آخر 10 مشاركات
لُقياك ليّ المأوى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          عواقب إنتقامه (144) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          من تحت سقف الشقى أخذتني . . للكاتبه نـررجسـي?? ، مكتملة (الكاتـب : لهيب الجمر - )           »          154 - الوريثة الفقيرة - روايات ألحان (الكاتـب : MooNy87 - )           »          256 - دائرة الخطر - هيلين بيانشين ... ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          1107-معركة التملك-شارلوت لامب د.ن (ج2 من السداسيه كاملة)** (الكاتـب : بنوته عراقيه - )           »          عاطفة مجنونة (27) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : ميقات - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-21, 10:07 PM   #151

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي


الفصل السابع عشر
(سبحان من وضعك بداخل قلبي بتلك القوة)
عاد عمر إلى المنزل بعد يوم عمل شاق، صعوبته لم تكمن في عمله المعتاد إنما لأنه كان مصحوباً بشحناته السلبية الكثيرة.. قلقه الكبير على طفلته وعلى المنحنى الذي تأخذه حياتها.. دون أن يستطيع فعل شيء.. فابنته المصون ترفض تدخله، وهو لا يريد إجبارها على تقبل أمر ما دون إرادتها.. لقد رباها على اتخاذ قراراتها وتحمل نتائجها.. إلى أن أصبح عقلها صلداً لا يستطيع أن ينفذ إليه..
زفر بحنق وهو يواجه هذا الهدوء المريب من أهل بيته.. أين صراخ دارين على توأمه الشيطاني، اتجه إلى المطبخ لم يجد به أحد ليتجه بعدها إلى غرفة الجلوس.. فاجأه انطلاق مروة إليه تبكي بصخب بين ذراعيه التي احتوتها بحنان متسائلاً بلطف "ماذا حدث يا مروة؟ هل تشاجرتِ مع مي؟"
هزت رأسها نفياً وهي تقول بنشيج "سما"
زاد عمر من ضمها لصدره سائلاً بقلق "ما بها سما؟"
لم يحصل منها على رد وبكائها يزداد، لمح مي تقف على باب الغرفة في وضع يرثى له.. تنهد بعمق وهو يفتح ذراعه الآخر لها لتندفع مخفية قامتها الصغيرة على صدره.. مسد ظهرها بحنان محاولا تهدئة ارتجافها سائلاً بخفوت "هل تعرفين ما بها سما مي؟"
أجابته بصوت حزين خافت "لقد مات لاف"
أغمض عينيه بحزن.. يا الله وكأن الوضع ينقصه موت رفيقها المقرب.. لتكمل مروة بتوتر حزين "وسما ظلت تصرخ ولم تستطع ماما أو سيف تهدئتها حتى أتت عمتو نيرة"
سأل بعنف مكبوت وجسده يتشنج بغضب "سيف كان هنا؟"
اومأت مي في حضنه قائلة بعفوية "نعم كان هنا منذ قليل"
انتفضت عضلة خده بعنف قائلاً بهدوء حاول إسباغه بصوته قدر الإمكان كي لا يخيف الطفلتين "حسناً يا حبيباتي سما ستكون بخير طالما عمتكما كانت هنا.. اذهبا إلى غرفتكما"
ثم أبعدهما بلطف واتجه صوب غرفة سما يتوعد لدارين في نفسه.. بينما وقفت مروة تنظر في أثره بتوتر لتحتضنها مي باحتياج وهي تهمس بخفوت "لا تخافي مروة أنا معكِ"
شددت مروة من احتضانها هامسة بصوت حاني "أعلم"
اتجه عمر إلى غرفة سما من فوره ليقع بصره بألم على طفلته النائمة بوداعة على سريرها.. لم يلقي بنظرة واحدة على دارين الجالسة بجوارها.. ليتجه إلى صغيرته يقبل قمة رأسها بحنان.. وهو يجلس بجوارها على طرف السرير سائلاً بخفوت "ماذا حدث؟"
ابتلعت دارين ريقها بمشقة هاتفة بصوت بالكاد يُسمع "لقد مات هامستر سما"
لم يرفع عينيه عن وجه ابنته سائلاً من بين أسنانه "وماذا أيضا دارين؟"
ردت باستجداء "عمر!"
لم يلقي بالاً لاستجدائها سائلاً بغضب مكبوت لأجل ابنته "من سمح لسيف بالمجيء اليوم؟!"
أجابته بتعجب "لقد أتى اليوم.. هل كنت لأطرده؟!"
لم يعير ردها اهتمام وهو يسأل بصوت خافت "ماذا قالت نيرة؟"
زفرت بتعب وهي تقول بحزن ويدها تعيد خصل شعر سما للخلف "كانت على وشك انهيار عصبي"
انتفض واقفاً وهو يتجه إلى غرفتهما بخطوات حانقة تدب الأرض بعنف.. ذهبت خلفه لتجده ينزع ملابسه بعنف ويلقيها كيفما اتفق على غير عادته.. بدأت تلملم ثيابه المبعثرة وتضعها بمحلها قائلة بتعب "عمر ألن تقول شيء؟"
أجابها بجمود وهو يلتقط منامة مريحة من خزانته "سأجرحكِ.. وأنا لا أريد هذا"
همست بصوت خافت معذب "ألن تأكل؟"
اتجه إلى الحمام ليقول بأمر أكثر حدة "لا.. لا أريد.. ولا أريد الحديث مع أحد اتركيني بمفردي"
أغلق الباب بقوة لتلتقط هاتفها تخرج رقم هاتف شقيقها قائلة بصوت باكي ما أن أجابها ماهر "انجدني يا ماهر.. عمر غاضب مني"
*********
وفي حديقة المنزل الكبير حيث كانت تضع هنا أمامهم مشروبات باردة سأل أيهم باهتمام قلق "متأكدة أن سما بخير نيرة؟"
هزت نيرة رأسها مؤكدة قائلة بغيظ "مئة بالمئة يا أيهم، سيف هو الذي يُوجع قلبي"
ثم وجهت حديثها إلى لمار الشاردة بتعب أنهك قلبها.. وخصامها مع سيف اليومين الماضيين.. وهو يطلب مغفرتها في كل وقت وكل ساعة.. ولكنه عقلها الأحمق يأبى إلا أن يعاقبه بشدة على خطئه "لا تقسي على سيف أكثر من هذا لمار.. الولد مذبوح.. يا الله لو رأيتِ عينيه وملامحه ونحن عائدين.. أخفيت دموعي عنه بشق الأنفس اليوم"
غمغمت هنا وهي تمسح دمعة شردت من جانب عينيها "يا قلبي يا بني.. لن أسامحكِ لمار إن زدتِ عتابكِ أكثر من هذا"
أخفضت لمار عينيها تخفي دموعها.. من قال أن عتابها لسيف لا يؤلمها كما يؤلمه.. وأمومتها تُذبح كلما رفضت الحديث معه لتغمغم باختناق "سأتحدث معه"
أومأت نيرة بعينيها قائلة بألم صادق "صدقيني هو بحاجتكِ وبحاجة ذراعيكِ الليلة يا لمار"
غمغمت هنا متسائلة "أين هو بالمناسبة؟ لم أراه"
سقطت عبرة من عين لمار وهي تجيب بعدم معرفة "لا أعلم أين هو.. سأبقى بجواره الليلة فقط عندما يعود"
مسح ماهر دموع لمار بحب وهو يربت على كف يدها بدفء.. ليطمئن قلبها الملتاع على فلذة كبدها، غمغم أيهم متسائلا "بالمناسبة أين حياة؟"
ردت هنا ببساطة "بشقتها"
اعتدل خالد قائلا وهو يلتقط كوبه سائلاً باهتمام "ما الذي تعرفه عن حياتها مع زوجها ماهر؟"
زفر ماهر بغيظ قائلاً ببرودة أعصاب مسيطر على غضبه "ليس أكثر مما تعرفه أنت.. أنه توفي وهي عادت بعد وفاته ولديها ابن وحيد"
غمغم أيهم بغل "ولماذا لم تخبرنا الهانم عن حياتها معه؟ هل تخاف على سيرته الحسنة أن تتلوث لا قدر الله؟!!"
ردت نيرة بغيرة لم تبذل جهداً في إخفائها "ولماذا كل هذا الغضب تجاه زوجها حبيبي؟"
ابتسم خالد بمكر وهو ينظر لماهر بنظرة خبيثة.. التقطها فوراً بدون أن يفهم فحواها ولكنه قرر أن يجاري فعلته التي يبدو أنها ستقلب ليلة أيهم لسواد.. غمغم خالد بصوت بدا عفوي لحد كبير "يا الله يا أيهم متى تنسى أنه غريمك يا رجل، كان الأمر منذ زمن بعيد"
تابعت نيرة الحديث باهتمام وأيهم يجيب ببديهية "وهل هذا الحقير يُنسى.. سلبها من بيننا وتحت أعيننا ونحن كنا ننظر له فقط"
أجابه خالد بخفوت متقن وماهر يحاول التحكم في ضحكته قدر المستطاع "ربما أنت غاضب لأنه سرق حلم ماما فاطمة الذي كنت تنوي تحقيقه لها"
رفع أيهم حاجبه وهو يستشعر وجود خطأ ما ليجيب بحيرة "أي حلم هذا؟"
رفع خالد حاجبه بمكر قائلاً وهو يغمز لأيهم بعينيه بمشاكسة "أن ترتبط أنت وحياة"
هتفت نيرة بصدمة "ماذا؟!!"
أجاب ماهر مجارياً خالد في مزحته "أوووه كيف نسيت هذا الأمر؟"
هتف أيهم بصرامة "توقفا حالاً عن هذا الهذر"
انطلقت ضحكة ماهر وخالد سوياً بتناغم وهما ينظران لملامح نيرة التي توحشت بغيرة بدائية.. وصدرت قهقهة عن هنا ولمار وأيهم يسترضي نيرة بكلمات مضحكة "بالطبع لن أخبركِ أن كل هذا هراء من اثنين كبرا وخرفا -ثم أضاف بتوعد وعينيه تلمع بالشر- حسابهما فيما بعد"
قاطع رد نيرة رنين هاتف ماهر الذي أجابه ثم انتفض واقفاً هاتفاً بجزع "دارين اهدئي يا حبيبتي ماذا بكِ؟ لا تبكي وتحدثي بهدوء"
أجابته بصوت يخنقه البكاء "عمر غاضب مني يا ماهر"
رد محاولاً تهدئتها "حسناً يا حبيبتي توقفي عن البكاء أولاً.. هل أذاكِ عمر؟"
عند هذا الحد اختطف أيهم الهاتف من بين يديه هاتفاً بعنف "ماذا فعل لكِ عمر؟ أقسم بالله لو كان فعل أمر سيء ليكون أخر ما يفعله بعمره"
غمغمت دارين بحزن "أبيه لا تقل هذا"
فيما أخذ خالد منه الهاتف بعنف مسلماً إياه لماهر قائلاً بهدوء "تحدث معها يا ماهر حتى تهدأ"
نظر ماهر لأيهم بعتاب وهو يلتقط الهاتف ويبتعد قليلاً.. بينما استدار خالد معنفاً أيهم بحدة "ما بك هل أصاب عقلك مس من الجنون؟ عمر لن يؤذي دارين مهما حدث؟ ولا تنسى أن عمر ابن خالتك"
مسح أيهم وجهه بيديه بعصبية قائلاً بهمس "أستغفرك وأتوب إليك"
عاد ماهر بعد أن أغلق الهاتف مع دارين قائلاً بلوم "لم يوجه إليها كلمة جارحة حتى.. ولكن كالعادة دارين المدللة تكبر مشاكلها.. عمر فقط غاضب منها، سأذهب إليها الآن حتى اطمئن عليها"
أجابه أيهم من فوره "سآتي معك"
رد خالد معترضاً "كلا ستبقى أنت وتتحدث مع حياة إن أردت.. ولكن لن تذهب إلى عمر وأنت بتلك الأعصاب المنفلتة دائماً.. هيا ماهر"
ذهب خالد وماهر إلى دارين بينما انسحبت هنا ولمار تاركين نيرة وأيهم بمفردهما.. أغمض أيهم عينيه بحنق.. مزحة خالد وماهر الثقيلة ثم حديثه عن عمر بتلك الطريقة.. ما به هل جن على رأي خالد..
التفت لها ببطء ليجدها تشيح بعينيها المغرورقتين بدموعها بعيداً عنه.. نغزه قلبه على إيلامه لها ليتجه إليها من فوره جالساً بجوارها.. ليحتضن يدها برفق وهو يرفعها لشفتيه مقبلاً إياهما بعشق.. قائلاً بأسف حقيقي "أنا أسف حبيبتي، أسف حقاً، تعرفيني عندما أفقد أعصابي"
رفعت عينيها الدامعة إليه قائلة بعتب آلمه "كنت تهدد عمر يا أيهم!!"
ابتسم لها بمراضاة وهو يضمها لصدره بقوة قائلاً وشفتيه تقبل قمة رأسها بحنان "وهل تظنين بأني سأفعلها؟.. إنه تهديد فارغ يا عمري.. إنه عمر أخي الصغير نيرة"
سكنت على صدره للحظات وهو يمسد ذراعها بحنان.. قبل أن ترفع قبضة يدها وتضربه على صدره بكل قوتها قائلة بغيرة "كنت تريد الزواج منها؟!"
رغماً عنه أطلق ضحكة صاخبة تعبيراً عن سعادته بغيرتها.. ثم ما لبث أن قال بحنان "أقسم بالله لم أعلم عن ذلك الحلم إلا الآن"
رفعت رأسها إليه سائلة بعدم استيعاب "ماذا يعني هذا؟"
أجابها بصدق "مزحة ثقيلة من ثقيلي الظل ماهر وخالد"
نظرت له بشك ليضحك بقوة قائلاً بهدوء "هل سأقسم كذباً يا نيرة بعد هذا العمر"
جذبته من ياقة ملابسه بقوة قائلة بغضب بالغ ومجرد التخيل يقتلها "لو كان حقيقياً يا أيهم.. هذا معناه أنه عندما التقينا كنت ستكون متزوجاً.. وحينها كنت سأقتلك لأنك لم تنتظرني لأظهر في حياتك"
نظر لها بذهول قبل أن يطلق ضحكة أخرى مرتفعة.. ليحتضن وجهها بين يديه قائلاً بهيام "أنتِ قدري الذي دعوت كثيراً حتى أجده.. وكافئني الله به"
تعلقت بعنقه قائلة بحب بالغ ملك عليها روحها "أحبك كثيراً كثيراً"
ابتسم لها بحنان هادر مجيباً بهمس عاشق "وأنا أحبكِ يا عمري كله.. هيا لتصعدي للأعلى"
سألته بتحفز "بمفردي!! لماذا إلى أين أنت ذاهب؟"
ببساطة كادت أن تفنيها أجابها أيهم "للحديث مع حياة.. يجب أن أفهم كيف كانت حياتها!!"
تخصرت قائلة بتأهب نمرة تدافع عن حياتها "سآتي معك"
أدار عينيه في الفراغ بنفاذ صبر قائلاً بغيظ "يا زوجتي العزيزة الجميلة أنا ذاهب للحديث مع أختي عن حياتها الشخصية.. هل ستقتحمين خصوصيتها؟"
شوحت بيدها بحنق قائلة بغيرة عمياء "نعم سأفعل.. وكلمة أخيرة أيهم سأذهب معك أو لن تذهب أبداً.. وأيضا ضع ببالك أي مكان ستتواجد به ومعك تلك الحياة ستجدني فوق رأسك"
لم يجادل وهو يعلم حالات عنادها وأنها لن تتنازل عن كلمتها ليسحبها من ذراعها قائلاً بغضب "هيا يا نصيبي المجنون لأرى مشاكل المعتوهة الأخرى"
*************



