آخر 10 مشاركات
[تحميل] مشكلتي مع كلمة / للكاتبة الفيورا،سعودية (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          الصحوة ( الجزء الأول من مذكرات مصاص الدماء ) - كامل - (الكاتـب : Dalyia - )           »          715- رحلة غرام -عبير ميوزيك (أصلية) (الكاتـب : Just Faith - )           »          طلب مساعدة (الكاتـب : ام هدى وعدنان - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          أنتَ جحيمي (82) للكاتبة المُبدعة: Just Faith *مميزة & مكتملة رابط معدل* (الكاتـب : Andalus - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree247Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-05-22, 09:15 PM   #51

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
القصه جميله والبارت الاخير عاطفي اخيرا شفنا حنان اما زواج زينة فعلا زواج غصب
ودي اعلق اطول بس مااقدر وودي اني معلقه بعد كل بارت قريته قصه جميله ومشوقه واسلوب رائع
سلمت يدك


ياحلوك الله يسلم قلبك ، أبد يكفيني وجودك بين ثنايا روايتي ♥

تايست likes this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 06:19 AM   #52

منى العويدين
 
الصورة الرمزية منى العويدين

? العضوٌ??? » 475590
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 57
?  نُقآطِيْ » منى العويدين is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمته :
أولاً كل الشكر للكاتبه ماتتتصورين فرحتي وانا اقرا اول سطور الروايه واعرف انها عمانيه حلمي يتحققق 🥹
ماتتصورين ي كاتبتنا العزيزة كيف اني ماسكه نفسي لا اعلق من اول بارت ع ابداعك بس ماقدرت اتحمل مع قفلت البارت الثالث 🥺 🫶🏻

جميع الكلمات لم تكفيها لتُعبّر عن صدمتها العارمة
لذلك كانت الطريقة الوحيدة للتعبير ، وتنفيس غضبها
هي يدها التي طبعت صفعة على خده جعل وجهه يلتّف للناحية الآخرى
تفاجأ الحارث ، بل انصدم صدمة عُمره
فهذه الصفعة .. هي أول صفعة يتّلقاها من أخته الحنون
هتفت والغضب أعماها ، هتفت بعصبية :
قصّ عليك بكلمتين وغسل مخّك المصدي بها ؟
سمعت شوره اللي نابع من حِقد وكره ومشيت وراه ؟
وش تعرف عن خالك أنت .. وش تعرف عن قسوته ونذالته ؟
متأمل فيه واجد .. واجد متأمل ينقلك لعالم جديد
مسح على خده بتألم
يعلم أنه اليوم أخرج آخر ذرة صبر تبّقت في صدرها
يعلم أنه نبش وحشها تحت غطاءها البارد
أكملت والسعير بدأ يشتعل بجسدها :
7 سنين ربيّتك فيهم ..
ما فكّر فيها خالك يمد يده لا بمال ولا بدعم
7 سنين أربي فيك وأكبّرك حتى تصير اللي ودّك تصيره
بصعوبة دخلت الجامعة ليش ؟ ما سألت نفسك ؟
ما مرّ على بالك هذا السؤال وفكرّت تسألني إياه ؟
تعرف ليش ؟
لأني كنت أدرّسك وأنسى أدرّس نفسي
كنت أقطع وقتي وأعطيك إياه عشان تنجح بدراستك
دخلت الجامعة .. وحتى الراتب اللي أنعطى إياه وهبته لك
-حُشرج الألم في صدرها-
عطيتك وقت ، وجهد ، ومال ، ونفسية
وهذا اللي تجازيني فيه يا حارث ؟
أنزل رأسه خجِلا ، أنزله على إستحياء حين بانت له بعض الحقائق
تقول له لما لم تتسائل ، بل تسائل وكثيرًا لما أخته لم تتوظف
رغم أنها خريجة تربية .. تستطيع الحصول على وظيفة تعليمية لو أنها أخذت تأهيلًا علميًا
وها هو السبب يتضّح إليه ، درجاتها .. معدّلها
الذي لا يسمح لها بالترشّح حتى تُصبح معلمة
إلا إن كانت هُناك وساطة ، من السماء والأرض
همس بصوت ملأه البُكاء :
كنت أمزح ..
شَخُص بصرها نحوه ، سكتت دون كِلمة آخرى
ليُكمل هو بوجع :
كنت أمزح معش لأنش من شهر ما تكلميني
ولسانش ما طبّ لساني ..
مزحت معش لأني أبغاش تفّشي خلقش فيني
ولأن ابغى أعرف الأسرار اللي تخبيّها عليّ
-رفع رأسه بجدّية -
وأولها ليش تكرهي خالي ؟
رفعت رأسها نحو السماء ، الساطعة بشمسها !
تُخبيء دمعها بعيدًا عن أعينه الباحثة عن إجابة
همست بخفوت مؤلم :
الإنسان يبغى يعرف ويعرف .. لكن بعد ما يعرف
يتمنّى إنه ما عرف ولا سمع
وهذا الأفضل لك يا الحارث .. إنك تظلّ على عماك
ولا كبرت .. وقسى قلبك
راح تعرف كل شيء

يالللللللله كيف كنت خايفه يروح صدق لاخواله الحمدالله ان تربية زينه ماضاعت
احس زينه تكره خالها وامها انهم تسببوا ب اذى لابوها ممكن نصبوا عليه وخسر كل حلاله وتخلت امها عنها زي ماقال مرشد ب اولى الباراتت انه خسر كل شيء وظيفته واهله

———————-
أعرف إني أسأل سؤال إجابته طافت عليها سنين
لكنّ إن كنتي تعرفي ولو شيء بسيط عن الموضوع فأتمنى تفيديني
عقدت نِعمة حاجبيها ، أردفت بتساؤل :
إن شاء الله لو كانت حاجتش بيدي فالله يعطيش إياها
قولي أنتي اللي ودّش إياه
أخرجت هاتفها ، انتقلت نحو الاستوديو
لصورة كانت قد ألتقطتها مُسبقًا :
ربيعتي .. تدّور على هذا المولود
طبعًا إن كان عايش للحين
يكون أخوها .. نتوّقع إن الموضوع عدى عليه 30-31 سنة
الحسبة على ما مكتوب في شهادة الميلاد
-سكتت ، لتُردف بعد ثواني من التردد -
اسم الأب مشطوب .. بس اسم الأم وأبوها موجود
وبصراحة ، أنا اليوم اسألش لسببين
الأول : إنش كنتي تشتغلي في مستشفى المحافظة كممرضة
والثاني لأن اسم الأم تعرفيه
ازدادت عُقدة حاجبيّ نعمة ، وما زالت لا تعلم ماذا يجب أن يكون دورها :
اسمها من ؟
أرتها الهاتف ، والاسم الموجود على البطاقة :
سلمى قحطان .. بنت عمش
رفعت نِعمة عيناها عن الهاتف ، نحو عينا أميمة بدهشة
وبغضب طفيف أردفت :
سلمى متزوجة وعندها بنات ، وأنت تعرفيهن أكثر مني
وحدة منهن صديقتش رأس برأس
همست أميمة بخفوت وهي تتراجع :
أعرف خالتي ، أنا سألتش لأني مستغربة
لأن كلنا نعرف إنها من تزوجت عمي حاكم زوجها الأولي
ما جابت منه عيال وطلّقها
ولكن شهادة الميلاد ما بتكون عند خالتي سلمى منّاك والدرب
صح ولا أنا غلطانة ؟
أشاحت بوجهها ، وجهها المُصفّر والذي اختفى لونه بعد دقائق
لم تفت أميمة تلك التغيرات التي حصلت أبد
وأيقنت إن أمرًا ما تعرفه ولكنّ كتم السر يُكبّلها
أردفت نعمة بهمس قائلة :
سلمى من طلّقها حاكم ، انتقلت هي وأبوها لمنطقة ثانية
وانقطعت أخبارها
أنا وهي أنا .. بنت عمّها وكنت ربيعتها
ماعرفت إنها تزوجت وخلّفت إلا بعد ما كبرن بناتها
تبغيني أعرف إذا كان عندها ولد!

عندي احساس قوي ان زيد اخو اسوم صديقة اميمه وزاد احساسي من قال زيد ان ابوه كاتب وصية بخط يده قبل يموت وامه رافضه تنفتح وتتعب بس اذا فتح موضوع ولدها بس الله يستر هل مخطوف بما ان امه كانت مممرضه بنفس مستشفى ولا امه ام اسوم تركته مع ام زيد لما كانت ممرضه علشان تتخلص من زوجها السابق ومايربطها فيه شيء < 🤔وهذا اقرب توقع بالنسبه لي ولا خطأ من مستشفى قالوا توفى وهو حي
———
بنت سيف ما يطلع منها العِيب ، بنتٍ مثل النسمة
لا مرّت على غيرها مرّت بهداوة
يا بخت من هي في حياته
سكب له فنجانًا وهو يبتسم بخفوت ، يجلس أمامها ( متربعًا ):
انشهد .. تربية سيف والنعم فيها
-همس وهو ينظر لفنجانه دون أن يصل لوالدته-
يالله إنك تصرفها عن تفكيرها ، يالله إنك تستجيب
لكن دعواته تلك لم تتعدى سقف منزله ، حتى ارتدّت بعكسها تمامًا
حين قالت والدته بصوتٍ حنون :
تراها في خاطري
عقد حاجبيه ، وهو يُدخل البرتقال في فمه حبةً بعد حبة :
ومن اللي بتقبل فيني ؟
ببساطة أردفت نِعمة :
أميمة بتقبل
غُصت حبة البُرتقال في بلعومه ، وصلت إلى مُرادها بعد مُرواغة
راوغ هو كذلك حتى يُزيحها عن مسار حديثهم
لكن يبدو أنه لا مفرّ.
أردف بهدوء :
شتّان يا أمي .. راغدة في عِيشتها ، وأنا معسور
متنّعمة متهنيّة تحت ظلّ أبوها .. وأنا ظلّي صد مني بعد الصِعاب
أردف بذات النبرة :
فقرك من غِناك ما يعيبك ، ما يعيب الرجل إلا ضنينه
وأنت يديك من شدة جودها ابيّضت
صدّ بوجهه ضائقًا :
انسيها يا أمي .. ما تناسبني ولا حبة
دوري لي على اللي ترضى بأحوالي
قالت بإصرار غريب :
أميمة ولا غيرها يا زيد
-أكملت حين كان سيقاطعها-
عزّام ما يرفضك ، وسيف أنت رابي تحت جناحه
بعد أبوك رحمة الله عليه
ما راح تنرفض ، ووجهي لك يا زيد
ما راح تنزفض وأنت الحكيم ولد عبدالله
زفرّ بداخله ، تنهد وتلك التنهيدة لم تُعطي لنِعمة إجابة شافية
وقف ، قبّل رأسها مرة آخرى وفرّ هاربًا نحو المجلس
لتتبعه نعمة بنظراتها بخفوت :
مايجي في ذي الدنيا مثل قلبك ، والله لو شافوا خباياه
نسوا قلة حيلتك

اااااااااه ي زيدددد حرام عليكِ اشوف القمر قدامك كل يوم وترفضه قسم بالله لو هو قدامي ضربته كف بس خفيف لاني احبه 🥴 بس احس هي اميمه بتكون حلقه اللي توصلك لأهلك الحقيقين

——-
( يُصدر صوتًا بقفل الباب الحديدي متعمدًّا
تتسع إبتسامته رويدا ، يصدح بصوته الباسم :
يا زينة البنات ، يالزين
تحولت ابتسامته لضحكة ، وهو يرى قدوم ذاك الشبح الصغير
يركض بأقصى سُرعة ، بهيئة مُضحكة
اقتربت منه زينة ، وشعرها في حالة يُرثى لها
ترتدي قميص قطني أزرق بورود حمراء يصل لمُنتصف ساقها
وحذاء دون الآخر بأقدامها
تراقصت حوله بفرح :
جبت لي شيء ، جبت لي شيء صح ؟
جلس على رُكبته ، كما يُحب دومًا حين يتحدث إليها
ربّت على شعرها المُتموّج كموجات بحر
تنسّل أشعة الشمس من بينه
ليبتسم بغمزة عينه :
هالمرة ما مثل كل مرة
تزايدت ضحكاتها الباسمة ، وفي كل بسمة يشرق قلب مُرشد ويزدان بها
أخرج من جيبه ( حجر ) متشكّل بفعل عوامل التعريّة
حتى اتخذّ شكلًا رقيقًا كشكل القلب
أمسكته بيدها ، وهي منبهرة من شكله
فكيف لحجر قاسٍ وصلب أن يتشّكل بهذه التشكيلة الرائعة
أردفت بإندهاش :
الله ! قلبببب
-أمالت فمها بتفكير لثواني-
بس ليش ما أحمر ؟
ضحك مُرشد ، وسعادته تتسّع بوجودها :
نلّونه أحمر يالشيخة ولا يهمش
رفعت سبابتها أمام أنفه وهي تقول بغيض:
اسمي زينة ، مو شيخة
قبّل اصبعها الصغير ، وهو يعضّه
لتتعالى ضحكاتها هذه المرة بشكل متوجع
حملها بين ذراعيه وهي ما زالت تنظر لذاك الحجر بنفس النظرات
أردف مُرشد بهمس :
ندخله فالصندوق ..
اقتربت منه وهي تُهمس في إذنه بابتسامة :
وندفن الصندوق تحت الغافة )
'
'
'
ودُفن الصندوق هُناك ، تحت جذع الغافة الكهِل
تكبر ، ويكبر معها عدد الأعوام والأيام للصندوق
دفنت ما أغتنمته من والدها حين كان يُمارس صعود الجبال
ويعود بالآثار والغنائم
ظنّت أنها ستُصبح سعيدة حظ ، كخُرافة اختلقوها هي ومُرشد
لكنّ وحدها الجِراح من تكالبت عليها
وحده شوق مُرشد من جعلها سيئة حظ


ياللللللللللللله ي زيننننه بكككككيت معها كيف متحمله هالبنت 😭💔
———————
أمامها يقف متجردًّا من كل الجُبن الذي صادفه يومًا
متخلصًا من الصمت الذي أمرضه لسنين
همس بخفوت :
ماعرف الواحد كيف يرتب كلامه
كيف يوازن شعوره ويجاهد على إنه يترك الصمت
وجودي في السجن عزز بداخلي رغبة
رغبة إني أمتلك كل شيء أنا خاطري فيه
لأني أعرف بأن أيامي معدودة وإني إذا ما قررت ما راح أعيش

انتــهى ❤

اااااااااااااااه واخييييييييييييرراً نطقتها ي قايددد مع اني ادري بترفض بس بيجي يوم تفتح لك قلبها
—-
أخرج من جيبه غطاء معدني دائري الشكل استخرجه من علبة مشروب غازي-
أنا سيء ، ومليان عيوب ! ولا أملك مواصفات تشفع لي
لكنّي اخترتك من بدهم تقيميني
اخترت أشاطرك وجعي وأستطيب فيك
ما أبيه عقد وتوقيعين ، أبيها حياة كاملة محفوفة بالمشاركة
شاركيني الطريق ، شاركيني الشعور
شاركيني الوسادة!
مشهددددد وهو يعرض عليها بغطاء مشروب غاااازي ذكرررني ب انمي الحين منتشر اسمه عائلة الجواسيس نفس مشهد اللهم بدال غطاء المشروب غازي هناك ب انمي غطاء قنبله 🫢 شكل قايد متابعه اعترف وعليك الامان 🤣

NON1995 and تايست like this.

منى العويدين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 07:01 PM   #53

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منى العويدين مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمته :
أولاً كل الشكر للكاتبه ماتتتصورين فرحتي وانا اقرا اول سطور الروايه واعرف انها عمانيه حلمي يتحققق 🥹
ماتتصورين ي كاتبتنا العزيزة كيف اني ماسكه نفسي لا اعلق من اول بارت ع ابداعك بس ماقدرت اتحمل مع قفلت البارت الثالث 🥺 🫶🏻

جميع الكلمات لم تكفيها لتُعبّر عن صدمتها العارمة
لذلك كانت الطريقة الوحيدة للتعبير ، وتنفيس غضبها
هي يدها التي طبعت صفعة على خده جعل وجهه يلتّف للناحية الآخرى
تفاجأ الحارث ، بل انصدم صدمة عُمره
فهذه الصفعة .. هي أول صفعة يتّلقاها من أخته الحنون
هتفت والغضب أعماها ، هتفت بعصبية :
قصّ عليك بكلمتين وغسل مخّك المصدي بها ؟
سمعت شوره اللي نابع من حِقد وكره ومشيت وراه ؟
وش تعرف عن خالك أنت .. وش تعرف عن قسوته ونذالته ؟
متأمل فيه واجد .. واجد متأمل ينقلك لعالم جديد
مسح على خده بتألم
يعلم أنه اليوم أخرج آخر ذرة صبر تبّقت في صدرها
يعلم أنه نبش وحشها تحت غطاءها البارد
أكملت والسعير بدأ يشتعل بجسدها :
7 سنين ربيّتك فيهم ..
ما فكّر فيها خالك يمد يده لا بمال ولا بدعم
7 سنين أربي فيك وأكبّرك حتى تصير اللي ودّك تصيره
بصعوبة دخلت الجامعة ليش ؟ ما سألت نفسك ؟
ما مرّ على بالك هذا السؤال وفكرّت تسألني إياه ؟
تعرف ليش ؟
لأني كنت أدرّسك وأنسى أدرّس نفسي
كنت أقطع وقتي وأعطيك إياه عشان تنجح بدراستك
دخلت الجامعة .. وحتى الراتب اللي أنعطى إياه وهبته لك
-حُشرج الألم في صدرها-
عطيتك وقت ، وجهد ، ومال ، ونفسية
وهذا اللي تجازيني فيه يا حارث ؟
أنزل رأسه خجِلا ، أنزله على إستحياء حين بانت له بعض الحقائق
تقول له لما لم تتسائل ، بل تسائل وكثيرًا لما أخته لم تتوظف
رغم أنها خريجة تربية .. تستطيع الحصول على وظيفة تعليمية لو أنها أخذت تأهيلًا علميًا
وها هو السبب يتضّح إليه ، درجاتها .. معدّلها
الذي لا يسمح لها بالترشّح حتى تُصبح معلمة
إلا إن كانت هُناك وساطة ، من السماء والأرض
همس بصوت ملأه البُكاء :
كنت أمزح ..
شَخُص بصرها نحوه ، سكتت دون كِلمة آخرى
ليُكمل هو بوجع :
كنت أمزح معش لأنش من شهر ما تكلميني
ولسانش ما طبّ لساني ..
مزحت معش لأني أبغاش تفّشي خلقش فيني
ولأن ابغى أعرف الأسرار اللي تخبيّها عليّ
-رفع رأسه بجدّية -
وأولها ليش تكرهي خالي ؟
رفعت رأسها نحو السماء ، الساطعة بشمسها !
تُخبيء دمعها بعيدًا عن أعينه الباحثة عن إجابة
همست بخفوت مؤلم :
الإنسان يبغى يعرف ويعرف .. لكن بعد ما يعرف
يتمنّى إنه ما عرف ولا سمع
وهذا الأفضل لك يا الحارث .. إنك تظلّ على عماك
ولا كبرت .. وقسى قلبك
راح تعرف كل شيء

يالللللللله كيف كنت خايفه يروح صدق لاخواله الحمدالله ان تربية زينه ماضاعت
احس زينه تكره خالها وامها انهم تسببوا ب اذى لابوها ممكن نصبوا عليه وخسر كل حلاله وتخلت امها عنها زي ماقال مرشد ب اولى الباراتت انه خسر كل شيء وظيفته واهله

———————-
أعرف إني أسأل سؤال إجابته طافت عليها سنين
لكنّ إن كنتي تعرفي ولو شيء بسيط عن الموضوع فأتمنى تفيديني
عقدت نِعمة حاجبيها ، أردفت بتساؤل :
إن شاء الله لو كانت حاجتش بيدي فالله يعطيش إياها
قولي أنتي اللي ودّش إياه
أخرجت هاتفها ، انتقلت نحو الاستوديو
لصورة كانت قد ألتقطتها مُسبقًا :
ربيعتي .. تدّور على هذا المولود
طبعًا إن كان عايش للحين
يكون أخوها .. نتوّقع إن الموضوع عدى عليه 30-31 سنة
الحسبة على ما مكتوب في شهادة الميلاد
-سكتت ، لتُردف بعد ثواني من التردد -
اسم الأب مشطوب .. بس اسم الأم وأبوها موجود
وبصراحة ، أنا اليوم اسألش لسببين
الأول : إنش كنتي تشتغلي في مستشفى المحافظة كممرضة
والثاني لأن اسم الأم تعرفيه
ازدادت عُقدة حاجبيّ نعمة ، وما زالت لا تعلم ماذا يجب أن يكون دورها :
اسمها من ؟
أرتها الهاتف ، والاسم الموجود على البطاقة :
سلمى قحطان .. بنت عمش
رفعت نِعمة عيناها عن الهاتف ، نحو عينا أميمة بدهشة
وبغضب طفيف أردفت :
سلمى متزوجة وعندها بنات ، وأنت تعرفيهن أكثر مني
وحدة منهن صديقتش رأس برأس
همست أميمة بخفوت وهي تتراجع :
أعرف خالتي ، أنا سألتش لأني مستغربة
لأن كلنا نعرف إنها من تزوجت عمي حاكم زوجها الأولي
ما جابت منه عيال وطلّقها
ولكن شهادة الميلاد ما بتكون عند خالتي سلمى منّاك والدرب
صح ولا أنا غلطانة ؟
أشاحت بوجهها ، وجهها المُصفّر والذي اختفى لونه بعد دقائق
لم تفت أميمة تلك التغيرات التي حصلت أبد
وأيقنت إن أمرًا ما تعرفه ولكنّ كتم السر يُكبّلها
أردفت نعمة بهمس قائلة :
سلمى من طلّقها حاكم ، انتقلت هي وأبوها لمنطقة ثانية
وانقطعت أخبارها
أنا وهي أنا .. بنت عمّها وكنت ربيعتها
ماعرفت إنها تزوجت وخلّفت إلا بعد ما كبرن بناتها
تبغيني أعرف إذا كان عندها ولد!

عندي احساس قوي ان زيد اخو اسوم صديقة اميمه وزاد احساسي من قال زيد ان ابوه كاتب وصية بخط يده قبل يموت وامه رافضه تنفتح وتتعب بس اذا فتح موضوع ولدها بس الله يستر هل مخطوف بما ان امه كانت مممرضه بنفس مستشفى ولا امه ام اسوم تركته مع ام زيد لما كانت ممرضه علشان تتخلص من زوجها السابق ومايربطها فيه شيء < 🤔وهذا اقرب توقع بالنسبه لي ولا خطأ من مستشفى قالوا توفى وهو حي
———
بنت سيف ما يطلع منها العِيب ، بنتٍ مثل النسمة
لا مرّت على غيرها مرّت بهداوة
يا بخت من هي في حياته
سكب له فنجانًا وهو يبتسم بخفوت ، يجلس أمامها ( متربعًا ):
انشهد .. تربية سيف والنعم فيها
-همس وهو ينظر لفنجانه دون أن يصل لوالدته-
يالله إنك تصرفها عن تفكيرها ، يالله إنك تستجيب
لكن دعواته تلك لم تتعدى سقف منزله ، حتى ارتدّت بعكسها تمامًا
حين قالت والدته بصوتٍ حنون :
تراها في خاطري
عقد حاجبيه ، وهو يُدخل البرتقال في فمه حبةً بعد حبة :
ومن اللي بتقبل فيني ؟
ببساطة أردفت نِعمة :
أميمة بتقبل
غُصت حبة البُرتقال في بلعومه ، وصلت إلى مُرادها بعد مُرواغة
راوغ هو كذلك حتى يُزيحها عن مسار حديثهم
لكن يبدو أنه لا مفرّ.
أردف بهدوء :
شتّان يا أمي .. راغدة في عِيشتها ، وأنا معسور
متنّعمة متهنيّة تحت ظلّ أبوها .. وأنا ظلّي صد مني بعد الصِعاب
أردف بذات النبرة :
فقرك من غِناك ما يعيبك ، ما يعيب الرجل إلا ضنينه
وأنت يديك من شدة جودها ابيّضت
صدّ بوجهه ضائقًا :
انسيها يا أمي .. ما تناسبني ولا حبة
دوري لي على اللي ترضى بأحوالي
قالت بإصرار غريب :
أميمة ولا غيرها يا زيد
-أكملت حين كان سيقاطعها-
عزّام ما يرفضك ، وسيف أنت رابي تحت جناحه
بعد أبوك رحمة الله عليه
ما راح تنرفض ، ووجهي لك يا زيد
ما راح تنزفض وأنت الحكيم ولد عبدالله
زفرّ بداخله ، تنهد وتلك التنهيدة لم تُعطي لنِعمة إجابة شافية
وقف ، قبّل رأسها مرة آخرى وفرّ هاربًا نحو المجلس
لتتبعه نعمة بنظراتها بخفوت :
مايجي في ذي الدنيا مثل قلبك ، والله لو شافوا خباياه
نسوا قلة حيلتك

اااااااااه ي زيدددد حرام عليكِ اشوف القمر قدامك كل يوم وترفضه قسم بالله لو هو قدامي ضربته كف بس خفيف لاني احبه 🥴 بس احس هي اميمه بتكون حلقه اللي توصلك لأهلك الحقيقين

——-
( يُصدر صوتًا بقفل الباب الحديدي متعمدًّا
تتسع إبتسامته رويدا ، يصدح بصوته الباسم :
يا زينة البنات ، يالزين
تحولت ابتسامته لضحكة ، وهو يرى قدوم ذاك الشبح الصغير
يركض بأقصى سُرعة ، بهيئة مُضحكة
اقتربت منه زينة ، وشعرها في حالة يُرثى لها
ترتدي قميص قطني أزرق بورود حمراء يصل لمُنتصف ساقها
وحذاء دون الآخر بأقدامها
تراقصت حوله بفرح :
جبت لي شيء ، جبت لي شيء صح ؟
جلس على رُكبته ، كما يُحب دومًا حين يتحدث إليها
ربّت على شعرها المُتموّج كموجات بحر
تنسّل أشعة الشمس من بينه
ليبتسم بغمزة عينه :
هالمرة ما مثل كل مرة
تزايدت ضحكاتها الباسمة ، وفي كل بسمة يشرق قلب مُرشد ويزدان بها
أخرج من جيبه ( حجر ) متشكّل بفعل عوامل التعريّة
حتى اتخذّ شكلًا رقيقًا كشكل القلب
أمسكته بيدها ، وهي منبهرة من شكله
فكيف لحجر قاسٍ وصلب أن يتشّكل بهذه التشكيلة الرائعة
أردفت بإندهاش :
الله ! قلبببب
-أمالت فمها بتفكير لثواني-
بس ليش ما أحمر ؟
ضحك مُرشد ، وسعادته تتسّع بوجودها :
نلّونه أحمر يالشيخة ولا يهمش
رفعت سبابتها أمام أنفه وهي تقول بغيض:
اسمي زينة ، مو شيخة
قبّل اصبعها الصغير ، وهو يعضّه
لتتعالى ضحكاتها هذه المرة بشكل متوجع
حملها بين ذراعيه وهي ما زالت تنظر لذاك الحجر بنفس النظرات
أردف مُرشد بهمس :
ندخله فالصندوق ..
اقتربت منه وهي تُهمس في إذنه بابتسامة :
وندفن الصندوق تحت الغافة )
'
'
'
ودُفن الصندوق هُناك ، تحت جذع الغافة الكهِل
تكبر ، ويكبر معها عدد الأعوام والأيام للصندوق
دفنت ما أغتنمته من والدها حين كان يُمارس صعود الجبال
ويعود بالآثار والغنائم
ظنّت أنها ستُصبح سعيدة حظ ، كخُرافة اختلقوها هي ومُرشد
لكنّ وحدها الجِراح من تكالبت عليها
وحده شوق مُرشد من جعلها سيئة حظ


