آخر 10 مشاركات
عيون حزينة (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب حزينة (الكاتـب : mira24 - )           »          458 - صباح الجراح - كاتي ويليامز (عدد جديد) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جديدة .. من الرعيل الأول (الكاتـب : enaasalsayed - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          131-القاضي والمخترعة - روايات ألحــــان (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          هل حقا نحن متناقضون....؟ (الكاتـب : المســــافررر - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          وآخرون يعشقون *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : انسام ليبيا - )           »          43 - الحاجز - نبيل فاروق (الكاتـب : MooNy87 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1055Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-21, 09:04 PM   #571

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم 💜
عذرا للتأخير عن تنزيل الفصل في ميعاده اليوم السابق وهذا بسبب النت🥺 سيتم تنزيله بعد قليل فكونوا بالقرب💜💜😘تواجدكم ورأيكم يسعدني 💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 09:44 PM   #572

حوراء حور

? العضوٌ??? » 458627
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » حوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال يسري مشاهدة المشاركة
حوراء الجميلة 🤗💜 كيف صحتك الآن حبيبتي 😘💜
سعيدة ان الأحداث نالت إعجابك ومنتظرة رأيك في القادم بشغف 😍💜
الحمد لله أموله ❤
منتظرة الفصل و متشوقة للاحداث 😍😍 🤗


حوراء حور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:14 PM   #573

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي الفصل السادس والثلاثون 💜

الفصل السادس والثلاثون 💜
****************
دقات قلبها تعلو بصخب، دموعها تنهمر كشلال ، أنفاسها تحتبس في صدرها من هول المفاجأة، تتأوه بخفوت وتمنع شهقات عالية بكفها بينما اليد الأخرى تتحرك بتروي على الفستان الأبيض القصير المعلق في الخزانة!، منفوش من الأسفل بطبقات من التل المتتالية تعلوها طبقة من الدانتيل الناعمة المخرمة، يضيق من على الصدر بنصف كم منفوش، يتوسطه حزام مربوط من الخلف، أسفل الفستان يقبع حذاء بذات لونه مطرز بفصوص لامعة يخص قدمين صغيرتين لطفلة في عمر الزهور بضفيرتين وغرة، تزداد دموعها انهمارا بينما تلمس الحذاء بأناملها المرتجفة، تحمله بين يديها بينما تتبادل النظر بينه والفستان وترى بعين خيالها الطفلة الصغيرة تجري بكل سرعتها في بهو الدار تجاه الباب الرئيسي الذي فتحه أبيها ليدلف منه لتهتف حين وقفت أمامه:
" أبي، أبي، جيد أنك اتيت مبكرا!"
انحنى صلاح قربها وربت على شعرها ليسألها :
" ماذا حدث يا ابنة صلاح!؟"
عبست ملامحها قبل أن تهمس قرب أذنه بعدما اختلست النظر خلفها كي لا يسمعها أحد :
" اليوم عيد ميلاد التوأم يا أبي، ألا تذكر؟!؛ ألم اتفق معك انني سأشتري فستانا لاحضر به!"
ناظرها صلاح بحب ثم لامس أحد ضفيرتيها بعدما نظر للكيس الورقي في يده ثم قال:
" احضري بأي فستان من خزانتك!"
مطت شفتيها بعدم رضا وقالت بترجي بينما تضع يديها على صدرها بتوسل قائلة:
" أبي، ملابسي كلها أنت وضعتها بالحقائب الخاصة بالسفر !"
انهمرت دمعة واحدة يتيمة ثم تابعت بحشرجة :
" ثم أنني اريد حضور عيد ميلاد أبناء عمي بثوب جديد، ناصع البياض إنها آخر مناسبة قبل سفري للقاهرة!"
انقبض قلب صلاح وهتف بها قائلا بعتاب:
" سمر، لما تقولين ذلك!؟، سنعود في زيارات ولن نترك هنا أبدا!"
رافقت دمعتها اليتيمة أخرى وتشتت أنظارها في المكان كما لو كبرت سنين ثم قالت كأنها لم تسمعه:
" أرجوك يا أبي أريد ثوب جديد!"
نظر لها صلاح بحب شديد بينما يمسد على وجنتها بحنان ومد لها الكيس الورقي بينما يقول:
" ها هي ملابسك الجديدة يا سمر"
أخذت الكيس بلهفة، تنظر لداخله لتلمع عينيها بفرحة عارمة وهي تضمه لصدرها ثم طبعت قبلة عميقة على وجنة أبيها قبل أن تأخذ ثوبها الجديد وتحلق به لغرفتها لتخرج فستانها الأبيض وحذائها الذي يشبهه، وضعت الحذاء أرضا برفق كأنه سينكسر إن قست عليه، احتضنت الفستان لصدرها وظلت تدور به بفرحة كبيرة بينما تتطاير معها ضفيرتيها، وقفت بعد لحظات تلتقط أنفاسها وذهبت إلى المرآة تنظر للفستان قبل أن تشرد للحظة وترخي أهدابها!
ارتدت الفستان بفرحة طفلة نالت عيديتها، دارت حول نفسها أمام المرآة تتأكد من مظهرها ثم رتبت ضفيرتيها على كتفيها، استدارت تنظر للكيس الموضوع على كرسي طاولة الزينة ببسمة واسعة لتفتحه وتتناول منه تاج مصنوع من الورد الصناعي، وضعته على رأسها ثم ألقت لنفسها قبلة في المرآة ..
خرجت من غرفتها بخطوات سريعة حينما جاء وقت احتفال التوأمين؛ تحمل بين يديها باقة من الزهور!، كانت خطواتها كما لو تسابق أحدهم بينما تتبادل النظر بين طريقها وزهورها!؛ توقفت فجأة أمام الطاولة التي التف حولها الجميع، بينما ندى كانت تتوسط التوأمين تشاركهما احتفالهما، أرخت سمر أهدابها تنظر لزهورها التي كادت تذبل مع صاحبتهما بينما تسمع علي يشاكس ندى وعمران يشكرها على الساعة التي أهدته بها والتي كانت تشبه ساعة علي ولكن بلون آخر، غصة خنقتها بينما تنظر لزهورها التي لا تليق باحتفال التوأمين، أحست بأنه كان عليها أن تفكر بشيء آخر لكنها أحبت تلك الورود وارادت ان تهديها لعمران!...لكن الأخير كان مشغول بارتداء ساعته ولم ينتبه أنها حضرت وتقف أمامهم على الجانب الآخر من الطاولة، لم ير فستانها الأبيض الذي طلبته خصيصا لحضور عيد ميلادهما، دوما تأتي متأخرة، دوما لا تستطيع التعبير عن مكنوناتها، تريد التصريح بفرحتها لكنها تظل حائرة كيف تفعل هذا!.
صوت أبيها قطع شرودها يناديها لترفع له عينين كتمت دموعهما بصعوبة لترد بخفوت بنعم حينما مد لها يده لتسير نحوه ويأخذها تحت ذراعه لتقف بينه وعمران! الذي التفت ينظر لها لبرهة قبل أن يقول:
" كنا في انتظارك لنحتفل ابنة عمي!"
ابتسمت بتحفز كعادتها بينما تضم الورد لصدرها ثم همست :
" ها أنا أتيت!"
" دوما تأتي متأخرة ابنة عمي!"
قال عمران كلماته بعتاب محبب لطيف لكنها وصلت سمر حازمة موجعة لترفع له نظرها، دون تفسير لغيابها والذي كان سببه فستانها التي أرادت ارتدائه دون مساعدة أحد! ثم قالت وهي تمد يدها له بالورد:
" احترت بهدية لك يا عمران فلم أجد أفضل من الورد يا ابن عمي"
تناول عمران منها الباقة بلهفة لم تنتبه لها من خجلها حيث الهدية البسيطة في نظرها والتي كانت ثمينة في نظر ابن عمها الذي قال بفرح لم يداريه:
" شكرا يا سمر!؛ أعجبتني كثيرا!"
حين أنهى جملته انحنى بعفوية وطبع قبلة على وجنة سمر التي حدقت فيه بذهول حيث لم تتوقع رده هذا لقد ظنت أن يستخف بهديتها لكنه لم يفعل…
صوت علي قاطع تلك اللحظة والذي كان قد توجه إلى الجانب الآخر من الطاولة بينما يقول وهو ينظر للكاميرا التي يحملها بين يديه! :
" لقد التقط صورة لك يا عمران وسأظل أشاكسك بها! إن لم تأت لي سمر بباقة ورد مثلها!"
تدخل صلاح قائلا:
" حظك سيء فابنة عمك لم تأت إلا بباقة واحدة!"
زمت سمر شفتيها بخجل، بينما قال عمران بهدوء:
" جيد أنك تصور كل لحظة سأصنع البوم خاص بعيد ميلادنا هذا؛ وسأرسل لعمي نسخ من الصور فور أن تجهز!"
" هديتي يا سمر، أين باقة الورد!"
قالها علي بمشاكسة بينما يضيف وهو يربت على الكاميرا:
" سأظل أحمل تلك الصورة وألوح لك بها كلما جئت لزيارتكم!"
نظرت سمر للاسفل للحظة قبل ان تفتح حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها وأخرجت منها علبة ثم قدمتها لعلي بينما تهنئه بعيد ميلاده، ضيق الأخير حاجبيه قائلا':
"" إنها ساعة، أريد وردا كعمران!"
هنا رفعت سمر وجهها وقالت بعناد:
" الورد لعمران ولك الساعة ، دع ندى تأتيك بورد!"
ضحك أربعتهم بانطلاق بينما سمر كانت تضع يدها على خدها شاردة في قبلة عمران البريئة التي ستودع بها أرض قريتهم وتنتظر حتى يرسل لهم الصور التي التقطتها علي ...
زفرت سمر بقوة تحرر انفاسها المحبوسة، تعود من تلك الذكرى بينما تلمس بأناملها الصندوق المفتوح والذي كان فيه صورة واحدة !؛ تلك الصورة التي حملت قبلته على وجنتها وأسفلها باقة ورد قد نشفت حتى أنها خافت لمسها فتتهشم…تناولت الصورة، تنظر لها من خلف دموعها، تلمسها بأناملها المرتجفة، تحس بأنها واقعا أمامها، لمست موضع قبلة عمران على وجنتها تماما كما في الصورة، قبلة بريئة أهداها لها قبل رحيلها من قريتهم فكان كأنه أودع في قلبها نفسه وأرضه!.
نشيج مكتوم وحرقة تشتعل في صدرها بينما تعيد الصورة مكانها و تنظر للفستان الآخر والذي تذكره جيدا؛ إنه الفستان الذي اعجبت به يوم كانت مع ندى وعلي وعمران في محل الخاص بالعرائس، يومها أعجبت به كثيرا، ظلت تتمايل برأسها وتتخيل نفسها ترتديه لمن تحب، تخيلت نفسها جميلة به كما لم تكن قبل، ما إن اعتدلت وقتها في وقفتها تلاقت مع عيني عمران الفاحصة من خلف الزجاج والذي كان يقف خارج المتجر، يتابعها بغموض!؛ حينما عادت لتختار لنفسها فستان زفافها لعمران لم تجده وقالت لها صاحبة المتجر تم بيعه …
آهة تلو آخرى، دمعة خلف أخرى، تضرب على صدرها بخفوت بينما يدها الأخرى تتحرك على الفستان الفضي الذي يشبه عروس البحر، فستانها الذي اختارته يوما ما ولم تحصل عليه، أمامها، في خزانة عمران ابن عمها!؛ زوجها وحبيبها!!
التقت عيناها مع العلبة المخملية الصغيرة، أخذتها برعشة واضحة لتفتحها لتفلت منها شهقة بينما ترى خاتما ذهبيا يحمل فصا يشبه الدمعة!؛ قبضت على دمعة سلسالها الشبيهة بفص الخاتم الذي قلبته في يدها لترى الختم الموضوع داخله على الجانبين، عمران وسمر..
مطارق تدق رأسها وهي تواجه الحقيقة الغائبة عنها، تشعر وكأنها كانت عمياء لا تبصر والآن عاد لها نظرها لكن لو كان باكرا أكثر من هذا هكذا فكرت بينما تعيد الخاتم للعلبة ثم للرف..
تجمدت الدماء في عروقها حين تلاقت عينيها مع هاتفها الذي أخذه عمران منها يوم زواجهما، أمسكت وجنتها بكفها كما لو كانت تلقت صفعة لتتأوة بخفوت وهي تأخذ الهاتف، تتهاوى أرضا على ركبتيها، وتقبض على دمعة سلسالها بينما تنظر للهاتف وتقول بحرقة:
" كنت تائهة يا ابنة الجبالي وأرض وطنك كانت في انتظارك!"
آهة خافتة بينما تتوالى على ذاكرتها الأحداث الماضية حتى يوم التقت بجلال وخافت أن تخبر عمران، الندم يموج في عمق قلبها، يجعلها تنشج بخفوت، تبكي خيبتها لتقول مختنقة وهي تنظر للهاتف الذي كما لو كان جمرا من النار يلتهم جسدها ببطء:
" بلى دوما متأخرة يا سمر!"
💜💜يتبع 💜💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:16 PM   #574

