آخر 10 مشاركات
كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9707Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-01-22, 02:01 AM   #141

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث عشر (( لن نكون لبعضنا يوماً !! ))




" أين أيان وأديان؟!...أين ولديّ؟!....أريد اولادي ....اجلبوا لـــي أولادي "

صرخت المرأة بهذه الكلمات بصورة هستيرية بعد ان استعادت وعيها وهي تحاول نزع الأجهزة المربوطة بها عنها ...هجمت الممرضات عليها تمنعها من ذلك وحاولن تهدئتها لكنها لا تصغي ولا تستوعب الكلام!!.....كنا مكاننا نجلس على المقاعد المقابلة لباب قسم الطوارئ فأقبلت عليّ احداهن تقول :
" يا سيد...المريضة استعادت وعيها وتتصرف بجنون , تسأل عن ولديها ولا تصغي لنا مع أننا نقول لها انهما بخير.....من فضلك تعال جد لها حلاً او سنحقنها بمنوّم قبل ان تفقد اعصابها ..."

حملتُ الصغيرة وكانت لتوّها مستيقظة وهممت بالدخول وانا انادي على الولد فأوقفتني هاتفة بلطف انساني:
" لا احبذ ادخالهما لهذا القسم...انه مكان مليء بالأمراض ....مؤسف ان ينتقل لهما شيء من الفيروسات ونحوها فنحن لا نعلم ان كانا قد تلّقيا تطعيمات حماية ام لا لأنهما من اللاجئين ....وكذلك المرضى في الداخل مناعتهم ضعيفة ولأجل مصلحتهم ايضاً الأفضل ان يبقيا في الخارج لأننا لا نعلم ان كانا يحملان امراضاً معينة ناقلة ولا تظهر عليهما"

قلت :
" بارك الله بكِ لتنبيهك لي لهذه النقطة ....اذاً سأدخل لوحدي !"

اقتنعتُ بالقسم الأخير أما الأول في داخلي أعلم انهما اقوى مما تقول فأي مرض ووباء أشد من التشرد والمبيت في البرد القارس وافتراش التراب والوحل والأكل من النفايات وأن تتغذى على دمائهما الحشرات...جسديهما بنيا مناعة تفوق الأدوية خاصتهم ...!!

دخلتُ للأم الهائجة ...تبسمتُ لها وقلت :
" اهدئي أختاه...ابناكِ معي انا وخطيبتي في الحفظ والصون ...نحن من نقلناكِ الى المشفى......عجّلي في تلّقي العلاج لتستطيعي العناية بهما...."

صرخت بي باكية:
" أنت تكذب.... تكذب ...لمَ سأصدقك ؟؟!...اريد ان اراهما ...هل اعطيتموهما لسماسرة بيع الأطفال ليستغلوهما للتسول...؟؟!....ارجوكم لا تفعلوا...سأموت من دونهما....لا تقتلوني بهما "

قلت بهدوء :
" كلا أختي.. ما هذا الذي تقولينه ؟!...اقسم لكِ انهما خارج هذه الغرفة مع خطيبتي تهتم بهما ...تناولا طعامهما وهما بخير...فقط لا نستطيع ادخالهما الى هنا.!!......لحظة.....انتظري دقيقتين !!.."

تركتها للحظات ثم عدتُ لها مجدداً بعد ان التقطت صورة لابنها يحمل شقيقته الساكنة في حضنه وهو جالس ويبتسم ببراءة من اجل امه .! ولما رأتهما سحبت الهاتف من يدي ..استكانت وتكدست الدموع في عينيها وبدأت تقبّل صورتهما هامسة :
" قرة عينيّ...أملي ورجائي في الحياة ...سأموت لتحييا أنتما يا قلبي ودقاته...سامحاني صغيريّ ...أنا أمٌ فاشلة ...سمحتُ لنفسي بالانهيار امامكما .."
رفعت وجهها إليّ وتابعت بين عبراتها وهي ممسكة بالهاتف :
" كم أنت رحيم وكريم يا رب...دعوتك في الليل والنهار لتحفظهما ...لا ادخل ولا اخرج الا واستودعهما بيقين لتحرسهما بعينك التي لا تأخذها سنةٌ ولا نوم...فبعثت لي ملاكاً على هيئة هذا الشهم ...فياااا رب حقق له كل ما يتمنى وارزقه راحة البال ولا تحرمه من احبائه.....قادرٌ أنت يا الله .."
ثم مدت يدها تعيد لي هاتفي وهمست بخجل محرجة :
" سامحني أخي على تسرّعي واندفاعي بما تفوهت به....لكن خوفي عليهما أعماني....سامحني أرجوك.."


" كلا اختاه...أنتِ سامحينا على تقصيرنا بحقك وحق طفليك......أرجو فقط ان تتعاوني مع الأطباء لتخرجي في أسرع وقت...... سيعطونك مكملات للحديد وحقن للفيتامينات لذا اذا استجبتِ للعلاج ستخرجين في الصباح الباكر بإذن الله .."
"

تنحنحتُ وسألتُ:
" هل من أحدٍ يمكنه الاعتناء بابنيك ؟!.."

ردت بغصة تنزل عينيها:
" أنا أرعاهما وأرعى زوجي فهو لا يستطيع العناية بهما بسبب.."


" أجل علمت عن وضعه.....أخبرني أيان بذلك...لكن اقصد أقارب ...جيران ..؟؟!
"

اجابت :
"لا أقارب لنا وفي المخيم كلٌّ مشغول بهمومه....يمكن أن يهتموا بهما لساعتين ثلاثة وليس لليلة....خاصةً الصغيرة !!.."

قلت مطَمْئِناً لها :
" اذاً سيبقيان معنا وسنعود لكِ في الغد..."

ابتلعت ريقها ومسكت طرف غطاءها بأطراف اصابعها تحركهم بتوتر لفت انتباهي دون ان تعلّق ففهمت انها ما زالت غير مطمئنة لأنها بالنهاية هي أم ومن أكون أنا لتثق بي بسهولة ؟!...فسألت الممرضة الواقفة :
" متى تنتهي ورديتك ؟!.."

قالت بلطافة :
" أنا لديّ مناوبة لورديتين يعني بدأت بالمسائية الآن وسأستمر حتى الصباح ....أتريد شيئاً؟.."


" سأعطيكِ رقم هاتفي لتتصل بي اختي (أم أيان ) صوت وصورة في أي وقتٍ تشاء حتى لو الثالثة قبل الفجر لترى صغيريها .....هل يمكنك أن تكملي معروفك الإنساني ام صعبٌ عليك؟!.."

ردت مبتسمة مازحة بجرأة ومن حظها الجميل أن حملي الوديع التي تتحول للبؤة في مثل هذه الحالات لم تسمعها:
" كيف سنرفض طلب رجلٍ نبيلٍ وبالإضافة لذلك وسيم ؟!...ستلاحقني اللعنة ان رفضت !.."

تبسمت مجاملاً لها فمن الجيد أنني وجدت شخصاً هنا فيه رائحة الإنسانية أما بالنسبة لجرأتها هذه قد اعتدتُ عليها من أيام الجامعة ...لقد انقرض شرش الحياء من الفتيات وأصبحن هن من يغازلن الشبان !!....نادت عليها احدى زميلاتها ولما ابتعدت قالت لي (أم أيان) :
" يا أخي احذر ان تسمعها خطيبتك ربما ستنزعج ....لا توتر العلاقة بينكما بسبب الغرباء..."

ضحكت وقلت وأنا أتخيل ردود فعلها المجنونة :
" اطمئني اختي ....خطيبتي عاقلة ....عاااقلة جداً ولا تهتم لهذه الأمور العابرة .."

استأذنتها بعد ان اطمأنّتْ لطريقة التواصل مع صغارها وتوجهتُ لخارج القسم حيث تتواجد (ألمى)....جلستُ بجانبها وكان الولد يلهو في زاوية يضعون بها بعض الألعاب للأطفال وقت الانتظار ...أخذت الصغيرة منها أوقفتها على رجليّ وبدأت ادغدغها واكلمها بكلمات مداعبة وكانت تضحك لي واسنانها الأربعة فوق وتحت يظهران بوضوح ...كم أحب شكل الأطفال بهذه الاسنان فقط واكتشفت أن لها غمازة لذيذة في احدى وجنتيها فقبّلتها منها قائلاً :
" وتمتلكين غمازة أيضاً أيتها الصغيرة ؟!....يا لجمالك وجمالها !"

مدّت يدها التي بجانبي على وجنتها تتحسس , ربما تبحث عن غمازة لها ضائعة هنا او هناك ولما لم تجد عبستْ فكدتُ اضحك عليها لكني تحكّمت بنفسي أما هي دائما تفضح نفسها بعفويتها فقالت :
" ما الجميل بالغمازات ؟..أتعلم ان وجودها هو عيب خلقي ؟..سببها قصر عضلات الوجه .."



قلت لأشاكسها قليلاً لأمضي بعض الوقت :
" لا يهم السبب المهم النتيجة ...فبلا شك هي احدى أمارات الجمال .... والأكيد ان تلك المقولة تمسّك بها فاقد هذه الأمارة ..!!..فإنهم يدفعون المال ليحصلوا عليها ...ومحظوظ من يمتلكها !!.... "
قبّلتُ الصغيرة منها مرةً أخرى وأضفت :
" كأديان مثلاً تمتلك غمازة خارقة..."

تأففت ونظرت لساعة هاتفها وقالت لتغيّر الموضوع من غيرتها:
" ما هذه الورطة التي نحن بها ؟!"

سألتُ مستنكراً بجدية :
" ورطة؟؟....أتقصدين وجودنا هنا ليس سوى ورطة ؟!"

اجابت بتردد :
" نـ....نعم...ماذا تسمّي هذا ؟...نحن عالقان هنا ولا نعلم مصير هاذين الصغيرين وأمهما ولا كيف سنتصرف أيضاً ...أليست هذه ورطة ؟!.."

ضحكت نصف ضحكة باستهزاء مما سمعت وهتفت :
" كل شخص ينظر في عين قلبه .."


"ماذا تعني؟!.."


قلت:
" أعني اذا قلبك اختار الخير فسترين كل شيء يضعه الله في طريقك مهما كانت صعوبته هو هبة وعطاء وستتفاءلين وتشحنين طاقة عجيبة واذا اختار الشر ستعتقدين أن ما تواجهيه ليس سوى مصائب وعراقيل أو كما تفضلتِ ورطة وستتشاءمين وستستنزفين طاقتك سدى !!.."

عدّلت جلسة الطفلة في حضني وأكملتُ وأنا أمسد على شعرها الناعم الخروبي القصير :
" أن يضع الله أمامك مثل هذا الموقف هو اصطفاء منه لكِ...لقد اجتباكِ عن سائر عباده لتخوضي هذا الامتحان وهذه التجربة ليعلّي من قدرك درجات في الآخرة وليقربك له وصدقيني ستأخذين أجرك أيضاً في الدنيا بطريقة ما ...يكون الاصطفاء بعدة أشكال ...فمنهم من يصطفيهم الله للجهاد في سبيله ومنهم لتعلم القرآن وتعليمه والكثير من هذه الأمثلة وأنا وانت قطعنا أميال كثيرة بحكمة منه بعد ان اصطفانا لنهتم بهؤلاء الفقراء ..."
ثم سمّيت تالياً بتجويد :
"...{{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }}..."

ظلّت محدقة بي لثواني بابتسامة خفيفة وهي مصغية ولمّا انتهيتُ مدّت ذراعيها تأخذ الصغيرة من حضني وقالت مازحة :
" اذاً اعطني اياها ولا تأخذ نصيبي من الأجر.."

تلميذتي المجتهدة تستفيد من دروسها بسرعة دون مماطلة ....!!

كان يجب علينا الخروج من المشفى لكن عند رؤيتي للصغير مندمجاً بالألعاب ولا تسعه الدنيا قررتُ أن ننتظر قليلاً...وبينما نحن جالسان نراقبه والطفلة في حضنها , هتفت مشمئزة :
" يــع.."

يبدو أن الصغيرة تحتاج لتبديل الحفّاظة !!...وقفتُ وأخذتها منها ...اعلم انها لن تستطيع فعلها لها ولا أريد أن اجبرها بالطبع , فيكفيها اليوم من المغامرات ما عاشت...ولو كانت ولد لفعلتها أنا ...شهور كنتُ خلالها كحاضنة لشقيقي حبيبي الصغير الذي اشتقت له بجنون وانتظر بفارغ الصبر الذهاب لأعضّه من خديّه اللذيذين ....!!

وقفت محاذية لي وسألت بفضول :
" أين ستذهب ؟! "

قلت :
" يجب تبديل حفّاظتها.."

سألت باندهاش :
" هل ستفعلها أنت ؟!.."


" مؤكد لا فهي بنت... لو كانت ولد لفعلت من غير تردد.."

تعجّبت من اجابتي وأكملت مستفسرة :
" اذاً ماذا ستفعل ؟!.."

قلت مشيراً لممرضتين واقفتين عند طاولة استقبال قسم الطوارئ وكانت منهما التي اعطيتها رقمي :
" أترين تلك الشقراء ؟!.."

حاولتْ جلب عيوب بها بطريقةٍ او بأخرى فردت :
" أجل...تقصد القصيرة الممتلئة التي تصبغ شعرها بالأشقر وأتت قبل قليل لتخبرك عن أم الطفلين....ما بها .؟"

أجبت ضاحكاً على كلامها :
" سأطلب منها ذلك .."

قالت مستنكرة :
" لمَ ليست تلك السمراء التي تشبه عامود الكهرباء بطولها ؟...لمَ اخترتَ الشقراء ؟...أم ان الشقراوات يرقن لك كابنة صديقك الصغيرة التي تدعوها دميتي الشقراء ؟!.."

يا الهـــي على هذه الحقودة الغيّورة... لا تنسى شيئاً...مؤكد ستغار مستقبلاً من ابنتها اذا رزقها الله ...يعني اذا رُزقنا بطفلة !!...أقصد ان انتهت مهمتي بنجاح وسامحتني سمائي وقبلت بي زوجاً حقيقياً لها.....فإما أن تكون ابنتها مني أو لنبقى هكذا حتى يحدث الله أمرا.......لا أتخيّل أن يلمسها أحد غيري.....سأفقد صوابي وأجن....فقط ان ترمّلتْ بعدي لا سلطة لي عليها حينها !!...

أجبت على سؤالها :
" ليست لأنها شقراء لكن لثقتي أنها لن تردني فأنا اعطيتها رقمي لتتصل بي أم الصغيرين متى تشاء من هاتفها ولم ترفض طلبي بذلك وعلى العكس أخذته بكل ترحاب....سلّمها الله ....فعلاً ملائكة الرحمة!!.."

صرخت مشتعلة :
" ماذا ؟؟....بأي صفة تعطيها رقمك ؟!....وهل صدقت انها ملاك ؟....مساكين انتم الشبان لا تفهموا نية الفتيات ...ستقعون في مكائدهن دون أن تدرون..."

ثم أشارت للمقعد آمرة سمو الملكة بحزم وتهوّر وثقة عمياء بقدراتها:
" اجلس هنا وانتظرني.. أنا من ستبدّل للطفلة حفاظتها ...ماذا تظنني ؟.....الا استطيع الاهتمام بالأطفال ؟! ..."

لم أملك الّا الضحك فجلستُ والطفلة تبكي في حضني منزعجة من حالها ...أما هي ذهبت بعزم لعدوتها وطلبت منها حذف رقمي واعطتها رقمها بدلاً عنه ثم طلبت من الممرضة الأخرى ان تعطيها لوازم تغيير الحفاظة للصغيرة......أخذتها مني ودخلت للحمام حيث يوجد هناك زاوية فيها طاولة خصيصاً لهذا الغرض.....مرّ حوالي نصف ساعة ولم تظهر السيدة (ألمى)....اتجهتُ نحو الحمامات بعد أن اصابني القلق لطول غيابها وطرقت الباب منادياً :
" ألمى!!...أهناك مشكلة ؟!"


" ثواني ...أنا آتية "


فُتح الباب ولولا أن سماءيها تسطعان بوضوح والطفلة معها لظننتُ أنها أخرى وكنتُ سألتها عنها !!....كانت ترتدي مريول وقفازين وكمامة تخفي وجهها...قلت بتعجب :
" هل احتاجوكِ دكتورة ألمى لإحدى العمليات المستعصية ؟!....ما هذا الذي ترتدينه ؟!.."

مدّت لي البنت لأحملها ورفعت سبابتها هامسة بصوتها المختنق وراء الكمامة :
" ثانية فقط..!!.."

عادت بعد ان تخلّصت مما كانت ترتدي فسألتها :
" لم تأخرتِ ..أهو صنع صاروخ ؟!"