ياللللللللللللله ي زيننننه بكككككيت معها كيف متحمله هالبنت 😭💔
———————
أمامها يقف متجردًّا من كل الجُبن الذي صادفه يومًا
متخلصًا من الصمت الذي أمرضه لسنين
همس بخفوت :
ماعرف الواحد كيف يرتب كلامه
كيف يوازن شعوره ويجاهد على إنه يترك الصمت
وجودي في السجن عزز بداخلي رغبة
رغبة إني أمتلك كل شيء أنا خاطري فيه
لأني أعرف بأن أيامي معدودة وإني إذا ما قررت ما راح أعيش

انتــهى ❤

اااااااااااااااه واخييييييييييييرراً نطقتها ي قايددد مع اني ادري بترفض بس بيجي يوم تفتح لك قلبها
—-
أخرج من جيبه غطاء معدني دائري الشكل استخرجه من علبة مشروب غازي-
أنا سيء ، ومليان عيوب ! ولا أملك مواصفات تشفع لي
لكنّي اخترتك من بدهم تقيميني
اخترت أشاطرك وجعي وأستطيب فيك
ما أبيه عقد وتوقيعين ، أبيها حياة كاملة محفوفة بالمشاركة
شاركيني الطريق ، شاركيني الشعور
شاركيني الوسادة!
مشهددددد وهو يعرض عليها بغطاء مشروب غاااازي ذكرررني ب انمي الحين منتشر اسمه عائلة الجواسيس نفس مشهد اللهم بدال غطاء المشروب غازي هناك ب انمي غطاء قنبله 🫢 شكل قايد متابعه اعترف وعليك الامان 🤣



يازييييينك يا منى ويازيييين وجودك، فرحتي بهذا التعليق ما توازي فرحتك ♥
أسعدتيني يارب يسعد قلبك

جميل كيف أغلب توقعاتك صابت 😂♥، وبعضها يمكن صح ويمكن لا
بس حاسة قريتي بين السطور واكتشفتي أسرار حلوة مخباية

بخصوص مشهد قايد وزينة وخاتم المشروب الغازي ، ما تتصورين كيف أكثر من بنت ارسلوا لي مشهد " من أنمي فعلًا " يشابه جدًا الخاتم اللي قدمه قايد 🤣♥
بس ولدنا رومانسي من صغره، محتفظ بهالخاتم البريء بعد ما توعد زينة يعطيه غيرها

شكرًا مرة مرة لوجودك بين زوايا روايتي ♥

NON1995 and تايست like this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 07:23 PM   #54

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,157
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكاديّ مشاهدة المشاركة
يازييييينك يا منى ويازيييين وجودك، فرحتي بهذا التعليق ما توازي فرحتك ♥
أسعدتيني يارب يسعد قلبك

جميل كيف أغلب توقعاتك صابت 😂♥، وبعضها يمكن صح ويمكن لا
بس حاسة قريتي بين السطور واكتشفتي أسرار حلوة مخباية

بخصوص مشهد قايد وزينة وخاتم المشروب الغازي ، ما تتصورين كيف أكثر من بنت ارسلوا لي مشهد " من أنمي فعلًا " يشابه جدًا الخاتم اللي قدمه قايد 🤣♥
بس ولدنا رومانسي من صغره، محتفظ بهالخاتم البريء بعد ما توعد زينة يعطيه غيرها

شكرًا مرة مرة لوجودك بين زوايا روايتي ♥
في طفولتي لعبنا بحلقات علب الغازية علي انها دبله لان اهلنا مسوين رقابه علي خواتمنا مانغير مكانها لدرجة صارو مايلبسونا الازفي المناسبات والزيارات فانا نلعب الفتاحات خواتم وخاتم خطوبه هذا كان من علبه مختلفه جاذب


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 07:30 PM   #55

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غدا يوم اخر مشاهدة المشاركة
في طفولتي لعبنا بحلقات علب الغازية علي انها دبله لان اهلنا مسوين رقابه علي خواتمنا مانغير مكانها لدرجة صارو مايلبسونا الازفي المناسبات والزيارات فانا نلعب الفتاحات خواتم وخاتم خطوبه هذا كان من علبه مختلفه جاذب
صدقتي ، يا جمال طفولتنا البريئة ذاك الوقت ❤

NON1995 and تايست like this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-05-22, 11:24 PM   #56

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تلهيكم الرواية عن الصلاة


الفصـــل الحـادي عشــر



-
أردفت بهدوء ثقيل جدًا على روحها : لا
لم تعجبها النبرة ، ولا النظرة ، ولا فرقعتها لأصابعها النحيلة والمستمرة .. تشعر أن هُناك ذنب يدور بين طرفين وأكثر قلبها يونبئها بهذا الأمر
صمتت ، دعت مجالًا لزينة حتى لا تشعر أن هناك من يريد تفسير هاذان الحرفان على مزاجه
لتُكمل زينة ببرود قارس :
متى ننغصب على شيء ما نبيه ؟ لما يكون عندنا علم بالقرار ، لمّا نتمارى بين الرفض والقبول لكن نشوف أنفسنا انجريّنا لـطريق القبول غصب عن أنف رفضنا
ما انغصبت يا حنان لأن ما كان بيدي القرار .. ولكنّ ما كان اختياري
نظرت لها حنان بنظرات غير مفهومة ، أردفت :
زينة أنا ما فهمت عليش ، ما هو من اختيارش بس ما انغصبتي عليه ! علميّني كيف كذا ؟
هزّت كتفاها صعودًا ونزولًا بلا دراية منها ، ما عادت تعلم تفسير ذلك لأن كلّ معاني المعرفة انسلّت من بين ثغرها متشكلة على هيئة صمت :
يمكن النصيب ، والنصيب عمره ما يخيب
شدّت على يداها في مساندة قلبيّة نابعة من جوف قلبها ، وهي بالفعل تعني كل كلمة تقولها :
لأن النصيب من عند الله ، والإختيار من عند الإنسان .. عشان كذا عمر النصيب ما خاب ! مهما كان السبب إللي خلاك توصلين لهذه المرحلة ، مرحلة الزعزعة والتشتت .. تأكدي إن الخيرة دائمًا موجود في أبسط تفصيل
احنا مسيّرين في أقدارنا يا زينة ، ولكنّا مخيريّن في الرضى بها
مخيرين في سعادتنا ، في ذكرياتنا ، في رغبتنا بعيش الحياة الصح
وقتها لا رضيتي .. حياتش راح تنبني بأساس متين ! لأن أهدافش وأهم شيء نيتش واضحة من البداية .. وأعرفي إن "على نياتكم تُرزقون"
زفرّت زينة نفسها المجهد ، لتقول برغبة شديدة في ملء قلبها بالدفء والإطمئنان :
من واقع تجربتش ، انصحيني ؟
ابتسمت حنان بحنيّة بالغة كاسمها :
لأن تجربة عن تجربة تفرق ما أقدر أقول نصيحتي ، ولكن خلينا نبدأ من البداية .. احنا ليش نتزوج ؟
أكيد لأسباب كثيرة أهمها إن الزواج ستر وتحصين للزوجين ! الرسول صلَّ الله عليه وسلم قال : "يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"
نفس الشيء ، نحن نتزوج لأن الزواج سكن للروح ، لأن الزواج مشروع قائم على تكثير نسل نبي الله محمد ، لأن الزواج إعانة على الطاعة والخير
فلما تركزين على الهدف المرجو من وراء الزواج راح تسعين لتحقيقه بكل هدوء ورواقة
بعض البنات فاهمين إن دخول هذه المرحلة مثل دخول ساحة حرب لابد يكون فيها منتصر وخسران ، ولكنّهن على خطأ لأن الزواج عمره ما كان ساحة لخوض حروب المشاعر
أعرفي كيف تمسكين العصا من النص ، بدون شد ولا إرخاء ، أعرفي كيف تتحكمين بمشاعرك وتعرفين توجهينها في الوقت الصح وبالمكان الصحّ
ولا تحمليّن نفسك فوق طاقتها ، لا تحمليّن نفسك همّ الحب لأن المودة والرحمة في علاقة الزواج أهم من الحب بكثير
-مسحت على يدها بابتسامة-
وتأكدي إن كل شيء ينضج بهدوء مع الأيام .. مافي شيء يجي بين ليلة وضحاها على طبق من ذهب
لازم نتعب عشان نحصّل عليها ولو هي حفنة مشاعر ، لأن الإنسان مخلوق في كبد .
همست وعيناها على أظافرها المرتبّة والمصبوغة بلون واحد:
لو ما قدرت أبادله بأي نوع من المشاعر هل راح تطولني أذرع التقصير ؟
مسحت حنان على ظهرها بذات الابتسامة المطمئنة :
لا يا زينة ، منظومة الزواج أبسط من إننا نعقدّها
ماقدرتي تفتحين قلبش وتستنزفين منه شعور وإحساس ، فيكفي من هذا كله الإحترام والتقدير لأنهن ركائز أي علاقة على الوجود
ابتسمت زينة ابتسامة خافتة محملة بأشجان وإمتنان ومحبة وبهجة لهذه الكتلة الهائلة المتشكلة على هيئة " حنان "
سعيدة بوجودها ، سعيدة بإرسال الله عز وجل لها ، سعيدة أن نصيحتها عوضّت عن نصيحة والدتها في ليلتها المهمة
سعيدة أنها سمعت هذا الكلام قبل أن ينغلق الباب عليها وعلى حاتم ، قبل فوات الأوان
همست والامتنان يطفح من صوتها :
يرسلش الله في الوقت المناسب دايم يا حنان ! يا حظ اسمش اللي له منش نصيب
ضحكت بهدوء وهي تستقيم بظهرها ، لا بدّ لها أن تعلم أن زينة خائفة ، من حركاتها غير الإرادية ورفرفة رمشها وفرقعة أصابعها ، ولكنّ توترها ليس توترًا طبيعيًا كأي عروس في يومها الخاص بل لشيء آخر عجزت عن إستشفافه
ابتسمت وهي تنقل نظراتها نحو الغرفة بتمعّن لتردف :
أتوقع إنش ما حجزتي لش صالون ولا شيء ! ناوية تتزينين بنفسش في هاليوم الخاص ؟
أمالت فمها بإبتسامة بسيطة ، كبساطة موقفها الآن :
أنتي شايفه الحالة ، وش المعجزة اللي بتخليني ألقى حجوزات في ظرف أسبوعين ؟ إذا أقل شيء حجز خبيرة الميكاج يبيله شهرين !
وقفت حنان وهي تُحاول بث الحماس والمرح في أوصالها حتى تصنع البصمة بيدها في هذا اليوم :
على قولتش الله أرسلني في الوقت المُناسب ، بتقولين اليوم وكل يوم وينش عني من زمان يا حنان ؟ يلا وين عدّة المكياج الخاصة فيش ؟
-نظرت لها من أعلاها وهي تغمز لها بمرح-
ولا نسيتي اللعب اللي لعبته في وجهكن أنتِ وأميم ؟
ضحكت زينة وهي تنظر لحركاته الحيوية ، كعادتها شُعلة من الإتقاد والإندفاع :
بعتمد عليش ؟
فتحت عيناها على وسعها بصورة دراميّة لبقة :
أنّا بنت مُرشد .. أنتِ تشكيّن في قدراتي التجميلية ؟ قومي بسرعة .. قومي الحين الحين
قالت كلامها بحماسة جادة وهي تُمسك يديّ زينة وتوقفها من مكان لتكمل:
روحي خذي شاور بارد ، وخلينا نبدأ بالشعر يلا عجّلي علينا
بيسري الليل وحنّا ما سرينا
ابتسمت زينة وهي تهزّ رأسه بالإيجاب ، وجود حنان بجانبها في هذا اليوم خففّ الكثير من قلقها وتوترها
بالطبع لم تخبرها ما الذي تنوي فعله وماذا ترجي من وراء إتمام زواجها من حاتم
ستظّل كل الأمور سرًا إلى حين أن تكتشف ماهيّة بنفسها ، لأنها لن تكون بموضع المغفّلة مرة آخرى
-
وبروحها المحلقة المملوءة بالحماسة حاولت حنان قدر المستطاع خلق جو لطيف وهالة ألطف لتدور حول زينة وتلّفها في يومها هذا ، لأنها تعلم تمامًا ان أصعب ما على المرء هو أن يفقد أشخاصه المحببين في أهنى أيامه
جرّبت هي لوعة هذا الأمر ، جرّبت أن تخرج من منزل والدها وتزّف إلى عريسها بلا رضى من أهلها
ولا تُريد لزينة أن تعيش هذا الشعور ، أبٍ ميّت ، وأمٍ هاربة ، وزوجٍ مريض
جاءت كالغيث لصحراء زينة القاحلة ، كالنسيم البارد على المجهد من المشي في رملها
ساعدتها في وضع مكياج وجهها الندي الذي زادها ألقًا فوق ألقها
سرّحت شعرها بطريقة كلاسكيكة رقيقة فشعرها الطويل أخذ منها وقتًا أطول مما تظن
وبين حركة وأخرى كانت تجبر خاطرها بكلماتٍ عديدة
" تهبليّن ، هذا الزيّن اليوم خطير ، ياعروساه ياحلوة ، خايفة على قلب أخوي "
وغيرها من الكلمات التحفيزية التي زادت من ثقة زينة بنفسها
ابتسمت ابتسامة عريضة وهي تضع آخر دبّوس في " الطرحة " البيضاء الأنيقة جدًا لتردف :
وخلصنا يا عروسة ، هاه عسى نال على إعجابش ؟
ترا إنجاز يوم إني خلصتش في 3 ساعات
أغمضت زينة عيناها ، ثم فتحتها بهدوء عميق جدًا
صمتت لدقائق طويلة وسرحت تتأمل نفسها في المرآة
ربما لسنواتٍ طويلة ، منذ وفاة والدها تحديدًا
لم تتزيّن إلى هذا الحد ، لم تضع أحمر شفاه بهذه الدرجة ، لم ترسم عينها بالكُحل الأسود ، لم تسرّح شعرها يومًا بهذه الطريقة
كانت كالأسطورة التي نسمع عنها ولا نراها ! حُسنها العربي الحّاد كان كالأسطورة السمراء العريقة
ازدادت جمالًا ، ازدادت بريقًا ، ازدادت افتتانًا وروعة
كل مافيها اليوم يضجّ بالحياة ، من فستانها المشكوك بدقة عالية المنسّل على جسدها برقة ، وحتى الطُرحة المنسابة خلف ظهرها بسلاسة ! بيضاء رقيقة ، تُشبه الحمامة الوديعة !
همست ويداها ترتجف ، تنظر إلى حنان من المرآة :
ماعرفتني !
اتسعت ابتسامة حنان ، بشكل مُضحك :
هذا وأنا ما سويت لش شيء ثقيل بسببش ، كل دقيقتين تضربين يدي ما عاجبش اللي أسويه
-اقتربت منها وهي ترى ساعة الحائط-
الساعة ستة عصر ، باقي ساعة ويأذن المغرب ! بتنزلين ؟
هزت زينة رأسها بالنفي قائلة :
لا ، مافي زفة ! بيطلعون لي هِنا
غمزت لها حنان برّقة :
حلو يعني أقدر أجلس عندش لوقت أطول
-مسكت يدها وأجلستها بهدوء وهي تعي رجفتها المستمرة-
اجلسي ، بروح أجيب لش شيء تاكليه
وبدون معارضة لأني أنا ميّتة جوع وبنآكل مع بعض
تنّهدت زينة دون رد وهي ما زالت تنظر إلى نفسها في المرآة المُقابلة ، مختلفة ! مختلفة وعذبة أكثر من ذي قبل
اتجّهت حنان نحو الباب ، فتحته بخفّة لتتوقف قدامها بشكل مفاجيء
حينها تبّسمت بقوة لتلفتت نحو زينة :
عندش ضيوف حلوين
فتحت الباب على مصراعيه حين نظرت لها زينة بإستغراب إلا أن هذه النظرات تحولت لصدمة ، تتلوها شهقة
سقطت على ركبتها ، تفتح يداها على أقصاها
وتهمس بعمق موجع :
حسّون !
توقف لوهلة ، لثواني لم يعي من هي التي تُناديه لولا أن عادت لتقول مرة آخرى :
حسّون حبيبي ، أنا زينة تعال
اتسعت ابتسامته ، هارعًا إليها وريح الأشواق تحمله ! من خلفه الحارث الذي ابتسم هو الآخر
ارتمى في حضن أخته التي قبّلته بعمق الشوق الذي استوطن روحها .. كان يكفيها لترى أخوتها إن كانت لن ترى والدها فهؤلاء الأشقاء يحملون رائحة ميتّها الغائب
رفعت رأسها والدمع قد اتخذّ مجراه وسط زمجرة حنان الغاضبة :
كيف جبته ؟ أمي درت ؟
دنى منها الحارث وهو يقبّل رأسها ، قائًلا بربكة ضاحكة :
هربته من بيت خالي بمساعدة ولد خالتي ، وقلت له يقول لأمي إنه بياخذ حسّون البقالة
وجبته لش .. وهو مشّخص بعد !
ضحكت زينة بسعادة غامرة وهي تمسح على خديّ حسن المحمّرات :
ياحلو المشّخص ! جعله ذخر وسند لي
-تنّهدت لتقول بقلق-
أمي لو درت بو بعيد عنها تقيم القيامة ولا تقعدّها .. وأخاف عليك وقتها يالحارث
مسح على كتفها ، عيناه تنقل إلى زينتها الخلابّة :
بيغطي علينا ولد الخالة قد ما يقدر ، أنتِ استانسي في يومش يا عروسة .. والود ودّي أزفش زفة لا صارت بهالبلد ولا استوت
بس الحيلة بيد الله ، ومقدارش أكبر من كمٍ سيّارة وشويّة زِينة
ابتسمت زينة بحُب عميق لهذا المتلّبس بثياب الأب :
يكفيني وجودكم جنبي ، بدون إزعاج وشوشرة
-رفعت رأسها نحو حنان-
صوريّنا بجوالي .. تلقينه هناك في الكمدينة
لفّ الحارث رأسه بإتجاه حنان المتخصّرة بيدها اليمنى ، ليرتاع من نظراتها الحادة :
بسم الله .. هذه ليش تشوف علي كذا ؟
صرّت بعيناها ، تنظر له بإمتعاض مصطنع :
كبرنا يا حرّوث وصرنا ما نسلّم على عماتنا ! الله يالدنيّا
الله يالصغيّر ياللي كنت أراكض وراك عشان تلبس ملابسك
وأأكلّك وألاعبك .. نسينا ما كلينا
كحّ الحارث بإرتباك وخجل تفجّر في قلبه ، توارى خلف زينة ليتضّح نصف جسده فقط :
أقول يالشريّة وخري عني ، ما نسيت سواتش فيني يوم أنا صغيّر على قولتش
وبعدين منصب " العمّة " انتقل منش لأميمة ! راحت عليش
ضحكت زينة ، تحتضن بين يدها حسن :
الله أكبر عليكن يا بنات عمّي ، وش هالإضطهاد اللي تمارسونه على أخوي ؟
من متى بنات العم يتنادوا بعمّة .. آخر زمن
ابتسمت حنان بضحكة ، مسكت هاتف زينة في وضعية الإستعداد :
هذا من الإحترام طال عمرش ، ولا تبينه ينادينا حاف ؟ عيب ترانا كبر جدّاته
نظر لها الحارث بقهر من إستصغارها لنفسه :
أنتي يا بنت عمي تراني السنّة الجاية آخر سنة لي بالمدرسة
يعني إني على أعتاب الجامعة .. عندش كم شهر تستانسين على لقب العمّة
-قفز من مكانها بشكل مفاجيء مدهوش-
اللهم سكنّهم مساكنهم .. أنتي أصلًا وش جابش بلادنا ؟
عبدالمجيد طلّقش ؟
شهقت حنان بروع ، تقدّمت نحوه عازمة على ضربه :
تفّ من فمك يالنذل ، فالك ما قبلناه .. مجيد يطلقني ؟ مجيد يطلق على رأسك رصاصات ولا يطلّقني
أمال فمه بعدم إعجاب :
عشتو ، مادري وش لاقي فيش .. كلّش على بعضش وحدة هبلة ! ياعمتي حنان
حنان بتهديد صريح مقصود ، وصوت أجش تعمدّته :
هذا اللي بيخليني أدفنه في هالجبال وتنهش لحمته الذيابة
أنت من يومها لسانك متبريّة منك
قلت بروح وأرجع وألقاه متغيّر ، بس الله يسلم اللي قال " قص صبع ولا تخلف طبع "
نظر لها بقهر مصطنع ، يشعر بالمرح حين يراها تلقائيًا :
آخر واحد قال ذا المثل دفنّاه في سيح أجلد لا جاه مطر ولا نبت فيه شجر .. أنتِ من أي عصر طالعة ؟
ابتسمت له بخفّة ، تضغط على هاتف زينة :
من عصر اللي بيكفّخوك بعد شوي ، اوقف جنب أختك زين
وحط يدك على كتفها من وراء .. ثم انفخ ريشك شوية
يابو شعرة شنب !
ضحكت زينة بضحكة مكبوتة ، ضربت حنان الوتر الحساس بالنسبة للحارث .. يا لسوء حظها :
خلاص أنتو وياها .. لا تنبشوا مواضيع بتخلي الفلعة في روؤسنا
حنان صورينا وفكيّنا لأن سوالفش ما تخلص ما شاء الله
التفت لها الحارث بتأييد :
أتفق معش أختي الكريمة ، تقولين بالعة راديو ! شكل عبدالمجيد حارمها من الكلام طول ذي السنين
التقطت حنان الصورة ، وضعت الهاتف في مكانه ! لتردف بابتسامة غاضبة مصطنعة :
عبدالمجيد سارق شيء من ورثك ؟ علمنّي عشان أرجعه لك
وارحمنا من الضرب بالكلام لا بارك الله بعدوينك
قاطع كلامها حسن الصغير حين قال لزينة مؤشرًا بسبابته :
هذه من ؟
ضحكت زينة بخفة ، احتضنت وهي تجلس على الكنبة الوثيرة :
هذه ياحبيبي بنت عمّك حنان ، اللي راحت ورجعت ولا غيرتها ظروف ومشاكل ! واحذرني تقول لها عمتّي وتكبّر رأسها
-أردفت بعجلة-
والله ما تقولين شيء ، روحي جيبي الأكل اللي كنتي بتجيبيه
خطت خطواتها نحو الخارج ، تتحلطم بحزن رقيق :
الله يرحمك يا عمّي مرشد لو إنك حيّ ما رضيت على حنان المسبّه