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

اغمض عمران عينيه، بينما يجلس على الأريكة ويستند برأسه على ظهرها، يرنو إلى سمعه صوت موسيقى هادئة كان قد قام بتشغيلها فور دخوله لغرفة مكتبه، ينتظر سمر آملا أن تبوح له بكل ما أخفته الأيام السابقة ويعدها قلبه بالصفح، رغم النيران المشتعلة في صدره لكن ما يعزيه أنها كانت حازمة فيما تفوهت به مع الغريب، كلماتها شفعت لها لديه ويبقى عتاب وقوفها معه والذي لم يكن له أي فائدة سيؤنبها ويفهمها خطأها الذي لن يتكرر وهو على تأكيد من ذلك فندمها الواضح كان جليا له حتى ولو لم تنطق بكلمة..
تنهد بخفوت، يفكر في تلك الخزانة التي تناديه بأن يهدي ما فيها لصاحبتها، لقد حان الوقت!؛ فور أن تنطق وتحكي له وتفضفض سيخبرها بكل شيء كي تطمئن وتنفض كل هواجسها جانبا لكي تتأكد أنها في قلبه ولا أحد يشاركها فيه قبل ذلك أو الآن…
زفر بعلو ورفع رأسه عن ظهر الأريكة، يفتح عينيه ناظرا لباب الغرفة بتوجس فلقد تأخرت سمر فكوب الشاي ليس بحاجة لكل هذا الوقت إلى هذا الوقت، ابتسم وهو يتوقع بأن بلوته تتزين له وفكر ما الذي سترتديه مع حمرة شفتيها التي اشتاق لبعثرتها!؛ تلك البلوة تحتاج لعقاب شديد حتى ينسيا معا تلك الأيام التي كانت ثقيلة عليهما ..
دق بأنامله على ساقه لبرهة قبل أن يحزم أمره ويقف من مكانه ليرى سمر وقد خاف أن تكون تراجعت فعليه وقتها مواجهتها ولو كان الأمر سكينا قاتلا له فلم يعد وقت الصمت لقد انتظرها بما يكفي، عليهما كسر حاجز الصمت الذي لو زاد عن هذا قد يتسبب في صدع كبير في علاقتهما ربما لن يندمل أبدا!..
كانت سمر لا زالت على جلستها؛ تطوي ساقيها اسفلها وتقبض بكف على دمعة سلسالها والأخرى على الهاتف الذي تحدق فيه من خلف دموعها وتتمتم بكلمات غير ظاهرة، تحاول استجماع ما تبقى منها، عليها السعادة والبهجة فلا أنثى سواها في قلب عمران، هي وحدها … هي الغائبة العمياء التي تركت نورها وذهبت لظلمتها راضية كي ترضي عنادها الذي أخبرها خطأ بأن أرض الجبالي ليست أرضها ..
توقف عمران على أعتاب الغرفة، يحدق في سمر بذهول وانفاسا محتبسة بينما يرى الهاتف في قبضتها، تبكي بحرقة لتحرق قلبه معها، بحث عن صوته داخله فلم يجده وهو يسمع بكائها يكاد يصم أذنيه وقلبه، تنظر للهاتف بلوعة كأنها تبكيه أتراها تحن لأصحابه، هز رأسه بعنف نافيا عنه تلك الأفكار التي تنفجر في رأسه كبركان خامد يتأجج ليدمر كل ما حوله..
خيالات من بعيد تتراءى أمام مخيلته، تغويه كي يصرخ بها ويعنفها ويعود يهدأ يتراءى أمام عينيه، بلوته العاشقة التي تتفانى في إرضائه، شيء داخله سخر منه قائلا بتهكم:
" كانت ترد الجميل يا ابن الجبالي!"
فيتأوه بوجع بينما يراها غائبة في عالمها لم تع به، يتقبض إطار الباب فيكاد يسحقه، تصطك ضروسه في بعضها، يجاهد صرخة قوية تهد الدار عليهما، يبحث عن اسمها داخله كي ينطق به فترد عليه وتفيق من غفوتها…
سمر؛ أخيرا قالها عمران بعد لحظات كئيبة من الصمت لترفع سمر نظرها له، لتتلاقى مع عينيه التي لم تعرف ماهية شعورهما تلك اللحظة حيث غامتا بحمرة كثيفة غاضبة.
وقفت بتثاقل من مكانها، ترخي كفها عن دمعة سلسالها واليد الأخرى ارتاحت جوارها، تنظر لعمران الذي يتقدم تجاهها ببطء ويقف قبالتها ليعم صمت طويل بينهما، كلاهما يحدق في وجه الآخر كأنه يراه لأول مرة.!.
سمر التي كانت ترى في وجهه حكاية بعدد سنين عمرها؛ عيد ميلاد التوأم يعود لها بتفاصيله كاملة، رحيلها عن القرية كاتمة دموعها بعناد لتظل بعدها تعاني الأمرين بينما كان عمران يحدق بنظرة رجل مجروح مكلوم في المرأة الوحيدة التي أحبها، يسدل أهدابه يناظر الهاتف الباكية عليه فينشق قلبه بسكين تالم لانصاف وأنصاف دون رحمة..
أول من قطع هذا الصمت صوت عمران الأجش الذي كان وكأنه أتيا من أعماق المحيط:
" يبكيك الحنين يا سمر!؟"
تأوهت بخفوت وهزت رأسها بنعم، ظنا منها أنها فهمت مقصده في حين أنها لم تفهم بالفعل ما قال، لقد كان يفكر بشيء مختلف تماما عنها ليكز على أسنانه ويقبض على ذراعيها قائلا بصوت مذبوح:
" لما ، لما يا سمر!؛ ماذا فعلت لكِ!؟"
هزت رأسها بعدم فهم بينما يضيف وهو ينظر للهاتف:
" اشتقت لتلك الأيام وأصحابها أم لقاء هذا الشاب أحيا فيك الحنين يا سمر!"
صفعة تلو أخرى كانت تحس بها على وجنتها لتنصهر تشعر بحرارتها حتى دون أن يلمسها كفه، كلماته التي كانت كصاعق كهربي يلسعها على جسدها كان كافيا لتترنح في وقفتها وقد تقطعت الكلمات على شفتيها لتلوذ بالفرار منها تاركة إياها في صدمتها غير مصدقة ما ينطق به عمران الذي أكمل وهو يقبض على ذراعيها يهزها بلوعة:
" تحدثي يا سمر، أخبريني، بأن صمتك الأيام السابقة لم يكن لاعادة تفكير في هجران الوطن الذي لجأت له، أخبريني بأنك لم تطعني وطنك في ظهره.."
كانت تهز رأسها بعنف تنفي كل ما ينطق به، تنساب دموع القهر على وجنتيها، تتأكد من ظنونها بأن عمران رآها مع جلال لذا كان متغيرا معها بعدها لكن كيف يتهمها بتلك الاتهامات الشنيعة وهو يعلم مدى حبها له، هل تطاير كل هذا هباء، ألا يثق في بلوته.. أليست حبيبته ...قطع ما تفكر فيه هزه الذي يزداد لجسدها فتنتفض بقوة بينما يكمل بصوت ثقيل غاضب:
" انطقي يا ابنة الجبالي، أم أنك تخجلين من نفسك!"
" كفى يا عمران كفى!"
هتفت بها سمر أخيرا تحاول منعه من الاسترسال فيما يقول لكنه غاب عن كل تعقل وقد تجمع كل ما فعلته سمر صوب أنظاره، يغشى عينيه مانعا عنه سمر العاشقة له ليستطرد بألم حقيقي أوجع قلب سمر وهو ينظر ليدها التي تقبضت دمعة السلسال كأنها تحتمي فيها:
" إياك أن تكون ذكرى من أحدهما يا سمر، وتعيشين جواري وفي بيتي وفي حضني بها!"
هنا اتسعت عينيها بصدمة وتفجرت الدماء في رأسها بينما تسمع اتهامه الصريح لها بالخيانة، تبحث في وجهه عن عمران فلا تجد سوى بقاياه بينما هو هم ليكمل لكن صوتها صدح قائلة بقهر ولوعة وهي تنزع نفسها من بين يديه المتمسكين بذراعيها بقسوة أوجعتها:
" كفى يا ابن عمي، إياك وقول شيء آخر حتى لا تهدم ما بنيته بلحظة غضب!"
بسمة ساخرة لاحت على شفتيه وهمس بصوت بطيء متهكم بينما يلتفت للخزانة ثم لها:
" ما بنيته تهدم منذ ذهبنا للقاهرة!"
هنا التفت للخزانة وخبط بعنف على الرف لتتناثر بعض الزهور في الصندوق وتشاطرها نبضات قلب سمر الذي يرتجف بين أضلعها عندما صرخ عمران:
" تهدم… تهدم.."
كلماته تزامنت مع نزعه الفساتين المعلقة وحملها بين يديه لتشهق سمر بعنف بينما يضيف هو بصوت أبح من الحرقة:
" كل شيء تهدم حين تقابلت معه و استعدتِ ذكرياتك الخاملة يا سمر، ظننتك تستحين من التحدث معي فأشفقت على حالك لكنك كنت تفكرين كيف تغادرين تلك الأرض"
تلجمت الكلمات على شفتيها كأنها أصبحت بكماء في حين ألقى عمران بالفستانين أرضا لتتسع عيني سمر بذعر، ترى حلم السنين يلقى بقسوة فتحس بالفساتين تئن من الوجع مثلها تماما، جحظت عيناها وهي تراه يخرج القداحة من جيبه ويضيف:
" كان علي هدم هذه الأحلام منذ زمن لكني كنت أبله ، غشى على عيني حب الطفلة البريئة والذي كبر معي طوال عمري لأدمنها ولا أستطيع التخلي عنها حين تخلى عنها الجميع!"
عضت على شفتيها، تكتم شهقاتها بأناملها تهز رأسها مانعة إياه مما ينتوي فعله لكنه لم يأبه وانحنى يشعل القداحة لتنزل سمر على ركبتيها تحمي الفساتين بجسدها من نيران غضبه وهمست مختنقة بينما ترفع نظرها له فيما يشرف عليها من الأعلى:
" عليك إشعال النار في جسدي قبلهم يا ابن عمي!"
همس من بين أسنانه:
" ابتعدي…"
هزت رأسها بعناد رافضة ما يطلبه قبل أن تضيف بحشرجة:
" لو فعلتها ستقتلني حية يا عمران فلو أردت ذلك فلن أمنعك!"
حدق فيها مليا وكلماتها تجد طريقها لقلبه الذي يعانده ويقف في صفها ليعتدل بجزعه ويلقي بالقداحة أرضا بعنف، يلعن ضعفه أمام دموعها وتوسلها، لملمت سمر الحاجيات من الأرض ووقفت مترنحة، وضعتهم في الخزانة قبل أن تلتفت لعمران الذي احمرت ملامحه من الغضب وأنفاسه ثائرة مثله تماما، مسحت وجهها من الدموع بينما تلوح له بالهاتف قائلة بحرقة لينظر لها بانتباه:
" الهاتف مغلق يا ابن عمي ولم افتحه ولم أحن لما فيه!.. لقد أحرقت ما فيه منذ زمن"
شهقت بعنف ثم أشارت للخزانة المفتوحة ليتعلق عمران مكان يدها بينما تضيف بلوعة:
" أفيق يا عمران، هنا أنت بنيته لي بيتا صغيرا مخفيا عني طوال سنين عمري وللتو وجدته لكنك هدمته فوق رأسي!"
استيعاب متأخر بدأ يلوح في رأسه الذي بدا مشوشا ليمسح بكفه على شعره فيما يتبادل النظر بين الخزانة وسمر لتضيف الأخيرة بينما ترفع الهاتف :
" كنت أبكي نفسي الخائبة يا ابن الجبالي!؛ كنت أحن لسمر الطفلة ! فبكيتها ، كنت أسألني كيف لم أر حبك لي وظللت تائهة دونك، كيف تأخرت حتى جئت لباب وطنك"
فتحت كفها لينزل الهاتف أرضا ليتعلق عمران به قبل أن ينظر لها ليجدها ترفع يديها تخلع السلسلة من عنقها، ضيق عينيه بعدم فهم حين تناولت يده ووضعت السلسال فيها قائلة بوجع:
" خذ دليل خيانتي لك يا ابن عمي!"
ظل الأخير يحدق مليا في السلسال القابع في كفه مترددا في فتحه وكأنه سيلقى ما لا يرضيه، جاهد أن لا يفعل، ان لا يرى خيبته بين يديه لكنه لم يستطع منع نفسه ليفتح الدلاية الشبيهية بالدمعة ليكتم صرخة عالية حين تلاقت عينيه مع محتواها، كذب نفسه التي ترى حقيقة واقعة أمامه بينما يتبادل النظر ما بين القلادة وسمر التي جفت دموعها وهي تحس بجفاف روحها منذ انسحاب قلادتها من على صدرها!.
التفتت عنه وقد أحست بأن قدميها لم يعودا قادرتين على حملها، توجهت للسرير وجلست على طرفه، تتمسك بالمفرش بكفيها، تسدل أهدابها بقهر ويأس يلفها فيما كان عمران لا زال غائبا في عالمه، تتشتت نظراته هنا وهناك وقلبه يخفق بجنون دون أن يكون له مقدرة للتحكم فيه، يعود للنظر للقلادة التي لا يصدق إلى الآن ما فيها، ابتلع ريقه الجاف بينما يمسح على وجهه بتوتر، لقد قبض على مشاعره الغاضبة منذ رآها تقف مع الغريب كي لا يحزنها لينفجر اليوم وقد تلاشى كل صبره وانهزم أمام غضبه..
بخطوات ثقيلة تقدم تجاهها لكن صوتها الابح الذي لا يوحي بأي شيء جمده في مكانه وهي تقول:
" أريد البقاء وحدي!"
لم يجادلها فهو الآخر مدرك بأن كلاهما في حاجة لراحة ولو دقائق، كلا منهما عليه استيعاب ما حدث ، تراجع بذات الخطوات الثقيلة وأغلق باب الغرفة خلفه ليجلس على الأريكة في بهو المنزل، يحدق في دمعة السلسال ثم لباب غرفته الذي عاد مغلقا في وجهه!.
نظرت سمر للباب المغلق بقهر وقلب ملتاع، ها هي تواجه العاصفة المتأخرة، غضب عمران الذي حان وقته، رفعت ساقيها واستندت بظهرها على السرير بينما تضم ساقيها لها وتستند عليهما بذقنها وقد جفت دموعها وظلت فقط كل كلمة نطق بها عمران تخنقها كما لو كانت أحبال متينة تلتف حول رقبتها بلا رحمة.
★★★
يتبع 💜💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:18 PM   #575