قالت وهي تسحب البنت من يدي :
" لم أجد شريطاً مصوّراً قصيراً وسريعاً ...جميعه فوق العشر دقائق !!.."


"شريط ماذا ؟!"


" كيف تبدّل حفاظة طفلك ؟!.."


اجبت بصدمة :
" يا الهي ....ماذا ستفعلين مع أطفالك ؟! "

قالت بلا مبالاة :
" وما وظيفة المربية خاصتهم ؟!...انا لن افعلها أكيد ! "

حركتُ رأسي مبتسماً بإحباط منها ثم ناديت الولد وأخذت أغراض الطفلة وتوجهنا الى السيارة لنحجز لليلة بفندق قريب من المشفى ...
×
×
×

حجزتُ غرفتين متجاورتين ...واحدة لي بسرير زوجي وفردي لأُبقي الطفلين معي فأنا لن اعتمد عليها لأنها لم تنم جيداً لليلتين متتاليتين ويمكن أن تغفل عن الصغيرة !!... وغرفة لها بسرير زوجي ...زارتني مرة بعد ان اتصلت بها والدة الطفلين لتراهما ثم عادت لغرفتها....نام (أيان) على السرير الفردي في الحال أما (أديان) داعبتها قليلاً ثم أطعمتها وجبتها وحمداً لله نامت وهي تأكل منها ...وضعتها على السرير الزوجي لكي تكون بجانبي وأشعر بها عند استيقاظها....دخلتُ الحمام وتوضأت لأصلي العشاء...لم أتوقع انني سأجبر للمبيت في العاصمة لذا لم اجلب ملابس بديلة وكذلك لا استطيع ترك الطفلين معها والذهاب لشراء شيء يناسبني لأنها مؤكد ستشد شعرها فهي غير معتادة لا على المسؤوليات ولا على غيرها....وانقضت ليلتنا بسلام حتى أن الطفلة لم تستيقظ خلالها بلطف من الله ....!!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

" اعطني جهاز التحكم...سيبدأ مسلسلي !.."


" لا اريد... انا مريض ويجب ان تدلليني ثم لديك تلفاز في غرفتك وكنتِ لا تخرجين منها ...لمَ هذه الأيام تلتصقين بي ؟!...."

ردّ شقيقي (شادي) على (دنيا) التي لم تكن عادتها التواجد كثيراً في الطابق الأرضي ومنذ أيام بدأت تحوم به كأنها تنتظر شيئاً ما....

لم تصمم على طلبها لأنها ارادت ان تسرق منه بعض الاخبار فقالت بمكر تستفزه :
" أين المفاجأة التي كنت تتبجح بها منذ أيام وأنها ستأتي من العاصمة ؟!....لم أرها ...أم خدعك صديقك ايها المسكين ؟!.."

عدّل جلسته فتأوهَ متألماً من مكان العملية وأجاب يمد يده:
" صحيح ذكرتيني....هاتي هاتفك لاتصل به اسأله عنها !.."

خبأت يدها الممسكة بالهاتف خلفها وقالت :
" اتصل به من هاتف أمي...انا لا شأن لي بكما !"

حمل جهاز التحكم ليغير المحطة وقال بعدم اهتمام :
" سأتصل به غداً ..لا بد انه الآن في عمله لأني فهمت من أمي أن هذا الأسبوع أخذ ورديات ليلية !.."

كلّمت نفسها " اذاّ لهذا السبب لم يأتِ مساءً هذه الأيام وكان يمر فقط ليطمئن على امي وشادي اثناء تواجدي في الجامعة !! "...واستطردت هاتفة :
" سأجلب لكَ هاتف أمي فمن الممكن أن يكون غداً نائماً ولا يردّ عليك !.."

جلبته بسرعة والتصقت بجانبه ..وضعت على اسمه مع مكبر الصوت فأجاب من الرنة الأولى :
" السلام عليكم...خيرٌ ان شاء الله ؟! "

ردّ (شادي) التحية وأكمل معاتباً :
" أين المفاجأة التي وعدتني بها ؟!..."


" اهلاً أيها الضفدع...ألم تنسَها ؟! "


" كدت أنساها لولا أن دنيا سألتني عنها لتشمت بي .....أيّ "


" ما بك ؟؟...."

رد مستاءً يفضحها:
" ضربتني دنيا على عنقي !.."


قال ينهي الحديث بعد أن علم بوجودها جانبه :
" غداّ عصراً ان شاء الله ستكون المفاجأة بين يديك....انتظرني !..سأغلق الآن "

شعرت روحها تتحول الى أشلاء !!...ما هذا البرود وعدم الاهتمام ؟!...فقط لو حتى نعتها بالضفدعة ستكفيها ...لا تريد عروسي ولا عينيّ الشهد ....سترضى بأن يسخر منها المهم أن يكون الأشقر الغليظ الذي عرفته !.....تركت غرفة المعيشة بعد ان لملمت خيبتها وصعدت الى غرفتها وهي التي جلست لتطرب أذنيها بصوته وحتى طمعت ان تسمع سؤالاً واحداً عنها.....نظرت للساعة كان الوقت ما زال مبكراً من الليل فأرادت أن تشكي همومها التي لم تخبر أحداً عنها من قبل وبقيت تصارعها بنفسها لذا اتصلت بصديقتها علّها تفهمها او ترشدها ...

" اهلا دنيا...القلوب عند بعضها ..كنتُ سأتصل بكِ بالحال لأخبرك أن بلال حدّد موعد زفافنا للصيف القادم اذا أراد الله ..."

ردت (سلمى) بحماس وجاملتها الأخرى بصوت مبتئس من حالها :
" مبارك حبيبتي....اسأل الله ان يتمم لكما على خير.."


" العقبى لكِ دُندن .....لكن لمَ صوتك هكذا ؟!.."


" لا تسخري مني ولا تقاطعيني وفي النهاية علّقي !"

شرحت لها معاملة (سامي) معها من يوم المشكلة الى هذه اللحظة, فسألت (سلمى ) :
" دنيا اجيبيني بصراحة ....هل أنتِ تريدينه أم لا ؟! "

حاولت المراوغة مجيبة:
" يعني ان كان هو قدري لا مفر من ذلك ...ماذا عساي أن أفعل ؟!...لو صممت على الانفصال سأغضب أمي وأجرح أخي ....لذا سأحاول تقبّله ...لكن لا اريد الاستمرار بهذا الجفاء بيننا فهذه حياة كاملة ....ارشديني بحل علّني أصلح الأمور !!.."

فرحت من أجل صديقتها فهتفت :
" اذاً اسمعيني وطبّقي ما أقول لكِ بالحرف الواحد !.."