-
يقفان كتفًا بكتف يشرفان على آخر تجهيزات الخيام التي يقوم عمّالها بإسدال قماشها الثقيل من الأعلى حتى الأسفل
ينظران إلى الآخرين وهم يضعون الكراسي بجانب بعضها لإستقبال المعازيم والمهنئين
كلاهما يرتديان نظارة شمسيّة ، وكلامها عاقد الحاجبين
بسبب أشعة الشمس الساطعة التي بدأت تزداد سخونة في الآونة الأخيرة معلنة دخول الربيّع
وكلا الإثنين ينحدر تفكيرهما في طريق مختلف .. فحاتم الضائق ينظر بتركيز لنقاط معينة وتفكيره يؤول لهذه الليلة
وكيف سيتصرف بهذا القيّد الذي قيّده لباقي عُمره .. قيد الزواج
بينما زيد يأخذه تفكيره نحو عبدالرحمن ، ومآسيه
تنّهد الأخير ليجذب إنتباه حاتم له ، وابتسم حينها بخفوت :
33 سنة مرّت ، الله يا مسرعها يا حاتم
نظر لها بهدوء موحش :
يعني ؟
التفت له رافعًا نظارته أعلى شعره ، ينظر إلى إنعكاسه في نظارة حاتم :
أمس نخطط واليوم نشوفه واقع ، وش تظن اللي اختلف ؟
همس حاتم ، صدّ عن ناظريه وهو يستر عورة قلبه :
الشعور ، والإحساس وقتها
ضحك زيد ، وضع يده على كتف حاتم وهو ما زال يضحك :
والحماس نفسه ، اختلف معاك واجد .. وين اللي كان متحمس يبني عايلة ، وين اللي كان يقول بجيب أول حفيد لأبوي وأول حفيد لآل عزم
سبقوك الواجدين .. سبقوك أخوانك !
زفرّ حاتم بضيق احتّل قلبه ، لا يعلم ما يرمي إليه زيد :
زيد لا تتكلم كأنك مب عارف الظروف ، الأول تحّول
قلتها لك قبل .. وهذا أنا أرجع أقولها لك ميّة مرة وإن ما كفى زاد العدد !
ابتسم زيد ، على نفس وضعيتّه :
أنا هذا اللي أبغى أوصل له يا أخوي .. الأول تحوّل ما اختلفنا
ظروفك نعرفها .. حشى ما جادلنا فيها ونبشنا جروحها
ولكنّ الرضى بالحياة القادمة الحين أهم
اضحك يا رجّال ، انبش الفرح من قلبك وانفض عنّك غباره
اقتنص هاللحظات عشان تصنع منها ذكرى حلوة .. مب هذا اللي أنت تبغاه ؟
نزع نظارته حين بدأت شمس هذا اليوم بالغروب متوارية خلف الجبال التي أمامهم :
ما يناسبني الفرح يا زيد ، ما يركب على مقاس قلبي ، أنا أستحي أفرح وجروحي تنزف لليوم .. أستحي أقول أقبلي يا فرحة أنا الليلة لك شريك !
تنّهد زيد وابتسامته تخفت رويدًا رويدا :
وش اللي مضيّق صدرك لليوم ياخوي وعجزت أنا أفكّ أقفاله ؟ إنك ما تتذكر شيء ؟ ماهي قضية أو أزمة .. ياكثر الشباب اللي على أعتاب المستشفيات وحالتهم أردى من حالتك ولكنّ للفرح بأرواحهم نصيب .. وش اللي فرقك عنهم وأنت اللي ما يلحقك قصور؟
ابتسم حاتم بأسى حُمّل بقلبه الغضّ :
الرغبة .. عندك مفتاح باب الرغبة ؟
-التفت له بعينان تلمعان-
يازيد .. أنا مشتهي أغيّر ملامح وجهي مو بس ملامح شعوري
مشتهي ألاقي في دروبي الورد بدل الشوك ، وأشوف الراحة بدل الأسى
أنا أشقيت نفسي ، وأشقيت أمي وأبوي وقلبي معاي !
طاقتي كل مالها تنفذ وتنفذ .. ولا صار عندي إحتياطي لها
شدّ زيد براحة كفه على طرف كتف حاتم ، يخبره بها أنه هُنا .. عموده الذي لا ينهدم:
شدّ العزم يا ولد العزم .. وقوفك على حافة الطريق تنتظر فيها قافلة السعادة تمرّ وقوف الجُبناء ، لأن الشجاع ما يهاب التجربة
ومن يوم خلقت وأنا أعرف صفاتك ، الشجاعة والإقدام تنبع من جوفك نبع مهوّل .
خلّي الليلة ليلة التغيير ، سطّر عنوانها على رأس الصفحة وقول لقلبك إنك نويت ومن نوى أقدم بلا خوف
-ليقول بجديّة أكبر-
وكلمة وحدة يا حاتم حطها بعيونك وقفّل عليها ، بنت مُرشد مالها ذنب ، لا تسوّل لك نفسك تعاقبها بذنب ذاكرتك المفقودة .. أو ذنب أبوها المرحوم
زفرّ حاتم ، مد يده ليدفع زيد من صدره بنبرة غاضبة :
بتسوي فيها أبوي يالنّاصح الأمين ؟ خلاص ترا طلعت من خشمي هالنصايح .
استقام في وقفته ، واحتّدت نظرات عينيه .. مد يده هو الآخر ليدفعه للخلف حتى تراجع خطوة :
وش فيها لو نصحتك مرة ؟ في الإعادة إفادة .
وكله عشان أبغى مصلحتك يالثّور !
عاود حاتم دفع زيد من كتفيه :
ما الثّور غيرك ، شايفني ولدك ولا أخوك الصغير
يبه تراني أكبر منك بشهر ونص .. وأفهم منك
بنبرة مصطنعة يكاد ينفجر ضاحكًا بسببها :
ما صارت شهر ونص ، ذليتيني عليها 33 سنة يالظالم
-دفعه زيد للخلف ، للمرة الثانية وبغضب مصطنع-
أنت الحين ليش تدفني ؟
عضّ حاتم شفتيه وهو يدفعه بشكل أقوى من ذي قبل :
أنت اللي ليش تدّف ، بكسّر يدينك وقف هبل على اللي تسويه
توقف زيد بشكل مفاجيء ، تراجع للخلف بخطوة وهو ينظر لحاتم الذي ينظر له بعقدة حاجبيه
وعلى حين غرّة تقدم منه بشكل سريع ، ودفعه للخلف بقوة أكبر .. ليرتطم حاتم في الجدار من خلفه وهو مدهوش من حركة زيد الغريبة
جهر بصوته الغاضب حين شعر بألم الإرتطام في ظهره :
وش فيك أنت .. وش فيييك ؟
حينها انفجر ضاحكًا ، كما لو لم يضحك من قبل بهذه الكثرة
تزايدت ضحكاته لينحني واضعًا يديه على ركبتيه ملتقطًا أنفاسه
وسط إندهاش حاتم وعصبيّته ، وهو غير مُدرك لما يقوم به زيد
اقترب منه بعد أن هدأ ، ليقول بذات النبرة الضاحكة :
تذكرت شيء ..
-سكت قليلًا عند نظرات حاتم ليُكمل-
ومتأكد أنت بعد تذكرته .. تذكر يوم كنّا عيال الطعش
تضاربنا عشان حجر لقيناه بالصدفة على شكل قلب ؟ يومها كانت حالتنا مثل حالتنا الحين ، كل واحد فينا يدف الثاني يبغى ينول اللي لقطناه ، آخر شيء وش صار ؟
من خفّتك طرت وطحت في ساقية الفلج وسط القرير ( الضفادع )
حين أنهى جملته عاودت ضحكاته لتنتشر في الجو .. لا يعلم لما عادت له هذه الذكرى بعد أكثر من 15 سنة ، وسط هذا الموقف بالذات
وما لا يعلمه زيد ، أن حاتم كان يتذّكر بالفعل ما حصل .. وحين مرّ الموقف على عقله ابتسم .. بل إن ابتسامته تحوّلت لضحكة قصيرة شاركها زيد وارتبطت بضحكاته :
يالنذل .. من خفتّي ولا من دفاشتك ؟ عاد ليتك خذت الحجر وهربت ! من شهامتك وقفّت تساعدني وما ألقاك اللي في وسط حضني ، زحلقتك طحالب الساقيّة
اقترب زيد وهو يضحك ، وضع يده على كتف حاتم :
أمانة تذكرت الموقف ؟
ابتسم حاتم أكثر وأكثر :
والله العظيم تذكرته .. وهو واحد من المواقف اللي قربتنا من بعضنا أكثر
طيحّتني ، مديت يدك تساعدني .. طحت معي ، وشلنا بعضنا البعض
همس زيد وهو يعنيها قولًا وفعلًا :
وبتلقاني دائمًا معك .. تطيح وأساعدك ، أطيح وتساعدني
وأنا موجود وحاضر ولبيّه لكل اللي تبيه ..
إن كانك تبيني أخ صرت لك أخ ثاني .. إن كانك تبيني ظهر صرت لك فقراته ، إن كانك تبيني عمود شيّدت حصوني لأجلك
أشرّ يا رفيق دربي ، وأنا وقلبي وروحي كلنا لك نلّبي
المهم هالضحكة ما تنكسي حزن .. المهم هالسعادة ما يغمرها الأسى !
تعاظم الشعور الحنون في صدر حاتم وتزايد بكثرة حتى خرج على شكل تنهيدات أُرغم صدره على إخراجها حتى لا يشعر بهذا الثقل
وبشكل صادم لزيد .. احتضنه بقوة ، قوة حملت في معانيها الشُكر والإمتنان وعظيم التقدير الذي يشعر به من كلامه هذا
لم يشّك يومًا بمعزتّه ، ولا بمكانته ! فهو دائمًا يثق بزيد
همس في أذنه بكلام لم يظن يومًا أنه سيقوله :
على كثر خساراتي ، بتظّل أنت الفوز الوحيد اللي نلته من هالحياة .. بتظّل أعظم نجاة بعد الهلاك
-ابتسم أكثر وأكثر-
بيني وبينك .. لا تخبر حامد باللي قلته
ضحك زيد حتى بانت أنيابه ، ليقول بعدها بحماسة عالية :
يلا ياعريّس أمشي خلنا نخلص أمورنا قبل المُغرب
الشباب ينتظرونا في محل التجهيزات .. وأغراضك جاهزة كلها
بس أول بنمّر عبدالرحمن ، أنا وعدته
التفت حاتم نحوه وهما متجهان نحو السيّارة بجدية عارمة :
على طاري عبدالرحمن .. شيء جديد ؟
تنّهد زيد ، أشغل السيارة ليتحرك بعدها :
حاولت أكلم في البداية أخصائيين نفسيين ، وأقرب موعد المفروض كان راح يكون خلال هالأيام بس أنا أجلته
سأل بكلمة واحدة :
ليش ؟
أجابه زيد ببساطة :
لأن عبدالرحمن للحين شايّل همي ، ومحمّل نفسه ذنب الحادث اللي صار .. رغم إني قدامه وبصحتي الحمدلله
بس هو مب قادر يتجاوز اللي صار .. غير إن الفترة الأخيرة صاير يهوجس باسم سامر ، هاللي ما دريت من هو !
التفت له حاتم بذات النبرة :
سألت نص شباب الحيّ عن واحد اسمه سامر ، قالوا ما سمعنا فيه ،
وأساسًا الحي مب من كبره نعرف أغلب الناس اللي هنا
أكمل زيد معقبًا على كلامه :
قال لي إنه ساكن في بيت أبو جعفر ، وأبو جعفر الله يرحمه ميت له دهر وبيته انباع بعد ما هجروه عياله
يعني فعليًا البيت مهجور ولا فيه أمل يرجع له النور
مسح حاتم على جبهته بخفة وهو قلق :
الله يستر على هالرجال .. متى بدأ هالشيء معه ؟ متى وصل لهالحالة ؟ الله يستر الله يستر
اعتدل زيد في جلسته ، مركزًا في طريقه :
تدري ايش .. لو طلع تشخصيه صحيح ؟ فالعتب كل العتب علينا حنّا يا عيال أخوانه وعيال عمّه .. يا حاتم حنا في زمن صار الواحد يمرض نفسيًا بسبب العطالة والفراغ والوحدة
وهذا أقوى سبب يترك الواحد ينفر من أهله ويلجأ لخياله
لأنه ما لقى من يحتويه .. ما لقى من يعينه ويشدّ بأزره ! أنا عارف إننا كلنا مقصرين معه ، وعبدالرحمن مش حالة شاذة
هذه حالة أكثر من 65 ألف عاطل عن العمل ، الفرق إن بعضهم قادر يتخطى هذه الحالة ويواجهها بشراسة وبعضهم غرق فيها وفرص نجاته تتضاءل على كل يوم يمر
-تنّهد وهو يقف أمام بيت الجد عزام الجديد-
عشان كذا أول خطوة هي إننا نكون حوله
نحسسه بأهميته ، نساعده يطلع من جو الوحدة ، نشركه في قرارتنا
وبعدها نعالجه إذا كانت حالته تستدعي العلاج
أكمل كلامه وخرج من السيّارة ، رأى عبدالرحمن في فناء المنزل والباب مفتوح على وسع
اتسعت ابتسامته ، رفع يده ملوحًا ليقول :
هلا عبدالرحمن
قفز عبدالرحمن لمّا رأه ، اقترب منه وأول سؤال سأله إياه
كان هو السؤال الذي يسأله إياه على مدار اسبوعين :
أنت بخير ؟
ربت على كتفه بذات الابتسامة :
بخير يالشيّخ ، يالله جاهز ؟ لازم اليوم نوقف وقفة أخوان وعضيد مع حاتم !
بتوتر اعتراه أردف وهو يشير ليده :
أحضر وأنا يدي كذا ؟
مسك بعضده ، أوقفه أمام الباب الخلفي لسيّارته :
هيه بتحضر ويدك كذا ، وأنت كاشخ بعد .. يالله اركب الشباب ينتظرونا في المحل تأخرنا
أوقفه بيده السليمة ، قبل أن يصعد للسيّارة :
حاتم .. ما راح يتضايق من وجودي ؟
كان زيد سيفتح الباب لولا أن عاود الوقوف أمام عبدالرحمن المتزعزع من الثقة ليقول بابتسامة مبهجة :
الحين حاتم ولد أخوك ، عمره تضايق من وجودك أو بيّن إنزعاجه بشوفتك ؟
هذا يوم فرحه .. يرضيك ما تشاركه أيام الهنى والسعد ؟ فرحنا ما يكتمل إلا بوجود عيال العزم كل أبوهم
وأنت واحد منّا يا عبدالرحمن
تراجع للخلف نصف خطوة وهو يقول بعينان تلمعان من شدة الأسى :
من متى وأنتو تعدّوني واحد منكم ؟ من متى وأنا لي صوت وحضور بوجودكم ؟ اعتقني اليوم يا زيد
أنا ما أبغى أحضر ، بنفس الوقت ما أبي أكسر خاطر رجاك
استقام بجديّة موقفه :
وأنت فعلًا بتكسر خاطري وخاطر رجاي يا عبدالرحمن ، وبتحسسني إني مالي قدر وحشيمة عندك ..
تنّهد عبدالرحمن بتردد ، يصعب عليه أن يخطو هذه الخطوة
تعزّ عليه نفسه أن يحضر أفراحهم ويتجاهل أتراحهم
كان دومًا في الظّل ، بلا صوت أو صورة .. فقط ظل
يتحرك بلا هوادة ، يقف بلا دراية ، يذوب ويختفي بمجرد اختفاء الشمس
أيعود للظهور مرة آخرى بعد أن كان هاربًا من واقعه نحو خياله
تزايد تردده ، مما جعل دقائقهم المعدودة تمر
ليخرج حينها حاتم من السيّارة ، وينظر إلى عبدالرحمن بابتسامة حاول جاهدًا إخراجها :
وش عندكم يالقمة العربية ؟ تتشاوروا على لون المصّر ( العمامة ) ولا تفكرون تلبسون البشت وتسحبون علي ؟
يالله الشباب أهلكوني بالإتصالات !
-سكت قليلًا موجهًا نظراته لعبدالرحمن-
عبدالرحمن ترا قلت لهم يحجزون لك اللون البنفسجي ، أعرف إن نفسك تهواه هو والأخضر
بس عاد اسمح لي الأخضر اليوم للعريس
اتسعت ابتسامة زيد بإنتصار على كلام حاتم الذي بدأ بمحو التردد من وجه عبدالرحمن
تنّهد الأخير ليركب السيّارة ويجلس خلف زيد ؛ الذي أشر بيده بعلامة " yess " مفتخرًا بما قام به حاتم ، ليُهمس :
والله إنك ذيب ، كيف خطرت على بالك ؟
ضحك حاتم بخفة ، همّ بالدخول هو الآخر ليقول :
لا صار عندك مخَ مثل مخي راح يخطر على بالك !

-
وصلوا بعد 10 دقائق إلى مركز الولاية ، ولا إراديًّا ابتسم حاتم من فوره حين رأى الشباب المصطفيّن أمام المحل
المعلّقة أعلاه لافته كبيرة كُتب عليها ( العريس الراقي لبيع وتأجير مستلزمات الأفراح الرجالية )
ابتسامة صادقة نابعة من قلبه .. وهم يراهم يرحبّون به بطريقة تقليدية اعتادوا على الترحيب بها قديمًا بالضيوف
يمسك أحداهم سيف ، يرقص به طربًا
والآخر يهتف ويغنّي بصوته الأجش ، والباقون يرددون من خلفه بآخر كلمّة يهتف بها
وقف حاتم أمامهم ، بجانبه زيد ومن خلفه عبدالرحمن الذي ابتسم بخفّة
مظاهر الفرح دائمًا ما تجلب البهجة للقلوب السوداوية الشبيهه بقلب حاتم ..
دائمًا ما تُطرب ، تُنعش ، تُوقد الحماسة فيها
كأنها الوعود التي تُطفي نار الظلام وتُنير غيهب القلب الحزين
توقّف صوتهم في لحظة ليهتف الذي يُمسك بالسيّف :
حيّ الله عريس الليّلة .. ارحب
ابتسم حاتم ، رفع يده مسلّمًا عليهم بودّ :
الله يحيكم ويبقيكم .. سلّمكم الله يا شباب على الوقفة
نزل الآخر ، صاحب المحل وصديق حاتم في الوقت نفسه
اقترب منه .. احتضنّه بشدة وهو يضحك :
ما صدّقنا على الله تمر علينا طواري هالليّلة السعيدة
إن ما وقفنا في عز الأفراح لك نوقّف متى ؟ ارحب يا حاتم
المحل وراعيه تحت أمرك الليلة
هتف زيد بذات الحماس الذي أشعلوه بترحيبهم :
التجهيزات كاملة يالحبيب ؟ مانبي نتأخر على المعازيم
والله يا عمّي سيف وقتها بينسفنا نسف !
هو واحنا طالعين متحلّف فينا لو تأخرنا
ضحك صاحب المحل ، أشر لهم جميعًا بالدخول :
يارجل أنا من أمس مرتب كل تجهيزاته .. من مصْرّ وشال وخنجر وبشت ومسباح !
ما يحتاج حتى الإزعاج اللي مسويّه لي .. لأن الليلة ما أشريها بفلوس الدنيا من وسعها على قلبي
نقل حاتم نظراته بيتهم بذات الابتسامة :
اعترفوا وش اللي خططتوه من وراي أنتو الاثنين ؟
ربّت زيد على ظهره بمرح :
اللي أنت ما رضيت به حضرتك .. ولا فيه عريس يقول أنا أتجهز بنفسي في البيت ؟
على طول كلّمت أبو الشباب يحجزلك وماقصر جعله دايم
دعك بكفيّه وهو يقول بحماسه :
يلا بسم الله خلونا نبدأ .. أنا مجهّز لك 3 ألوان احتياط
أخضر وبنفسي وأسود ، اختار اللي يناسبك وأبشر بالباقي
التفت حاتم خلفه ، ليرى وقوف عبدالرحمن مشتتًا نظره لأرجاء المحل ! هتف بخفوت :
الأسود الليّلة لزيد ، مخافة من إنه يخطف الأضواء أبي أكسيه بالسواد
والبنفسجي لعمّي عبدالرحمن ، لأنه ما يزهى إلا عليه
-ابتسم بخفة ثم التفت نحو صاحبه-
والأخضر لي إن شاء الله
ابتسم صاحبه بعمق ، ليقول بمودة :
والله يجعل دربك دايم حضر يا عريس .. يالله بسم الله
أبتدأ أولًا بحاتم .. عريس الليلة في أبهى حالاته ! لّف من حوله المصْرّ ( العمامة الخضراء المنقوشة باللون الذهبي بشكل رائع وخلّاب ) بدقة وإتقان وحرفية إعتاد عليها في ظل عمله في محلّه
ثم انتقل إلى الشال المنسوج بنفس اللون الذي جادل حاتم كثيرًا لإرتاده لرغبته بالإكتفاء بالبشت الأسود فقط ! وسط إصرار صاحبه وزيد الذي قال له بمرح " كيف نثبّت الخنجر إذا ماشي شال وماشي كرش .. اهجع خلنا نشوف شغلنا "
ليخضع حينها حاتم على مضض ، ويترك المقاومة الكلامية عنه
ثم أكمل طلّته البهيّة الرجولية الأنيقة حين لفّ المسباح بخُرزه الذهبي حول رأس الخنجر بطريقة لافته ولامعة
ليختمها حين وضعوا البشت الأسود على أكتافه وسط زفرات حاتم المُرتقبة بشدة
لا ينكر .. ولن ينكر أبدًا
أنه انتظر برغبة هذه الليلة التي يرتدي فيها مراسيم الزينة وتحلّقه وسط أجواء من الصخّب المتعال
لا ينكر .. أنه اشتاق للتّوشح بثوب البشت الأسود وإنخراط يديه فيه
هذه أمنيّة أي رجل أصبح يملك جميع ما تمنّاه .. إلا الشريّك
أمنيّة من ملك المهنة ، والمال .. وغيرها من كماليات الحيّاة
رغب وبشدة أن يختار شريكة حياته بقلبه وعقله ، وأن يُسعد والديه برغبته
رغب أن يجلب لهم أول حفيد .. وأول شجن !
مرّت 7 سنوات منذ آخر مرة ابتلع فيها هذه الأمنيّة ، وهاهو يتلّفظها من جوف بطنه بصورة ربما ظاهرها سيء
ولكنّه يوقن أن ما خلف السوء خيرًا كثيرًا
تنّهد وهو ينظر إلى نفسه في المرآة الطويلة .. بلا ابتسامة هذه المرة
بلا ملامح فرح وشجن .. بلا ترّقب
ظل جامدًا لفترة طويلة حتى تراءى لمسمعه صوت زيد الذي انتهى للتو من تزيّنه :
علّقت مكينة الرجال .. ياهوه ، يابو سيّف
درينا ودرت المراية إنك مزيون ، ارحمها وطالع فينا
ضحك صاحبهم حين انتهى من لفّ طرف العمامة حول رأس عبدالرحمن الصامت :
عطه ضربه بالسيف ، لا يكون محسب إننا غيّرنا ملامح وجهه
ترا كلها بشت وشال
نقل زيد نظراته نحوه ليهتف بضحكة :
متأكد تبيني أعطيه ضربة بالسيف ؟ أخاف ينزل دمه
-انحنى نحو إذنه وهو يهمس-
الله يستر الليلة لا تطلع سكونه ويذبح لنا واحد .. عاد أخونا في الله متسلّح بخنجر وسيف !
تعالت الضحكات من حول زيد الذي كان يهمس .. ولكنّ صوته وصل لحاتم الذي نظر له بسخريّة:
أنت اليوم شارب شيء من وراي ؟ لأنك أبد أبد مب طبيعي
ابتسم صاحبهم بودّ مقصود :
لا تلومه يابو سيّف فرحان فيك .. لا تلومه أبد
لأن أنا أشهد إنك اخترت وليفٍ شهم ، لا جيته بالمحبّة .. ما يبور المحبّة ولا يساومها
حكّ زيد طرف حاجبه متلافيًّا الحرج الذي شعر به
وهو ينظر إلى صفوف السيوف المصنوعة من الفضة الخالصة :
حاتم تبغى سيف معيّن ؟ ولا اختار لك على ذوقي ؟
ضحك الآخر بجلجلة :
خلّك من السيوف .. هي كلها شكل واحد وعلمنّي
كيف شفت تجهيز العريس ؟
التفت زيد بأنظاره نحو حاتم ، لينقلها نحو صاحبه بفخر :
ميّة ميّة ، أنت شهادتي فيك مجروحة
-مسح على العمامة التي يرتديها-
كل شيء صاير بالملّي ما شاء الله عليك
رنّ هاتف حاتم في هذه اللحظة ، استخرجه من جيب ثوبه
أجاب على المتصل بهدوء :
هلا يبه
وصل له صوت والده الغاضب بشكل مفاجيء :
وينكم أنتو ؟ خمس دقائق ويأذن المغرب .. من بيستقبل المعازيم لا يكون أنا وعمّك بس ؟
زفرّ حاتم ، لا يفهم عصبيّة والده المتزايدة :
يبه صلِّ على النبي ؟
جلس سيف على إحدى كراسي الخيمة الملكيّة الموضوعة:
اللهم صلِّ وسلم عليك يا رسول الله
أكمل حاتم بهدوء :
هدّي لي من عصبيتك الله يطول لي بعمرك .. أنا في محل التجهيزات
بنصلّي هنا جمعًا وقصرا .. وإن شاء الله بعد الصلاة جاينكم
مسح سيف على فخذه وهو يأخذ نفسًا عميقًا
لا ينكر أن خوفه يتربّص في هروب حاتم من المسؤولية التي ستُرمي على عاتقه الليّلة
ولا ينكر أيضًا أنه ضغط كثيرًا عليه حتى يُتمم الزواج ويرى الفرحة
لكن صوته يُنذر ببوادر مطرٍ من ضيق .. صوته لا يحوي الفرحة التي تمنى سماع نبراتها
ابتسم بخفوت :
من معك غير زيد ؟
انشرح صدر حاتم حين تراءت له تنهيدته المرتاحة :
عمي عبدالرحمن وصاحب المحل طال عُمرك ، أنت ريّح بالك أنا شوي وبكون قدامك !
هزّ رأسه بإيجاب وهو يقول بهمس :
انتظركم .. والله الله لا تسرعون على مهلكم
تردد حاتم في قوله .. ولكنّ الأمر بات يؤرق خاطره :
يبه .. عمي سعيّد شايل شيء في خاطره عليّنا ؟ حلوة بحقه نحتفل وولده مختفي عنا ؟
رفع سيف حاجبه بدهشة ، يبدو أنه سمع خطأ
أو يبدو أنه من شدّة خوفه على ابنه بدأ يشعر بالخرف
منذ متى وحاتم يهتم بشعور أحدٍ ما عليه إن كان ضائقًا أو عاتبًا ، أياترى هل هذه بدايات الغيث التي يسمع عنها ؟ :
عمك سعيد ؟ لا يا حاتم وش اللي بيضيّق صدره عليك
هذا هو من الصبح واقف معي على عرسك وقفة أب مو بس عم
غام حاتم بالصمت ، وكذلك والده .. لا يعلم لما راوده شعور طفيف أنه قد يقتات على حُزن عمّه في سبيل بناء طريق سعادته هو
كاد أن يودّع والده حين سمع الأذان يتعالى من الجامع القريب منهم .. لولا صوت غير صوت والده جاء من أثير الهاتف بنبرة غاضبة :
أستحي على وجهك تفكّر هالتفكير في عمك يا حاتم .. مهما كانت وجيعتي في ولدي فأنت ولدي بعد
إن كان مسجون ، ولا مأسور .. فرحتي فيك ما تغيّم عليها غيوم الحزن
-وبغضب أكبر-
ارجع بس وبالخيزران على ظهرك !
ضحك حاتم ضحكة صغيرة ، تخللتها بعض السعادة من نفسيّة عمه التي تغيّبت في الأسبوعين الفائتين عن ثُغره
فقد كان غائمًا في الحزن العميق ، مُبحرًا بين أمواجه من أجل فلذة كبده المأسور .. لكن على ما يبّدو أن هذا الحُزن في تبدد
وأن الغيوم التي تلّبدت لفترة طويلة اقتربت على الإنقشاع
ولا بدّ أن هُناك سر .. فما هو السرّ ؟
ابتسم بخفوت على عصبيّته المحببة :
الله يسلم عمرك يا عمّي .. وأبد أبشر إن كانك بتمحطني بالخيزران أو تذبحني بالسيف فأنا تحت أمرك
ابتسم سعيد بابتسامة خافتة :
زين يالله لا تتأخروا .. ولا ماشي بيهّجد سكون أبوك بعد دقيقة تأخير زيادة
هزّ رأسه وهو يقول بابتسامة هادئة : أبشر أبشر
أغلق الهاتف وهو يحشره في الشال بالقُرب من الخنجر كعادة أغلب المعاريس المعتادة
ثم التفت لزيد القريب منه .. بملامحه المخطوفة وأنفاسه المُتعالية
يعتصر بين يده اليُمنى هاتفه المحمول ، وعيناه تنظر لحاتم العاقد لحاجبيه :
وش فيك ؟
وجّه الهاتف نحو وجهه وهو يُريه رسالتين وصلتا إليه عبر تطبيق " الواتساب"
الأولى مُتخمة بالعُتب .. والثانية مليئة بالخوف والإستنكار
اشتدت عقدة حاجبي حاتم وهو يقرأ الرسالتين تباعًا
والتي كانت صادرة من قايد الغائب عنهم
" حاتم يتملّك ويتزوج في أسبوعين ولا حتى نبشتوا الخبر عندي !
أنا طلعت من أيامكم ولا من كرت العائلة ؟"
والرسالة الأخرى وصلت بعد رُبع ساعة من الأولى ..
" زيد .. من الرجال اللي متزوج من زينة ؟ "
حينهـا ، اسوّدت نظرات حاتم التي كانت تشع بالنور قبل قليل
احمّرت عيناه وبرزت عُروقها لمّا عادت له الفكرة التي كانت غائبة عن باله
فكرة واحدة كانت هي السبب برغبته في إنهاء الزواج قبل بدءه
حُب قايـد لزينة ، وحُب زينة لقايـد !
حُب الطفولة الذي لن يأتي مكانه حُب ولن يتبدد من القلب
-
-
-
خرج من بيت الدجاج وهو يُحكم إقفاله .. حاملًا بين يديه سلّة بها عدد بسيط من البيض المُنتج لهذا اليوم
رفع عينه للسماء ، يشدّ على طرف وشاحه ليقيعه شرور الهواء البارد
بدأت شمس اليوم بالغُروب .. والمنظر من الصحراء الخاوية
يبعث الرهبة والخشوع والرغبّة في إحتضان الرمال
طمعًا بغروب الآثام والآلام .. ورغبة في تجديد الروح بعد شروق الحسرة
تنّهد وهو يضع السلّة بالقرب من سياج الحظيرة .. متجهًا نحو حوض الاغتسال لكيّ يتوضأ .. فما دامت شمس اليوم غربت
فإن آذان المغرب قد حلّ وانتهى
توضأ وفي كل قطرة يستشعر خروج مآسيه وذنوبه .. في كل قطرة يدعو الله بها ويسأله المغفرة
انتهى من وضوءه ، ولّف الوشاح الذي كان على عُنقه
استقبل القبلة وأدى صلاته بإتجاه غروب الشمس
مر أسبوعين على غُربته .. وأسبوعين على إصرار الشيّخ
وأسبوعين على عمله كراعي !
فلأول مرة يجرب حلب الأبقار ، وجمع البيض ، وإطعام النياق
لأول مرة ينظّف روث الثيران .. ويجمع قشّ الحمام
بات مُحترفًا فيما يقوم به ، متعلمًا حرفته بإتقان
ولسببٍ غير معلوم .. أعجبه ما يقوم به
أعجبه القُرب من الحيوانات التي لا تفقه شيئًا سوى أكلها ونومها وشُربها .. أعجبته حياة البساطة التي عاشها هُنا
وإن كان سابقًا عاشها فبقُربه من الحيوانات شعر بكمية متخمة من البساطة واللين
أصبح يصحو مع أول خيوط الشمس .. وينام عند إشتداد البرد
يتدفئ بالقشّ في " الصندقة " ويُنير ظلامه غاز القنديل
وحيدًا ، لا يؤنس وحدته سوى كتاب الله ، وهاتفه الذي يطمئن به على أهله
سلّم من صلاته ودخل إلى " الصندقة " وقد تذكر أمر هاتفه
يذكر أن والده بلّغه بالأمس عن زواج حاتم .. الذي سُعد به واستنكره
فمتى خطب حاتم حتى يتزوج .. بل ما أثار صدمته هو قبول حاتم بهذا الزواج فهو يعلم تمامًا كم يُمقت "السيّرة"
تناول هاتفه .. رسل رسالة عاتبة إلى زيد ! محمّلة بشيءٍ من اللهفة بسماع أصواتهم ورؤية احتفالهم
وأغمض عينه بعد إرساله .. سرح في تفكيره العميق
وتنهيدات المحشّوه في صدره أبت إلا الخروج ومشاركته التفكير
لا شيء في هذه الدنيا يُقاس بدفء العائلة .. ولكنّ حين يكون اختيار البُعد هو أولى اختياراتك فلا بد أن تتعلم معناه
ومعنى أن تصدح عائلتك هُناك بصخبها الرائق ، وأنت هُنا تحارب خليط الشوق والحسرة
فتح عينه بخفة ، انقبض قلبه بشدة عميقة .. مرًت على باله تلك العصيّة على النسيّان
مرت على باله تلك السمراء العنقاء المدللة
تنّهد وآهاته تتردد على هذه الجدارن :
وأنا المجروح ما بغيت أصير لك إلا أكبر ضمّاد .. عفتي ضمّادي وجرحتي جروحي زيادة !
آه ياليّت من خلاك غُربة أهرب لها من الوطن
تزايدت نبضات قلبه ، واشتدّ الضيق عليه
كح لرغبته بإبعاد الغصّة التي شعر بها تصعد نحو منتصف عنقه
وقبل أن يجعل الظنون تأخذه .. أعاد إرسال رسالة لزيد
رسالة محمّلة بالترّقب .. والتلميح ، والخوف العارم :
" زيد .. من الرجال اللي متزوج من زينة ؟"



