آخر 10 مشاركات
همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          زهرة .. في غابة الأرواح (3) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ثمن الخطيئة (149) للكاتبة: Dani Collins *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          بين ذراعيك مملكتي - ج1 سلسلة رؤساء عاشقون - قلوب زائرة - للرائعة * salmanlina*كاملة * (الكاتـب : salmanlina - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          80- لعبة من يخسر يربح- بيني جوردان -روايات عبير الجديدة (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تجد بداية الرواية مشوقة؟
نعم 2 100.00%
لا 0 0%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 2. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-06-21, 11:38 AM   #31

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي




الفصل الخامس ج2

خمدت الزوابع في فؤادها وسكنت، اندحرت السحب وانقطعت منها الإمطار المتهافتة، معلنة عن رحيل فصل وقدوم فصلٍ أخر. فمن قسوة الشتاء ينبثق جود الربيع وعطفه، آن لتلك المشاعر الخجولة أن تتحلى ولو بقليلٍ من الجرأة، أن يكون لها ذاك الايقاع الملموس بما لا يترك مجالًا للشك أو النكران. بقيت أمل في تلك الليلة لساعة متأخرة من الليل لم يتمكن منها النوم على غير العادة.


أنها تشعر بالشوق المترع لسماع القصة كاملةً منه، وكيف سيبرر لها تلك الكلمات والأساليب التي يتبعها في معاملة من حوله لا سيما الغرباء منهم. كانت متحمسة للغاية حتى أنها توصلت إلى قرارها بشأن مقابلته سريعًا وفي اليوم التالي كانت قد حددت معه الموعد.


فكان في آخر الأسبوع عصرًا من يوم الخميس. أراد نزار في بادئ الأمر أن يصطحبها إلى أحد المقاهي الكبيرة إلا أنه تراجع عن تلك الفكرة حينما تبين عدم فاعليتها في خلق متسعٌ للحديث بأريحية تامة، بعيدًا عن الاكتظاظ والصخب والإحراج. بدلًا عن ذلك كانت الأجواء أكثر ملاءمة داخل المتنزه المطل على مياه البحر الهامدة.


كلاهما قد حضر بواسطة السيارة، تقريبًا في ذات الوقت لشدة الاهتمام. وقد كان بصحبة أمل إحدى صديقاتها المقربات وابنة خالتها ندى اللتان رافقتاها حتى تسنى لهن رؤية نزار بحلة صيفية أنيقة تحاكي زهو السماء متوقفًا على بعد أمتار قليلة، حينها انصرفتا للتنزه بينما تقدمت أمل منه وحيته بابتسامتها المشرقة ثم تمشت برفقته إلى إحدى مقاعد البدلاء حيث تشاركا الجلوس سويًا مع الحرص بترك مسافة وافية تفصلهما.


بعد ثواني من تأمل ذلك المنظر الجميل للمسطحات الخضراء المتعرجة والأمواج الفيروزية المتوافدة. انبثق سؤالٌ من فاهه بلطف:
- هل تحبين البحر إلى هذه الدرجة؟

تعمقت ابتسامتها وأضاءت عيناها في تحمسٍ للإجابة حتى تدحرجت تلك اللآلئ الناعمة من شفتيها بثقة:
- أجل أحبه كثيرًا، رؤيته تجلب الاسترخاء.

صادف أن مر من أمامها طفلٌ يستقل دراجته الهوائية أخذت تراقبه حتى غاب عن ناظريها، فحالف الحظ الأخر في استراق النظرات إليها عن كثب وقد بلغ بذلك حد الإسراف الذي كاد أن يشد انتباه أمل إليه، ولكنه سرعان ما تدارك الأمر بأن أدار عينيه وأزاح الأثار القليلة من ملامحه وهو يتنحنح قائلًا:
- لا بد وأنك قد سمعتِ عن الحادثة التي تعرضتُ لها قبل سنتين.


لا شيء كان بوسعه أن ينسيها تلك الذكرى الصادمة وشعورها العظيم الاندهاش فيما تستمع إلى حديث السيدة ربيعة، استعادتها من جديد كان كافيًا لانتزاع معالم البشاشة عن محياها قبل أن ترد قائلة:
- أجل لقد أخبرتنا. يؤسفني ما حدث حقًا.

وقد شعرت أمل بأن هنالك شيءٌ يسد حنجرته، ويقيد لسانه عن الاسترسال في الحديث، كأنما هي رغباتٍ متناحرة من البوح والكتمان في أعماقه، لهما قوتان متقاربتان تجعل من الحسم أمرًا صعبًا. مرت دقيقة لا يسمع فيها إلا ضجيج العابرين وأنفاسه الثائرة. ارتفعت الحرقدة في حنجرته ثم انزلقت قبل أن يتابع بترددٍ:
- لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.



تلفتت نحوه بحيرة لتنبش والقلق قد بدأ يراودها:
- ماذا تقصد؟!
- بعد أشهرٍ من الحادثة، تورمت ذراعي اليسرى وصرتُ أواجه صعوبة شديدة في تحريكها مع الألم المبرح الذي بت أشعر به. في المستشفى وبعد إجراء عدة فحوصات أخبروني بأنني مصابٌ بمتلازمة نادرة ومزمنة.

ليس من السهل النجاة من محنةً ومواجهة منحةً أخرى أشد فتاكًا، ليس أن يقضي أيامٍ وليالٍ طوال تأتيه الآلام كضيفٍ بغيض غير مرغوب يُجبر على التعامل معه والصبر على أذيته. يقتلع جذورًا متأصلة في شخصيته هي مصدر الدماثة والبُشر فلا تعود تنمو من جديد.


لقد ابتعد عن حياته وعن الأشخاص الذين يحبهم ويحبونه ويأنس لوجودهم بالقرب، تخلى عن عمله تقريبًا وعاش حياةً مظلمة لا نور فيه سوى رغبته في الخلاص من ذلك الوجع العظيم.

- متلازمة! كيف حدث هذا؟! أقصد...
- لقد اصبت بعدة كسور وأجريت جراحة طويلة، قال الطبيب بأن حالتي قد تكون ناجمة عن هذين السببين.

سكتت لبرهة وهي تحدق نحوه باندهاش، كان يبدو عليه الحزن الشديد والغير المحتمل، فعرفت بأن الذي مر به لم يكن سهلًا على الإطلاق. وحينها تساءلت بكل فضول:
- ما اسمها؟



فأجاب نزار عليها بلغته الإنكليزية المتقنة متلفظًا بذلك الاسم الذي صار يشكل أعظم كوابيسه في الحياة: «متلازمة الألم الناحي المركب» كان أسوأ ما واجهه من مشقةً فيها لا تحتمل، جعلته يفقد الأمل في مواصلة الحياة بعد أشهرٍ من تعافيه من أثار الحادث الجسيمة، وبعد عودة والديه إلى الوطن. استفاق على تلك الأعراض الحادة في ذراعه والآلام الفظيعة الحارقة التي لا تستجيب جيدًا للمسكنات. فظل يعاني منها لأيامٍ عدة قبل أن يزور الطبيب. وبعد أن تعرف على حالته المزمنة وتبين الأسباب المتحملة لها بالكاد قد واجه مصيره القاسي واستمر بالعيش.


