
_من فضلكم أرغب بدقيقة واحدة من انتباهكم!
خفتت الأصوات وتوقفت الكلمات وحدق به الجميع بفضول، إلا من بعض الهمهمات التي انطلقت في أنحاء القاعة:
"سيحكي قصة تعارفهما!"
"سيعترف لها كم يحبها!"
"سيجثو على إحدى ركبتيه طالباً منها أن تظل حبيبته طوال العمر!"
“يا إلهي كم أنه رومانسي! ليتني أجد مثله!"
“أعديمة الأصل تلك تحصل على ذلك الوسيم الذي يعشقها؟!"
“بالتأكيد هذه نتيجة شعوذة ما! لقد سحرته تماما! لاحظي كيف ينظر إليها؟!"
والنظرة أرعبتها وجمدت الدماء في أوردتها حتى أنها أنستها تلك المصيبة التي حلت عليها الآن في زفافها، وعندما هدأت الأصوات تماما ونضبت تخميناتهن ابتسم هو بحقد_مستجد_ مستأنفا:
_أشكركم، وأعدكم أن أكون سريعا، في الواقع لقد رغبت في تقديم زوجتي وعائلتها إلى الجميع!
شحب وجهها وتوقف الزمن بينهما وهو يحيد بنظراته عنها كأنها غير موجودة، كأنه للتو لم يقتلها، لكنه كان بكليته مع آخر، مع قاتلها الآخر ليتابع بنفس الابتسامة:
_وها هو أبوها الهارب، إنه هنا معنا جاء كي يطمئن على ابنته ويحرص على رؤيتها في هيئة العروس، كما تعلمون جميعا، حنان الأب لا يعادله شيء.
تعالت الأصوات الخافتة والوجوه تتنقل بين العروسين بفضول، أخرج البعض هواتفهم مختلسا مقطعا تصويريا لفضيحة الموسم بينما تابع هو بنبرة قاسية:
_رحبوا معي بشديد بك الناجي والد زوجتي والذي لا يريد الاعتراف بها.
انتقلت النظرات وكاميرات الهواتف إلى ذلك الرجل الذي يعرفه العديد هنا، لقد كان حتى فترة قصيرة من أشهر رجال الأعمال، وزوجته ناشطة اجتماعية معروفة، ابنه أيضا طبيب له اسمه، كيف تورط في فضيحة مماثلة؟!
اِسْوَدَّ وجه الرجل وهو يبادله النظر بحقد مشوب بالصدمة، فاتجه ساري إليه ببطء حتى وقف بمواجهته تماما، ثم أخفض مكبر الصوت للأسفل ومال على أذنه هامسا:
_أنت لا تتذكرني، أليس كذلك يا بك؟!، لكن أنا متأكد أن الليلة ستنتعش ذاكرتك تماما.
نظر له شديد بذعر حاول إخفاؤه ففشل، بينما رفع ساري مكبر الصوت أمام شفتيه مرة أخرى وهو ينظر له بحقد قاتل متابعا:
_لكن اعذرني شديد بك، أنا لا أستطيع تحمل نتائج أفعالك أنت.
نظرة هَلِعَة هي كل ما رد به شديد والآخر يبتسم له بازدراء ثم أولاه ظهره ليرمق ضحيته الأولى و الأخيرة..
وحينها..فقط حينها..!
اهتز قناع السخرية والبرود للحظة؛
لحظة واحدة ظهر بها صراخ مقهور داخل عينيه؛
صراخ باعتذار وأسف وندم ورغبة بالتراجع والهرب؛
ذلك الهرب الذي توسلها إياه ما إن صارت خطيبته!
كان محقاً في توسله إذن!
ظلام، قيود، قهر، واضطرار!
مرسومين بداخل عينيه واضحين تمام الوضوح..
وهي تنتظر..
تدرك الآن أنه لم ينتهِ؛
توقن أن مازال في جعبته بقية؛
تقسم أنه لن يتوقف عند هذا الحد!
وقد كان على قدر ثقتها، حيث اتخذ قراره وواجهها بنظرته التي تحولت إلى البرودة الشديدة متفوهاً بكلمتين فقط:
_أنتِ طالق!
*****نهاية الفصل السابع*****


سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-09-20, 07:52 PM   #40

سعاد (أمواج أرجوانية)

كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية سعاد (أمواج أرجوانية)