-
أمام بيت الجبل ..وبعد أن انتهت مراسم الفرح في الأرض
صعدوا إلى الجبال ليكملوا ما بدأوا به علّ تلك الهالة التي أحاطتهم تحيط بزينة المنتظرة لهم
وقفوا بثلاث سيّارات ، كلًا من سيف وعائلته ، سعيد بنفسه ، وحاتم بصحبة زيد الذي استقل سيارته
يقفون على أعتابه .. أربعة رجال يسري في دماءهم العزم
إن كانا اثنين يقفان بشموخ وحدّة ، والآخر متسربل في القلق
فإن الأخير يقف وبحضن يداه بشته ، بجمود قاسٍ ومرعب من شدة هدوءه
مال زيد على أذن حاتم وهو يرى نقاش عميّه سعيد وسيف
ليقول بقلق وتوتر من حالة حاتم الغريبة :
أنت بخير ؟
التفت له حاتم ببرود قارس :
كم مرة سألتني هالسؤال اليوم ؟
استقام في وقفته ، هتف بذات الهمس القلق :
أنت شايف وجهك كيف مكتّم ؟ حاتم لو كنت تفكر باللي أفكر فيه فأنت إنسان ظالم
لا تحكم بدون لا تسمع من الطرفين .. سمعت من قايد سنين وأيام
زوجتك لها الحق إنك تسمعها ، ولا تظلمها
أخافه بنظراته التي ودّت أن تقتله .. نظراته التي تقول له توقف
لا تنبش الجروح النائمة ، لا تربك الآجال القادمة
لا ترميني بحربٍ لست مستعدًا للمحاربة بها ، لا تلقي عليّ الشهب والسيوف وأنا بلا درع حماية :
من بعد الليّلة ماحد له الحق يقول لي وش أسوي ووش ما أسوي
أتخمتوني من النصايح .. كثّر الله خيركم
تصّرفاتي وردات فعلي منتم مسؤولين عنها بعد اليوم .. فكوني
تنّهد زيد وهو يستغفر ، كم ندم الآن على إفصاحه برسائل قايد
كم ندم أنه خرّب بيديه بوصلة هذا اليائس من الحياة
تقدم حينها سيف ، ليهتف بصوته الجاد :
خطوة ويتسكّر الباب عليكم .. وهالكلام أزيد عليك فيه مرتين وعشر !
بنت مرشد فقدت أبوها وما هو هِنا الليلة حتى يوصيك عليها
لكنّ أنا وعمّك سعيد بحسبة أبوها وأكثر
إن جتني تشكي منك والله يا حاتم وقتها ما أعدّك ولدي
بصير لك علّة على القلب وبصير لها سند .. فاحذرني تطولها يدين الحزن
أكمل سعيد وهو يرّبت على كتفه بعقلانيّة :
أنا أدري فيك إنسان يخاف ربه .. ومن خاف ربه خاف اللي تحت رعايته
ما أقولك إلا شيء واحد " فأما اليتيم فلا تقهرك "
وزوجتك يتيمة ، واليتم طال كل أجزاءها وأشبعها حزن لذلك الله الله فيها
لا تقهرها ولا تضيمها ، وإن ماقدرت تقيم وتستقيم فالله لا يُكلف نفسًا إلا وسعها
هزّ رأسه بإيجاب خافتة .. موافق على كلامهم ببرود عميق
ولولا وجودهم ووجود كبرياءه العتيّ لصرخ أمامهم بلا خجل
لقال لهم أني حظيت بزوجة مكلومة العواطف
فاقدة .. وفقدها من 3 جِهات .. وسأكون أنا جهتها الرابعة المفقودة
همس سيف بخفوت :
بندخل نسلّم عليها أول أنا وعمك ، بس ننتظر أمك وخواتك يطلعون
على أساس بكرة بتكون صباحية عرسكم في بيتنا
لكن ارتاحوا بكرة .. واللي بعده أنتو عندنا إن شاء الله
أنهى كلامه وهو يدخل من باب البيت برفقة أخيه ، حتى يرى ابنه أخيه وزوجة ابنه البِكر
بعد أن رأى خروج زوجته وابنتيه الذين أكملن سيرهن بإتجاه حاتم الواقف بقرب مجلس الرجال
وحين رأى زيد الأجساد الثلاثة المكتسية بالسواد تراجع بحرج ليترك لهن المجال
اقتربت والدته ، كادت أن تنحني عليه لتقبل صدره لولا أنه تراجع بجزع وانحنى على يديها يقبلها ويشتم رائحة الحناء الرقيقة
همست بحنّو عميق متفردّ له :
بالمبّارك يا أمك .. التي يسعدكم ويهنيّكم ، الله الله في قلبك
ثم في بنت عمّك
رقّ قلب حاتم الغضّ .. والدته أول من يوصيه على قلبه أولًا ثم على زوجته ! هي أول من استشعرت الدماء الحارقة المتدفقة نحو قلبه والتي أحرقته على مدار سنين طوال
أكملت كلامها والدموع تصعد لعينيها الذابلتين :
لكل شيء في الحياة فرصة يا ولدي وأنا طالبتك ما تدفن نفسك وتضيّع هالفرصة من يدينك
ولا تنسى إن من توّكل على الله.. يسرّ له دوربه !
هزّ رأسه بخفوت هامس :
والنعم بالله
تراجعت والدته لتترك المجال لأخواته .. غاصبة بحركتها حاتم على كسر بعضٍ من جموده بإتجاه أخواته الوحيدات
همست أميمة والدموع تطفو من عينيها بسبب شاعريّة هذه الليلة التي لطالما تمنّت رؤيتها :
مبارك عليك يا عزوتي .. الله يسعدكم ويجعلكم سكن لبعضكم
انحنت عليه تقبّل كتفه ، ثم قبلت خدّه وسط هدوءه هو
لم يبادر .. نسى كيف يُبادر ، كيف يحتضن أختيه في الفرح والترح
نسى الحضن الأخوي ، ودفنه .. ولم يستطع على إخراجه الليلة
حاول عدة مرات ، خاصة حينما رأها ترتمي في حضنه وتبكي بدمعها الخافت
حاول رفع يده ، يرّبت على ظهرها .. يمسح على رأسها
ولكنّه عجز بشدة ، فالأمر فاق ضغوط قلبه
كبت تنهيدة الحارة لمّا ابتعدت عنه لتكمل ضحى ذاك الضغط الذي شعر به
وبالكاد خرجت منه جملة واحدة ، جملة يتيمة لا سواها :
الله يبارك فيكن .
ودعنّه وسط بكاءهن السعيد ، وحزنهن البليد على عدم تغيّره
وغادروه جميعهم بشكلٍ سريع مثلما جاوءه
وتساءل من شدة الألم الذي أحاطه .. لما غادروه سريعًا ؟
لما ظلت الزيارات إلى روحه قصيرة ، وغير مشبعة
إنها العاشرة والنصف مساءً ، أمامه الباب الذي سيغلق عليه للأبد
خطوات قليلة تفصله عن خوض تلك الحرب الداميّة التي يشعر قبل أوانها بالخسارة
هناك ومن خلفه أمرأته المسروق قلبها من قِبل آخرين .. سواه
تنتظره على أمل .. وأي أملٍ يا ترى ؟
شعر بالأرض تسحب قدماه للأسف ، تنهاه عن التقدّم
شعر بالتصلب فيهما وهو يدعو الله أن لا يهرب ويحطّم قلبًا آخر
فيداه جارت على قلوبٍ شتى . ولا يُريد أن يصبح في رقبته ذنبُ قلبٍ جديد
همس بإختناق وهو يفتح زر ثوبه اليتيم :
يالله عليك توكلت ! لا ينخذل قلبي الليّلة يالله
تقدم بخطوات بطيئة جدًا ، توقف أمام الباب أخيرًا
مسك مقود الباب وهو يستشعر البرودة من الجو الذي يُحيط به
وحين كاد أن يفتح ، تراجع للخلف بخفّة لمّا رن هاتفه
تراجع أكثر وأكثر ! شابهه الإستغراب فهو نسى أمر هاتفه
زفرّ وكأن هذه الليلة تصر على عدم الإنتهاء .. اخرج هاتفه ، قرأ الاسم ليتزايد الإستغراب
ردّ على صاحبه المتصل به بذات النبرة :
بو هادي ، عسى ما شرّ ؟
اكتسى وجه أبو هادي بالإحراج ، ليهتف :
مساك الله بالخير يا بو سيف ، أول شيء أعذرني على إتصالي بهالوقت المتأخر وأنت الليلة عريس
لكنّ توي جالس قدام الكمبيوتر ، نرسل آخر النتائج للمرتشحيّن
تزايدت نبضات قلبه .. الترشيح الذي نساه ، حُلم حياته المهنية الذي بناه طوبًا طوبا بالتمنّي
هتف بعجلة جادة :
النتائج طلعت ؟ مو قلت يبيلها شهرين زيادة ؟
هتف بو هادي بذات الإحراج من إتصاله :
النيّة ، ولكن تقدّم موعدها لسببين.. الأول إن المناقصة تمت الموافقة عليها بشكل أسرع مما كنّا نظن
والسبب الثاني لأن الوفد المشارك راح يزور السلطنة بعد أسابيع قليلة .. فاحنا ارتبشنا
فرز نتائج الاختبارات اللي قدمتوها قبل شهر تحتاج وقت لأن المترشحين بالآلاف فصايرين نشتغل ليل نهار عشان نرسل إيميلات القبول
هتف حاتم وهذه المقدمة تذيب توتره :
يابو هادي ترا ماني بصبور على هالمقدمات ، بشرني إن كنت أستاهل البشرى
ابتسم أبو هادي بخفوت :
المشكلة إنك تقلل من قدراتك وأنت عارف إنك كنز ، نتائجك مقاربة جدًا لعشرة أشخاص لكن أبشرك .. تجاوزتهم بالخبرة!
اجترع ريقه والأدرينالين يرتفع في أعلى مستوياته :
يعني ؟
بذات الابتسامة أردف أبو هادي:
يعني مبارك عليك التشريح ، أنت واحد من ضمن فريق المهندسين اللي راح يشرفوا على أضخم مشروع نفطي في السلطنة
-وبجدية أكبر-
يومين بالكثير وأنت لازم تكون في الدقم ، أعرف إنك عريس وعندك خطط كثيرة وإجازتك انقطعت
لكن حاول بشتى الطرق يا حاتم ، هذه فرصة وإن راحت من يدينك أنسى تحصلّها مرة
انجلم لسانه من شدة دهشته وفرحته ، سنوات طويلة وهو يسعى للإنضمام في أي مشروعٍ كان .. لأنه يجد ذاته هناك
يجد ذاته بين مضخات النفط ، بين الأنابيب الضخمة
يرى أمانه حين يرتدى الخوذة ! ويمشي بين ممرات المشروع
كان يستمع إلى صاحبه وابتسامته تتسع وتتسع
وكأن ثُغره يقول " أخيرًا حصل الشيء الذي يجعلني ابتسم من دواخلي "
لكنّ آخر كلامه جعله يشعر بالضيق .. والورطة
فهو ما زال لم يدخل على عروسه ، ولم يراها أبدًا
فكيف سيرحل بعد يومين ! وهذه فرصته الوحيدة
همس برجاء عميق :
بو هادي تكفى يا بو هادي دبّرني ، صعبة علي أجي خلال يومين صعبة
أردف بو هادي بجدية عميقة :
الموضوع طالع من يديني يا حاتم ، الأوامر هذه من كبار المهندسين .. لكنّ لا تحاتي إن كانك تبيني أرتب لك فندق تجي فيه مع أهلك أنا جاهز
زفرّ نفسه ، لما يصر القدر على معاكسة أفراحه .. هتف :
عطني لبكرة ، وبردّ عليك ! ومشكور يا بو هادي مشكور
أغلق منه ، مسح على صدره خوفًا على قلبه من الخروج
تحرك بشكل سريع وهو يتقدم من الباب ويفتحه بعد أن طربه طرقتين قصيرتين


-

بالداخل .. جلست على الكنبة الأثيرية بعد أن خلقوا لها جو من السعادة ليشعروها بجو العرس وبشعور العروس
تعصر بين يديها باقة التوليب البيضاء الرقيقة .. وأنفاسها مضطربة ، ليست بعاديّة لتأتي بهذه القلة
ولكن كثرتها مدمرة لذاتها ، مدمرة لمن حولها .. ومن أجل خوفها رضت بقليلها
في ظل سكون الغُرفة سمعت خطوات تقترب ، وحفيف خلف الباب تستطيع تبيّنه من أسفله ! واستشعرت من فورها تردده في الدخول وخوض هذه الحياة التي كتبت عليهم
عقدت حاجبيها حين سمعت رنين هاتف ، التفتت من حولها
ورأت هاتفها الساكن على الكمدينة!
وازدادت العقدة حين رأت تراجع الشبح الذي يقبع خلف الباب
تنّهدت ، مسحت على خدها بخفة :
خلي الليلة تعدي على خير يارب .. ولا أبغى شيء بعدها
قرأت أذكارها خلال إنتظارها ، قرأت على نفسها آيات السكينة ، همست بالبسملة والتهليل مستعينة بها في ليلتها
وحين رأت تأخيره الذي طال .. وقفت ببرود
فقد أيقنت أنه جُبن ورحل إلى مكان لا تتواجد هي به
رمت الباقة على الكرسي ، وقفت أمام التسريحة المصطف أعلاها مختلف العطور الشرقية والغربية
بدأت بنزع الطرحة من عليها رويدا رويدا ، وهي تشعر بصداع عارم بسببها
نظرت لها وهي بين يديها .. هذا البياض الذي اكتست به
لا يوازي الظلام الذي يغلّف قلبها ! لا تدري متى آخر مرة ارتدت هذا اللون ، فهو يذكرّها بأسوء أيامها
يذكرها باليوم الذي جاء فيه خبر وفاة والدها .. حين كانت في استقبالها بالأبيض النقي
نظرت لها بسخرية :
ولش عين لابسة الأبيض ، اللي مثلش عيب تكتسي فيه
وقبر أبوها فاضي ليومها هذا
التفتت بسرعة حين فُتح الباب بعد طرقتين قصيرتين لتراه يدخل بكامل هيبته .. بكامل زينته
يحمل بيديه بشته الأسود كما تحمل بيديها طرحتها البيضاء
لتلتقي أعينهم .. لأول مرة




-
الساعـة الثامنة صباحـًا في منزل سيف المكتّض بنسائه المتحلقات في المطبخ يصنعن الإفطار لأصحاب بيت الجبل
هتفت أميمة بتعب وهي تُغلق آخر علبة :
يمه والله كأنش كثرتي .. اللي سويتيه ياكلوه قبيلة مب شخصين
وبعدين أبوي قايل ماحد يطلع لهم اليوم أبدًا
نظرت لها والدتها بإنتقاد لاذع :
وهو الشور عند أبوش ؟ إذا ما طلعنا لهم كيف بياكلون طول اليوم ؟
عيب مرة أخيش عروس بنخليّها من أول يوم على البصل والعسل ؟
ضحكت أميمة ، تغسل يداها من الصنبور البارد :
لو إنش تعرفين زينة حق المعرفة ما كان قلتي هالكلام .. زينة من طفولتها وهي عايشة مع جدتي
وطول سنينها وهي تصحى مبّكر ما شاء الله عليها
يعني ما أستبعد الحين ألقاها صاحيّة ومجهزه لها الفطور وقهوتها السوداء اللي تشربها على الريّق !
غلّفت أم سيف صحن الخبز العماني الذي صنعته بيداها ، لتُردف بإحراج :
باخليش تطلعينه لهم لكن ياويلش لو طولتّي ، حطيه في المطبخ وأطلعي عنهم
-تنّهد بشيء من الحزن-
الناس تزّف عيالها للفنادق ، وولدي زاف مرته للجبال .. الله يليّن رأسه العنيد
دخلت في هذه اللحظة ضحى العجِلة :
يمه أبوي يقول لش إنه اليوم بيتأخر في الدوام .. إذا أتصل حاتم وأحتاج شيء يقول اطلعوا له
نظرت لها أميمة بابتسامة :
أبوي عليه حركات ، توه أمس مهددننا ما نطلع للمعاريس
واليوم غيّر كلامه
باغتتها أم سيف بعجلة وحدة لتُردف :
بسرعة قومي لبسي عباتش .. وخلّي العاملة تساعدش في شيل الأغراض !
خرجت أميمة والخجل يكتسيها من إصرار والدتها على إقتحام خصوصية أخيها وزوجته .. ولكنّ ما دام أن والدتها أصرت فلا مجال للمناقشة حتى
أرتدت عباءتها ، وحملت الأغراض خارجة نحو سيّارتها متجهة إلى بيت الجبل !
-
-
-
تقف على أعتاب نافذة المطبخ الصغيّرة ، تنظر من خلالها إلى الأفق .. شروق الشمس البارد دائمًا ما يكون محمّلًا بسحر رائع
تنقل نظراتها إلى البيوت الطينية قبالة المطبخ !
أحدهما مهجور ، والآخر مهدوم ، والثالث تم تحويله إلى حظيرة
معظم هذه البيوت الطينية المحمولة بكميّة هائلة من الحنيّة ومتشبعة بمياة الماضي قد بالت .. وهُجرت
وحدها المتمسّكة بالماضي ، والغارقة فيه بشدة
تنّهدت وهي تمسح على عينيها .. لم تنم لدقيقة واحدة من سوء ما مرّت به في الليّلة الماضية
ولرغبتها في الإستيقاظ ، ها هي تعدّ قهوتها السوداء الداكنة لتشربها أولًا قبل كل شيء كعادتها السيئة
أغلقت نار الموقد عنها بعد أن أوشكت على الغليان ، سكبتها في كوب متوسط الحجم ! لترتشف منه رشفة صغيرة
شعرت بالحُرقة من تلك الرشفة .. شعرت بالغصة حتى كادت أن تتقيأها قبل دخولها .
لما كان يجب أن تمر ليلتها بذاك السوء ، لما كان يجب أن تشهد على إحدى نوبات جنونه
خائفة هي ، مُرتعبة .. وهاربة من غرفتهم بعيدًا عن إنهياره الذي حصل بالأمس
شعرت أنه شخصًا آخر ، شخصًا مختلف غير حاتم الذي لطالما عرفته
مسحت على وجهها .. وهي تذكر ما حصل في الليلة الماضية
لحظة التقت أعينهم الحادة ببعضها البعض

-
" التقت أعينهم .. لأول مرة !
نعم فهذه المرة الأولى التي تسقط عيناهما ببعض ، هذه المرة الأولى التي يسمح فيها حاتم لنَفِسه بالتمرد على وجهها
والمرة الأولى التي تأملت زينة فيها وجهه المجهد
( وجهٌ مجهد ) ربما رأت أن هذا الوصف قليلٌ على ما تراه أمامها الآن
ابتلعت غصتها بصعوبة بالغة ، قد سمعت من أطراف حديثٍ سابق أن حاتم ( مُكره ) على هذا الزواج
وإن كان الحديث وصلها بغير قصد ، فهي قد سمعت مرارًا وتكرارا من أميمة أن حاتم لا يرغب في الزواج ما دامت نصف ذاكرته معطوبة
وما رأته في وجهه من تعب ، وضيق .. وحدة وجمود
لا معنى له سوى أنه فعلًا ( مُكره ) .. ملامح لا تُناسب نفسيّة أي عريس
ملامحه حادة بشكل مُرعب ، وما يُرعبها أكثر هو فكّه العريض
ربما كانت ستكون ملامحه أقل راحة لولا عقدة حاجبيه
ولكنّ " العنيد العتيّ " ما زال محتفظًا بعقدته العصيّة على الإنفكاك
احتضنت الطرحة بين يديها بقوة حين رأته يغلق الباب ويقترب منها
بل اقترب من الكنبة التي تقف خلفها ووضع عليها بشته الأسود
كان يتأملها بحِرص ، يتأملها بنهم والأسئلة تتراود في نفسه
وأول سؤال راوده هو " ما السحر الذي جذب قايد إليها ؟"
فهو لا ينكر أن زينة كانت أمامه منذ طفولته ، وكل ما يفصل بينهم هو ثمانٍ سنوات طفوليّة .. ورغم أنها كانت أمامه كثيرًا
فقد حرص على غضّ البصر عنها لأمرين وسببين !
أحداهما أنه غيّور وبشدة .. لا يرضى لأخواته فكيف بإبنة عمه
والسبب الآخر ، ولعلّه السبب الأكثر أهمية
أن عينا قايد كانت تدور حوله كثيرًا .. عيناه التي كان تعشق أدنى تفاصيلها
كتم تنهيدته في جوفه .. إذن هي العنقاء المدللة .. ابنة عمه الشامخة ، وزوجته الخفيّة منذ سنين
هي التي شقّت طريقها نحو قلب قايد بلا تعب ووهن ، هي العنيّدة ذات العُنق الساحر ، والعين الحادة ..
هي شبيهة جدته البدويّة ، ونسخة والدتها المجنونة ، هي المناضلة التي أصرت على السكن في الجبال
هتف بصوت هادئ عميق ، ومقصود :
السلام عليكم !
لوهلة ارتجفت من نبرته ، وودّت لو أن تتجاهل سلامه ولكن تراجعت عن حركتها الطفولية لتُهمس :
وعليكم السلام
احترق وجهها من نظراته حين بدأ بنزع ( المصْرّ ) من على رأسه ، ثم الشال والخنجر الملتف حول خاصرته
وضع حاجياته على طرف الكنبة بحذر شديد ، وعيناه ما زالت تنتقل على صفحة خدها
جلس على الكنبّة موليها ظهره ، يمسح على رأسه صعودًا ونزولا
اختنقت ، وغاص حلقها بالتنهيدات المكتومة ! ولا تدري لما كلام والدتها حين لاقتها قبل فترة طفى على سطح عقلها
" سواها عناد فيني ، سواها لأني قلت له ولد أخوي يبي بنتّي
سواها ورمى ورقة زواجش قدامي وهو يقول لي بالحرف
( والله ما ينول الذليل ولد أخوش ، ملكة وجوهرة مثل بنتي ) "
وأيقنت أنها كانت كالكرة ، تُرمى بين يديّ والديها بلا رحمة
اعتدلت في وقفتها ، رمت الطرحة في مكانها لتتجه نحو دورة المياة بخطوات سريعة أثارت إستغراب حاتم
أغلقت الباب على نفسها ثم اتكأت عليه ، إن كانت طوال هذه السنين كاللعبة ، فستغيّر موقعها وتصبح الحكم
لن ترضى بعد اليوم بأحدٍ آخر ليرسم طريق حياتها ، ستُمسك القلم والممحاة وترسم ما يليق بها وتمحي ما لا يُعجبها
بدأت بنزع فستانها البسيط ، أخذت وقتًا طويلًا بسبب ضيق دورة الميّاة
مسحت مكياجها الأنيق ، استحمّت والأفكار تتزاحم نحو رأسها مثلما يسقط الماء على جسدها
حين انتهت ارتدت بيجامة نومها القطنية الساترة ، وبدأت تتوضأ حتى تصليّ قيامها
ولكن قبل أن تُنهي وضوءها ، سمعت صوت سقوط شيءٍ ما أتبعه صوت تكسير زجاج
خرجت بعجلة من دورة الميّاة ، التقطت أنظارها انحناء حاتم على التسريحة
يده معكوفة أمام صدره ، وأنظاره مصّوبة إلى زجاجة العطر التي انكسرت وانتشر أريجها إنتشارًا سريعًا
حين سمع صوت الباب يُفتح التفت لها ببطء:
طاح ، بالخطأ
اجترعت ريقها ، كان قد احمّر بياض عيناه .. وعُقدت حاجباه
وقطرات العرق تنصبّ من جبهته !
حالته كانت غريبة .. غريبة لأنها المرة الأولى التي تشهد عليها
تجاهلها ، ظّل يبحث بإرتجافة يده في أدراج التسريحة
ينظر هُنا وهُناك آملًا أن يجد ضآلته .. بأقصى سرعة
جاءه صوتها الهادي :
وش تدوّر عليه ؟
أغمض عينه بقلّ صبره ، لا صبر لديه حقًا :
مسكن ألم .. عندش ؟
عقدت حاجبيها ، ودّت أن تسأل لما وكيف وما السبب
لكن ابتلعت تلك الأسئلة عند رؤية عيناه السوداوتين
اتجهّت نحو الكمدينة .. استخرجت منها ( بنادول )
مدّته له من على بُعد أمتار ، خوفًا من الإقتراب نحوه
نزعه بشدة من يدها ، قرأ اسم الدواء ليرميه بصورة غاضبة :
وأنا وش أسوي بالبنادول .. عطيني مورفين ولا أوكسي مورفين
تراجعت للخلف من عصبيّته المفاجئة التي تشتد عندما يشد على يده .. همست بخفوت :
ماعندي .. ما أستخدم غير البنادول والأومول.
صرخ بصرخة مكبوتة ، والألم يشتدّ حتى يصل إلى قمة رأسه .. لوّح بـ يده لتضرب حد التسريحة
وسط شهقة زينة المصدومة من تصرّفه
ظلّ يضرب ويضرب ، يضرب حتى يختفي الالم ، يضرب حتى تُعفيه من الشعور الممتد بالوجع ! يضرب وهمساته المنقطعة تصل إلى زينة بشكل متذبذب
كان يهذي ، يهذي من شدة الألم الذي يشعر به :
الله ياخذش .. ما وقتش .. بـ بس خلاص
وكأنه كان يترجاها حتى تهدأ ، يتوسل إليها لكي ترحمه من إعادة نفس الليلة المشؤومة
ياترى ما الذي جعله يسترجع ذكراها ، ما هي الصورة التي نبشت وجعه من ذاكرته ؟
أهي زينة .. أم منظر زينة ، أم غُرفة زينة ..
أم هذا العطر الذي يذكره جيدًا ؟
أسقط في طريق جنونه عطران آخران ، وعلبة كريم زُجاجية جديدة
انسلخ حاتم من شخصيّة السعيد الذي كان يرتديها
حين سقطت على عقله قطرة ماء كانت عالقة في صنبور مسجّاته الحسيّة
لتُنعش ما أخمدته السنين، والأيام .. وتحفر ذاكرته رائحة عطرٍ نفّاذة
اقتربت منه زينة وهي تصرخ غاضبة من تصرّفه اللامحسوب
فيده بدأت بالنزف .. وإلى الأن لم يشعر بألمها، أو هذا ما بدا لها :
مجنوون أنت، حفرت يدّك وأدميتها !
كان غائبًا في سكرة اللإحساس، عائمًا في غياهب إنفجارات الألم
لم يشعر بها، ولا بيدها التي حاولت جاهدة إيقافها به
مدّ يده الضخمة، دفعها من صدرها حتى سقطت بقوة لاذعة على الأرض
في مشهدهم التراجيدي لقالوا أن حاتم أصبح وحشًا، وأنت تلك الجميلة ما هي إلا ضحيّة أسفل يديه
لأن حاتم لم يكن يشعر بما حوله، ولم يشعر أن دفعه لزينة جاء بشكل قاسٍ ومؤلم
حينها تفاقم الخوف في صدرها، وتزاحمت الدموع في عينيها
وقفت بصعوبة والألم يشطر ظهرها، لتحمل نفسها هاربة من طغوته
لتختبيء في غرفة ذكرياتها الجميلة، بعيدًا عن أيادي الوحش المتلصصة .. وتقضي هُناك ليلتها الباكية بأكملها "
-