لم يخبر أحدًا ممن حوله وعزم على الكتمان لكنه أطر بعد ذلك لشدة معاناته أن يخبر شقيقته «ريم» المقيمة في مدينة هاملتون مع زوجها وابنهما ذو الست أعوام. ولكنه كان قد أصر عليها هي الأخرى أن تلتزم الصمت، وإلا تشعره بمدى قلقها عليه بتكرار الزيارة وإهمال واجباتها الخاصة.


وبعد ذلك بأيام قرار أن يباشر رحلة العلاج بتشجيعٍ من الطبيب الذي أخبره عن أنها قد تكون أكثر فاعليه ما إذ قرر القيام بها في أقرب وقتٍ ممكن. هكذا مضت الأسابيع طويلة وصعبة على الوصف حتى بزغت خيوط الفجر ليوم الفرج.


ثم جاء نزار على سيرة عودته إلى الوطن، وقال أن ذلك لم يأتي إلا بصفة عاجلة للاطمئنان على والده السيد مصطفى في أيام بقاءه في حالة حرجة داخل المشفى. أما بعد تعافيه من المرض فقد أعربت والدته عن نية أخرى قد خطرت على بالها، لا ترى أي احتمالية لحدوثها سوى في هذه الأيام القليلة التي تسبق رحيله.



وحينها قررت أن ترغمه على الزواج من أمل، الفتاة التي أحبتها كثيرًا ووجدت فيها الصفات الجيدة والمثالية لتكون زوجته. وقد عرضت ذلك عليه صراحةً بعد اليوم الذي صادفها فيه برفقة والده عند ممرات العيادة.


كان قد أخبرها السيد مصطفى بذلك، فتربصت بنزار على مائدة العشاء وسألته عن رأيه في ابنة الجيران الودودة، مما جعله يشعر بالغرابة في بادئ الأمر ثم بالانزعاج حينما تبين مبتغاها، وحاول أن يتفادى الرد على سؤالها بالتظاهر بالرغبة الكبيرة في استكمال صحنه، لكن هذا التصرف جعلها أشد إصرارًا على سماع إجابته والأكثر من ذلك لقد جعلها تبدو غاضبة بعض الشيء.


إذ لم يكن هذا الموضوع محط خلافٍ بينهما منذ وقتٍ قصير بل لسنواتٍ طويلة حاولت فيها السيدة ربيعة أن تتدفع للزواج بإحداهن، إلا أنه لم يكن يبدي اهتمامًا كبيرًا للأمر، ليس لأنه لا يرغب في ذلك حقًا، بل لأنه ظل منشغلًا بحياته الخاصة في ممارسة الهوايات، وخوض المغامرات المليئة بالإثارة.

أما الآن وبالرغم من امتلاكه لعذرٍ قوي وأكثر ملائمة فيؤسفه أن يكون غير قادرٍ على استخدامه للخلاص من مخططات والدته.


وضع المعلقة جانبًا ثم أطلق بهدوء وحزم:« ما الذي تريدين مني أن أقوله؟!»

فردت السيدة ربيعة بصرامة شديدة هي الأخرى تقول:
- أنها قد أعجبتك، وأنك موافق على الزواج منها.

أخفض عينيه ورد قائلًا بلا تردد:
– لا لن أفعل. لن أتزوجها.
– لماذا هل يوجد غيرها؟ هل بإي فرصة أنتِ واقعٌ في غرم إحدى أولئك الشقراوات؟

لم يكن هذا ما يقصده بالطبع، ولكنه بعد تفكيرٍ قصير قرر أن يستغل الفرصة التي جاءته دون عناء وأجاب:
– أجل... اعتقد ذلك.
– إذ فلتحاول نسيان هذا قبل موعد الخطبة. إذ وافقت الفتاة وأهلها فأنك أيضًا ستفعل ذلك.

مع تقوس حاجبيه الكثيفين ضاقت عينيه بانزعاج كبير واجه صعوبة في كبثه لكي يتمكن من التفوه بتلك الكلمات بهدوءٍ قدر الإمكان قائلًا:
– إذ كنت جد مصممة على تزويجي إياها. فيؤسفني القول يا أماه أنني أكثر منكِ تصميمًا على الرفض.




ثم نهض عن الكرسي وغادر المكان وسط ذهولها الشديد، انتفضت أنفاسها وهي تراقب مكانه الخالي بعينين قد أجهشتا وسرعان ما تناثرت منهما زخات الحزن بغزارة. ولقد شعر نزار بأقصى من ذلك وهو محاط بجدران غرفته، غير قادرٍ على التعبير بما يختلج نفسه من أوجاعٍ وجروحٍ مدمية، وفي اليوم التالي ذهب إليها معتذرًا بشدة، أمسك كفها وقبله قائلًا: «أنا أسف! حقكِ علي، لن أفعل ما يزعلك مني مجددًا.» ولكنها أبت أن تسامحه دون أن يوافق على الزواج كشرطٍ لقبول اعتذاره ونيل رضاها.


تنهد نزار بعمق وما كان بيده إلا الدعاء لله أن ينسيها ذلك الإصرار العظيم، وقد ود حقًا أن يتبين منه دوافعه حينما قرر في إحدى المرات أن يفتش عن معلوماتٍ تقوده إلى الآنسة أمل. وقد كان ذلك في اليوم التي تحدث به إليها عبر البريد الإلكتروني لأول مرة.


إحساسه بالارتياح لرؤيتها والنظر الجيدة التي بات ينظر بها نحوها لم تكن لتغير حقيقة أنه لا يرغب بهذا الزواج لأسبابٍ شخصية لا تتعلق بها، فظل على ترقبه لحلول اليوم الذي ستتراجع فيه والدته عن رغباتها.


ثم أقبل يوم الجمعة، وسمع بحلول المساء عن زيارتها المفاجئة إلى بيت التومي. وهو متأكدًا تمامًا من السبب الذي جعله تزورهم، شق عليه أن يكبح جماح غضبه ويتصرف معها بهدوءٍ وعدم مبالاة. لكنه كان قد رسم في مخيلته وسيلة ناجحة وفعالة جدًا في إنهاء الأمر ووضع حدًا قاطعًا له عندما قام بسرقة هاتف والدته سرًا والحصول على رقم المسجل باسم الطبيبة أمل.


أفضى نزار بكل تلك الحقائق لها ولكن دون الخوض في التفاصيل العائلية الحساسة، طامرًا حزنه ومستعيدًا بذلك قناع البرود والكبرياء، وكانت الأخرى قد استمعت إليه بانتباه وهدوء في بادئ الأمر ثم بانزعاجٍ واضح عندما بدأ يبرر موقفه ويعده أمرًا عاديًا. الأمر الذي جعلها تتحدث بعدوانية قائلة:
– لكنك تصرفت على نحوٍ أناني للغاية، لم تكن تهتم سوى لمصلحتك الخاصة، دون أن تراعي مشاعر امرأة لا دخل لها بما يجري بينكما.