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:13 PM   #152

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

غادر أيهم الحديقة إلى المنزل الكبير وبشكل خاص الطابق الأول حيث تمكث حياة يدفعه فضول حارق لمعرفة كيف كانت تحيا كل تلك السنين الماضية.. ستظل حياة الكسر الأعظم لكبريائه هو وماهر في ريعان شبابهما، اختيار زوجها بدافع الحب على عائلتها كان أمر عجيب بالنسبة له.. كيف فكرت مجرد التفكير في التخلي عنهم
حان الوقت للحديث بينهما حتى يضعوا النقاط على الحروف.. وقف أمام باب شقة حياة لينظر لنيرة التي وقفت خلفه بتعجب وهو من كان يظنها تمزح قائلاً بأمر لطيف "هيا اصعدي"
تكتفت أمامه بعناد قائلة بإصرار "أنا أتية معك"
عقد بين حاجبيه قائلاً بحدة "هيا نيرة يكفي مزاح"
مدت إصبعها لتدق الجرس بإصرار قائلة وهي ترفع رأسها بتصميم "لقد أخبرتك لن أتحرك من هنا"
مال عليها يخبرها بغضب "حسابنا بالأعلى عسير"
رفعت عينيها بتحدي تقابل نظرته المتوعدة.. قاطع تلك اللحظة فتح يامن الباب.. ليقول بترحيب شابته بعض الريبة وهو يستقبلهما "مرحبا خالو تفضلا"
نظر أيهم لنيرة بوعيد ثم تركها ودلف للداخل دون رد.. تنحى يامن جانباً قائلاً بهدوء متوجس "تفضلِي عمتي"
أشاحت بيدها برقة قائلة بلا مبالاة "امسح تلك النظرة يا ولد ما رأيته بيني وبين أيهم يحدث كل يوم"
ضحك بذهول وهي تتأبط ذراعه بلطف قائلة بخفة "هيا قبل أن يقتل زوجي أمك"
دخلا ليجدا أيهم يجلس على مقعد أمام حياة التي يبدو عليها التجهم.. همست نيرة له بمشاغبة "لقد فاتنا شيء بالتأكيد"
زمجر أيهم بعنف "اجلسا ولا أريد أن أسمع صوتا لأحد"
مطت نيرة شفتيها بغيظ لتجذب يامن ليجلس بجانبها على المقعد.. وهي تسمع زوجها يسأل بحدة لم يستطع التحكم بها "الآن حياة دون مراوغة أخبريني كيف كان يعاملكِ؟"
نظرت نيرة لحياة بحذر تلك النبرة من زوجها ترعب أعتى الرجال.. لتجد حياة ترفع حاجبها بلامبالاة هاتفة بنبرة مماثلة "بالطبع لا.. تلك خصوصيتي مع زوجي.. ولن أخرجها لأحد مهما كان"
مال أيهم بجذعه قائلاً بصوت رغم حدته إلا أن كلماته كانت حانية "وأنا لست أي حد يا حياة أنا بمثابة أخيكِ لقد تربينا في منزل واحد.. أنا من كنت تلجئين إليه عندما يضايقكِ أحدهم قبل أن تذهبي إلى ماهر حتى.. لذلك أخبريني عن حياتكِ.. من حقي المعرفة.. هذا حقي عليكِ"
ابتسمت حياة بود قائلة باشتياق متغاضية عن سؤاله عن حياتها الشخصية.. لن تتحدث عن زوجها مع أحد أبداً "يا الله يا أيهم كم سنة أعدتني للخلف"
ابتسم أيهم رغماً عنه ثم زم شفتيه قائلاً بأمر عالماً بأمر تهربها منه.. فهكذا دائماً كانت منذ كانوا صغاراً تجيب ما تريده وتتجاهل ما لا يوافق هواها "لا تتهربي من الإجابة.. أنا لن أغادر قبل معرفة كل ما أريد معرفته، لا تخافي لن أقدر على إيذائه، أريد أن أعلم كم الضرر الذي نال أختي"
زمت شفتيها برفض قائلة بعناد "ستنتظر للسنة القادمة إذاً"
أغمض عينيه بسخط قائلاً وهو يجز على أسنانه "لماذا لا تريدين إخباري؟"
هتفت بحيرة وهي تتطلع إليه بتوسل "ولماذا تلح بالسؤال فيما مضى يا أيهم؟"
مال جانب فمه بابتسامة كسيرة وتغضنت ملامحه العجوز قائلاً بألم لم يبارح قلبه منذ زمن "ربما لو علمت أن معاملته لكِ كانت حسنة، قد يكف ضميري عن إزهاق روحي.. معاتباً إياي كل ساعة وكل دقيقة أن بحثي عنكِ لم يكن كافياً.. سأكون سعيداً إذا أثبتِ لي أنكِ كنتِ محقة وجميعنا مخطئون.. أنه كان نعم الزوج لكِ"
غمغمت بتساؤل خافت وهي تتأكد من وضع حجابها في محاولة لإزالة توترها "هل سيرتاح قلبك إن أخبرتك أنه كان نعم الزوج"
رفع أيهم كتفيه بعدم معرفة قائلاً بهدوء "ربما نعم وربما لا، ولكن ما باليد حيلة حياة"
رفعت عينيها قائلة بكذب رآه واضحاً في عينيها.. فمهما ابتعدت عنهم ستظل نفسها الفتاة التي كبرت معه "نعم ليرتاح قلبك كان جيداً معي"
اتسعت عينا يامن بصدمة من خداعها.. يا للهول هل تشربت من طباع والده.. قائلاً بذهول "ماما أي افتراء هذا؟"
أغمضت حياة عينيها بحنق كيف غفلت عن وجود يامن بينهما.. وكيف غفلت عن الحقد الكبير الذي يستوطن قلب ابنها تجاه والده.. يكاد ينافس أيهم في هذا الأمر، فتحت عينيها على همسة أيهم المتسائلة "ماذا تقصد يامن؟"
صمت قليلاً قائلاً برجاء "سأخبرك يا خالو ولكن هل لي بسؤال أولاً؟"
هز أيهم رأسه موافقاً ليجيبه يامن بفضول حارق "لماذا كل هذا الغضب بعينيك تجاه والدي؟ يخيل إلي كلما تحدثت عنه أنه لو كان أمامك لقتلته"
أجابه أيهم دون مواربة بما يعتمل داخله من غضب عنيف وغل تراكم على مر السنين "لأن والدك التف من خلفنا جميعاً.. وتزوج والدتك دون مراعاة للأصول والعادات المتبعة"
أجابته حياة بدفاع عنيف "كان يحبني"
اشتدت ظلمة عيني أيهم وذكريات هذا البغيض تندفع إلى رأسه صاخبة مشبعة بالكره المتبادل بينهما.. مجيباً من بين أسنانه بعنف "كان ينتقم مني يا حمقاء"
ارتدت رأس حياة للخلف بحزن قائلة بعنف مدافعة عن اختيارها بكل قوتها.. لن تخبره أنها كانت مخطئة وأنهم كانوا محقين.. حتى وإن كان الأمر حقيقياً وقد سمعته منه شخصياً.. متشدقاً بها بإحدى شجاراتهم؛ ناعتاً إياها بانتقامه الناجح "ولماذا قد يفعل مثل هذا الأمر؟ لا أحد يتجوز بدافع الانتقام فقط.. هذا ليس مبرر للزواج.. أنت وماهر من اختلقتما تلك القصة حتى تبررا لنفسكما فرض رأيكما علي"
رفع أيهم عينيه يضعهما بعينيها قائلاً بسخرية أجفلتها "هل فقدتِ الذاكرة حياة هانم؟ أنتِ رأيتِ بعينيكِ كم المشاكل التي كانت بيننا.. ذاك الرجل كان يكرهني.. لقد كان يغار مني دون أن أعرف السبب.. لا تدعي النسيان حياة"
هزت رأسها برفض عنيف قائلة وهي تزم شفتيها باحتجاج "لم أفعل ولكن حينها كان يحبني.. أنت وماهر من وقفتما أمامه وتسببتما بكل هذا لي.. ما كان يجب عليكما الرفض والتخلي عني"
استقام واقفاً يدور من حول نفسه قائلاً بصوت حاد شديد الانفعال.. فالحوار الهادئ الذي كان ينتويه أخذ أبعاد أخرى.. أبعاد لم يرد الوصول إليها خاصة أمام ابنها الذي على ما يبدو لا يحتاج لسبب إضافي لكره والده.. ولا أمام زوجته التي لا تعرف عن تلك القصة إلا قشورها فقط "نحن يا مغفلة من رمينا أنفسنا في النار.. الحقير كان ينتقم مني لأني كسرت عينه وجعلته عبرة لمن يعتبر.. هل تعلمين كيف كان شعوري أنا وماهر ونحن نراكِ تقفين معه، هل رأيتِ نظرة الانتصار التي تألقت في عينيه عندما فعلها.. هل تدركين كم المهانة التي عرضتِ نفسكِ لها عندما تزوجتِ بتلك الطريقة؟!!"
أجابته بنبرة أبحة وهي تفرك يديها بتوتر "لماذا تتحدث وكأني تزوجت دون موافقتكم.. لقد كان ماهر وليي وأنت شاهد على العقد"
التفت يواجهها بحدة قائلاً بشراسة "لم أنكر أن الزواج كان صحيحاً مدام حياة.. وفي مقابل صحة زواجكِ ماذا خسرتِ؟"
أشاحت بعينيها دون رد ليصيح بغضب اندفع هادراً بأوردته "تركتِ عائلتكِ خلف ظهركِ.. اخترته هو وتنكرتِ لنا"
قاطعته بغضب فهي لن تهاب غضبه الآن.. الذي لن يقارن بذرة واحدة من غضبه أثناء شبابه "لا تصور الأمر بتلك الطريقة البشعة"
هتف بحدة وعينيه تطلق شرراً غاضب سيحرقها بينما نيرة تمسد ذراع الشاب المتوتر بجوارها "بل إنه بشع للغاية عندما تتخلين عن سندكِ وحمايتكِ لأجل شخص غير مؤتمن ورفضته عائلتكِ فهو أمر بشع"
أغمضت عينيها بحزن ملك عليها جوارحها قائلة بتعب "أيهم لننهي هذا الموضوع هنا رجاءً"
أتتها همسة يامن الحزينة "لماذا ماما؟ أخبريه"
احتضنت نيرة ذراعه بحنان تخفف عنه صدمة ما يستمع إليه غير عالمة أنه لم يُصدم وأياً كان ما سمعه لا يشكل معه فارق.. فوالده ترك في حياته بصمة سوداء لن تزيدها بضع حقائق أو بضع كلمات إضافية سواداً فهي حالكة السواد من الأساس.. التفت إليه أيهم متسائلاً وحياة تصرخ به ناهرة بحدة "لا تتدخل يا ولد"
انتفض يامن واقفاً وغضبه يشع من كل خلية به صارخاً بعنف "لماذا لا أتدخل؟ لا تقلقي على صورته فيبدو أن خالي يعلم أي حقير كان زوجكِ"
رمش أيهم بعينيه بصدمة لم يتوقع أبداً ذلك الغضب من يامن تجاه أبيه.. نعم كان يعلم أنه غاضب منه ولكن أن يكون حاقداً عليه بهذا الشكل فهذا ما لم يتوقعه أبداً.. ما الذي فعله ذلك الوغد بأخته، ثم ما لبث أن تمالك نفسه هاتفاً بحدة آمرة "أخفض صوتك يا ولد وإياك أن ترفعه على والدتك أو أي أحد يكبرك عمراً"
التفت له يامن بذهول وهو لا يعلم شعوره الحقيقي تجاه هذا الأمر.. بالتأكيد ليس غضب إنما إحساس عجيب أنعش داخله على نحو عجيب.. فلأول مرة يشعر بتوبيخ أب حريص على سلوك وأخلاق أبنائه، الأمر الذي لم يفعله أبوه أبداً.. هز رأسه قائلاً بخجل "أسف لن أكررها ثانية"
تحدثت نيرة تهدئ من الأجواء المشتعلة توتر "اجلس يا يامن.. وأنت حبيبي اهدأ قليلاً.. اجلسوا جميعاً ودعونا نتحدث بالعقل"
عاد يامن يجلس بجانبها امتثالاً لأمرها بينما جلس أيهم قائلاً بصوت هادئ لم يخلوا من حدته "جلست.. والآن أريد أن أفهم ما يدور.. هل ستتحدثين حياة أم أطلب الحديث من يامن؟"
أشاحت حياة بعينيها بعيداً ليقول أيهم بأسف زائف "للأسف سأسمع من ابنكِ.. تحدث يا يامن وأخبرني أنت"
ازدرد يامن ريقه بمشقة ثم ألقى بنظرة حزينة متأسفة إلى والدته وعاد إلى خاله بنظراته.. لينطلق لسانه متحدثا بقهر تشبعت به بروحه.. وحزن أحرق زهرة شبابه دون أن يدري.. بدأ بحديث خجل عن طباع والده المخزية له.. تحدث عن كل ما رآه من والده منذ بدأ يعي للحياة.. معاملته السيئة لها بدءاً من إهانته البالغة لها ثم تطاوله باليد عليها.. وكل مرة كانت تصرخ به حياة مهددة بالابتعاد.. يخبرها أنها اختارته ونبذت أهلها فإلى أين ستذهب؟ فترضخ له ثانية بذل.. تخبره أنها تحبه وستبقى معه دائماً..
أخبر خاله أنه كان يخونها مع غيرها دائماً ورغم أنها كانت تعلم ولكنها كانت تغفر له بصمت.. وتعود إليه مع أول إشارة منه.. أخبره عن إهماله لها بالشهور وكأنها كم مهمل غير ذي قيمة.. أخبره كيف بقيت معه متغاضية عن كل هذا الانحطاط لأنها تحبه.. ثم اختتم حديثه بجملته المتحسرة "لم يعاملها يوماً معاملة كريمة، ثم ماما كيف تتركين البيت دون انتهاء فترة العدة؟"
أخفض أيهم عينيه للأرض يضم قبضته بشدة يتحكم في عصبيته.. القهر الذي سمعه في كلام الشاب أجج غضبه وأشعل فتيل حنانه لأجل هذا الشاب الذي نشأ في بيئة مريضة.. بيئة غير سوية لإنشاء رجل سوي غير مليء بالعقد..
ظل هكذا لفترة قصيرة حتى استطاع تمالك القليل من أعصابه ثم رفع رأسه فجأة ينظر إلى الخارج من زجاج النافذة المطلة على الحديقة قائلاً بابتسامة غير حقيقية "أعتقد أن عمتك هنا بالحديقة لن تمل جلستها اذهب واجلس معها يامن"
ربتت نيرة على كفه موافقة لتقول بهمس "خالك محق اذهب واجلس معها"
أومأ بعينيه وهو يستقيم مغادراً دون جدال فهو لا رغبة له في سماع المزيد.. بينما منحت نيرة أيهم بسمة متفهمة وهي تقرأ رغبته بالحديث مع حياة على انفراد.. أثناء مرورها من جواره ربتت على كتفه بحنان قائلة بنصيحة صغيرة بها الكثير من الحب الذي امتص غضبه كإسفنجة المياه " سأذهب للمطبخ أحضر ليمون تهدئون به أعصابكما.. ثم مالت هامسة له بمفرده.. على مهلك حبيبي وترفق بها"
كان رده ايماءة بسيطة موافقة ليتابع مغادرتها ثم نقل نظره إلى حياة قائلاً بسؤال مباشر "هل ما ذكره يامن صحيح؟"
دمعت عينيها بألم قبل أن تومئ برأسها بخزي ليجيبها بعنف وهو يغرز نفسه على كرسيه بشدة "لماذا لم تطلبي الطلاق وتعودي؟"
ردت بدهشة "الطلاق!! لماذا قد أطلب الطلاق منه؟"
أجابها بحنق يتزايد وهو يتحكم في أعصابه ببراعة اكتسبها على مر السنين "لأنه إنسان لئيم حياة"
صرخت به بغضب وقد ألمها الرد الذي ضربها في مقتل "لا تقل عنه هذا"
أجاب وهو يقف ليقترب منها قائلاً وعينيه تطلق شرر عنيف قادر على إحراق الكوكب "هذا ليس بقولي؛ إنما قول الإمام علي رضي الله عنه (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)"
حاولت ترطيب فمها الجاف فالتقطت أقرب كوب ماء.. وهي تشعر بالكون كله يرزخ بثقله على قلبها.. قائلة بصوت منهك بعد أن ارتشفت منه بضع رشفات "لا أيهم كنت أتقبل منه كل شيء إلا الطلاق"
تشنجت عضلات أيهم بشدة قائلاً بثورة "الطلاق في حالتكِ كان أمراً واجباً"
أجابت باستنكار وهي تهب واقفة "أمر واجب!! أنسيت أن الطلاق هو أبغض الحلال؟!"
أجابها ببساطة تتخللها حكمته وهو يحاول التحكم في أعصابه المنفلتة "ها أنتِ قلتها بنفسكِ حياة حلال.. لربما بهذا الطلاق كنتِ حفظتِ حب ابنكِ لأبيه بقلبه وليس هذا البغض والكره الذي أراه في عينيه عند حديثه عن عبد العزيز"
هزت رأسها عدة مرات بضعف قائلة بصوت خافت ضعيف "كنت أحبه ولم أستطع الانفصال عنه"
ضحك أيهم بسخرية وهو يقول باستهزاء "لم يكن حب ولكن لمجرد العناد.. حتى تثبتي لماهر أنكِ محقة ونحن مخطئون"
هتفت بحدة وهي تغمض عينيها بشدة "كان حباً وليس عناداً"
رد بصوت ساخر من بين أسنانه "نعم حباً جعلكِ تتركين بيته قبل انتهاء عدته يا أرملته"
نهرته بحدة "أيهم لا أسمح لك"
ناظرها بسخط قائلاِ وهو يهم بالمغادرة "سأذهب غداً لمشيخة الأزهر لأعرف عاقبة ما فعلته.. اجلسي هنا وراجعي نفسكِ وما فات من حياتكِ.. لتعلمي ما الذي خسرته يا حياة"
تهاوت جالسة على المقعد تدفن وجهها بين يديها وهي تبكي بصوت تعب من كثر الأحمال.. مغمغمة بعناد هو جزء أصيل من شخصيتها "كان حباً لم يكن عناد.. كان حباً يا أيهم حباً"
************
قبلها بقليل خرجت نيرة إلى المطبخ لتتسع عينيها بسخرية وهي ترى يزن يحاصر ابنتها في الثلاجة.. فهو كان يقف أمامها مستنداً على باب الثلاجة المفتوح وهي تقف بينهما.. هتفت براء بنزق "يزن ابتعد الثلاجة تشع برودة"
هز رأسه رفضاً قائلاً بمرح "أعطني قبلة وسأغادر"
رفعت رأسها حتى تنظر بعينيه قائلة باستنكار "عمو خالد أمرك أن تبتعد.. نفذ أوامره"
عاد يهز رأسه بإصرار قائلاً وبسمة مشاغبة تحتل فمه "قبلة أو لن تخرجي أبداً"
تهدل كتفيها بإحباط فزوجها الوسيم تحجر عقله وعلق لسانه عند تلك النقطة.. حسناً هي تشتاق إليه ولكنه يتمادى كلما سمحت له.. ويراهما أحد ما وهي تتحول إلى ثمرة طماطم أمامهم "سيرانا أي أحد سيدخل الآن.. ما خطبك هل أنت معجب بفضائحنا؟"
مال عليها يهمس في أذنها بشكل حميمي جعل داخلها يرجف شوقاً وتأثراً "ألم تعلمي بعد أني أعشق فضائحنا التي من هذا النوع.. النوع الذي أتوق إليه في هذه اللحظة.. وزوجتي تبخل علي به"
ضحكت بصوت خافت قائلة بخجل وهي تلكزه في خاصرته بكوعها "أنت وقح للغاية.. كيف تكون تربية عمو ماهر؟"
ضحك بصخب قائلاً وهو يلاعب حاجبه بمرح "معكِ أفقد كل أدبي وأصبح رجل لم يرى التربية يوماً"
كادت أن تجيبه عندما اتسعت عينيها بفزع وهي تلمح والدتها تقف مستندة على رخام المطبخ، تشاهد ما يحدث بأعين مشبعة بالسخرية والاستمتاع همست بوجل "يزن.. ماما"
ضرب الهواء بيده قائلاً بحنق "لقد تخلت عني وباعتني"
دفعته براء بصدره بكلتا يديها وصوت نيرة يرتفع بسخرية "دعها تمر يا أحمق وإلا ستصاب بنزلة برد"
ابتعد عنها سائلاً نيرة باتهام وملامحه تتجهم "منذ متى وأنتِ هنا ماما؟"
لم تتخلى نيرة عن وقفتها المسترخية قائلة ببساطة مذهلة "منذ علق لسانك على أريد قبلة"
غطت براء وجهها بحرج ونيرة تكمل بسخرية مبطنة بالعتب "يفصل بينك وبين أيهم هذا الباب فقط.. تخيل لو كان هو من أتى الآن"
نظر للباب بتوتر قائلاً بارتياح "الحمد لله أنه لم يأتي"
هزت نيرة رأسها بيأس فيزن لن يتغير أبداً.. لتقول لبراء الغارقة في خجلها "ما الذي كنتِ تفعلينه هنا؟"
أجابت براء بصوت خافت تشبع بحيائها "كنت أجلب عصير لعمتو هنا فهي جالسة بالحديقة ترسم في انتظار عودة عمو خالد"
أومأت بتفهم قائلة بهدوء "خذي معكِ مشروباً ليامن فهو معها بالخارج"
ابتسمت بموافقة وهي تخرج عصائر باردة من الثلاجة وتصبها في الأكواب الموضوعة على الطاولة أمامها.. في تلك الأثناء دلف أيهم إلى المطبخ من الباب الخاص بشقة حياة.. بملامح متجهمة غاضبة.. اتجهت إليه براء تتعلق برقبته بقلق قائلة بحنان "ما بك بابا؟"
ضمها أيهم له بحنو مجيباً بلطف "لا شيء يا حبيبة بابا"
همس يزن بغيرة لنيرة "نانا اجعلي ابنتكِ تبتعد عنه"
مطت نيرة شفتيها باستهزاء قائلة بمزاح ساخر "لو سمعك أيهم ستأتي ابنته لتقيم معنا الفترة التي أقامتها بمنزل خالد وبالنهاية أنت الخاسر"
هتف بفزع "سلام قولاً من رب رحيم.. اجعل كلامي خفيف عليه يا رب"
أطلقت نيرة ضحكة صاخبة قائلة من بينها "جبان"
التفت لها أيهم بتعجب فتهز كتفيها ببراءة ابتسم لها بحنان وهو يبعد طفلته عنه بلطف قائلاً بتجهم "يزن تعال أريدك معي"
هز يزن رأسه بطاعة وهو يتبع عمه الذي اتجه صوب الباب المطل على الحديقة مباشرة.. توقف أيهم على حافة الباب قائلاً برجاء "نيرة اذهبي لحياة رجاءً"
أومأت بعينيها موافقة توصل بعسلها له رسالة مطمئنة انفرجت على أثرها ما يشبه ابتسامة من ثغره ثم أكمل خطواته المغادرة.. بينما وقفت براء بجوار نيرة وهي تعد عصير ليمون لحياة مغمغة بتساؤل "ماما هل أنتِ صاحبة فكرة خداع يزن لي؟"
مال جانب فم نيرة بابتسامة صغيرة مجيبة تساؤلها بسؤال آخر "هل يهمكِ المعرفة؟ ألا يكفي أن تلك الحيلة أعادت لكِ رشدكِ؟!"
أجابتها برأسها بصدق وهي ترص قطع من الكعك بجوار أكواب العصير الذي أعدته "نعم ماما لقد تعلمت درسي واستوعبته جيداً.. لا يمكنني النجاة دونه أبداً، أنا لا أريد من هذه الحياة غير يزن يا ماما، حتى لو قدر الله لي عدم الإنجاب سأصبر واحتسب مكتفية به عن العالم كله"
ربتت نيرة على شعرها باستحسان قائلة بسرور وهي تقبل وجنتها "ابنتي الحلوة العاقلة أحسنتِ"
حملت براء الصينية التي أعدتها مستأذنة من والدتها ثم غادرت بينما حملت نيرة كوب الليمون واتجهت إلى حياة، وجدتها تجلس على المقعد تدفن وجهها بين يديها وتبكي بانهيار.. رق قلبها لحالها لتتجه إليها ضامة إياها إلى حضنها برفق.. أجفلت حياة من وجود نيرة المفاجئ فتربت نيرة على ظهرها برفق قائلة بدفء "أخرجي ما بداخلكِ حتى تهدأ نفسكِ وتستكين"
ابتسمت حياة مستسلمة لهدهدة نيرة حتى هدأت تماماً؛ قدمت نيرة كوب الليمون لها قائلة بحنان "سيهدئ من أعصابكِ"
طاوعتها حياة مرتشفة من الكوب قائلة بتساؤل فضول "كيف استطعتِ ترويض غضب أيهم؟"
ابتسمت نيرة بشجن قائلة بخفوت "خوفه علي هو ما يلجم غضبه فقط.. ما مررنا به أنا وأيهم لم يكن هيناً حياة"
لمعت عينا حياة بتساؤل وأدته نيرة في مهده.. قائلة برفض وهي تشيح بيديها بلا مبالاة "انسي يا حياة لا أحبذ الحديث في هذا الأمر يجعلني في حالة مريعة"
هزت حياة رأسها بتفهم لتربت نيرة على كتفها برقة قائلة بنبرة رقيقة "اذهبي لترتاحي ودعي الماضي يذهب إلى حال سبيله"
ابتسمت لها حياة بامتنان لتمنحها نيرة ربتة كف حانية ودافئة قبل أن تغادر.. نظرت حياة في أثرها لتغمغم لنفسها "نعم سأدعه يذهب لحال سبيله"
***************