دعكت على عيناها بشدّة، هذه الليلة لا مُحال ستصبح الليلة الأسوء بعد ليلة والدها
أخذت قهوتها عازمة على الجلوس أسفل شجرة " اللومي"
متجاهلة ذاك المجنون العابث بغُرفتها، متناسية ما حدث بالأمس
خطت خطوة أفزعت روحها، ليسقط الكوب من يديها
وهي تراه أمامها واقفًا متكئًا بطرف يده على الباب
شهقت برعُب، أرعبها فعلًا بظهوره هذا
ألقى نظراته الباردة نحو قهوتها التي سقطت، رفع رأسه هامسًا :
شيء قهوة ؟
نظرت له بجمود، أيكون هذا الشخص طبيعي؟ يثور ليلًا، ويخمد نهارًا ؟
أعاد كلامه حين رأى صمتها :
زينة ؟
اجترعت ريقها، يالله ما هذا الشعور المتقافز في صدري حين رؤيته؟ شعور يجعل قلبي يخرج من مكانه خوفًا من صوت خطواته
رفعت رأسها، نظرت إلى عيناه الحمراويتين، وإلى الشاش الملفوف حول يده، كرر مرة آخرى:
شيء قهوة ؟
همست بجمود موقفها:
عربية ، ولا تركية ؟
تراجع حين سمع صوت الجرس يتعالى، هتف بنبرة محملة بالسخريّة لم تتبينها زينة:
عربية وياريت تكثّري قرنفل فيها.
قال ماعنده وأستدار نحو البّاب وهو يُرسل رسالة قصيرة لصاحبه
"احجز لي شقة قريبة من المشروع، بجي الليلة"
تلّقى الجواب سريعًا، أسرع مما ظنّ
" الشقق محجوزة بالكامل للفرق، تبا فندق ؟"
زفّر حاتم بضيق، الفندق ولفترة طويلة سيخّل بميزانيّته المختلّة أساسًا
أرسل له " احجز لي أي زفت، المهم قريب من المشروع"
فتح الباب بخفة، تفاجأ من رؤية أميمة ومن خلفها العاملة
تحملان عدة أكياس قماشية بداخلها حافظات أكل
همست والإحراج يكتسيها :
صباح الخير أخوي
-أشرت بسبابتها المرتجفة-
أمي مطرشة لك فطور أنت وزينة، أدخلهم عنك؟
تنهد بخفوت، فتح الباب مبتعدًا عن الطريق، لتدخل أميمة بسرعة وتتجه حيث رأت زينة
التي كانت تفرش البساط أسفل شجرة "اللومي"
وضعت الأكياس عليها، اقتربت منها واحتضنتها بسرعة البرق
همست بإحراج باسم لمّا رأتها ما زالت ببيجامتها:
صباح الخير ياعروسة ، وصباحيتش جعلها مباركة
ودّت زينة لو أن تضحك في وجهها ضحكًا يملأ الميزان ويفيض
عروس قضت صباحيتها هاربة من زوجها المجنون، أي مباركة؟
وعلى عكس مشاعرها المضطربة همست:
صباح النور أميم
تراجعت للخلف حين شعرت بوقوف حاتم خلفها:
أمي تسلّم عليكم وتقول لكم بكرة غداكم ببيتنا إن شاء الله
أنا أستأذنكم الحين
كادت تهرع بخطواتها الخجلى خارجة، لولا أن أوقفها حاتم بصوته الثقيل بسبب نومه:
علمي أمي أن اليوم بنتغدى عندكم، لأن العصر مسافرين
التفتا له الإثنتين بصدمة، هتفت أميمة:
بتسافرون ؟ ويين ؟
-تلعثمت لمّا رأت نظراته الناقدة لتردف بطواعية-
أقصد أبشر إن شاء الله.
خرجت وأغلقت الباب وراءها، جلس حاتم على البساط
يفتح حافظات الأكل ويبتسم ابتسامة بالكاد تظهر على ثُغره
وضعت له والدته جميع الأكل الذي يُحبه ويهواه
" قروص وعسل عُماني، عرسيّة، فاصولياء، بيض وطماط"
والأهم تلك الدلتيّن، إحداهما دلة " كرك" والآخرى قهوة عربية لا يفقه صُنعها إلا والدته
وصله صوت زينة الجاد :
صباح الخير أولًا، ثانيًا عُنصر المفاجأت هذا ما يستهويني
فممكن أعرف أي سفر هذا اللي تتكلم عنه؟
هتف دون أن ينظر إليها:
جلسي فطري، الفطور ما يتّفوت الله يسلّم يدين أمي.
نظرت له مطولًا، تجاهل سؤالها ؟ لتتجاهل طلبه إذن
أعطته ظهرها، تمشي ببرود إلى الغرفة التي اعتكف بها
لولا أن أوقفها بصوته الجامد:
إذا مالش نفس جلسي قدامي على الأقل، ما أحب أفطر إلا وأحد قدامي
كتّفت يداها، أردفت بجديّة :
شوف ولد عمي، وخلنا صريحين من البداية لأني ما ألف وأدور
لعبة التجاهل والتسلّط هذه لازم لها حد، وإن بغيت تبني الحد
ما تقدر تبنيه إلا بالتفاهم بين الطرفيّن
رفع حاجبه ينظر إليها متجاوزًا ما قالته، متعمدًا :
ولد عمي ؟
أكملت بجمود:
نعم، قلت شيء غريب ؟
ابتسم بسخرية، وهو يشرب من القهوة العربية:
لا طال عُمرش، لكن لي اسم، واسمي حاتم .. تقدرين تناديني فيه
أردف بهدوء عكس الإنفعالات التي بداخلها:
طيب يا "حاتم" ، وين ممكن تكون وجهة سفرنا المفاجئة؟
قال ببرود عميق :
مالش دخل
ضحكت بسخرية، جلست أمامه "عنادًا به" :
مالش دخل هذه تقولها لخواتك، وحتى ربعك .. ما تقولها لوحدة بتقضي باقي عُمرها معك
همس بهدوء مدروس:
وشريكة العُمر وش شروطها ؟
سكبت لنفسها فنجانًا من الكرك، تتصنع الهدوء أمامه وهي بالأمس كانت ترتعد خوفًا من تصرفاته:
ماعلمّك عمي سيف ؟
رفع حاجبه، أردف:
علمنّي، بس ودنا نسمعهم من حضرتش إن كانش بتتنازلين لنا
أمالت فمها بابتسامة ساحرة، وعينان تلمعان:
تعرف، تعجبني اللعبة هذه، وإني آخذ دور الغشيمة اللي فاهمة كل شيء!
ماعليه يا "ولد عمي" كل شرط ملحوق عليه لا تستعجل على رزقك
هزّ فنجانه وابتسامة طفيفة علت ثُغره، يبدو أنه سيتسلى كثيرًا:
جهزي الشناط لأسبوع، رايحين منطقة الدُقم وراجعين
توسعت عيناها بدهشة:
خلصت الأماكن عشان توديني الدُقم ؟
وقفت من طوله، نظر لها من عليائه ليهتف:
مب رايحين شهر عسل، رايح أوقع عقد وأبني إتفاقية الإحلام
جهزي نفسش ولا تعلمّي أحد عن وجهتنا
مشى متجه نحو الغُرفة، تاركًا إياها بصمتها المدهوش
توّقف، التفت لها بنبرة مقصودة:
الحالة اللي أمس، لا شفتيها فيني وسعّي خطواتش أميال وأميال
لأن القُرب وقتها يحرقش، ويحرقني .. يا "بنت عمي"
-وبصوت عميق-
لأن مافي شيء بيرّد الأذوة عن يدي، تعودّت عليها
لا تتعودين أنتِ عليها بعد


انتـهى ♥
راح ينزل الفصل الجديد بالأحد إن شاء الله

NON1995, تايست and م يحي like this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-22, 05:09 PM   #57

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
.
.
لا تلهيكم الرواية عن الصـلاة

.


الفصـل الثـاني عشـر




-
يجلس في منتصف المنزل، بجانبه الفطور الذي أعده بنفسه
ينظر إلى هاتفه والصداع يُهاجمه من توالي الرسائل عليه
وجميعها من جهة واحدة، قايد الخائف
يتنّهد بقلق، يدعك حاجبه الغليظ بتوتر، يعضّ أصابعه ندمًا
منذ الأمس وقايد ما انكفأ عن إرسال الرسائل لزيد
وزيد منذ الأمس يتعذر بإنشغاله
ولكنّ لا عذر له اليوم حين رأى رسالة قايد المرسلة منذ الخامسة صباحًا
" زيد تراك مصختها، أنت العريس ولا حاتم عشان تنشغل هالوقت كله؟"
همس وهو يرتشف قهوته :
والله إنك نكبة يا حويتم، كيف أقول له الحين؟
"صباح الخير قايد، اسمح لي أمس رجعت متأخر وتعبان"
مضى وقته في إنتظار ردّه، دقيقة، دقيقتان، خمس ثم عشرّ
لتأتي رسالته الغاضبة بعد 20 دقيقة من الإنتظار الحارق
رسالة أقسم أنه شعر فيها بعصبيَّة قايد وصوته العالي:
"عسى ارتحت في نومتك إن شاء الله؟ خلصني يا رجال
شايف حالتي أنت؟ الجوال أمسكه يالدّس لا يكشفه في يديني شيخ إبليس وأعوانه،
اسم واحد من أمس انتظره، من ذا الرجال اللي خاطب زينة؟"
ضحك بتوتر، بفزع من معرفته للحالة الحقيقية:
يقول خاطب، لو دريت إنه متزوجها وداخل عليها وش بتسوي
أرسل له " علمي علمك، الشيبّة اللي جاء راح بروحتك
وما فهمنا منه شيء، قال بيرجع بس شكله غط ومات"
عضَ شفته بحنق:
الله لا يوفق عدوينك يا حاتم، تطيح في رأسي واضطر أكذب ليش؟
تلقى رسالته، الباردة نوعًا ما، وهو يقول فيها:
"إذا عرفت، علمني ! وإذا بغيت تفرحنّي زف لي خبر الطلاق
لأني أخاف يوم من الأيام أدخل السجن الحقيقي بسببه"
أرسل له زيد بعجلة، يطفي بها نار غضبه:
"أبشر، أنت اهتم بنفسك ولو قدرت تطمني عليك، طمني"
حينها أغلق قايد هاتفه، فهو منذ اسبوعين يحاول اقتصاد بطاريته التي قد تنتهي في أية وقت
منذ اسبوعين وهو يفتح هاتفه مرة يوميًا، وفي أحيان آخرى مرة كل يومين ليرسل رسائل الإطمئنان لوالديه
سمع زيد صوت والدته ينده له، قفز من مكانه واتجه لها بعجلة:
لبيه يا أم زيد
ابتسمت والدته بعمق:
لبيّت بمنى، أنت صاحي وأنا اللي أنتظرك تطلع من غرفتك؟
اقترب منها، قبّل رأسها :
صحيت يمه مبّكر، أتعبني ظهري من وقفة البارحة
شفتش نايمة وماحبيت أزعجش
أشرّت له بحنان، رغبةً منها في أن يجلس بجانبها، استجاب لها ليجلس بالقُرب منها:
أمس ماصدقت يوم قلت لي إنك بتشوف بنت سيّف
وأنا اللي كنت أقنع فيك عشان تشوفها، وش اللي غيّر رأيك؟
ابتسم بثقة جادة:
ماهو من حقي يا يمه؟ بغيّت أشوف شريكة حياتي اللي بقضي معها العُمر الباقي!
ابتسمت نِعمة بخفوت:
من حقّك أكيد، وكيف شفتها ؟
شعر بالإحراج من والدته، ولا يدري لِما، هتف بذات الثقة:
ما شاء الله عليها، كاملة خُلقيًّا وخَلقيًا والكامل وجه ربي
-صمت لثانيتين، أكمل بهدوء-
أنا يوم رفضتها مب عشان عذاريبها، لا وحشى لله، أنا رفضتها عشان ما أرمي نفسي وسط اللهايّب وأرمّد
وحدة مثلها يا يمّه "فيّاضة"، وأنا واحد ما أعرف للسباحة درب، وخوفي إني أغرق وأنا ما أملك أساسيات النجاة
ربّتت على كتفه بضحكة:
أغرق، وش حادك ما تغرق وهو غرق حلال
خلّي غرقك دافيء، مليّان حُب حنيّن، وابتسامات ملهوفة
ضحك زيد وهو ينحني ويقبّل كتفها:
والله يا يمّه عليش كلام منمق، هو كذا بالوراثة ولا اكتسبتيه؟
ما زالت محتفظة بإبتسامتها الحنونة:
الله يرحم عبدالله، ولا أنا كنت عصبيّة الله يجيرك منها، خاصة بشغلي اللي عزز هذه الصفة الخايسة
كان كل ما شافني معصبة على أتفه سبب، يسطّر لي من الكلام العذب اللي ينسينّي الغضب
ينثر لي من نكاته ويرشّها على قلبي الموّلع، وأنا رغم تفاهتها كنت أشوفها مثل الماي
-ابتسمت بشجن عميق-
الله يرحم ذاك الوجه، وجهٍ بشوش ولسانٍ ليّن
ابتسم زيد بذات الشجن لوالده الراحل، أراح رأسه على قدمي والدته:
يعني مب وراثة، فيه أمل إني أكون اكتسبتها أنا منّك بعد!
خلخلت باصابعها شعره بابتسامة بشوشة:
تراك عشت معه 12 سنة، والأمل عندك صار واقع، لأن لسانك الطيّب وروحك النقيّة محد ينافسها
صمت زيد لثواني معدودة، وصمتت نِعمة، محلّقة في عوالم عبدالله ذاك الزوج المثالي التي حظت به
همس حينها زيد بخفوت:
وأنا يا يمه ما أبي أبعد عن أبوي وصيت أبوي، أبي أعامل زوجتي مثل ما شفته يعاملش الله يرحمه
أبي أكون صبور، وحليم، وهيّن في علاقته الزوجيّة
تظنين بقدر يا يمه وما راح أظلم بنت سيف معي ؟
مسحت على جانبه اليسار، حيث قلبه:
اللي يلتزم بشرائع الإسلام في حياته ما بيظلم زوجته، وأنت يا زيد ما يفوتك فرض ولا يفوتك مجلس ذِكر
إن حبيتها أكرمها، وإذا لا .. لا تظلمها ولا تهينها
بريّتني طول السنين، وأنا متأكدة إنك قادرة توصل لها بأيام بسيطة

-
-

حلّ الليل في الصحراء الخاليّة وهو ما زال يُشغل نفسه بعمله المعتاد حتى يُفرغ بعضًا من قلقه
رجفة يده تبيّن لهفته وشدة إنتظاره لمعرفة ذاك الاسم الذي استولى على إحدى مجوهراته، على زينة
لا يستطيع تصديق الرفض الذي لاقاه منها، بل يصرّ هو على إعادة العرض لها مجددًا حتى ترضى
زفرّ وهو يغلق العلبة البلاستيكية بعد أن تعلم حلب المواشي، وطريقة إدرار حليبهن بطريقة لا تؤذيهن
وضعها بجانب سور الحظيرة، فجميع الغنائم يضعها هنا
حتى يأتي الشيخ ويحمّلها إلى مطبخ المنزل الذي لم يلمح به طيف شبح حتى الآن
شرب من الماء، اتكأ بظهره على السور وهو يلتفت حوله
كانت دقائق معدودة، حين رأى شبحًا متوشح بالسواد
يخرج من خلف المنزل، و يمشي بجوار سور العِزبة
يتلّفت برأسه حينًا خشيّة الإمساك به، وحينًا يشد السواد عليه
ظلّ يتمعن به، وفي ثواني قليلة، كان يتسلّق السور بلا دراية منه بالنتائج السلبية التي قد تحصل
صرخ فيه بحدة، سارقًا كان أم من أهل الحلال، فهو قد يُردى قتيلًا بسبب السور المفخخ
انحنى، رمى حجرًا ثقيلًا بقوة حتى ضربه في ظهره وسقط ذاك الشبح متألمًا على الأرض
وصرخة قايد المندهشة تأتيه بصورة غاضبة:
يا حرااميييي، تبي تجيب أجلك يوم إنك راكب سور مكهرب؟
رويدًا رويدا، سمع قايد أنين صادر من ذاك المتوشح بالأسود ويده التي تُمسك ظهره بقوة
ليلتفت إليه بحدة عيناه ، و يتراجع قايد للخلف بصدمة عارمة
وهو يلمح عيون الصقر المدججة بالكُحل العربي الأسود


-
قبل ساعتين | في منزل العزبـة
كانت تصنع عشاء جدها مجبرة كالعادة، فوجوده هُنا أصبح لا يطاق
كل يوم عندما تستيقظ ترمي بشهاب كلامها نحوه
وهو كالجماد، لا يحرّكه ساكن، كأنه يقول أعطيني من سبابُك وشتائمك حتى يخمد ما بداخلك
رغم أنه موقن تمامًا أن ما بداخلها لن يخمده مياة المحيطات بأكملها
الليّلة عزمت على تنفيذ مخططها، الذي ظلّت تتحيّن الفرص المناسبة لتنفيذه
الليّلة فقط ستهرب من هذا المعتقل، وسترمي بنفسها إلى أحضان عائلتها
كيف ستصل إليهم؟ لا تعلم، لكن جلّ ما تعلمه أنها ستتخلص من قيدها أولًا
تعمّدت الليّلة أن تصنع طعام جدها من اللبن، وشرابه من اللبن
فاللبن يجعل من جسد جسدها يخمل، ويدخل في نوبة نومٍ عميق
وهذ الذي تريده تمامًا، رسمت مخططًا بسيطًا وقد يبدو غبيًّا
لكنّه قد يأتي بنتائج مثمرة، فهي أكثر من يعرف جدها عزّ المعرفة
سمعت به ينده لها، حملت الصينية ونزلت من سلّم المطبخ
متّجه إلى الخيمة التي غالبًا ما يبيت فيها، بالقرب من موقده
رأته بابتسامته المعهودة حين يراها
وعقدتها الدائمة حين تراه، لتجعله يظن أنه دائمًا ما يكون مصدر ضِيقها
همس بمودة حقيقية :
يا أبيش المغرب عدّى عليه ساعة ونص وبيدخل العشاء،
وأنا ماداني العشى إلا بعد صلاة الليّل
هتفت بنبرة جامدة:
الله يرحم اللي كانوا يتعشّوا بعد المغرب، روّحوا عسى الباقيين يروحوا مراحهم
سكت الشيّخ لوهلة، وهو يستوعب كلمتها المبطنّة التي تتمنى له الموت
نظر إلى الصينية، هتف بجديّة استبدلها:
واللي راحوا ما تعرفين إنهم ما كانوا يدانيوا ( يطيقوا ) يتعشيوا بلبن
اتكأت على طرف المركى، تبتسم بخبث:
هذا عشى الأولين ياشيخ، حسبّتك منهم اللي ما تستغنى عنه
هزّ رأسه يائسًا من تغيرها الذي يرجوه:
استغفر الله العظيم، والحمدلله ربّ العالمين كله خير من ربي
بسم الله ..
سمّ بالله وهو يأكل عشاه تحت نظراتها المرتقبة، ونبضات قلبها ترتفع رويدًا رويدا
فهي على بعُد دقائق قليلة حتى تنفذ بجلدها من هذا المتغطرس
نصف ساعة آخرى قضتها في تنظيف المطبخ، وغرفة نومها
ونصف ساعة زائدة ظلّت تمشي في فناء العزبة وقدمها تغوص في الرمّال علّها تهدىء من قلقها
تنظر إلى مخارج ومداخل وأسوار العِزبة
هي تعلم جيدًا أنها لن تستطيع الهرب من هذا السور المتكهرب، ولا بد لها أن تُطفئ تيّاره الكهربائي
وجهازه متعلّق برقبة جدها على الدوام، لذا فالمُهمة التي تقع على عاتقها الآن هي إطفاء التيّار، ثم الهربٌ والهرب
-
وهذا ماحصل، دخل جدها في نومٍ عميق واستطاعت بكل شجاعة أن تتلصص عليه، كل ما أرادته هو أن تُغلق الزر حتى دون أخذ الجهاز
وفعلتها، فعلت ما كانت خائفة من فعله لسنتين عِجاف
فعلت الأمر الذي كان يؤرق ويغصص صحو أحلامها بالخروج
استطاعت إطفاء التيّار عن السور والبّاب، استطاعت الهرب وترك ما وراءها ودونها دون أن يرّف جفنها
كانت على شفا جفرة من السقوط في أحضان عائلتها
لولا ذاك الذي سكب نيرانه ليجعلها تُبصم خسارة تخطيطها الذي استمدّته لسنتين"
-
نظرت إليه بنظراتها الصقريّة الحادة، تشعر أن ظهرها قد انقسم لنصفين وأن عظاما تفتت بسبب الحجر والسقوط
لم يكتفي قايد بالتنبيه، أو رميها بالحجر
بل صرخ فيها وهو مندهش من وجود فتاة مثلها في عزبة بعيدًا كل البعد عن العِزب الأخرى :
أنتِ من ؟ وش تسوين في هالصحراء ؟
إطفاءها للتيّار ساعده على الخروج من السور المحاط بالحظيرة، وإقترابه منها بعجلة وسرعة ولا ينكر
لا ينكر أبدًا أنه خائف من أن تكون هاربة / جنيّة / ساحرة
فأي إحتمال آخر يمكن وضعه لرؤية فتاة في عزبة معزولة
في طريقه إليها مسك عصا طويله يهشّ بها الغنم، وأخذ يقترب منها خوفًا وترددا
زمجر بصوته العالي، وتصرفاته اللاإرادية:
أعوذ بالله منش إنسيّة كنتي ولا جنيّة، أنتِ من ووش جابش لهالعزبة؟
غطّت نفسها بعباءتها الفضفاضة، لم تترك سوى مرأى لعيناها الصقريّة، هتفت والألم يتشبّع بظهرها
والخوف رغم بسالتها يجري بدمها من أن يستيقظ جدها الآن
ويحدث ما لا يُحمد عقباه:
الله يأخذك ولا يردك، أنت اللي من يا حرامي ؟
كانت خائفة لسببين، جدها السبب الأول، والثاني خوفها من هذا المتطفل الذي لا تعلم منه
صرخ فيها بحدة عندما رأها تحاول الوقوف :
لا تتحركي من مكانش!
عند صرخته هذه، جاءت صرخة آخرى غاضبة وحانقة من مدخل الخيمة:
وصمخ ياولد العزم، الناس والحيوانات رقود وأنت تصايح مثل الجن تالي الليل، وش عندك؟
-فتح عيناه على وسعها حين رأى شبحًا أسود أمام خطوتين من قايد، اقترب بسرعة البرق وهو يزمجر-
أنا ولـد الشيّـخ، أنتِ وش تسوين قدامه يا قليلة الحيّا
اقترب منها بسرعة، مسكها من طرف كتفها بقوة أدهشت كلاهما، فالشيّخ في لحظة واحدة قد عاد لفتوّته بالقوة
عاد شابًا من غضبه وقهره وهو يرى حفيدته أمام غريب، وأي غريب ؟ إنه الغريم بحد ذاته
صرخ فيها وهو مرعوب:
وش تسوين برا غرفتش ؟ وش تسوين بأنصاص الليالي قدامه ؟
تكلّمي يابنت الصقر لا أخليش تلحقين الصقر !
صرخت به وهو تشعر بقهر، ولكنّها أدعت البسالة رغم كل شيء:
أتهمنّي باللي باقي ما أتهمتني فيه ، أوصم على جبيني وصمة العار
سويّها يالطاغي، سويّها ياللي ما تخاف ربك
شعر بيده ترتجف، يده الكاهنة التي امتدّت لها قوة عجيبة حتى جعلها تصفع خدها الحنطي الرقيق
شهقت الجوهرة بألم، تراجعت للخلف نصف خطوة
نظرت له بحدة، بقسوة تشبعت منها واكتفت، صرخت فيه:
فيك حيّل يالشيبة تمد يدك علي؟ فيك حيييل تعلّم على خدي مثلما علّمت على قلبي ؟ أمثالك يقولوا يالله بحسن الخاتمة
يذكرون الله ويستغفرون لذنوبهم، وأنت ذنوبك واجدة طالت ولدك وبنته!
-وبصوت محروق جاد- اعتقني !
نقل نظراته بين قايد الجامد بدهشة، وبين الجوهرة التي تتنفس وصوت أنفاسها يسمعها الخلاء
هتف والفكرة القاتلة تدور في رأسه بحدة:
وش مطلعش من غرفتش ومخلنّش توقفي قدامه ؟ تكلمي لا تخليني تو أدفنش مكانش؟
-التفت نحو قايد بغضب-
وأنت كيف طلعت من سور الحظيرة ؟ كيف قدرت أصلًا
أردف قايد بجمود نظراته :
فكرتك الغبية احتفظ فيها لنفسك، ولا تلّبسني إياه
صرخ بغضب ملتفتًا إليه:
والله يا قايـ..
قاطعته الجوهرة بحدة، ترمي أمامه بقوة تلك الأسوارة المعدنية:
تبا تعرف وش كنت ناوية عليه ؟ إني أهرب
شفت هالأسوارة اللي لبستني إياه قبل سنتين ؟ قدرت أفكها
وقدرت أستغفلك وأطفي تيّار الكهرب اللي محاوطني فيه
قدرت ألفّ عليك وما كان بيني وبين حريتي إلا خطوة لولا الغبي اللي واقف وراك
هاه بشرني للحين ناوي تدفنيّ بمكاني مثل ما دفنت أبوي بأرض ماندري عنها ؟
اقترب منها الشيخ وهو غاضب، حانق، وكل علامات العصبيّة ترتسم على وجهه
اقترب منها حتى شدّ شعرها، سحبها منه دون مراعاته لألمها الذي تفاقم وهو يصرخ بحدة فيها:
أنتِ عارفة سوات اللي يحاول يستغفلني ويمشّي شوره من وراي ؟ عارفة إنش جنيتي على نفسش بحركتش؟
سويتي اللي أعظم وأعظم بعيوني من اللي كنت مفكّر فيه، وتحملّي اللي بيجيش
في دقائق اختفوا الشيخ والجوهرة عن أنظار قايد، الذي أقل ما يقُال عنه أنه مدهوش ومُرتعب!
مُرتعب من فكرة أنه لهذا الشيّخ حفيده محبوسة في نفس السجن الذي حُبس فيه، ومدهوش من جبروته الذي طال دمه ولحمه
كان يسمع صُراخ الجوهرة يتعالى، كان يعلم أنه يقوم بوسم علامات ضربه على جسدها
لم يستطع حتى التدّخل، لم يستطع تقدم خطوة واحدة في سبيل إنقاذها من براثن غضبه
أنزل نظراته نحو الأسوارة الحديدية المنشطرة لنصفين، انحنى على أطراف أصابعه عليها
حملها بكفه، طابق بينها وبين تلك التي تسكن يده
ليجدها مُتشابه، ليجد أن الشيّخ خطط ونفذّ للإستعباد!
وأيقن أنه ليس الوحيد الذي ينُهش هنا بسبب حقده، بل حفيدته تُصارع أيضًا
اجترع ريقه وهو يهمس بإندهاش:
اللي تشبع بالحقد والكُره حتى طالت يدينه ولده وحفيدته، قادر على إنه يغدر في حفيد عدوّه بكل سهولة
أنفذ بجلدك يا قايد، إما تكون أنت الضحيّة، أو جدّك