حينها أجابها بهدوءٍ قاتم:
– لهذا السبب سبق وإن قدمت اعتذاري لك.
– هل تظن أن الاعتذار لوحده كافيًا؟!

فمرت لحظات بدا نزار فيها على وشك التفوه بشيءٍ جديدًا لم يخطر على بالها البتة، وهذا ما أكده سؤاله المبهم بعد أن أدار ملامحه يحدقها بثبات:
– ماذا عن رد الاعتبار؟

ظلت تتطلع إلى عينيه السوداويتين بحيرة، غير قادرة على إيجاد تفسيرٍ مناسبٍ لما قاله، أو بالأصح أصابها العجز وسط ارتباكها الشديد حينئذٍ. فلم يواجه نزار إي عائقٍ في ظل التزامها الصمت وتابع يقول:
– أريد أن أحقق رغبتها، إذ كان هذا سيجعل منها سعيدة للغاية فأنني مستعدٌ للتراجع عن قراري. وأنا أطلب منكِ أن تعيدي التفكير في الأمر.




فكرت أن هذه أعقد طريقة لطلب الزواج على الإطلاق، كل كلمةٍ منها لا تخلو من الكبرياء والأنفة. يخبرها وبكل صراحة أنه مستعد للتراجع عن قراره فقط لأجل إرضاء والدته. وأنه أبدًا لن يتزوجها لأسبابِ لائقة أو معقولة مما بدأت تتسلل لمخيلتها. ولم تكن تعلم هل يخبرها ذلك عن عمدٍ أو يعنيه حرفيًا. كما لم تتفهم شعورها نحوه في تلك الأثناء.


قطع حبل تفكيرها صوته وهو يضيف:
– ولكن تمت شيئان إثنين أريد أن أخبرك إياهما: الأول أنني لا أريد لأحد أن يعلم أي تفصيلٍ مما جرى معي بعد الحادث. فأنا كما سبق وإن أخبرتكِ، أخفي الأمر على الجميع فعليكِ كذلك عدم ذكر هذا أمام عائلتك.

وحينها تساءلت قائلة بفضول:
– وما الشيء الأخر؟
– إذ أردتِ أن تكونِ زوجتي، فأنكِ ستذهبين معي إلى كندا، حيث سنقيم هناك داخل شقتي الصغيرة. وسأكون ممتنًا لسماع رأيك الصريح والواضح في خلال أسبوعٍ من الآن.


لم يكن ما جرى بينهما منصفًا بالنسبة لها، كان هو الطرف المسيطر والذي يدير دفة الحديث أينما يشاء، يملك الأفضلية بالطبع لأنه من دعاها لأجل هذا اللقاء، وهو من تحضر جيدًا لرمي الحقائق والأسئلة كركام فوق رأسها دفعةً واحدة، فلا عجب أن تعجز عن مواجهته أو التعبير عن آراءها ومدى استياءها من سلوكه المتعجرف في النهاية.


استمعت لأخر كلماته التي منحتها شيءً أخر للتفكير به بجدية، قبل أن ينصرف كل واحدٍ منهما إلى دربه، لقد تتطلع بها بعينين تواقتين وبأسلوبٍ أكثر تهذيبًا أخذ يقول: «القرار بيدكِ الآن عليك بإعمال الفكر وإمعان النظر جيدًا»


* * *

هذه هي نهاية الجزء الخامس فما رأيكم به؟ لقد أخذ مني وقتًا كثيرًا لكتابته.

وما توقعاتكم حول القرار الذي ستتخذه بطلتنا في النهاية؟ هل ستوافق أم سترفض؟

نلتقي في فصل جديد لنعرف ذلك.





التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 14-06-21 الساعة 08:32 PM
ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 15-06-21, 07:13 PM   #32

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي

هذا الجزء جميل جدا من حيث الكتابة والأسلوب وصوره التعبيرية والأدبية الرائعة أحييك عليه
بالنسبة للبطلة فمن الطبيعي و المنطقى أن ترفض العرض ولكنى أعتقد ان الكاتبة لها رأى آخر
أتمنى لك التوفيق


Wafaa elmasry غير متواجد حالياً  
قديم 15-06-21, 11:53 PM   #33

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa elmasry مشاهدة المشاركة
هذا الجزء جميل جدا من حيث الكتابة والأسلوب وصوره التعبيرية والأدبية الرائعة أحييك عليه
بالنسبة للبطلة فمن الطبيعي و المنطقى أن ترفض العرض ولكنى أعتقد ان الكاتبة لها رأى آخر
أتمنى لك التوفيق
أنتِ الأجمل 🤍
شكرًا لكِ


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 20-06-21, 11:29 PM   #34

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفَصلُ السَّادس – القَرار –


وبهرة الشّفق تلونُ الأفق، كانت أمل شبهُ مستلقية على فراشها الوثير ذو اللحاف الملون، طاويةً أرجلها وواضعة رأسها على الوِسادة تتطلع إلى لا شيء عبر بياض سقف الغرفة، وكانت ابنة الخَالة «ندى» قد انتخلت لنفسها مكانًا مُنذ وقتٍ طويل، فوق السرير المُجاور حيث بالإمكان أن تستمع إلى الإجابات الضئيلة الصَادرة عنها لكل سؤالٍ ترشق به حاجز الصمت. وحيث تبدي رغبةً مُلحة في تحري ما جعلها مع تَضارب الأفكار في عقلها خَائرة القوى.


وقد كانت أمل أبية منذ الوهلة الأولى التي تقابلا فيها قبالة السيارة أوان الرحيل أن تروي لها أو لصديقتها أي شيءٍ مما حدث، وطيلة الطريق إلى المنزل لم تنبش بكلمة أمام تساؤلاتهما، قائلة أن أشعة الشمس المُنحدرة قد تسببت لها بصداعٍ حاد.


والحقيقة أنها كانت أذكى من أن تروي لهما القِصة ولو بصيغة خَالية من التعقيدات، ورأت أن هذا شأنٌ يخصها وحدها عليها أن تطيل فيه التمعن والتفكير. ولقد اكتفت بالقول لهما أن السبب الذي دعا نزار لرؤيتها بعدما حدث كان للإفصاح عن رغبته بالزواج منها، هذه المرة بمحض إرادته.


وقد استطرد ندى سؤالًا أخر أشد صرامة وقتذاك، حول إن كانت تضع نصب عينيها احتمالًا لقبول طلبه بعد أن أهانها بتلك الطريقة البشعة وخالية من الإحساس على حد تعبيرها، وحينها امتثلت أمل للصمت ولم تجيب خوفًا من أن ينزلق لسانها بحجة التبرير.



ولأنها كذلك لم تتبين ولو وميضٍ خافتٍ يشير إلى القرار الأقرب إلى عقلها وقلبها معًا. وفي أخر الأمر سئمت ابنة الخالة من محاولاتها المتكررة وغادرت بعد غداء الجمعة إلى بيتها تاركة إياها على الحال ذاته من الشرود والوجم الغير معهودين.