وبدأت ترشدها لحلول آملة بأن تأتيها بنتائج مُرْضية ....

~~~~~~~~~~~~~~~~

استيقظت الصغيرة على رنة منبه صلاة الفجر من هاتفي ...يا الله كيف سأصلي الآن ؟!...أطعمتها وحاولت تنويمها بكل الطرق التي أعرفها دون جدوى...بدأت عــقارب الساعة تسرع نحو الشروق ...ستفوتني الصلاة لا ريب !!....قررتُ أن أذهب للمدللة...يكفيها ما نامت من ساعات ....وضعتُ الصغيرة على السرير وحاوطتها بالكثير من المخدات والاغطية كي لا تقع ثم أسرعت متجهاً لغرفة (ألمى)...بعد عدة طرقات فتحت لي بشعرها المشعث ....تتثاءب وترتدي منامتها التي جلبتها معها , كانت ببنطال سماوي يصل لتحت الركبة بقليل وقميص نصف كم نفس اللون بأزرار ويوزّع عليه أرانب تأكل الجزر...كدت أفرط ضحكاً على مظهرها الأهبل هذا...اتكأتْ على اطار الباب تتوسد كفها برأسها , نصف نائمة فقلت :
" ألمى...تعالي احملي البنت ريثما أصلي .."

اجتازت بابها لتمشي أمامي كالبلهاء دون ان تغلق غرفتها ...فقبضتُ معصمها اوقفها وسحبت بطاقتها بسرعة وأغلقته ثم مسكتها من كتفيها وانا خلفها أوجهها لغرفتي لأنها شبه مغمضة العينين.....يبدو أنني جلبت طفلة أخرى لأعتني بها وليست لتعينني هي على تلك !!.....دخلنا غرفتي واتجهتْ لوحدها للسرير حيث الطفلة ...استلقت كالأم الحنونة بعد ان سحبتها وضمتها لحضنها ...فدسّت الصغيرة يدها داخل ياقة قميصها لصدرها وراحت كلتاهما بنومٍ عميق ...سبحان الله......أهذه الفطرة ؟!... .....تلك المكّارة الصغيرة ارادت جسد أنثوي ناعم ....لم يعجبها جسدي الخشن !!...توضأتُ وصلّيت ولم يبقَ لي مجال للنوم بعد ان استوطنت فراشي وغرفتي كما استوطنت قلبي وشعيراتي الدموية وكل خلاياي....خرجتُ للشرفة وجلست على كرسي ومددتُ ساقيّ لأخرى وسرحت بالسماء انتظر شروق الشمس ولم أدرَ كيف غفوتُ من تعبي....في التاسعة صباحاً شغّلت الصغيرة صافرة الإنذار فأفاق شقيقها كما أفقتُ أنا ...ايضاً الفندق أعلن حالة الطوارئ بسبب صوتها المرتفع الّا صغيرتي أنا تظن نفسها بيضاء الثلج وتنتظر قبلة من أميرها لتصحو !!...بعد قليل استيقظت وفزّت تعدّل جلستها وعادت لوعيها ثم بدأت تتحسس جسدها بارتباك تتفقده وتنظر حولها وكأننا سرقنا كنوزها منها....كنتُ في هذه اللحظة انا والصغيرين على الشرفة ..دخلتُ فوقع نظرها عليّ ...سألت بتوجس متلعثمة :
" مـ ..ماذا افعل في غرفتك و...و...وعلى سريرك ايضاً ؟! "

جمــيل ..فرصة أخرى للمشاكسة !!....أجبتها بخباثة :
" أيعقل أنكِ نسيتِ شيئاً كهذا ؟!.."

جحظت عينيها اللامعة بخوف وهتفت :
" مـ....ما هو ؟!....ماذا تـ..تقصد ؟! .."

غمزتها بمكر واجبت كاذباً :
" عيـْـب ...معنا أطفال!!....مع أنك لم تبالي لهما وبكل وقاحة تشبثتِ في سريري ولم تتركيه ......أنا لم اكن اريد ذلك لكن وافقت من اجلك .."

قفزت محرجة تُقبل نحوي شبه باكية وقالت وهي تخفض عينيها للأرض :
"على ماذا وافقت من أجلي ؟!...أحقاً أنا طلبتُ منك ؟!..."

ضحكتُ وقررت ان انهي مشاكستي وانا احرّك عنقي الذي تيبس من نومتي تلك :
" أمزح معك...ناديتك من اجل الطفلة وانا نمت على الشرفة .."

تبسمتْ مطمئنة ودنت مني لما رأت حركتي فمدت يديها بعفوية لعنقي لتدلكه لي لكني منعتها مبتعداً للخلف .... كأنّ هذا ما كان ينقصني !! ...وهمست بلطافة :
" شكراً لكِ....لا داعي لذلك ...أنا بخير .....اذهبي لغرفتك وارتدي ملابسك لننزل للفطور وننطلق للمشفى ان شاء الله..."

×
×
×

قمت بإجراءات الخروج لـ (أم أيان ) بعد أن كتبوا لنا الأدوية اللازمة التي يجب المواظبة عليها وقبل التوجه لمخيمهم اشتريتُ لها ما طُلب منا للعلاج وكذلك أغراضاً كثيرة لاحتياجات الطفلين وكمية من المواد الغذائية ولما وصلنا خيمتهم كان زوجها جالساً حزيناً , مهموماً , فاقداً الأمل بالحياة وما ان ناداه ابنه حتى تهللت اساريره وبدأ يزحف على مؤخرته ليصلهم بسرعة وهو يبكي بنحيب ويسأل عن سر اختفائهم ....جثت زوجته مع صغيرتها أمامه فاحتضن عائلته بأكملها وهم يبكون معاً للحظات طويلة ...مسكتُ دمعتي من النزول من هذا المشهد المؤثر لكن (ألمى) لم تسيطر على دمعاتها ..كانت تقف بقربي شبه ملتصقة بي من شدة تأثرها مما ترى !! ....بعد أن بلّوا شوقهم من بعض أصرّت (أم أيان) هي وزوجها علينا لنجلس عندهم قليلاً وبدأت تسرد له قصتها وسبب غيابهم ثم انتقلنا لمواضيع أخرى بداية من حياتهم السابقة في وطنهم وعلمنا أن ( أبا أيان ) كان يعمل ممرضاً وسائقاً لسيارة اسعاف وانه من المتطوعين في ساحات الحرب وبترت ساقيْه من قصف أصاب السيارة اثناء قيامه بنقل جرحى للمشفى....كان يخبرنا عن ماضيهم الجميل قبل الحرب وكيف نزحوا الى هنا وزوجته حامل في شهورها الأخيرة بابنتهما وكيف قطع مسافات زحفاً على مؤخرته بمساعدة يديه هروباً من الغارات التي وصلت بلدهم وباعوا ذهب زوجته ليستطيعوا الهجرة بأحد القوارب تهريباً ...!!...كان يتكلم صامداً بعزة نفس حتى وصل بحديثه عن يوم أمس وماذا عاش من دونهم هذه الليلة من قلقه عليهم فقال بصوت متحشرج وبقلة حيلة :
" لما أذّن الفجر قلت في نفسي ان لم يعودوا لي قبل شروق الشمس فسأتأكد حينها أن حياتي كلها بُتِرت وليست ساقاي فقط ...فهم عيناي اللتان أرى بهما واذناي اللتان اسمع بهما وهم كل جوارحي ...لم اشعر يوماً أني ضعيفاً بوجودهم معي !!.... حتى يوم أمس...ايقنتُ ضـ...ضعفي.."

أنهى كلامه وحرر دمعة لتضع بصمة قهر ووجع على خدّه , قابلتها أخرى من عيني لتشد أزرها... فاللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال....
فما أصعب من دمعة وقهر الرجل الذي لا حول له ولا قوة... ؟؟!!

×
×
×

خرجنا في سبيلنا قاصديْن مدينتنا الساحلية بعد ان اجبرتهم على أخذ المال من اجل دواء (أم ايان ) وحليب للطفلة ووعدتهم بدعم مخيمهم في أقرب وقت بإذن الله....لقد عزمتُ على توكيل السيد (ماجد) والسيدتين (ايمان وفاتن) لهذه المهمة لتجنيد سفراء يهتموا بهذا المخيم من الجمعيات القائمين عليها وعلى أمل ان نوسعها لأكبر نطاق ممكن بمساعدات داخلية وخارجية لدعم ما تطال ايدينا من مخيمات أخرى للاجئين ....!!....كانت خلال الطريق تتحدث بشوق للطفلة واعترفت انها احبّتها وعبّرت عن ألمها اتجاههم وتمنت ان ينصلح حالهم أما أنا توقّعتُ أن يأخذنا الحديث الى مخيمنا لكنها لم تتطرّق له البتة ....أيعقل أن أمره لم يهمها ونسيته أم أنها لا تريد فتح شيء من ماضيها أمامي..؟!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بدأنا نقترب من قصر العنكبوت!!....رغم انها بعثت رسالة لخالتها فور قرارها بالبقاء معي لتطلب منها ان تتولّى مهمة اخبار والدها بذلك وتلك طمأنتها الّا انها ليست آمِنة لردود أفعاله ...ربما لأنها تعرف خطأها أو لأن جرحها من صفعته غائر ...كان الوقت قُبيل العصر من يوم الجمعة وسيكون متواجداً في البيت بسبب العطلة الرسمية , لا لأنه يقدّس هذا اليوم للعبادات......دخلنا الساحة وترجلنا من سيارتي...استقبلتنا خالتها وكان الوغد في وكره يطبخ الاعيبه ولما أحسّ بنا خرج قاطباً حاجبيه وتقدّم نحونا.....اقتربت منه (ألمى) واقتربتُ معها لأن عينيه تنذر بالشر ولم ارتح لنظراته ...طأطأت رأسها وهمست :
" سامحني أبي...لم أقصد كسر كلمتك بذهابي .."

قلت ناظراً اليها لأؤكد مسؤوليتي :
" لم تكسري كلمته ...انا من اردتُ ذلك....لا ذنب لكِ...يعني لكِ الأمان كما وعدني.."
وجّهتُ بصري اليه وسألت:
"أليس كذلك ؟؟!.."

قال بنبرة ثعلبية :
" بلى ...أنا أعطيتها الأمان في رحلتها واعتمدتُ عليك بذلك....شكرا لك ..لقد اتعبناك معنا...أما الآن في بيتي سأقوم بدوري كأب لأربيها .."
ثم رفع يده بحقد ليصفعها بالتزامن مع صرخته بها:
" هل تريدين خداعي بعقلك الصغير أيتها السافلة ؟!...اتظنينني لم اشاهد أجهزة المراقبة ولم أر ما فعلتيه لتهربي؟!"

لكن معصمه كان أسير قبضتي قبل ان يلمسها , أشدّ عليه بغلّ وأجزّ على اسناني محذراً:
" كُن رجلاً على قدْر وعدك ولا تخلّ به واتّقِ شر الحليم اذا غضب..."

فقال ليستعطفها وهو يحاول الحفاظ على ملامحه رغم ألمه:
" انظري لما اوصلتني بعصيانك.....في هذا العمر أنا أهان في وسط بيتي !.."

مدّت يديها تمسك بواحدة يدي وبالأخرى يده تحاول تحرريهما من بعضهما وهي تبكي متوسلة :
" أرجوكما كفى....يامن أرجوك اتركه..."

كانت في هذه الاثناء السيدة(فاتن) من خلفه تومئ لي بعينيها وتلوح بيديها لأتركه كي لا ازعزع علاقتي به لأن ليس هذا ما نحتاجه .....

ألقيتُ يده بعنف وقلت :
" إن اقترب منها أحد لا تلوموني بما سأفعل ..."

قال غاضباً:
" أتهددني ؟!.."

أجبت بغيظ غير آبه لإشارات السيدة (فاتن) :
" فسّرها كما يحلو لك.."

اقتربت (ألمى) مني تمسكني من ذراعيّ لتهدئني هاتفة :
" يامن من فضلك اهدأ من أجل خاطري..."

ثم انتقلت له تهمس برجاء :
" أبي أعدك لن أكررها ...سامحني...لن اغضبك مجدداً.."

هتف هادراً بها :
" على ماذا سأسامحك يا ابنة كريمة ؟! ...اذهبي من حيث أتيتِ ...لا اريدك.....ألستِ أنت من تبجحتِ أن لا أصل لكِ ولا عنوان ؟!....هيا اخرجي يا قليلة الحياء"

نظرتُ اليه شزراً من كلامه اللاذع بحقها ومددت يدي نحوها قائلاً بجدية دون ادراك لعواقب جنوني هذا :
" ألمى....تعالي معي !!.."

كانت تقف بيننا منحنية بكتفيها من ثقل أوجاعها ولما نطقتُ جملتي التفتت اليّ شاردة بنظرها فقلت في نفسي وعيناي بعينيها " عهداً عليّ ان اخترتني أنا...من هذه اللحظة سأعترف بحبي لكِ يا حُبي وسأخرج بك من هنا لأُشهد وقت العصر والليل والنجوم والقمر والبحر والشجر أن تكوني زوجتي اسماً وفعلاً من اليوم ولن يقف أحد أمامي ولن أسمح بأن يصيبك خدش واحد ما دمتُ حيّاً...وان اخترته هو لا ألومك لكن سأتأكد أننا لم ولن نكون لبعضنا يوماً...وستقطعين حبل الأمل الذي أتمسك به ..!!"....
فوصلني صوتها ليشتت عهدي وفكري وهي تكمل توسلها له ببكاء وتمسك يده تقبّلها قبلات متلاحقة :
" أنا ابنتك أنت....أنتَ فخري وسندي ...أبي حبيبي ...سامحني ...ألستُ أنا أميرتك لوما ؟...صدقني لن اخرج عن كلمتك مرةً ثانية "

رقّ قلبه ان كان له قلبٌ أساساً.!!..ووضع يده على ظهرها يمسّده لها كإشارة منه انه يعطيها رضاه والأمان وبعينيه أعطاني نظرة انتصار لأنها اختارته هو لكن بما أننا بيننا صفقات ...لا يستطيع البوح او التبجح بشماتته لعلمه ما سيخسر منا !!...

×
×
×

دلفتُ بيتي محبطاً وكأن كل الهموم اجتمعت على كاهلي والذي زاده تعب ما مررتُ به هاذان اليومين ومشوار الطريق ...لذا طلبتُ من خالتي ألّا يقترب مني أحد حتى أصحو بنفسي لكنها استوقفتني هامسة بقلق :
" السيد ماجد سأل عنك وأراد أن...."

قاطعتها بوهن قائلاً:
" لاحقاً خالتي...لا حيْل لي الآن لأسمع شيئاً....من فضلكِ أجلّي أي كلام وسامحيني...اريد أن أستحم وأنااام فقط لا غير..."

اومأت برأسها برضا مع شبح ابتسامة وتركتني أصعد الى غرفتي....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

تقف أمام طاولة الزينة تضع على وجهها لمسات خفيفة من المساحيق التي تناسب لون فستانها العسلي ويصل الى تحت الركبة بشبر يفصّل جسدها مع كميْن يصلان للمرفقين وياقته مفتوحة بشكل مربوع وتنتعل كعباً اسوداً كلون الحزام وعقداً من الخرز الأسود وفي قلم الكحل العريض حددت عينيها ليبرز شهدهما ويجعل من ينظر لهما يقع صريعاً من سحرهما...أبقت شعرها منسدلاً على ظهرها وكتفيها بحرية.....نثرت عطرها على عنقها ...ألقت نظرة أخيرة لمظهرها برضى....تأملت بابتسامة خاتم خطوبتها الذي لم تخلعه منذ أسبوعين تقريباً....هي تحب أن تتزيّن وتمتلك ذوقاً مميزاً في اختيار ملابسها لكن أمامه كانت تهمل شكلها ولا تهتم لأنه لا يعنيها شيئاً أو هكذا تدّعي ....قررت ان تستقبله اليوم بصورتها التي لم يرها بها سابقاً بعد أن ارشدتها صديقتها الوفيّة بقولها أن الجبال والحيطان أمثالنا تنهار أمام جمال المرأة وفتنتها وأنه سيرفع الراية البيضاء مستسلماً لها ....نزلت السلالم لتتفقد طاولة التضييفات في غرفة المعيشة العائلية حيث اعتاد على الجلوس عندهم ...لقد طلبت من والدتي أن تجهّز ما يحب (سامي) ووافقتها منشرحة ومسرورة من أجل التغيير الذي طرأ عليها ....جلس (شادي) على احدى الارائك فهتفت منزعجة :
" هيــه أيها الشبر ونصف...لا اريد أن أرى وجهك اليوم هنا !.."

سرق حفنة من المكسرات الموجودة أمامه وعدّل جلسته هاتفاً وهو يقضم منها :
" يبدو انك ستذهبين لحفلة ...ما شأنك بي ؟...اجلس أينما أريد ثم أنني انتظر صديقي سمسم ومفاجأته وليس لأريكِ وجهي .."

قطع مشاحناتهما رنين الجرس فبدأت بارتباك ترتب نفسها أما الصغير انقضّ يلحق والدتي ليستقبل المفاجأة ولما رآه هتف بسعادة يستقبله :
" أهلا بالحامل والمحمول..."

دلف (سامي) الى بهو المنزل حتى وصل طاولة دائرية حولها أربع كراسي ووضع عليها صناديق ثلاثة مغلفة وكانت بأحجام مختلفة... كبير , وسط وصغير....كان يرتدي بنطال جينز أزرق وبلوزة نصف كم لها ياقة وزريْن لونها خمري داكن وحذاءً رياضياً ملوّناً بالأبيض وتدرجات الأزرق....سحب الصندوق الكبير واتجه الى غرفة المعيشة قائلاً لـ (شادي) :
" هيا اتبعني أيها الضفدع ..."

ما ان اجتاز بابها حتى وقعت عيناه على الجالسة يتأملها لثواني معدودة بمظهرها الجديد الجذاب وبعدها ألقى حدقتيه على الطاولة أمامها ....قال وهو يبعد نظره :
" السلام عليكم ..."

ردّت التحية وهمّت لتقوم لتستقبله لكنه كان قد استدار نحو التلفاز وسحب منضدة جانبية وجلس عليها يوليها ظهره وبدأ بنزع الغلاف عن هديته وما ان ظهرت صورتها حتى قفز (شادي) هاتفاً بابتهاج وفرحة :
" يا للروعة ....جهاز الألعاب الالكترونية( playStation ).."

ثم قفز يحتضن الجالس ويقبّله متناسياً الآم موضع العملية وهو يشكره بكل حب وامتنان ....بدأ يوصل الأسلاك في التلفاز ...فتنحنحت الجالسة ووجهها محتقن غيظاً وقالت بحماقة:
" لا تجعله يلعب هنا ..."

استدار نصف استدارة برأسه يرمقها بنظرة جانبية مع رفع حاجبه سائلاً :
" لماذا لا يلعب هنا ؟!.."

حرّكت حدقتيها هاربة من الإجابة ...فكرر سؤاله فاضطرت مجيبة بكذب :
" ستأتي صديقتي ...لا أريد ضوضاء هنا "

انتصب واقفاً وقال وهو يضع احدى يديه على خصره بجدية :
" اطلبي منها أن تأتي بعد ساعة او ساعتين لأني احتاجك في موضوع ولا يمكنني تأجيله أكثر من ذلك .."

سقط قلبها الى قدميها بهلع ...لقد ظنت أنه نسيَ ما حدث منذ اكثر من أسبوع....ها هو سيواجهها به ولا مفر من ذلك....شتمت صديقتها في سرّها على فكرتها التي جعلتها كالنقطة امامه....انه يلقي نظرة لها ثم يبعدها في الحال ولم يكبّ على وجهه من جمالها وفتنتها !!...هل هي ليست جميلة أم هو خفّ نظره ويحتاج لنظارة أو ماذا ؟؟...
اومأت له موافقة بخنوع ووجل وهي تبتلع ريقها فخرج من الغرفة ثم عاد بالصندوق الوسط وناولها إياه دون ان يفتحه لها هاتفاً بنبرة جدية :
" هذه لكِ.."

مسكتها متفاجئة ...لم تتوقع ان يتذكرها بهدية ...همست بتردد:
"أ..ألن تفتحها ؟!.."

توجّه لـ ( شادي ) مجدداً وأجابها ببرود:
" أنتِ افتحيها .."
تنحنح وأردف :
" وبعدها اصعدي لتبدّلي ملابسك للخروج....لن نتكلم هنا!.."

كانت كالزجاجة التي تكسرت لكنها صامدة مكانها وان مرّ احد من جانبها ستنهار شظاياها وتملأ الارض من عدم اهتمامه بمظهرها هذا ...لم يُسمّعها أي كلمة او تعليق وفوق هذا بكل برود طلب منها أن تبدّل ملابسها وكأنها تقف امامه بأسدال الصلاة أو منامة معتاد عليها ....!!...ألن يثني على لباسها وجمالها ؟!.....لكن ستصبر ولن تحكم عليه ظلماً....فتحت هديتها فشهقت باندهاش هاتفة بامتنان :
" شـكراً سامي....كـ...كيف عرفت أني اريدها ؟! ...يا الله اخيراً حصلتُ عليها"

ردّ كاذباً وهو يلعب مع (شادي) بجهاز الألعاب الالكترونية :
" لم أعلم أنكِ تريدينها لكني انتبهت صدفةً أنك تحبين التصوير.."

لقد أحضر لها من العاصمة آلة تصوير فورية , حديثة وثمينة ....كان قد سمعها من غير قصد وهي تحدث والدتي عنها وتتوسلها للسماح لها بطلبها عبر احد مواقع التسوق الالكتروني لكنها رفضت أما هو لم ينسَ ذلك وهو يعلم أشد المعرفة هوسها بالتصوير وهذه هي هوايتها المفضلة !!.....ربما لو كانت علاقتهما مستقرّة لقفزت الآن في حضنه لتشكره على تحقيق حلمها....أما الصندوق الصغير كان هاتفاً جديداً من اجل حماته ...لقد كلّف نفسه بهدايا باهظة دون أن يرف له جفن لأنه يقدّم بسخاء لأحب الناس على قلبه ....

×
×
×

استقلّا سيارته ومع أن الخوف يسيطر عليها الّا انها سعيدة بهديته القيّمة ...بدأ يتجه صعوداً للأعلى الى رأس الجبل دون أي كلمة ...التفتت يمنة ويسرة عندما اجتازا المنطقة السكنية ودلفا الى منطقة غير مأهولة وطريقها ترابية وعلى الجوانب صخور وأحجار وأعشاب يابسة ....وصلا الى التلة ....تلة الصقور....حيث شجرة الخروب خاصتنا ثلاثتنا انا وهو و(أحمد) والمكان الذي جمعنا دوماً ولم نسمح لأحد بالاقتراب منه والذي يطلّ على القسم المنخفض من مدينتنا ...أوقف سيارته رباعية الدفع وترجّل منها ....بقيت هي مكانها مذهولة , مستغربة من هذا المكان ولمَ جلبها اليه ؟!....دنا من الحافة يضع يديه على خصريه ناظراً أمامه بشموخ وشمس العصرية تسلّط على وجهه ....زفر أنفاسه ثم التفت اليها يشير لها بالنزول....انصاعت له وهي على حالها متعجبة...اقتربت منه مرتاعة ....همس لها بهدوء عكس عواصف القهر داخله وهو يومئ لإحدى الصخور التي كنا نجلس عليها :
" اجلسي هنا..."

أشارت على أخرى أبعد من الحافة هامسة بوجل :
" سأجلس على هذه....أخاف من المرتفعات واشعر بالدوخة .."

اومأ موافقاً وجلس على صخرة مقابلاً لها ملتفتاً نحوها وأصبح المنحدر من خلفه.....لحظات وكلاهما صامتان حتى بدأ هو بالكلام :
"اسمعيني يا ابنة الكرام.... في البداية سأخبركِ لمَ جلبتك الى هنا بالذات..."

حدّجته بشهديها المكحلتين واللتين ازدادتا روعة وجمالاً بسبب انعكاس ضوء الشمس عليهما فأشاح بصره عنها ...لا يريد أن يغرق بهما أكثر...لم الآن تضاعف سحرهما وجاذبيتهما ؟...هل هذا ما ينقصه ؟!...همس بسره " تباً لعينيّ الشهد الحارقتين"....تمتم مستغفراً.....ثم تابع كلامه :
" هذا المكان يشهد على طفولتنا وصبانا أنا وهادي وأحمد..."

أشار لجذع الشجرة واستطرد:
" حفرنا أسماءنا عليها كأننا نصك ملكيتنا ...لم نسمح لأحد بلمسها واتفقنا ان لا نضيف اسماً اخراً معنا الّا..."
ضحك شبه ضحكة مطعونة وأضاف :
" الّا فقط عندما نكبر ونختار شريكات حياتنا سنحفر اسمائهن جانب اسمائنا وتراهنّا على ان من يخطب الأول بيننا هو فقط سيحق له كشف مكاننا هذا وجلب عروسه الى هنا ...."

نهض من مكانه وزلف نحو الشجرة وناداها فاستجابت له وقبل أن يشير انتبهت لاسمها المنحوت جانب اسمه ...شعرت بسعادة تغمرها لقد فازت هي بشرف معرفة هذا المكان لكنها لم تترجم سعادتها بأيةُ ابتسامة لأن الخوف من الآتي يلاحقها...لا تريد أن تتسرع بكشف مشاعرها وردود افعالها ....مدّ يده لها بلطف رجولي وعيناه تشع بالحنية المخلوطة بالآهات وهمس :
" اعطني الخاتم لطفاً..."

خلعته وهي متفائلة عندما راته يخلع خاتمه ايضاً ...فأكيد سيعترف بحبه وثم يعيدان لبس الخواتم لبعضهما ليفتحا صفحة جديدة في علاقتهما المهزوزة....هذا ما تمنّت !!... ...وضع خاتمها الصغير داخل محيط خاتمه الكبير على بطن كفه ثم اغلق قبضته بحرص عليهما وعاد الى الصخرة فلحقته تجلس مكانها فتابع كلامه :
" عندما أخبرني هادي بموافقتك كنتُ يومها مصاباً بالحمّى وأقبع بفراشي ...لكن لا أعلم من اين أتتني القوة لانطلق الى هنا واحفر اسمك قبلهما لأؤكد كسبي للتحدي بيننا ....أنا لم اركِ ....لكني بعثت صورتي من اجلك ولتكوني على نور...نحن لسنا في العصر القديم وأعي ان هذا من حقك.....وكذلك طلب مني هادي المجيء عندكم لتلك البلاد كي القي النظرة الأولى لأنه بالطبع لن يقبل ببعث صور شقيقته ....لكني رفضت وأخبرته أنا لم اشترِ بضاعة من السوق ....يكفيني شرفاً أن تكون شريكتي ابنة العز والنسب ..ابنة شرفاء القبائل....ابنة المجاهد محيي الدين وشقيقة توأم روحي والبطل الشجاع هادي ...وليس هذا فحسب ...كان يقال لنا ان اردت أن تتزوج ...ابحث عن أم العروس وليس على العروس فنحن نعلم أن الفتاة تتأثر الى حدٍ ما بأمها وحتى أيضا بعماتها ....ومَن أفضل من خالتي عائشة كأم ربّت أبنائها على الأصالة والدين والخُلق الحسن؟!... والسيد سليم الأسمر بمقامه وشهامته اختار عمتك السيدة لبنى زوجة له فمؤكد انه اختار خيرة النساء فان لم تكوني كأمك ستكونين كعمتك وكلتاهما مصدر فخر واحترام وترفع لهما القبعة.....عندما طلبتكِ من شقيقك ليس فقط من اجل مساعدته وأخذ حمل عنه فلو لم تكونوا انتم بنسبكم المشرّف لساعدته بإيجاد حلول أخرى دون أن اربط حياتي بزواج لا أرضى به .....أنتم هاجرتم نعم ...لكن روحي ايضاً هاجرت معكم... أنا حياتي لم تكن حياة من غير هادي حتى رضيت على الأقل بتواصلنا عبر الهاتف وكنت حينها كأنني خرجت من عملية صعبة للإنعاش ....كنا قبل رحيلكم نمضي معظم الوقت معاً اكثر مما نمضيه مع عائلاتنا ....لن تستوعبي ماذا يعنيني صديقي !....لن يصل احد بعمق صداقته مثلنا.....إن صفعني هادي سأعطيه خدّي الآخر ليصفعه من غير تردد لأني اثق انه سيفعل مثلي.!!.....أما الآن فلنأتي للعلاقة بين الرجل والمرأة....اخبريني....ماذا تحتاج المرأة من شريك حياتها ؟!.."

حملقت به ثم اخفضت عينيها ليديها في حضنها والتوتر يعتريها يصاحبه الخجل من قربه ونظراته وسؤاله ...كيف ستجيب ؟...هل ستقول له الحب والأمان والحنان والاهتمام وأن يكون بيتاً لها ويجعلها الملكة عليه ؟!....بالطبع لن تنطق بهذا فهي ستكشف نفسها وأن هذا ما تريده منه...فأجابته سائلة ضد تيار مشاعرها واحتياجاتها :
" لمَ تعتقدون أن المرأة تحتاج شيئا من شريك حياتها ؟!...أتظنون أنها لا تستطيع فعل أي شيء لوحدها ؟!.......يمكنها الكثير دون الرجل"

فقاطعها ساخراً ليحرجها :
" مثلاً أتستطيع الانجاب لوحدها من غير زوج ؟!.."

أشاحت وجهها جانباً قاطبة حاجبيها بحرج وحياء وهمست :
" أين عقلك أخذك؟...لم أقصد تلك الأمور.."

ضحك ليبرّد عليها قليلاً من توهجها وقال :
" حسناً ....أنا لا اسأل ماذا تريدين أنتِ كدنيا ...أنا أتكلم عن العلاقات الطبيعية ....لذا سأجيبك على قدر معرفتي..."

نظرت اليه بفضول فاستأنف :
" تريد المرأة من الرجل ...الحب والحنان والأمان ...الوفاء والإخلاص لها ...أن يراها دائماً هي الأجمل بين نساء الكون....أن يرفع شأنها في كل مكان ...أما الرجل يريد ...ان تكون شريكته في الصباح أم له تهتم به وبكل ما يخصه وفي الظهر صديقة تسمع لمشاكله وتساعده على حلولها ...في العصر شقيقته تشعره أنه سنداً وحامي لها وفي المساء ابنته تركض لاستقباله بكل حب وبراءة وتتدلل عليه وفي الليل عشيقته وزوجته ليعيشا لحظاتهما العاطفية الجميلة بكل حب وينسياً معاً كل العالم ..!!..."
تنهّد وأكمل وهو يستدير جانباً قليلاً نحو المنحدر:
" الحياة فيها أخذ وعطاء ....هكذا نحن بعيداً عن معرفة النوايا ....قدّمي اهتمامك لأرضك واعتني بها لتعطيك التربة الخصبة للزراعة.....اسقي الشجرة لتعطيك الثمرة ....ثابري وابذلي جهداً لامتحانك لتحصلي على نتائج تفرحك.....حتى البحر لن يتبخّر ليعطينا السحب المحملة بالأمطار دون أن تعطيه الشمس أشعتها ....هذه سنة الحياة ...نعطي لنأخذ .....أما أنا سامي عشت وسأموت وانا اعطي ...لا أمنّ على أحد ..حاشى لله ...لكن هذا طبعي ...اتغذى العطاء وأتنفسه ...شيء لا استطيع التحكم به ....كنتُ أتمنى ان استمد طاقتي من شريكتي وحبيبتي لأتابع مسيرتي في العطاء ..."
ابتلع ريقه وأردف وهو يبعد نظره عنها :
" انا حاولت قدر الإمكان ان اعطي واعطي ....لم ينفذ صبري ..تحمّلت ولم يجرح قلبي ...لم أكلّ ولم أملّ ...كنتُ اجد لك الاعذار...ربما تخجل مني ربما تتدلل ...كم ربما قالها عقلي ؟!...اقول في نفسي ..غير مهم...تحمل يا رجل لا تيأس ..استمر في عطائك حتى تتذوق ثماره..... لكن في موقفك الأخير حسمتِ الأمر...لم تشركيني بشيء حساس يخصك والذي يؤثر على سمعتك وسمعة اهلك وكدتِ أن تُسَجلي بين السجناء وليتك سجينة من اجل الوطن !!.... الى هنا بتصرّفك هذا وصلتني رسالتك أنكِ لستِ بحاجتي وبغنى عني وحتى أنكِ ايضاً لا تضعيني على هامش حياتك !!....لا مكانة لي عندك!!......لم تعتبريني ابناً ولا صديقاً ولا حتى شقيقاً ولا اباً وبالطبع لا حبيباً او زوجاً كما اريد ان أكون بنظر شريكة حياتي.... مع الأسف خاب ظني!! ....ارتباطي بك هو استنزاف لطاقتي التي يحتاجها وطني وأهلي واصدقائي وأبناء شعبي ..!!... لا استطيع أن أترك الكل وأهدرها هباءً من أجل واحدة لا تراني ولا ترغب بي وربما تكرهني وتفكر بي كعثرة في طريقها !! ....كما انّ لديّ كرامة ان تخليّت عنها سأتخلّى عن كل ما يخصني بسهولة...وأهمها وطني ....فالكرامة هي عشق الوطن وبدونها سأخون الجميع وحينها لن أكون أنا سامي..!!.."

نهض من مكانه ووجهه منخفض صوبها ...كانت شفتاها ترتجفان وهي تحاول الضغط عليهما لتستكينا لكن لا فائدة فالغليان في باطنها وصل حد الفوران....ستنفجر بكاءً لا محالة ....هتف بشهامة ورقيّ :
" دنيا....أأستطيع أن اطلب منكِ طلباً ؟! "

رفعت عينيها المتكدسة بالدموع نحوه ليستمر بكلامه فقال برجاء :
" أرجو أن تتحملي وجودي معكم حتى يعود هادي ...لا أطلب ذلك من أجلي ...فقط اريد ان يتم عمله وهو مرتاح البال ....وأعدك ولتشهد هذه الشجرة على وعدي أنني سأنظر لكِ وأعاملك كشقيقتيّ بيان ورزان وعند تحرره من مهمته سأحررك مني وأعيد له أمانته الغالية..."
أضاف وقلبه موجوع :
" ربما طريقتنا في الارتباط كانت خاطئة لذا لم ننجح بها وفي النهاية كل شيء قسمة ونصيب...."

وقفت بصعوبة محاذية له ...لا تشعر بقدميها على الأرض لقد أصابهما التنمّل ...ليس من جلستها بل لأن كل الدماء صعدت لدماغها وتكاد تتقاطر من شعرها !!.....بسطَ قبضته الممسكة بالخاتمين وتأملهما بابتسامة محتضرة على زاوية فمه ...نظرت هي أيضاً اليهما ثم رفعت بصرها اليه بفضول لترى مصيرهما....فبحركة سريعة منه ألقاهما من فوق المنحدر ليتدحرجا نحو الحرية وتتدحرج معهما احلاماً نسجها كلٌّ منهما بخيوطٍ ملوّنة رفيعة قطعها لهما حبس المشاعر في القلوب دون اطلاق سراحها لبيتيهما قبل أن يهدمهما لهما العناد.....!!....ونطق بقهر نجح بإخفائه :
" لم يكونا لنا ولا من نصيبنا ولن نكون لبعضنا يوماً.."

ليتلقّى بعدها ضربات على صدره بقبضتيها الصغيرتين وهي باكية وتدوي بصراخ صداه ملأ الأرجاء والكحل يخربش خطوطاً تحت عينيها :
" كيف تسمح لنفسك بإلقاء خاتمي ؟!...قل لي ...كيف ؟؟!.... أكرهك...أكرهك....لا اريدك ولا اريد رؤيتك.....اخرج من حياتي ومن بيتي ... لا داعي لتربط نفسك بنا.....اذهب وابحث عن الشريكة التي ترغب بها ...أنا اكرهك "
وتهالكت على الأرض منزلقة من بين يديه تستمر في بكائها !!...أما هو كان ينزف ألماً على حالها ....فهي حبيبته التي ظنّ أنه لن يسمح بنزول دمعتها وها هي الآن تغرقه بشلالات من عينيها العسلية ولا يستطيع ايقافها لها ....!!....انحنى قليلاً اتجاهها ومسكها من ذراعيها ليساعدها على النهوض ...وقال بتعجب وداخله طوفان يكاد يغرقه :
" لا ادري لم تبكين ؟....أنا كنتُ أنتظر رؤية ضحكتك وأنت تتخلصين مني !! "

أزاحت يديه عنها ونهضت بعظمة اختلقتها هاتفة :
" أبكي أو أضحك لا شأن لك وإياك أن تلمسني لأني اكرهك ..أفهمت؟...أكرهك "

أجاب وعلى ثغره ابتسامة سقيمة مزيفة :
" فهمت....لقد كررتها كثيراً...."

ولّته ظهرها وبدأت تمشي بخطوات سريعة شبه راكضة حتى اجتازت سيارته....فقفز خطوات واسعة وركبها ولحق بها ...فتح النافذة وقال :
" هيا اركبي ..."


" لا اريد رؤيتك "


" اركبي وانظري للخارج لا تريني "

اسرعت في خطاها اكثر دون ان تجيب فهتف:
" اركبي ...هنا المنطقة مليئة بالكلاب الضالة ..!!"


" الكلاب أفضل من بعض البشر.."

نهرها بحزم :
" دنياا...لا تقللي أدبك...ما زلتِ تحملين اسمي ! "

قالت بغباء وهي تلهث من مشيها السريع :
" طلقني لتحافظ على اسمك المرموق "

أوقف سيارته ونزل منها ثم تبعها يمسك بها هاتفاً بصرامة :
" ستركبين أم أركبك أنا بطريقتي ؟؟!....هيا ...اختاري !.."

تأففت حانقة وركبت في المقعد الخلفي وفتحت النافذة تخرج راسها لأنها لا تطيق تواجدها معه بنفس السيارة ولا اختلاط أنفاسها بأنفاسه ولو بإمكانها ان تمد يديها لتخنقه لما ترددت! ...عندما ولج الى ساحة البيت لينزلها قالت بغطرسة وهي تترجل :
" انتظر دقيقة .."

استغرب من طلبها فدخلت البيت ثم أطلّت عليه تحمل هديته وتضعها على المقعد بجانبه :
" خذ هديتك ...لا اريدها .."

تضايق من ردّها لهديته فقال :
" ما ذنب الهدية ؟....اعتبريها من شقيقك !.."

رمقته بنظرة حارقة من شهديها المشتعلتين وهتفت :
" لن تكون شقيقي ابداً ولا تقارن نفسك به ....واعطي هديتك لعروسك تلك التي صممتها في دماغك !.."

قال ببرود أدّى لاستفزازها :
" ربما لا تحب التصوير !! ما أدراني.."


ردت بغيظ وهي تستعد للتوجه للمدخل :
" اذاً صوّرها أنت لتملأ غرفتك بصورها وتنام وتحلم بها .."

ودخلت وصفعت الباب خلفها وهو ينظر لطيفها محترقاً على فراقها ....