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:14 PM   #153

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

صف خالد سيارته جانبا أمام العمارة التي يقطن بها عمر ليقول لماهر أثناء ترجله من السيارة "آخر مرة رأيت بها عمر غاضباً كان أثناء حادث سما.. وقد جرح دارين بكلماته تلك المرة"
أصدر ماهر صوتاً معترضاً قائلاً وهو يسير بجانب خالد إلى أن دلف إلى مدخل العمارة "كلا لم يكن غضباً بل كان خوفاً ورعباً ترجمه على هيئة كلمات جارحة.. أما غضب بمعنى غضب لم أره"
وقف المصعد الذي حملهما إلى حيث شقة أختهما مع نهاية كلمات ماهر.. أجابه خالد بهمس "سنراه الآن"
دق خالد الجرس ووقف أمام ماهر هامساً برجاء "أياً كان ما سيقوله عمر اعذره.. ولا تنسى أن ابنك كسر قلب ابنته وله الحق في غضبه"
هز ماهر رأسه موافقاً بينما عمر يفتح الباب لهما بتجهم ثم ما لبث أن قال بعبوس بعد تأملهما لفترة من الوقت "بالطبع ذات الخصلة الحمراء خافت من الذئب الشرير الذي سيأكلها وركضت فوراً تحتمي بأخوتها"
التفت ماهر معطياً إياه ظهره أثناء حديثه.. بينما رفع خالد حاجبه بذهول ينظر له كمخبول فقد عقله.. أنهى عمر كلماته وترك لهما الباب مفتوح مع حرية البقاء أو المغادرة..
التف خالد ليقف أمام ماهر معتقداً أنه غضب من كلمات عمر قائلاً بتروي "ماهر ألم أطلب..."
قطع كلماته التي ينوي بها تهدئته قائلاً بعدم تصديق لملامح ماهر الضاحكة "أنت تضحك؟!!"
قهقه ماهر بخفة قائلاً بنفس النبرة الضاحكة "وهل يغضب أحد من هذا الأحمق.. إنه يغازلها وهو غاضب منها"
التفتا على صوت عمر النزق قائلاً بفظاظة ليست من طباعه يوما "ستدخلان أم ستغادران الأمر عائد إليكما.. إذا غادرتما لا تنسيا إغلاق الباب خلفكما"
ضحك خالد هذه المرة قائلاً بمزاح وهو يدلف للداخل وتبعه ماهر "يبدو أن جرثومة الجنون منتشرة في الهواء هذه الفترة"
كان عمر قد سبقهما إلى غرفة الجلوس يدور بها حول نفسه بجنون.. بانتظارهما موقناً أنهما لن يغادرا وأنهما قادمان خلفه.. ما إن وطأت قدما خالد الغرفة حتى هتف عمر بثورة "لقد مللت وطلعت روحي.. ماذا فعلت أنا لأُبتلى بهذا الشكل؟"
نظر لخالد بانتظار إجابة وما إن فتح فمه ليجيبه حتى عاد عمر يصرخ بجنون "لا تتحدث ولا تخبرني شيء، أخبرك أنا -صمت قليلاً مفكراً تحت أنظار خالد وماهر بالغة الدهشة ليعود بعدها للهتاف الغاضب- لا أذكر أني فعلت شيء سيء لأحد.. حتى الكلاب والقطط كنت أعطف عليها.. وقد آويت فأراً بمنزلي.. أتصدق أنا آويت الفأر الذي يقتله جميع البشر أنا أطعمته وأسكنته غرفة ابنتي"
عض ماهر باطن خده بشدة مانعاً نفسه من الضحك بصعوبة.. على عكس جسده الذي يهتز من ضحكه المكتوم.. نظر له خالد بعتاب في نفس اللحظة التي نظر له بها عمر هاتفا باتهام صارخ بعد صمته لالتقاطه أنفاسه "ذاك الفأر كان هدية ابنك وأنا كالأبله قبلته وصرفت أموال على طعامه فقط لأنه أسعد ابنتي ولو قليلاً"
ابتسم خالد رغماً عنه وماهر يزم شفتيه بصعوبة في محاولة يائسة لكتم ضحكاته.. بينما عمر يكمل هذره البائس "انتظرا لقد علمت أين أخطأت؟ أخطأت عندما أفرطت في دلال بناتي الأربعة بشكل مزري"
غمغم خالد بحيرة "متى أتت ابنتك الرابعة؟"
أجابه عمر بعبوس شديد لمقاطعته وصوته ما زال يحمل نفس النبرة الثائرة "المدللة ذات الخصلة الحمراء، زوجتي الطفلة التي إن تشاجرنا على نوع الطعام تركض تستنجد بأخوتها.. والبائسة التعيسة التي من المفترض أنها فرحتي الكبرى في الحياة.. تركت لها الحبل على الغارب فبدأت بإبعادنا عن حياتها.. والصغيرتين اللتين أفرطت في دلالهما فأصبح من الصعب إحكام سيطرتي عليهما وبالنهاية أنا ماذا؟ أب بائس مثير للشفقة ويوم آخر ستقطعون لي تذكرة للالتحاق بالعباسية"
انفجر ماهر في ضحكات لم يستطع السيطرة عليها هامساً من بينها "عذراً لم أستطع منعها أكثر من هذا وقد أدميت باطن خدي"
زم عمر شفتيه قائلاً بعدم فهم "لماذا فعلت هذا؟"
أجاب ماهر بنبرة مرحة رغماً عنه "محاولة لمنع الضحك ولكن بالنهاية فشلت"
شاركه خالد الضحك وبسمة صغيرة ترتسم على فم عمر.. جذبه خالد ليجلس قائلاً بهدوء "لقد نفست عن غضبك اجلس لنتحدث بتروي، ذلك الغضب لن يفيد ولن يقدم أو يؤخر"
أومأ موافقا وهو يرفع صوته منادياً أثناء جلوسه "دارين أحضري مشروبات هنا فوراً"
ربت خالد على ركبته بعد جلوسه سائلاً بخفوت "كيف تشعر الآن؟ هل هدأ غضبك ولو قليلاً حتى نستطيع الحديث"
أومأ برأسه بتجهم لم يفارقه بعدها سأله خالد بتروي "ماذا فعلت دارين وأغضبك؟"
أجابه بسخط "سمحت لسيف للدخول والحديث مع سما"
عاد خالد يسأل بنفس هدوئه وماهر يلتزم الصمت حالياً "هل تطرد ابن أخيها عندما يأتي لزيارتها؟!"
نظر عمر أمامه بحدة قائلاً بعبوس "كلا بالطبع ولكن تخبرني على الأقل ولا أعرف من التوأم وأبدو كأبله أمامهما.. ثم كيف تسمح لسما بالحديث معه وهي بتلك الحالة؟"
أجاب ماهر هذه المرة قائلاً بهدوء فهو يمشي على خيط مشدود "لقد تعمد اختيار توقيت تكون به متواجداً ولكنه تفاجأ من عدم تواجدك"
لانت ملامح عمر قليلاً مجيبا بخفوت "لقد تأخرت في عملي"
ابتسم ماهر له بحنان فمنذ سنين طويلة في ذلك الوقت الذي اكتشفوا به صلته بفاطمة حتى أصبح بشكل تلقائي أخ أصغر لهم.. لم يتردد في لحظة واحدة أن يوافق عليه زوج لأخته الصغرى.. وهو بالفعل صانها وحفظها كما أعطاه وعده "سيف كان قد أتى للحديث معك أولاً ثم كان سيطلب إذنك للحديث مع سما.. لقد أخطأ يا عمر ولكنه كان مشوش وحياته كلها قلبت رأساً على عقب.. لا أبرر ما فعله ولكنه ولدي بالنهاية لابد أن ألتمس له بعض العذر.. خاصة وأنا أعلم أن ألمه ليس بهين"
زفر عمر بعمق شديد وهو يبوح بما يجول في داخله ويثقل صدره.. وسبب ثورته الحقيقية منذ انفصال سما عن سيف "ما فعله سيف أحزنني ولكن ليس هو سبب شعوري بالغضب.. غضبي أنه عاد بعلاقتهما لنقطة الصفر ثانية وهدم كل ما بينهما.. لقد كان قلبي يشعر بالاطمئنان لتقدم علاقتهما؛ كنت أشعر بالراحة وهي تحت كنف سيف.. أنا أعرف سيف جيداً ليستكين قلبي شاعراً بالأمان أخيراً.. أترى كيف هو إحساسي ومشاعر القلق والخوف عليها تعود لتتغذى على قلبي ثانية.. أريد الاطمئنان عليها لا أصدق أننا نعود لنقطة البداية ثانية"
ربت خالد على كتفه بدفء قائلاً بصوت حاني واثق "لربما كانت تلك العثرة هو كل ما تحتاجه سما لتفيق من سباتها.. لقد خدرت سما الحقيقة بما يكفي لسنين طويلة"
رفع عمر نظره له بتعجب ونظر حائرة سكنت عينيه سأله خالد بريبة "ما سبب هذه النظرة؟"
أجاب عمر بنبرة عكست حيرته وتمنيه "هذا ما أخبرتني به نيرة أيضاً بالأمس"
رد ماهر بحكمة ومعرفة كبيرة بدواخل من قام بتربيتهم "قد نكون أفرطنا في دلالهم.. ولكن لا يمنع دلالهم هذا أن لكل منهم قوته التي يستدعيها عندما يقع في مشكلة ما.. سما ستجد قوتها وستنهض ثانية يا عمر؛ أعطها الوقت الذي تحتاجه، وتحكم بأعصابك لم أعهدك هكذا إطلاقا"
مسح عمر وجهه بيديه عدة مرات حتى استطاع تمالك نفسه والعودة إلى هدوئه المعهود مغمغا من بين يديه "شكرا لوجودكما في هذا الوقت"
ربت خالد على كتفه برفق قائلا بدفء "نحن عائلة يا عمر يحدث بيننا مشاكل ولكنها لن تفرقنا يوما.. لا تنسى هذا وازرعه بداخل أبنائك"
ابتسم من قلبه قائلا بهدوء "أعلم يا خالد أعلم"
في تلك الأثناء دلفت دارين بخطوات متعثرة ترتجف يدها وما تحمله حتى كاد أن يسقط منها.. اتجه إليها عمر سريعا ليأخذه منها ويضعه على الطاولة.. ثم عاد إليها وشفتيها ترتجف ببكاء تكتمه تنهد بعمق ليضمها بين ذراعيه بحنان مغمغما على قمة رأسها "أسف حبيبتي"
تشبثت بقميصه بقوة وهي تعاتبه قائلة ببكاء حزين "لقد عاملتني بجفاف يا عمر وطردتني من الغرفة"
مط شفتيه بتفكير قائلا بمهادنة رقيقة "هذا الأحمق عمر سنعاقبه شر عقاب على فعلته.. وسنجد أنا وأنتِ طريقة العقاب المناسبة"
ضحكت رغما عنها مغمغمة بخفة "أنت محتال"
تنحنح ماهر بغلظة لينبههما أنه ما زال موجود فيما كان خالد يشيح بعينيه بعيدا.. تعلقت دارين بذراع عمر بخجل ليقول ماهر بجدية "بما إن كل الأمور بخير نحن سنغادر.. هل التوأم جاهز؟"
همس عمر بتساؤل "جاهز لماذا؟"
رد خالد هذه المرة قائلا بأمر بسيط "ستبقيان في منزلنا هذه الأيام.. هذا التوتر غير مفيد لحالتهما النفسية"
هز عمر رأسه باستحسان مجيبا بلطف "هذا جيد وأفضل لهما اذهبي واستدعيهما حبيبتي"
*************



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:15 PM   #154

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

في الحديقة الكبيرة جلست هنا تحمل بين يديها ورقة بيضاء فارغة وأمامها حقيبتها التي تحتوي على معظم الألوان المتعارف عليها ترسم بشغف أورثته ليقين بكل رضا..
وانضم لها يامن يراقبها بتأمل دون إصدار صوت كي لا يخرجها من هذه الهالة المحيطة بها.. ابتسمت هنا قائلة دون أن ترفع عينيها عن ورقتها "وعليكم السلام ورحمته وبركاته.. هكذا ترد التحية التي لم تُلقى"
ابتسم بحرج قائلا بدفاع "لم أرد إزعاجكِ فقط.. كيف علمتِ أني موجود؟"
أجابته بهدوء وهي تلتقط قلم من أمامها "إنها حاستي المميزة"
في هذا الوقت خرج أيهم يتبعه يزن الذي ألقى بتحية خافتة ثم غادر.. مر الوقت هادئا إلى أن أتت براء تضع أمامهما أكواب العصير وأطباق الكيك ثم جلست تتبادل حديث هادئ مع يامن.. ليأتيها صوت هنا آمرا بأمر لا جدال فيه "براء عودي لمنزلكِ وانتظري زوجكِ"
رمشت براء بعينيها بصدمة هامسة بريبة "هل عمو خالد من أخبركِ بهذا؟"
رفعت هنا عينيها تتأمل براء بعدم رضا قائلة بصرامة "لا شأن لكِ بعمكِ.. لقد تهاونت في حق الولد كثيرا"
وقفت براء سريعا بفرحة غامرة قائلة وهي تركض عائدة صوب منزلها "أنتِ الأروع ماما هنون"
ارتسم فمها بابتسامة حنونة وهي تراقبها بجفون نصف منتبهة.. وابتسم يامن لسعادة براء البريئة التي قرأها بوضوح في وجهها.. باغته سؤال هنا "لا أعرف عنك الكثير؟ ما عمرك بهذه المناسبة؟"
أجابها بخفوت وهو يرتشف من كوبه "أربعة وثلاثون"
ورغم أن تركيزها بأكمله مع رسمتها إلا أنها أجابته ببساطة "إذا رسميا أنت الأكبر بين جميع الأولاد.. ما هو عملك؟"
ابتسم مجيبا بكل حب وُجد داخله لتلك العائلة دون سبب "أنا مهندس معماري تخرجت من جامعة القاهرة ولدي عملي الخاص"
رفعت رأسها تهديه ابتسامة زهو أشعرته بالفخر قائلة بحنان "هذا رائع ومعناها أيضا أنك أخذت دراستك من هنا؟"
أومأ برأسه إيجابا مغمغما بهمس لم يصل إليها "ربما كنت أهرب"
انضم إليهما إياد ليجلس بجوارها واضعا رأسه على كتفها بغلاظة عنفته هنا بحدة "إياد رسمتي"
مط ملامحه بشكل طفولي قائلا ببراءة مزيفة "أسف ماما"
أدارت وجهها تنظر له بتأمل سائلة باهتمام "ما بك تبدو متجهما هكذا؟"
لم يحاول المدارة قائلا بحزن بالغ "أبحث عن سيف ولا أجده رغم أن سيارته بالخارج"
رمشت هنا بعينيها بقلق قائلة بتنهيدة عميقة "ربما كان يمشي بمفرده"
هز رأسه الموضوع على كتفها نفيا قائلا بصوت قلق "لا ليس من عادته ولا أستطيع إيجاده"
لم تجيبه هنا وعينيها تمتد بعيدة قائلة بصوت خافت "لقد عاد خالد"
اعتدل في جلسته ليستقبل التوأم الذي أتى ركضا ليجلسهما على قدميه وهو يناغشهما بملامحه.. ثم أخذهما وابتعد قليلا يلعب معهما.. بينما صعد ماهر إلى الأعلى مباشرة قائلا "سأذهب لأخبر لمار أن تعد غرفة يزن لأجل الصغيرتين"
سأل خالد وهو ما زال واقفا "أين الفتيات؟"
أجابته هنا بهدوء "بالأعلى"
في تلك الأثناء باغتت ناردين خالد بقبلة على خده سائلة بحيرة وهي تلتفت حولها "ماما أين براء؟ يقين تريدها ولا أعلم أين هي؟"
اتسعت ابتسامة هنا قائلة بلا مبالاة بثورة زوجها القادمة وعينيها لم تبتعد عن رسمتها "عادت إلى بيت زوجها"
احتدت ملامح خالد بثورة عاتية قائلا بصوت خطير "من سمح له بأخذها دون إذن مني؟"
بنفس النبرة اللامبالية ردت هنا "يزن لا يعرف أنها بمنزله من الأساس لقد خرج مع أيهم -ثم رفعت رأسها مجيبة بتحدي- أنا من أمرتها بالعودة لمنزلها هل هناك مانع؟!"
همس خالد اسمها بغضب لترفع له زرقة عينيها بحزن مفتعل وقول ماكر "حسنا لا تغضب سأطلب منها أن تعود ولكن لن أنسى أنك لم توافق على طلبي"
زم خالد ملامحه بغضب قائلا من بين أسنانه وهو مغادر "لا داعي ما دامت عادت لمنزلها دعيها"
جلست ناردين بجانبها قائلة بمرح "ماما يا محتالة"
اتسعت ابتسامة هنا وهي ترفع رأسها إليها قائلة بتهديد مبطن التقطته ناردين دون جهد "وهل تعتقدون أني سأترك أبنائي لقمة سائغة لكم.. أنا من سيقف في وجه من يحاول أن يعكر صفو حياتهم"
رفعت ناردين حاجبها بمرح قائلة بتحدي ماكر "سنستمتع كثيرا بدفاعكِ عنهم يا ماما كما نفعل دائما"
اقتربت هنا منها برأسها قائلة بخفوت "أنتِ وقحة وبحاجة لتربية صدقيني"
ابتسمت ناردين بعدم تصديق وقد التصق حاجبيها سويا قائلة بخفوت "هكذا يا ماما!"
هزت هنا رأسها بحركة بطيئة مجيبة ببساطة "هكذا يا روح ماما"
انطلقت ضحكة ناردين بمرح وهي ترى الجانب المخفي من شخصية والدتها التي تظهر في حالة الدفاع عن شباب العائلة.. بينما كان يامن يركز نظره باستمتاع مع إياد الذي كان واقفا بين الفتاتين يدور حول نفسه بحركات بهلوانية وتتبعه الفتيات بضحكات صاخبة.. لفتت نظر ناردين لتغمغم من بين أسنانها "أحمق"
تفاجأت بضربة هنا على ركبتها بقوة وهي تقول بتأنيب "ليس حماقة.. يحاول أن يزيل عنهما توتر الأيام الماضية"
زفرت ناردين بحدة وهي تستقيم واقفة متجهة إليهم.. همست هنا بصوت خافت ليامن "انظر إلى ما ستفعله الآن"
اتجهت ناردين إلى إياد والفتاتين لتقف أمامهم قائلة بعدم رضا "ما هذه الحماقة الرقص لا يكون بهذا الشكل البهلواني العجيب.. إياد قف هنا وأنتِ مي بجانبه وأنت بجوارها مروة.. واتبعوا حركاتي"
كانت تشير إلى أماكن وقوفهما ثم التقطت الجهاز اللوحي واختارت أغنية الأطفال الشهيرة (baby shark) ثم اتخذت مكانها بجوار مروة.. وبدأت في القيام بحركات مدروسة وهم يحذون حذوها.. انفجر يامن ضاحكا قائلا بذهول "لقد انضمت لهم"
اندمجتا الفتاتان في اللعب مع إياد وناردين إلا أن تعبتا وجلستا أرضاً.. جلسا إياد وناردين بجانبهما ليتبادل ابتسامة ونظرة خاصة جعلت قلبيهما يرجفان.. بعد دقائق ألقت مروة رأسها على قدم ناردين وغرقت في نوم عميق.. همس إياد لمي بحنان "هل تريدين النوم مثل مروة؟"
هزت رأسها له بنعاس ليحملها بين يديه برقة ويضع رأسها على صدره.. مهدهدا إياها بحنان إلى أن نامت هي الأخرى.. حملها بين يديه قائلا لناردين "سأصعد بها للأعلى ثم أعود لأخذ مروة"
همت بحملها قائلة باعتراض "سأحملها إنها خفيفة"
هتف بها بحدة "إياكِ أن تحمليها سأصعد وأعود سريعا"
أجابته بغضب "لا تظن نفسك (سي السيد) ستأمر فُتطاع"
هم أن يرد برد لاذع ليقاطعهم يامن وهو يحمل منها مروة قائلا ببشاشة "سأحملها أنا.. أين ستصعد بها إياد"
نظر لها بنظرة شريرة أجابته بأخرى مستهزئة وهي تتركه متجهة صوب والدتها وإياد يجيب يامن بهدوء "شقة عمو ماهر"
******
رن إياد جرس منزل ماهر حتى فتحت له لمار قائلة ببساطة "ضعهما في غرفة يزن لقد قمت بتجهزيها لهما"
اتجها إلى غرفة يزن ليضعاهما على السرير بحنان ثم قام إياد بتدثيرهما باهتمام وهو ينزع أحذيتهما ويتأكد من كونهما بعيدتين عن حافة السرير.. وما كاد يغلق نور الغرفة حتى هتف يامن بجدية "فقط قلل الإضاءة ولا تغلقها كليا.. الأطفال لا يحبون الظلام الدامس"
فعل إياد كما قال سائلا باستغراب وهو يغلق الباب خلفه "كيف عرفت هذا الأمر؟"
رفع يامن كتفيه قائلا بمراوغة "الجميع يعرف هذا الأمر"
لم يجبه إياد وهو يفتح باب الغرفة القريبة ليجد الظلام يعمها دون منفذ لبقعة ضوء.. أغلق الباب بإحباط ويامن يسأل بإدراك "غرفة سيف؟؟!"
هز رأسه بحزن احتل ملامحه قائلا بإحباط "نعم ولكنه ليس بالداخل.. أين ذهب؟ لا أعلم"
جاء صوت لمار من خلفه مرتجف بجزع "ظننته معك.. إذا لم تكن تعلم مكانه أين هو إذاً؟"
هرع إليها يحتوي كتفيها بين يديه قائلا محاولا طمأنتها "اهدأي عمتي سيف ليس متهور.. وبما أن سيارته بمحلها فهو ليس ببعيد ربما فعلاً كان ي... -وقطع كلماته وهو يعض على لسانه غضبا من نفسه قائلا بحنق- يا لي من غبي.. إنه بشرفته.. كيف نسيت؟"
هم بالدخول إليه لتوقفه لمار قائلة بحنان "سأدخل إليه أنا إياد"
قبل جبينها بحنو وهو يضمها إلى صدره قائلا بدفء حاني "سيكون أفضل.. سأهاتفكِ لأطمئن عليه"
كان يامن يراقب تلك العلاقة المحبة بابتسامة جميلة.. وقليلا من الغيرة تتسلل إلى قلبه رغما عنه جنبا إلى جنب مع غضبه من والدته.. ابتسمت لمار وهي تربت على ذراع إياد برقة قائلة "حسنا حبيبي.. عمك ماهر بغرفة الجلوس اصطحب يامن واذهب إليه"
ثم اتجهت إلى يامن بابتسامة جميلة قائلة ببشاشة "لا داعي لأن أخبرك أن البيت بيتك"