لا شيء كان يبعث على الاطمئنان سوى امتلاكها لست أيامٍ متبقياتٍ من المُهلة، مجرد استيعاب عقلها لتلك الحقيقة ازيح عنه التشويش فباشرت بالتساؤل عن أكثر الأشياء التي تشغل فكرها، حول مرضه ومعاناته التي كان قد حكى عنها القليل. فلم تتردد دقيقة قبل أن تنقب عن الحقائق وتتقصى المعلومات بشأنه عبر شبكة الإنترنت.


وكانت جد أسفة من أعماق فؤادها أنه قد تعرض لكل هذه المآسي والأوجاع التي لا تحتمل لمجرد التفكير، وبات بإمكانها أن تستشعر مقدار القوة التي يتمتع بها، أن يظل إلى حد هذا اليوم قائمًا على قدميه رغم الزلزال الذي قسم الأرض من تحتهما.


ثم امعنت سلوكه المتأرجح وأنماط شخصيته التي يلفها التعقيد كان هذا شيئًا أخر يجعلها في حيرة عظيمة، شيءٌ أخر بلا ريب يرجح قرار الرفض عن القبول، فمن الواضح أنه لا يحبها ولا حتى يبدو معجبًا بها بسخاء، حتى أنه لم يتوانى عن البوح بالسبب الذي قاده للعدول عن رأيه المتشدد. وبذلك رأت أنها لا تملك من ناحيته سببً لائقًا للقبول.


من ناحيتها وعلى الصعيد العاطفي كان الأمر أكثر تعقيدًا من أن تفهمه. أما من حيث المنطق فوجدت أنه من الحماقة أن تقرر خوض مثل هذا النوع من المغامرات الخطرة التي تتطلب تضحية عظيمة جدًا بكلتا نواحي حياتها الاجتماعية والعملية.


فالأمر أشبه بدخول نفقٍ مظلمٍ والتوغل فيه دون حذر، كذلك فكرت في عائلتها والأشخاص المقربين منها، الدائمون على الاعتقاد بها أفضل الظنون، والمتخذون منها قدوة في سداد الرأي واتخاذ القرارات الصحيحة والسليمة دومًا كيف ستكون خيبتهم جد جسيمة ما إذ رهنت بحياتها وخسرت الرهان.


بعيدًا عن ذلك كانت هنالك أصواتٍ قليلة وخافتة تحثها على منح الأمر فرصة أكبر للتفكير. في ما عدا جفاف أسلوبه أنها معجبة بشخصيته كرجل، بل أنها مغرمة به في الحقيقة فلا تنكر مدى لهفة قلبها حينما تراه أو يغيب عن ناظريها فتشتاق إليه. بدأ الأمر يتضح لها منذ اليوم الذي تفاجأت به متوقفًا خلف زجاج نافذتها.


ويضاف إلى تلك الأشياء الإيجابية نشأته في كنف عائلة محترمة ذات صيتٍ وسمعة حسنة. ولكنها لا تعلم هل هذين الشيئين يكفيان في مثل هذه الحالات هل يمكنها أن تأتمنه على قلبها وأن تثق به. فكل تلك القصص التي تسمعها عن الفراق والخلاف لا تمدها ببصيصٍ من الأمل، يبعث إلى قلبها نزرًا من الطمأنينة.




بعد مضي ثلاث أيام أخريات، كانت أمل قد قررت قطعًا بأنها لن تجيبه على طلبه، ستلتزم الصمت حتى انتهاء المهلة وبذلك ستكون قد أنهت الأمر تمامًا وإلى الأبد، عند ذلك حلت عليها غيمة الحزن فبدأت قطرات الرش تتناثر على خديها وسريعًا ما اشتدت بوابلٍ كثيف لفرط الجوى ولوعة قلبها المتيم.


ثم بعد أن أفرغت تلك الشحنة السالبة بدأت بالتدريج تعود إلى طبيعتها السالفة، تمارس حياتها باعتيادية تقريبًا. لم تعد الأفكار حوله تراودها باستمرار ليس إلا إذ أرادت ذلك.


وذات مساء خرجت لأجل التسوق، قطعت المسافة من بيتها إلى الجادة الرئيسية حيث المحال والأسواق المتراصة بلافتاتٍ ملونة ومضاءة، كل ذلك لأجل الحصول على بعض الملتزمات الناقصة. داخلت إلى أحد الأسواق وتناولت كل ما تحتاجه أشياءٍ جمة. ثم تقدمت نحو البائع وركمت بضاعتها فوق المنصة على حين شرود لم يدعها تنتبه لاقتراب أحدهم منها ولا توقفه بجانبها بالضبط بقامته الطويلة.


إلا حينما التفتت بتلقائية وتفرست وجهه الملتحي والمألوف جدًا. لقد كان هو حقًا ذات الرجل الذي لا تنفك الأقدار تجمعها به دائمًا، نظرت إليه بتمعنٍ قبل أن تصرف نظرها نحو البائع حتى تسلم له الأموال وتلتقط الفاتورة والبضائع في أكياسٍ بلاستيكية. وبعد سيرها على رصيف الزقاق عائدة من حيث أتت توافد إلى مسامعه ذلك الصوت الجهير ذو البحة الخفيفة هاتفًا من على بعض مترين:
– هل تحتاجين إلى مساعدة؟!



لحسن الحظ لم يكن قد تمت الكثير من الأشخاص حولهم، ولكن هذا أبدًا لم يكن ليخفف وطأة توترها حينئذٍ خوفًا من أن يرهم أحد فنبشت سريعًا وبخفض دون أن تلتفت وراءها:
– لا قطعًا! أنني بخير.


ولم تجد نفسها إلا وقد تعثرت قدمها بحجرٍ شديد الصلابة حتى كادت أن تسقط أرضًا لولا يدها التي تشبثت بالحائط على يمينها، لكنها لم تمنع سقوط زوجين من الأكياس الثقيلة من يدها. فتسمرت تحدق نحوهما بصدمة لم تتداركها إلا حينما تقدم نزار ليلتقطها من الأرض وحينها قالت له بهمسٍ حاد:
– دعهم أرجوك سأقوم بحملهم بنفسي. ألا ترى أننا على وشك أن نصبح فُرجة للناس؟!


تلك الكلمات كانت كفيلة لجعله يستوعب الموقف، لكنها لم تكن كافية لحثه على التراجع عن رغبته في تقديم العون فقد استلم البضاعة من الأرض ثم أطلق وعينيه مصوبتان للأسفل بإحراج:
– حسنًا سأخذ هذه وأسبقكِ إلى البيت.


ظلت لثواني متوقفة مكانها فاغرة الفاه تراقب مشهد ابتعاده عنها في خطواتٍ متعجلة وثابتة. قليلًا وهزت رأسها حتى تنفض غبار الحيرة من فوقه وتتابع السير بمهلٍ وتأن. وأمام الباب الخارجي للمنزل توقفت لتجد الأكياس التي جلبها نزار أمامه.



ضغطت على زر الجرس وانتظرت إلى حين قدوم والدتها بأرجلٍ مُثقلة بالتعب، مما منحها فرصة لرؤية نزار وقد تسمر بعيدًا جدًا على الرصيف في ترصدٍ للحظة مجيئها. أخذ يتبادلان النظرات المبهمة من طرفه والحائرة من طرفها إلى أن فُتح الباب من قبل السيدة سمية فالتفتت أمل وأرادت أن تنحني لالتقاط الأكياس المتبقية إلا أن والدتها قد سبقتها إلى ذلك وهي تقول:
– هل أحضرتِ كل هذه الأشياء بمفردكِ؟! لم لم تنتظرِ إلى حين عودة أسامة بالسيارة؟!