~~~~~~~~~~~~~~~~

في صباح اليوم التالي ذهبت للعمل دون أن آخذ هاتفيّ ...لقد نسيتهما...لكن لا بأس ..هذا أفضل لي....اريد ان ارتاح قليلاً من الاتصالات التي تلاحقني كوني (يامن )وكوني (هادي )...قررتُ الهروب والانعزال في غرفتي بالشركة حتى انني أغلقت الباب على نفسي وطلبت من سكرتيرتي والموظفين عدم الاقتراب مني وسحبت سلك هاتف المكتب من المقبس خاصته...لا اريد أي تأثيرات وتطفلات خارجية....هكذا سأنهي عملي الذي تراكم منذ يومين وسأنفّس عن نفسي قليلاً ....خلال النهار تذكرتُ أن خالتي كانت ستخبرني عن السيد (ماجد) وقاطعتها دون فهم القصة واليوم خرجتُ باكراً دون أن اراها هي وأبي (إبراهيم) الذي أخذ إجازة أسبوع عن عمله ليرتاح ويتفرّغ به لزوجته مريوما.......يا الله ستقلق عليّ الآن !....لا مفر من استعمال الهاتف ...اوف....نهضت من مكاني واوصلت السلك للمقبس...اتصلتُ في البيت لا من مجيب !!....يبدو أن زوجها سرقها لمكان ما ليعيد شبابه ....اتصلتُ على هاتفه الخاص فأجاب على الفور :
" أهلاً بالهارب ....ماذا سيد هادي....هل ذهبت للشركة من صلاة الفجر ؟!..."

قلت مازحاً :
" اريد ان اعوض عن غيابي قبل أن تخصم من معاشي !.."

أجاب بمكر:
"ماذا هل طابت لكَ الرحلات والتملّص من العمل ؟!....اتفقنا الذهاب ليوم واحد أم أن ابنة الوغد سحرتك وأوقعتك في شباكها ؟!.."

قلت بضيق:
" لم يوقعني أحد!!....عندما آتي ان شاء الله سأخبرك ماذا حصل معنا ؟!...لن اتأخر اليوم ..لقد التهمتُ الملفات بشراسة واقتربت للانتهاء من عمل الغد لأنني بعد يومين سأسافر للحدود للمعسكر لاستقبال الذخيرة الجديدة ......"

أكملت سائلاً بفضول:
" أين أنتما ؟...اتصلت في البيت حتى السيدة خولة لم ترد !!.."

قال :
" السيدة خولة في إجازة وانا خطفت خالتك لإحدى المنتجعات لنسترخي بعيداً عنكم أيها النكديون أنت وماجد وسليم....أشعر أنني عسكري في المعسكر بينكم..."

ضحكت وقلت :
"اذاً لا داعي لأن أعود باكراً!!..... أوصل سلامي وقبلاتي لمريومتي ....فلتهنآ في يومكما "

نهرني بمزاح :
" هيـه يا ولد ....ألم تكفكَ قبلات خاصتك وتأتي لتشاركني بخاصتي ؟!.."

زفرتُ أنفاسي هاتفاً :
" أبــي...اخرج هذا من عقلك !....أنت تعلم لا يوجد شيءٌ كما تعتقد بيننا ولن يكون بتاتاً ان شاء الله.."

هو وخالتي يريدان أن أعيش حياتي واستمتع في شبابي وخطوبتي وان لا اربط مشاعري بمهمتي ...كيف يحسبونها لا اعلم ؟!....صحيح اني غارق لكني أجاهد لأثبت للجميع أنني صامد ولن أقع في حبها فلا أريد أن يدرى أحد بحالي ...فلتبقى أحاسيسي وعواطفي سراً دفيناً في جُبّ قلبي الخائن !!....نعم , البارحة تحدّيت نفسي ان اختارتني سأشْهِر للعالم بأسره انها مليكة فؤادي لكن هذا كان مجرد سراب الحب مرّ في صحراء عقلي وزرع اوهاماً لا تثمر.....ربما ذاك الموقف كان كلسعة لأفيق من سباتي وأصمم اكثر على مهمتي ومحو حبها من طريقي ....سأحاول أن أكون رجلاً معها ولا أقسو عليها ...سأحاول ألّا ينبض نابضي نبضات العشق في جوارها....سأحاول ثم أحاول.........لكن .......كم محاولة باءت بالفشل ؟!!!