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

على أريكة الصالون الوثيرة جلست هالة، تنظر للمنزل بقهر، تفكر كيف ستعيش بأقل مستوى مما اعتادت، عليها الحفاظ على المال المتبقي معها حتى تحصل على عمل جديد والأمر يبدو صعب في ظل تدخل أحمد، ربما لم تطل مدة عملها معه لكنها قبل كانت تستطيع إيجاد عملا بسهولة في اكبر الشركات حيث مؤهلاتها التي تدرك قيمتها!؛ لذا كانت قد اختارت منزلا وحياة تناسب هذا المستوى أما الآن…
قطعت أفكارها ونظرة حانقة شريرة كانت ردا على ما يجول في عقلها بينما تحدق في شاشة الحاسوب القابعة على المنضدة أمامها حيث الحساب الفيسبوكي لأحمد رمزي الذي قام بتنزيل خبر زواجه مرفقا بصور عدة أشعلت النار في صدرها فمنذ رآتها وهي لا تكف عن فتح حسابه وتصفحه ورؤية التهنئات التي تتزاحم عليه ليرد بفخر كما لو كان تزوج ابنة عائلة عريقة وليست فتاة مجهولة الهوية، أحمد دوما يفاجأها فهي لم تتوقع أن يصدق حديثه، كانت تكذب نفسها بأنه مجرد رجل اثارته الحمية ليدافع عن يتيمة لكن تلك الصور أكدت قوله بل نظرته لنغم تعلن عشقا حقيقيا..
أغلقت الحاسوب بعنف قبل أن تقف من مكانها تخطو تجاه حقائبها التي حزمتها في قرار كي تغادر المنزل باحثة عن مكان أقل منه ربما سيكون فندق مؤقتا ، ركلت احد الحقائب بطرف قدمها بينما تهمس من بين أسنانها:
" أنا أبحث عن عمل ومنزل وأنت يا بشمهندس لملمت ابنة الشارع ورميتني فيه!"
لفت أحد خصلات شعرها الحمراء الثائرة حول اصبعها بحدة حتى كادت تنتزعها من جذورها بينما تهمس:
" أعدك أنها بنفسها ستطلب العودة للشارع الذي جاءت منه وأن المكان الذي تمنيت أن اكون صاحبته سيظل فارغا طالما لست فيه!"
استدارت تجاه الحاسوب ، أخذته ووضعته في حقيبة خاصة به لتضعها داخل أخرى كبيرة قبل ان تضغط على زر خاص بأمن العمارة ليصعد أحدهم يأخذ حقائبها كي ترحل!.
★★★★
" ستظل على خصامك لي كثيرا يا جلال؟!"
هتفت ماجدة بصوت مختنق لجلال الذي كان يجلس خلف مكتبه، غارقا في أفكاره بينما يقبع أمامه أحد الملفات والذي لم يقلب ورقة واحدة فيه بل إنه لم يشعر بدخول أمه غرفة مكتبه ولا طرقاتها على الباب، أجفل جلال حينما رنا صوتها لأذنيه ليرفع وجهه الشاحب لها والذي قطع نياط قلبها وهي تتقدم ناحيته لتجلس على الكرسي أمام المكتب، مسح جلال على وجهه بكفيه بحدة، يحاول استجماع رباطة جأشه وأعصابه التي لا يستطيع أو يتخيل أن تفلت على أمه!؛ لقد حارب نفسه طيلة الأيام الفائتة بأن لا يتجادل معها أو يفتح معها الحديث حول تغيرها حينما علمت طلاق سارة لتفطر قلب الأخيرة، منذ ذلك اليوم وهو يحارب في جبهتين، أحدهما أمه التي تصطنع الحجج كي تحدثه فيتهرب منها لانشغاله بأي شيء ولا يكلمها وسارة التي حاول مرارا توضيح الأمور لها لكنها أبت ذلك وقالت له صراحة بأن ما بينهما تلاشى قبل أن يبدأ وبأنها لم يعد لديها المقدرة أن تعيد تجربة فاشلة أخرى أي كانت الأسباب، صوتها الابح المختنق الذي يجاهد البكاء كان يصله عبر الهاتف كطلقات رصاص تخترق قلبه فيحس بأنه غادر الحياة رغم أنه لا زال يتنفس، لقد أغلقت هاتفها بعدما ودعته برسمية مفرطة حيث كانت (بك) ترتبط بكل كلماتها وكأنها تعيده غريبا كما كان وقبل أن تغلق أخبرته بأن لا يحاول الاتصال مجددا لكنه فعل كثيرا دون أن يجد رد على اتصالاته، لقد فقدها بعد أن كان على بعد أقل من خطوة لقبولها له، يعلم بأنه أخطأ لعدم قوله لأمه عن طبيعة حياة سارة لكنه لم يفكر أبدا أن تتغير والدته بلحظة بمجرد علمها لطلاق سارة فالأخيرة في النهاية هي أخت خالد لقد ظن هذا وحده كفيل ليشفع لها لدى أمه والتي أكدت له بأن بعض الأفكار والتقاليد البالية تطغى على القلوب..
صوت أمه وهي تناديه باسمه أعاده من شروده ليحدق فيها مليا قبل أن يتبادل النظر بينها والملف القابع أمامه ثم قال بهدوء عكس الحرب الدائرة في صدره:
" كما ترين مشغول تلك الأيام!"
ارتجف فكها، تدرك ان ابنها يتهرب منها فهذه طبيعته منذ ما حدث، دائم الانشغال رغم أنه ليس كذلك، يتحجج بالخروج ليظل طوال اليوم بعيدا عنها، ثم يعود متأخرا والكل قد لاذ للنوم لكنها لا تنام بل تظل مستيقظة تنتظره بلهفة حتى تطمئن أنه قد دخل غرفته، صوت خطواته بات كإعادة لنبضات قلبها الملتاعة التي اشتاقت لضحكته ومشاكسته لها ولنورا التي يصطنع امامها بسمة كي لا يميت فرحتها بتجهيزها لعقد قرانها الذي أصر عليه خالد حيث طلب منهم أن يكون عقد قران بدلا من خطبة فقط حتى يتم التجهيز للزفاف في أقرب وقت وها هم بانتظار والد خالد كي تتم الإجراءات في حضوره..
ارتجف فم ماجدة بتوتر واضح وهي تجاهد دموعها التي تهددها بالانهيار، لأول مرة تتصدع علاقتهما هكذا!؛ يؤلمها الجدار الذي يبنيه ابنها بينهما، تنهدت بخفوت وهمست:
" جلال، علينا التحدث ابني، الصمت لا يفيد أحدنا!"
أطبق على شفتيه مليا ثم ازاح الملف من أمامه ومال قليلا بجذعه هامسا بصوت مختنق:
" وهل سيفيد الحديث يا أمي!؟"
أرخت أهدابها قبل ان تنظر له قائلة:
" ربما يفيد فلنجرب!"
صمتت لحظة وقالت بنبرة متوسلة مختنقة!:
" اسمعك ابني فأنا لا أقوى على هذا الصمت بيننا"
قام جلال من مكانه ودار حول المكتب ليجلس قبالتها ثم قال بعد زفرة حارة:
" وانا لا أقوى أن أنفعل أو اغضب في حضرتك يا أمي لذا أبتعد فدعيني لصمتي!!"
سكت للحظة يرى الحزن يغمر وجهها ليتابع!:
( أرجوك )
" سأتحمل غضبك يا جلال لكن دعنا نتحدث!"
أسبل اهدابه عنها يعلم ثقتها بأنه لن يحزنها لكن النار في قلبه لا يستطيع السيطرة عليها، لتدعه يحترق بناره وتتركه لصمته، زفر طويلا ثم نظر لها قائلا :
"ما الذي تريدين التحدث عنه أمي!؟"
هي ظنت أنه سيبدأ الكلام لكنه ترك لها البداية لتقول بهدوء مصطنع:
" اسمع ابني، أنا لم اشأ التدخل في حياتك لكني لم أستطع منع نفسي وانفعالي حين عرفت ان سارة.."
قطع كلماتها قائلا:
" مطلقة!... وما ذنبها!"
همست مختنقة:
" لا اتحدث عن ذنبها بل عن التكافؤ بينكما، أنت شاب في مقتبل عمرك، ولديك الحياة كاملة لما تتزوج بامرأة بمثل عمرك وتزوجت قبلك، ما الذي يجبرك يا ابني؟!"
كانت عيني جلال تتسع مع كل كلمة تنطقها أمه ليهب واقفا، يلتفت عنها يمنع صرخة عالية، توجه للنافذة يفتحها عل الهواء الطبيعي يساعده في التنفس، استدار لها ليجدها قد وقفت هي الأخرى فيما يقول مختنقا:
" أحببتها يا أمي، أحببتها…"
انخلع قلبها وهي تسمعه بتلك النبرة اليائسة التي تحسها كمن فقد عزيز للتو بينما يضيف وهو يضغط براحة يده على قلبه:
" هذا عندما دق لها لم يسأل عن حالتها، حينما تعلق بها لم يفكر انها لا تليق به كما تفكرين…"
قالت في محاولة لاقناعه وهو تقترب منه:
" قد يكون مجرد اعجاب، اعلم بانها فتاة جميلة بل فاتنة ، ربما هذا السبب ، فك…"
قاطعها بعدم تصديق :
" امي، أقول لك احبها فتظنينه اعجاب وتعلق بجمالها، هل تظنيني غر صغير يلهو خلف أي أنثى جميلة أم أنك تخترعين ما يجعلني أبتعد لأنها في نظرك غير كاملة!"
أرخت ماجدة نظرها عن ابنها، تدرك بأنها الخاسرة في جدال كهذا حيث صحة ما يقول ليضيف هو بينما يقطع الخطوة التي كانت تفصلهما:
" ماذا لو كنت انا المطلق، كنتِ ستبحثين لي عن عروس عذراء تليق بابنك…"
هتفت به باستنكار:
" أنت رجل…"
قاطعها جلال بنبرة مختنقة خوفا من أن يعلو صوته فتسمعه نورا وينغص فرحتها:
" أمي، لا تكملي ولا تجعليني أندم أننا تحدثنا'
كانت الأفكار تموج في رأس ماجدة بعدم ترتيب، كل حججها واهية لا سند له ولا صحة لكنها تحاول أن تستميله بأي طريقة ربما أقنعته، خاصة مع رد سارة وقت حديثهما بالنادي والذي جعلها تتيقن بأن امرأة مثلها لن تتزوج جلال دون رغبت أهله ..
مسح جلال على وجهه مرات عدة، وقد أيقن بأنه يفقد بالفعل رباطة جأشه لكن لا سبيل للعودة فهو في منتصف الطريق وعليه استكمال المواجهة المؤجلة لذا قال بنبرة ثقيلة :
" أمي، ما الفرق بين نورا وسارة!"
اتسعت عينا ماجدة حتى كادت تجحظ من مكانها وهي تحدق في ابنها بعدم استيعاب للمقارنة الواضحة في كلامه، تغاضى جلال عن ألمه والنار في قلبه بينما يرنو ببصره لباب المكتب المغلق، داعيا الله أن لا تسمع نورا أي مما يقول، هو فقط يريد أن تعود امه كما عهدها، ان يزيح الغشاوة من على عينيها لذا أكمل بثبات يحسد عليه:
" كنت تتمنين خالد زوجا لنورا في الوقت التي كانت ابنتك غارقة في أحمد، كنت تعلمين بأنها مريضة به لكنك كنت تعيشين على أمل أن ينتزعها خالد مما هي فيه! والرجل رغم علمه وسماعه لكل ما عانته نورا لم يرحل عنها…"
صمت لحظة، يحس الكلمات تذبحه قبل أن يضيف ببطء:
" اتعلمين لما لم يرحل عنها لأنه يحبها …"
انهمرت دمعة واحدة من عيني ماجدة وهتفت باعتراض:
" لا مجال للمقارنة!"
" الحقيقة أنا لا أقارن لأنني كرجل أقول لك بأن نورا هي الخاسرة في المقارنة!"
كتمت ماجدة فمها وهي تصرخ مختنقة:
' اصمت…"
لكن جلال لم يسمع ما قالته بينما يكمل:
" رجلا غير خالد كان رحل عنها وبنى حياته وهو الذي تتمناه أجمل النساء!"
ضغط على آخر كلماته بقوة كأنه يؤكد عليها بينما يضيف :
" لكنه جاهد نفسه وظل جانب ابنتك حتى وقفت على قدميها ووافقت بنفسها على الزواج منه، أتراه شيء من الجنون!؛ أم لأنها ابنتنا فعلينا أن نتغاضى ونقول بأن هذا أمر عادي!"
" تعاير نورا يا جلال!"
قالتها ماجدة بأسى واضح ولحظات وجع نورا تعود في رأسها تكاد تفجره ليهز رأسه بعنف نافيا ما تقول ثم أردف باستنكار:
" اعايرها!؟؛ أعاير قطعة مني، ابنتي وأختي وروحي!"
عاد لهز رأسه بينما يمسح دمعة عزيزة زارت أهدابه ليضيف:
" أنا فقط أذكرك بأننا لسنا بكاملين وبأن نورا وسارة كان حظهم أن يعيشوا تلك الفترة، هل علينا قتلهم!؟؛ أم نساعدهم للعودة للحياة يا أمي!؟"
تشتت نظرات ماجدة، تبحث عن رد واف لجلال الذي أطبق شفتيه بقوة قبل أن يكمل بوجع واضح وهو يطرقع بأصابعه:
أمي، أنت ذبحت حلمي وأنا على بعد خطوة منه ألم يشفق قلبك علي!"
همت ماجدة ترد وقد كانت كلماته قاسية عليها، تنزع منها روحها، لكن صوت دقات على الباب قاطع هذا بينما يضوي صوت نورا التي دخلت تتقدم ناحيتهم بضحكة مشرقة وقد زال عنها كل حزنها، تأملتها ماجدة وهي تسير نحوهم تكاد تهرول بينما تردف مشاكسة حين وقفت أمامهم:
" الابن والأم في اجتماع سري دوني!"
ضحك جلال يحاكيها مشاكستها ليرد:
" كنا نفكر كيف نحتفل بعدما تتزوجين!"
عبست نورا قائلة وهي تلكزه في كتفه بخفة :
" ألن تحزن او تشتاق لي!"
غمز لها قائلا:
" يا فتاة أشتاق لمن فأنت تتمنين الذهاب لخالد من الآن !"
احمرت وجنتي نورا بخجل واضح بينما تختبأ في أمها التي ضمتها بشرود لتتلاقى مع عيني ابنها العاتبة وملامحه التي تزداد شحوب ورغم هذا لم يبين شيء لأخته!
ربتت ماجدة على ظهر نورا بحنان قبل أن يتحرك جلال من مكانه ليخرج من الغرفة متهدل الكتفين لكن صوت نورا أوقفه مكانه:
" انتظر مديري العزيز، جهزت الفوشار سنتناوله سويا علنا نشبع من بعض قبل سفري مع خالد!"
هنا فتح جلال ذراعيه لنورا التي جرت عليه وضمت نفسها لصدره بينما تقول:
" أشتاق لك من الآن يا جلال!"
انهمرت دموع ماجدة بينما ترى ابنها انحنى يقبل وجه أخته و يضمها بحنانه المعهود قبل ان ينتزع نفسه من هذا التأثر ويقول محاولا المرح:
" ما هذا الدراما يا نورا، نحن سنأتي لك كلما اشتقنا!"
ازدادت النار في قلبه بينما يفكر بأن العلاقة بينه وسارة إن ظلت كذلك فعليه الابتعاد عن زيارة أخته أو التقليل منها..
" بلى يا سارة حتى التعادل أحيانا خسارة كما أشعر الآن، كلانا خسر من اول جولة لكن أعدك أن لا أيأس!"
هتف بها في نفسه بينما يحيط نورا بذراعه متوجها بها حيث بهو الفيلا يشاركها جلستها!.
يتبع 💜💜