حينئذٍ كانت قد أدارت عينها كرةً أخرى إلى البقعة التي توقف بها ابن الجيران لكنها بتاتًا لم تعد تراه، جالت بنظراتها نحو ألف ركنٍ وركن دون جدوى، لقد اختفى في غمضة أعين تقريبًا ولم يترك من أثره شيء، غير شدة النبضات والتنهيدات. دخلت إلى المنزل ثم صعدت الدرج الرخامي نحو السطح مسرعة بخطواتها. حيث تناولت نفسًا ممدودًا بينما هي مغمضة الجفون بشدة.


علمت أمل في تلك الأثناء أن حبها له ما هو إلا شعورٌ جامحٌ لا تستطيع كبته أو تقييده إلى الأبد، ستظل تحبه وإن غادر البلاد عائدًا من حيث أتى هذا لن يغير شيء بل سيزيد الأمر سوءًا بعد سوء فهي على الأغلب لن تتقدم أنشٍ واحدًا نحو تجربة عاطفية جديدة بوسعها أن تمحو أثره.



فكرت أنها بتركه يرحل هكذا دون عودة قريبة ومؤكدة تحكم على فؤادها بعقوبة الندم مدى الحياة وبلا تخفيف. لذلك في الخميس التالي أخر أيام المهلة تحدثت معه عبر البريد الإلكتروني وبدون مقدماتٍ جعلت تكتب في عُجلة:
– لقد فكرت بطلبك مليًا، وها أن أخبرك بأنني سأكون موافقة ما إذ تعهدت أن تكون أكثر صراحةً معي.


كانت متحمسة جدًا لسماع رده، ولكن ذلك الحماس لم يدم وسرعان ما تحول إلى قلقٍ كبير جعلها تطوف الغرفة جيئة وإيابًا. وقد مرت ثلاث ساعاتٍ قبل أن يجيبها قائلًا:
– يا إلهي! لقد ظننت بأنكِ لم تعودِ تفكرين بالأمر قطعًا لذلك لقد حجزت تذكرة لرحلة الأحد. حسنًا لا بأس يمكنني أن أتدبر هذا الأمر. ولكن ما الذي تريدينني أن أكون صريحًا معكِ بهِ؟


توقفت تحدق برسالته وتكرر قراءتها مرارًا، وضعت أناملها على شفتيها من فرط الصدمة ثم ما لبثت حتى بدأت تخبره بأنها تود أن تتعرف عليه على نحوٍ أفضل وأن يكون في تعامله معها أكثر سلاسة ولطفًا.


أنها تريد أن يمنحها الحق لرؤيته عن قرب، أن يقص عليها بعضًا من قصص ماضيه وحاضره، وعن الأشياء المحببة إليه والغير محببة، وقد تعهدت هي الأخرى أن تكون على ذات القدر من المصارحة ما إذ قبل بطلبها. وحينها مضت بضع دقائقٍ قبل أن يحيبها بالموافقة بلا إية تعقيدات.



وما هما إلا أسبوعين من المحادثات المستمرة حتى أقبلت على أمها في غرفة المعيشة تبشر بفرحٍ عارم أن السيدة ربيعة ستأتي لزيارتهم برفقة عائلتها وذلك لأجل التقدم لخطبتها مجددًا وأنها هذه المرة موافقة ومن مكنون قلبها فلا داعي للقلق.


فلم تستطع السيدة سمية أن تصدق ما تراه عينيها حينئذٍ وكيف أن ابنتها متذبذبة الأفكار والآراء على نحوٍ غير معهود، وهي تعلم تمامًا أنها ليست من هذا الصنف من الأشخاص على الإطلاق. لكن أمل كانت متيمة في ذلك الوقت محبة إلى أقصى درجة حيث لا تقدر على إخفاء المشاعر المشتعلة في جوفها التي تبت فيها دفء البهجة.


* * *


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-21, 12:01 AM   #35

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

وعقدت الخطبة رسميًا بعد يومين، وقد حضر كلٌ من السيدة ربيعة وابنتها رويدة، وزوجة ابنها هناء وبعض الأقارب من الطرفين في أجواءٍ غامرة بالفرح والمسرة، وكان وجه السيدة ربيعة أشد الوجوه توهجًا وابتسامتها أكثرهن تهللًا طيلة المساء، ولا شيء كان يصف مقدار سعادتها حينما أقبلت أمل بإطلالة مبهرة سلبت أبصار الحاضرين فيما كان شعرها الأملس مسرحٌ للخلف بلمعان أخذ.



أما شعور السيدة سمية فكان باديًا من خلال تعابيرها، مزيجٌ من الغبطة واللوعة في قلبها تزم شفتيها على حين ابتسامة. لم تكن هي فحسب بل كذلك ابنتها الصغرى التي كادت عيناها أن تدمعان لاقتراب اليوم الذي ستغادر به شقيقتها وتنتقل للعيش خارج البلاد.



وكان لا ينشد من تلك الخطبة إلا التوصل إلى التفاهمات المبدئية بين النساء، أما «الفضانية» فكانت للرجال حيث تضع النقاط على الحروف فيما يخص الشروط، والمهر، والمسكن وغيره. ثم يأتي الحدث الأخير الذي يسبق عقد القرآن عادةً وهو حفل الخطوبة حيث يتبادل المخطوبين المحابس.






كانت تترأى إلى بنصر يدها اليمنى الذي استقر عليه ذاك الحجر البراق واللامع، وهي تكاد لا تصدق شيئًا مما جرى بالرغم من مرور ثلاث أشهر إلا أنها تجد الأمر صعبًا على التصديق باقتراب اليوم الذي ستصبح به زوجة الرجل الذي أحبت من أعماق قلبها. ويوم عقد القران كان أكثر الأيام سعادة بالنسبة لها تناست به كل الخوف والقلق مما قد تخبأ لها الأقدار.



تعالت الزغاريد والتهاني في بيتهم بحضور وفير من الأقرباء، كذلك كان الأمر ببيت السيد مصطفى الذي كان عامرًا بالأهل والأحباب، يجيبونه الصغار والصبية وهم يبلسون لباسًا تقليديًا ويحملون بين أيديهم الصغيرة حلوى «العبمبر».



مساءًا وبعد أن أصبحت الأجواء أكثر هدوءًا، ذهبت للقاء نزار من خلف شاشة الحاسب الآلي حيث أقبل عليها مرتديًا «الكاط ملف» وهو لباسٍ تقليديٌ فاخر بقميصٍ أبيض وسترة عاجية مزركشة عند الحواف بخيوطٍ ذهبية اللون من فوق صدرية وسروال بذات اللون والتصميم.