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:19 PM   #155

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

تركتهما ودلفت إلى غرفة سيف الغارقة في ظلام حالك يماثل ظلام أيامه.. فتحت الإضاءة لتجد باب الشرفة موارب اتجهت إليه مباشرة وفتحته.. اتسعت عينيها بجزع وهي تجده ممدد أمامها على أرضية الشرفة الباردة وعينيه شاخصة للسماء..
رفعت يديها تضعها على فمها تكتم شهقات بكائها وهي تلتفت معطية ظهرها له ودموعها تتساقط بشدة.. سيف لم يكن مذبوحا كما وصفته نيرة بل ينازع في لحظاته الأخيرة.. لم تجد ابنها على تلك الحالة يوما.. عينيه خاوية فارغة من الحياة والدفء والشعور.. متحجرة وكأنها لا تمت بصلة لإنسان على قيد الحياة.. وملامح وجهه شاحبة خالية من الدماء.. ولولا صدره الذي يرتفع وينخفض أمامها في حركة رتيبة لظنته فقد الحياة فعلا.. التفتت إليه تتأمله وهو مسطح أمامها يستخدم ذراعيه كوسادة.. كان وجهه لوحة من العذاب الخالص لم تتمالك دموعها.. أمام تلك الحالة التي ترى ابنها عليها للمرة الأولى في حياته، فلم تتحكم بتلك الدمعة التي هربت وسقطت مباشرة على وجهه.
أجفل سيف مع تلك الدمعة التي نزلت على وجهه مخرجة عقله من دوامته المميتة، فها هو عقله يعيد عليه ما حدث منذ ساعات دون كلل أو ملل كأنه يستلذ بعذاب قلبه، لا يزال يذكر تلك الرجفة المرعبة التي ألمت بقلبه عندما سمع صراخها.. والتي لا تقارن بمثيلتها التي ضربته عندما هرول للأعلى ليعلم ما بها.. وجدها تتمسك بهامسترها تكاد تعتصره بين يديها عصرا وصراخها يتعالى بوجع روحها.. وبجانبها عمته تحاول تهدئتها دون فائدة.. هرع ليجلس على ركبتيه أمامها وهو يحرر الهامستر من يدها ليعلم السبب وراء صراخها؛ لقد كان ميتا.. رفعت عينيها إليه وكأنها لا تراه قائلة بعذاب "لقد مات.. مات.. مات.. لقد مات يا سيف وأخذ كل شيء معه.. لقد مات معه كل شيء"
لم يدعي عدم الفهم ولم يعلم ماذا عليه أن يقول ليهدئها فصراخها هو مجرد صدى صوت لصراخ قلبه الذي يردد تلك الكلمات.. التفت إلى عمته قائلا بتوسل "استدعي عمتي نيرة رجاء"
وعاد إلى تلك التي لم ينقطع صراخها والذي بدأ تدريجيا في التحول لبكاء عنيف صاخب، وهي ترمي نفسها على صدره تتمسك بقميصه بفقدان وعي كلي.. مرددة من بين شهقاتها "لقد مات.. مات وأخذ معه كل شيء"
لم يملك السيطرة على ذراعيه التي التفت حولها تربت عليها بحنو دون كلمة فلو فتح فمه لشاركها البكاء وربما الصراخ أيضا.. ظلت تبكي وتردد تلك الكلمات إلى أن أتت نيرة وحقنتها بمهدئ غرقت بعده في نوم عميق.. لم يعلم كيف قاد سيارته وعاد للمنزل كل ما يعلمه أنه منذ عاد وهو ممدد على هيئته تلك غير راغب بالحياة مجددا.. ولم يعيده على أرض الواقع إلا قطرة الماء تلك والتي ظنها في البداية السماء تبكي بدل منه.. ولكن بنظرة واحدة علم أنها والدته هي من تبكي لأجله استقام جالسا وهو يقول بصوت ليس له "ماما"
جلست أمامه سريعا لتمسد على ركبته بحنان سائلة بصوت هلع "ما بك؟ وكيف وصلت لهذه الحالة؟!"
التقط يديها الاثنتين يضمهما بين يديه قبل أن يميل طابعا قبلة عميقة طويلة عليهما هامسا بندم "أنا أسف على كل كلمة قلتها في حق بابا وأغضبتكِ مني"
مدت يدها تمررها برفق في شعره تحاول أن تنشر بعض من السكينة في قلبه المتوجع.. لتهز رأسها نفيا هامسة بلطف "لقد انتهى الأمر يا حبيبي لا تفكر به ثانية"
رفع عينين فارغتين إليها ليزفر بحرارة بالغة قائلا بصوت ميت.. كانت لمار لتدفع عمرها كله وتمحي تلك النبرة من صوته "لم ينتهي يا ماما فأنا أعاقب عليه بقسوة.. كل ما يحدث لي هو من صنع يدي أنا فعلت بنفسي كل هذا.. أنا من قتلت قلبي واغتلت مشاعري وأزهقت حياتي -ثم ألتقط يدها ليضعها على صدره موضع قلبه مكملا بنفس النبرة الميتة بيأس ليس من طبعه- هنا لا يوجد قلب يا ماما لقد توقفت نبضاته.. إنه يرفض النبض احتجاجا ورفض على ما حدث.. لا يستوعب أن كل شيء انتهى ولم يعد يجدي نفعا ما يفعله.. لا يريد أن يفهم أن عليه أن يدق برتابة مثل باقي الخلق.. لقد انتهى كل شيء يا ماما ولم يعد يهم أي شيء آخر"
احتضنت وجهه بين يديها بحنو بالغ مقاطعة إياه بوجع "سيف"
عاد يكمل بعيون متحجرة لا تبصر شاخصة في اللاشيء الذي يسبح به عالمه.. قائلا باختناق خنق كلماته "لماذا أنا على قيد الحياة ماما؟ لا لا أخبريني كيف ما زلت على قيد الحياة؟ نبضي متوقف وتنفسي مخنوق، أليس هذه علامات الموت يا ماما؟ كيف أنا حي؟"
ارتجف قلب لمار برعب بين ضلوعها من هذره المخيف لها لتزداد دموعها انهمارا.. وهي تهز وجهه بين يديها بقوة هاتفة بجزع "توقف فورا عن هذا الهذر الفارغ.. أنت حي أمامي وستظل كذلك.. إياك أن تقرن الموت بك ثانية.. وإلا أقسم بالله سأنسى عمرك وأضربك كما لم أفعل في طفولتك.. ربنا يحفظك ويحمي شبابك لي يا عمري أنت"
أخذ نفسا متقطعا وهو يقول بصوت مثير للشفقة "أنا متعب للغاية يا ماما.. نفذت طاقتي لكل شيء ولم أعد أرغب في شيء بعد الآن"
هزت لمار رأسها نفيا ودموعها تتناثر معها بقوة قائلة بقوة "سأعيدها لك ولو بالإجبار.. ستعود لك برضاها أو رغما عنها"
أصدر صوتا مستنكرا من حنجرته قائلا ببؤس "لا يا ماما هذا قراري النهائي.. سما كانت فصل في حياتي وانتهى.. أنا لن أتزوجها يا ماما ولن أتزوج أبدا"
لم تفهم لمار ما به وهذا الرفض لسما.. أمنيته منذ صغره.. ما الذي حل به.. لم تمتلك رد تجيب به عليه.. غير جذبه بالقوة بين ذراعيها تضمه بكل قوتها.. ليحاوطها بكلتا ذراعيه بقوة وهو يلتف برأسه ليدفنه في عنقها مقاوما رغبة حارقة في البكاء كطفل صغير؛ احتوته لمار بكله داخلها برغم حجمه الذي يبلغ ضعف حجمها العجوز.. همست له وهي تمسد جسده بيديها "ابكي يا حبيبي واخرج ما في قلبك"
هز رأسه بنفي بسيط شعرت به لتعود هامسة له برجاء خفي بين كلماتها "ابكي يا سيف، البكاء يريح في أوقات كثيرة.. أخرج دموع قلبك ولا تكتمها داخلك فتخنقك"
ضم شفتيه لبعضهما بقوة يمنع بكاءه قسرا ولكنها عينيه من تمردت عليه وسالت ماءها تغرق وجهه.. كان يقاوم ويقاوم ارتفاع شهقات بكائه.. يكفيه إزهاقا لكرامته.. ولكنها ارتفعت رغم أنفه فدفن نفسه أكثر بداخل ذراعي والدته.. مخفيا خزيه من دموعه وبكاءه كالأطفال.. بعد أن أخرج دموع قلبه وخفتت شهقاته رفع عينين متعبتين إليها هامسا بصوت هارب منه "أريد أن أنام بشدة يا ماما ولا أستطيع النوم"
جففت دموعه بابتسامة حزينة قائلة بأمر حاني وهي تجذبه ليقف معها "اذهب لتغتسل وبدل ثيابك وسأنتظرك"
تحرك ينفذ أمرها دون معارضة ليجذب له ملابس نظيفة وهو يتجه إلى حمامه.. ثم اتجهت للخارج لتحضر له عصير طازج وقرص منوم وعادت لتنتظره.. لم يمكث سيف كثيرا في حمامه ليخرج ويجد والدته جالسة على السرير بانتظاره.. اتجه إليها يضمها برقة قائلا بامتنان وهو يقبل جبينها "شكرا على كل شيء يا ماما"
ربتت على ظهره بحنو وهي تنهره بلطف "توقف أيها الأحمق عن هذا الحديث الذي لا قيمة له"
تسطح بجانبها لتعطيه القرص الذي ابتلعه دون تردد ثم أعطته كوب العصير.. هز رأسه رافضا لتقول برجاء "لأجلي سيف.. رشفتين فقط"
قبل يدها بحنان ممتن وهو يرفع الكوب من يدها لفمه مرتشفا منه عدة رشفات.. لم يكمل باقي الكوب وقد لفته غمامة سوداء رحب بها بكل لهفة.. ليغمض عينيه في نوم عميق كان ينشده منذ أيام ووفره له قرص صغير أبيض..
بقيت لمار بجانبه لا يطاوعها قلبها على تركه بمفرده وعيونها تدمع رغما عنها.. بعد فترة أتى ماهر يطمئن عليه ليهمس متسائلا "كيف حاله الآن؟"
أجابته لمار بصعوبة وهي تزدرد ريقها بقلق "ليس بخير أبدا يا ماهر"
اقترب يجلس أمامها قائلا وهو يلتقط يدها بدفء "سيكون بخير لا تقلقي.. اذهبي لتنامي لقد كان لديك عمل اليوم"
هزت رأسه بقوة هامسة باعتراض "لا يمكنني تركه يا ماهر"
ربت على يدها قائلا برجاء "يكفيني قلقي على واحد منكما رجاء اذهبي ونامي قليلا وأنا لن أتركه بمفرده"
رفعت عينيها له بتضرع صامت ليجذبها لحضنه الآمن قائلا في أذنها بحنان "أقسم لكِ لن أغادر جانبه مطلقا"
أغمضت عينيها تستمد منه قوته لتهز رأسها بموافقة صامتة وهي تنسحب من حضنه لتقبل جبين سيف بأمومة عاتية.. تاركة قلبها يحرسه بكل الأدعية التي يحفظها.. بعد مغادرة لمار بقي ماهر يتأمل ملامح سيف شاعرا ببعض الذنب لما وصلت إليه حياة ابنه..
وبعد فترة تمدد بجواره وهو يفتح الجارور المجاور حيث يحتفظ سيف بمصحفه ليجذبه باحترام.. ويفتحه على سورة البقرة قارئا إياها بصوت مرتفع خاشع.. انقلب سيف بشكل عفوي وكأن عقله الباطن يستوعب هذا الأمان الفطري الذي ملأ غرفته.. ليدس نفسه في حضن والده ولم يمانع ماهر إنما ضمه بذراعه وهو يميل مقبلا رأسه يخبره أنه موجود لأجله دائما ليعود بعدها مكملا قراءته لآيات الذكر الحكيم ناشرا مزيد من الأمان بداخل روح ذلك الغافي بجواره.
************



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:21 PM   #156

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

صف يزن سيارته في مكانها المخصص أسفل منزله.. بعد عدة ساعات من دورانه بها دون هدف لا لشيء سوى رغبة عمه أيهم بهذا الأمر.. ساعات قضاها في صمت مطبق لم يتبادل أيهم معه أي أحاديث.. وعندما حاول أن يبادله أي حديث يقطع الملل الذي كان يشعر به لم يجبه أيهم سوى بأصوات منغمة دليل عدم استماعه.. زفر بضيق وهو يحرك ذراعيه حركات خفيفة سأله أيهم باستنكار "ما بك؟"
مط يزن شفتيه بحنق قائلا بسخط "لا شيء غير أني أدور بسيارتي منذ عدة ساعات دون حتى دعوة على كوب شاي من أي عربة على جانب الطريق"
رفع أيهم عينيه بملل قائلا وهو يخرج من السيارة "لا طاقة لي الآن للتعامل مع عقلية أطفال مدللين"
عقد يزن ساعديه على صدره قائلا بغيظ "ولا حتى باكو بسكويت بجنيه تقديرا لجهودي"
فوجئ بضربة على مؤخرة رأسه وأيهم يقول باستنكار "كنت أعرف أنك وقح مثل الأحمق الذي عندي بالمنزل لذا لم أغادر دون أسمع البقية"
أخفض يزن عينيه قائلا باعتذار "أسف ولكن لن أتنازل عن باكو البسكويت"
هز أيهم رأسه بيأس ثم غادر دون كلمة تاركا يزن غارقا في حيرته.. هل يعود للمبيت في منزله لليلة أخرى جافة دون بلوته.. أم يذهب ليبيت بمنزل والديه ويطمئن على سيف أيضا.. لقي الاقتراح الأخير إعجابه فقرر تنفيذه وهو يخرج من السيارة مقررا العودة لمنزل والديه..
أحكم غلق السيارة وهم بالتوجه صوب المنزل الكبير عندما أبصر غرفة الجلوس في منزله مضاءة.. عقد حاجبيه بتعجب وهو يفكر هل تركه مضاء وغادر.. ليقرر الاتجاه إلى منزله أولا يتحقق من الأمر ثم يغادر..
تسمر ما إن فتح باب غرفة الجلوس على براءته الملتفة حول نفسها في انتظاره.. تأملها ترتدي فستان صيفي ناعم من اللون الأسود مليء بالورود الزاهية.. بالكاد يصل إلى ركبتيها وبأكمام تصل إلى كوعها مفتوحة من المنتصف.. انحرفت عينيه إلى طاولة العشاء التي أعدتها من أجله.. تفحصها وهو يلتقط قطعة مما أعدته لأجله باشتهاء ثم عاد إليها ثانية.. أعاد غرتها إلى خلف أذنها ثم مال مقبلا وجنتها بعمق مشتاق.. ليحملها بين ذراعيه برفق فتحت عينيها هامسة بشغف "يزن هل عدت؟"
قبل شفتيها قبلة ناعمة كإجابة لسؤالها ثم سألها بحيرة "هل أفرج عنكِ عمو خالد؟"
أسكنت رأسها على صدره مغمغمة من بين نومها "بل عمتو هنا"
رد بمرح وهو يفتح باب غرفتهم "أوووه كم أحبها"
وضعها على وسادتها برفق لتتمسك به سائلة بلهفة "يزن إلى أين؟"
ربت على وجنتها بحنان هامسا بخفوت "سأبدل ملابسي وأعود على الفور"
وبالفعل دقائق وكان عائد لينضم إليها ويجذبها لتضع رأسها على صدره.. اتسعت ابتسامتها وهي تعدل من وضع رأسها على صدره هامسة باشتياق "كم اشتقت إليك يا يزن أنا أحبك بطريقة لن تتخيلها.. لن أبتعد عنك ثانية أبدا"
أخذ نفسا عميقا مشددا من ذراعيه حولها هامسا بنبرة حنونة مليئة بالشغف "وأنا لن أسمح بابتعادكِ ثانية يا روحي"
ابتسمت وهي تخبره بخفوت "أريد أن أنام.. لم أنم منذ أيام براحة"
رفع أصابعه يتلاعب بخصلات شعرها حتى غفت في نوم عميق بعد دقائق كعادتها.. ابتسم وهو يميل مقبلا جبهتها ووجنتها وجانب فمها هامسا "حبيبتي أخيرا"
وأغمض عينيه ليغوص في نوم عميق لم يزر عينيه منذ شهور طويلة.
****************
استيقظت ناردين ليلا على صوت هاتفها المرتفع لتتأفف بنزق.. مدت يدها تجذبه من موضعه ابتسمت باتساع وهي ترى اسم سما وصورتها تضيء هاتفها.. أجابتها قائلة وهي تضطجع على سريرها في نصف جلسة "أخيرا قررتِ التخلي عن عزلتكِ"
لم يأتيها صوت من سما لتمط شفتيها بسخرية قائلة باستهزاء "هل اشتقتِ لصوتي في هذه الساعة؟!"
ابتلعت سما ما في فمها بصعوبة بعد أن استيقظت من غيبوبة عميقة لا تعلم كيف ذهبت إليها؟ اتجهت عينيها بشكل تلقائي إلى حيث كانت تضع قفص هامسترها.. ولكنها وجدت بدلا منه فراغ منفر بغيض أعلمها أنه فارقها وذهب.. ومعه انقطع آخر خيط يربطها بسيف لا ليس موت لاف من قطعها إنما هي من قطعته بكلماتها الجارحة... وجدت نفسها تجذب هاتفها وفي لحظة جنون كانت ستهاتفه ولكن يدها انحرفت إلى حيث رقم توأم روحها.. ليأتيها صوت ناردين المشبع بالسخرية ليكون حافز لها لتنطق بثقة بملأ روحها "أنا أحبه ناري"
كادت نارين أن تطلق ضحكة صاخبة قائلة بمرح "منذ زمن يا حمقاء ولكن ماذا أقول؟ حمقاء"
أجابتها سما بخفوت ويدها ترتفع تتحسس صدرها تبحث عن الاختلاف في دقات قلبها.. لماذا تشعر أنه ما عاد ينتمي لها "كنت أظن أنه مات.. ولكنه كان يختبئ في انتظار سيف لينفض عنه الرماد.. كيف سمحت له ناري؟"
ارتفعا حاجبي ناردين حتى كادا أن يلتصقا سويا وهي تقول بحيرة "أين المشكلة سما؟ تحبان بعضكما ولله الحمد ها أنت اكتشفتِ حبكِ، أين المشكلة؟"
ارتفع نحيب سما بشكل مفاجئ قائلة من بينه "لم يعد ينفع.. لقد انتهى كل شيء فسيف لن يعود ثانية"
ضمت ناردين شفتيها بغيظ قائلة بحدة "لماذا يا حمقاء يحبكِ وتحبيه أين المشكلة؟ -ثم أجابتها بمرح بالغ- اتصلي بسيف الآن وأخبريه كم تحبيه وأراهنكِ ستجدينه في منزلكم الآن"
ازداد نحيب سما بشكل مخيف لتنزع ناردين قناع المرح مجيبة بصوت جاد "حسنا اهدئي ما بكِ؟ ماذا حدث لكل هذا سما؟"
كفكفت سما دموعها بطريقة خرقاء وهي تقول "افتحي حاسوبكِ وسنتحدث مرئي.. سأغسل وجهي وأعود إليكِ"
اتجهت سما إلى حمامها لتنظف وجهها ثم عادت لتفتح حاسوبها.. وتستقبل مكالمة ناردين التي هتفت ما إن أبصرتها "وجهكِ مريع للغاية يا فتاة"
امتعض وجهه سما لتجيب من بين أسنانها "يا حمقاء دعكِ من وجهي الآن لدينا ما هو أهم من كيف يبدو وجهي.. ثم اذهبي إلى المرآة وانظري لنفسكِ تشبهين سمكة الينفوخ"
ارتفع حاجبي ناردين بصدمة قائلة بتهكم "مرحى لقد عادت سما الصغيرة.. ولكن لماذا الآن تحديدا سما؟"
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تغلق فمها وتفتحه عدة مرات محاولة التكلم.. قبل أن تهمس بجدية "ربما لأني طيلة هذا الوقت كنت أعلم أن سيف لن يتركني أبدا.. فكنت أستمد قوتي منه وأسمح لضعفي أن يظهر معتمدة على قوته لتحميني.. ولكن بعد رحيل سيف وجب علي حماية نفسي بنفسي"
ركزت ناردين عينيها على عيني سما الحزينة قائلة بحنان "ماذا حدث يا سما؟ لماذا هذا اليأس بعينيكِ؟"
انحنت عينيها بمرارة شديدة قائلة بخفوت "هل تذكرين عندما سألتني عن سبب موافقتي على الزواج من سيف؟"
هزت ناردين رأسها بإيماءة صغيرة وهي تشجعها بعينيها على الحديث.. التوى جانب فم سما بابتسامة صغيرة حزينة قائلة ببؤس "لقد هاتفني سيف وعقد معي اتفاق أن نخطب لفترة إن استطاع بها أن يملك قلبي سنكمل سويا.. وإن لم يستطع امتلاكه سنفترق كل في طريقه"
همست ناردين بيقين "لهذا رفضتِ عقد القرآن؟!"
هزت سما رأسها موافقة لتكمل ناردين قائلة ببساطة "هذا جيد فسيف امتلك قلبكِ.. إذاً الأمر محلول"
هزت سما رأسها برفض قائلة ببؤس "كلا لقد أصبح معقداً"
قطبت ناردين حاجبيها بتوجس قائلة بوجوم "ماذا حدث بينكما اليوم يا مصيبتي السوداء؟"