? العضوٌ??? » 476570
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 3,605
?  نُقآطِيْ » سعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond reputeسعاد (أمواج أرجوانية) has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن
*ماضٍ لا يرحل*
**********
أَتَشَرَّب ضعفي حتى أرتوي
أُعايش سلبية باتت ملاذي
أَتَقَبَّل
وَأَتَقَبَّل
ثم أَتَقَبَّل..
بلا شُكر.. بلا نِقمة..
بلا فَرَح.. بلا حُزن..
وبلا اكتراث!
لا تُحاكمونني ولا تظلمون!
لا تزدرونني ولا تنهرون!
فكما ضعفي كان مُتقناً
وكما أصبحت للسلبية شِعاراً مُعبِّراً..
ستصير صحوتي إعصاراً جارفاً
فهذا وعد مني..
ومَن شابه أباه فما ظلم!
**********








"ما بالك أمي؟ بِم أنتِ شاردة؟ أرجوكِ ابتسمي قليلاً!، إنه زفاف ابنك الوحيد، لا يجب أن يعلم جميع المدعوين أنكِ غير راضية عن ذلك الزواج."
همست بها سارة لأمها التي تجلس صامتة تماماً منذ دقائق، فمنذ أن انصرف المأذون وهي متصلبة بمكانها لا تحاول حتى إظهار الفرحة بابنها الوحيد.
وكزت سارة سما في ذراعها فنظرت لها الأخيرة بدهشة متسائلة لتردف بنظرة ذات مغزى:
_أليست عروس أخي جميلة يا سما؟
دققت سما النظر برهف التي تجلس بجانب خالها وتبدو عليها الفرحة الشديدة مختلطة بالخجل ومقداراً واضحاً من عدم التصديق!
_إنها جميلة بالفعل أم ساري، جعلها الله زوجة صالحة لابنك.
لم يبد على سوسن أنها سمعتهما بالأصل، كانت محدقة بابنها بتركيز شديد والقلق يستيقظ بداخلها ويكبر؛
ويكبر؛
ويكبر؛
منذ تم تحديد تاريخ الزفاف وهي تشعر بمصيبة قادمة؛
التاريخ وحده كان كارثة محققة..
أيعقل أنه اختار هذا التاريخ مصادفة؟!
هذا التاريخ الذي تعاهد ثلاثتهم على عدم ذكره معتقدين أنهم بتلك الطريقة ستشفى جراحهم!
أيعقل أنه لم يلاحظ؟!
مرتين ذهبت إليه كي تنبهه لكنها تراجعت خشية إفساد فرحته وإيقاظ ذكريات دهشت كثيراً من سرعة نسيانه إياها؛
أم أنه لم ينس مطلقاً؟!
أم أنه اختار هذا اليوم عن عمد؟!
لكن بِمَ سيستفيد حينئذٍ؟
"ما به ساري؟"
ألقت سؤالها الخافت على ابنتها بينما عيناها تطالعان ابنها بِوَجَل..
وسيم، أنيق، رزين.. كما العادة؛
مظلم،قاتم،متربص.. ليس أبداً كما العادة!
نظرت لها سارة متسائلة:
_ما به أمي؟ إنه عريس!
هَزَّت رأسها نفياً وأطرافها بدأت بالارتجاف رغماً عنها؛
هل بسبب الذكرى السنوية؟
أستعاودها نفس الأعراض؟
ولماذا بعد كل هذه السنوات تحديداً؟!
والنبرة القلقة توضحت تماما بينما أوضحت لابنتها:
_لا تبدو عليه الفرحة، إنه حتى ينظر إليها بطريقة غريبة للغاية.
ضحكت سارة هاتفة:
_ربما ابنك حتى الآن لا يصدق أنه تزوج من حبيبته الوحيدة بعد أن هددتِ تحقيق حلمه بها، لذا أصبح هناك عطلاً ما في الجزء المسئول عن إظهار مشاعره.
هزة نافية قاطعة هي كل ما أجابتها به أمها بينما لم تستطع نزع نظراتها عن ابنها
ملامح متحفزة؛
ملامح غاضبة؛