أنهى كلامه أبي (إبراهيم) قائلاً :
" استعدّ مساءً لاستقبال السيد ماجد المتأجج غضباً.....انه يتنفس سعيراً....ولم يخبرني أسبابه..!!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

يتناولن وجبتهن في مقصف الجامعة وتسرد لهما مغامرتها وهما تتفاعلان معها بحب وتشويق وكأنهما تشاهدان فيلماً مصوّراً حتى وصلت للكلمة التي رفعتها للسماء عند سماعها لكنها مثّلت انها لم تنتبه خوفاً من نكراني لها ..:

" كان أجمل شعور عندما جذبني تحت جناحه وقبّل رأسي برفق وهمس في أذني ...*اطمئني... يا ألمتي * ...كدتُ أقفز وأصرخ ....قال لي ألمتي يعني ربطني به ...هذه أجمل من كل كلام الغزل أن يناديني مع ياء الملكية ...يا الهي ...كيف ثبتُّ دون أن يغمى عليّ بين يديه ؟!...بتُّ أدمن همسه وكلامه والدفء الذي ينبع من حضنه ..."

قالت ( لميس ) بابتهاج من اجلها :
" يا عيني على الحب ...هذا هو الكلام المضبوط !!.."

أما (ميار) هتفت بغبطة مازحة :
" يا لحسن حظك ....اسمك يناسب مع ياء الملكية لكن انا ان أراد خطيبي ان يدعوني بها سيقول مرارتي بدل ميارتي ....اووف.....سأبحث عن اسم آخر يلائم للتملك وأغيره عن هويتي قبل ان يداهمني أي زلزال.."

ضحكتا عليها ثم أكملت (ألمى) قصتها الى حين خروجي من بيتهم مغتاظاً وهمست بقلق وحزن :
" لم يكن بإمكاني الذهاب معه!!....هذا يبقى أبي...لا استطيع اغضابه .....يكفي أنني تمردت عليه ولاحقت عنادي ...لكن هو خرج مستاءً دون ان يودعني والى الآن هاتفه مغلق ....هل يا ترى غضب مني وسيعود حائطاً كما كان بعد أن عيشني بقربه لحظات لا تنسى ؟!.."

أجابتها (ميار) :
" وضعك حرج صديقتي ....جفّت السنتنا ونحن ندعو لِيَلين ويصهر الحائط قليلاً .....وها هو بعد أن أصبح رمال متحركة صببتِ عليه الاسمنت ليتحجّر من جديد ويصلّب......لكن في النهاية يجب أن يعلم ان هذا والدك مهما كان ويحق له تربيتك كيف يشاء وهو لا سلطة له عليكِ لأنك لستِ في بيته !!.."

نظرت لها بترقّب مترجّية :
" يعني هل سيتفهم هذا الشيء أم سيستخدمه ليقسو عليّ ؟!... "

شردت (ميار) فأجابت عنها (لميس) :
" انتِ قلتِ انه ملتزم الى حدٍّ ما ...ان كان كذلك بالفعل لن يعاقبك ببرّك لوالدك وعلى العكس يجب أن يفتخر بكِ ....الفتاة التي تطيع أهلها ستطيع زوجها وترّبي ابناءها على الاحسان والبرّ ايضاً.....لا تقلقي ألمى....شخص مثله ترك أعماله ولحق بكِ لبلاد بعيدة لن يتخلّى عنك بسهولة أو يقسو عليك وهو الذي جاءك للعاصمة ليرمم قلبك مهما أخفى أو أنكر....أما بالنسبة لإغلاق هاتفه لا بد أن له أسبابه وستتضح لكِ لاحقاً.....ابعثي له رسالة جميلة مثلك ليقرأها عندما يفتحه..."
رمشت بعينيها مع ابتسامة على محيّاها توافقها على كلامها بارتياح.....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بما أن أهلي ليسوا في البيت أكملت عملي لبعد آذان المغرب وفي طريقي أردت ممارسة شيء أحبه فتوجهتُ للساحل لأستأجر دراجة مائية لأطوف على سطح الماء وأنسى الدنيا بمن فيها ...فأنا مجنون في عشق البحر ووحده من يفهمني ويتحمل ثوراتي وجنوني وعشقي وسكوني ...بعد ساعة من المتعة وتعديل المزاج استقليتُ سيارتي وقصدتُ بيتي ....عند وصولي للساحة رأيت سيارة السيد (ماجد) فصفعت جبيني من حماقتي....لقد نسيت انه بانتظاري !!....لا بد أنني سأسمع سيلاً من العتاب والملامة منه ومن أبي (إبراهيم )....نزلت من سيارتي أخذتُ شهيقاً وزفرته بتروّي استعداداً للمواجهة النارية ...فالمعلومات الأولى التي اخبرني بها أبي انه مضطرم ومشتعل بالإضافة لتأخري الآن واهمالي للموعد مؤكد سيلقي جمراته عليّ..!!.....سمّيت بالله وتسلّحت بالبرود وولجت الى المنزل بهدوء....وصلني صوته هادراً من غرفة الضيوف ....فتوجهتُ الى هناك في الحال :
" السلام عليكم..."

ردت خالتي السلام مع زوجها اما الآخر رمقني بنظرات قاتلة كأنني متهمٌ بجريمة ما ....ادّعيتُ اللا مبالاة وتوجهت للأريكة الزوجية وارتميتُ عليها سانداً ظهري للخلف وبدأت بفك ازرار قميصي العلوية وقلت ببرود:
" ماذا تنتظر ؟...إلقي قذائفك...ها أنا أسمعك."

فسألني السيد (ماجد) بصوت منخفض عكس الضجيج الذي يدور في داخله وهو يشدّ على فكيه :
" أين كنت هاذين اليومين؟!.."

نظرت اليه متعجباً مردفاً بنفس النبرة الباردة :
" لمَ؟...هل عليّ كتابة تقارير عن تحركاتي ؟!."

ضرب بقبضة يده الطاولة أمامه وزمجر صارخاً:
" ماذا تفعل بنا وبنفسك ؟!...ما هذه الفسحات والخروج مع ابنة عاصي ؟؟!...ها؟...اخبرني !!....وهل أبقيتَ هاتفك الخاص بنا في البيت عمداً كي تأخذ راحتك معها دون ازعاجات منا ؟!..... "


" ماذا تؤثر على عملك سيد ماجد هذه الفسحات وغيرها ؟!...هل اهملتُ دوري يوماً ؟!.....أما هاتفي كوني هادي لقد نسيته ثم لا حجّة لك , كان بإمكانك الاتصال على هاتفي الثاني ان كان امراً ضرورياً .."

قلت كلامي بنبرة مرتفعة ليجيبني بأعلى وأقسى :
" هل أتصل واخبرك ان عاصي يريد طبخ طبخة دسمة ستجعله يقفز قفزة مهمة للأمام ؟؟!....متى أصبحت أحمقاً هكذا ؟!....هل بإمكاني قول هذا لك على هاتف يامن الذي يستطيع التجسس عليه الوغد ان وضعك في دماغه ؟!...أتريدنا ان نخلط يامن بهادي لنُكشف بسهولة يا سيد؟! .."


صرخت بغضب :
" لا تقل أحمقاً .!!..ما هي هذه الطبخة.. قل لي لأحرقها له قبل ان يشعل الموقد ؟! "

ضحك ضحكة عميقة ساخرة:
" ان كنت تريد سنسكب لك طبقاً سيد هادي......لقد طبخها وغسل الأواني وأنت تتفسح مع ابنته أيها البطل ....!"

قطب حاجبيه وأكمل بصوت خشن :
" هل كان هذا في بنود اتفاقنا ؟!...أنت تفعل عكس ما نقول...."

أدار وجهه لأبي (إبراهيم) دون ان ينتظر ردي وتابع مبتسماً بقهر :
" لم اكمل لك ما حدث....جاء البطل وقطع قصتنا ..."

رفعتُ حاجبي بتأهب لأصغي لقصته وكذلك فعل أبي بفضول فقال:
" والسيد ظنّ نفسه عنتر بن شداد وتواجه مع الوغد دفاعاً عن ابنته ....لقد فعل ما خشيناه وهو ان يزعزع ويوتر علاقته به .....تفضل اخبرني ماذا سنفعل الآن وكيف سنصلح الأمور ؟!.."

قلت هادراً بعد ان تهدجت أنفاسي :
" هل أقف وأشاهد وهو يضربها سواء هي او غيرها ؟!....ثم انه اعطاني كلمة وخدعني ....لذا لم اعد أرى أمامي وتمنيت لو سحقته تحت قدمي ذاك الحقير.."

أجاب بتهكم وجفاء :
" يضربها او يحرقها فليذهبا الى الجحيم سوياً ...هي ابنته أنت ما شأنك يا هذا ؟؟!....أما مسألة انه خدعك ...يا حسافة.....ألم اقل لك أصبحت احمقاً ؟!...هل يؤتمن للأفعى والعقرب ....هل تثق بقاتل وخائن يا ..يا قائدنا القادم ؟!..."

أخفض صوته وأردف بتوجس :
" أم أنك وقعت في سحر ابنته ورفعت رايات الاستسلام من اجلها يا ابن محيي الدين ؟؟!.."

فززتُ من مكاني وصرخت حتى برزت عروقي وعيناي كالجمر الملتهب :
" كفـــى...كفــــى.....لا اريد سماع شيء !!"

ثم وليّتهم ظهري صاعداً السلالم قاصداً غرفتي ووصلني صوته هاتفاً :
" اهرب ....لنرى الى اين ستصل في هروبك !.."

بعد أن تلاشيتُ صوتاً وصورة من امامهم ...قال أبي (إبراهيم) :
" لقد قسوت عليه ماجد....ما بك هكذا ؟!....صفقة الوغد ليست نهاية الحياة ..سنتداركها بإذن الله...اما شجاره معه سأعتذر منه بطريقتي ...اطمئن...اعرف من أي المداخل آتيِه ......وبالنسبة لابنته انا وخالته لا نرى ضرراً او مشكلة ان احبها ....هي فتاة رقيقة ,مسالمة وبريئة وكأنها ليست من صلب النجس والآن هي حلاله ....لقد كبر قبل اوانه ولم يعش عمره ...الا يستحق أن يعشق ليجد شيئاً يحببه بالحياة ويعوضه عمّا فقد في الماضي ؟!.....لمَ تظن ان حبه لها سيجعله يخفق في مهمته ؟!....والده خير مثال.."
نظر الى خالتي واردف :
" ها هي مريم مؤكد تذكر أيامه....لقد ذاب عشقاً في شقيقتها وتفطرت قدماه وهو يلحقها حتى فاز بها ولم يزده قربها الا عشقاً ولم يزده عشقه لها الّا قوة واصراراً في مهماته ....ألا يمكن أن يكون ابنه يمشي على دربه تماماً ؟!.....لا تستهين به ولا تخسره بغضبك الذي ما من داعي له .....أنا اثق بابني يامن كما أثق بهادي ابن محيي الدين رحمه الله ..."

اعترض السيد (ماجد) قائلاً :
" إبراهيم ماذا تهذي ؟....هنا لا مجال للمقارنة...والده أحب اصيلة ابنة اصيل....اما هنا مهما تكون تبقى ابنة عدوه ...شتّان بينهما......أنا اثق بعقل هادي لكن لن أثق بقلب يامن !.....قلب يامن سيرسل هادي الى الهاوية !!.."

ابتلعت خالتي ريقها وسألت بخوف:
" وماذا ان كان قلب هادي احبها قبل يامن ؟!.."

حدّجاها باستغراب وسألا:
" ماذا تقولين؟... "

اخفضت عينيها بأسى وهمست :
" يبدو انه متعلق بها منذ زمن وقبل معرفته بحقيقة والدها..!!...لكننا ظننا انا ووالدته بأنها مشاعر المراهقة وستنقرض مع الزمن !!....فماذا ان احبّها الان قلبيّ هادي ويامن ؟!...لمَ تقول سيد ماجد انه سيقع في الهاوية ؟!.."

حوقل وأجاب :
"اذا أراد الوصول الى غايته وربح هذه المعركة ....يجب ان يدوس على مشاعره اتجاهها والّا..."

قاطعته بقلق :
"والّا ماذا ؟!."

قال:
" والّا سيضيع المخطط بأكمله ...هي هنا مصدر ضعف له وليست قوة كأمه لوالده ...اذا تعلّق بها سيخشى ضياعها منه مما يجعله ان يتهوّر ولا يتحكم بردود افعاله وها انا اخبرتكما ماذا فعل أمس ..وربما القادم يكون اسوء ان ازداد تعلّقاً وهكذا سيكشف نفسه أمام والدها بحماقة ويقلب كل شيء ضده......وربما سيغدره الخسيس دون ان نشعر وسنقول ..يا ليت.. بعد فوات الأوان !!....انا لا اقسو عليه الّا لمصلحته حتى أنني لم اخبر سليم بهذا الأمر.."

شهقت مفزوعة تضع يدها على صدرها وقالت :
" اقترب موعد سفرنا الى البلاد..."

حدّقا بها ينصتان بإمعان لما تقول فهتف أبي (إبراهيم):
" نعم وما الجديد بذلك؟."

همست بألم :
" أعلم انه سيكون قاسي عليه جداً ولكن ليس اقسى واصعب مما سيوقع نفسه به.."

رفع السيد (ماجد) حاجبه سائلاً بفضول:
" ما هو ؟!"

ردت:
" فلتخبرا السيد سليم الأسمر بكل شيء حتى لو خاصمكما هادي...فهو له مكانة وهيبة كبيرة عنده منذ طفولته ..وليلعب على الوتر الحساس حتى لو ضغط عليه مجبراً عند ذهابنا الى هناك.."

قال أبي (إبراهيم) مستبعداً الأمر :
" لا اظن ذلك....أنت تعلمين جيداً تمرده وعناده !!.."

ابتسمت بثقة واجابت بهدوء :
" الّا بما يخص والده..!!"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

اكثر شيء تكرهه هو اعطاءها مهمة نشر الغسيل ....كانت تقوم بعملها في المكان المخصص لذلك قرب الحديقة ....ترتدي بنطال جينز ضيق وبلوزة نصف كم بيضاء ضيقة وتربط شعرها الترابي كذيل الحصان ....تتأفف حانقة من هذه المهمة التي توكلها بها أمي اغلب الأحيان ...بعد انتهائها مما كان بين يديها ...حملت السلة واتجهت نحو المدخل فدلفت سيارته الى الساحة دون سابق انذار !!.....لا يأتي بهذا الوقت وبعد انفصالهما المبدئي قلل من زيارته لهم مع أن حب والدتي اتجاهه لم يقل واحترمت قراره الذي هو من حقه وخصوصاً انها تعلم ان ابنتها السبب في كل هذا وتؤمن ايضاً بالنصيب ....!!.....ارتبكت وتسمرت مكانها ...ما كان عليه رؤيتها هكذا حتى لو ان عقد القران ما زال ساري المفعول ....لمحت بجانبه خالته التي جاءتهم بزيارة من القرية القريبة لمدينتنا ومعها ابنتها الشقراء الغير محجبة وتكبرها بسنتين رأتها يوم حفلة عقد القران...انها فتاة مدللة ومتحررة بعض الشيء ...هي الأكثر شبهاً بـ (سامي) فكليهما أخذا جينات جدتهما والدة والدتيهما ....لما رأتاها لوّحتا لها فأجبرت للاقتراب لتحييهما وتسلّم عليهما وهمست :
" تفضلا خالتي لتشربا قهوتنا ..."


" شكراً بنيتي ..يجب العودة للبيت لقد استأخرني زوجي ...ان شاء الله نشربها في الأفراح !...اوصلي سلامنا لأمك .."

ترجّل من السيارة واتجه نحو المدخل ثم ناداها ....انصاعت له بتصنع امامهما والّا لجعلته ينفجر في مكانه ولن ترد عليه ....اقتربت منه فهمس من بين اسنانه بغيظ :
" كيف تخرجين بهذا اللباس للساحة ؟!.."

قالت ببرود لتستفزه والنسمات تنثر عطره الذي غاب عن بيتها باتجاهها وتبعثر احاسيسها في الداخل :
" لم اظن ان الغرباء سيقتحمون بيتنا في هذا الوقت ثم ما دخلك أنت وحتى ان خرجت بلباس البحر ؟!.."

رد بخفوت والنيران تلتهم احشاءه من لباسها هذا الذي حدد جسدها بجاذبية وتسريحة شعرها التي جعلت عينيّ الشهد الواسعتين تبرزان اكثر :
" دنياا...سأقولها للمرة المليون ....لا تنسي أنني أُعدّ زوجك الى الآن لذا لا تستفزيني بطول لسانك وعنادك....والّا سأريك جانب لم تريه بي !!....ادخلي بسرعة ونادي شادي .."

كان يريد اصطحابه معه لإعادة خالته وابنتها للقرية ....