-
طرقت أميمة باب غرفة حامد بعد أن استيقظت من نومها على أثر صُراخ حاد لطبلة الأذن
دلفت دون أن تتنظر منه الأذن، فذاك البُكاء سلخ جدار قلبها وأدماه
تفاجأت بالمشهد أمامها، كان حامد يحمل سعود الباكي بشدة ،يروح ويجيء محاولًا إسكاته وإخماد نار بُكاءه
اقتربت بسرعة، هتفت بصدمة:
بسم الله عليه وش فيه؟
نظرت إليها حامد، يربّت على ظهر سعود ويهزّه برقة وقلق:
أميم الولد من صحى من نومه وهو يبكي .. ماعرف وش فيه، عطيته كل شيء !
مدّت أميمة يدها لتُحاول إسكاته، فبدا لها وكأنه سيغمى عليه من شدة البكاء
لكنّه رفض، وتمسّك برقبة حامد الذي ظلّ يهزه بلطف حتى يهدأ ويريح قلبه ، همس بقلق عارم:
والله ماعرف وش فيه ، خايف عليه من ذا البُكاء
شورش اصحيّ أمي ؟
هزت رأسها بالنفي الجاد:
لا لا تصحيّها ، أمي من أول مهي راضية على سواتك في ولد أختك
هتف بغضب ، ما زال يمشّط غرفته ذهابًا وإيابًا وبحضنه سعود:
زين وش أسوي .. قولي لي وش أسوي ؟
استقامت في وقفتها، نظرت لتوتره ثم همست بجديّة:
وديّه عند أمه، صياحه صياح الفاقد .. وسعود فاقد أمه
تجمّدت نظراته نحو ثُغرها وما تفوهت به، يستحيل ذلك !! كيف تنقلب الأدوار الذي أرادها، ويذهب هو إليها بابنها دون أن تأتيه هي .. ظن أنها ستضعف ويتهشّم قلبها وتأتيه راكضة طالبه منه ابنها، وطالبه منه العفو والسماح
همس بجمود:
مستحيل !
اقتربت منه، وبكاء ذاك الصغير صمّ قلبها لتُردف بغضب:
وليش مستحيل ؟ أنت ناسي إنك ماخذ من بين يدينها قطعة من كبدها ؟ ناسي إنها تنام بعيد عنه وعن حسّه من أسبوعين
ترا اللي مثل حنان ما يدل درب الصبر ، لكن تبيك تحنّ وتلين
أردف بذات الجمود :
لو هو قطعة من كبدها كان جات تطالب فيه، لكن اللي مثل أختش ما ينعطى وجه لأنه مب قد المسؤولية
نظرت له بعينان ملؤها العتب:
مشكلة يا حامد إذا ما فهمت أختك اللي طلعت أنت وإياها من رحم واحد ومشيمة وحدة !
أنت خذيت منها ولدها أولًا ، وجاتك برجولها لين عندك !
هالمرة تنتظرك أنت تبادر وتخطي خطواتك نحوها
هتف بغضب تصاعد لرأسه:
مستحيل .. ما أخطي خطوة قدام بيت قتّال ولدي
ولدي اللي ما بريت من موته لين يومش ! مجنونة أنتِ
والله حد السيّف بين قلبي رجلي
استغفرت في داخلها من عِناده، همست لتُخيفه:
زين خلّك على صياحه وخلّيه يصحي أهل البيت كلهم .. أمي متضايقة من تصرفك وأبوي معصّب وواصل حدّه
وكل ما يشوف سعود يقول " عيالي بيذبحوني .. عيالي بيذبحوني "
تنازل يا حامد ، منت خسران كرامتك ولا عزة نفسك
صدّ حامد عنها، ربّت على ظهر سعود صعودًا ونزولا
يفكّر بكلامها .. يفكّر به ليس من أجله أو أجله أخته، بل من أجل هذا الباكي الذي سيتقطع بين يديه
اندمى قلبه حين سمع همسه المتشنّج باسم والدته، ووضع نفسه في مكانه
ماذا لو اُختطف من حضن والدته لفترة من الزمن، ماذا لو لم يشتمّ رائحتها المسكيّة ؟ ماذا لو كنت أناجيها وبيننا الأسوار والأبواب وحقدٍ مزروع بين القلوب ؟
وجد صدره يتمزّق، فهو قد انتقم في طفلٍ صغير لا يفقه من غبار المشاعر شيء إلا البُكاء
لقي أنه بدل أن يستعيد أخته بطريق شرعيّة، استخدم أكثر الطُرق بشاعة
همس بجديّة وهو يخرج بخطواته نحو الخارج وسط ابتسامة أميمة:
أرسلي لها خلّها تطلع، دقيقة وحدة ولا بحطّه في الشارع وأروح
استجابت لأمره وهي تعود لغُرفتها ملبيّة طلبه، فأول الغيث قطرة ، وهي تأمل أن يتبع هذه القطرة .. مطرٌ شديد
-
خلال دقيقتين كان حامد يقف أمام منزل جارهم، أخ عبدالمجيد
مرتديًا ثوب النوم المقلّم بالأسود، وبحضنه سعود بثوب نوم ابنه الراحل
لم يهدأ حتى الآن، حتى بشعوره أنه بات قريبًا من حضن والدته
كانت نصف دقيقة تجمّد فيها وجه حامد حين خرجت حنان بوجهها المخطوف وملامحها الشاحبّة لمّا تلقت رسالة أميمة
وجميع الأمور السيئة استوطنت عقلها وتفاقمت
فور سماعها بكاء طفلها، صعدت الدموع إلى عينها وبكت
تقدمت نحو حامد، حملت سعود من بين أحضانه وهو ما زال جامدًا ينظر إلى مشهدهم المؤلم
همست حنان ببكاءها وهي تحتضنه وتسميّ عليه:
أبوي أنت ، أبوي يا سعود هذاني جنبك حبيبي .. بسم الله عليك هذه ماما هنا
حين سمع كلماتها الحنونة، احتضن رقبتها بيديه الصغيرتين وبكى، بكى لتبكي هي خلفه
بكى لتنعى هي الجامد أمامها، احتضنها سعود بكامل شوقه
وفي لحظة صادمة ، مدت يدها لرقبة حامد واندّست بداخله لتُهجش في البكاء
أصبح منظرهم مأساوي لعبدالمجيد المرتعب من رعب حنان بعد الرسالة، منظرهم بات جارحًا للعين داميًا للقلب
اقترب منهم، حمل سعود فقد كانت حنان تعتصره بين كفها وبين صدر حامد
ابتعد عنهم وترك لهم المجال ، لعلّها الليلة ليلة الصفح والمغفرة
مدّت يدها الآخرى، وأصبح حامد مقيدًّا بين يديها
كانت دقات قلبه تتسارع، كان دمعه يتصاعد إلى عينه
ينظر إلى السماء بملامح الوجع العارم، يهمس بألمه الحارق:
آه يا حنان
حين سمعت حنان تنهيدته الحارقة تعالى بُكاءها، هتفت بوجع:
يا جعلها تصيب قلبي ولا تصيبك، ياجعل الآه بقلبي ياخوي .. سامحني أرجوك
سامحني قطعني الشّوق لك، سامحني مزقني الأسى ببُعدك
سامحني نيابة عن حزن زوجتك وموت ولدك!
ولا تجفاني ، ما لقلب أختك غيرك.
يداه بجانب جسده، عاجزه عن إحتضانها، عاجزة عن مداراة هذه الغربة
هتف بألم، بشوق مزّق حباله الصوتية:
وش أسامح عليه يا حنان .. طاب الخاطر وعاف الزين والشيّن
ويوم حاولت أسامح سماح الحشيم لقيت قدري بالأرض منهان
رصّت على حضنه، دست نفسها بصدره:
خمس سنين، وثلاث عيال، وأميال طويلة بيني وبينك .. ما كفاك ؟
عض شفته السفليّة بقوة، وبنبرة عتاب:
خمس سنين محروق، ومن ليلة شوفتش والريح تنشر علي رماد الشوق ، تظنين ما اكتفيت ؟
قبّلت كتفه من أعلاه، همست بما تعنيه الكلمة من معنى:
أنا آسفه .. وأنت ؟
أغمّض عينه بشدة، أصابت أعمق نقطة في قلبه ، أصابت تلك الذكرى التي يُحبها جدًا
حين كانت تُخطي وتقول له "أنا آسفه .. وأنت ؟" كان يرد عليها بـ" وأنا أحبك "
لكن اليوم ليس بالأمس ، ومشاعر الأمس ليست بمثل مشاعر اليوم
الكثير تغيّر ، وحتى الرد الذي تنتظره .. تغيّر
تذّكر حينها ذاك الكلام الذي خطّه يومًا بيداه، كلامٌ مختبيء خلف أطنان من الذكريات الموجعة
همس فيه بجدية موجعة:
أنا ؟ أنا اللي عطيتش من ظلامي نور، ومن حزني سرور
أنا اللي خذيت سواد ليلش وصرت لش حارس الباب والسوّر
أنا اللي انكسر خاطري، لأجل ما تنامين وخاطرش مكسور
أنا المغدور .. سطّرت لش الأعذار بدل ما أكون المعذور
رقّ قلبه حين تزايده بكاءها، يا لوجعه فحتى بأسلوب نعيها شابهت ابنها سعود .. سعود الشبيّه بإبنه سيف
لم يتحمل ضغط مشاعره التي ستنفجر لا محالة ، لم يتحمل أن يصنع شروخًا في روحها ، لم يتحمل فقلبه الفضفاض لا يقوى على الأذى
رفع يداه، احتضنها من ظهرها بشدة، قبّل أعلى رأسها
وهمس بحنان عميق افتقدته حنان:
مسموحة ! والله يغفر لنا ذنب الغربة والبُعد




-
" إذا كنت ما تبي تذبحنا وقّف السيارة على جنب"
هتفت بهذه الجملة وهي تحدّق به بجدية، جديّة بالغة غريبة عليها
فالطريق الذي يجب أن يقطعوه في خمس ساعات، قطعوه في 7 ساعات
لتوقفات حاتم المتكررة، ولسرعته البطيئة
وكأنه ليس بذاك الملهوف على الوصول سريعًا وتوقيع عقده
همس وهو يضغط بيديه على المقود:
سكتي يازينة، وخلينا نوصل بسلام
كانت زينة خائفة، فيداه ترتجف بشكل مهوّل، وأكثر من مرة ينحرف مساره عن الطريق
رغم أن الطريق خاليٌ من المارة والسيّارات، بل إنهم في صحراء جرداء لا تُرى بها إنسًا ولا جان
هتفت بجدية أكبر من سابقها :
وقفّ السيّارة على جنب شوية، تعبت أبي أطلق رجولي
تعذرت بأقرب عذر أمامها، لعلّه يستجيب لطلبها، لكن أصرّ أكثر :
باقي نص ساعة ونوصل .. خلّي رجولش تنتظر !
تأففت بداخلها ودعت الله أن يوصلهم سالمين، ألقت بنظراتها عليّه
كان يمسح عرقه المتصبب، ولا تعلم لما يتصبب عرقًا والسيّارة باردة جدًا ودرجة الحرارة الخارجية في شاشة السيّارة تشير إلى 23 درجة
صدّت عنه، أغمضت عينيها وهي تستغفر وتحوقل وتدعو الله كثيرًا
لا طاقة لها بالمُجادلة، فيكفيها نظرات عمّها التفحصية حين قدموا لوداعهم ويكفيها توصيات خالتها المتكررة عن حاتم
ورجاءاتها الحنونة في مراعاته كأنه طفلٌ صغير
أراحت رأسها على زجاج النافذة، وماهي إلا خمس ثواني حتى شعرت بوقوف السيّارة بشكل مفاجيء، ومرعب
صرخت من خوفها، التفتت له مرتعبة وهي تحمد الله على أنها ترتدي حزام الأمان
وجدته أسود الوجه، بارز العُروق، أحمر العينين كما عرفته خلال هذان اليومين! والذي أرعبها أكثر
هو رُعاف أنفه الذي بدأ يصب مشكل مخيف مخيف ! لأول مرة ترى هذه الكميّة من الدماء تخرّ من شخص واحد
صرخت برعب :
وش فيك ؟
تمتم بشتائم ما تنفك من لسانه، يحاول إيقاف نزيف أنفه الذي بلل ثوبه الأبيض
وكعادته، يتقرّف من الدم فيشعر بالغثيان والرغبة في التقيء
نزل من السيّارة، كحّ بصورة متواصلة وصلت إلى أذنيّ زينة التي ما زالت تنظر إليه ويدها على قلبها !
هذا الرجل غريب، غريب في كلّ شيء .. حتى في تعامله ما حالته الصحيّة
استوعبت موقفها لتخرج من السيّارة بإتجاهه حاملة علبة مناديل وعلبة ماء باردة جدًا كان قد اشتراها في محطتهم الأخيرة
اقتربت منه وهي تسمع صوته المتقرف حينًا، والمجهد حينًا ، والشاتم والقانت حينًا
وقفت بجانبه، صرخ فيها بغضب:
لا تتقربّين مني، كم مرة لازم أعيد كلامي عليش ؟
خلّش بعيد !
أخرجت حفنة من المناديل متجاهلة صُراخه، مسكت رقبته من الخلف إلا أنه أبعد يدها بدفاشة:
زينة والله العظيم ما وقتش، وخري عني
كانت مرتعبة حقًا، فالدماء تهطّل بشدة بلا توقف
أردفت بجدية عميقة:
بيمصع دمك على هالنزيف، خلنّي أوقفه ما بياخذ خمس دقايق
وبدون أن تترك له مجالًا للرفض، وبنظراتها الصارمة الجادة أمالت رأسه للأمام قليلًا
ووضعت سبابتها وإبهامها على غضروف أنفه، صرخت به حين رأته يبتلع كميّات الدم وبسببها كاد أن يتقيء:
لا تبلع الدم ، طلعه من فمك كذا بيغثّي علييك
-أكملت بذات الجدية-
تنّفس من فمك وخلي رأسك منحني كذا ، لا ترفعه لفوق أبدًا
مسكت يده لتضعها مكان يدها الممسكة بالمناديل على أنفه
فتحت علبة الماء الباردة وبتروي وهدوء بدأت بسكبها رويدا رويدا على رأسه
حينما كانت صغيرة واجهت مشكلة "الرعاف" لفترة طويلة، فبعد أن كبرت وهي ما زالت ملازمة لها تعلّمت طريق إقاف النزيف بسرعة !
ولكنّ كمية الدم التي تنزفها كانت قليلة مقارنة به
عضّ شفتيه بحنق وغضب ليهمس :
إن ما مت من الرعاف بموت من البرد ، ذبحتيني خلاص
غيّرت حفنة المناديل بأخرى وهي ما زالت جامدة الملامح، وتتحرك كرجل آلي بداعي الإنسانية
همست بجمود صلب :
أمسك الكلينكس ، وبس يتوقف غسّل وجهك
قالت ماعندها واستدارت لتعود الدخول إلى السيّارة وهي ترتجف، ترتجف بردًا، ترتجف ضيقًا وحنقًا
نظرت إلى يدها المرتجفة كذلك، خبأتها أسفل كُم عباءتها وعادت لإسناد رأسها على زجاج السيّارة
بينما هو كان ينظر إليها، إلى طيفها المقفي، ينظر لجمود ملامحها وإحمرار عينيها!
لم يحجب عنها نظراته إلا حين شعر بوقوف النزيف، وبرنين هاتفه الذي أعتلى
اقترب من باب السيّارة بهدوء، لا يعلم لما قهرٍ طفيف شعر به في كلامه السابق معها
تنّهد، حمل هاتفه وهو يقف بجانب الباب ينظر إلى ثوبه المحمّر :
ألو
وصله صوت زيد الغاضب جدًا:
وينك أنت ؟
رفع حاجبه بدهشة، ما باله:
قريب الدُقم ، ليش ؟
بذات النبرة أردف زيد :
رايح سيّارة صح؟ رايح سيّارة وأنت لك سبع سنين ما سقت في خط أطول من نص ساعة
يوم قلت لي إنك بتسافر للدُقم، حسبت رايح طيَّارة
أرسل لك من ساعتين ولا تردّ على تلفونك، قلت يمكن للحين ما وصل
كلّمت الشباب بالمطار، قالوا ما في طيّارة طالعة للدقم اليوم
وكلمت اللي بالطيران العسكري ، ونفس الكلام
أنت مجنون ؟ ما تتوب يا حاتم ؟ بتجيب آخرتي من كثر ما أنصح فيك وولا فاد
تنّهد حاتم بضيق :
خلّصت ؟
ضحك بقهر ، أردف :
طبعًا بتجلس تتمصخر من كلامي .. هيه أنا ليش متعّب نفسي
أنت وينك ؟ علمّني بجيك لأني متأكد ما وصلت حتى نص الطريق
شرب من علبة الماء الباقية ليُردف بهدوء:
باقي لي ربع ساعة وأوصل الدقم ، وفرّ التراجيديا اللي مسونها
هتف بدهشة :
تتكلم من صدقك ؟
حاتم بذات النبرة :
شايف لي مزاج عشان أمزح معك ، خلاص يا أخي مركز الولاية قريب منّي
همس زيد ، بغير تصديق مما يسمعه :
صار لك شيء ؟
ابتسم حاتم فجأة بسخرية ربما، وربما بابتسامة فعلية:
اللي أنت عارفه، بس ماعليك تمت عملية الإنقاذ بنجاح
سكت قليلًا، ليتراجع بظهره بعد فترة وينخرط في ضحكاته :
ماغيرها بنت مرشد ، ماغيرها أكيد؟
عضّ حاتم لسانه ليهتف بعصبيّة:
يالـ ... استغفر الله العظيم ، وش اللي يضحّك انزين ؟
ما زال زيد مستمرًا في الضحك، أردف :
اللي يضحك إن ولا مرة سمحت لي أعالجك لما صادفت حالتك، وكنت تعصّب علي في كل مرة
وبنت مرشد قدرت عليك من أول مرة، والله كفو
رصّ على أسنانه :
اقلب وجهك ياللي ما تستحي، اقلب وجهك لا أجيك راجع وأعلمك وش يعني الضحك
أغلق في وجهه وهو ما زال يضحك، يضحك بشدة ولا يعلم لما تسلل الفرح لقلبه وهو يقول بينه وبين نفسه " الشجاعة اللي قدرت تكسر حاجز الـ لا ، قادرة تدمّر حواجز وتبني مدينة مليانة بدل الفراغ، هي ندّ لك .. وأنت منت قد الأنداد "
رمى حاتم هاتفه، نزع ثوبه البالي ثم اتجه نحو "دبّة" السيارة ليستخرج ثوب جديد ويرتديه قبل أن يصلا للفندق
بعد دقيقتين انطلق في مساره، ليهتف بنبرة هادئة :
شيء دبّة ماي ثانية ؟
التفتت تنظر له وسط سرحانها، أسبلت عينها ثم أشرتّ بعينها على الكيس أسفل قدمها
أكمل بجدية:
طلعي لي !
أخرجت بهدوء ومدتها له ، ليقول بتلاعب :
فتحيها .. شايفتني أسوق !
تأففت بخفوت لتصرفاته الطفولية، فتحت العلبة ووضعتها هذه المرة في الوسط بينهما
تناولها وهو يرتوي منها رغم برودتها ، ليقول محاولة منه لفتح باب الحوار
وهو مندهش من نفسه، لما يريد التحاور معها .. لما يريد سماع صوتها ورؤية نظراتها الجادة ، لما يتوق لسماع صوتها
ألأنه يريد اكتشافها ، واكتشاف تكوينة شخصيّتها التي سمع بها ؟ لا يدري :
وش كنتِ تفكري فيه لما سكبتي الماي البارد على رأسي ؟
همست ببرود :
ما كان شيء ثلج عشان أحطه على أنفك وجبهتك، وشفت الماي البارد يفي بالغرض
أردف حاتم بذات النبرة :
تعرفي إنها طريقة خطأ ؟
التفتت تنظر إليه بذات النظرات :
لأن مافي شيء صح ، الخطأ إننا ما نجرب فعلًا
-هتفت بفضول-
وش سبب هالرعاف ؟
نظر إليها لوهلة، ثم أعاد نظراته للطريق وهو يهز كتفيه بلا دراية:
ما أعرف
أكملت بذات الفضول العذب :
كشفت ؟
ارتسمت ابتسامة صغيرة جدًا لم تتبين لزينة :
لا ما كشفت ، ولا يحتاج أكشف
انغمسوا في الصمت بعد جملته، لتدخل زينة في موجة تفكير تخصه وحده، تفكّر بمزاجيته المنقلبة خلال أقل من 24 ساعة
تفكّر في مصيرها معه، وتفكّر بالذات في موقفه الليل
بينما حاتم كان يغوص في قلقه من تأخره على توقيع العقد، ورغبته في الاتصال بصاحبه لكن ليس أمام زينة
وصلوا إلى الفندق ، نزلوا ليضع حقائبهم بيد العامل ويصعدوا إلى الغرفة المحجوزة مسبقًا بعد أن سجّل بياناته
أغلق باب الغُرفة وهو يرى جلوسها على السرير حاسرة الرأس ، تنظر إلى اللاشيء
تراجع خطوة وهو يستذكر :
بروح الصيدلية وراجع ، لا تنزلين مكان
قال ماعنده وخرج من الغرفة متجه لأقرب صيدلية من الفندق ، تذكر قبل ساعات حين كان يريد إدخال أدويته التي تعوّد أخذها في حقيبته ولكن لم يستطيع بسبب وجود عائلته أولًا ، ثم دخول والدته عليه في غرفته وتقديمها للنصائح التي لم تنتهي إلا بعد إستعجال حاتم لها
تنّهدت زينة، نزعت عباءتها وعلّقتها جانبًا، مسحت على جبينها هامسة:
الله يعطيني الصبر، والقوة عشان أجابه هذا الرجال
وش المتاهة اللي دخلتي نفسش فيها يازينة ، كنتِ مستغنية
اتجهت نحو حقيبتها، نزعت بيجامة نومها ودخلت لدورة المياة حتى تستحتم وتتوضأ
فعلى الرغم من وقوفهم في محطتهم الأخير لم يسمح لها حاتم بالنزول إلى مصلى النساء، لعدم أمانه، وربما خوفه غير المبرر ، قال لها " حنا في طريق سفر صلّي جمع وقصر أول ما نوصل "
وها هي تريد قضاء صلواتها حتى تنعم في نوم هادي بعيدًا عم وجوده الذي يؤرقها
أنهت صلاتها بعد فترة، قرت أذكارها وهي على سرير النوم، وبشكل لا إرادي
وبسبب تعبها العميق، وسهدها المتواصل منذ الأمس، ونفسيتها التعبة بسبب تجيهزاتها
دخلت في نومٍ عميق جدًا ، نوم ساكن هادي وفي غرفة باردة
لنصف ساعة، ربما ساعة .. أو زادت ربع ساعة على الساعة
حتى شعرت بطرقات متتالية ، ومزعجة على باب الغُرفة
فتحت عيناها بتعب، تنظر لحولها ببلاهة
قفزت من سريرها بمجرد شعورها لضربات أقوى على الباب
نظرت من العين السحريّة له، وشعرت بصدمة بالغة عارمة
وهي تنظر إلى جسد حاتم المتكئ بثقله على كتف شخص آخر لم تعرفه


-
خرج صباحًا من غرفته بنفسيّة مختلفة تمامًا عن ما مرّ به قبل خمس سنين
كما لو أنه خرج حامدٌ جديدٌ من رحم السعادة والألق
كان بهيًّا ، مستأنسًا ، مشدود الإبتسامة والابتسامة في عينيه لا ثُغره
أرتدى أجدد ثيابه ، تعطّر بأغلى عطوره ، خرج حاملًا قلبه في يديه .. سعيد جدًا ، سعيد وهذه الكلمة لا تكفيه حتى ينثر في الكون مداه
نزل إلى الأسفل ، وجد والدته تجلس في صدر الصالة كما اعتاد على رؤيتها
انحنى ، سلّم على رأسها واتسعت ابتسامتها لمجرد رؤيته هكذا .. عريسًا راقيا
أردف بابتسامة :
رايح أجيب علياء ، وبرجع على طول
تنّهدت بابتسامتها ، فأخيرًا زوجة ابنها ستعود ويهدأ قلب هذا الرجل المعتّل :
زين يا أمي زين تسوي ، مرتك طولت عند أهلها
-وبرسالة مبطنة مملؤءة بالوجع-
وعقبال ما يرجعوا كل الغايبين
ابتسم في داخله ، ودّعها ثم خرج .. لولا أن توقف لثواني يُفكر
قلب هذه الشيخة الراقية يجب أن يسعد ، يجب أن ترى فلذات كبدها قد اجتمعوا على الحُب والإخاء
كفاها حُزنًا على فراق قلوبهم قبل أجسداهم ، يحق لها عيش الراحة التي عاشها هو بالأمس حين فتح باب الصُلح بينه وبين أخته
التفت لها عائدًا ليقول بعجلة باسمة :
يمه ، اليوم عازم ربيعي على العشى .. الله الله أبغى أبيض وجهي قدامه بطبخاتش اللذيذة
هزت رأسها بهدوء :
تبشر أنت وربيعك .. الله يحيّه ومن معه
عاود تقبيلها ثم خرج وهو يُرسل رسالة سريعة إلى حنان
" اليوم عشاش عندنا .. تعالي "
جاءه رد حنان بأسرع ما يمكن لتقول له بإستفسار مترقّب
" ومجيد ؟ "
سكن للحظات وهو يتمعّن في رسالتها .. مجيد ! ماذا عن مجيد
لم يستطع مسامحته حتى الآن وإن كان قد سامح أخته .. يعلم ويوقن في قرارة نفسه أن ما حصل لإبنه ليس لعبدالمجيد يدٌ فيه .. ولكنّها النفس العصيّة عن النسيّان مهما كان
فعبدالمجيد مرتبط بعدوّه اللدود ، ابن أخيه المتهور !
لكن في الوقت ذاته هو مُرتبط بأخته .. تؤامه الشقيّ وقلبه الآخر
تنّهد بعمق ، ارسل رسالة مقتضبة ثم أشعل سيّارته
وهو كله أمل أن تعود الميّاة النقية لمجاريها
" أنتِ ومن يعزّ عليش .. "
-
-
-
يقف ممسكًا بدلو مملوء أمام السيّاج الكهربائي !
ينظر إلى الشيخ الذي أمامه بنظرة تململ وضيق ، هتف بنبرة قوية وجسد متأهب :
خلّصني وافتح ذا الباب عشان أرمي وصاخة حميرك
بدل ما أنت مقضيّها تشرب في ذيك القهوة العربية
ابتسم الشيخ بسخريّة ، بودّه أن يُذل قايد قليلًا :
مشتهي القهوة ؟ شميت كيف ريحتها ؟
تكتف قايد بطول بال وصبر :
قالك منتزق ( متشفق ) على القهوة أو أول مرة أشربها في حياتي ؟
تجاهل النظرة إليه وهو يأكل من التمر السكري اللذيذ بسخرية ضاحكة :
بس الأكيد إنك من زمان ما شربتها
أردف قايد بحدة :
يا مثقل دمّك يا هالشايب .. خلّصني وأفتح الباب لا أخلي حلالك يسبح في بركة دم
رفع نظره ، ثم ضغط على زر المفتاح الذي يحمله دائمًا على صدره كقلاده
والذي استطاعت الجوهرة التسلل إليه وإطفاءه حين أرادت الهرب
فتُح الباب أمام قايد تلقائيًا ، لم يخرج .. ظلّ مركزًا بنظراته على الشيخ ينتظر منه لحظة غفلة واحدة حتى ينفّذ ما خطط له
وفي اللحظة التي أمال الشيخ على " فوالته " خرج قايد بسرعة وفي يده اليسرى كان يحمل ( سيم حديد ) قابل للإنثناء ! استطاع به ربط الباب بجداره حتى لا يستطيع الشيخ إقفاله مرة آخرى عليه
تبسّم بإنتصار حين تراءت له صرخة الشيخ المندهشة ، التفت له بتحدي :
فكّر تحبسني مرة ثانية ، أسبوعين ساكت عنّك بس خلاص من اليوم ورايح دامك حابسني حابسني بتمشّى على راحتي
-وبسخرية ضاحكة-
أطلق رجولي شوية أخاف أشيّب قبل أواني مثل بعض الناس
اقترب من حاوية القمامة الكبيرة وهو يرمي ما بالدلو ، مستمعًا للشتائم التي تخرج من فم هذا الشيّخ
وحتى يستفزه أكثر .. اقترب وجلس أمامه تفصل بينهم القهوة
تناول فنجانًا منها وهو يبتسم ابتسامة عريضة :
والحين يا قاصر العُمر .. يمدينا نسولف براحة صح؟
هتف الشيخ بغضب محاولًا تمالك أعصابه ، بلا فائدة :
يعني كذا تحاول تتحايل عليّ وتمشي كلامك علي ؟
هيّن يا قايد لا تشوفني ساكت يعني مستانس على حركاتك
رفع نظره من على فنجان القهوة بهدوء مستفز :
ندخل في الموضوع على طول .. بلاش كلام فاضي
أخذ نفسًا يدعو الله فيه بالصبر ، سيدعه يقول ما يجول في خاطره
على العموم هو لا يستطيع الخروج من هنا :
غرّد ، وسمعني وش عندك وأنقلع من قدامي بعدين
سكت قايد لثواني ، ثم ابتسم ، ثم امتدت بسماته لضحكات :
من يوم صغرّي تسموني بالجني .. لأنكم عارفين إن الجن يعرفون اللي احنا يالبشر ما نعرفه
يالله فلنفترض إني كنت جني ، وشقي ، ومجنون .. وجبت لكم ولنا المشاكل ! لكن لا تظن أبدًا إن عيني غفلت عن التفاصيل
-وجّه نظراته الصارمة نحوه-
السؤال يقول .. وش بينك وبين جدّي عزام عشان تنتقم فيه مني ؟
ابتسم الشيّخ ، ثم اتكأ على المركى :
وليش واثق إني جالس أنتقم لجدك ، مب لحفيدي اللي مات غرقان ؟
أشرّ بيده بصرامة :
تجاوز موضوع موت حفيدك ، أنت عارف إنه مات بإرادة ربه
لكنّ تعرف بعد إنك تعمدت تحط مطر وشلّته يراقبوني ، صح؟
ينظر إليه الشيّخ بحدة دون أن يشفي غِلة بكلمة واحدة
أكمل قايد ببساطة جادة :
أنا راضي تنتقم مني على كل حال ، راضي يصيبني الوجع ولا يصيب جدّي .. لأن ولد العزم ربّانا على هالشيء
ربّانا نضحي ، نحارب ، ننتقم من كل اللي يمس العايلة
فأنا مب ندمان على وجودي هنا .. لكنّي راح أندم لو ماعرفت السبب
-وببرود باسم-
وصدّقني مب فارقة معي ! بس عشان توّفر محاولاتك في إستفزازي أو في الأشغال اللي توكلها لي
هتف الشيّخ بذات البرود :
إذا خلصت بربرة شلّ عمرك وقوم من قدامي
سكت قايد لوهلة ، ليقف وهو ينظر إليه بجديّة :
البنت اللي أمس محبوسة مثلي ؟
-أكمل بابتسامة عندما رأى الغضب على وجهه-
وحدة من ضحاياك في هالعزبة اللي بانيها آخر الدنيا ؟ طيّب وش رأيك اللي صار أمس يصير بالأيام الجاية ؟
وقف على حيلته ، نهره بغضب :
أنا قلت لك لا تتعدى عتبة باب الحظيرة ، هذاك مقامك ومستواك .. والبنت اللي أمس سوي نفسك ما شفتها
لأن والله مصيرك بيكون مثل مصيرها
احتدت نبرته الغاضبة :
قليل الأصل والمروءة ما ينتآمن على روح ونفس .. قليل الرجولة ما يضرب بنيّة والله أعلم إذا ما كان ذبحها ودفنها
والله العظيم ياشيخ الوكيل ، السالفة ذي ما بتطول
وما بسمح لك تحلّ وتربط بغفلة من رجال الدولة وقوانينها
تبا تلف عليّ ؟ لف .. لكنّ بخلي حبل المشنقة يلف عليك
رفع قايد رأسه ، ينظر إلى إحدى نوافذ المنزل المأسورة فيه تلك الفتاة
بالأمس أخذ وقتًا طويلًا في التفكير بها وبكلامها .. كلامها القاسيّ جدًا ! والذي استشّفه أن تلك الفتاة تكون حفيدته
فماذا جلب حفيدة هذا الطاغية إلى صحراء لا أنيس فيها ولا مؤنس
أشر نحو باب الحظيرة ، هاتفًا بجدية :
هذا الباب ما بيتسكّر مرة ثانية ، تدري إذا سكرته وش بسوي ؟
بذبحك .. وبدفن جثتك في هالصحراء ولا أخلي الضباع تنهشها
-وبابتسامة خبيثة-
عاد يا حرام كيف بتدافع عن نفسك ، شيبة رأس مالك عصاك اللي تتوكأ عليه
ولاه ظهره عائدًا إلى الحظيرة وهو يبتسم بخفوت على الرُعب الذي أدخله في قلبه ، أو هذا ما يظنه
لأنه يعلم يقينًا أن الطُغاة لا يخافون ولا يهابون
نظر الشيخ إلى طيفه المقفي .. همس بينه وبين نفسه :
زين ياقايد ، زين .. إذا ما كانت عندي أساليب التعذيب لكن يكفي إنك بعيد عن أبوك الظالم