ملامح ثائرة؛
ملامح متعطشة لانتقام!
وشهقة عالية من ابنتها جعلتها رغماً عنها تُبعد عينيها عنه لتنظر إليها، لكن شحوب وجه سارة المحدقة بباب القاعة جعلها تتبعها بعينيها حتى اجتذبها وجه صارم الملامح لطالما كان له النصيب الأكبر من لعناتها لسنوات!
يا إلهي!
مُحال أن يكون هو نفسه!
_من هذا الرجل؟
والسؤال الذي ألقته سما بفضول وهي تتطلع إلى ملامح الذعر التي تشاركتها الأم وابنتها بسخاء لم تجبها عنه إحداهما..
"علام تنوي يا ساري؟!"
وسؤال سوسن لم تستطع التفوه به حقاً، بينما تشبُّث سارة بها بخوف تلقائي سبق سؤالها المذعور:
_أمي! أليس ذلك الرجل هو نفسه...؟
ولم تستطع سارة إتمام سؤالها، فشحوب وجه أمها والكراهية التي اعتلت وجهها أعلنت وضوح الإجابة.
ثم توقف الحوار!
وتوقفت الضحكات!
وتوقفت الهمسات!
تعلقت أنظار الجميع بالعريس الذي يتصدر القاعدة الخشبية ممسكاً بمكبر الصوت.
"من فضلكم أرغب بدقيقة واحدة من انتباهكم!"
وبسطت سوسن كفها على صدرها في محاولة لتهدئة نبضات قلبها التي تهرول هرولة!
" أشكركم، وأعدكم أن أكون سريعا، في الواقع لقد رغبت في تقديم زوجتي وعائلتها للجميع!"
وارتجف جسد سارة كله في ذعر واضح بينما التصقت أكثر بأمها رغبةً بالحماية!
"وها هو أبوها الهارب، إنه هنا معنا جاء كي يطمئن على ابنته ويحرص على رؤيتها في هيئة العروس، كما تعلمون جميعا، حنان الأب لا يعادله شيء. "
واتسعت عينا عاصم بصدمة مدركاً حجم المصيبة التي شارك بها دون إدراك، هامساً:
_يا إلهي!
"رحبوا معي بشديد بك الناجي والد زوجتي والذي لا يريد الاعتراف بها!"
وخرج صوت سارة مبحوحاً وهي تجذب ملابس أمها أكثر، بينما صوتها تراجع بتنبيه تحذيري، وبالرغم من ذلك فإنها همست بِحشرجة:
_ك..كيف؟!
"لكن اعذرني شديد بك، أنا لا أستطيع تحمل نتائج أفعالك أنت."
..
..
والصراخ الناهي الذي أطلقته سوسن وهي تهب واقفة لم يسمعه ابنها وهو يحدق بـــــ"عروسه"..
بألم؛
ثم بقهر؛
وبرجاء؛
ثم بأسف؛
فبتصميم!
ثم بهتاف بارد:
"أنتِ طالق!"
**********
هل توقف الزمن؟!
هل خرِس الجميع فجأة؟!
لِمَ يحدقون بها؟
لِمَ ينظر الجميع إليها بصدمة؟!
أهذه نظرة تشفي؟!
أتلك نظرة إشفاق؟!
وهذه نظرة اشمئزاز؟!
كل النظرات موجهة إليها وحدها!
هي المجرمة..
هي اللقيطة..
هي الغادرة!!
وتنقلت نظراتها بين وجوه محددة تعرف أصحابها؛
تطلب توضيحاً، تأكيداً، نفياً، أو تبريراً!
هذه أمه المصدومة الشاحبة..
هذه أخته المرتجفة بذعر دامعة..
هذا خالها الذي تصلب مكانه مصعوقاً مثلها..
أما هذا فسبب نكبتها وعارها وعذابها..
ثم هذا؛
قاتلها!!

” قاتلتي أنتِ يا رهف! يوماً ما ستكونين قاتلتي!"
هل أخبرها يوماً أنها قاتلته؟!
ابتسمت!
كاذب! لقد قتلها هو!
...
"أتعلمين؟! _ولا أتعمد ازعاجك_ اسمحي لي أن أقل لك أنكِ ضحية لقطة!”
هل أخبرها يوماً أنها ضحية لُقطة؟!
ضحكت!
صادق إذن! فهي بالفعل لُقطة!
...