ارتسمت على محياها المسرة حينما رأته وقد بدا وسيمًا جدًا بنظرها. وظلت تتحدث إليه سرًا فلم يكن أحدًا من الحاضرين يأيد حديثهم المتكرر مع اقتراب يوم الزفاف لكنها لم تكن تأبه لهذه الأحكام والضوابط كثيرًا فشوقها إليه لا يضاهيه شوق.



وفي يوم الحناء تكرر الأمر ذاته، بعد أن ذهبت إلى الحمام البخاري برفقة عائلتها، ووضعت الجدائل لشعرها البني منتهية بشريطٍ وردي، وارتدت اللباس التقليدي للعروس الليبية والمسمى «البودري» المتكون من رداءٍ وغطاء رأس حريريان مقلمان بلونين هما الزهري الفاقع والأبيض مع «بلوزة» وياقة منفصلة مطرزتان بإتقان.


فبدت وكأنما هي وردة ربيعٍ قد تفتحت للتو سلبت عقله وقدرته على الكلام ما إن رأها. وحينها لم تقاوم أن تسأله عن مظهرها فأجاب على حين إحراجٍ بأنها تبدو جميلة جدًا.



ثم أتت اللحظة التي يقابلان فيها بعضهما البعض في يوم الزفاف المنشود، في حين هي مرتدية ذلك فستانها الأبيض والمتلألئ بحبات الكريستال حملقت أمل به بحبٍ كأنما هي تخبره أنها لن تواجه أي عناءٍ بعد الآن في تحقيق مرادها، في سرقة قلبه من بين ضلوعه الصلدة، وفي جعله بلا ريبٍ يستعيد روحه المَرحة وابتسامته تلك البراقة التي لم يحالفها الحظ في رؤيتها سوى من خلال صوره القديمة. أنها ستكون له ولأجله طيلة الوقت كما عاهدت نفسها واتخذت القرار.



***


هذه ليست مجرد نهاية للجزء السادس أنما هي أيضًا نهاية لمحطة من محطات روايتنا. والمحطة القادمة ستكون أكثر تشويقًا وإثارة إن شاء الله.

فما هي آراءكم؟ توقعاتكم؟
وهل تعتقدون بأن أمل سيكون باستطاعتها أن تحقق أهدافه المنشودة نحو نزار؟!
إلى حين أن نلتقي في جزءٍ جديد في أجواءٍ جديدة دمتم سالمين💗


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-21, 11:21 AM   #36

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

أنوه:
أن تنزيل الأجزاء سيكون بلا موعد محدد. وليس كل يوم خميس.


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-21, 04:17 PM   #37

Wafaa elmasry

? العضوٌ??? » 427078
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 233
?  نُقآطِيْ » Wafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond reputeWafaa elmasry has a reputation beyond repute
افتراضي

جزء اليوم جميل جدا وبخاصة طريقة تفكير البطلة وعرضها للسلبيات والايجابيات الموجودة في البطل و مشاعرها نحوه التى رجحت الكفة و ساعدتها فى اتخاذ القرار
أعتقد أنها ستنجح في هدفها ولكن ليس بتلك السهولة بالتأكيد ستواجهها عوائق كثيرة ولكنها تتميز بشخصية قوية و صلبة
بالتوفيق لك


Wafaa elmasry غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-21, 10:05 PM   #38

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة wafaa elmasry مشاهدة المشاركة
جزء اليوم جميل جدا وبخاصة طريقة تفكير البطلة وعرضها للسلبيات والايجابيات الموجودة في البطل و مشاعرها نحوه التى رجحت الكفة و ساعدتها فى اتخاذ القرار
أعتقد أنها ستنجح في هدفها ولكن ليس بتلك السهولة بالتأكيد ستواجهها عوائق كثيرة ولكنها تتميز بشخصية قوية و صلبة
بالتوفيق لك
يسعدني دائمًا سمع تحليلاتكِ 💖
أنتِ محقة أمل قوية وصلبة بذات الصلابة التي تتمتع بها شخصية نزار تقريبًا. لذلك ستكون حربٌ صعبة بالنسبة لها لا بد.

🤐😆يجب أن أقفل فمي قبل أن أتفوه بما سيحدث.


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-21, 10:10 PM   #39

ebti

مشرفة منتدى قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية ebti

? العضوٌ??? » 262524
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 14,201
?  نُقآطِيْ » ebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond reputeebti has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الورد والجوري... المصممة سألتك عن طلباتك في موضوع طلب غلاف ...

ebti غير متواجد حالياً  
التوقيع
إن كرماء الأصل كالغصن المثمر كلما حمل ثماراً تواضع وانحنى"
هكذا عرفتك عزيزتي um soso و هكذا تبقين في قلبي شكراً جزيلاً لك على الصورة الرمزية...

قديم 01-07-21, 01:29 AM   #40

ك.خديجة القطوس

? العضوٌ??? » 483982
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 51
?  نُقآطِيْ » ك.خديجة القطوس is on a distinguished road
افتراضي

الفَصل السَّابع – حَياة جَديدة –

بان الشوق، وبزغ السرور، واتقدت الحماسة. وقد سدلت الجفون وامتدت الشفاه وسط ابتسامة حانية. على حين أقلعت الطائرة وتعدت عنان السماء شعرت وكأنما هي كذلك، تحلق عاليًا تتخلل السحب في طريقها نحو الحياة الجديدة التي ولا بد تخبأ لها الكثير. وحينما تقول ذلك فإنها تشير إلى كافة التوقُعات الحسن منها والدميم. إلا أنها ولفرط سعادتها حينئذٍ لم تسمح لأدنى فكرة مُجهِضة أن تنال منها. ولم تكن على استعداد لخسارة هذه اللحظات المميزة والفريدة لصالح الأهوال والمخاوف أيٍ كان مصدرها.


وحينما تحقق الاستقرار فوق كل تلك الأميال الشاهقة أضاءت عيناها فتلفتت لتلقي بنظرة أخيرة نحو مدينتها، وقد بدأت ملامحها تتلاشى شيئًا فشيئًا، ثم أدارت نظرها إلى نزار لتجده منشغلًا بالهاتف واضعًا في أذنيه السماعات حتى أنه لم يعي نظراتها المُحبة والمتلهفة نحوه بتاتًا. وسريعًا ما اغتنمت تلك الفرصة في إخراج مذكرتها الصغيرة التي تحوي خطة مدروسة بعناية لعلها ستشرع في تنفيذها لفرط اللهفة منذ لحظات الوصول.



وقد أدى مفعول الحماس إلى تعطيل قدرتها على النوم أو الاسترخاء، فلم تنل قسطًا من الراحة يزيل بعضًا من أثر السهر لساعة متأخرة قبل أن يحين موعد الرحلة التالية. لذلك لم تجد مفرًا من الغَفوات المتقطعة طوال فترة الانتظار في بلد العبور، فالتصقت بذراع زوجها واتخذت من منكبه وسادة في حين جلوسهما في إحدى المقاعد، والذي بدا أنه معتادٌ على مشاق السفر إلى حد التأقلم، فلم يرتق له جفنٌ للنعاس إلى غاية هذه اللحظة إلا أنه بدا منزعجًا وبشكلٍ طفيف لعدم مقدرته أن يكون حُرًا وسلسًا في الحَركة والتُجوال.