نولا ٢٠٠٠ likes this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:20 PM   #576

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

" وصلنا يا مدام!"
هتف بها السائق حين توقف بالسيارة حيث أخبرته هالة التي شردت كما لو أنها لم تدرك وصولها حيث أرادت، استدارت برأسها تجاه البناء ذو الطابقين، حدقت فيه مليا بينما تفكر أن عليها العودة أدراجها فالفندق أفضل لها، كزت على أسنانها تكاد تسحقهم مدركة بأنها ستخسر كل ما معها من مال في الفنادق لذا تراجعت عما دار بعقلها ورأت أنه لا بأس لو استضافها كريم عنده حتى تجد حلا!؛ فكرة مؤلمة لكبريائها الذي يترنح منها لكنها ستتحملها حتى تقف على قدميها مرة أخرى!.
ترجلت من التاكسي بعدما أخبرت السائق ينتظرها لبعض الوقت، بخطوات ثابتة واثقة توجهت إلى باب المحل المفتوح والذي كان يتوسطه كريم بينما يرسم على يد إحداهن طلاء الشفاه، يخبرها بخبث أنه يليق على شفتيها، امتعضت ملامح هالة مدركة بأن كريم ما هو إلا حيوان يجري خلف غرائزه ولا يفكر بعقله لكن لا مشكلة من استغلاله تلك الفترة هكذا فكرت بينما تدلف لداخل المحل ليدق كعبها العالي الأرض ليرفع كريم نظره لها فيما ارتجفت السيدة الواقفة معه تداري توترها بينما تخبره أنها ستأتي مرة أخرى!؛ شيعتها هالة بنظرة متهكمة قبل أن تعود لكريم الذي دار حول الحاجز الزجاجي بلهفة كحية جائعة منذ وقت وتستقبل طعامها!، سحب لها الكرسي المرتفع لتجلس عليه بينما يرحب بها بحفاوة في حين وضعت ساق على الأخرى، نظر كريم بنهم بساقيها اللتين علتهما تنورة قصيرة تداري بالكاد فخذيها وتلتصق بهما، ابتلع ريقه الجاف ورفع نظره لها قائلا بلهجة متحشرجة:
" زيارة غالية يا هالة!"
كان ينطق كلماته بينما يطوف بنظره عليها بوقاحة في حين سحب له هو الآخر كرسي ليجلس قبالتها تماما، لوت هالة شفتيها باستخفاف لنظرته الوقحة التي لا يحاول مداراتها ثم ردت بميوعة:
" لنقل أنها زيارة طويلة بعض الشيء!"
ضيق كريم حاجبيه ببلاهة لتوضح هالة:
" تعلم بأنني تركت العمل بسبب تدخل أحمد!"
هز كريم رأسه بتفهم حيث أخبرته هالة بهذا قبل لكن لم يكن بيده لها شيء إلا مواساتها في حين أضافت هالة موضحة:
" تركت بيتي حتى أجد عمل مناسب فالمال الموجود معي حاليا لا يناسب الإيجار وفكرت بالفنادق لكن التكلفة ستكون أيضا عالية!"
هنا ارتسمت ملامح الخبث على وجه كريم الذي لعق شفتيه وقال بنبرة ذات مغزى:
" شقتي وأنا تحت أمرك!"
رفعت هالة حاجبها باستنكار قبل أن تنزل من على الكرسي العالي ليدق كعبها الأرض قبل أن تستند بأحد ذراعيها على الحاجز الزجاجي ومالت قليلا ثم قالت لكريم الذي تعلق بجذعها:
" كريم ، لا أريد شقتك أنت بل المقابلة لك؟!"
" منزل نغم!"
قالها كريم بنبرة بدت وكأن المنزل فعلا خاص بنغم! ويذكر هالة بهذا والتي غضبت ملامحها وقست عينيها قبل أن تعتدل بقامتها وتردف بغضب:
" يبدو بأن منزلك لا يسعني يا كريم!"
ما إن أنهت كلماتها حتى همت لترحل حاملة معها كبريائها الذي تحس به في مهب الريح، بسرعة قطع عليها كريم الطريق قائلا والأمل يتصاعد في صدره بأن ما تمناه اقترب:
" البيت تحت امرك اختاري المكان الذي تحبين!".
تنهدت هالة بعمق ومطت شفتيها ثم قالت:
" الحقائب في السيارة!"
لمعت عينا كريم بفرحة لم تفت هالة قبل يتحرك تجاه سيارة التاكسي ويحمل الحقائب حيث باب المنزل الرئيسي.
أدار كريم المفتاح في ثقب الباب ليفتحه لتلفح هالة رائحة الرطوبة التي ازكمت أنفها فامتعضت ملامحها بينما تسير خلف كريم لبهو البيت الصغير!، أغمضت عيناها بقهر، تخفي عنهما خيال نغم الذي يمتزج بكل انش حولها، هنا عاشت ابنة الملجأ! وها هي تعيش بذات المكان، تقدمت بشرود تفتح الغرفة المقابلة لها حيث وقع ناظريها على السرير الصغير المتوسط الغرفة التي تكاد تكون بحجم الكف، ابتلعت ريقها ودون ارادتها ارتعش جسدها بينما تدلف للغرفة وفكرة واحدة تشتعل في عقلها بأن نغم الآن مع أحمد رمزي في الفيلا الخاصة وهي هنا حيث بيت الفئران كما تخيلته!.
صوت كريم أخرجها من افكارها بينما يردف:
" المنزل هنا صغير وأقل إمكانيات لكن شقتي أكبر وأفضل في الأثاث فلو لم…"
قطعت هالة استرسال حديثة :
" هنا جيد كما أنني لن اظل كثيرا، فور أن أجد عمل سأرحل!"
عقد كريم حاجبيه بعدم رضا بينما يتابع نظراتها التي تدور في المكان باشمئزاز ثم قال بهدوء:
" كما تحبين يا هالة، المهم رضاكِ"
استدارت له بكامل جسدها وقالت بتعال واضح كأنها تذكره بمكانته لديها:
" سأكون راضية لو تركتني لأرتاح قليلا وأرتب حاجياتي!"
حك خلف رأسه متصنع الحرج ثم أومأ بنعم و مد لها بالمفتاح قائلا:
" هذا لك الآن!".
تناولته منه ثم سألته بعد لحظة تفكير:
" هل هناك نسخة أخرى!"
هز كريم رأسه نافيا وقال:
" لا يوجد نسخة أخرى "
كانت بالفعل تتمنى أن تصدقه لكنها تدرك بأن مثله لا يجب الأمان له لذا أومأت برأسها بتفهم مصطنع بينما تسير معه للباب، التفت لها وهم يفتح فاهه لينطق بشيء لكنها أوقفته بحزم قائلة:
" قلت لك أنا في حاجة للراحة !"
همم لبرهة قبل أن يخضع لرغبتها..
أغلقت الباب خلفه ثم نظرت للأعلى حيث المزلاج لتوصده هو الآخر، زفرت براحة وهي تستدير عن الباب بينما كانت بسمة كريم السمجة تعلو شفتيه حين سمعها تغلق المزلاج، لوى شفتيه قبل ان يلتفت قائلا لنفسه:
" أهلا بك هالة في بيتي..! سنستمتع كثيرا في صحبتنا سويا!"
وقفت هالة امام السرير، بينما نظرة حانقة تطل من عينيها وهي تتخيل أنفاس نغم تغمره، انحنت بغضب وسحبت المخدة ملقية إياها على الأرض وكذلك المفرش الذي غمره التراب ثم خلعت سترتها القصيرة لتبقى بلوزتها ذات الحملات الرفيعة فقط ثم ألقت نفسها على السرير مغمضة عينيها عن واقعها الجديد!.
★★★★
استند أحمد بكتفه على إطار باب شرفة غرفته، يتأمل نغم التي كعادتها تقضي أكثر الوقت فيها، تتهرب من وجودها بذات المكان معه، يصله توترها الواضح كلما اجتمعا معا أو ناغشها متقصدا أو دق على قلبها بكلمات ناعمة يصاحبها بعض الحزم الذي يزيح اضطراب نغم فتظن الكلمات عفوية، الأيام التي تلت زواجهما كانت مضطربة وهو مدرك ذلك خاصة مع عدم تصالح نغم لمبيتهما في غرفة واحدة ورغم أنها أذعنت اخيرا مضطرة لذلك لكنها جعلت من الشرفة غرفة لحين يأتي ميعاد نومها فتغفو على الكرسي تلفحها نسمات الهواء الباردة إلى أن يأتي هو ككل ليلة ويحملها بين ذراعيه ويضعها على السرير ثم يعانقها ضاما إياها بقوة لصدره ثم يغفو جانبها لتصحو الفجر متسللة هاربة من جانبه ظننا منها انه لا يشعر بها في حين أنه منذ شاركته غرفته لا ينام إلا أوقات معدودة، ملمس جسدها جواره لا يساعده على الراحة كما ظن لكنه أيضا لا يقاوم رغبته في ان يقضي لياليه جانبها حتى ولو كانت نائمة لا تشعر به..
تنهد بخفوت والتفت يأخذ حاسوبه وبعض الاوراق، مفكرا أنه من الأفضل أن يشاركها جلستها، توجه صوب الشرفة ثم تنحنح ليعلمها بوجوده، التفتت له ليتعلق بعينيها الخضراوين اللتين أضاءت تحت أضواء الشرفة ببريق خاطف لانفاسه كبته على الفور وهو يتقدم ناحيتها قائلا:
" سأعمل قليلا في الهواء!"
هزت كتفيها مكتفية بإيماءة صامتة ثم عادت لموضع نظرها حيث السماء الخالية من القمر والتي رغم ظلمتها إلا أن نغم شعرت بها تضيء فجأة..
وضع أحمد ما بيده على المنضدة ثم جلس قبل أن يتعلق مليا بنغم، منامتها الخاصة بها حيث لم ترتدي تلك الملابس الذي اشتراها لها وهذا ما يزيد حنقه ليس تقليلا من ملابسها بل كونه يتمنى ان تقبل ما اهداه لها، لقد طالبها أكثر من مرة بارتدائها لكنها عنيدة تفعل ما في رأسها، كم يتمنى لو لان هذا الرأس قليلا!. وقتها سيجعلها تجرب كل تلك الملابس قطعة قطعة، ولن يتوانى في رؤيتهم عليها وربما ساعدها أيضا بل من المؤكد سيفعل، تصاعدت الدماء لرأسه يذكر القطع الناعمة التي اختارها بنفسه وفي عقله سؤال يلح عليه، هل رأتهم؟! وما رأيها فيهم…!؟
أحس بأفكاره تأخذ بمسار لن يفيده بشيء إلا بتلك الحرارة التي سارت بكل إنش في جسده بينما هي تجلس هادئة، تضم ساقيها لصدرها معانقة إياهما فيما كانت تلك الكعكة المحكمة أعلى رأسها تغيظه وتستفزه كي يزيحها ويفكها بأنامله، زفر نافضا كل هذا عنه وبدأ فيما أراد أن يشغل نفسه به، اليوم نهاية إجازته على أي حال وسيجد الكثير مما يجعل وقته مشغولا بعيدا عن نغمته التي لا تدري ما تفعله به..
انهمك في الملفات بين يديه بينما يطالع الحاسوب فيما كانت نغم تختلس ناحيته النظرات، لا تنكر وسامته وهيبته التي تغريها بالكثير، أحمد حتى في ملابسه البيتية يزداد وسامة وأناقة، شعره الطويل والذي لم يصففه جيدا بدا كأنه يناديها لتحس بملمسه، اتسعت عيناها على أفكارها التي أصبحت تلازمها تلك الفترة، إحساسا تجاهده وتلجمه بأنه ليس حقها، تلك النظرات التي تختلسها تجاهه تشعل وتوقظ الأنثى داخلها وتجعلها تهب منتفضة، تنهدت بخفوت وهي تعود خائبة بنظرها عنه ثم ما تلبث أن تستيقظ وهي تتذكر عناقه الحار لها كل ليلة تستيقظ فجرا وتجد نفسها مكبلة بين ذراعية! الذي تهرب منه سريعا فلا يطول شعورها بمذاق دفئه!؛ التفتت عنه متوترة حين رفع وجهه فجأة ليبتسم بمكر حيث إحساسه بنظراتها التي تطول دوما له، ليظل ملتهيا عنها تاركا لها حرية رؤيته وتفحصه لكنه لا يستطيع منع شعوره من رؤيتها كانثى خجول تتهرب من النظر له..
زم شفتيه حين تعلقت بالسماء مطلقة تنهيدة طويلة لا تساعده على الثبات ليزفر هو الآخر وينكب على ما يفعله حين أتاه صوتها هادئا:
" أشعر بالضيق!"
عقد احمد حاجبيه وهو يرفع نظره لها متوجسا فالكلمات أثارت الريبة فيه لتلتفت له موضحة:
" أنا مللت من كوني لا أفعل شيء.."
تنهدت بعمق ثم تابعت:
"طيلة الوقت اجلس هكذا!"
وتزامنت كلماتها مع اشارة لموضع جلستها..
ترك أحمد ما في يده ثم قال:
" بسيطة، غيرى مكان جلستك أنسة نغم!"
ارتبكت الأخيرة بينما يصلها مغزى حديثه، تشعر كونه يذكرها بأنها زوجته!؛ أحست بوجنتيها تنصهران بينما هو لاح على جانب شفتيه بسمة حيث ارتباكها الجلي الذي دغدغ رجولته، ابتلعت الأخيرة ريقها واستعادة ثباتها قائلة:
" أحمد!؛ انا لا اقصد المكان بحد ذاته بل العمل أنا أصبحت عاطلة؛ أشعر بالزهق!"
ارتجف قلب أحمد وهي تنطق اسمه بتلك السلاسة والعفوية، نبرتها كانت كمن تسأله أن يبحث لها عن حلا لمعضلتها التي لم تكن موجودة سوى من وجهة نظرها لذا قال بنبرة هادئة :
" من قال انك عاطلة، أنت بالفعل تعملين، أليس التدريس لياسمين عمل!"
زمت نغم شفتيها بينما كان أحمد يطالعها بتفحص، يدرك اكتناز شفتيها الواضح ، أحس بأن تعلقه بالنظر لها سيمحو تركيزه معها في حديثها لذا تنهد بخفوت يداري ارتباكه حين ردت نغم تزيد الطين بلة :
" منذ تزوجت وياسمين ترفض تدريسي لها!"
ضيق أحمد حاجييه بعدم فهم فيما أضافت نغم بعفوية:
" لقد أخبرتني بأنني عروس وعلي الاستمتاع بوقتي!"
هز أحمد رأسه باستحسان بينما يتمتم بصوت وصل نغم:
" تلك الفتاة بالفعل نبيهة، أخت أخيها حقا!"
فغرت فاها تستوعب ما قصده وما تفوهت به لكنها استعادت رباطة جأشها وهي تقول بجدية:
" أنا لا أمزح يا أحمد، تلك الرفاهية والحياة المترفة غريبة علي، لم اعتدها!"
" لكنها أصبحت حياتك بالفعل يانغم!"
زفرت بخفوت وهمست:
" بلى أعلم…"
قولها المقتضب واعترافها بتلك الحقيقة أراحه قليلا بينما هي أضافت:
" لكنني أريد الشعور بأنني أفعل شيء، زهقت!"
قالت آخر كلمة بملل واضح ليزم احمد شفتيه مفكرا بينما يمسد لحيته المشذبة فيما يتطلع فيها لتتلاقى عينيهما، قائلا لها في صمت بأنها بالفعل لديها ما يشغلها ويبدد زهقها لكنها تخادع نفسها وتكذب تلك الحقيقة، نظرته الطويلة لها أربكتها فأشاحت بنظرها عنه باضطراب حين سمعته يقول:
" إن وجدت لك ما يشغلك !؟"
لم تعرف مقصد السؤال لكنها تحمست قائلة وهي تستدير له بكامل جسدها، تفلت ساقيها على الأرض بعدما كانت ضامة إياهما لصدرها:
" هل وجدت لي عمل !"
ضحك أحمد بانطلاق للهفتها الواضحة ثم قال بعدما هدأ:
" بلى وجدت!"
" أين!"
قالتها نغم بمزيد من اللهفة وفرحة شاركها فيها قلبه ليرد :
" هنا.."
عبست وقد راحت لهفتها تعي بأن أحمد يمزح معها ليقول الأخير يجذبها للحماس مرة أخرى:
" واضح بأنك لا تريدين العمل، حسنا إذن!"
استدار لجهاز حاسوبه وبدأ في عودته للعمل، مصطنع الجدية لتقول نغم بعد لحظة تردد:
" أحمد…."
إن كانت لا تعي بما تفعله به نبرتها تلك المتزامنة مع اسمه مفردا فهي بلهاء هكذا فكر أحمد بينما يهمهم بنعم لتعود تنادي فرفع لها وجهه لتقول.:
" أي عمل!؟"
زفر بخفوت ثم اعتدل بجلسته قائلا:
" بما انني سأعود للعمل غدا!؛ ما رأيك لو قمت بتنسيق جدول مواعيدي!"
رفعت نغم حاجبيها حتى كادا يلتصقان بمنبت شعرها ثم قالت:
" لكني لا أفهم بتلك الأمور ثم أنك بالتأكيد لديك سكرتيرة تفعل هذا!"
امتقع وجه أحمد للحظة يذكر أنه لا يوجد لديه سكرتيرة منذ ما حدث مع هالة وبأن مساعدة جلال أصبحت تعمل مع كلاهما، نفض عنه تلك الذكريات ثم قال بنبرة ثقيلة:
" سيكون أفضل لي لو أصبح ترتيب مواعيدي ضمن مهامك أنتِ!"
ابتلعت نغم ريقها بتوتر لا تدري مصدره، ربما لنظرة أحمد الشمولية لها والتي تبدو رجولية متفحصة دون مواربة فيما هو سألها :
" تقبلين!"
تمتمت تائهة:
" بماذا!؟"
" عملك الجديد!"
قالها أحمد بينما يكتم ضحكة عالية ملؤها الرضا من اضطرابها الأنثوي الخجول لترد هي بهدوء عكس الذي تشعر به الآن؛
" موافقة، لكن لا أعرف ماذا أفعل!"
ابتسم لها أحمد بحنو شديد قبل أن يقول:
" سأعلمك…"
سحب الحاسوب ليتوسط المنضدة بينهما ثم مال بجذعه قائلا بينما يشير للحاسوب :
" اقتربي!"
نظرت نغم حيث الحاسوب وفعلت كما طلب لتحس بعطره اخترق أنفها ومنه لقلبها مباشرة كأنه على علم بطريقة اليومي الذي سار حافظا إياه منذ شاركت أحمد غرفته، كانت عينيها تدور في محجريها، تبحث عن ثباتها في قربه حين بدأ يشرح لها ما عليها فعله، تابعته باهتمام وبسرعة فهم ليقول لها بعد لحظات:
" فهمت!"
اتسعت عينيها حين رفع رأسه، تحس بأنها قبض عليه بجرم ما حيث نظرتها التي طالت لجانب وجهه، أشاحت بنظرها في ارتباك وأومأت بنعم وهي تسحب الحاسوب، بدأت مهمتها التي أشعلت الحماس داخلها غافلة عن عيني أحمد اللتين أحاطها بعاطفة جياشة لا تنطفىء!.
ما إن أنهت نغم مهمتها حتى سألت أحمد إن كانت أتقنتها أم لا ليبتسم الأخير راضيا بجدية وعملية وهو يرى ما أنجزت ثم قال لها:
" جيد جدا يا نغم!"
تنهدت براحة وقد شعرت بأنها تعود لاشغال فراغها ولاح على رأسها سؤال انساب لشفتيها وهي تقول لاحمد:
" هل هذا عمل دائم أم مؤقت بشمهندس؟!"
ضحك أحمد بانطلاق ثم قال لها:
" دائم لكن إن كان العمل لدينا نال اعجابك!"
توردت وجنتيها، تحس بهما تنصهران بينما تهمس بنعم ليقول براحة:
" إذن سيكون عملا دائم، تشرفت بعملك معنا"
تزامنت كلماته مع مد يده لها بالسلام كأنه عقد اتفاق، تعلقت نغم برهة لكفه الممدودة لها وخفقات قلبها تعلو بصخب بينما تمد له يدها ليقبض على كفها برقة ملتفة بحزم كأنه يعلن ملكيته فيما همست مرتجفة:
" وانا تشرفت بالعمل معك بشهندس"
سحبت كفها بينما تسدل اهدابها عنه باستحياء، تحس بتلك الذبذبات اللذيذة من اثر لمسته، تعي بأنها لم تسلم عليه سلام عملي أبدا!.
هنا استدارت عنه وعادت لجلستها الأولى بينما تمنع عينيها من الغفوة، تتثائب مرات عدة ليهمس لها أحمد:
" اخلدي للنوم يا نغم!"
هزت رأسها بلا، تغالب النوم بصعوبة ووجنتيها تشعر بهما ينصهران كلما فكرت أنها بنفسها ستذهب للسرير كي تنام، تساءلت وهي تختلس النظر له، لما لا يخلد للنوم أو تركها كي تغفو ككل يوم .. قطع أفكارها صوت أحمد بينما يقول وهو يلملم حاجياته:
" سأذهب للنوم ، تصبحين على خير!"
هنا تنفست نغم الصعداء بينما تنظرمن خلف كتفها وهو يختفي لداخل الغرفة ثم عادت للنظر للسماء ، تضع يدها على فمها الذي ازداد تثاؤبه..
وضع أحمد حاسوبه داخل الغرفة مانحا لنغم مساحة كافية للتفكير مع نفسها ربما استعادت قوتها ودخلت الغرفة مستيقظة دون أن تنتظر حتى تخلد لنومها، على الرغم من أن هذا الأمر يروقه حيث حملها بين يديه كل ليلة لكنه يريدها أن تحس بالراحة وبأنها عليه الاعتياد على تواجدها معه، استدار ينظر حيث تجلس ليجدها تضع يدها على فمها تتثائب وتميل رأسها على كتفها ثم تعتدل بسرعة كأنها تكافح النوم، زفر بقلة حيلة وقد تفهم أنه لا مناص من تدخله لكنه لن ينتظرها لتنام بل سيطالبها بحزم لتدخل غرفتها، بخطوات ثابتة توجة ناحيتها، ما إن أحست نغم بقربه حتى مالت رأسها على كتفها ولأول مرة منذ تزوجته تتصنع النوم!؛ لم تعرف كيف فعلت هذا لكن النوم لم يفرض سلطانه بعد لذا فرضت نفسها هي عليه..
ابتسم أحمد بحنان جارف وتوقف عند باب الشرفة، تتسع بسمته يدرك مدى خجلها الذي لا زال يسيطر عليها، ابتلع ريقه بينما يتقدم نحوها ، مال بجذعه مستندا على المنضدة، يحدق في ملامحها العذبة، كانت نغم تشعر بضربات قلبها تخبط في ضلوعها خاصة مع أنفاس احمد الذي تلفحها، تلعن نفسها لتصنعها النوم خائفة أن ترتجف أو يظهر عليها ولم تدر بأن صدرها يعلو ويهبط بصخب، رعشة جسدها واضحة لأحمد الذي هز رأسه بقلة حيلة يبحث عن قطته الشرسة أين ذهبت، انحنى يضع يد تحت ساقيها وأخرى تحت رأسها ولأول مرة تصله تلك الارتجافة القوية من نغم حين حملها بين يديه، ابتسم بمكر يهمس في نفسه:
" شكرا لك نغم لتلك الهدية لو تعلمين ماذا فعلت الآن وأنا أعلم يقينا بأنك مستيقظة، تحملي يا قطتي صنيعك!"
وضعها أحمد برفق على السرير ودثرها جيدا قبل أن يجلس جوارها ويمد أنامله لتتغلغل داخل شعر نغم يفك تلك الكعكة التي تثير ضيقه..
كادت نغم تصفعه على وجهه تاركة تصنعها النوم، لقد كانت تظن بان شعرها يتبعثر من اثر النوم وليس من يديه، شعرت بوجنتيها تشتعلان حين تلكأت انامل احمد حتى وصلت لعنقها حيث الشامة.. تباطأ متقصدا ينظر لها بمكر، تناديها عيناه أن تستيقظ وتوبخه متهمة إياه بالتحرش بها! لكنها كانت صامدة إلا أنها تململت مستديرة عنه تنام على جانبها في محاولة لمنع هذا التلامس الحسي الذي كان كنار تنتقل من جسده لجسدها، أشفق أحمد على حالها وقبض كفيه إليه بصعوبة والتفت يغلق الضوء مكتفيا بإضاءة الأبجورة الجانبية قبل أن يتمدد جوار نغم التي فتحت عينيها بصدمة حين احست بظهرها يلتصق في صدره بفعل يده القوية التي ضمتها له وها هو اكتشاف آخر فعناق كل ليلة ليس عفويا بحكم نومها سويا بل مع سبق الإصرار والترصد هذا ما فكرت فيه نغم وهي تعاود إغماض عينيها مستسلمة لهذا الدفء الذي تسلل لجسدها منتزعا منها الرعشة لتسري سكينة وهدوء وأمان فيها، كف أحمد كانت تمسد على شعرها بهدوء جعلها تسترخي متسائلة وهي تقاوم سلطان النوم:
" كيف كانت تنام وتترك هذا الدفء والعناق الحاني!"
ثملة، تنسحب نحو أفكار أنثوية تغريها لتلتفت لأحمد لترى كيف ينظر لها ولم تدر أن كفها قد قبضت على يد أحمد الذي دس رأسه بين طيات شعرها يستنشقها بعمق، مستمتعا بدفء يدها على يده وهدوءها جانبه، يتمنى لو لم تنته ليلته ولم تنم نغم وظلت أنفاسه تعلمه بأنها تشعر بقربه ...لكنها استسلمت لنومها تاركة إياه لناره التي اشتعلت في صدره.
يتبع 💜💜