" سأهتم بنفسي مستقبلا على ألا تعاودك تلك الحالة، هذا وعد مني!"
هل وعدها يوماً أنه سيهتم بألا يعاودها شلل ذراعها؟!
قهقهت !
أخلف وعده إذن! فقد انتصرت عليه تلك الذراع في التو وتصلبت تماما!
...
ليرتفع فجأة الصوت الأكثر حقداً وقساوة في أنحاء القاعة:
_يبدو أنك مخطىء، أنا لا أعرفك، ولا أعرف من هي تلك الفتاة ولم يسبق لي أن رأيت أحدكما من قبل، ليس لدي سوى ابن وابنة شرعيين أتشرَّف بهما، وبالتأكيد تلك اللقيطة لا تنتمي إليّ، لكنني لن أسكت أبداً عن ذلك التشهير وسأقاضيك!
وزادت ضحكاتها حتى تسابقت دمعاتها للحصول على نصيبها من المشاهدة والتسلية..
النظرات المحدقة بها من الجميع منذ البداية تخلَّت عن الحسد والغيرة والامتعاض، وأصبحت ترمقها برهبة؛
"يا إلهي! يبدو أن الفتاة جُنت!"
"أينقصها العار حتى تُطَلَّق ليلة زفافها؟"
"مستحيل أن تكون ابنة شديد الناجي!"
"بالتأكيد أحد منافسيه من دَبَّر الأمر ليؤذيه بتجارته!"
"يبدو أن الشاب أدرك أخيراً خطأه، وهل يتزوج عاقلاً من لقيطة؟!"
ويداً حانية امتدت إليها، رفعت رأسها متسائلة عن صاحبتها التي جرؤت واقتربت من هالة العار المخزية التي تم تفصيلها لتناسب قياسها، لتجدها زوجة... أخيها!
هو نفسه أخوها الذي صرخ حالا وهو يندفع من باب القاعة كالقذيفة:
"كاذب!!"
ثم وقف أمام أبيه تماماً..
عيناً بعين؛
نداً بند؛
حقداً بحقد؛
تحذير بـ..وعيد؛
ثم....رفض وعِنْد!
_رهف أختي، رهف أختي أنا وابنتك، ابنة شديد محمود الناجي، والدتها السيدة عايدة التي تزوجتها عرفياً منذ سنوات وماتت قبل أن تعلن عن زواجك منها، أمي أنا تعرف ذلك، خالتي وزوجها يعرفان ذلك، خال رهف وزوجته وابنته يعرفون ذلك.
ثم نزع عينيه عنه إلى ساري الذي يقف متخصراً مشاهداً بصمت..
فتح فاهه غاضباً هامَّاً برميه بأقذع الألفاظ، وعلى الفور أغلقه..آسفاً!
وتوقفت الكلمات في حلقه..
ربما خزياً، ربما ندماً، ربما اعتذاراً!
ليتبادل كلاهما نظرات متحسرة؛
نظرات عائدة من ماض أجبر عَمَّار نفسه على نسيانه؛
بينما اكتشف لتوه أن الآخر لم يفعل المثل!
لكنه تجاوزه إلى رهف المبتسمة بالرغم من دمعاتها ليصدح صوته هادراً:
_وهذا الحقير بالتأكيد يعرف ذلك.
ثم استدار مواجها الحضور الذين بدأوا بالاستمتاع جداً بذلك الزفاف الفريد، مستدركاً:
_كما ترون جميعا، العروس ، رهف شديد الناجي هي أختي أنا وليست أبداً بلقيطة، ضحية هي لذلك الرجل الذي نبذها منذ زمن وتسبب لها في ازدراء أمثالكم، ثم ضحية له أيضاً حينما قرر ذلك النذل الانتقام منه عن طريقها.
تعالت الهمسات والفضول ينتشر في هواء القاعة، ولم يشأ عَمَّار أن يطيل انتظارهم فتابع بابتسامة ساخرة:
_وما لا تعلمونه أن شديد بك الناجي لم يؤذني أنا فقط، لم يؤذِ رهف أختي فقط، لم يؤذِ أمها وخالها فقط، بل للأسف امتد أذاه إلى أسرة أخرى كاملة، ومنذ عدة سنوات.
تخشبت سوسن بمكانها؛
وتهاوت سارة على مقعدها؛
وساري..تعلَّقت عيناه بعَمَّار ساخراً!
أيعتقد أنه باعترافه بذلك يعيد الحقوق؟
ومن يعيد أصحاب الحقوق؟!