قالت مجازفة بغيرة وعناد وتهكم :
" لست زوجي ...ولست خدامة لك لأنادي لك من تريد....واذهب لخطيبتك الجديدة التي بالسيارة والبسها الحجاب أولى من ان تتحكم بالغرباء...آه صحيح تلائمان بعضكما...نفس الشقار والغلاظة سبحان الله.....والأقربون أولى بالمعروف سيادة...الضابط...سامي.."

زفر أنفاسه وضرب ساقيه ناظرا للسماء مستغفراً ومتمتماً :
" صبرٌ جميل والله المستعان "

ثم سحبها من ذراعها للداخل ودفعها صارخاً بها :
" اصعدي للأعلى ولا تريني وجهك ...لا أعلم من أي طينة مجبولة أنتِ...لا تمتلكين ذرة مشاعر ولا مكابح لديك لطول اللسان ...مغرورة بشكل لا يعقل..."

انتفضت مجفلة من كلامه وصعدت السلالم راكضة بعينيها ضبابية الرؤيا ثم دخلت غرفتها صافعة الباب خلفها وارتمت على سريرها تبكي ماءً صديداً من قسوته معها .....

×
×
×

تشابكت الأيام ببعضها وكتبت اسبوعاً من الزمن ....كانت والدتي في المطبخ تطهو الغداء وشقيقتي تمسك بيد ابريقاً زجاجياً مليئاً بالماء تسكب منه بالكأس بيدها الأخرى لتشرب......دلف (شادي) مسرعاً عائداً من مدرسته وأنفاسه قطعت ...يلهث بقوة ويضع يده على صدره مع انحناءة بجذعه ....وجهه مكفهرٌّ أقرب للبكاء...اضطرب فؤاد امي من مظهره ...دنت منه تسأل بقلق :
" على مهلك بني...ما بك؟...اخبرني !! "

أحدث الابريق والكأس صوتاً صاخباً اثر تهشيمهما لارتطامهما في الأرض والمياه تحفر مستنقع على البلاط وتلحق هي بهم تجثو غير آبهة لحالها ودون شعورها بالزجاج المكسور الذي غرز بركبتيها وكفيها بعد أن وصلها جوابه المتقطع لأمي :
" سـ...سيارة أخي سـ...سامي....الخاصة بالـ...بالـشرطة ...و...وقعت عـ..عن المنحدر من أعلى...الـ...الجبل...أثناء ملاحقتهم سيارة مسروقة "



*********( انتهى الفصل الثالث عشر )*********




قراءة ممتعة ان شاء الله...:

استغفر الله العظيم واتوب اليه


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 03:30 AM   #142

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 2 والزوار 1)

‏موضى و راكان, ‏غصة في روحنا



تسلمى ألحان الربيع على الفصل الممتع ذو الخاتمة المفجعة .... رجاءا لا تفجعينا فى سامى ربنا يحفظه

دمتى بكل خير


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 09:16 AM   #143

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,559
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الخير اختي ألحان الربيع.
**دعوة من لا ناصر له إلا الله**أبكيتني حبيبتي من مشهد الأم المكلومة وهي تريد اولادها وتتهم نفسها بالتقصير وهي من تذوى من أجلهما
يا إلهي كم هي الحياة غير عادلة تمنح من لا يستحق وتسحق الضعفاء
دعوة السيدة لهادى ليس بينها وبين الله حجاب وسيرزق فضلها براحة البال والأحباء وما أجملها من دعوة من قلب صادق ونفس عاجزة
"كل شخص ينظر في عين قلبه" رائعة تلك المقولة وليت كلا منا يحكم قلبه ويتعامل من خلاله لخلت الدنيا من المعذبينx أمثال أم إيان
والله يا أختي أكثر من يعانون بهذه الحياة من كان لهم قلبا يخشع وعينا تدمع فهم يفعلون الخير ولا يسلمون من اذى الآخرين والذين ينظرون اليهم علي أنهم من السذج بسبب حسن ظنهم وثقتهم بأن الله سيعوض صبرهم وعطائهم خيرا
أعلم ردك مسبقا فلله الحمد اقرا الكثيروx احفظ الكثير من الأحكام واوقن بها ولا يثنيني شئ ما دمت اتبع قلبي لكنهم البشر هم من يحزنونا ويخذلونا كثيرا.

وبالنسبة للغمازات هي فعلا قصور عضلي ولكنها تعطي جمالا غير طبيعيا كم أعشقها وأيضا طابع الحسن وهو الشق الذى يكون بالذقن يعطي جمالا مميزا .
وعفوا فقط لا أدرى لماذا هو موجود بكثرة عند الرجال وليس النساء فهم عندهم تفاحة آدم تلك التي بالحلق فتكفيهم وليتركوا طابع الحسن للنساء
**الجهاد والعلم** هما متلازمتان فعلا تحيا بها الأمم فالعلم بصفة خاصة هو من ينقي الجهاد من شوائب يلصقها به بعض المتشددين أو يعلونه علي كل القيم الأخرى بمفهوم خاطئ قد يضحون في سبيله بمثل عليافيذهب ضحايا له بعض الابرياء بحجة ان كل هدف نبيل له ضريبته
*الحب موتا*حب هادى لالمي يجعلها هي وما ينتمي لها من اولاد له فحسب وليست لغيره الا بموته.
ما أصعب ان يكون المرء عاشقا حد الموت يائسا حد الحياة من أن يلتئم شمله ومن يحب

خفت كثير من عنوان الفصل وارتجفت لا اريد لأى من ثنائيتنا أن يبعد عن الآخر
وقد فهمت معناه الآن كانت هذه رؤيةسامي ولكنها تنطبق أيضا علي هادى اذا اختارت ألمي أبيها ولكنه مخطئ فعلي كل مساوئ عاصي الا انه يظل ابيها والذى لا يجب أن تختار خطيبها عليه
ولا اعتقد أن عهده لنفسه بان يظل بجانبها كاتما مشاعره سيستطيع الوفاء به كما ادعي امام ابراهيم وخالته
فمن يستطيع أن يحكم زمام قلبه ويقبض علي مشاعره
وما أجمل أن يكون لألمي اصدقاء مثل ميار ولميس يتفهمونها ويقدمون لها النصح السليم الذى لا يخلو من الفكاهه المحببة

وربي يا أختي انك باسلوبك الجميل تجعلين من عمل الخير متعة يجب أن نسعي اليها لنحظى بالسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة
ومن لا يسمع قصة والد إيان وهو يقص بكل القهر احساسه بفقدان زوجته وولديه الذى هو أشد من فقدان ساقيه وعجزه بهذا الشكل عن حماية اسرته بلا ذنب جناه هو او غيره من اللاجئين

*لم تحصل حتي ضفدعة*أن بتمني المرء أن ينادى بكنية كان يكرهها فمعني ذلك هو وصوله الي قمة الشوق لمن ينعته بها ومع ذلك ما زالت دنيا تكابر
أعذرها بعض الشئ لأن رجوعها عن عنادها سيظهرها كالطفلة المدللة
ولكن لا يضيم المرء أن يعترف بخطأه ومحاولة إستعادة شعورا أضاعته هي بتصرفاتها الصبيانية
فماذا عليها لو حادثت سامي وأبدت له افتقادها له أو حتي لجأت لتحايل الانثي بسؤاله لماذا يتجنبها أوx لم كف عن مناداتها بتلك الالفاظ التحببية التي كانت تدعي كراهيتها بينما تحوم كالجرو الضعير حول شادى لتتقفي أخباره
فليتها تفلح في تطبيق ارشادات رقيقة القلب سلمي
**البنت لأمها**ما أجمل مبررات سامي لخطبته لدنيا فأم كعائشة لن تورث ابنتها الا كل جميل
دنيا وصلت بسامي لآخر ما لديه فبعد حديثه الذى خرج من القلب واصطحابه لها لاعز مكان لديه ورؤية اسمها محفورا بجوار اسمه وحلمه بان تكون له ام وشقيقة وصديقة وحبيبة
وبالطبع هي لم تبد شيئا من هذا وآخرها تصرفها الذى يوحي لانها ليست بحاجته .
كنت أتوقع أن تتصرف بمنطلق القلب و العقلx تخبره بما يجيش في نفسها فهي لا تعترف بما في قلبها
وببدو أن صبره وإحتماله لدلالها افقدها القدرة علي التراجع والإعتراف بالخطأ فكان مصير خاتميهما السقوط في هاوية الجرف
أرى ان سامي فعل ما عليه ويزيد وأن دنيا اذا استمر ت علي ذلك المنوال ستخسره بالفعل وما اسوأ ان يخسر الانسان شخصا عاشقا جبل علي العطاء
حتي غيرتها التي انتابتهالرؤيته مع خالتها وإبنتها الشقراء قطرت كلمات كالسم الزعاف كان سامي ليسعد لو استشعر غيرتهاعليه وليس عنادها وتجبرها والذى حتي امها التمست له العذر واعتبرت ان الزواج قدر ونصيب ربما لم يكتب لابنتها
حقا ان العناد هو تؤم الكفر

**لم تعتبريني ابناً ولا صديقاً ولا حتى شقيقاً ولا اباً وبالطبع لا حبيباً او زوجاً كما اريد ان أكون بنظر شريكة حياتي.... مع الأسف خاب ظني!! ....ارتباطي بك هو استنزاف لطاقتي التي يحتاجها وطني وأهلي واصدقائي وأبناء شعبي ..!!... لا استطيع**

ما اجمل عبارتك تلك علي لسان سامي لخصت كل شئ
**الواجب امام القلب**لا اعتقد ان حب هادى لألمي سيقف عائقا امام مهمته ليقسو عليه ماجد بهذا الشكل وكأنه غر صغير ستضحك عليه فتاة هي البراءة نفسها
مهمة هادى تمنعه بالفعل من الانسياق وراء مشاعره ولكن ان يوجهه له ماجد علي انه مقصر وانه ليس محي الدين أمرا صادما جدا
اظنه سيؤثر في طريقة تعامله القادمة مع ألمي بشكل سلبي
أما تلك الخاتمة الرهيبة فأعلم أن اختي الحبيبة لن تفجعنا في سامي وأنه سيكون قد قفز قبل سقوط السيارة
واعتقد هذه آخر إشارة لدنيا اذا لم تتخذ خطواتها تجاه سامي فهي ليست جديرة به فليس بعد الموت عذر
سلمت يداكي حبيبتي علي الفصل المذهل الرائع بكل أحداثه وبأجمل العبارات التي استخدمتها فعلا بشكل بديع كمشكاة تضئ قلوبنا بالبر والاحسان والامل
وبعيدا عن الفصل الرائع الذى حليت به ساعات يومي الاولى
عام سعيد عليكي حبيبتي انت وقمريك وأسرتك كلها
عاما لا ترين به الا كل الفرحة والسعادة والرضا من الله ولا يطرق بابك حزنا ولا ألما أبدا
دمتي بكل الحب والمودة التي انت اهلا لها يا أغلي الاصدقاء
بانتظار الفصل القادم علي أخر من الحمر أرجوكي لا تفجعيني في سامى حبيبة قلبي طيوبة انت ولن تفعليها


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-01-22, 06:49 PM   #144

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Icon26

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 2 والزوار 1)

‏موضى و راكان, ‏غصة في روحنا



تسلمى ألحان الربيع على الفصل الممتع ذو الخاتمة المفجعة .... رجاءا لا تفجعينا فى سامى ربنا يحفظه

دمتى بكل خير

الله يسلمك ويحفظك اختي موضى ...نورتيني ووجودك بيننا أمتع .....
طهور ان شاء الله فقد علمنا من اختنا شيزو انك كنتِ مريضة. ...يارب ما تشوفي شر ويرزقك دوام الصحة والعافية


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-01-22, 12:13 AM   #145

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الخير اختي ألحان الربيع.
**دعوة من لا ناصر له إلا الله**أبكيتني حبيبتي من مشهد الأم المكلومة وهي تريد اولادها وتتهم نفسها بالتقصير وهي من تذوى من أجلهما
يا إلهي كم هي الحياة غير عادلة تمنح من لا يستحق وتسحق الضعفاء
دعوة السيدة لهادى ليس بينها وبين الله حجاب وسيرزق فضلها براحة البال والأحباء وما أجملها من دعوة من قلب صادق ونفس عاجزة
"كل شخص ينظر في عين قلبه" رائعة تلك المقولة وليت كلا منا يحكم قلبه ويتعامل من خلاله لخلت الدنيا من المعذبينx أمثال أم إيان
والله يا أختي أكثر من يعانون بهذه الحياة من كان لهم قلبا يخشع وعينا تدمع فهم يفعلون الخير ولا يسلمون من اذى الآخرين والذين ينظرون اليهم علي أنهم من السذج بسبب حسن ظنهم وثقتهم بأن الله سيعوض صبرهم وعطائهم خيرا
أعلم ردك مسبقا فلله الحمد اقرا الكثيروx احفظ الكثير من الأحكام واوقن بها ولا يثنيني شئ ما دمت اتبع قلبي لكنهم البشر هم من يحزنونا ويخذلونا كثيرا.

وبالنسبة للغمازات هي فعلا قصور عضلي ولكنها تعطي جمالا غير طبيعيا كم أعشقها وأيضا طابع الحسن وهو الشق الذى يكون بالذقن يعطي جمالا مميزا .
وعفوا فقط لا أدرى لماذا هو موجود بكثرة عند الرجال وليس النساء فهم عندهم تفاحة آدم تلك التي بالحلق فتكفيهم وليتركوا طابع الحسن للنساء
**الجهاد والعلم** هما متلازمتان فعلا تحيا بها الأمم فالعلم بصفة خاصة هو من ينقي الجهاد من شوائب يلصقها به بعض المتشددين أو يعلونه علي كل القيم الأخرى بمفهوم خاطئ قد يضحون في سبيله بمثل عليافيذهب ضحايا له بعض الابرياء بحجة ان كل هدف نبيل له ضريبته
*الحب موتا*حب هادى لالمي يجعلها هي وما ينتمي لها من اولاد له فحسب وليست لغيره الا بموته.
ما أصعب ان يكون المرء عاشقا حد الموت يائسا حد الحياة من أن يلتئم شمله ومن يحب

خفت كثير من عنوان الفصل وارتجفت لا اريد لأى من ثنائيتنا أن يبعد عن الآخر
وقد فهمت معناه الآن كانت هذه رؤيةسامي ولكنها تنطبق أيضا علي هادى اذا اختارت ألمي أبيها ولكنه مخطئ فعلي كل مساوئ عاصي الا انه يظل ابيها والذى لا يجب أن تختار خطيبها عليه
ولا اعتقد أن عهده لنفسه بان يظل بجانبها كاتما مشاعره سيستطيع الوفاء به كما ادعي امام ابراهيم وخالته
فمن يستطيع أن يحكم زمام قلبه ويقبض علي مشاعره
وما أجمل أن يكون لألمي اصدقاء مثل ميار ولميس يتفهمونها ويقدمون لها النصح السليم الذى لا يخلو من الفكاهه المحببة

وربي يا أختي انك باسلوبك الجميل تجعلين من عمل الخير متعة يجب أن نسعي اليها لنحظى بالسعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة
ومن لا يسمع قصة والد إيان وهو يقص بكل القهر احساسه بفقدان زوجته وولديه الذى هو أشد من فقدان ساقيه وعجزه بهذا الشكل عن حماية اسرته بلا ذنب جناه هو او غيره من اللاجئين

*لم تحصل حتي ضفدعة*أن بتمني المرء أن ينادى بكنية كان يكرهها فمعني ذلك هو وصوله الي قمة الشوق لمن ينعته بها ومع ذلك ما زالت دنيا تكابر
أعذرها بعض الشئ لأن رجوعها عن عنادها سيظهرها كالطفلة المدللة
ولكن لا يضيم المرء أن يعترف بخطأه ومحاولة إستعادة شعورا أضاعته هي بتصرفاتها الصبيانية
فماذا عليها لو حادثت سامي وأبدت له افتقادها له أو حتي لجأت لتحايل الانثي بسؤاله لماذا يتجنبها أوx لم كف عن مناداتها بتلك الالفاظ التحببية التي كانت تدعي كراهيتها بينما تحوم كالجرو الضعير حول شادى لتتقفي أخباره
فليتها تفلح في تطبيق ارشادات رقيقة القلب سلمي
**البنت لأمها**ما أجمل مبررات سامي لخطبته لدنيا فأم كعائشة لن تورث ابنتها الا كل جميل
دنيا وصلت بسامي لآخر ما لديه فبعد حديثه الذى خرج من القلب واصطحابه لها لاعز مكان لديه ورؤية اسمها محفورا بجوار اسمه وحلمه بان تكون له ام وشقيقة وصديقة وحبيبة
وبالطبع هي لم تبد شيئا من هذا وآخرها تصرفها الذى يوحي لانها ليست بحاجته .
كنت أتوقع أن تتصرف بمنطلق القلب و العقلx تخبره بما يجيش في نفسها فهي لا تعترف بما في قلبها
وببدو أن صبره وإحتماله لدلالها افقدها القدرة علي التراجع والإعتراف بالخطأ فكان مصير خاتميهما السقوط في هاوية الجرف
أرى ان سامي فعل ما عليه ويزيد وأن دنيا اذا استمر ت علي ذلك المنوال ستخسره بالفعل وما اسوأ ان يخسر الانسان شخصا عاشقا جبل علي العطاء
حتي غيرتها التي انتابتهالرؤيته مع خالتها وإبنتها الشقراء قطرت كلمات كالسم الزعاف كان سامي ليسعد لو استشعر غيرتهاعليه وليس عنادها وتجبرها والذى حتي امها التمست له العذر واعتبرت ان الزواج قدر ونصيب ربما لم يكتب لابنتها
حقا ان العناد هو تؤم الكفر