لم يكن هذا ممكنًا في ظل وجود حقيبتين كبيرتين غير حقيبة ظهره عليه أن يبقي عينيه صوبهما على الدوام. إطالة النظر في تلك الرقعة جعله يفكر بطريقة غير جيدة اتجاه زوجته بأنها قد تعمدت جلب عددًا كبير من الأمتعة بالرغم من إلحاحه عليها ألا تفعل. فاقم ذلك الأمر من ضيقه في غضون نصف الساعة التي مرت قبل أن يدير ملامحه نحوها هامسًا بحزم: «هيا، يجب أن نذهب لشحن البضائع»



ومع الصعود إلى متن الرحلة التالية كانت الأجواء أكثر مللًا بالنسبة لأمل إذ ظلت لساعات طويلة بلا حراكٍ لا تدري كيف تستثمر كل تلك الدقائق الضائعة هباءً سوى في إثارة سأم زوجها، وجعله يحس أضعاف الانزعاج الذي أصابه فيما سبق، في حين تمازحه بصوتٍ خافتٍ وتتصرف كطفلة صغيرة ومدللة لها أسلوبها الخاص في التعبير عن العواطف الجياشة، مشاغبة لا تكل سعيًا في دفعه نحو التحدث إليها دون عوائقٍ ولا مللًا من ترصد ابتسامةٍ صريحة وصادقة تشق ثغراه.



لاحقًا، ومع اقتراب موعد الهبوط، أنطلق النداء الذي يأمر الركاب بالاستعداد وربط الأحزمة، آنذاك كانت أمل قد استسلمت لسطوة النوم من جديد فلم تستشعر تلك اللحظات التي ترقبتها بشوقٍ سابغ، كما كان نزار قد أسدل الستائر على مقلتيه الحالكتين في هجعة قصيرة، فأفاق بأناةٍ وتمثل بين أيدي الإدراك حثيثًا ليلمح تلك الظلمة التي احتلت الآفاق من حوله.



وعلى حين راح يشد الحزام حول خصره توقفه الوعي لبقاء زوجته إلى غاية اللحظة نائمة، لم يشاء أن يوقظها كي لا يواجه سيلًا من التساؤلات يجرف البقية من الحُلم القابع به. اقترب منها ثم انحنى لشد الوثاق حولها فأخذت أنفاسها الحارة تضرب شحمة أذنه. وتراجع لما استيقظت ببطءٍ وعينيه باضطرابٍ ترفرفان، لتحتل شفتا الأخرى ابتسامة ساحرة قبل أن تنبش متساءلة: «هل وصلنا أخيرًا؟» فإذ به يجيبها بإيماءة قصيرة.



حطت الطائرة بجناحيها على مدرج مطار تورونتو بيرسون الدولي المتألق بالأنوار على مرمى الأعين، بدأ الركاب يتهافتون بانتظامٍ نحو المخرج، أما العروسين فلم يغادرا مقعديهما إلا بعد أن فعل الأغلبية، سارت أمل على نهج زوجها ونصيحته فكانت منهمكة في ارتداء معطفها الخريفي ورفعت السَحاب إلى درجة عالية تحفظ جسدها من نفحات الأجواء، التي كانت كما المتوقع باردة وغائمة بكثافة، لقد بللت الأمطار الغزيرة مذ دقائقٍ كل ما أمكنها تبليله فبدت أرضية المدرج كصفيحة من المعدن المصقول واللامع انعكس عليه وميض الأضواء القريب منها والبعيد.




وما إن غدرا حتى بدأت السحب السوداء مجددًا في إرسال رذاذٍ خفيف مُبشر. وبعد دقائق كانا في مبنى الركاب لأجل الإجراءات واستلام أمتعتهما، ذهب نزار للحصول على بعض الأموال من آلة الصرافة في حين جلست أمل في انتظاره قريبًا من المَخرج، لتشاهد عيناها بعد فترة وجيزة الانهمار الشديد لقطرات المطر عبر الزجاج ومكثت على حالها حتى أقبل عليها قائلًا:
– هيا بنا.


ثم أخذ يجر إليه إحدى الحقيبتين ممسكًا بإحكامٍ مقبضها قبل أن يسمعها تطلق قائلة:
– ألا يجدر بنا أن نمكث إلى حين أن تهدأ الأمطار؟!

فرأته ينزع الحقيبة من على ظهره ثم يقوم بفتحها مُفتشًا عن شيءٍ ما لثوانٍ قليلة قبل أن يخرج تلك المظلة السوداء الصغيرة ويمدها نحوها قائلًا:
– يمكنكِ استخدامها في ظرف الثواني القليلة التي سنقضيها تحت المطر عوضًا عن تضييع الوقت.


فمدت أمل ذراعها لتستلم المظلة من يده، ثم نهضت برويةٍ وتناولت مقبض الحقيبة الأخرى لتسير بجانبه في طريق مغادرتهما للمطار وتوقفهما للحظاتٍ في كنف المبنى حتى استقلا سيارة أجرة ووضعا جل الأمتعة داخل الصندوق. بعد قليل صعد نزار ليجلس بجانبها في المقعد الخلفي وخصلاتٍ من شعره الغامق خارج نطاق القلنسوة تبدو مبتلةٍ بفعل المطر، فلم تجد نفسها إلا وهي مُنجذبة للنظر إليه قصرًا، غير قادرة على أن تشيح عنه ملامحها الهائمة باستمرار حتى انتشلها من تلك لحالة صوته وهو يصف للسائق وجهتهما.


وحينها التفتت نحو زجاج النافذة وبدأت تتأمل تلك الصور المُشوشة للطريق بفعل المطر لنصفِ ساعة في صمتٍ مطبق كأنما لا تريد أن تفوت تفصيلًا واحدًا حول المدينة التي تزورها لأول مرة. وبعد أن قطعوا جوادٍ رئيسية كثيرة انعطف بهم السائق إلى طرقٍ متفرعة تصطف على كلتا جانبيها منازلٍ مشيدة على الطراز الفيكتوري الفريد في حي باركديل، واحدٌ من أكثر الأحياء ازدحامًا في المدينة حيث يقع جنوبًا منها على حدود بحيرة أونتاريو.



توقف السائق أخيرًا حيث أخبره نزار الذي ترجل من فوره غير آبهٍ لشدة الهطول وتوجه ليقوم بإخراج الأمتعة في حين لحقت به أمل بعد أن فردت أجنحة المظلة وسارت لتستلم منه إحدى الحقائب.


وحين عودتهما منح نزار للسائق أجرته بينما تسمرت أمل بالخلف منه في سكون. وما إن غادرت السيارة من أمامهما حتى رأته يستاج السياج المعدني القصير الحاد بين الفناء والرصيف، ثم يعبر ممرًا يقع على كلتا جانبيه بساطٍ من العشب وشجرة صنوبر عملاقة في منتهى الخضرة وإلى غاية أن وصل بخطواته المتعجلة إلى مطلع ذلك المنزل المدهون بطلاءٍ رمادي فاتح، والذي يعتمر فوق طابقيه قبعةً من القرميد الأسود.