أيعتقد أنه بذلك يبرىء ذمته؟
وكيف يعيد من يتوجب لهم الاعتذار؟!
واسود وجه شديد وهو ينظر لابنه بنظرة قاتلة لكن الأخير لم يهتم على الإطلاق وهو يتابع بنظرة حاقدة موجهة إلى ساري:
_لِمَ انتقمت منه فيها؟ لِمَ لم تأخذ حقك بأي طريقة أخرى؟ لِمَ لم تنتقم من خلالي أنا؟
جمود..ظلام..قسوة وضعف!
كيف يمتزجون جميعهم بعينيه؟
كيف يستعيض بنظراته عن الرد؟!
ولما طال انتظار عَمَّار للرد تابع باستسلام:
_كنت أنتظرك، كنت أنتظرك منذ ذلك اليوم وكنت مستعداً لظهورك وانتويت أن أساعدك!
لحظة..
والثانية؛
والثالثة؛
وألقى ساري ذراعيه جانباً وهو يجيب عَمَّار بصوت حمل كل آلام الدنيا، كل عجز الدنيا، كل قهر الدنيا:
_أتغالي في قيمتك لديه؟ أتعتقد أنه يمكن إيذائه عن طريقك دكتور؟!
اهتزت نظرات عَمَّار مُصدقاً دون كلمات على ما تفوه به..العريس!
ليتابع الأخير بنبرة لا تحمل أي نوع من أنواع الانتصار:
_وهل لدى شديد بك الناجي أغلى من اسمه كي أصيبه فيه؟!
.....
الحديث يدور أمامها لكنها لا تستمع؛
"أخوها" يصرخ بكلمات لكن لا تصلها سوى حركة شفتيه؛
هل أُصيبت بالصمم أيضاً؟!
وجذبتها أخيراً مَوَدَّة لتقف فوق ساقين مرتجفتين، بينما عيناها متعلقتان به..
لو أخبرها الآن أن كل ذلك كان مزاحاً ثقيلاً ستصدقه!
ستنسى كل ما حدث وتصدقه!
سترحل مع إلى بيته، إلى حيث السعادة والأمل؛ لكن.. لكنه منذ تلك الكلمة الأخيرة التي وجهها إليها لم ينظر لها.
الكلمة الأخيرة؟!
"أنتِ طالق!"
لقد طلقها!
لقد نبذها!
لقد حرمها مستقبلاً تمنته معه وحده!
ويد أخرى ساعدتها على التحرك من مكانها، نظرت إليها بتشوش، خطيبة صديقه التي قابلتها قبل عقد القران هي.
عقد القران؟!
لمدة نصف ساعة؟
ألم يستطع الندم أن يغزوه مبكراً قليلاً؟
ألم يستطع إدراك فداحة خطأه قبل نصف ساعة فقط؟
ألم يستطع التراجع قبل إضافة عار آخر إلى حياتها؟
وبقوة دفع مَوَدَّة وسما وجدت نفسها خارج القاعة، داخل سيارة زرقاء لا تعلم من صاحبها بصمت تام جالسة، وفي الخارج يقف حمزة يتحدث مع مَوَدَّة بانفعال ثم ينطلق إلى الداخل، وبجانبها تلك الفتاة ضئيلة القامة تربت عليها والدمعات تترقرق بعينيها.
وفي الداخل:
اقترب عَمَّار من ساري بتمهل مشددا بنبرة هادئة:
_سأنتقم منك لأجلها يا ساري.
ليأتي الرد رغم بطء كلماته سريعاً خافتاً متقطعاً:
_وهل تعتقد أنني سأمنعك عَمَّار؟!
تبادلا نظرات لا يفهم مغزاها سواهما ثم انطلق عَمَّار إلى الخارج مسرعاً.
"هل أنت ابني؟! هل أنت حقاً ساري ابني؟!"
وبالحسرة..
والقهر..
والصدمة..
فالخسارة!
نظر إلى أمه التي شعرت الآن أنه قد شاخ بلحظات قليلة وبابتسامة ميتة أجابها:
_لا أمي! أنا مجرد شبح!
**********


بقية الفصل على هذا الرابط

https://www.rewity.com/forum/t472579-5.html



التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 07-09-20 الساعة 12:02 AM
سعاد (أمواج أرجوانية) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:09 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.