-
تنظر إليه وهو ينام بعُمق عرض السرير ، بعد أن أحضره أحد المارة من أمام الفُندق حين أغمى عليه
ملامحه القاسيّة حتى في نومه ، لا تنبسط ولا ترتاح من التعقيد
حوله تدور المسائل .. والتساؤلات جميعها
ماذا يدور في عقله ؟ ما سبب هذا الألم الذي يطفح على وجهه ؟ لما يده دائمًا تؤلمه ؟ لما تغطّي المآسي جسده
أسئلة سألتها لنفسها مئات المرات ، بقدر الساعات التي ظلّت تُراقبه فيها
رفرف عيناه بخفة دليل على إستيقاظه ، بقت مكانها على الكُرسي المنفرد تتابعه شيئًا فشيئًا ! حتى في لحظات إستيقاظه يتأفف
تفاجأت به يقفز من السرير الوثير قفزة عاليّة ، ثم يلتفت على جانبيه كالذي يتفقّد شيئًا
ليصلها هتافه المرتعب :
الصـلاة
التفت بسرعة للصوت الذي خرج منها ببرود هادئ :
فاتن عليك 3 صلوات من أمس لليوم
زمجر فيها بغضب :
وليش ما صحيتيني ولا ...
قطع كلامه حين تذكرت ما حدث بالأمس ، وما الألم الفظيع الذي شعر به .. وإغماءته الخجولة أمام الفندق !
زفرّ وهو يحمل منشفته .. ويدخل إلى دورة الميّاة لكي يستحم ويقضي ما فاته
تنّهدت زينة دور رّد ، لا طاقة لها اليوم على المجادلة أو قول حرفٍ واحد ، تستوحش هذا المكان كثيرًا
بل تستوحش روحًا بالقُرب من هذا الوحش المزاجي ، فتارة تراه رائقًا وتارة لا يستدّل درب الحنيّة
سقطت عيناها على كيس الصيدلية التي وضعته في التسريحة بالأمس
وقفت واتجّهت نحوها ، لا تعلم إن كان مريضًا بالفعل
أو أنه يأخذ هذه الأدوية لتسكين ألمه فقط
نظرت بداخله .. بنادول ، أدول ، بروفين ، أوكسيمورفين
دُهشت ، ما كلّ هذه المسكنّات التي يتناولها .. وما حاجته إليها إن كان فعلًا يعاني من آلام مجهولة المصدر بالنسبة لها حتى الآن
ابتلعت ريقها .. كل ما له والأمر يزداد غرابة
التفتت عندما سمعت صوته خارجًا من دورة الميّاة ، يمسح على شعره شبة الطويل بالمنشفة
بسخرية جارحة :
تطمنّي كلها مسكنات ألم .. ما هي مخدرات !
اتكأت بظهرها على طرف التسريحة ، تنظر له وهو يُمسك بسجادة الصلاة :
وش حاجتك لكل مسكنات الألم هذه ؟
نظر لها بهدوء :
أبد عجبتني أشكالهن قلت ألعب معهن حجرة ورقة مقص
-ابتسم بخفوت-
بالله عليك وش بتكون حاجة اللي يأخذ مسكنات ؟ أكيد عشانه يتألم
بذات الجدية أردفت :
أنا ما أسألك عن ليش تاخذهن ، أنا أسألك عن وش حاجتك لهن إذا كانت آلامك بسيطة !
مسكنّات مثل ذي ما تتاخذ منّاك والدرب
صدّ عنها .. فصلاته الآن أولى من النقاش ، وهي حين رأت سكوته تنّهدت لتًعاود الجلوس على كُرسيها مثلما كانت طوال الليل
استغرق وقتًا طويلًا لكي يؤدي صلاته ، وحين أنهاها اتّجه نحو إحدى المسكنات واجترعها هكذا دون ماء حتى
جلس أمامها على الكُرسي المنفرد الآخر ، لتفصل بينهم الطاولة الصغيرة :
أنتِ تعرفي الحادث اللي سويته قبل سنين ؟
رفعت نظراتها نحوه ، هزّت رأسها بالإيجاب ليُكمل بهدوء :
هذه الحبوب تبعات الحادث ، لو ما أكلت منهم ما يهدأ الألم
همست بخفوت متسائلة ، فكل خيوط الفضول تشدّها نحوه:
وين مكان الألم بالضبط ؟
تراجع واتكى بظهره ليردف ببساطة :
يدي .. يمكن الحديد مركَب فيها خطأ عشان كذا تألمني
سكتت ، استغربت في البداية من مُصارحته السريعة ، لكنّها بعد ذلك أردفت بجدية بالغة ، بالغة جدًا :
اسمعني يا حاتم ، أنا إنسانه تكره العشوائية .. أحب أحط النقط على الحروف من خط البداية
أعرف إني انفرضت عليك قبل سنين مثل ما أنفرضت اليوم وما خلّوا لك مجال إلا إتمام الزواج .. وهذا الشيء ما يجرحني
لأن آخر همّي متى أنحب ، ومتى أتزوج ، ومتى أنجب
لكن من البداية .. وش تبغى مني ؟
كتّف يديه أمامها بسخرية باسمة :
أبغى أخليش في برواز وأعلقّش على الجدار ، اتأمل فيش على الطلعة والدخلة
عضّت شفتها بحنق :
تكلم جد ولو مرة وحدة وأترك عنك الهزل ! هذه حياة كاملة وشراكة طرفين
أردف بنفس وضعيته :
مادري وش مفهومش عن الزواج ، وكيف لازم يكون أو وش هي الحقوق والواجبات
تعرفين ، سبع سنوات وحنا يا غافلين لكم الله
وفجأة .. بوووم ، حنا تحت سقف واحد
زفرّت نفسها بطولة بال ، اتكأت على ظهر الكرسي دون رد
أكمل وهو يتفحصّها تفحيصًا ، يهمس بسرحان :
يكون صعب على الإنسان يبني من طفولته حلم ، ولما يكبر ويبلغ ويصير جاهز تمامًا لتحقيقه بعد ما شقّ الطريق بنفس طويل ، ينهدم فجأة بورقة بيضاء موقعّة
نظرت له بحذر :
وش تقصد بكلامك ؟
هزّ كتفيه ، نظر إلى دواخل عينيها الموجعة للنظر :
يمكن بنيتوا أحلام مع بعضكم البعض ، يمكن خططتوا لكثير أشياء أنتِ وهو .. مادري من ورانا ، بعلم الأهل
اللي أعرفه ، إني كنت مستعدّ أطلقش عشانه وعشاني في الوقت نفسه
قايد ظلّ ...
قاطعته بحدة حُشرجت بها صوتها :
لا تفتح صفحات الماضي لأنها ما تهمّك !
أكمل دون سماع كلامها :
قايد ظلّ سنين يتمنّاش ، ويتمنّى يجتمع فيش
سمعت كل دعواته ، ومخططاته .. سمعت حتى ضيقه وزعله من صدّش وكُرهش ! أنا كنت أذنه ، وأنتِ كنتي قلبه
قاطعته بذات الحدة الغاضبة :
على الأقل احترم إني زوجتك حاليًا ، ولا تسمعنّي هالكلام
واصل حاتم كلامه دون أن ينظر إليها :
وتسأليني وش أبغى منش ؟ أبغى أفك أسرش عشانه بس ما أقدر لأنه مو موجود
وأبغى أعتقش مني لأني إنسان ما أنتعاشر بس ما أقدر ! ولا راح أقدر
-وقف من مكانه ينظر إليها بسخرية-
لذلك من الأفضل تتعايشين مع الوضع اللي أنتِ فيه ، ووش بعد أقول ؟ الله يعينش على ما ابتلاش
وقفت موازية له لتقول بجدية :
أنا ما أسألك ولا طلبت منك تنبش الماضي ، ولا ارتجيت منك تصفصف لي شعور رجّال غيرك بدون أدنى إحترام لنفسك أو لي ، كل اللي قلتّه ما يهمني ..
اللي يهمنّي أعرف وش اللي لي و اللي عليّ .. ما أبغى أعيش في كنف رجال غامض ! فخلينا واضحين من البداية
قال بصراحة باسطة :
تبين تعيشين حياة زوجية حقيقية ؟ فيها حقوق وواجبات ؟
تبين تبنين أُسس لهالحياة وتحطين خطط مستقبليّة ؟
إذا ايوا .. خبريني ! لأن ماعندي مانع
في كل الأحوال احنا ضحايا الماضي .. والماضي ما نقدّر نغير فيه شيء
أخذت نفسًا عميقًا عجزت عن إخراجه ، ما يقوله يفوق طاقتها وتحمّلها وصبرها .. أن تستيقظ بين يومٍ وليلة ليقولوا لك أنك ارتبطت بشخصٍ كُنت تخشاه في يومٍ من الأيام أمرٌ مزعج وجارح
أن قلبك عُقد بقلبٍ آخر ويجب عليك الإخلاص له والوفاء ما دمت حيّا
من دواخلها لا تُمانع مما قاله ، ما دام أن الفأس وقع في الرأس وأن الطلاق أصبح من المُستحيلات بالنسبة لهما
لكنّ لا تُريد بدء حياة كاملة بشيء من الغموض
هتفت بحذر وتقصّد :
وأنت ترضى تعيش مع وحدة كانت في بال رجّال قبلك ؟
ادخل يده في جيوب بنطاله ، ابتسم بسخريّة :
أنا مثل اللي مرفوع عنه القلم ، ما يغيضني هذا الشيء ولا يثير في نفسي الغيّرة والشك إن كان ودّك توصلين لهم
لأني سبع سنوات وأنا عايش بجهل .. وما على الجاهل حرج
أردفت بذات الحذر :
وش هدفك من هالزواج ؟
ضحك بخفوت ، ثم التفت لها :
ألعب معش لعبة رهيبة اسمها لعبة الحيّاة ، نخوضها ونجربها يمكن تعجبنا ونكمّل فيها
أمالت فمها بسخرية ، ثم نظرت له جيدًا ، نظر إلى عينه الحادة ولحيته الكثيفة .. إلى ذاك الشرخ القاسي
الممتد من أسفل أُذنه وحتى بداية عظم ترقوته ، تنظر إلى الجروح الآخرى المنتشرة في يديه الاثنتين
لا تستطيع تأمين نفسها مع رجلٍ لا يدري ما يُريد ، أو مع رجلٍ يظن أن الزواج لعُبة :
واللي يدخل تجربة ما يكون عارف خطواتها الجايّة ، لذلك نحوضها واحنا على عمانا منتظرين النتائج
طيّب يا حاتم .. لك مني الوفاء ، والإحترام والإهتمام !
لكنّ عندي لك شرط واحد
زفرّ بهدوء ساخر :
ياكثر شروطش يا بنت مُرشد ، وش الشرط هالمرة ؟
أجيب لش لبن العصفور ؟
اعتدلت في وقفتها بجديَة ، تنظر إليه وهي لا تصلّ حتى لطوله
بعزيمتها وإصرارها على غرس التغيير فيه ، بقوتها ورغبتها بإنتشاله من الظلام من أجل والدته وأخواته هتفت بصرامة :
إنك تتعالج


انتهـى ❤

NON1995 and تايست like this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-22, 05:28 PM   #58

الهاام الشهري

? العضوٌ??? » 500869
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 156
?  نُقآطِيْ » الهاام الشهري is on a distinguished road
افتراضي

ناطرييينن الفصول الجاية على أحر من الجمر

الهاام الشهري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-22, 06:34 PM   #59

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الهاام الشهري مشاهدة المشاركة
ناطرييينن الفصول الجاية على أحر من الجمر
يسعد قلبك ❤ شكرًا لوجودك

NON1995 and تايست like this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-22, 05:22 PM   #60

الكاديّ
 
الصورة الرمزية الكاديّ

? العضوٌ??? » 490082
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 300
?  نُقآطِيْ » الكاديّ is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
.
.
لا تلهيـكم الرواية عن الصـلاة


الفصـل الثالـث عشـر



-
دخلت علياء إلى المجلس بخطوات شبة بطيئة ، تنظر إلى الأرض دون أن ترفع عينها وقد استطاعت تمييز وقوف حامد من مكانه
وصوته الذي وصلها بكلّ حنان :
يا حيّ الله الشيخة عليّاء .. تو ما استنار قلبي والله
جلست على كنبة منفردة بعيدًا عن الكنبة التي يجلس عليها
هتفت بجمود دون أن ترفع عينها :
أهلين ! السلام عليكم
نظر لها من بعيد ، إن لم تقترب فليقترب هو فشوقه قد فاض من روحه .. همس بحنّو وهو يضع سبابته أسفل ذقنها ليرفعه بخفة :
وعليكم السلام والـ..
قطع كلام بصدمة حين رأى وجهها الذي زُرع فيه البهوت ، وعيناها التي سرقت قطعة من عُتم ليل وحالت دونها
لشفتيها الجافة بعد ورديّة الحصاد ، أنقلب وجهها بالكامل من المشرق المنُير ، إلى جثّة جامدة بلا حياة
همست بجمود :
قرّة عينك برجعة جسر الصلح بينك وبين أختك !
اجترع ريقه ، همس بخوفٍ عليها :
عليّاء وش فيش ؟ وش حالتش هذه ؟
أكملت بذات الهمس :
رجعت لك أختك يا حامد ؟
هزّ رأسه بإيجاب وهو ما زال مدهوش من حالتها :
رجعت ! وجيت أبشرش
وقفت بخفة ، ليقف هو معها ويتمعنّ في تعبها الواضح :
كنت أقول صلاحيّة الأيام ما تنتهي دامنّا في الحُب كلنا واصل
وما ينتهي الوصل دام قلوبنا ملهوفة ، وضميانة
بس طلعت غلطانة .. لأن كل شيء له تاريخ إنتهاء
مديّت لها جسر الوصل ، وقطعته منّي ..
-أخذت نفسًا عميقًا مؤلمًا وحارقًا-
وأنا بطلبها منّك قبل لا تعطيها لي .. وأعتبر هذا آخر عهدنا ومواثيقنا
طلقنـي يا ولد سيـف
تراجع للخلف خطوة وهو ينظر إليها بدهشة ، بغضب ، برعب وخوف وعدم تصديق
صرخ فيها بغضب مصدوم :
أطلقش ليش ؟ وش سويت أنا ؟
ضحكت بسخرية وهي تمسح وجهها :
آخر زيارة جيتني فيها .. قلت لي بالحرف الواحد " بيني وبينش الطلاق لو تصافت النفوس وبنيت الجسر من جديد "
ما اكتفيت بإنك تشهر سيف الطلاق في وجهي ، كملّتها بتقليلك لكرامتي ولا كأنها من كرامتك
قلت لي متى ما شبعتي من بيت أبوش بتدلين بيتي
اقترب منها برجاء ، احتضن وجهها الباهت بين يديه :
مجنونة ، والله العظيم مجنونة
كانت لحظة غضب .. وكلامي ما كنت أعنيه !
كنت مقهور منش ، لأنش بديتيها عنّي وأنا زوجش وحياتش
كيف تبيني أتخلى عنش علياء كيف ؟
أبعدت يديه عن وجهها لتُردف بقسوة :
اللي يرخصني مرة أرخصه مرتين .. أنت أرخصتني يا حامد
فرصتك الحين ينتهي كل شيء وحنّا ما بيننا عيال ، اللي يربطني فيك مات من سنين وتقدر تصيّر حر مني ومن همّي
-صدّت بظهرها عنه والدموع تصعد لعينها-
ولا تزيد في الأعذار ، هذا آخر الكلام
أخذ نفسًا عميقًا يرتجي به الصبر والثبات ، ليُردف بجدية :
عمي يدري بقرارش هذا ، ولا علمتيني عليه بدون معرفتهم ؟
التفتت تنظر إليه ، بذات الجديّة :
لا ما يدري ، لأنك راعي الأوله وراعي الأوله ما ينسبق بغيره
همس بجدية لا تخلو من حنانه :
طيّب ، روحي ناديه وخلينا نسمع رأيه في هذا القرار الرهيب اللي قررتيه لحالش
صمتت علياء لثواني ، وهي تعلم إلى ما يرمي إليه حامد ، فوالدها بالتأكيد عند معرفته بهذا القرار سيغضب غضبًا شديدًا حارقًا وقد يُرجعها إليه غصبًا عنها
وحينها ستنهار فعلًا ، فهي لن تسمح لكرامتها أن تُهان مرتين وكلتا المرتين أمام حامد
هتفت بغصة :
حامد روح ، وأنا بخلق أي عذر لأهلي ووقتها وصلّ لي ورقتي بسلام .. ما أبغى مشاكل ، قدرّني في آخر اللحظات
اغتالته بُحة صوتها ، أهلكته الغصات المتكومة في حلقها وتجاهد على منازعتها
اقترب منها ثمّ مسك عضديها بقبضته القوية ، هتف :
أسألش بالله ، لو شكيّتي يوم وحدة بحُبي وغلاتي لش اطلعي من ذا الباب ونادي لي عمّي .. وقتها أنا اللي أقنعه بطلاقش
نظرت له بجمود :
وهي الحياة الزوجية توقّف على حب وغلا ؟ إذا ما كان الإحترام وتقدير الطرف الثانيّ موجود فاعتبر أساسها منهدم
نظر إلى بعتب موجع :
يا مقساش يا عليّاء ، متى قللت من إحترامش وتقديرش طول ما أنتِ في بيتي ؟
أنا فردت لش جناحي ، وظللتش به عن المآسي ..
ليش جاية تكسرين هالجناح بسبب لحظة هدّتني قبل لا تهدّش ؟
-اقترب ثم قبّل رأسها بحنين-
اسف ، وإن ما كفّتش فأنا آسف مرة .. شاركتيني الوجع من سنين ما تبين هالمرة تشاركيني الفرحة ؟
سقطت من بين قبضة يديه وبُكاءها الموجوع يتزايد ، لولا أن تلّقفها وغرزها في صدره بكلّ قوة وحنّو وحُب
بكت بكاء المشتاق ، بُكاء من لم تكفيه الأسابيع لنعي الكلام في لحظة صنّفها من لحظات الغضب
هذه الرجل الحاني تعلم أنه قليل الغضب ، كثير العطاء !
والدليل على ذلك الدعم النفسي الذي قدمه لها بعد وفاة ابنهما الوحيد .. كان سدًّا منيعًا أمام شجنها الآسر ، كان كبرودة الربيع بعد صيفٍ حار
يصعب عليّها التخلي عنه ، يصعب أن تُفلت يداها من بين صدره الآمن
هتفت بُبكاء المؤلم :
قاسي يا حامد ، قاسي عليّ كلامك ! اسبوعين ما ذقت فيهم النوم وبكلّ بساطة تقول لحظة غضب ، وأنا آسف
ربّت على ظهرها بنبرة حانية مملوءة بالحُب :
وحمار وستيّن حمار بعد .. قولي عنّي اللي تبي تقولينه ! بس إلا البُعد الله يخليش ، ما للبُعد عندي صبر
ابتعدت عنه وهي تمسح دموعها المنهارة :
كيف تبغاني أرجع لك وأنا لليوم جرح الطلاق في صدري؟
عاود الاقتراب، احتضن خصرها وشدها نحوه وهو يدعو الله أن لا يداهمه أحد الآن
همس بخفوت :
نداويش ياقلب حامد ، ونبري الجرح اللي ينزف !
ما هذا كان عهدنا ؟ وين الوفاء بالعهد ؟
ارجعي يا عليّاء .. ارجعي ! والله يعزّ علي احتفل بفرحتي وأنتِ بعيدة
مسحت دموعها المستمرة بالهطول ، صدّت والخجل يكتسيها من هذا القُرب الذي لا تقوى عليه
أعاد كلامه علّها تلين وتعود معه سريعًا :
ما تبين تشوفين سعود ؟ نسخة سيف في كل شيء .. شكله ، شعره ، تصرفاته ، هدوءه وحتى صدى صوته
ماهو ياخذ القلب يا عليّاء ، هذا ردّه لنا بعد سنين العطش
ارتجف قلبها رغبةً في رؤية هذا الصغير الذي يشابه صغيرها الراحل مثلما وصفه حامد ، رقّ واستعجب ، تُريد رؤيته طبعًا ، ألا تُريد إحياءه في داخلها المترمد ؟
همست بخفوت :
ليش ما أرسلت لي إنك جاي ، ما جهزت شيء
اتسعت ابتسامته شيئًا فشيئا وهو يشعر بعصافير تُغرد في صدره بعد أن سمع كلامها الراغب في تصفية الأمور
هذه النقيّة الشفافة كما عرفها مُنذ أن تزوجها ، نقيّة بقلبها الهشّ الذي لا يعلم معاني الغلّ والحقد ! شفافة المشاعر أنيقة التعبير عنها سواء كانت مشاعر هانئة أم مؤلمة
قبّلها بقوة ثم ابتعد وهو يغمز لها بضحكة :
يالله عندش نص ساعة ، وأنا بجلس أسولف مع عمّي وعمتي
ياويلش إن تاخرتي .. يالله استعجلي
خرجت على عجل والإحمرار يكتسيها من كل جانب ، وضحكات حامد المرتاحة تسمع صداها حتى عند خروجها وإبتعادها




-
هتفت بصرامة :
إنك تتعالج !
نظر لها ببط شديد ، ليهتف بذات البطء :
أتعالج ؟ من وش أتعالج مدام زينة ؟
اقتربت منه حتى وقفت أمامه ، ترفع رأسها لتُجابه نظراته ، فهذا الرجل يكاد طوله يتجاوز المتر والثمانين سانتي مترًا :
مو تقول احتمال حديد يدّك مركب خطأ ؟ نزور طبيب العظام
ما يجيك هالرعاف الفظيع ؟ نشوف طبيب الأنف والأذن والحنجرة
نداوي ندوبك ، ونسوي لها بعض الرتوش ! وبترجع مثل ما كنت وأحسن
همست بسخرية ، سخرية موجعة جدًا :
وذاكرتي ؟ بتعرضيني على دكتور مخ وأعصاب عشان يدوّر على طريقه يرَجع فيها ذاكرتي ؟
أردفت بجدية :
نعرضك ليش لا .. نشوف مدى إحتمالية عودة ذكرياتك المنقطعة
يمكن فقد ذاكرة مؤقت .. ويرجع المتعطل منه
رفع سبابته نحو جبهتها .. دفعها بخفة وهو يبتسم بإستهزاء :
الله لا يضرّش على هالذكاء ، فقد الذاكرة جزئي مش مؤقت
يعني هو مب شريط سي دي قديم تنفخين عنه الغبار وترجعينه مكانه عشان يشتغل ببساطة
كتفت يدها وأمالت فمها :
وهذا ما يمنع إن نراجع دكتور مخ وأعصاب ، والطبّ تطور
ضحك هذه المرة وهو لا يُريد أن يضحك ، هذه الزوجة التي أمامه إما أنها غبية أو غبية ، لا ثالث دونهما
أردف بتجاهل ، ينظر لساعة يده :
سكرّ بوفيه الفطور ، بطلب لش غدى وأنا بطلع ! لا تحاولين تفتحين الباب إلا للي يطلع الأكل
تنّهدت وهي تتجاوزه لتُردف بتعب :
ما أبغى أكل ، أبغى أنام بدون إزعاج
نظر لها من طرف عينه ، ارتدى ثوبه وحمل أغراضه في جيبه ليُردف بهدوء :
تغدي ونامي لين تشبعي أنا الحين بخليهم يطلعوه لش
لأني ما برجع إلا الليل
-التفت ينظر إليها بسخرية-
ولا تطوليها بالنومة .. ليلنا طويل !
أغلق الباب بقوة مما جعلها تنظر إليه وهي تفيض من قهرها وغيضها وحياءها .. عضتّ شفتها بقوة لتُهمس :
وقح ، وقليل أدب !