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:23 PM   #157

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

ارتجفت شفة سما السفلية ببكاء قائلة بشهقات متقطعة "لم يكن مجرد اتفاقا لقد كان وعد منه وليس مجرد اتفاق.. وقد أتى اليوم متغاضيا عنه؛ وأنا أخبرته صراحة أني أكرهه وأنه فشل في اكتساب قلبي.. وألزمته بوعده.. لقد ذبحته بيدي ناردين، لو رأيتِ نظرة عينيه يا الله لن أسامح نفسي أبدا.. وهو أخبرني أنه لن يعود ثانية وأنا ابنة عمته فقط.. أاااااه يا ناردين ماذا أفعل؟"
أخذت ناردين نفسا عميقا محاولة تهدئة غضبها من سما.. كم من جرح ستصيب به سيف وهم صامتون والسبب علة الهانم لتجيب "من الجيد أنكِ لستِ أمامي الآن وإلا كنت ضربتكِ حتى يعود إليكِ عقلكِ، ما الذى تريدينه الآن؟"
أجابت بلهفة "أن يعود سيف"
ابتسمت ناردين مجيبة بخفة "إذاً يجب أن تعودي أنتِ الأخرى"
أجابتها اللهفة التي انطلقت من عينيها دون رادع مجيبة برجاء وتوسل "يا ليت؛ أنا لا أحب نفسي هكذا ناردين.. أريد أن أتخلص من هذا الخوف الذي يكتنفني.. لقد فاض كيلي منه لم أعد أطيق ذاتي ناري"
ردت ناردين بشفقة ونبرة ثابتة "واجهيه.. يجب أن تواجهي خوفكِ"
أجابتها سما بصوت حائر معذب "كيف أفعلها؟!"
مطت ناردين شفتيها بحيرة ثم ردت بعفوية مضحكة "تخلصي من ملابسكِ.. وقفي أمام المرآة.. بسيطة أليس كذلك؟"
اتسعت عينا سما بدهشة ثم ما لبثت أن صرخت بسخط خجول "أنتِ وقحة وعديمة الحياء"
تنهدت ناردين بملل وهي تجيبها بنبرة كسولة "أعرف.. براء كادت أن تكتبها على ورقة وتلصقها على الجدران"
ثم عادت تحثها بجدية قائلة بتشجيع "هيا سما لن نخسر شيء"
احتل التردد ملامحها لتعض على شفتها السفلى بخجل قائلة بحياء "حسنا ولكن حوليها لمكالمة مسموعة"
استقامت سما تفعل مثلما اقترحت ناردين وأثناء نزع ملابسها سألت باهتمام "بمناسبة براء كيف حالها هي ويزن بعد الطلاق؟"
أصدرت ناردين صوتا ملولا قائلة بخفة "لن تصدقي ماذا حدث؟"
جارتها سما قائلة بعفوية متهكمة "لا تخبريني أنه لم يحدث طلاق أصلا؟"
أتاها صوت ناردين مجيبة بكل بساطة "بالضبط هذا ما حدث.. ماذا تفعلين الآن؟"
أجابتها سما بسخط ويديها تتردد في نزع المتبقي من ملابسها.. لا تصدق أنها تقف الآن هكذا "أنفذ اقتراحكِ المجنون.. أخبريني أي شيء لإلهائي عن ترددي"
مطت ناردين شفتيها بتفكير بينما اتجهت سما لتغلق الباب بالمفتاح تحسبا لمجيء عمر لتفقدها.. باغتها صوت ناردين قائلة بصوت مستفز "خالتكِ حياة لديها ابن.. يدعى يامن إنه وسيم ولطيف"
كان ذلك حقا خير إلهاء فقد شغل سما عن حيائها قليلا.. لتكمل نزع باقي ملابسها قائلة بعدم تصديق "أوووه ما هذه المفاجأة وكأننا بفيلم عربي قديم"
وافقتها ناردين بقولها البسيط "نعم معكِ حق.. أين أنتِ الآن؟"
ارتفع وجيب قلب سما بخطورة وهي تطالع نفسها في المرآة لا يسترها إلا قطع رقيقة من الملابس هامسة بصوت بالكاد وصل لناردين "أمام المرآة"
وصلها رد ناردين بنبرة آمرة قوية "صفي لي ما ترين يا سما بكل صدق ودون نظرتكِ المتحيزة"
ابتلعت سما لعابها بمشقة وهي تدير عينيها على جسدها كله بنظرة متفحصة.. مقررة بكل شجاعة مواجهة خوفها أمام نفسها.. بللت شفتيها الجافتين بلسانها قائلة بصوت متحشرج "أرى جسد منحوت بإبداع تبارك الخلاق.. ووجه بديع سبحان من خلقه.. صورة ربانية رائعة ولكن كعادة البشر يسارعون إلى إفساد الجمال الرباني.. فها هي تلك الصورة الرائعة شوهت بندبة بنية بشعة"
ابتسمت ناردين بتفهم فدائما ما كانت سما تتغنى بجمالها وهي صغيرة.. وها هي ما زالت تتغنى به ولكنها تحمل نفسها ذنب إفساده.. لتقول بنبرة خالية من المعالم "جيد ارتدي شيئا لا يخفي ندبتكِ وحولي الاتصال لمرئي يا سما"
شهقت سما برفض قائلة بحدة "كلا"
عادت إليها نبرة ناردين العنيفة لتسمرها مكانها "هل سنعود للجبن ثانية، أنتِ واجهتِ خوفكِ أمام نفسكِ، واجهيه أمامي أيضا"
عضت سما على شفتها العليا بتفكير عميق.. حسمته من أول جولة هي لن تجبن ولن تعود تلك المرتعبة ثانية ستواجه وستنتصر في معركتها ضد الخوف.. لتتجه إلى خزانتها ملتقطة ثوب منزلي خفيف بحمالات رفيعة يصل إلى ركبتيها.. ثم عادت وجلست أمام حاسوبها لتحول الاتصال إلى مرئي ولكنها قبل أن ترى ناردين جبنت مما اضطرها لإغماض عينيها بقوة.. ابتسمت ناردين بحنان قائلة بصوت خافت "افتحي عينيكِ يا سما"
فتحت سما عينيها ببطء لتقابلها نظرة ناردين المحتوية قائلة بثبات "لم ولن أنفر منكِ مطلقا يا سما"
دمعت عينيها بتأثر لتجيبها ببسمة ممتنة وناردين تسأل بدعم "ما هي خطوتكِ القادمة؟"
أجلت سما حنجرتها قائلة بنبرة أجشة بها ثبات عجيب.. ربما هو عاد إليها وربما اكتسبته من صديقة عمرها بالنهاية كان صوتها ثابت "أحتاج للحديث مع أحد أكثر خبرة وتجارب وعلم"
ابتسمت ناردين مجيبة ببديهية "عمتو نيرة"
هزت سما رأسها بنعم قائلة برغبة في الحياة بشكل طبيعي "حان الوقت للحديث معها ولكن قبلها هناك شيء يجب أن أتخلص منه"
لمحت ناردين تلك اللمعة المتمردة التي تحفظها جيدا لتقول بترحيب بشوش "مرحبا بعودتكِ صديقتي سأترككِ الآن لتتخلصي مما تريدين، اعتني بنفسكِ وسأهاتفكِ غدا"
جاوبتها سما ببسمة تتألق عزما نافضة عنها وهنها الذي طال وجوده قائلة بنبرة مماثلة "في أمان الله صديقتي"
أغلقت حاسوبها ثم اتجهت لتجلب مقصها وبكل عزم فتحت خزانة ملابسها.. لتجذب تلك الفساتين الكئيبة التي لا تعبر عنها مطلقا.. ولم تحبها يوما فهي كانت دوما وسيلتها للتخفي.. ورمز لضعفها المقيت ذلك الضعف الواجب عليها وأده إن أرادت استرجاع حياتها ثانية.. بدأ تقصها لقطع صغيرة وكل قطع تسقط كان تمزق معها جزء من ضعفها.. وتنفض الغبار الذي تراكم فوق قوتها فتنهض من سباتها.. إلى أن انتهت مسقطة أخر جزء من ضعفها مع أخر أقصوصة سقطت وفوقها مقصها.. استلقت على سريرها براحة لم تعرفها منذ زمن لتجذب هاتفها تخرج صورته هامسة بقسم جاد أمامها "أقسم بمن وضعك بكل تلك القوة داخل قلبي.. أن أعيدك إلى حياتي ثانية، انتظرني فقط حتى أعيد ترميمها ثم سأعترف لك بحبي بكل شجاعة.. أحبك سيف أكثر مما قد تتخيل"
*************
صف هادي سيارته على جانب في أحد موقع الإنشاء التابعة لمكتبهم الهندسي.. كان الجو حارا شديد الحرارة مما اضطره إلى استخدام مظلة لتقيه السخونة البالغة.. بحث بعينيه عن نادر ليجده يقف بين العمال ويلقي أوامره هنا وهناك وفقط يرتدي الخوذة الخاصة بزيهم..
مط شفتيه بتعجب فهذا النادر حالة محيرة له منذ تقابلا.. مشى بهدوء وحذر بين الركام المنتشر على الأرض.. إلي أن وصل إلي حيث يقف نادر ملقيا التحية.. التفت إليه نادر مجيبا ببشاشة "مرحبا هادي، أي رياح طيبة ألقت بك هنا؟"
أجاب هادي بوجوم "صدقا لا أعرف كيف تحتمل العمل هنا.. جد مكانا يصلح للجلوس والحديث"
قهقه نادر بصخب على تعبير هادي ليرشده إلى مكان يستطيع الجلوس به.. عبارة عن قطعتين مرتفعتين من الحجر.. نظر لهما هادي بقرف قبل أن يفرد سترته التي يحملها على أحدهما ويجلس فوقها.. عاد نادر يضحك بشكل أكثر صخبا قائلا وهو يجلس جانبه ببساطة "لا تخف لن تأكلك.. أخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا؟"
أخذ هادي نفسا عميقا قائلا بهدوء "أتيت إليك بأمر يخص يامن"
اعتدل نادر قائلا باهتمام "هل علم شيء عن والدته؟"
هز هادي رأسه موافقا وهو يسرد عليه كل ما أخبره به يامن.. اتسعت عينا نادر بدهشة قائلا بصدمة "أووووه ما كل هذا؟ كيف حاله الآن؟"
ابتسم هادي قائلا بنبرة تحمل السرور لأجل صديقه "مشتت ومرتبك قليلا ولكنه سعيد بطريقة لم أراه عليها يوما"
ابتسم نادر قائلا بصدق "أتمنى له السعادة حقا"
تنحنح هادي قائلا بخفوت "نادر"
ابتسم نادر بخفة قائلة بعبث "ما السبب وراء هذه الزيارة الكريمة يا باشمهندس؟!"
أخذ هادي نفسا عميقا قائلا بوضوح وعينيه تسبح بعيدا "ما رأيك أن ننقل مقر عملنا إلى مصر؟!"
ارتفع حاجب نادر بتعجب سائلا بحيرة "لماذا؟"
تنهد هادي بعمق قائلا بوضوح وهو يميل ليتكئ بساعديه على ركبتيه "لأجل يامن في المقام الأول إنه فرح لوجود عائلة حوله.. تعلم لقد عاش عمره كله شبه وحيد.. والآن بعدما ذاق طعم العائلة سيكون من الصعب عليه أن يعيش وحيدا ثانية"
غمغم نادر بتفكير عميق غرق به عقله "أتفق معك في هذا.. ولكن ليس هذا السبب الوحيد أليس كذلك؟"
التفت إليه هادي بحدة من ذكاء نادر المتقد والذي لا يتناسب مطلقا مع هذا الوجه الرفيع البشوش دائما.. قائلا بصوت عملي محاولا إخفاء مراوغته بداخله "لقد كدنا أن ننهي جميع مشاريعنا هنا.. وبعد مشروعنا الأخير بمصر ومؤشراته الأولية أتانا الكثير من العروض من هناك.. وعملنا هناك سيتوسع ويكبر كما كنا نتمنى عند انطلاقه"
نظر له نادر بتفحص قائلا من بين أسنانه بإدراك "فقط؟!!"
رفع هادي إليه عينين ضيقتين قائلا بحدة "نعم فقط"
ابتسم نادر بسخرية الأحمق يريد الهرب من روهان.. ولكن لنرى كيف سيفعلها قائلا بهدوء "دعني أفكر قليلا"
هز هادي رأسه بتفهم قائلا بهدوء "يامن لا يعلم عن هذا الأمر شيء إنها فكرتي.. خذ وقتك بالكامل بالتفكير"
رد نادر بجدية وهو يلتقط حصوة من الأرض يتلاعب بها "جيد بالمناسبة سأسافر الأسبوع القادم إلى هناك لأتابع سير العمل في القرية"
عبس هادي قائلا باستغراب "يامن هناك وسيمر عليها قبل عودته"
ابتسم نادر باتساع قائلا بصوت جاد "أعلم ولكن هناك أمور يجب أن أتابعها بنفسي ولذلك سأذهب أيضا"
ربت هادي على ركبته برفق قائلا ببساطة.. وهو يستقيم واقفا ملتقطا سترته لينفضها من الغبار بقوة "جيد سأعود للمكتب بما إننا أنهينا هذا الحديث"
رفع نادر عينيه له قائلا بمشاكسة "ألا تريد الحديث عن أمر آخر؟"
ضربه هادي بغلظة على كتفه قائلا بصوت فظ "اهتم بشؤونك الخاصة"
ضحك نادر بقوة قائلا وهو يقف استعدادا للركض كي لا يبطش به هادي "أبلغ سلامي لأروهي"
التفت هادي إليه بحدة وعينيه تشع نيران سوداء قائلا بعنف "اذهب لعملك قبل أن أفتح رأسك"
ثم حمل سترته وغضبه وغادر بخطوات تشع عنفا.. إلى متى ستحتمل أعصابه كل هذا الضغط الذي يمارس عليه.. روهان متى سيهرب منها ومن اللعنة التي ألقتها على حياته.. تابع نادر مغادرته ليهمس بخيبة "غبي يا هادي.. طيلة عمرك تضع نظرة الناس إليك أمام رغبتك وما تريده"
***********