نولا ٢٠٠٠ likes this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:22 PM   #577

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

وقف كريم أمام باب المنزل، يحدق في المفتاح القابع في يده، بينما بسمة خبيثة ترتسم على محياه، مط شفتيه راضيا بما سارت له الأمور، يفكر كيف يستقطب هالة لشقته وربما دخل هو لمنزلها ولكن لا زال الوقت لم يحن!؛ خاصة أن إمرأة بعنفوان هالة لن يكن صيدها سهلا، دس النسخة الثانية للمفتاح الخاص بشقتها الحالية في جيبه قبل أن يضغط على زر الجرس …
كانت هالة تشعر بأن رنين الجرس ما هو إلا حلم يراودها كي تستفيق من نومها، لقد غفت تحارب في كوابيسها أحمد ونغم حتى ظنت بأن هذا الجرس ما هو إلا إعلان لفوزها عليهما، فوزها الذي ستحققه ولو كان آخر يوم في حياتها، صوت الجرس عاد يصدح كأنه يخبط في رأسها لتفتح عينيها بصعوبة، تغطيهما بذراعها من ضوء الغرفة التي نست أن تغلقه بل لم تنتبه له من الأساس، استقامت في جلستها تلتفت حولها بضيق، تتأفف مطولا قبل أن تقف وتذهب حيث الباب وتساءلت عن الطارق ليجيبها كريم ويعلمها عن ماهيته، قوست شفتيها بامتعاض قبل أن تفتح الباب زافرة بعنف تسأله عما يريد، اتسعت عينا كريم وهو يراها لا ترتدي سوى بلوزتها الناعمة ذات الحمالات الرفيعة والتي تظهر أكثر مما تخفي، انتبهت هالة لنظراته الوقحة تدرك بأنها لم تنتبه لارتداء سترتها لكنها رغم ذلك لم ترتد في وقفتها بل سألته بضيق:
" ماذا تريد كريم، ألم أخبرك أنني سأرتاح؟!"
تنهد الاخير، يحاول الثبات الذي اختفى عنه ويمسح ذرات العرق من على جبينه يبتلع ريقه وهو ينظر للأطباق الحرارية المرصوصة فوق بعضها ثم قال:
" المنزل ليس به طعام فقلت أن آتي لك بعشاء!"
اغتصبت بسمة، تعي أنها بالفعل تشعر بتقلصات في معدتها من الجوع لكنها لم تنتبه لها في خضم الحرب الدائرة داخلها لذا مدت يدها تأخذ الأطباق هامسة بالشكر فيما تململ كريم في وقفته يتمنى لو قامت بعزيمته، اختنقت أحلامه في مهدها حين سمعها تستأذنه لتغلق الباب، ليختفي عنه وجهها المليء بمساحيق التجميل وشعرها المصبوغ بلون أحمر ناري غجري حول وجهها بينما عينيها بلونها الذي يتغير كل مرة يراها فيها حتى بات يريد سؤالها عن لونهما الحقيقي، زفر بإحباط وهو ينظر للباب المغلق ليمسد شاربه يطالب نفسه بالصبر ويلتفت حيث باب شقته المفتوح، ليدخل راكلا إياه خلفه ثم إلى الأرجيلة المشتعلة في انتظار التهامها، ليجلس على الكرسي ويسحب أنفاسا متتالية ليغوص في خيالاته التي تتراقص خلف دخان الأرجيلة!.
★★★★
جلست نغم على الأريكة، تلهي نفسها بترتيب الأشياء الموضوعة عليها رغم أنها لم تكن في حاجة لذلك لكن كيف تداري توترها عن أحمد الذي منذ أشرق الصباح وهو يدندن بنغمات متسلية ثم يطلق صفارات من بين شفتيه كما لو كان لا زال مراهقا بينما يرنو ببصره نحوها بنظرة ذات مغزى تشعل وجنتيها ليتسرب لها إحساس بأن أحمد كان يعلم كونها مستيقظة ليلة أمس وبأنها تقبلت هذا العناق اللذيذ راضية؛ توقفت أناملها حول قطعة من الخزف وتقبضت كفها حولها متسعة العينين وهي تفكر كيف تصفه لذيذ، هتفت الأنثى المتمردة داخلها بمكر أنثوي لم تعرفه نغم يوم:
" بل كان لذيذ جدا حتى أنك لم تتسللي كعادتك قبل أن يستقيظ بل استكنت لدفء ذراعيه وغفوت مرة أخرى!"
عقدت نغم حاجبيها تتساءل عن ماهية تلك المرأة التي تتحدث داخلها فهي …
"أنا ماذا يا نغم!"
ردت بها المتمردة داخلها وهي تضيف:
" أنت تتمنين عودة الليل لتنعمي بالدفء الذي لم تجربيه قبل ذلك أبدا، أنت وجدت في أحمد كل ما فقدتيه، اعترفي بشوقك لضمه لك مرة أخرى…"
كانت آخر كلماتها كالصرخة ولم تع أنها انتفضت في جلستها إلا حين أتاها صوت أحمد الأجش:
" تحلمين وأنت مستيقظة!؟"
حدجته نغم بنظرة غاضبة كأنها تعاقبه على فهمه لها وبسمته الماكرة التي ترتسم على شفتيه بتسل بينما يزرر قميصه الرمادي الذي يليق على وجهه كثيرا، على تلك الفكرة التفتت عنه تداري هرموناتها العجيبة تلك بينما تستعيد ترتيب المنضدة كما لو كانت تلعب الشطرنج..
قاومت نغم الكحة التي تباغتها منذ استيقظت، كتمت فمها بأناملها كما لو كانت بهذا تمنعها، هز أحمد رأسه قبل أن يقول:
" ستصابين بالتهاب رئوي وأنا معك!"
التفتت له مجفلة، لا تفهم مقصده لتعود حواسها تعمل وتفهم ملتفتة عنه فيما يضيف:
" الشرفة، ليست مكان جيد للنوم يا نغم، الطقس بارد!"
لوت الأخيرة شفتيها بعدم اكتراث ليشاكسها قائلا:
" عن نفسي، يعجبني الأمر، فحملك كل ليلة مفيد لدقات القلب!"
لو يقصد ارباكها أو أن تصرخ به ما فعل هذا لكنها متاكدة بأن كل هذا عمدا، استدارت تدعي عدم الاهتمام لما يقول وكل ذرة فيها تنبض كما لو كانت على نار تغلي.
" أعطني بدلتي نغم، لو سمحت!"
رفعت نغم وجهها له، تتأكد بأنه بالفعل يطلب منها وليس حلم ليومأ برأسه ثم يقول بينما يعقد رابطة عنقه:
" البدلة نغم…"
قامت الأخيرة من مكانها، تكاد تتعرقل في مشيتها ثم أخذت البدلة من على المشجب وسارت تجاهه تناوله إياها، حدقت فيه بذهول بينما يمد لها ذراعه بعلامة ساعديني في ارتدائها، رغم تلك الرعشة على طول عمودها الفقري، والأرض التي تبدو هلامية أسفلها لكنها جاهدت لتكون قوية بينما تساعده فيما طلب، كان يبتسم لها برضا في إنعكاس المرآة حين همست بأنها انتهت، همت لتلتفت لكن يد من حديد طوقت خصرها لتجد نفسها فجأة محاصرة بين ذراع أحمد، تقف أمامه مباشرة بينما يلتصق هو بظهرها ، يستند بذقنه على كتفها، ابتلعت نغم ريقها تهمس وهي تتملص منه:
" دعني، أحمد!"
زفر الأخير بحرارة وقال بصوت أبح:
" بعد أحمد تلك ربما سأقضي اليوم هنا وسأكمل شهر عسل حقيقي!"
احتقنت وجنتيها، تجذب نفسها منه دون جدوى حين همس يناظرها في المرآة التي أعاد تجديديها، بلا خدوش أو ندوب ولا تحمل فيها إلا صورته ونغمته:
" أترين!؛ نحن متشابهين كثيرا!"
ضيقت نغم عينيها بعدم فهم ليوضح بعد تنهيدة:
" نغم، كلانا عاش بلا عناق، بلا دفء، كلانا في حاجة لأن يعيش ويعيد نفسه الضائعة، دعينا نساعد بعضنا!"
أحمد صريح بما يكفي، حتى مع عدم نطقه بكلمة أحبك صريحة لكن كل ما يفعله يؤكد لها بل كلماته تلك كانت ككلمات عشق تطوق قلبها وتذيبه حتى أنها أغمضت عينيها تحس بانصهار جوارحها بينما يضيف وهو يضع كفه على قلبها الصاخب:
" نغم، هنا يسكن أحمد، صحيح؟!"
تعالت أنفاسها وهي تتملص منه، تدرك أنه لو ضغط قليلا لطالبته بتدفئة قلبها، سمح لها أخيرا بالتحرر مانحا لها فرصة لالتقاط أنفاسها مدعيا الثبات في حين لم يكن كذلك بينما يقول لها بهدوء:
" هيا نغم سنفطر اليوم بالأسفل!"
غمز لها مضيفا:
" انتهت أيام العسل لكن لو طلبت إعادتها فستكون أضعافا!"
هتفت باسمه بحدة ،ليزفر بحرارة وهو يرد:
" وها أنت تغريني لأن لا أرحل اليوم!"
اتسعت عيناها بذهول لتلتفت عنه، تفتح باب الغرفة لتسبقه لكن صوته الحازم أتاها بما لا يقبل الجدال:
" انتظري نغم، سننزل سويا!"
فتجمدت مكانها تنتظره مفكرة بأن ياسمين التي تحضر درسا عبر الانترنت لو رأتها تهرول تاركة غرفتها ستظنها مجنونة.
جلس أحمد حيث الكرسي القابع على رأس الطاولة ونغم على يمينه بينما صوت سعلتها الخفيف يؤرقه ليقول لها:
" افطري وتناولي دواء!"
أومأت بنعم حين كانت أم سيد ترص الأطباق فقالت بعفوية وهي تربت على ظهر نغم بحنان أموي:
" انتبهي لصحتك يا ست نغم!"
القتها نغم ببسمة موافقة حين توسطتتهما أم سيد تضع فنجان قهوة لأحمد وتابعت:
" أعلم أنك عروس"
ثم أضافت بنبرة ذات مغزى وخجل يليق بها بينما تخفض صوتها كما لو أن أحمد لن يسمعها:
" لكن انتبهي لأن الملابس الخفيفة قد تكون السبب، تدثري جيدا! ولا تخرجي في الهواء بعد دش دافيء"
اتسعت حدقة نغم حتى كادت تخرج من مقلتيها، تحس بأن أم سيد سكبت على رأسها دلو ماء بارد، علت سعلتها فيما تستقيم أم سيد كما لو أنها لم تنطق شيء في حين كتم أحمد ضحكة عالية ويرتشف قهوته ثم قال لنغم التي احتقن وجهها من الخجل :
" اسمعي كلام أم سيد يا نغم، نصائحها ستنفعك!"
رمقته الأخيرة بغيظ ليمط احمد شفته السفلى يتساءل بصمت وبراءة خادعة عن سر غضبها..
قطع كل هذا خطوات ياسمين المرحة التي جاءت ناحيتهما بفرح، واقتربت من خديهما، تلقي على خد أحمد قبلة ومنه إلى نغم التي أحست بأن جسدها لم يعد يستوعب كم الانفعالات تلك..
جلست ياسمين مكانها ترحب بهما بينما تقول:
" وأخيرا، نزل العرسان لأرضنا، يا مرحبا يا مرحبا!"
التهت نغم بالطعام بينما رمقها أحمد بنظرة باسمة قبل أن يتحاور مع أخته التي ظلت تثرثر معه قبل أن يقف ليغادر، همست ياسمين التي قالت بمراوغة بينما تدفن رأسها في الطعام:
" مهمتي انتهت لقد سلمتها لزوجتك!"
كانت نغم تائهة لا تعلم ما تقصده ياسمين إلا حين أشارت لها الأخيرة حيث كوب القهوة الحراري الذي سيأخذه أحمد معه والتي كانت ياسمين توصله به لباب الفيلا، هنا وقفت نغم، تبحث عن باقي طاقتها وهي تأخذ الكوب بينما تلمح في عين أحمد تسلية وهو يستدير متوجها للباب لتتبعه بتلقائية، تغمغم بكلمات غير مفهومة حين توقف فجأة وقبض على الكوب في يدها قائلا بنبرة متحشرجة أربكتها:
" شكرا يا نغم!"
وصاحب كلماته قبلة عميقة على جبينها طالت للحظات جعلت الدنيا تدور بنغم التي قبضت على كم قميصه حين ابتعد ببطء ينتزع نفسه منها بصعوبة، ينظر لكفها القابض على كم بدلته برضا تام، تعالت أنفاس نغم وهي تسحب يدها من أسفل كفه القابضة على الكوب حين قال وهو ينظر في عمق عينيها اللتين تنظر بتشتت:
" إلى اللقاء يا نغم، لا تنسيني من دعواتك!"
مشت الأخيرة خلفه، تتبعه بنظراتها بينما يفتح باب سيارته، ويجلس مكانه، يشير لها بيده مودعا، أحست بأنها راضية ، فرحة، تريد المزيد والمزيد مما يغدقها به أحمد لكن هل لها الجرأة لتبادل هذا العطاء، هذا ما فكرت فيه وهي تشيع سيارة أحمد بنظرات مشتاقة، تحس به يخطف نبضة وهو يخرج من الفيلا، لقد اعتادت وجوده الأيام السابقة، ملازما إياها أما اليوم فيتقضيه دونه حتى موعد الغداء، نظرت في ساعة معصمها، ترى الباقي عن ميعاد عودته قبل أن يأتيها صوت ياسمين من خلفها تنادي باسمها لتلتفت لها ببسمة واسعة حين قالت الأخيرة :
" تليقان ببعضكما كثيرا …"
ابتلعت نغم ريقها حين ضمتها ياسمين فجأة وهمست:
" شكرا زوجة أخي، منذ دخلت حياة أبيه ورأيت سعادة حقيقية في عينيه!"
ارتجف قلب نغم لتبتعد ببطء عنها ثم همست قائلة:
" أنا من علي شكركما ياسمين!"
يتبع 💜💜🌹