وكانت أمل تسير خلفه وهي محتمية بالمظلة على نحوٍ أبطأ إلى غاية أن توقفت وهي على مشارف الدرج، حيث لم يدوم الأمر لوقتٍ طويل قبل أن يقبل من خلف الباب رجلًا ذو بنية متينة، بشرة بيضاء وشعرٌ أشقر خفيف مصففٌ في تسريحة مرتبة، كان ذلك هو مالك البيت السيد «جانستون» والذي أحسن استقبالهما ودعاهما إلى الدخول بحفاوة فشرعا في تلبية دعوته عاجلًا وبلا أدنى تفكير.


وعند الردهة صافح نزار السيد وظل يتحدث معه بالإنكليزية كصديقٍ ودود جدًا يتقاسمه ذكرياتٍ عديدة ضاربة في القدم، وكانت أمل سعيدة جدًا لرؤيته على هذا الحال شديد الشبه بماضيه المزدهر، أكثر انطلاقًا ورغبةً في البوح بأحاسيسه وأكثر اهتمامًا بها وبوقوفها بجانبه اليوم، كان ذلك واضحًا حينما سأله السيد عنها ولم يتوانى على تقديمها له وظواهر الامتنان تحتل عينيه.

ثم بعد مرور بعض الوقت تركهما السيد ليصعدا السلم المؤدي للطابق العلوي وهو يتمنى لهما ليلة هنيئة. وفي أثناء معاناتهما مع الأمتعة نبشت أمل متسائلة بتهكمٍ:
– لم أكن أعلم بأنكَ تجيد التحدث بهذا القدر! لقد جعلتني منبهرة جدًا.


لم يجيبها إلا بعدما وضع الأشياء التي بيده في قمة الدرج ثم عاد ليستلم منها الحقيبة قائلًا بخلو:
– فقط حينما أرغب بذلك.


أخيرًا كانا قد توقفا أمام باب الشقة حيث تفرغ نزار لفتحه على الفور من ثم الدخول واشعال بعض الأضواء التي مهدت لهما السبيل لرؤية مدخل الشقة بمساحته الصغيرة والشبه الخالية. أخذت أمل أولى خطواتها هناك لتتمعن عن كثب هيئة المكان رغم العتمة التي تكتسح أركانه البعيدة. فوجدت أمامها بابٌ مغلق لحجرة ضيقة وعلى يسارها كان المطبخ المكشوف للعيان بدواليبه القليلة المتراصة في مواجهة صالة المعيشة تمامًا.


توجه نزار فورًا إلى خلع حذاءه وترك معطفه معلقًا إياه في خطاف الخزانة يمينًا. في ذات الوقت الذي تقدمت به أمل وهي تنبش منبهرة:
– يا للغرابة! يبدو منزلكَ في غاية الجمال والترتيب، أكبر بكثيرٍ مما كنت اتخيله! ولكن أين هي غرفتك بالضبط؟


فرأته يشير لها إلى أقصى اليسار بينما يقول:
– هناك. دعينا نضع الحقائب بداخلها.
– حسنًا.

خلعت حذاءها هي الأخرى واحلت سحاب معطفها قبل أن تسير بصحبته إلى غاية وصلهما لذلك الركن حيث وجدت باب الحمام في مقابلها، وعلى ناحية اليمين غرفة نومه ذات المساحة الوافية لتحمل بين جدرانها خزانة شاهقة تتوارى بداخلها الملابس والأغراض، وسريرٌ فردي يجاور النافذة ذو حجمٍ قياسي حتى للوهلة الأولى يبدو كسريرٍ مزدوج بلحافه الناصع بياضًا. اقتربت لترتمي عليه فاردة ذراعيها في استرخاء لتقول:
– مريح للغاية. أجمل وسيلة للاسترخاء بعد ساعاتٍ طويلة وشاقة.

– ستعجبكِ الكنبة الجلدية بالخارج على نحوٍ أكبر. أؤكد لكِ بأنها ستلاءم حجمكِ تمامًا.

حملق فيها بحاجبين المعقودين بينما هو متوقفٌ بجانب الخزانة ضامن ذراعيه التي يحيطها قميصه القطني بلون حبات الزيتون. تلفتت أمل لترامقه باستغراب وسرعان ما أطلقت ببعض المكر:
– ما الذي تقصده؟ أنا بالطبع لن أنام هناك. إذ يجدر بي أن أذكرك إياه السيد أنني زوجتكَ، ولهذه الصفة يمكنني أن أحظى بأي شيءٍ أريده في هذه الشقة. فهي ملكي أيضًا.




وحينها حاول أن يكبت شعور الانزعاج المشتعل في جوفه حتى أحمر وجهه وتوسعت محاجر عيناه بينما يطلق قائلًا وهو يصر على أسنانه وسط ابتسامة مزيفة:
– طوال اليوم وأنتِ تتصرفين كطفلة صغيرة ومزعجة هل ظننتِ بأنني لن انتقم لكل الأشياء التي فعلتها؟

وبأكبر كمٍ من الاستفزاز انطلقت نبرتها وهي تردف:
– لا يمكنك ببساطة، لأنني لم أرتكب أي جرم يستحق أن تنتقم لأجله. والآن عن أذنك يجب أن أذهب للاستحمام.


نهضت من فوق السرير نازعةً معطفها وخمارها الأزرق على انحناءٍ لتتحرر تلك الشعيرات العالقة به وتنهمر على وجهها. كان نزار لا زال يراقبها في تلك الآونة فأشاح بنظره وانتظر اللحظة التي غادرت بها الغرفة ليزفر الهواء بشدة من فوهة شفتيه.


وبعد أن غمرت المياه الساخنة جسده هو الأخر عاد ليجدها مستلقية على السرير بمنامة النوم الحريرية وهي مغمضة العينين بسلم، اقترب ليدنو منها محدثًا إياها بصرامة فيما أخذ يهز كتفها النحيل بيده:
– استيقظي! لا تتظاهرِ بالنوم أنني أعلم أنكِ تفعلين...




توقف حينما تيقن أنها تغط في سباتٍ عميق بجفنين تحيط بهما هالة التعب وشفاهٍ مزمومة. مد أنامله الطويلة لكي يتلمس خدها الأسيل بأرق ما يمكن، وحينما ارتعشت رموشها في تذمرٍ طفيف رفع عنها يده وارتمى على السرير بجانبها مستلقيًا على ظهره يتوسد فوق الوسادة قبضته بينما استغرقه بعد ثواني التفكير بأمر الإيام المقبلة، حياته الجديدة المثقلة بالمهام والمسؤوليات التي لم يألفها ولم يتعاده حتى هذه اللحظة. بالرغم من ذلك لم تكن تلك الهواجس الكبيرة لتكون محط قلقٍ أو تهديد بالنسبة له حينئذٍ بقدر ما كانت تلك القبضة الناعمة التي وقعت على فكه فجأةً محدثة إياه عن مدى سوء الليلة التي سيقضيها وهو على شفا حفرة من الوقوع أرضًا.

يتبع...


ك.خديجة القطوس غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حب، عشق، عاطفية، رومانسية، خذلان، غيرة، شوق، اشتياق، فراق، حنين، رومنسية،

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.