**لم تعتبريني ابناً ولا صديقاً ولا حتى شقيقاً ولا اباً وبالطبع لا حبيباً او زوجاً كما اريد ان أكون بنظر شريكة حياتي.... مع الأسف خاب ظني!! ....ارتباطي بك هو استنزاف لطاقتي التي يحتاجها وطني وأهلي واصدقائي وأبناء شعبي ..!!... لا استطيع**

ما اجمل عبارتك تلك علي لسان سامي لخصت كل شئ
**الواجب امام القلب**لا اعتقد ان حب هادى لألمي سيقف عائقا امام مهمته ليقسو عليه ماجد بهذا الشكل وكأنه غر صغير ستضحك عليه فتاة هي البراءة نفسها
مهمة هادى تمنعه بالفعل من الانسياق وراء مشاعره ولكن ان يوجهه له ماجد علي انه مقصر وانه ليس محي الدين أمرا صادما جدا
اظنه سيؤثر في طريقة تعامله القادمة مع ألمي بشكل سلبي
أما تلك الخاتمة الرهيبة فأعلم أن اختي الحبيبة لن تفجعنا في سامي وأنه سيكون قد قفز قبل سقوط السيارة
واعتقد هذه آخر إشارة لدنيا اذا لم تتخذ خطواتها تجاه سامي فهي ليست جديرة به فليس بعد الموت عذر
سلمت يداكي حبيبتي علي الفصل المذهل الرائع بكل أحداثه وبأجمل العبارات التي استخدمتها فعلا بشكل بديع كمشكاة تضئ قلوبنا بالبر والاحسان والامل
وبعيدا عن الفصل الرائع الذى حليت به ساعات يومي الاولى
عام سعيد عليكي حبيبتي انت وقمريك وأسرتك كلها
عاما لا ترين به الا كل الفرحة والسعادة والرضا من الله ولا يطرق بابك حزنا ولا ألما أبدا
دمتي بكل الحب والمودة التي انت اهلا لها يا أغلي الاصدقاء
بانتظار الفصل القادم علي أخر من الحمر أرجوكي لا تفجعيني في سامى حبيبة قلبي طيوبة انت ولن تفعليها

يا هلا بكل الغلا😍

( كل شخص ينظر في عين قلبه)
بآمن بهذه المقولة لأنه هذا ما اراه بالواقع....يعني مثلا لما بتكوني صادقة وقلبك صادق بتفكري كل الناس مثلك ...هيك قلبك بشوف....الطيب بنظره الكل طيب.....والكاذب بشوف الناس مثله كذابين .....الشرير بشوفهم اشرار .....حتى المواقف الصعبة بالحياة اذا اخذناها بقلب سليم بتهون علينا كثير....اذا اخذناها بقلب جاحد غير راضي ...أبسط موقف بنلاقي في عيوب وبنضخمه ......


وانا مثلك بحب الطابع الحسن وفعلا مميز😍...


هادي قال لن يلومها ان اختارت والدها ولكن هذا بالنسبة له كان صورة للمستقبل اي انها ايضاً ستختار وتفضل والدها عليه لذا قطع الامل من جديد.....اما مشاعره سنرى ان شاء الله في الفصول القادمة لاحقاً ان كان يستطيع التحكم في زمام قلبه هههههه


ألمى وجدت صديقتين جميلتين وكانتا تعويضاً لها عن طفولتها يتيمة الصداقة ...


ليس اسلوبي الجميل بل عين قلبك هي الجميلة وترى كل شيء جميل يا طيبة❤❤❤

اما والد أيان فكم من قصة حقيقية تشبهها يعيشونها اخواننا اللاجئين في كل مكان مع الأسف...😥😥

الضفدعة ونقيقها المزعج ههههه سنرى ماذا سيحصل معها بعد حادث سامي والى اين ستقفز 😶

البنت لأمها هذه تقال عندنا عند البحث عن عروس .....فإن كانت الحماة جيدة سيكون سعيد هههه والّا فلينتظر النكد 🤣🤣

دنيا جرحت سامي بموقفها في الجامعة كوصيّ عليها لم تعيره أي اهتمام خصوصاً انه حصل قبل سفره للعاصمة أي كان متواجد ومن السهل اشراكه بمسألة كهذه لأن الفتاة لم تتوقف عن ازعاجها


نعم ماجد كان قاسي معه لكن من خوفه عليه وعلى المهمة وبعكس ابراهيم الذي يشجعه على عيش الحب ويثق بقدراته
لكن برأيي ان تعطي ابنك الثقة أفضل وأقوى من ان تشعريه بالخوف عليه.....

كم من اشياء يعيشها الانسان ويندم عليها يوم لا ينفع الندم .....اعتذر عن الخاتمة 🙈🙊🙉 ونلتقي بالفصل القادم باذن الله😘...


أنتِ المذهلة بكلماتك وعباراتك وتحليلاتك والقلوب عند بعضها ...انا التي يحلو صباحي معك ويكون كوقود لي ليوم السبت خاصة فانا ازور اهلي جمعة وسبت للمبيت ويكون السبت حااافل بالعمل والضجيج بسبب تجمع الأحفاد وقردنتهم ههههه اي اولادي واولاد اخوتي فكلامك يجمّل يومي الصاخب المتعب وعند عودتي للبيت يتسنّى لي الرد بهدوء 😁😁

ويارب كل ايامك وسنينك تكون حب وسعادة وقرب الى الله وان يفرحك بجميلاتك ويجعلهن باعلى مراتب الدنيا والدين يا غالية ⚘⚘⚘💕💕💕

في أمان الله دائما🌹🌹

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-22, 11:26 PM   #146

لبنى البلسان

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية لبنى البلسان

? العضوٌ??? » 462696
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 5,543
?  نُقآطِيْ » لبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond repute
افتراضي



مساء الخير ألحان فصل جميل جدا كما عودتنا
لكن النهاية مخيفة اتمنى انك ماانهيت حياة سامي
انتظر الفصل القادم بفارغ الصبر لمعرفة ماحدث مع سامي
يعطيك الف عافية وتسلم اناملك




shezo likes this.

لبنى البلسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-22, 11:09 PM   #147

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لبنى البلسان مشاهدة المشاركة


مساء الخير ألحان فصل جميل جدا كما عودتنا
لكن النهاية مخيفة اتمنى انك ماانهيت حياة سامي
انتظر الفصل القادم بفارغ الصبر لمعرفة ماحدث مع سامي
يعطيك الف عافية وتسلم اناملك




أسعدَ الله قلبك مثلما وجودك وردك يسعدني ..... ...انتِ وباقي اخواتي مصدر دعمي وسعادتي

الله يعافيكِ ويسلمك يا وردة

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-22, 11:20 PM   #148

سكون ليلة
 
الصورة الرمزية سكون ليلة

? العضوٌ??? » 483780
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 142
?  نُقآطِيْ » سكون ليلة is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله

رواية جميلة وشيقة أتابعها منذ فصولها الأولى أعجبني أسلوب الكتابة لكن لدي ملاحظة صغيرة بخصوص توزيع الأحداث على الفصول فألاحظ أن الفصل الواحد يميل ليكون حول شخصية واحدة او حدث واحد ومع هذا لا ينقص شيء من روعة هذه الرواية أستمري وننتظر القادم بفارغ الصبر

shezo likes this.

سكون ليلة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-01-22, 12:06 AM   #149

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سكون ليلة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله

رواية جميلة وشيقة أتابعها منذ فصولها الأولى أعجبني أسلوب الكتابة لكن لدي ملاحظة صغيرة بخصوص توزيع الأحداث على الفصول فألاحظ أن الفصل الواحد يميل ليكون حول شخصية واحدة او حدث واحد ومع هذا لا ينقص شيء من روعة هذه الرواية أستمري وننتظر القادم بفارغ الصبر

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أنرتِ الرواية أختي سكون ليلة وتشرفت وسُعدت بتواجدك معنا .....كلك ذوق على لطف كلماتك

لكِ جزيل الشكر على ملاحظتك الجميلة التي سأضعها في عقلي لأتقدم باذن الله .... فأنا أحب الملاحظات والنصائح لأتعلم واتفادى اخطائي ان وفقني الله بغيرها......لأن هذه تجربتي الاولى ولم اتوقع في حياتي ان اكتبها ههههه.... لا اعلم من اين أتت وجازفت بنشرها حتى أحياناً كثيرة ندمت على ذلك......كنت أكتفي بهواية الرسم وكتابة الخواطر وحتى قراءة الروايات يُعد من جديد بدأت بها هههه لذا خبرتي ضعيفة جداً وتعابيري بسيطة .....

أما الرواية هي أساساً بطلها هادي وألمى ولنقول والدها ايضاً كسبب ..والبقية مساعدين وثانويين وقد ذكرت في البداية ان البطل يرويها كأنها على دفتر يوميات لذا تكون الاحداث تابعة له بالاكثر وبما يخصه وأتمنى ان لا يشعركم هذا بالملل فاعذروني.....

مسرورة جداً بتعليقك اختي سكون

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-01-22, 12:07 AM   #150

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع عشر (( مشاعر مبعثرة ))



تسعى على غير هدى ...تشعر بالأرض تميد من تحتها ...تزيد من سرعتها ولا تصل غايتها ....كأنها في كابوس تركض وتركض دون تقدم ...يفصل بيتنا عن بيته ثلاثة منازل ....لكن بدا لها أنه بعيد بعيـــد جداً ....هل ازدادت البنايات هنا وهي لا تدري ؟؟!.....متى ستصل لتتأكد أن هذا كان مقلباً مفتعلاً من الغليظ وشقيقنا ؟!....رغم ان كفيها جريحتان الّا ان الدماء تجمدّت في منابعها ...فقدت إحساس الألم من ركبتيها المصابتين من غروز الزجاج المحطم بهما ....خرجت بخفيّ البيت دون انتباه ...كانت توّها داخلة اليه عطشانة بعد عودتها من جامعتها ....أصاب حلقها الجفاف فوق ظمئها ....الكلمات لن تخرج من جوفها ....لسانها يشبه الأرض المشققة من قلة الماء....ستنادي ليسمعها لكن صوتها يكابر كعنادها معه ....لم تستطع أمي اللحاق بها لتمنعها من نوبة جنونها لأنها لم تهتدي لحجابها لتقوم بذلك غير أنها انشغلت بـ (شادي ) الذي اشتد عليه الألم مكان عمليته بسبب الضغط على نفسه والجري!! ......اخيراً ظهر لها بيته ....وا مصيبتاه.... ما هذه الأصوات التي تخترق طبلتيّ أذنيها ؟!....لا مستحيل ...هي متأكدة انها ما زالت بالكابوس ولم تستيقظ منه !!... أيعقل أن الجميع متفق عليها ووضعوها داخل برنامج الكاميرا الخفيّة ؟؟!!....عويل...صراخ...ولولة....غي ر ممكن !!...أمه انسانة صابرة ومؤمنة كأمي!!...ان حدث ستكتم صوتها !!...وماذا عن شقيقتيه وعماته ؟!...لا بد أنهن هن من فقدن صبرهن ...بلى ...هذا نواحهن!!.....اذاً ماذا؟...على ماذا يدل ؟!.......بدأت تجرّ قدميها جرّاً ...خارت قواها وهي مصرّة ولن تستسلم ...ستصل الى بوابتهم الكبيرة ولو زحفاً لتجده يضحك ويستقبلها ذاك السمج , ثقيل الدم...!!...احتضنت عاموداً جانب البوابة تستند عليه ...تحاول إخفاء نفسها فيه ....لا يمكنها الدخول ....أهله عرفوا بموضوع انفصالهما الأول ويعلمون أنه لن يحررها رسمياً الا بعودتي ومن اجلي....حماية لعائلتي... وبقي الأمر سرياً بينهم وبين أهلي .....كيف ستريهم وجهها الذي لم يبتسم له يوماً وهي ايضاً التي لم تزرهم سابقاً الّا مرتين مجبرة من والدتي ؟!..هل الآن عرفت طريق بيتهم بعد ان فقدوه وهي من كانت أول فرحة لهم ؟!...شقيقه الأكبر منه (رامي) لم يرتبط بعد, لذا غدت الكنة الأولى عندهم وخطيبة الغالي الذي يضعونه في كفة لوحده دون اخوته مع معرفتهم بذلك ولا يغارون منه فسماحة صدره ونفسه تجعلهم يخجلون منه ويكنّون له مشاعر المودة والاعتزاز....لقد كان المميز بحنانه وعطائه , طيبة قلبه ووفائه , خفة دمه وشهامته انه ابنٌ وشقيقٌ وصاحبٌ بارٌّ مرْضيٌّ ....كان مصدر الفخر لهم فكل شيء تابع له من غير مقدمات يحبونه من أجله ...وها هي خطيبته كان ينبغي لها ان تفوز بهذا الحب وتستشعره ...الحب الذي خسرته قبل تذوقه والسبب بما كسبت يداها !!....تراقب عن كثب وتحاول الاستتار مكانها بين العامود مع شجرة ليلة القدر (ملكة الليل) ذات الرائحة الندية المزروعة خارج جدار منزلهم , الوقت نهار ورائحتها لا تفوح الا بالليل لكن لمَ الآن تشمّها .؟..أم ان هذا شذى دمائه الزكية يأتي من البعيد ؟...لا...لا...ما هذه الوساوس ؟!......نفضت رأسها مستعيذة بالله تطرد تشاؤمها ......الجيران والأقارب يتوافدون ليقفوا جانب أهله بمصابهم الجلل .....ما زالت صامدة والأمل يلوح أمامها ...مؤكد هناك خطأ ما !!.....بعد قليل وصلت سيارتان تابعتان للشرطة ...اتسعت عيناها وجلت أذنيها لتصطاد الأخبار بشكل أدق من أصحاب الشأن....ترجّل منها عدة أفراد للشرطة...وجوههم مصفرة غير مستبشرة !!...علامات الحزن تكسو ملامحهم.....تقدّمَهم زميله الضابط (أشرف) الذي اهتم بها يوم استدعائها للمركز.... يمشي بهدوء ولما وصل البوابة خلع قبعته الخاصة بزيهم احتراماً لوالد (سامي)...كان يتكلم بجدية مع حركات بيده بعد ان صافحه , يشرح له ولـ (رامي) شيئاً ما ...لم تتمكن من سماعه !!...شرطيان بقيا خارج البوابة يتهامسان بالموضوع فوصلها كلام احداهما :
" يقال أن السيارة تعجّنت ولا أمل للحياة لمن بداخلها ....وبعد قليل ستنطلق الطائرة المروحية مع قوات خاصة للوصول اليها....فهي عالقة بين صخور المنحدر ولم تقع في الوادي أسفله ...لكان أسهل إخراجها بمَن فيها مِن تحت ..."

سمعت كلامهما وانهارت مغشياً عليها لا تعي لمَ وأين وكيف ومن هي !!؟؟؟.....
×
×
×

بعد ساعتين استيقظت لتجد نفسها على فراشها وجانبها صديقتها ( سلمى ) وامها ووالدتي يبكين بصمت ...غيّرت جلستها فور يقظتها واستعادتها ذاكرتها وماذا حدث معها !....بعد ان انهارت كان قد وصل لمكانها صديقتها مع خطيبها (بلال) فانهما عند معرفتهما بالخبر ذهبا الى بيتنا برفقة ( أم سلمى ) ومن هناك علما أين تكون وجلبوا لها طبيباً للبيت , فحصها واعطاها حقنة مهدئ .!!....عاد (بلال) الى منزل أهل (سامي) يستقصي آخر المستجدات....لقد مرّ ما يقارب الثلاث ساعات على الخبر ولا جديد ..اقتربت الشمس على الغروب......فزّت دنيا من السرير واندفعت نحو نافذتها تفتحها على مصراعيها لحظة سماعها صوت هدير محرك الطائرة المروحية , لمحتها تحلق بالسماء فوق تلك المنطقة المشؤومة ....اعادت حدقتيها للجالسات في غرفتها دون ان تنبس ببنت شفة...ابتلعت لسانها وتركت نظراتها تترجم ما يختلج صدرها من رجاء وتوسل بأن يشفق عليها أحد ويؤكد لها انه مقلب او كابوس....لكن اعينهن المتكدسة بالدموع تنفي ما تتمنى .....رنّ هاتف (سلمى) فتسللت للخارج وقلبها يهوي أسفل قدميها لرؤيتها ان خطيبها المتصل....أخذت زاوية بعيدة عن غرفة صديقتها وفتحته لترد :
" ها بلال ...أبشر أرجوك وأرِح بالنا .."