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-11-21, 10:24 PM   #578

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

" لقد طلبت هذا الملف من ساعة، لما تأخرت هكذا؟!"
هدر جلال بتلك الكلمات بغضب واضح بينما ينتزع الملف من يد السكرتيرة التي لم تستوعب سبب غضب جلال، امتقع وجهها وهي ترد بالأسف رغم أنها لم تتأخر ولأنها لم تعتد هذا الغضب من رئيسها ازدادت دهشتها خاصة وهو يبدأ في توبيخها من جديد لولا أحمد الذي يجلس على الجانب الآخر من الطاولة ويحس بارتباك جلال منذ عقد الاجتماع بينهما حول أحد المشاريع لقد كذب نفسه أن جلال ليس به شيء لكن الآن بات متأكد، أشار أحمد للسكرتيرة ان ترحل ليتوجه بنظره لجلال فور أن أغلقت الباب، ظل الاخير يقلب في الأوراق بحنق، يتمتم بكلمات غير مفهومة حين قطع هذا صوت احمد الهاديء:
" ماذا بك يا جلال!؟"
رفع الاخير عينيه له، يعي أنه كان غائبا في أحزانه التي باتت تشاركه حياته منذ انطفأ الأمل للقرب من سارة، صوت أحمد كان كأمل يلوح في الأفق، هو مدرك أنه غاضب وحانق على كل شيء، يغضب من لا شيء، يصب ألمه على عمله!؛ لكن ما ذنب من حوله، يريد أن يفضفض ويحكي عما يؤرقه لكن لمن، خالد لا يستطيع أن ينطق له بحرف واحد رغم صداقتهما إلا أن سارة بالتأكيد لأخيها خط أحمر ولا يقدر أن يقص لنورا فيفسد فرحتها لقد بات عليه كظم كل ما يتأجج في قلبه، يخنقه كأحلامه التي وئدت بيد أمه، على تلك الفكرة تقبضت يديه على المنضدة، يمنع صرخة مدوية، تابعة أحمد مليا، يرى تغيره الغير خفي عنه قبل ان يهمس باسمه يحسه على الحديث.
حدق فيه جلال مليا، يرى في وجه أحمد صديق الطفولة، عيناه القلقة، إحساسه الواضح به، نبرته الحانية التي طالما رافقت حديثهما..لكن هل يستطيع البوح له!؟؛ ان يلقي باوجاعه على كتفه كما كان يفعل منذ زمن أم أن أحمد لن يتحمل!..
زفر جلال بخفوت وهمس ينشغل بالأوراق :
" لا شيء!"
أطبق أحمد على شفتيه ثم قال بتروي:
" بل هناك الكثير يا جلال ، طمئني، أنت متغير كثيرا!"
رنا جلال بناظريه لأحمد، يتأكد من صدق حدسه بأن صديقه يعود لها وبأن تلك النبرة ليست إلا لرفيق الطفولة..
هنا انتفض جلال من مكانه، يفك رابطة عنقه التي أحس بها تطوق رقبته وتوجه إلى النافذة الزجاجية، يقبض على العلبة المخملية من جيبه ويرفعها لعينيه ثم قال بوجع شق قلب أحمد الذي تحرك ليقف جانبه:
" متعب، متعب كثيرا يا صديقي!"
كلمة صديقي من جلال جعلت أحمد يقف على أرض ثابتة، يعي بأن تقربه من صديقه أتى بحصاده ولم يغلق بابه في وجهه كما فعل هو سابقا!؛ أرخى أحمد عينيه ينفص تلك الأفكار ثم رنا بعينيه تجاه جلال حيث يده القابضة على العلبة ليتأكد بما فكر فيه حين همس له وهو يربت على كتفه داعما:
" قدم لها هديتك يا جلال ولا تحتفظ بها لديك! ربما زال تعبك"
انتبه الأخير بأن العلبة في يده، لقد بات تركيزه صفرا، مسح على وجهه بعنف واستدار لأحمد وهو يدس الخاتم في جيبه قائلا بيأس:
" بيننا ألف باب وباب، وكلما فتحت واحد وجدت خلفه آخر مغلقا بقفل!"
هنا رأى أحمد نغم بعين مخيلته ، يذكر كيف كانت علاقتهما وكيف أصبحت ليتنهد بعمق قائلا:
" أسمع في صوتك نبرة يائسة لم اعتدها منك!"
هز جلال رأسه بعنف وهمس:
" لأنني ليس معي مفتاح القفل الجديد !"
نبرته ازدادت يأسا وقهرا تألم له أحمد الذي قال بنبرته الداعمة الواثقة:
" لا يوجد باب بلا مفتاح يا صديقي، وإن كنت متأكد من مشاعرها تجاهك فابحث دون كلل أو ملل، لا تشعرها بيأسك أبدا بل ضع دوما أمامها الأمل بأنكما ستكونا لبعضكما، اليأس كالعدوى يا جلال يتسلل منك إليها كما الأمل يتسرب لها، اسقها بالأمل وأعدك ستجد المفتاح بين يديها!"
تأمله جلال للحظات لا يصدق بأن هذا رفيق عمره الذي يتحدث بتلك الثقة والنبرة الثابتة التي تعلم كيف طريقها لعقل محدثها، نعم أحمد رجل أعمال ناجح لكنه لم يكن مهتما بأمور كالزواج وتوفيق قلوب وما إلى ذلك، أحمد دوما كان جامدا حتى حين خطب سمر لم يكن بهذه الليونة، تنفس جلال بخفوت متفهما بأن دخول تلك الفتاة المدعوة نغم كانت كبلسم شافي لجروح صديقه، تجدد الأمل في قلب جلال متمنيا أن يجد حقا المفتاح الذي تاه بسبب أمه، قبل أن يربت على كتف أحمد قائلا بامتنان :
" شكرا صديقي!"
اتسعت بسمة احمد الذي قال :
" على الرحب والسعة!"
والتفت كلاهما حيث النافذة الزجاجية يشردان للحظة قبل أن يقطعها جلال بقوله:
" سيتم عقد قران نورا في القريب!"
تهللت أسارير أحمد والتفت لها يهنئه ليعقد جلال حاجبيه قائلا بدهشة:
" لم تسألني من هو!؟"
ضحك أحمد ثم هدأ شاردا لبرهة، يذكر أول لقاء له مع صديق جلال الجديد، هذا الشاب الذي التقى به عندما كان يمشي مع نورا في بهو الشركة، كانت نظراته لنورا كطوق يحميها من كل ما حولها ولم يخف عنه هذا السهم الذي رشقه به من عينيه حين وقف يتحدث معها، كان كمن يحمي ملكيته في حين كانت نورا غافلة تماما، سحب أحمد نفسا عميقا وزفره ببطء ثم قال :
" خالد… هذا الشاب صاحب العينين الزرقاوين!"
ازداد انعقاد حاجبي جلال من الدهشة وسأله :
" كيف عرفت ونحن لم نعلن بعد عن شيء!"
رفع احمد حاجبيه بمكر ثم قال بينما يشبك يديه خلف ظهره:
" منذ أول لقاء بيني وبين هذا الشاب، تأكدت من حبه لصغيرة عائلة منصور، كانت عيناه تفضحانه ونظرة العشق لا تخفى يا جلال!"
حديث أحمد أكد لجلال شيء دوما كان يخبره لنورا، وهو أن احمد يراها كأخته وها هو أحس بشيء مهم يخصها كهذا، قال جلال بعد زفرة طويلة:
" أنت أصبحت ذا بصيرة قوية في الحب يا أحمد!"
تعالت ضحكاتهما ليرد الأخير:
" و أصبحت طبيب روحاني أيضا، وأحل المشاكل والعقد!"
ثم صمت فجأة هامسا في نفسه:
" حللت العقد المتتالية لدي بلا سأم ولا زال القليل ولن أيأس حتى افكها!"
★★★
كانت ليلة طويلة كدهر، أحست بها سمر ثقيلة لا تمر، بينما دقات الساعة تصدح في رأسها تعاندها تثير حنقها متزامنة مع صوت عمران الذي لا يترك مخيلتها، يتهمها بخيانتها دون مواربة، نظرة الندم في عينيه لم تخف عنها الحقيقة الواقعة بينهما، عمران لن ينسى خطيئتها وسيظل كلاهما عالق هناك مقيد بذكريات قاسية لن تزول..
لملمت خصلات شعرها لترتاح على كتفها وضمت ساقيها لصدرها، تحس بجسدها تيبس من تلك الجلسة طوال الليل، حتى ان قدميها كانتا كالمخدرتين، ككل جسدها الذي تسري فيه كلمات عمران كمخدر سريع المفعول، لا يثملها بل يغيبها عن الوعي، يسحبها لبعيد حيث لا يوجد سواها وذنبها، شهقت تمسح وجهها بظهر كفها وهي تتمنى لو حقا ما حدث سابقا، مجرد صفحة من الورق مزقتها وانتهى لكنها صفحة من حياتها، وقع عليه حبر أسود يشوهها ويضيع تلك النقطة البيضاء التي جاهدت أن تطغى على كل ما مضى بلا جدوى، زفرت بيأس بينما تسمع دقات عمران على الباب يطالبها أن تفتح، هكذا يفعل طوال الليل منذ سمعها تغلق الباب بالمفتاح ولم يهدأ له بال وبين الحين والآخر يناديها ويدق بلا سأم، ثم يعود لبعض الهدوء حين يسمع صوتها تخبره أنها بخير مع أنها ليست كذلك وهو أعلم الناس بهذا لكنه يعود لجلسته على الأريكة لاعنًا لحظة الغضب التي أضاعت كل شيء، والتي جعلته يبوح بما لا يعرف كيف يداويه، يتمنى لو كان لديه القدرة للجم كل حرف تفوه به ولم يكسر بخاطر سمر كما فعل الليلة، لقد دمر كل شيء بتعجله لكن ماذا يفعل وكل شيء ضدهما!.
تعلقت عينا سمر بدرفة الخزانة التي تحتوي كنزها الذي فقدته قبل أن يصبح حقها، قهر ووجع ربما لن يفارقها طوال حياتها، وقفت بتثاقل، تتقدم تجاه الخزانة، تلمس حلمها المكسور، تراه شظايا غير قابلة للالتئام، عمرا ضاع منها، احترق مع قلبها الملكوم، مدت يدها بتلقائية تمسك دلاية سلسالها فقابلها الفراغ؛ الخواء، انقبض قلبها وهي تمسك الفراغ، ليعلو نشيجيها وهي تستند على باب الخزانة المفتوح، تعلن عزائها لينتفض عمران من مكانه حين سمع بكاؤها الذي عاد أكثر وجعا وألما، يدق على باب الغرفة بأنفاسا مختنقة، يهبط قلبه بين أطرافه حين لا يرد عليه سوى نحيبها وشهقاتها المكتومة فتعالت دقاته هاتفا بحدة ملتفة بقلقه :
" افتحي، سمر وإلا كسرت الباب!"
كتمت الأخيرة شهقاتها واستدارت تنظر للباب الذي يرتج أسفل كف عمران لتهتف مختنقة:
" بعد قليل سأخرج!"
هنا هدأ عمران ظاهريا، ليرتد في وقفته ويفتح نافذة الصالة ربما جددت هواء المكان فتنفس هو بالتبعية، وقف يتأمل الفراغ ، لا يرى سوى ما حدث تلك الليلة الكئيبة وكيف تهدم ما بناه عمرا بأكمله!، أخرج سيجارته وأشعلها، يسحب نفسا تلو الآخر ويشعل سيجارة تلو الأخرى، يدخن بشراهة لم يعتدها قبل، كأنه يعاقب نفسه، مسد جبينه يحس بانشطار رأسه التي تكاد تتحطم من الصداع..
لا يدري عمران كم مر عليه بوقفته تلك وهو يمسك سياج النافذة بقسوة إلا حين سمع باب غرفته يفتح، ألقى عقب سيجارته من النافذة و استدار بلهفة لتتلاقى عينيه مع سمر؛ بلوته، حبيبة طفولته، شاحبة الوجه، متورمة العينين، أثر الدموع لا زال عالقا بأهدابها، تقدم نحوها يراها بفستان أزرق ينسدل عليها باحتشام مع طرحته التي تليق به بينما تحمل في يدها حقيبة سفر كبيرة! ..
وقف أمامها وهمس بينما يتعلق بحقيبتها بصوت كأنه يأتي من أعماق المحيط:
" إلى أين؟!"
نظرت سمر له مليا، تكتم دموعها بصعوبة وتكبل رغبتها في عناقه كي لا يتركها ثم أسدلت أهدابها لحقيبة سفرها الثقيلة عليها والتي تكاد تخلع كتفها بل وقلبها ليهبط بين أطرافها، استجمعت شجاعتها وجاهدت دموعها التي تغشى عينيها ثم سحبت نفسا عميقا، ترفع ذقنها قبل أن تقول بلهجة حاولت أن تحافظ على صلابتها لكنها وصلت عمران مرتعشة، مرتجفة، باكية دون دموع:
" مثلي لا تليق بك يا ابن الجبالي، سأعود من حيث جئت، إلى بيت أبي!"
وعم صمت طويل بينهما حتى شعرت سمر أن عمران لم يسمعها!....
★★★
كان جلال يهبط سلم الشركة بهرولة كما لو كان في سباق، لم يفكر باستخدام المصعد، يشعر أن قدميه ولهفته أسرع، منذ انتهى من حديثه مع أحمد وقد قرر العودة للفيلا، اليوم ستأتي سارة لزيارة أخته التي أصرت عليها ليلة البارحة أن تساعدها في شراء بعض الأغراض وعليه أن يلحق بها قبل أن يخرجا، نظر في ساعته وهو يفتح باب السيارة ليدرك أنه عليه السرعة كي ييصل في الميعاد، لقد طلب من نورا بمواربة أن تعطل خروجهما قليلا وأخته كانت أكثر من مرحبة وعلى الرغم من عدم معرفتها بما يجول في الأجواء لكنها مدركة بشعور أخيها الخاص تجاه سارة، لذا صوتها البشوش المرحب أنها ستماطل قليلا قبل خروجهما جدد الأمل في قلب جلال كي يلتقي بسارة التي تتهرب منه فهذه فرصته الوحيدة كي يتحدث معها وجها لوجه ولن يسمح لها بالهروب منه مجددا….
في حديقة الفيلا صف جلال سيارته كيفما اتفق وترجل منها داعيا الله أن تكن فرصته للحديث معها ممهدة فالجو في الفيلا مؤكد لن يكون مريح للحديث لكن عليه اقتناص الفرصة ربما فتح الباب المغلق وسدد هدف جديد في شباك قلبها، يشفع له عندها..
كانت سارة تتلفت حولها بحذر كأن جلال سيخرج من أي مكان فجأة ورغم أنها تعلم بأنه وقت تواجده في الشركة لكن داخلها يناديها لتهرب من هنا، منذ جاء بها خالد كي تشارك نورا في شراء الفستان حيث أن الأخيرة رفضت أن يرى خالد فستان خطبتها إلا يومها ولكنها طالبت سارة أن تخرج معها وبالتالي اتفقت مع خالد أن يتقابلا هنا في الفيلا كمكان محايد ولم تستطع سارة الرفض إذ ليس لديها أي حجة وإلا لفتت أنظار أخيها ونورا وهي لن تفعل ستصمد حتى يتم عقد القران وتعود مع أبيها إلى دبي، لقد اتفقت معه بالفعل على هذا فبعدما اتصل به خالد يعلمه بأمر نورا وقد رحب كثيرا خاصة حين علم ماهية الفتاة وعائلتها التي لا تخف عن رجل أعمال مثله حينها أعطى خالد موافقته المبدئية، بعد هذا الاتصال دار حوار بينها وأبيها في عدم وجود خالد وقد أخبرت أبيها بقرارها بالسفر وعودتها معه التي لاقت لديه فرحة كبيرة شجعتها على ما هي مقدمة عليه..
تململت سارة في جلستها بينما ترتشف العصير عندما كان يدور حوار بين نورا وأمها وغابت هي عنهما في شرودها، لاحت نظرة منها تجاه ماجدة التي كانت تتهرب من النظر إليها، لا تذكر أن عينيهما تلاقت منذ جاءت للفيلا اليوم، كلا منهما تتهرب من الأخرى ولم يخف عن ماجدة نبرة سارة الرسمية وقد سحبت لقب جيجي وأعادت لها ( هانم)، شعور قوي كان يطغى على سارة، أن عليها الدفاع عن نفسها ضد أي معتد قد يهدد كبريائها الذي لم يعد لديها أدنى قوة لخسارته..
صوت جلال يلقي السلام عليهم فور دخوله من باب الفيلا قطع الحديث الدائر بينهن لتلتف أمه بدهشة فهذا ليس ميعاد عودته كما كانت نظرة سارة هي الأخرى مذهولة بعكس نورا التي بدت متوقعة مجيئه، حاول جلال التقاط أنفاسه حيث هرولته من سيارته حتى الباب كأنه كان يجري في ماراثون لكن هذا لم يخف هذا عن أمه التي تابعته بتفحص..
تحفزت كل حواس سارة وهي تلتفت عنه حين سمعت خطواته تتجه صوبها مباشرة ثم توقف قربها قائلا بصوته الأجش :
" كيف حالك سارة!"
نظرت الأخيرة ليده الممدودة لها، ارتبكت للحظة تعلم أنها لا تستطيع إظهار أي شيء في وجود الجميع فمدت يدها هي الأخرى لتسلم عليه بتردد وتجيبه بإيماءة من وجهها، خلع جلال بدلته وجلس على الطرف الآخر من الأريكة التي تقعد عليها سارة بعدما قبل وجنة نورا وسلام مقتضب لأمه التي امتقع وجهها وهذا ما لفت نظر سارة وجعلها تضيق عينيها للحظة، تدرك توتر العلاقة بين جلال وماجدة والتي بدت نورا غافلة عنها في خضم فرحتها، همست سارة لنورا بأن عليهما الذهاب لكن نورا كانت قد وقفت وهي تتفحص حقيبتها مدعية بأنها قد نست البطاقة الشخصية الخاصة تستأذن بعدها وتصعد لغرفتها ..
ظلت ماجدة جالسة مكانها، تحس بأنها عزول خاصة مع نظرة ابنها تجاهها يطالبها أن تتركهما لكنها لم تستطع التغلب على شعورها الذي يطغى عليها، سارة لا تناسبه وهو سيدرك هذا قريبا، هذا ما جال في خاطرها بينما ساد الصمت بين ثلاثتهم ، كلا منهم يتهرب من الحديث مع الآخر حين قطع الصمت، صوت هاتف ماجدة لتنظر فيه بدهشة لتضغط على زر الرد حين سمعت محدثتها:
" أمي!؛ أريدك في أمر ضروري، اصعدي لي، لكن…"
همست ماجدة بينما ترنو بنظرها تجاه جلال الذي تعلقت عينيه بسارة فيما كانت الأخيرة تستدير عنه!:
" لكن ماذا!"
" لا تخبري أحد أنني من أحدثك، لا تغلقي أمي، وكوني معي على الخط…."
أدركت ماجدة بأن ابنتها تخلي المكان لجلال وبأن صعودها للأعلى ما هو إلا مجرد حجة واهية…
فكرت ماجدة لثوان كيف ترفض طلب ابنتها لكن الأخيرة كانت تهتف على الهاتف بترجِ شديد منع أي جدال من جانب ماجدة التي خافت أن تشعر بشيء لذا لم يكن منها إلا أن استأذنت على مضض، وهي تتحدث مع نورا بينما تصعد سلالم المؤدية للطابق الثاني!.
استدار جلال بكامل جسده لسارة الجالسة على ذات الأريكة التي يقعد عليها، متهربة من النظر له، لاحت نظرة متألمة في عين جلال بينما ينظر لجانب وجهها، اشتاق لملامحها التي تبتسم في وجهه، صوتها الأبح الذي يدغدغ قلبه فيخطف منه نبضات لم يجربها سوى معها، تنهد بخفوت وهمس بصوت أجش:
" حان وقت حديثنا سارة!"
احتدت ملامحها وهي تلتفت له، تشعر بأن عليها العودة لسارة التي اعتادتها طوال سبع سنوات، الملاكمة الشرسة التي دوما تحصن نفسها عن الغرباء ورغم الألم العميق الذي اختنق له قلبها حين لمحت الحزن بوجه جلال إلا أنها شمخت برأسها وقالت بثبات رغم نظرة الشوق التي فلتت من عينيها دون ارادتها فاستقبلها جلال بتنهيدة مرتاحة، يتأكد من حنينها له كما يفعل حين سمعها تقول:
" لم يعد يجمعنا أي حديث جلال بك.. !"
★★★★
انتهى الفصل 💜 قراءة ممتعة

نولا ٢٠٠٠ likes this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 13-11-21, 04:11 AM   #579

محمود أحممد

? العضوٌ??? » 329709
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » محمود أحممد is on a distinguished road
افتراضي

يسلمو عالفصل الجميل ابداع

محمود أحممد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-21, 07:23 PM   #580

ولاء مطاوع

? العضوٌ??? » 463351
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 155
?  نُقآطِيْ » ولاء مطاوع is on a distinguished road
افتراضي

تسلم الايادي الفصل روعه روعه روعه ♥️❤️❤️❤️

ولاء مطاوع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:11 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.