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:25 PM   #158

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

بعد مرور يومين استيقظ عمر من نومه متأخرا نوعا ما.. فبالأمس قرر أخذ اليوم إجازة لإراحة أعصابه التي كانت مشدودة الفترة الماضية.. ألقى نظرة عاشقة لتلك الغافية بتعب بجواره.. ليعدل من وضع الغطاء عليها مغادرا إلى حيث غرفة سما للاطمئنان عليها.. فاليومين الماضيين لاحظ تغيير غريب طرأ عليها.. وكأن طفلته تستعيد نفسها تدريجيا.. بدءاً من الحقيبة العملاقة التي وجدها أمام غرفتها مليئة بقصاصات فساتينها التي لم تكن يوما شغفها.. فابنته تهوى السراويل والبلوزات والأحذية ذات الرقبة الطويلة.. عندها ملأ القلق صدره ليقتحم الغرفة بحثا عنها ليجدها تغرق في نوم عميق..
عبس حينها باستغراب وحيرة تشاركها هو ودارين طيلة اليوم.. وهي تشاركهم وجبات الطعام ببشاشة حاولت تصنعها.. فتح غرفتها مع نهاية أفكاره ليجدها فارغة.. طرق باب حمامها ولا رد.. بحث عنها بالشقة بأكملها ولكنها كانت اختفت.. امتلأ قلبه بالقلق والغضب في آن واحد.. لحظات وكان يجذب هاتفه من غرفته ليهاتفها.. لم يدم الرنين لثواني وكانت تجيبه بصوت ناعم "صباح الخير بابا"
صرخ بها عمر بغضب أفزع دارين بجواره "لم يعد لي أهمية أم ماذا؟ كيف تخرجين دون إذني؟"
أجابته وهي تدلف المبنى الذي قصدته والذي أجلت الذهاب إليه منذ يومين بصوت مدلل تمتص به غضب والدها "كنت نائم ولم أشأ إيقاظك.. أنا آسفة ولكني أردت الذهاب لعمتو باكرا ليس أكثر"
أجابها عمر بتعجب وقد تبخر غضبه في لحظات "أنت ذاهبة لنيرة؟!"
ابتسمت سما وقد وقف المصعد أمام العيادة التي يبدو أنها فُتحت منذ قليل.. قائلة بنبرة مسها بعض من الندم "خطوة كان يجب علي القيام بها منذ زمن"
رد بحنان وهو يربت على دارين يهدئ قلقها الذي أثاره بصوته المرتفع "حسنا حبيبتي طمئنيني عنكِ عندما تنتهين"
أجابته بهدوء وهي تغلق الهاتف وتسقطه في جيبها "حسنا بابا سأفعل إلى اللقاء"
تقدمت إلى حيث تجلس المسؤولة عن تنظيم مواعيد نيرة سائلة بصوت رقيق "هل الدكتورة نيرة موجودة؟"
أجابتها الفتاة بمهنية "نعم بالداخل العيادة ستبدأ باستقبال المرضى بعد حوالي نصف ساعة.. هل أحجز لكِ موعد؟"
هزت سما رأسها قائلة بخفوت "لا أنا أريد مقابلتها الآن"
عبست الفتاة قائلة بجدية "بدون موعد لا أستطيع السماح لكِ بالدخول"
تنهدت سما بعمق قائلة بصوت بدأ بفقد رنة تهذيبه "أنا ابنة شقيقها هلا أعطيتها خبر كوني أريد مقابلتها"
رفعت الفتاة سماعة الهاتف بجوارها متبادلة حديث سريع مع نيرة قبل أن تشير بيدها "تفضلي حجرة الدكتورة بنهاية الممر هي بانتظاركِ"
اتجهت سما بعد هزة رأس ممتنة للفتاة إلى حيث تنتظرها نيرة بتقطيبة عميقة.. قائلة ببشاشة مرحبة "أهلا حبيبتي.. أخيرا قررتِ المجيء"
عانقتها سما برقة قائلة باحتياج "بحاجة ماسة للحديث معكِ عمتي"
ابتسمت نيرة لها بحنان لتسألها وهي تجلس على المقعد أمامها "هل تناولتِ فطوركِ؟"
هزت سما رأسها نفيا قائلة بخفوت "ليس بعد"
رفعت نيرة سماعة الهاتف قائلة بأمر "نجوى اطلبي كوب شاي باللبن مع بعض شطائر الجبن الرومي"
ثم اتجهت بحديثها لسما بصوت حاني "افطري ثم سنتحدث"
نكست سما رأسها دون رد ثم فاجأت نفسها بأن بدأت ببكاء حار.. تنهدت نيرة بتفهم وهي تستقيم لتجلس على طرف المقعد وتجذبها لحضنها تاركة إياها تبكي كيفما تريد.. بعد وقت قصر أم طال أفرغت فيه سما دموعها على صدر نيرة أتت طرقات خافتة على الباب.. لتقبل نيرة قمة رأسها هامسة بصوت لطيف وهي تشير للجهة المقابلة "هذا باب الحمام اذهبي ونظفي وجهكِ وأنعشي نفسكِ وتعالي"
تابعت نيرة دخولها للحمام لتتنهد بحزن قبل أن تقول بصوت حيادي "ادخلي يا نجوى"
وضعت نجوى ما طلبته منها نيرة على الطاولة الصغيرة قائلة بصوت جاد "لا أريد أي إزعاج يا نجوى"
هزت نجوى رأسها باحترام قائلة بتهذيب قبل مغادرتها "أمركِ يا دكتورة"
خرجت سما تنظر لها بخجل من انهيارها الذي لم تحسبه "أسفة عمتو"
هزت نيرة لها رأسها بخفة قائلة برفق "تعالي افطري وسنتحدث بكل شيء تريدينه"
ابتسمت سما بامتنان وهي تجلس لتلتقط نيرة شطيرة قائلة بأمر "كليها يا سما"
بآلية ودون شهية حقيقية تناولت سما الشطيرة ثم بدأت حديثها بمرارة وعينيها تغرق بمشاعرها المختلطة "سأخبركِ بكل شيء داخلي حتى تحددي طبيعة مرضي وعدد جلساتي معكِ.. أريد أن أحيا بشكل عادي يا عمتي.. أنا لست حية.. أنا أشعر أني مهمشة وعلى طرف الحياة"
أخذت نيرة نفسا عميقا مرتدية قناع المهنية قائلة ببطء "أفضي بما في داخلكِ"
أغمضت سما عينيها بوهن لفترة من الوقت ثم ما لبثت أن فتحتهما وعينيها تبرقان بتصميم.. قائلة بصوت متألم يسعى للراحة "لن أخبركِ عن حياتي قبل الحادث.. ولكن سأخبركِ عن كل شيء تبع الحادث -أخذت نفس عميق ثم قالت وهي تشرد بعينيها بعيدا- بعد الحادث بأيام لم أنتبه لذلك التشوه الذي أصابني لقد شغلني الألم الذي اشتعل في جسدي عن كل شيء آخر.. ثم بعد عمليات الترميم لذراعي وعندما بدأ ألم جسدي ينحصر.. رأيت ندبتي... يا إلهي كانت بشعة غير ملائمة لجسدي.. منفرة لا تتفق مع لون بشرتي ولكني تقبلتها... على مضض نعم ولكن تقبلتها.. وثمن هذا التقبل كان انطوائي بدأت انعزل عن العالم مكتفية بنفسي.. منتظرة من كنت أعلم أنه لديه الحل ليريحني من عذابي.. أن سحره سيحول تلك البشاعة بعنقي إلى شيء جميل ومميز.. -صمتت بغصة تلازم قلبها منذ سنوات لتعاود حديثها بخيبة أمل لم يفنيها الزمن- ولكنه لم يأتي مطلقا"
رغم معرفة نيرة بهوية من تتحدث عنه سما ولكنها أرادت أن تسمعها منها بصوتها لتسأل بهدوء "من الذي انتظرته؟"
رفعت سما عينيها لنيرة باستنكار قائلة ببديهية "سيف.. عمتي من غيره؟"
ابتسامة خفيفة ناوشت عينيها قبل أن تهمس بخفة "أكملي يا سما"
شردت سما في ذكريات ذلك الوقت العصيب.. وعينيها تعبر عن ما في صدرها بوضوح.. فتحت سما فمها تنوي الحديث ثم أغلقته لتجد نفسها تقول فجأة بثقة مطلقة "كنت أنتظره عمتي.. كنت أحبه وبحاجته وهو خذلني.. كان رغما عنه وليس بإرادته.. ولكن كيف لي أن أشرح لتلك المراهقة التي تختبئ في نقطة سوداء بقلبي هذا الأمر.. لقد كان يداعب قلبي البكر بكلماته العفوية ويجعله يشعر بالأمان بجواره.. وفي ذلك الوقت أردت وجوده بشدة كنت يائسة وكلماته كانت ستطيب جروحي.. ولكنه خذل قلبي وألمه بشدة.. فتقوقع رافضا أي مشاعر أن تغزوه ثانية.. كلمات ناردين كانت فارغة ربما زكت انعدام الثقة بداخلي ولكنها أبدا لم تكن السبب.. أنا كنت السبب الرئيسي لقد كنت أحمي نفسي من الألم.. ولكني جنيت عليها"
صمتت بحزن احتل ملامحها براحة.. عينيها اغتمت بدموع لم تنزل وروحها اختنقت بإحساس مرير.. لتبتسم بوهن من بين ألمها مكملة بحسرة "ثم وجدت نفسي أطمس شخصيتي.. وأخفي ملامحي وكأن لا أحد هكذا سيعرفني.. ربما لم تكن علتي بذلك السوء وربما أنا مريضة يا عمتي.. ولكني كنت أحاول حماية نفسي إلى أن فقدتها.. فقدتها حين تركني باكية على سجادة منزلنا.. حين أخبرني أنه يحبني للمرة الأخيرة.. أنا أحبه يا عمتو وأنا من دفعته لمغادرة حياتي للأبد.. فيما أخطأت يا عمتي حتى تكون حياتي بهذا الشكل الغير مستقر.. كلما حاولت إصلاحها كلما خربت أكثر"
كان تستمع لكل كلمة صدرت من سما بتركيز عميق.. تسجل كل كلمة تقولها لتجيبها ببساطة "مشكلتكِ أنكِ جبانة ولا تواجهين مشاكلكِ.. فقط تهربين تحت اسم الحماية والخوف من الجرح"
رفعت عينين متوسلتين لنيرة لتكمل نيرة بقسوة قائلة "هل أخبركِ بما فعلتيه أثناء محاولتكِ لحماية نفسكِ؟ والديكِ عاشا وضميرهما يجلدهما يوميا على إهمال لم يحدث.. دارين تحمل نفسها مسؤولية ما حدث معكِ.. هل أخبركِ أنهما كان سيصلان لمرحلة الطلاق ذات مرة بسببكِ؟!"
تسمرت سما بذهول وهي تهز رأسها نفيا فعادت نيرة تكمل بقسوة أشد إيلاما.. فأفضل الوسائل هو الطرق على الحديد وهو ساخن.. وسما ستفيق عندما تجد نفسها تؤذي غيرها دون أن تقصد "بلى حدث.. عمر عندما علم بما حدث أسمع والدتكِ كلمات جارحة.. كلمات عن أنها السبب وتلك الأحرف طبعت بقلب دارين ومع ابتعادكِ عنهما.. بدأ إحساسها أنها المخطئة يكبر معها ووصلت لمرحلة اليقين الكامل بخطئها.. وأنها لا تصلح أن تكون أم وطلبت الطلاق من عمر متنازلة عن حقها بكِ.. ولكن تمسك والدكِ بها جعلها تتخطى تلك الأزمة.. سما انطوائكِ كان بمثابة إعلان بأنكِ تعاقبين الجميع على إهمالهم لكِ"
شهقت بصدمة ودموعها تسيل دون رادع.. قائلة بصوت باكي لا يصدق قلبها كل ما سمعته "أنا فعلت كل هذا.. لم أقصد أنا لم أرد أن أجعلهما يتعذبان بسببي"
ربتت نيرة على كفها بحنو قائلة وهي تميل بجسدها للأمام حتى تكون عينيها بعيني سما.. قائلة بصوت حاني لم يخلو من جديته "أنا لا أريد إيلامكِ.. أنا أضع أمامكِ الصورة كاملة حتى تختاري كيف تكملين حياتكِ.. هذا القرار بيدكِ أنتِ فقط.. ولكن حتى تستطيعي اتخاذه يجب أن تري كل زوايا الصورة.. لن أخبركِ عن عذاب سيف فأنتِ تعلمينه.. فقط سأسألكِ إلى أي حد أنتِ قريبة من التوأم.. ماذا تعنين لهما.. ما الفارق الذي تشكلينه في حياتهما؟"
أخفضت عينيها بخزي محاولة تذكر أي موقف كانت قريبة منهما فيه.. هل سألت يوما ماذا فعلتا في الروضة.. هل جلست بجانبهما تشاركهما أي لعبة.. هل أخذتهما وخرجوا للنزهة كأي شقيقة كبيرة تحترم نفسها وتفعل... وبالطبع الإجابة كانت لا.. في كل مرة لا.. وضعت يدها على فمها تكتم شهقة عذاب جديدة قائلة بعذاب وشم روحها، وكلمات سيف قفزت لرأسها كمفرقعات نارية "أنا أنانية كما قال سيف أردت أن أحمي نفسي فجرحت جميع من حولي.. أنا إنسانة مريضة يا عمتي أليس كذلك؟"
ابتسمت نيرة بتفهم كبير وهي تمد يدها تمسد وجنتها بحنو.. قائلة بنفي بالغ "كلا حبيبتي لستِ مريضة.. أنتِ فقط تعاملتِ مع خوفكِ بشكل غير صائب، رفضتِ دعم الجميع ومساندتهم لكِ.. فانعزلتِ بهذا الشكل.. القرار بيدكِ الآن سما.. إما أن تكملي في دور الضحية المتوارية خلف قناع واهي من الضعف.. إما أن تواجهي بشجاعة وتهزمي خوفكِ وتستعيدي حياتكِ ثانية"
أجابتها سما بعزم ومض بحدقتيها وشفتيها تردد بثقة "لا أريد الخوف بعد الآن عمتي.. أنا سأعود ثانية"
اتسعت ابتسامة نيرة الحانية قائلة بصوت مسرور "بل عدتِ يا روح عمتكِ.. وهناك شخص كسرتِ قلبه وكبريائه وأمامكِ طريق طويل حتى تضمدي جراحه التي سببتها بيدكِ"
تنهدت سما براحة تسللت لقلبها رغما عنها كم من ثقل كانت تحمله.. وكم من حياة أهملتها وألقتها خلف ظهرها لأجل نفسها.. ستصلح أخطاءها وترمم حياتها، ولن تخسره مطلقا ولو خسرت حياتها بالمقابل "بالطبع سأفعل ولكن لأبحث عن الطريقة المثلى لفعلها"
نهضت واقفة بعزيمة جديدة.. وروحها تهب من سباتها من جديد.. تعانق السماء من جديد يكفيها دفن تحت الثرى لسنوات طوال.. قائلة بابتسامة جديدة أضاءت ملامحها الدافئة "سأغادر الآن لقد عطلتكِ كثيرا.. عمتو أنا أحبكِ كثيرا أكثر مما تتخيلي"
ابتسمت نيرة لها بحب قائلة بدفء بالغ "وعمتكِ تحبكِ يا روح عمتكِ"
أجلت سما حلقها قائلة بصوت خافت "عمتو متى الجلسة القادمة؟"
ضحكت نيرة قائلة بصوت مهني جاد "أعود وأخبركِ لستِ مريضة يا سما.. لستِ بحاجة إلى جلسات علاجية -ثم رق صوتها بحنو- إنما أنا متاحة لأجلكِ دائما متى أردتِ الحديث"
اتسعت ابتسامة سما الجميلة متمتمة بشكر ممتن وغادرت تحت نظرات نيرة المتفحصة لتناديها بخفة "سما"
توقفت سما عند الباب ملتفتة لها بابتسامة حائرة "نعم؟؟"
أجابتها نيرة بهدوء وابتسامتها لم تتخلى عن شفتيها "سما التي أعرفها والتي أوقعت سيف في غرامها.. كانت دائمة الابتسام مهما حدث.. تلك الابتسامة ذات تأثير لا يقاوم.. هل فهمتِ؟"
أنهت نيرة كلماتها بغمزة عين عابثة.. التقطت سما ما تفكر فيه نيرة لتومئ بقوة دليل الفهم.. أكملت نيرة كلماتها وهي تنظر في أوراقها باهتمام "أحببت ملابسكِ كثيرا.. تبدين مذهلة يا فتاة"
زادت ابتسامة سما اتساعا وهي تغادر بروح غير التي أتت بها.. لقد استيقظت سما من غيبوبتها ولنرى من سيوقفها عن استرجاع حب عمرها.. ستحارب العالم كله لأجله وستحاربه هو ووعده الأحمق.. لن يأتي ليسلب قلبها من داخل صدرها ويغادر هكذا ببساطة.. أبدا لن تسمح له وما ستفعله أنها بمنتهى البساطة.. ستبتسم دائما بوجهه وتشاكسه كما كانت تفعل.. يريد أن تعود ابنة عمته فقط.. حسنا له ما يريد.. أما قلبه فسيسقط صريع غرامها ثانية بإرادته أو رغما عنه...
*******
خرجت سما من عند نيرة تدور في الشوارع على قدميها.. تفكر وتفكر فيما تجرأت وأخبرت به عمتها.. تشعر أن روحها خفيفة وأنها تحلق في السماء.. نادمة على ما أضاعته من سنين عمرها في وهم نسجته هي بمخاوفها.. ولكن من يلومها وقد كانت صغيرة لا تقدر ولا تعي ما يحدث حولها.. ووجدت نفسها تصارع شيئا أكبر منها.. ولكنها تعبت من تصنع كونها شخصية لا تعرفها.. واشتاقت إلى نفسها كثيرا وهذا ما ستفعله..
شعرت بالاختناق يعود ويداهم صدرها ثانية.. إحساسها بخسارة سيف أصعب من إحساسها بذلك الحرق.. لذا وجدت قدمها تأخذها طواعية إلى كلية الآثار حيث يعمل إياد.. إياد رفيق طفولتها لن يطلب منها الحديث ولكنه سيسعى للترفيه عنها وهذا ما تريده..
أوقفت أحد العاملين سائلة عن مكان مكتبه فدلها عليه بأدب.. بخطوات واثقة أن إياد سيتفهم احتياجها إليه.. حثت قدمها على الذهاب إلى حيث أرشدها ذلك العامل العجوز.. ثواني وكانت تطرق الباب ليأتيها صوت يدعو الطارق للدخول.. دلفت سما قائلة بصوت رقيق "مرحبا إياد"
رفع إياد رأسه من على أوراقه على صوت سما.. ليقف متجها إليها بتعجب سائلا بصدمة صدحت في صوته "سما ماذا تفعلين هنا؟ هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها موافقة قائلة بصوت متحشرج "نعم إيدو بخير ولكن أشعر بضيق واختناق وبرغبة بقتل أحدهم؟"
مط شفتيه بسخرية قائلا بحنق "وحصلت أنا على هذا الشرف"
عادت تهز رأسها موافقة قائلة بصدق "صدقا لم يخطر ببالي غيرك"
تأمل مظهرها البسيط الذي لا ينتمي لذوقها خلال السنوات الماضية بصلة.. إنما أقرب لسما صديقة طفولته الماكرة.. بنطال جينز طويل يعلوه بلوزة بيضاء سادة دون أي نقوش.. تدخل طرفها الأمامي في حزام البنطال.. ولم تتخلى عن شالها بالطبع.. من اللون البني الفاتح تعقده في رابطة أنيقة أخفت بها بعنقها.. وامتد على طول جذعها بشكل راقي.. بصندل بني يصل إلى فوق مرفقها بقليل وشنطة حجمها كبير للغاية.. من النوع المفضل لها ولناردين على حد سواء.. فقط لو يفهم ما يضعون بها.. وترفع شعرها في عقدة أنيقة فوق رأسها.. ليبتسم لها بود قائلا ببساطة "وأنا متفرغ لكِ، ولكن هل يمكنكِ تأجيلها لنصف ساعة فقط أنهي عملي؟"
هزت رأسها موافقة بابتسامة متفهمة ليدعوها للدخول وانتظاره بمكتبه.. ألقت تحية رأس صامتة لزميله الذي يشاركه نفس الغرفة.. بينما لم يهتم إياد بتعريفهما لبعضهما في إشارة لرفضه أي تعامل بينهما..
جلست سما على المقعد المقابل لمكتبه بانتظاره، ثم أخرجت هاتفها لتبعث برسالة لوالدها عن مكانها كي لا يقلق عليها.. ما إن أرسلت الرسالة حتى أظلمت شاشة الهاتف لتهتف دون وعي "أوووه لا"
رفع إياد رأسه عن حاسوبه على هتافها سائلا باهتمام "ماذا هناك؟"
ابتسمت بخجل قائلة ببراءة وهي ترفع كتفيها "لا شيء.. فقط فرغت بطارية هاتفي"
هز رأسه رد على جملتها وقبل أن يعود بعينيه إلى عمله.. وقعت على زميله الذي يتفحص سما بنظرة معجبة.. اشتعل داخله غيظا وغضبا وهم بلكمه فيفقع عينيه التي شملتها بنظرة رجولية مقدرة لجمالها اللافت للنظر.. فسما برغم هدوء ملامحها إلا أن جمالها كان مشرقا مريحا وجاذبا.. ولكنه لم يفعل شيء غير بسمة ماكرة زينت جانب فمه.. قائلا وهو يلتقط هاتفه يعطيه لسما قائلا بأمر لطيف "سما لو سمحتِ هاتفي سيف وأخبريه بإلغاء موعدي معه"
توردت بشكل خاطف للأنفاس ما إن سمعت اسمه قائلة برفض "كلا في تلك الحالة سأغادر وأتركك لموعدك معه"
زم شفتيه غيظا قائلا بحنق "سما افعلي ما قلته لكِ"
اتسعت عينيها بوجل وهي تناشده بعينيها ألا يضغط عليها، ولكنه لم يستجب لها ليس وهناك أحمق يرى رغبة بعينيه أن يتعرف عليها ويعرف أنها قادمة.. لذا سيبتر لديه هذه الرغبة من بدايتها.. لتلتقط منه هاتفه بتوتر وتخرج رقم سيف.. وهي تزفر أنفاسها بخوف وشوق لصوته.. ضغطت زر الاتصال ولم تنتظر طويلا وصوته يدوي بأذنها حابسا معه أنفاسها "نعم إياد ماذا تريد؟"
لا إراديا تبسمت سما بحلاوة وعينيها تشرق بمشاعرها.. لتحاول أن تخرج صوتها مجيبة إياه ولكنه لم يطاوعها.. أتاها صوت سيف ثانية بنفاذ صبر "إياد أين أنت؟ هل أنت بخير؟"
رفعت عينيها باستجداء لإياد الذي عاد وانشغل بعمله.. ولكنها لم تلمح تلك البسمة الخفية التي زينت ثغره.. حاولت أن تخرج صوتها ثانية ولكنه بعناد غبي أصر على الصمت.. ليأتيها صوت سيف به لمحة من شك "سما!!!!"
ارتفعت دقات قلبه بمعدل خطير وهي تنظر إلى الهاتف بتعجب.. كيف عرف أنها هي؟ أجبرت صوتها على الخروج ليأتيه مبحوح وناعم أكثر مما تحتمله أعصابه المتماسكة بصعوبة "نعم كيف عرفت؟"
شعرت به يأخذ نفسا عميقا لتزداد حمرة خديها.. ليتساءل بخفوت قلق متجاهلا سؤالها، وماذا يخبرها أنه يحفظ كيف تأخذ نفسها وهي معه على الهاتف "لماذا تتحدثين معي من هاتف إياد؟ أهو بخير؟ هل أصابه مكروه؟ وماذا تفعلين عنده؟"
أجابته بخفة توقف سيل الأسئلة القلقة التي اندفعت بلا رادع "هو بخير.. أنا أزوره بمكتبه، ويخبرك أنه يريد أن يلغي موعده معك"
لم يأتيها رد منه لتسأل بلهفة "سيف ما بك؟"
رد بصوت جامد "أعطني إياد"
مدت الهاتف بيدها لإياد لتقول بنبرة مهتزة على أثر نبرته الجديدة كليا على صوته الحنون "سيف يريدك"
وما إن التقط الهاتف ووضعه على أذنه حتى هدر فيه سيف بعذاب وغضب "تتركني لعذابي وتخرج معك.. لتلك الدرجة لا تهتم لي.. لتلك الدرجة إياد لا أعني لها شيء"
أجاب إياد بمراوغة "كل هذا الغضب لأجل الموعد.. ليلا نتحدث.. لا تغضب"
أجابه سيف بغضب لم يتحكم به قبل أن يغلق الهاتف "أي موعد هذا اذهب إلى الجحيم.. لا أريد الحديث مع أحد"
ارتفع حاجب إياد بدهشة صامتة قبل أن يجيب بسخرية على الاتصال المغلق "شكرا لتفهمك"
رفع رأسه على صوت سما الملهوف "هل سيف بخير حقا إياد؟ قلبي قلق عليه للغاية"
هز رأسه وعينيه تتألق بنظرة انتصار وزميله يلتقط خجل وحب سما الظاهر للعيون إلا للأحمق سيف.. ليقول بحنان "لا تقلقي هو بخير، هيا بنا لقد أنهيت عملي"
حملت حقيبتها وإياد يجمع أغراضه من على مكتبه.. وهو يخرج معها مغادرا بعد أن ألقى تحية صغيرة لصديقه.. سألته سما وهي تسير معه إلى حيث يصف سيارته "إلى أين ستأخذني؟"
مط شفتيه بتفكير "ما رأيكِ أن نذهب ونتناول السمك أعرف مطعم صغير ولكنه ممتاز"
ادعت التفكير قبل أن تقول بحماس "بالطبع موافقة هيا بنا"
************