-
يجلس زيد بجانب سيف من جهته اليمنى ، وعبدالرحمن من جهته اليسرى ! يتحدثان هو وعمّه في شتى المواضيع
ويحاول زيد أن ينحني عن الموضوع الذي يدور في خُلد سيف
ولكن هيهات لدى سيّف الذي أحضر اليوم زيدًا لهذا الأمر
هتف زيد بهدوء شابهه الاستغراب :
الحين حامد ما قال من ضيفه ؟ هو لين الحين ما وصل كيف بيستقبله
ابتسم سيّف في وجهه :
افا طايح من عينك أنا ياولد عبدالله ؟
انتفض زيد بجزع ، وهو لم يقصد ما قاله :
استغفر الله العظيم عمّي ، أنت الخير والبركة وعمود هالبيت
ضحك وهو يربّت على فخذه بخفوت :
أمزح معك يا رجال ..
-ليُكمل بجدية وهو يريد الوصول لمُراده-
هذا أخوك وربيعك اللي أنت وإياه رأس برأس تزوج وشاف حياتك
متى تبغى أنت تبدي هذه الحياة ؟
شعر بالحرج ، ولا يدري لما أحسّ بهذا الشعور الغبّي ليهتف بهدوء :
الشور عنّدك عمي ، هي بنتك وأنا ولدك
ابتسم سيف وهو يتراجع للخلف :
أنا ترا من دقّة أول ، نظام خذوه فغلّوه .. ولا من اليوم قايل لك خذ بنيّتي والله يبارك لكم
لكنّ بنات اليوم غير ، تجهيزاتهم لحالها تآخذ وقت
فأنت متى تبي ؟
أخذًا نفسًا عميقًا ؛ اعتدل في جلسته ليردف بجدية :
الوقت اللي يناسب كريمتك أنا يناسبني .. ماعندي أي مشكلة
بالنسبة لي أقدر أسنّع أموري من هذا الأسبوع
أردف سيف بذات الجدية :
خلاص إن شاء الله الملكة نهاية هذا الأسبوع عشان أخوها يمديه راجع .. والعرس بعد عيد الفطر بما أن رمضان باقي عليه اسبوعين
هاه وش قلت ؟
ارتبك زيّد ، ماذا يقول بعد ؟ أيقول ما هذه العجلة ؟ أقل مدة كان يترجّاها هي 6 أشهر حتى يتعوّد على فكرة أن هُناك أمرأة ستدخل في حياته .. 6 أشهر حتى يتهيّأ نفسيًا وعاطفيًا
فهو لا يُريد أن يظلم هذه الفتّاة النقية ، لا يُريد أن يخطيء بحقها أو يُبخسه
شعر فعلًا بالإرتباك ، أما لو كان يملك أخًا كبيرًا لاستشاره في هذا الأمر .. وبصورة لا إرادية التفت لعبدالرحمن وهو يقول له بربكة :
وش رأيك عبدالرحمن ؟
رفع عبدالرحمن حاجبه بدهشة :
وأنا وش دخلني ؟
ضحك سيف ضحكة قصيرة ، أخجلت زيد أكثر مما هو خجِل :
لا .. يعني .. يعني لأنها بنت أخوك
قال عبدالرحمن بشبة لا مُبالاة :
أنا نظامي يشابه نظام أخوي سيف ، لو عليّ قلت له خلي الملكة والعرس في يوم واحد وبعد أسبوع
ليش التكاليف ، هنا حفلة ملكة وهنا حفلة حناء وهنا العرس
اضرب عصفورين بحجر
شعر زيد بالإختناق ، كأنهم يتناوبون على خنقه .. هو بالكاد تقبّل الشهر ونصف الشهر فكيف بما يهذي به عبدالرحمن الآن
ضحك سيف وهو يقول :
وأنت الصادق ، بس زمان أول لما ترجع البنيّة من مدرسة القرآن تلقى الرجال قدامها وتسألهم من هذا ؟ يقولوا لها زوجش .. وتروح معه بمريولها ، راح وولّى
زمان اليوم كل شيء يأخروا فيه !
ابتسم زيد على كلام سيف عن الماضي القديم ، أردف :
توكّل على الله يا عمّي ، أهم شيء بنتك راضية عن الموعد
هزّ رأسه بابتسامة واثقة :
الله يتمم لكم على خير ويفرّحنا فيكم
-
-
-
بداخل صالة المنزل كانتا أم زيد وأم حاتم تتحادثان في أمور عقد القران كما يفعل سيّف مع زيد .. متجاهلتان أميمة الخجلى التي تجلس بعيدًا عنهن بالقُرب من ضحى
مالت نحوها ضُحى وهي تضحك بمُكر :
والله من اليوم محد حاسب لش حساب ، ياهوه يا أختي
الناس جالسة تخطط لملكتش وأنتِ خبر خير
عضّت شفتها بحنق وإحراج في الوقت ذاته :
أنتي انطمي وبس ، شايفتني عميّاء أو صماء ؟
قالت ضحى بذات النبرة المستفزة :
يعني راضيّة يخططوا من وراش ؟
هزّت رأسها ببساطة :
راضيّة ، دام أمي وأبوي راضيين .. لأن هذا التوفيق بحد ذاته
عقدت حاجبيه وابتعد نصف خطوة :
امف عليش ، على طول تطيّري الجبهة
سكت الجميع فجأة حين جاء صوت يعرفونه جيدًا من آخر الصالة بالقُرب من بابها
صوت حامد وهو يحمل في حضنه عمّار ذو السنة ، وبيده اليُمنى سعود ، وبجانبه سيّف الابن الأكبر
هتف بابتسامته الكبيرة والسعيّدة في هذه الليّلة :
يمه ، شوفي من زايرنا الليّلة!
شهقة صدرت من جوف تلك الشيّخة الرحيمة ، شوقًا وشفقةً وحُبًا لأحفادها الذين لم تراهم ، وقفت من مكانها برجفته الكبيرة ! متجهه نحوهم لكي تزرعهم في صدرها
وتشتّم فيهم رائحة ابنتها الغائبة ، لا تدري كيف استطاع حامد إحضارهم اليوم إلى هنا ، ولن تسأل
كل ما يهمها الآن أن ترتوي من عبق غيابهم حتى تشعر بالتخمة
تحركت تلك الخطوتين ، وما لبثت أن سقطت على الأرض بعجز ورعب وإندهاش ممن تراها أمامها بعد خمس سنين عِجاف
لم تترك حنان مجالًا للمسافات ، ولا لذرات الهواء ، ولا للنظرات ! تقدمت نحو والدتها بأقصى سرعة
وارتمت فيه حُضنها كما كانت تفعل عندما كانت صغيرة
انتحبّت ، ولعل هذه الكلمة بحروفها البسيطة .. صغيرة ! ولكنّها عظيمة في الشعور والوجع المختزل
انتحبت في صدرها ، ناجت روحها ، شرحت لها ما حصل لها ، كانت تجهش في البُكاء بين دقيقة وأخرى
اقترب منهم حامد المتأثر من هذا المشهد ، وهو يلوم نفسه أولًا وأخيرًا
حرم والدته من حضنها ، حرم حنان من سكينة قُربها ، حرم نفسه من التنّعم بالقُرب منهما
ترك أطفال حنان على جنب واقترب منهن ، رفعهن الاثنتين حتى زرعهما في حُضنه هو ! حضنه الذي يضيق لكل هذا الكون ويتسّع لهن فقط
همس في محاولة منه لكبت دموعه بوجع :
سامحوني ، فرقتكم بأنانيتي !
أبكتهن كلماته أكثر مما توقع ، أردفت والدته بُبكاء :
يا عيال بطني ما فرقكّم رحم واحد .. لا تخلون الحياة وسبايبها تفرقكم
ارحموا شيبتي أنا وأبوكم ، ارحموا قلوبنا يرحمكم الله
أسندت حنان جبهتها على كتف والدتها :
أشقيناش يمّه ، بغينا نفرش لش سبيل الراحة مادرينا إننا أشقيناش
ابتعدت من وسطهم ، نظرت إليهم بجديّة بالغة :
تحلفون لي بالله ما عاد تفرقكم توافه الأمور ؟ توعدوني ما عاد توجعون نفسكم بالقول والفعل ؟
نظرا كلّ من حامد وحنان لبعضهما البعض بنظرات مطولة ، نظرات مشحونة بالحُب والثقة والإخاء ، نظرات حملت الوعد كالسيّف على الرقبة
التفتا لها وهما يبتسما ليحتضناها بقوة وسط بُكاء أميمة وضحى السعيد ، وابتسامة أم زيد وعليّاء الرقيقة
همس حامد في أذن حنان بخفوت :
عبدالمجيد ما جاء ؟
نظرت له بهدوء ، هزّت رأسها بالنفي لما ابتعدت والدتها وتلّقت أختيها الصغيرتان بذات الدموع وذات الشوق والحُب
وهي تتسترجع قول عبدالمجيد حين همّت خارجة لآخر مرة
" سامحيني حنان ، أسترخص الكون كلّه إلا كرامتي ، تعزّ علي واجد !
وأنا دم كرامتي قدام باب بيتكم لليوم .. أهلك وما أمنعك عنهم "
وهي تكتم تنهيداتها في جوف صدرها حتى لا تفضحها النبرة ، إن كانت تعزّ عليه كرامته فهو يعزً عليها بأكمله
أن يجعله أخيها في موضع المخطئ ، وهو البرئ من كل دم




-
فتحت عيناها ببطء وهي ترى الغرفة قابعة في ظلام عميق ، تشعر بالبرد في عظامها والحرارة على حرير جلدها ! وإنتفاخ لا بأس به في حلقها
استعدلت في جلستها متناسية الذي يجلس بجانبها يقرأ في كتاب كان قد أحضره ! وهو يتتبعها بنظراته
أنزلت قدميها على الأرض ، مسحت على وجهها بتعب لتُهمس :
يالله .. كأن فيني حرارة ؟
عقد حاتم حاجبيه عندما وصله همسها ولكن بصورة كاملة ، صوتها مبحوح بشكل يجلب الوجع ، لا يرى سوى شعرها الطويل
وجزء من كتفها ورقبتها
وكأنها تشعر بالحرارة ؟ من أين أتت هذه الحرارة التي تتحدث عنها .. استشعر الجو العام في الغُرفة ، شبة دافيء ولا بأس به
أحسّت بصدمة عارمة حين شعرت بظهر أصابعه تتحسس الحرارة من رقبتها وصولًا إلى خدها
وكلمته المستغربة :
أشوف !
تصلّبت زينة في مكانها لثواني من يده المتحسسة ببطء على وجهها ، وهي تشعر بالحرارة تزداد وتزداد
زفرّت بخفوت ، أمسكت يده وأبعدتها دون أن تلتفت إليه
هتف هو :
كل ذا نوم ؟ قومي صحصحي طالب لنا عشى لأن حضرتش ما أكلتي الغدى اللي جابوه لش الروم سيرفس
استلقت مجددًا وهي تتدفىء بالفراش الوثير آمله منه أن ينزع منها هذه الحرارة التي باتت تشعر بها
لتُهمس بتعب ونُعاس :
مب خاطري ، تعشى أنت .. وخليني أنام بس
اقترب منها ، نفضها من مكانه وهو يقول بحنق :
قومي خلّي النوم عنش من أمس ما أكلتي شيء
وخذي شاور إذا تحسّي بالحرارة
نظرت له بجدية ، ليده التي تُمسك بعضدها :
حاتم ايدك لا تمدّها عليّ .. أنا اسمع بإذني وأنت تتكلم بلسانك
خلّي مد اليد برا الموضوع !
استشعر الحرارة في عضدها بسبب قميصها القصير ، هذه الفتاة تشتعل حقًا من السخونة .. كيف رغم تعبها تدّعي القوة
وقف من مكانه ، ضاربًا كلامها عرض الحائط
اقتادها معه حتى أوصلها إلى دورة الميّاة وهي غاضبة ، غاضبة وتعبِة ومستضيقة من يده التي تُحيط بها
صرخت به :
أعرف أمشي وحدي ليش ساحبني كذاك مثل البهايم !
أردف دون أن يلتفت لها وهو يفتح " الدُش " يُعاين الماء الدافيء :
عشان تموتي عليّ واستبلى فيش ، حرارة الله أعلم من وين جات وقلة أكل ! هذا ناقص
عضّت شفتها وهي للتو كانت ستصفّ له أنواعًا مختلفة ومنوعة من الشتائم حتى لا يستجرأ مرة آخرى على اقتيادها هكذا كالمجرمة
لولا حركته التي باغتتها على حين غرة حين وضعها أسفل الماء المُنسكب
كتمت شهقتها فجأة من تصرفه اللامحسوب ، هتفت فيه بغضب عارم :
وش هالحركة الغبيّة اللي سويتها ؟ صغيرة ما أعرف أتصرف ؟
صمت ، لم يرد عليها .. بل ظلّ يتبع الماء المنسّل من أعلى شعرها وحتى أخمص قدميها
هتف بشكلٍ مفاجئ ، بصورة مندهشة وخابثة :
غشّوني فيش ، غشيتيني !
أحمّر وجهها حين علمت مقصده ، أبعدت يده غصبًا عنه وهي تضع يدها في أعلى شعرها ، فبعد الماء اتضحّ شعرها المجعّد بخصلاته اللامعة على حقيقته بعد أن زال " الاستشوار "
همست بإحراج ، تعضّ شفتيها :
اطلع برا ، اطلـع ترا بديّت أعصب
ابتسم بخُبث ، ابتعد بخطواته عنها خارجًا من دورة المياة ويقول بصوته العالي :
امسحي وجهش بعد أخاف يطلع كلّه مكياج
أغلق الباب وراءه وهو يبتسم بخفوت ويهزّ رأسه يمنةً ويسرة ، طفوليّة هذه الفتاة .. طفولية متلّبسة بثياب الشُجاعة والناضجة ! يبدو أنها ستُصبح إحدى فكاهاته التي يتسلّى بنبشها
رأى خروجها من دورة المياة وهي ترتدي " روب الاستحمام " ترمقه بشرر ، ولو كانت النظرات حيّة لأحرقته مكانه
عادت لدورة الميّاة بعد أن نست إدخال ملابسها ، ثم خرجت وهي مرتدية إياهن
وقفت تسرّح شعرها أمام المرأة ، وحاتم ينظر إليها بشغف الإستشكاف ، تولّي شعرها إهتمامًا بالغًا
فقد وضعت به حتى الآن أكثر من منتج ، وحين جفّ تمامًا بدأت بتبخيره وتعطيره حتى ظهرت حقيقته الكاملة
شعرٌ أسود بثنيّاته المجعدة ، تلمع خُصلاته كما تلمع النجوم في ليل السماء ! كثافته وطوله رائعين
يالهذه المحظوظة ، لا بد أنها أخذت كثافته من جدته المشهورة بهذه الصفة .. وأخذت طوله من والدتها مريم
همس وهو ينظر إلى صفحات كتابه متجاهلًا إياها :
تعشي العشى قدامش ، عشان تشربي بنادول !
تأففت بضيق :
مب خاطري ، بتغصبني عليه مثلًا ؟
رفع نصف نظراته نحوها ، وبتهديد مبطّن :
مثل ما غصبتش قبل شوي مثلًا ؟
هتفت بجديّة غاضبة من تهديداته المستمرة :
حاتم أسلوبك هذا لا تحاول تمشيّه عليه .. احترم إني إنسانه لها كيّان ولها حق الرفض والقبول لو سمحت
ابتسم بإستهزاء ، يعود بنظراته نحو الكتاب :
ترا كلها حبّة سندويشة ، لا تقلبي الطاولة يا فيلسوفة
أمالت فمها بضيق ، في كل الأحوال يجب عليها أن تأكل على حتى لا تسقط مغشيًّا عليها .. إلا أن كل ما في الأمر أنها مُحرجة من هذا الجلمود الخالي من المشاعر
أعطته ظهرها في الوقت التي كانت هي تسمّي فيه بالله لتأكل ، كان هو يتأمل شعرها المنساب خلفها وهو مبهور
مبهور ربما لأنه صوّر له أن زوجته المستقبلية ستكون ذا شعرٍ ناعم ، وجسم ممتليء قليلًا ، ووجه برئ كوجوه الأطفال ، وصوت خافت
إلا أن ما حصل عليه عكس ما تمنّاه ، فهذه العصيّة تُخالف جميع معتقداته ومميزاته التي وضعها
شعر بها تقف ، وتلتفت مرتجية أن تجد كيس الصيدلية حيث كان البارحة !
أردف دون النظر إليه :
البنادول جنبي ، هاتي ماي وتعالي خذي حبّة
استجابت لأمره ، فهي بدأت تشعر بالوهن والضعف في جسدها والحرارة تتزايد حتى بعد الإستحمام
وقفت بجانبه دون النظر إليه ، سكبت الحبّة في حلقها لتتبعها بالماء وهي تُهمس :
اللهم أنت الشافي المعافي
همّت بالابتعاد وإكمال نومها ، لولا أن داهمها حين قبض على يدها التي ارتجفت
ليُسقطها إلى جانبه .. هامسًا بابتسامة صغيرة جدًا :
بعد بتنامين .. ما كفّاش النوم اللي نمتيه بغيابي ؟
اجترعت ريقها ، ليُكمل حاتم بذات الهمس :
الدرس رقم واحد في حياتنا ، لازم تعرفين إن حاتم ما يقول شيء إلا ويسويه
وأنا قلت لش إن ليلنا طويل !



-
شبّ ناره خارج أسوار الحظيرة أخيرًا بعد حصار طال لأسبوعين ، فهو لم يستطع إشعالها داخل الحظيرة
خوفًا على الحيوانات .. وعلى القش وباقي طعامهن الذي يبيت بجانبه
يشعر بالضيق ، وانقباضٍ بقلبه .. يشعر كما لو أن هذه المجرّة بأكملها تضغط على صدره
الليلة ليلة قمراء .. ليلة الخامسة عشر ، وليلة البدر والمُنتصف
تبقى اسبوعان على قدوم رمضان ! وهو محصور هُنا لا فرار
شوقه الجارف يأخذه إلى والدته ، يالله كم اشتاق إليها
وإلى حنانها ، وطِيبها ، إلى رائحتها ومسكها وحتى غضبها
يناجي ربّه أن يكون حالها أهون من حاله .. أن يهدأ ذاك الضجيج الصاخب في قلبها شوقًا إليه
يدعو ربّه خوفًا من ألمٍ يصيبها ، وقهرًا يحتضنها
تنّهد .. رفع عينه إلى المنزل الذي أمامه .. ساكن كسكون القبور
انجذب إلى إنارة أحدى الغُرف التي اشتعلت من خلف النافذة ، لامحًا الظل الذي يجيء ويروح ويتحرّك بلا هوادة
زفرّ :
أشغلني همّش يابنت النّاس .. وش ممكن تكون غلطش اللي جابش هنا ؟
حرّك النار بعصا صغيرة ، انشغل باله بها في الفترة الأخيرة
عاود رؤية المنزل المرتفع .. عقد حواجبه عندما رأى النافذة تُفتح
وبشكل تلقائي وقف قايد من مكانه ، ينتظر النهاية التي ستحصل
توقّع كل شيء .. كل شيء وأي شيء ! إلا رؤيته لزُجاجه مشتعلة وممتلئة بالبنزين تُرمى من النافذة
وفي أقل من ثانتين ، كان الجحيم يشتعل .. جحيم الدنيا كما لو لم يشهد عليه من قبل
فتح عينيه على وسعها وهو يرى بداية إحتراق الخيمة التي ينام بها الشيّخ ، وبداية إشتغال جزء من ذاك المنزل أيضًا
ظل فاغرًا ينظر حوله ببلاهة ، كأنه وقع في فيلم هوليوودي بإمتياز
أيجب عليه أن يكون البطل ؟ أم المتهم ؟ أم الضحيّة
دوره الآن سيحدد ما يجب عليه أن يكون وما هو اللقب الذي يريد الحصول عليّه
لا ينكر أنه ودّ لو أن يترك الشيّخ يشتعل مكانه .. وإن كان جزء منه يصرّح بذلك والآخر ينفيه
لكنّ تقيّن أن الموت ليس حل ، الموت سيغلق أبوابًا جاهد على فتحها
الموت لا يناسب الطغاة .. فما بعد الموت سوى الراحة
وهو لا يريد لهذا الشيخ أن يرتاح إلا بعد أن يتجرد من آثامه
استفاق من صدمته التي استمرت لثواني على صُراخ الشيّخ
وليس بأي صُراخ .. كان يتشاهد ، يكرر الشهادة مئة مرة
يكررها بلعثمة ، بعويل ، بوجع ونهاية محتومة
ركض نحو الخيمة بصورة سريعة ، ونَفَس أسرع
المدخل مشتعل تمامًا ، ولا مدخل غيره يتواجد بالخيمة
دار حول جوانبها وهو قلق ومرعوب بشدة
فكّر في أكثر من حل ، بينها هو رفع قماشها .. ولكن وجد إستحالة تنفيذه
فالأوتاد كانت ممسكة بالخيمة بشكل قوي ومتين !
صرخ وهو خائف من أن تصل النار إلى آخر الخيمة :
أوقف بعيد عن النّار !
ثوانيه كانت محسوبة ، وصراخ الشيخ يجعله يشعر بصداع
ظل يبحث عن ثغره توصله إلى الداخل ، حتى وجد !!
كان هناك شرخ بسيط في إحدى زواية الخيمة
استطاع قايد إدخال نفسه من بينها وهو فعليًا ألقى بنفسه إلى التهلكة .. من أجل غريمه فقط
صرخ وهو يمد يديه ، فجسده الضخم لم يدخل إلا نصفه :
تعال !
مشى الشيّخ بخطوات مرعوبة ، ومرتجفة !
وإشتعال الدخان من حوله جعله يتذكر بأن الدنيا قد يرحل منها في أشد الطرق بشاعة
مدّ يده إليه .. إلى يد من تسببوا بحزنه على فلذة كبده ، وقرة عينه
إلى من أراد عقابه ، فأصبح إنقاذه من الموت على يديه
تمكن قايد من سحب الشيخ ، وإخراجه للخارج بعيدًا عن الخيمة التي بدأت تتآكل شيئًا فشيئًا
تركه في منتصف العزبة ، واتّجه بشكل سريع إلى المنزل تاركًا إياه ليلتقط أنفاسه
شعر بالوجع في قلبه ، أنه تأخر عنها .. عن تلك الذي يظن أنها محتجزة في الغرفة المشتعلة
صعد بخطواته ، ومن صغُر المنزل أستطاع سريعًا إيجاد الغرفة
فتح المقبض .. كان مقفلًا
" تبًا !"
خرح منه صوت ينمّ عن غضبه ، الباب ساخن ومقبضه كذلك
حاول كسر الباب ، مرة ومرتين وثلاث حتى أحسّ بإنخلاع كتفه
لكن لم ييأس .. حين سمع صوت كحّة جافة متألمة
استجمع طاقته وضرب الباب بكل قوة أمتلكها
ويا لسوء حظه .. وحظ ذات العيون الصقريّة
فقد كانت تجلس متكئة خلف الباب تغطي أنفها وفمها بباطن كفها
وبعد أن تكسر الباب شعر قايد بالحرارة اللاهبة .. وبدنو أجل تلك الصقريّة
صرخ بغضب من جنونها :
قومي !
لوهلة ود أن يضحك ساخرًا ، فهذه المجنونة من شدة وهنها ضعف جسدها وأصبح هُلاميًا
لم يسمح لنفسه بالتفكير .. فإن كانت الخيمة قد احترقت وترمدت فهو لن يدع لهذا المنزل أن يحذو حذوه
حمّلها بخفة ، ولا يدري لما شعر بُثقلها وأرتعب قلبه
توقف قبل أن يخرج إلى الخارج ، وضعها على الحافة
وعاد لإلتقاط طفايّة الحريق الذي رآها جانبًا وبدأ بإخماد حريق الغرفة
حمد الله أنها لا تحتوي إلا على سرير ودولاب خشبيان قد احترقا وانتهى أمرهما
لذلك انطفأ الحريق بشكل أسرع مما ظن قبل أن ينتشر إلى بقيّة المنزل
عاد ليحمّل تلك المستقلية على جانبها والغريب أنها ما زالت ترتدي عباءتها .. منذ الأمس
وضعها بخفّة بجانب جدها ، وأبتعد هو لآخر شبر
أنحنى على ركبتيه ، استنشق الهواء بصعوبة بالغة .. حتى كحّ بعدها بشكل متواصل
سمع صراخ الشيّخ مجددًا ، يكرر اسم تلك الفتاة
ينادي بألمه العميق " الجوهـرة "
ضغط بيديه على أذنيه بقوة .. يريد إسكات هذا الصوت
لا يربد الإقتراب ، يريد الإختفاء .. والإختفاء فقط
صرخ الشيخ مجددًا ببحتة القاتلة جعلت قايد يستفيق من مؤاساته لنفسه :
ما تتنفس ، بنتي ما تتنفس
عاد بخطواته نحوهم ، أنحنى راكعًا على ركبة واحدة
ينظر إلى المسجاة أمامه المتدثرة بالسواد ، وخصلات شعرها تتمرد على سوادها
وضع اصبعه على عُنقها ، ثم أسفل أنفها .. يوجد نفس
بل هي تتنفس بشكل جيّد ! ما باله هذا الشيّخ خائفًا
رفع نظراته نحوه :
البنت بخير وتتنفس ، وش فيك خايف ؟
هزّ رأسه نافيًا :
ليش ما تتحرك ، ولا فتحت عيونها ؟
أغمض عينيه بشدّة ، نكش شعره بيده يُحاول التركيز وهو يشعر بدوار كثيف
فتح عينيه ، جلس على رُكبتيه أمامها بعد أن نظر إلى الشيخ بجدية :
عندها أي أمراض ؟
هزّ الشيّخ كتفه بيأس :
ماعرف ، والله ماعرف
تجاهله ، وهمّ قايد بعمل الإسعافات الأولية
شعر أنها في صدمة .. أو إغماءه بسيطة
وجزئها الأيمن المبتّل يخبره أنها لم تكن تنوي الموت .. ولا الإحتراق !
وهو إلى الآن عاجز عن التفكير في سبب إقدامها
أمسكها من كتفها ليضعها على شقهّا الأيسر ، ثم ظلّ يضرب ظهرها بخفة ورّقة حتى لا يأذيها أكثر
بعد مرور خمس دقائق أراحها على ظهره ، ما زالت لم تستفيق
شعر بالرُعب ، وقلبه يخفق بشدة من مواجهة رياح مخيفة
شبك يديه ببعضها ثم وضعهما أعلى صدرها بالقُرب من قلبها وبدأ بالضغط في دورات متتالية
لم ينتبه للشيخ حين قام وابتعد ، ولم ينتبه لعودته وكل نظراته مرتكزة نحو عيناها فقط .. راجيًا منها أن تفتحهما وتريحه من تأنيب الضمير
لذا تفاجأ ، بل انصدم لمّا سكب الشيخ دلو ماء بارد على رأسها مباشرة بغباءه
ليقف ويبتعد خطوة وهو يصرخ فيه بغضب
إلا أن صرخته الغاضبة تزامنت مع شهقتها هي ، وفتحت عيناها بقوة
حتى باتت تتنفس بصعوبة بالغة وتزفر ذاك الماء الذي دخل إلى جوفها
ابتعد ثم استقام وهو يصرخ بغضب :
غبي أنت .. غشيم !!
في عاقل يسكب ماي على رأس إنسان يختنق
‏لم يعره اهتماما وهو يقترب من الجوهرة التي كانت مستلقية على جانبها الأيمن ليقترب منها ويحتضنها :
أبوي .. بنتي ! أنتِ بخير ؟
تسمعيني جوهرة ؟ أنتِ بخير كلميني
اتكأت برأسها على عضده ، تستنشق الهواء وتزفر الماء ببطء
تهز رأسها بإيجاب وترتجف .. ترتجف كأن صابها ماس كهربائي
حينها فقط ابتعد قايد واختبى خلف المنزل ، واستلقى على الرمل الناعم
وضع يده على عينيه ، وزفّر نفسًا طويـلًا محشو بالغصّة والكثير من الدموع
يشعر بالسوء .. بالأسى ! كما لو لم يشعر به من قبل
كـ فوجٍ من أُناس يفترشون طرقات صدره بلا رحمة ، كحوافر الأحصنة الغاضبة ، وألهبة النار الحارقة .
ما كلّ هذا الضعف والوهن ، ما كلّ هذا الشوق الجارح بقلبه
لما يشعر أنه لم يتطهّر من خطاياه .. وآثامه
لما إنقاذه للطاغيّة والضحيّة لم يخفف شيئًا من حُرقاته
هطلت دمعة من عينه أتخذّت مجراها من جانبه حتى غاصت هي الآخرى فالرمّل
همس : أمهلني فرصة ثانيّة يارب ، فرصة حياة وفرصة نجاة
لا تخلّي رجلي تغوص بهالرمل مثل ما غاصت روحي في الوحل


انتـهى ❤

تايست likes this.

الكاديّ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.