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:27 PM   #159

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

في الحديقة كانت يقين تأتي من جهة مرسمها وهي تتحدث في الهاتف برقتها الطبيعية "رباب افعلي ما تجدينه مناسب.. أنا لا أفهم بتلك الأمور الإدارية"
صمتت تستمع لرد رباب لتجيب بعد مدة بإعياء من حديث رباب المكرر "أووه رباب أنا أثق بكِ وبإدارتكِ للأمور.. رجاء لا تتحدثي عن تلك السخافات المسماة مجازا بمراجعات مصرفية"
ضحكت وهي تستمع إلى رد رباب لتجيبها وهي تنزع قبعتها ذات الأزرق الفاتح وتضعها على أحد المقاعد في الحديقة.. بينما تلقي بجسدها على المقعد المجاور "حسنا رباب اتفقنا.. ولكني حقا لا أعلم أيهما أفضل أن أضم المعرضين سويا أم أجعلهما منفصلين.. ما رأيكِ؟"
استرخت يقين بجلستها لتجيب بهدوء "حسنا سأترك الأمر لكِ افعلي ما تجدينه مناسب.. إلى اللقاء"
وضعت الهاتف وهي تلمح يزن الآتي من جهة مدخل المنزل.. ويامن الذي يتحدث في هاتفه على جنب ويبدو عليه فقدان السيطرة على أعصابه.. ألقى يزن التحية وهو يجلس على أحد المقاعد بجوارها لتسأله بهدوء "قادم من المنزل أم من النادي؟"
ألقى برأسه للخلف قائلا ببسمة مازحة "من الاثنين"
زمت شفتيها بحيرة ليضحك قائلا بمشاكسة "أتيت من النادي على منزلي لم أجد براء فأتيت إلى هنا"
هزت رأسها بخفة قائلة "ربما تكون بالأعلى"
ابتسم لها لتسأله بحنان "كيف حال سيف لم أره اليوم.. بالأمس كانت حالته سيئة"
أجابها بحزن يجثم على قلبه الذي يتيه بقلق عارم على شقيقه "رأيته صباحا أفضل من أمس متماسك قليلا ولكن أعلم أنه مدمر من الداخل"
دمعت عينيها قائلة بحزن عميق على سيف أخيها الصغير.. نعم هو أخيها بكل ما تحمله الكلمة من معنى "لا أحتمل رؤيته هكذا يا يزن، أفعل شيء أرجوك، سيف لا يستحق إلا السعادة فقط"
أخذ نفسا عميقا قائلا بخفوت "أعلم ولكن ما باليد حيلة -ثم أشار بيده إلى يامن الذي يدور حول نفسه بغضب واضح- هل تعلمين ما به؟"
هزت رأسها نفيا قائلة بعدم معرفة "لا.. لقد أتيت قبلك بقليل"
وعند يامن كان يدور بالحديقة بغضب بالغ.. يجذب شعره حتى كاد يقتلعه من موضعه فها هو تيم يرفض الحديث معه.. لم يكن يعلم أنه عنيد لتلك الدرجة.. التف حول نفسه لتتوقف أنفاسه مع ظهورها في مجال نظره.. كانت مشرقة كعادتها ترتدي فستان صيفي بنصف كم يصل إلى أسفل ركبتيها بقليل بتدرجات من اللون الأزرق.. كان يبدو كما لو أن فستانها قد مزج بألوانه سحر السماء الغنية بزرقتها مع هدير الأمواج الزرقاء.. مرقط بورود الياسمين التي تشبهها كثيرا مع قبعة ذات لون أزرق فاتن.. ابتلع ريقه بصعوبة وهو يلتفت بعينيه بعيدا عنها بعدما تزايدت دقات قلبه هامسا بصوت متحشرج "هادي أرجوك افعل أي شيء واجعله يتحدث معي.. أنا بحاجة ماسة لسماع صوته"
أتاه صوت هادي قلقا "ما بك؟ هل حدث معك شيء؟"
هدر بصوت غاضب امتلأ بغيظه الذي يتآكل صدره "لقد تشاجرت مع أمي.. تحاسبني على أخطائه في حقها.. تحاسبني على النقطة الوحيدة البيضاء في حياته.. تريد مني أن أنبذ تيم؛ من لأجل خاطره أترحم على أبي"
زفر هادي قائلا بصبر "لا يريد الحديث معك أبدا لم أتصوره عنيدا إلى هذا الحد.. أغلق الآن وعندما يوافق على الحديث معك سأهاتفك، لا تقلق سأظل وراءه إلى أن أقنعه"
أنزل الهاتف من على أذنه بسخط.. يتذكر شجاره مع حياة على مدار اليومين الماضيين.. تعاتبه على ما فعله وعن إخباره لخاله لكل ما فعله والده.. يقارن بينها وبينهم وعقله دائما يتساءل لماذا لم تأخذ شيئا من طباعهم.. منذ بعض الوقت كان يخبرها عن موعد سفره لتنفجر فيه غاضبة وهي ترفض سفره وترفض عودته.. حينها همس بتعجب "تريدين مني المكوث هنا وترك عملي الذي تعبت حتى أوصلته لهذه المكانة؟"
أجابته ببرود "نعم لقد حرمت منك كثيرا يا يامن ابقى بجانبي في أيامى الأخيرة"
ابتسم بسخرية بالغة مجيبا باستهزاء "ماما أنا أعيش لوحدي منذ اثني عشر عاما ولم تفكري بقربي إلا الآن، اعذريني على العودة"
صرخت به بحدة "أنت عائد لأجله هذا الحقير الصغير"
قاطعها بصوت حاد "ماما لا أسمح لك -ثم تابع بنبرة أهدأ قليلا- نعم أنا عائد لأجله هو في المقام الأول... إنه طفلي الذي لن أتخلى عنه مطلقا"
همست مجيبة ببكاء وهي تشعر وكأن سكينة خيانة عبد العزيز تعود وتطعن صدرها مجددا "تتخلى عني لأجله؟!"
ضحك مجيبا بخواء قبل أن يتركها ويغادر "يبدو أني أحمل جيناتكِ في النهاية فكما فعلتِ أنتِ فعلت أنا"
عاد من شروده وهو يجلس على مقعد بجوار يقين ويزن ملقيا بتحية خافتة.. سأل يزن باهتمام "ما بك تبدو وكأن هموم العالم كلها تقبع فوق ظهرك؟"
رد بصوت خافت مثقل بمشاعره "سأسافر بعد الغد"
شعرت يقين باضطراب في قلبها وحزن غريب يتسلل إلى نفسها.. ترجمه صوت يزن الضائق "بهذه السرعة.. لم نكد نتعرف عليك"
ابتسم يامن ابتسامة حزينة قائلا بألم شق صدره نصفين "وأنا لم أكد أشعر بأن لي عائلة وها أنا سأحرم منها ثانية، ولكن رغما عني يجب أن أعود"
سألت يقين بصوت مضطرب "ألا يمكنك أن تأخذ عطلة من عملك.. لا أصدق أنك سترحل بتلك السرعة"
ابتسم لها بحنان من ذلك الاهتمام الذي أثلج صدره قائلا بهدوء "يمكنني بالطبع ولكن هناك شخص يجب أن أعود لأجله"
همس يزن متسائلا "حبيبتك!!"
بصوت شديد العفوية أتت إجابة يامن "كلا إنه أخي الصغير"
ثم ما لبث أن أغمض عينيه بندم.. ليفتحهما بعد برهة يتطلع في ملامحهما المصعوقة مكملا بهدوء فقد حدث ما حدث وزل لسانه "إنه أخ غير شقيق.. أخي من أبي، أنا المسؤول عنه بشكل كامل فحضانته معي"
ابتسمت يقين باحتواء قائلة بدعم "بتلك الحالة أنت محق في عودتك.. بالمناسبة ما اسمه؟"
أهداها ابتسامة حقيقية وقد أزالت ضيق صدره بعفوية كلماتها كما يفعل تيم.. مجيبا بحلاوة وهو يفتح هاتفه على صورة تيم "اسمه تيم.. ها هي صورته"
التقط يزن منه الهاتف يتطلع في الصغير قائلا بحنان "بسم الله ما شاء الله.. فليحفظه الخالق"
ثم مرر الهاتف ليقين التي ما إن تطلعت في ملامحه حتى وقعت في حبه على الفور قائلة بانبهار "سبحان الله.. من يراه لا يملك إلا أن يحبه فليحميه الله دائما"
شعر يامن بغيرة طفيفة من أخيه ممزوجة بسعادة عظيمة لتقبلهما له ليجيب بصوت محب "إنه ما أعيش لأجله"
ناولته يقين الهاتف قائلة بلهفة "ستعرفنا عليه؟"
هز رأسه مؤكدا قائلا برجاء "بكل تأكيد ولكن لا تخبرا أحد عنه الآن"
اومأ كلا الشابين برأسيهما ليمنحاه وعدا غير منطوق.. كانت إجابته ابتسامة عريضة ممتنة منه.. ثم بدأوا يتحدثون في مواضيع مختلفة حتى مر أيهم من جوارهم ملقيا تحية بسيطة.. نادى يزن بصوت عادى "عمو أيهم"
التفت إليه أيهم متسائلا ليجيبه يزن بمزاح "لم أسامح في باكو البسكويت بالمناسبة"
هز أيهم رأسه بيأس ليتركه مغادرا للأعلى دون رد.. بينما سألت يقين بتعجب "ما كان هذا؟"
قص عليهما يزن ما حدث منذ يومين لتنفجر يقين ضاحكة تصاحبها ضحكات يامن وهي تهمس بضحك "لا فائدة منك يزن ستظل مجنونا"
***********
شارد في اللاشيء الذي وصلت له حياته.. وذاك السؤال ما زال يطرق جنبات روحه؟ كيف هو حي؟ ولماذا؟ ولأجل من؟ فمن لأجلها كان يتشبث بالحياة بكل قوته.. كسرت كبرياءه وقبلها هشمت قلبه.. لقد تنازل مضحيا عن مبدأ من مبادئه.. في وضع آخر لكان قطع رقبته أهون مما فعله.. ولكن لأجلها ضحى بهذا الأمر وكسر صورته أمام نفسه.. ولكنها لم تقبل تضحيته وردتها في وجهه..
وهو بالنسبة له لقد انتهى كل شيء بحق هذه المرة.. وسما لم تعد جزء من حياته؛ وهذا ترك فراغ رهيب داخل روحه.. محاولة اقتلاعها من داخله أشد ألما من أي ألم قد يمر به بحياته.. ولكنه المخطئ في هذا الأمر كيف وهبها نبضاته كلها ولم يبقى لنفسه نبضة واحدة، عليه الآن إخفاء ألمه لأجل عائلته.. فلا حاجة لنظرة القلق التي تملأ عيونهم وإن لم يتحدثوا معه في شيء.. يكفيه انهياره المخزي في حضن والدته كطفل صغير.. لقد اتخذ قراره الأصعب في عمره سيمضي حياته دونها.. استفاق من غيبوبته على نكزة إياد قائلا "لقد وصلنا"
ترجل سيف من سيارة إياد حيث كانا يودعان يامن بالمطار.. وانتظر إياد إلى أن أغلق السيارة والذي بادره قائلا بحنق مهتم "إلى متى ستظل صامتا هكذا؟"
مط سيف شفتيه بلا مبالاة قائلا بسخرية فظة "أنا أتحدث.. ألا ترى شفتاي تتحركان؟!"
رفع إياد حاجبه بغيظ قائلا وهو يلكمه بذراعه بغل "يا بارد أنت تعرف ما أقصد"
لمح سيف ناردين ويقين جالستان في الحديقة.. ليبتسم ابتسامة خفيفة قائلا بهدوء "ناري ويقين هنا لا تفتح الموضوع أمامهما لا أريد مضايقتهما"
جز إياد على أسنانه غيظا وهو يتبعه حيث ألقى تحية خافتة وهو يجلس على أحد المقاعد.. أبعدت يقين جهازها اللوحي الذي كانت تلعب عليه سائلة باهتمام "كيف حالك سيف؟"
ابتسم لها سيف بدفء قائلا بصوت هادي "بخير يويو لا تقلقي"
تأملت يقين عينيه السوداء بالحزن الذي يغرقهما.. ملامحه التي ذبلت هامسة بخفوت "حقا أنت بخير؟"
أومأ مجيبا بصوت خالي من الحياة "نعم يويو.. لا تقلقي"
اعتدلت ناردين في جلستها وهي تبعد الكتاب الذي كانت تحمله.. سائلة مدعية عدم الفهم "متى ستذهب لتحاول إعادة سما إليك ثانية؟"
ارتفع جانب فمه ببسمة مستهزئة مجيبا بسخرية "ناري لا تخبريني أنها لم تخبركِ كل شيء -ثم أضاف بشراسة- سما لم تعد تخصني ولم يعد بيننا ما يقال"
تنهدت يقين بعمق قائلة باستفهام "لماذا يا سيف؟ ماذا حدث يا أخي جعلك تتخلى عن حلمك بتلك الطريقة؟!"
نكس سيف رأسه ليأخذ عدة أنفاس ليهدئ ارتجاف قلبه الموجع له.. ثم ما لبث أن رفع رأسه إلى يقين قائلا بمرارة "لأنه لم يعد لدي طاقة أعطيها لأحد.. لقد اُستنزفت لآخر قطرة ولم أعد أنفع لهذا الدور بعد الآن"
همت ناردين أن تجادله ولكنه قاطعها برجاء حار "رجاء ناري أحاول بكل طاقتي أن أكون بخير.. هلا أغلقنا هذا الموضوع؟"
صمتت ناردين على مضض وبينما إياد كان يستمع بصمت قاطعه مغمغا باستنكار "هل تقنعنا أنك بخير هكذا ؟!"
هتف سيف بحدة "إياد!!"
عقد إياد يديه على صدره قائلا بعناد "لن أصمت، هل تقنعنا هكذا أنك على ما يرام.. هل نظرت لنفسك بالمرآة؟!"
زفر سيف بسخط دون أن يرد وهو يشيح بعينيه بعيدا دون رد.. قلب إياد عينيه بسخط كبير مغمغا من بين أسنانه "أحمق سيميتني كمدا"
لم يعيره سيف اهتماما وهو يخرج لوح شوكولاتة من جيبه.. ليلقيه لناردين التي التقطتها منه صائحة بامتنان شاكر له.. هتف إياد باستنكار "ألم تكن تلك القطعة بسيارتي؟!"
هز سيف رأسه موافقا وهو يدس يده بجيبه قائلا بغضب "من الجيد أنك ذكرتني.. التقط هذه لقد وجدتها في سيارتك أيضا"
مد إياد يده يلتقط العلبة المربعة التي ألقاها سيف له.. ضيقت يقين عينيها تتأمل العلبة بيد إياد هاتفة بارتياع "إنها سجائر أم أنني أتوهم؟"
أجابها إياد ببساطة وهو يدسها بجيب جاكيته "نعم يا يويو إنها سجائر"
ارتفعت رأس ناردين تنظر له بعدم تصديق قائلة بارتياب "هل تدخن؟!"
مط شفتيه بلا مبالاة قائلا بعدم اهتمام "ليس دائما ولكن على فترات متباعدة"
هتف سيف بغضب حقيقي "هل نقلت نشاطك من الأرجيلة إلى السجائر؟"
كانت ناردين تنقل نظرها بينهما بذهول وإياد يجيبه بصوت حانق "ومن جعل عمو يعدني ألا أمسها ثانية؟"
أجابه سيف بعدم رضا "فحولت نشاطك.. تبحث عن أي سم يدخل جسدك؟"
قلب إياد عينيه بضيق قائلا بملل "قلت لا أشربها دائما سيف.. الموضوع لا يستحق كل هذا الغضب"
وقفت ناردين وقد شعرت بحرقة قلبها تتزايد هاتفة بقهر قبل أن تتجه إلى الحديقة المنعزلة "لماذا؟ لماذا تدمر كل شيء؟"
تتبعها بنظره بدهشة قبل أن يقف بتثاقل قائلا بهدوء "بعد إذنكما.. سأرى ما بها"
هزت يقين رأسها موافقة وهي لم تستوعب بعد أن إياد يدخن من الأصل.. بينما هتف إياد بوعيد "حسابنا عسير فيما بعد"
بعد ذهاب إياد التفت يقين إلى سيف سائلة بضيق "منذ متى وهو يقترب من هذا السم؟"
أجابها سيف بخفوت رافض ما يفعله إياد "منذ مراهقته ولكن كما قال على فترات متباعدة"
هزت رأسها بضيق بالغ دون رد لترتفع رأسها على صوت سيف الحائر "أين يزن وبو؟"
أجابت وهي تلتقط جهازها تكمل ما كانت تفعله عليه.. فقط تلعب على برامج التلوين لتخرج هذا الألم والهم الذي يكتنف صدرها منذ ودعت يامن قبل سفره "لقد أخذ براء وخرج ينزهها قليلا.. يعوضها عن الشهور الماضية"
أومأ بتفهم قائلا بلطف وهو يستقيم واقفا "جيد سأصعد لأبدل ملابسي وأغتسل"
هزت رأسها له برقة ثم ما لبثت أن نادته بصوت رقيق "سيف"
توقف ملتفتا لها بحيرة لتقول بابتسامة حانية وصوت أحن "لو شعرت بأي ضيق حدثني بأي وقت وسأجيبك"
ابتسم لها بامتنان وهو يقول بلطف "أعلم حبيبتي.. سأصعد الآن"
تنهدت يقين بعمق وهي تدعو بصدق "أراح الله قلبك يا ابن العم"
********



ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-02-21, 10:31 PM   #160

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

بينما وقفت ناردين بعد كلماتها المتهورة بين الأشجار المتناثرة على الجانبين.. لماذا جُرح قلبها لتلك الدرجة لدى معرفتها أنه يدخن؟.. ما الذي أثاره الآن لينتفض بتلك القسوة موجعا عضلاتها بضرباته العنيفة؟ كيف يبرع إياد في جعلها تفقد القدرة على التحكم بزمام أمورها؟ إياد عشقها منذ قديم الأزل.. عشق لو كان بيدها ما اختارته.. فعشقه جارح ومؤلم لها دون أي حديث.. هي لم ترد أن تفقد قلبها.. أرادته ملكا خالصا لها.. ولكنه سلبه دون إذن ودون مقاومة منها.. وها هو يدمر كل أحلام مراهقتها البريئة هتف قلبها بها بحنق "توقفي عن ظلمه إنه حبيبكِ"
رد عقلها بقسوة "توقف عن الحماقة أنت سبب كل ما يحدث"
تبرم القلب مجيبا بصوت حانق "العشق لم يكن يوما حماقة ولكنك أنت الأحمق وسبب كل تلك التعاسة"
هتف العقل آمر بحدة وقد تمردت العين على أوامره تشارك حرقة القلب بدموع ماسية "اصمت ويكفيك مصائب إلى هذا الحد"
فيما تبع إياد ناردين التي وقفت بمنتصف الحديقة تنهت بعنف.. ليجذب عينيه حركة يدها التي ارتفعت وكأنها تمسح دمعة من عينيها.. اهتز قلبه رغما عنه فليس من السهل عليه رؤية دموعها الأبية.. التفت يقف أمامها يتأمل عينيها الدامعتين.. وجنتيها اللتين تلطختا بماساتها.. قبض يده بعنف كي لا ترتفع وتمسح وجنتها بشغف يتوق له سائلا بجدية ممزوجة بحنانه "لماذا تبكين؟"
رفعت عينيها بحدة وهي تمسح وجنتيها بعنف هاتفة باتهام "وما شأنك؟ كيف تقتحم مساحتي الخاصة بتلك الطريقة الهمجية؟"
أغمض عينيه بنزق متجاهلا إجابة سؤالها الفظة قائلا بإصرار "تلك ليست إجابة سؤالي، لماذا تبكين؟"
التفتت معطية ظهرها له قائلة بصوت متحشرج "ليس لك أدنى شأن بي"
صرخ بها بتعب وقد فاض كيله لقد انتهت هدنتهما سويا ومنذ ذلك الوقت وهما يجرحان بعضهما بسبب وبدون سبب "لماذا تبكين؟ وما الذي أدمره؟ وإياك أن تقولي لا شأن لك.. لأن كل الشأن لي.. أجيبيني لقد تعبت منكِ"
أشاحت بيدها تشير بها بعدم اكتراث صارخة بغيظ "ما الذي تنتظره سيد إياد.. إن كنت تعبت فغادر"
أخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على أعصابه بكل ذرة في كيانه قائلا وهو يعض على شفتيه بقوة "لا تستفزيني.. ولن أغادر صدقيني قبل أن أفهم ما بكِ؟ ونعم قبل أن تقوليها أكررها لكِ إن كنتِ صماء هذا شأني ولن أغادر قبل المعرفة"
عضت على شفتيها تقاوم رد الإهانة إليه.. قبل أن ترفع عينيها إليه باتهام صارخ قائلة بقوة تستوطن داخل نفسها "ماذا بي!! وشأنك!! ألا ترى ما تفعله؟ ألا ترى ما أتنازل عنه لأجلك ولكنك لا تقدر، أنت تدمر صورة فارس أحلامي.. لقد تنازلت عن مواصفاته الجسدية لأجلك ولكن أن تشوه صورة فارسي بتلك الطريقة.. لماذا؟ ماذا فعلت لك؟"
رمش بعينيه بصدمة وقد باغتته حقا قائلا بصوت ساخر "فارس أحلام!! لديكِ فارس أحلام؟!"
التفتت إليه مجيبة بحيرة من رد فعله الذي آلمها بقسوة.. هل يسخر منها؟ هتف عقلها هل تجرأ على السخرية من أحلامها "نعم لدي فارس أحلام، ألا تراني فتاة أمامك؟!"
جمدت ملامحه بشكل أربك دواخلها ولكنها شمخت برأسها أمامه كعادتها.. وهو يرد مكتفا يده على صدره قائلا من بين أسنانه التي يطحنها بغل "فتاة!! تلك مشكلتي أني لا أرى فتاة غيركِ، أخبريني عن فارس أحلامكِ ناردين.. الجسدية والصفات الأخرى"
أخذها على حين غرة لتقول بتوجس شاعرة بانقباض غريب يداهم قلبها لأول مرة.. فشجارهم هذه المرة مختلف وسيخرجون منه بجراح جسيمة "تريد المعرفة حقاً؟!"
ابتسم داخله بسخرية من نفسه.. فمن كانت دائما فتاة أحلامه يبدو أن لديها فارس غيره.. ليجيبها ببروده الشهير "بالطبع ألسنا أصدقاء الطفولة؟ كيف تخفين عني مثل هذا الأمر.. أنتِ تهينني هكذا يا بنت العم"
قهقهت بصخب تداري به ارتباكها من رد فعله.. هي تعرفه جيدا لتعلم أن هناك عاصفة قادمة في الطريق.. ولكن ليست هي من تجبن وتتراجع.. لذا رفعت رأسها بإباء نابع من شخصيتها الواثقة "نعم إياد لدي فارس أحلام منذ الصغر.. دائما كنت أتخيله يشبه بابا شعره ناعم طويل ولكن بني اللون.. عيونه سوداء كعيون بابا.. وملامحه حادة جادة ولا مانع من غمازة طويلة في خده.. ولكن تنازلت عن تلك الصفات كلها.. وتمنيته بصفات أخرى عديدة كلها كانت تشبه بابا وكنت أسقطها عليك دائما، أحاول مطابقاتك بها دائما ولكنك لا تشبهها مطلقا إياد لا تمت لها بصلة.. بل كل ما تفعله أنك كل يوم تهدم تلك الصورة بطريقة ما.. وأخرها السجائر!! أنت تدخن إياد وأنا لا أطيق المدخنين.. لم أطيقهم يوما ولن أطيقهم أبدا"
طعنة حادة صوبتها إلى كرامته وكبرياءه.. وقلبه فالفتاة التي ملكت روحه ولم يحلم بغيرها يوما.. نبذته من أحلامها،، لا.. لا.. لم تنبذه ولكنها تكرمت وتفضلت عليه وتنازلت لأجله عن فتى أحلامها.. فتى أحلامها الذي يدمره هو بأفعاله.. هو تقبلها بكل مساوئها وهي تحاول تفصيله على هواها.. لقد ذكرت له والدته يوما أن الحب هو أن تتقبل حبيبك بكل عيوبه قبل مميزاته.. والهانم حبيبته لا تقبل به من الأساس.. وجد نفسه يضحك بصخب وهو يقول بجنون "حقاً لقد زاد كرمكِ وفاض يا ست البنات"
جزت على أسنانها بغيظ بالغ وهي تقول بعنف "أرأيت ما تفعله.. اللقب الرائع الذي تناديني به تفسده بسخريتك"
صمتت تأخذ نفسا عميقا قائلة بشرود ما اختزنته داخلها طويلا.. ليس ذنبه ولكنه ذنب قلبها الذي أغرم به رغم كل أحلامها ولكنه تعلق به دون غيره.. ربما كان مزاحه الدائم معها وهما صغارا كلما قدم لها هدية أنه سيهديها بهدية أكبر عند زواجهما.. الأمر الذي اتخذوه جميعا مزحة وآمن به قلبيهما ليسبب لهما مزيدا من الشقاء.. لطالما آمنت أن القلب ضعيف وعلى العقل تسلم مقاليد الأمور؛ همست تجيبه بشرود عميق كان له كرصاصة غادرة "لطالما تمنيت أن يكون هناك فارق في العمر بيني وبين زوجي.. يناديني دائما صغيرتي.. أحب هذا اللقب كثيرا.. تمنيته يستطيع احتوائي بصبر كما يفعل بابا.. يتفهمني ويعاملني بهدوء وروية وليس بقسوة وندية.. أنت لا تملك أي من تلك الصفات.. كلما حاولت أن أعطيك رقما يكون دائما صفر"
انقبض قلبه بقسوة بالغة لم يجربها يوما ولا حتى عندما أوشك على فقدها.. إنها تقتل قلبه رويدا رويدا ودون اهتمام بهذا الحب الذي ظل يرعاه لسنوات طوال.. وهي في لحظات التقطت سكينها وذبحته بكل برود.. ليرد بقسوة راغبا في ذبح قلبها كما فعلت "لا أذكر أني من وُلدت قبل ميعادي بأيام فقط لو حضرتكِ انتظرتِ بضع أيام لكنتُ أكبركِ الآن.. وبالمناسبة تلك المرة الأولى التي أعرف أنكِ فتاة رقيقة حالمة لديها أحلام مراهقة كباقي الفتيات.. فقط كان يتبقى لديكِ شارب وذقن وتصبحين أخ لي بقوتكِ الفارغة وعنجهيتكِ المقيتة"
ارتدت إلى الخلف بصدمة بالغة وعينيها تتسع بحدة قائلة بنبرة ميتة وقد أصابها في مقتل "إلى هنا وانتهى الحديث دكتور"
التفت لتغادر تاركة إياه بمفرده وعينيه تنضح بنيران كاوية.. وما أن تحركت خطوة واحدة حتى امتدت يده سريعا وأمسكتها من ذراعها قائلا بأمر حاد "انتظري.. لم ننهي حديثنا بعد"
التفت وهي تنفض يده بعنف رغم الارتعاش الذي مُني به جسدها من لمسته البريئة هاتفة بصراخ "يدك إياد وإلا سأقطعها"
مط شفتيه ببرود قائلا وهو يبعد يده التي أصابها صاعق كهربائي شديد التيار نتيجة لمسها "كفاكِ تهديدات فارغة واثبتي.. حديثنا لم ينتهي بعد"
أغمضت عينيها بتعب محاولة السيطرة على رجفة روحها المذبوحة قائلة باستسلام "ماذا تريد؟"
أخفض عينيه ينظر إلى أسفل قدميه مفكر ماذا يريد حقا؟ نعم يريد إيلامها كما آلمته.. خنق روحها كما فعلت معه، لن يكون إياد إن لم يأخذ حقه كاملا.. رفع وجهه إليها بملامح باردة باستفزاز قائلا بعدم اهتمام أوجعها "قبل ساعة كنت أريد منكِ أشياء كثيرة.. ولكن الآن أريد أشياء أخرى"
رفعت حاجبيها بحيرة قائلة بعدم فهم "لا أفهمك إياد.. لأول مرة في حياتي لا أفهمك"
ابتسامة ساخرة ورفعة عين هازئة كانت تواجهها مع قوله المرير "وأنا كنت أظن أني أفهمكِ"
عينيها شعت منها نيران غاضبة قائلة بمرارة وهي ترفع رأسها إليه بإباء "منذ متى وأنت تفهمني؟ أخبرك كيف تفكر بي إياد.. أني مغرورة متعالية متكبرة.. أنظر للناس بتعالي ولا أهتم إلا بنفسي.. مدللة وتسعى للاهتمام بكل الطرق.. أليس كذلك؟!"
لم ينزل عينيه من نزال العيون الشرس الدائر بينهما وهو يقول باستخفاف "نعم.. كل ما تفعلينه يؤكد فكرتي عنكِ"
صاحت به بشراسة وهي تشوح كفيها بحدة.. رافعة رأسها إليه بشموخ فتن قلبه الغاضب رغما عن غضبه "لا لست كذلك، لقد كدت أصدق أني هكذا فذهبت لبابا وسألته عن كل تلك الصفات القبيحة.. وما أخبرني به بابا لا يطابق بذرة أي من صفاتي.. ولكن أنت بنرجسيتك حولت ثقتي بنفسي إلى غرور.. كبريائي وعزة نفسي إلى تكبر.. احترامي لنفسي وطموحي إلى تعالي على الآخرين.. أنا لست كما رسمتني في عقلك.. أنا واثقة من نفسي معتزة بها، ولكن لست بتلك الصورة البشعة.. بسببك أوشكت على كره نفسي"
صفق لها بقوة قائلا وهو يطحن ضروسه بغل "أحسنتِ ناري ما زالت موهبتكِ بنفس قوتها.. تقلبين الأدوار حتى تخرجي البريئة الضحية.. أصبحت أنا الآن الذئب النرجسي.. وأنتِ الحمل الوديع الذي إذا اقتربت منه سأفترسه"
شمخت برأسها قائلة ببسمة جانبية "من منا يقلب الأدوار الآن دكتور.. يكفي لهنا إياد أنت توجع قلبي"
همس باستنكار "قلب!!"
ضيقت عينيها بشدة لهمسته الغريبة مجيبة بحيرة "ما هذه النبرة المستنكرة إياد؟!"
صمت قليلا يتلاعب بها بمهارة وعينيه تجول عليها بنظرة متهكمة ورغم أنها لم تكن نظرة جريئة لكنها شعرت بها تجرد روحها من غطائها.. ليقول بقسوة عاتية لمعت بها عينيه "تقولين قلبي؟ لقد أخذتني على حين غرة.. أين هذا القلب الذي تتحدثين عنه ناردين، أين هذا القلب الذي رسم فارس أحلام وحاول تفصيله علي كي يلائمني؟ قلبكِ ما هو إلا كتلة من التفكير المستمر.. وإن كان هناك واحد حقا فهو لضخ الدماء فقط.. لا يشعر ولا يمتلك أحاسيس مثل البشر"
صرخت به بعذاب وهي ترفع يدها تنوي صفعه "يكفي إياد"
توقفت يدها في الهواء قبل أن تصل لوجهه، أمام نظرته الصاعقة والتي طالعتها بقسوة جمدت الدماء في عروقها قائلا بشراسة "افعليها لأكسر يدكِ"
صرخت به بغل وهي تخفض يدها "عندها كان ليكسر بابا عنقك"
التوى جانب فمه بسخرية قائلا ببساطة "لم يكن يهمني فقبل أن يفعلها عمي كنت سأحرص على إعادة تهذيبكِ من جديد"
تخصرت صارخة به بحدة "هل تظنني ضعيفة لا أستطيع مجابهتك.. افق لنفسك أنا ناردين ولست يقين أو بو أو سما"
رد بتمني وعينيه ما زالت على جمودهما القاسي "ليتكِ كنتِ مثلهن.. ولكن لا عليكِ سأعيد تأهليكِ حتى تكتسبي رقتهن"
رغم الوجع الذي انتشر بجسدها وهو يمعن في ازهاق روحها دون رحمة.. أجابته بكل ثبات داخلها "وكيف ستفعلها؟ بأي حق ستفعلها؟"
برقت عينيه بطريقة أخافتها ليهمس لها بصوت ناعم شديد الخطورة "تزوجيني ناردين"
رمشت بعينيها وقد فاجأها بهذا الطلب غير المنطقي في ظل شجارهما المميت .. شعت عينيها بالجنون وهي تصحح لنفسها لم يكن طلبا لقد كان أمرا وهي لم ترد أن يطلب يدها بتلك الطريقة.. وعلى الرغم من أن هذا الطلب كان أمنيتها ويالَ وجع قلبها لقد شوهه بتلك الطريقة المهينة لتجيبه باستنكار "أتزوجك؟!!"
صمتت تنظر إليه قليلا وهي تنفجر بضحكات هستيرية لم تستطع التحكم بها.. طالعها بصمت وهو مكتف يديه على صدره قائلا بحنق ما إن أنهت ضحكها غير المبرر له "ما المضحك في طلب زواجي؟"
ضمت أصابعها تشير له أن ينتظر قليلا.. ثم استندت على ركبتيها تأخذ أنفاسا عميقة نفسا تلو الآخر.. تهدئ به قلبها المرتجف بين ضلوعها وتنظم به أفكارها المرتبكة.. وما إن شعرت بهدوء نفسها يعاودها حتى رفعت رأسها إليه قائلة بنبرة ثابتة "بعيدا عن طلبك المهين.. هل تتوقع بذكائك الفائق أننا إن افترضنا موافقتي سنكمل سويا دون طلاق سريع.. نحن لا نتفق على كلمتين فقط.. نتعامل سويا بندية، أي حياة تلك قد تجمعنا سويا إياد.. بالله عليك كفاك إزهاقا لروحي، ثم لماذا ظهر هذا الطلب فجأة؟!!"
اتسعت عينيه بدهشة من كلماتها التي يعلم أنها صحيحة.. هو يعترف لنفسه بمنتهى الصدق أنها محقة، وها هي مخاوفه تفردها أمامه بتناغم فكري مميز.. معها حق أي حياة قد تجمعهما سويا.. ثم أتى سؤالها الأخير لينشر الحيرة داخله فأجابها بصقيع اكتنف روحه "فجأة!! حقا ظهر فجأة ناري.. ألم ألمح لك من قبل أني أريد الزواج بكِ.. وأنتِ من كنتِ ترفضين دائما"
عقدت يديها على صدرها مجيبة بصوت حاد "هل تراني إحدى فتياتك لأقبل بتلميحاتك.. أنت لم تخبرني بوضوح سيد إياد"
همس باستنكار شديد "فتياتي!!!"
تخصرت أمامه قائلة بغيرة قوية وقدمها تتحرك بعصبية شديدة "بالطبع فتياتك تلك الخضراء العينين التي تقف معك بمنتصف الحرم الجامعي دون خجل.. والآنسة المبجلة رقية والتي يا للمصادفة خضراء العينين أيضا والتي لم تغادر إلا من بضعة أيام.. وحضرتك فرح بدور شهريار عصره الذي تعيشه"
في مناسبة أخرى كانت غيرتها كفيلة بإنعاش روحه.. ولكن ليس الآن وليس في هذا الموقف بالتحديد.. ليجيب بهدوء عجيب "الآن أصبحت شهريار عصري وأخلاقي فاسدة.. يا للروعة.. أي فكرة تمتلكينها عني.. ولكن لا يهم فلا شيء أصبح مهم الآن.. ولكن ألم أخبركِ من قبل عن مشاعري تجاهكِ والتي من المفترض أن تكون نهايتها الطبيعية الزواج؟!"
استطاع إيلامها ورد الضربة لها بمهارة كعادته ولكنها لم تهتم بجرحها الذي ينزف.. ولا بألمها الذي ينبض بعنف لتجيبه بسخرية شديدة "متى كان هذا دكتور إياد؟!"
هتف بها بعنف وقد ازداد ضيق صدره وأصبح قناع تماسكه الواهي على وشك السقوط "وماذا عما قلته يوم إفاقتكِ من الحادث؟!"
مطت شفتيها المغرية للأسفل قائلة باستهانة "كنت تحت تأثير رعبك على ابنة عمك"
هز رأسه عدة مرات بلا معنى.. يعيد التوازن لقلبه الذي بدأ يتوه منه في غياهب حزن عميق ليجيبها بصوت مرير لم يحاول أن يخفي ألمه منه.. بل سمح له أن يظهر بأنانية منه لكي يطعن قلبها بألمه "حقا تحت تأثير رعبي.. حسنا ليظل رعبي عليكِ إلى ما يشاء الله"
هتفت بشك وهي لا تستطيع السيطرة على ارتجافة نبرتها.. التي تماثل ارتجافة قلبها الباكية "بمعنى؟!"
رفع يده لرأسه بتحية الكشافة مجيبا بنبرة شديدة الحدة "بمعنى إلى اللقاء يا ابنة عمي.. وعما قلته وفعلته يوم الحادث أنا أسف لقد كانت مشاعري مضطربة.. فظننت قلقي عليكِ حبا.. شكرا لإفاقتي للحقيقة يا ابنة العم"
وتركها وغادر مطعون في كرامته بقلب مذبوح.. لتتبعه بعينيها التي نزفت لؤلؤاتها تؤازر نواح قلبها قائلة بقسم جاد صادق لنفسها "ابنة عمك إياد.. أقسم بأن أجعلك تعترف بحبك لي أمام الجميع يا أحمق"
**********

نهاية الفصل

والقصف النووي قام بين المفجوع والجبارة ويا مرحبا بحروب المفتريين


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:29 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.