رد بنبرة حزينة :
" عثروا على مرافق له قفز قبل سقوطها ...جسده مهشّم ونقلوه بمروحية أخرى للمشفى ...حالته صعبة يعاني من كسور عدّة في هيكله ولا يستطيعون أخذ أي خبر منه حالياً...ٍسيدخلونه لغرفة العمليات فوراً... لكن حسب ما وصلنا من زملائهم الشهود , أن هذا كان يقود السيارة عند خروجهما من المركز و(سامي) كان يجلس بجانبه وحتى أنهما لم يكونا بمهمة وصدفةً جاءتهما إخبارية عن سيارة جديدة مسروقة وهما في الخارج فقاما بالبحث عنها وملاحقتها حتى حدث ما حدث!!......سأغلق الآن حبيبتي ....أوافيكِ لاحقاً بالأخبار...أدعي أن تكون بشائر خير "

قالت بنبرة خافتة متألمة :
" يااا رب...احفظ أخي سامي أينما يكون وأجبر قلب صديقتي !.......في امان الله حبيبي...مع السلامة "

عادت الى الغرفة حيث يتواجدن وتمتمت بهمس تخبر والدتها ووالدتي ما اخبرها به ( بلال) أما (دنيا) كانت بدنيا غير دنياهن ....ملتصقة بالنافذة سارحة....شيء يجثم على صدرها تشعر به يخنقها....فجأة تذكرت انها لم تصلي العصر وتبقّى أقل من ساعة لآذان المغرب....دخلت الحمام في غرفتها كجثة من غير روح....لا ترى من معها ولا تسمع أحداً...عزلت نفسها عن العالم تسترجع صوته الدافئ الذي كان يطوف بصداه في زوايا بيتنا....خرجت منه متجهة لركن في غرفتها تفرش سجادتها متخذة القبلة العنوان الأرحم بحالها...لاح في بالها عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال ((يا بلالُ، أَقِمِ الصَّلاةَ، أَرِحْنا بها ))...هو خير قدوة لنا ستفعل مثله وتطلب من الله ان يريحها بها ويجبر خاطرها.....صلّت صلاتها وأطالت سجودها ...كتفاها يهتزان من بكائها وتوسلها لخالقها ...علا صوتها بالرجاء .." ياااا رب ...يااا رب "...دقائق وهي على هذا الحال ....سلّمت من صلاتها وسلّمت يقينها وحسن ظنها لجابر القلوب لعلّام الغيوب راجية منه أن يعيد لها المحبوب , خطيبها المهيوب ..!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~

بين العصر والمغرب زرتُ مخيمي وخيمتي ....لم أكن أعلم ماذا يدور في بلادي الأم من مصائب ....من مدة طويـــــــلة لم أفعلها وأمارس أحب هواياتي ,الرسم على الحجارة!!..... ولا أفضل وأحسن جودة من الحجارة الملساء التي تكون في الوديان لتطبيق هذه الهواية عليها لذا اشتريت من احدى المكتبات ما يلزمني من أدوات الرسم من فُرَش وألوان مائية واتخذت الوادي قرب المخيم عالمي الذي سأنسج به ما بخيالي .....اخترتُ حجراً مناسباً لأوثّق عليه ما يزاحم عقلي من فكرة أرسمها !!.....صحيح نسيتُ أن اخبركم ....هذا لم يكن بمحض صدفة !! ....بل ذهبتُ خصيصاً بعد حوالي أسبوع من التفكير المرهق ماذا سأقدّم لسمائي هدية في يوم ميلادها القادم بعد يومين !! حتى زارتني هذه الفكرة المميزة ....فهي لا ينقصها أشياء ثمينة والهدية جمالها بميزتها ومن يهديها وليست بقيمتها المادية....وهذه الشهور كانت كفيلة لتعرّفني عليها , انها ليست من الفتيات اللاتي تهتم بالمظاهر والتبذير المفرط بالماركات او ان تعيش ببذخ كونها ابنة السيد ( عاصي رضا ) سوّد الله وجهه....ودليلي على ذلك القلم البسيط الذي اعتبرته الأغلى بين مقتنياتها !!.....أنا لن أحتفل بيوم مولدها لأني تعمّدت أن أذهب مرةً أخرى للمعسكر مع أنني زرته قبل يومين لاستقبال ذخيرة لأسلحتنا ...لكن هذه المرة سأزوره هروباً ليكون حجّة على عدم تواجدي معها !!..سأرسل لها هديتي مع خدمة التوصيل .....فبعد مواجهتي الأخيرة مع السيد (ماجد) نويتُ أن ابقي علاقتي بها محدودة وليس كأيامنا الأخيرة التي تقاربنا بها ....لا اعلم هل هذا لأثبت له انه مخطئ أم لأخدع نفسي أنه بإمكاني الابتعاد عنها بإرادتي ومتى شئت ولن يثنيني عن ذلك أي شيء صغيراً كان او كبيراً ؟!.....
في صباح اليوم التالي من اغلاقي لهاتفي وعدم تمكّنها من محادثتي قبل قرابة الاسبوع....عند فتحي للهاتف وردتني رسالة نصية منها ...بريئة مثل صاحبتها ...شكرتني على اليومين اللذين قضيناهما معاً ولاقت أعذاراً لتجمّل صورة والدها امامي بروحها المُحبّة ولأول مرة تنهي رسالتها برمز تعبيري قلباً أحمراً ...لقد فاجأتني !!...فكانت دائماً رموزها تقتصر اذا فرحانة او ممتنة تبعث وردة او ابتسامة واذا غضبانة تبعث الغاضب .......قرأتها مبتسماً بوجع ...ذاك الوجع الذي يذكّرني بأن اتوقف عن عشقها ...يسدّ الطرق في وجهي ....مهما كان السيد (ماجد) قاسياً معي كان على حق !!....يجب ان ادفن حبي وقلبي لكن كيف ؟ اني لا اهتدي لسبيل الرشاد !!.....لكني سأفوّض أمري الى الله.....

أنهيتُ رسمتي أضع لمساتي الأخيرة على ضوء القمر مع كاشف هاتفي ...لملمتُ بعدها أغراضي وعدتُ الى بيتي ......

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

حلّ الليل في مدينتنا الجبلية وأفلحوا بصعوبة بربط السيارة المعجّنة بحبال الطائرة ....كان كأنه مشهد تمثيلي....حشود تتجمع أعلى الجبل يشاهدون عملية تخليص السيارة وبلا أدنى شك الهواتف مضاءة لتصوير الحدث أولاً بأول قبل ان يفوتهم شيء...أليس هذا ما وصلنا اليه ؟!....نمر من جانب حادث وبدل المساعدة أو الدعاء نتسابق بتصويره ونشره على مواقع التواصل لنجمع أكبر عدد من المشاهدات والاعجابات ...شيء محيّر !....كيف يضع الشخص اعجاباً على خبر مؤلم .؟!!....اللهم اصلح حالنا وحال أمتنا ......
بدأت الشرطة بإخلاء المكان في الساحة المستوية المفتوحة في رأس الجبل ليتسنّى للطائرة انزال السيارة بها ....بعد حوالي ربع ساعة نجحت بتثبيتها على الأرض الخالية .....نصبت الشرطة حواجزها...احاطتها بالأشرطة الحمراء.....فريق الإنقاذ يتأهّب لقص حديدها ....المروحية الخاصة بالمشفى تنتظر جانباً لنقل من فيها سواءً كان على قيد الحياة او أشلاء.... الأطباء يقفون استعداداً للتدخل الطارئ....قدّر الله ولطف انها لم تشتعل ....فهذا يعطيهم بصيصاً من الأمل ....يحاول الصحفيون الاقتراب اكثر لكن الشرطة عززت قواتها وخصوصاً ان الموضوع حساس ويمسّ أفرادها فمنعتهم بصرامة.....!!.....كان (بلال) مع أشقاء (سامي) يحتضرون بين الناس ....انفاسهم شبه مقطوعة وقلوبهم شبه متوقفة...يجهدهم العرق رغم النسمات الجبلية الباردة ......الكل ينتظر بين كفتيّ الألم والأمل ولا يعلمون ايهما سترجح في الميزان ...!!

×
×
×

في بيتنا نزلت الى غرفة المعيشة أمي مع (أم سلمى ) وابنتها وتركن شقيقتي في غرفتها تقرأ القرآن....لا فائدة لهن جانبها...انها لا تشعر بوجودهن أصلاً....هجرت عالم البشر والماديات الملموسة ولجأت الى الروحانيات والتقرب الى الله....لن تفيدها أي مواساة مهما كانت !!.....فقط مناجاة الرب وذكره وتلاوة كلامه هذا ما تحتاجه لتشعر بالسكينة والاطمئنان....الا بذكر الله تطمئن القلوب ؟!...لا اله الا الله....
ضاعت أمي بين ابنتها الساكنة بعد انهيارها والتي تشك ان هذا هدوء ما قبل العاصفة !!...هل سكينتها بفعل المهدئات أم ان الله وضع في قلبها الصبر على الابتلاء ؟؟ وبين شقيقي الذي لازمته اوجاع عمليته بالإضافة لحزنه على صديقه وحبيبه (سامي) وبين حزنها على الغالي في قلبها فهو لم تفرّقه عنا بحبها ...هل فعلاً ذهب ولم يعد ؟!....سترضى ان يطلّق ابنتها فعلياً ولا يرى وجوههم لكن لا يقتلهم بموته ...هذا شيء لن تتحمله أفئدتهم !!.....وبذات الوقت قلقة من تأثر ابنتها الشديد بالحادثة...تعلم انها لا تريده!...جاء في بالها... " أيعقل ان ابنتي المجنونة تحبه ؟!.."...
طردت الفكرة التي لطالما تمنتها لها والآن ترفضها بشدة بسبب انقباض قلبها فتابعت تواسي نفسها ...." ممكن ان هذا سببه انها اعتادت على وجوده بيننا او انها خائفة بدون رجل معنا أو ان خبره اعادها الى الماضي وفاجعة والدها رحمه الله وما عانيناه بالهجرة...مسكينة صغيرتي !!..يبدو ان كل هذا تراءى امامها لذا لم تتحمل وانهارت!!.. أكيد ثورتها كانت ردة فعل لصدمة بخبر عن شخص قريب منا ونعرفه والآن تقبّلت الوضع !!..أي ان لو كان أحد غيره ستفعل هذا !!..."....
...هي حتماً ستعرف منها لاحقاً ما هذا الجنون الذي أصابها لكن عليهم بداية الاطمئنان على الأشقر !!......قرع جرس الباب....وسقطت القلوب المنتظرة الجواب .....فتحته ( سلمى ) لتستقبل خطيبها وتمنت ان يكون مظهره مجرد سراب..!!....لكن ان كان شكله الشاحب أوهام فصوته الباكي أخرجها من عالم الأحلام ....طأطأ رأسه بانهزام ...فتح لها ذراعيه ليستطيع التقدم خطوة للأمام وعند أذنها تحشرجت الكلمات المحملة بالآلام :
" انا لله وانا اليه راجعون.....البقاء لله "

وبدآ يبكيان معاً يحتضنان بعضهما حتى وصلهما من بعيد صوت (أم سلمى) :
" من على الباب سلمى ؟!.."

حررا جسديهما....مسحت دموعها بكفيّ يديها ....أخذت نفس وأجابت بصوت جاهدت بعذاب لإخراجه :
" هـ...هذا بلال.....أمي "

هتفت والدتي من بعيد :
" تفضل بنيّ...ادخل "

دلف الى غرفة المعيشة وألقى السلام ثم جلس على احدى الأرائك وحماته ووالدتي تنظران له ومن ملامحه أخذتا الخبر لكن لن تحكمان دون سماعه فقالت حماته :
" ها بنيّ....اخبرنا اين وصلوا ؟!.."

تنحنح شارداً بالأرض ليخفي حقوله الخضراء التي فاضت عليها سيول فَقْد وموت صديق عزيز على قلبه......من شهور عرفا بعضهما وبنيا صداقة وطيدة وسببها أنهما يتفقان على محبتي...لقد تناغما بشكل سريع ....وها هما كما جمعهما القدر... بذاته فرقهما ....همس بصوتٍ أجش :
" ساعات وهم مشغولون بإخراجه....كان حديد السيارة كأنه منصهر عليه من شدة التصاقه بجسده.."

تأتأت أمي سائلة بعينين جاحظتين :
" هـ....هل...تـ...تقصد.....أنـ...أنه ...؟!"

لم تستطع اكمال جملتها لكنه فهم سؤالها فنظر اليها ثم أزاح حدقتيه لخطيبته مجيباً :
" أجل....البقاء لله "

مع انها كانت قلبياً مستعدة لسماع هذا الخبر الا انها انهدّت قواها حيث تجلس وأجهشت بالبكاء و(أم سلمى) تبكي وتحاول تهدئتها وتسترجعه الله أما (سلمى ) اتجهت للمطبخ تجلب الماء لتسقيها وتضع بعض القطرات الباردة على وجهها ...كانت تبكي أمي وتتمتم :
" رحمك الله يا بنيّ....سينهار هادي من بعدك !!....سأفتقدك يا غالي......كيف هان عليك ترك عيوش ؟؟.....من سيملأ بيتنا الموحش بالدعابات وخفة الظل ؟!....كنت النبض لنا في هذا البيت ......في بلاد اللجوء عائلتي معي ....عدنا للوطن دون هادي حماه الله...لكن انتَ حاولت ان تسد وحدتنا واحتياجنا لرجل بيننا ....كونك توأم ابني كان هذا يصبرني على بُعد هادي عنا......الآن سنعيش الغربة الحقيقية ....أشعر أنني أصبحتُ أماً ثاكلة... انا لله وانا اليه راجعون "

همست (أم سلمى) بقلبٍ مؤمن وصوتٍ حزين:
" انّ لله ما أخذ وله ما أعطى وكلّ شيء عنده بأجلٍ مسمّى...فلتصبروا وتحتسبوا أختي عائشة....كلنا لها ...لا يدوم الا وجه الله ....كوني اقوى من أجل اولادك "

بعد دقائق من البكاء والدعاء له....هدأت وسألت مرةً أخرى :
" كـ..كيف وجدوه ؟! "

أجاب بنبرة مختنقة من هول ما سمع ورأى :
" كان هو بجانب السائق والسيارة انقلبت على اليمين نحو المنحدر فكانت الضربة الأولى الأقوى من جهته لأنها وقعت على صخور حادّة وبعدها تدحرجت وعلقت بين صخور أخرى!!....أخرجوه لا يُعرف وجهه ...و...واحشاؤه كلها كانت خارج جسده ....بصعوبة حتى استطاعوا لملمته وعلى الفور حملوه بالطائرة.....أعان الله أهله....أشقاؤه مزقوا قلبي وهم يبكون بنحيب عندما تأكد لهم الخبر عن وجوده بالسيارة....كانوا يتأملون ان تكون فارغة !!.....لكن هذا قدر الله .."

" لم يمت ....انتم مخطئون .....سامي حي...سترون "

التفت الجميع نحو باب الغرفة الواسع حيث تقف (دنيا) تتسمع على حديثهم من الأول ...لقد نزلت عند سماعها الجرس....واحتجبت بسور السلالم.....وجهها مطلي بالأحمر وجفونها منتفخة من البكاء ....قالت جملتها دون مقدرتها على التحكم بدموعها التي تنساب من عينيّ الشهد....لكن كلامها لم يزد الجالسات الا بكاءً على حالها...يوجد وقائع لا تخيلات وأوهام ...ها هو الشاهد بينهن ...ماذا تريد اكثر من ذلك لتتأكد من الخبر ؟!.....قلقات عليها من فقدان اعصابها وعقلها....تبسمت ودنت منهم ...جلست على ذراع الاريكة التي تجلس عليها والدتنا ...احاطت لها كتفيها بذراعها وهمست بشفاه مبتسمة وعيون محتقنة وصوتٍ ممزوج بالانشراح والرهبة :
" أمي....صدقيني...الأشقر الغليظ لم يمت....لا يمكنه ترك امانته بهذه السهولة ....قلبي مرتاح ومطمئن أمي....أرجوك صدقيني.... أنا متأكدة ان سامي كان السائق وقفز ومَن بجانبه هو شخص ثالث....لأن سامي عنيد لن يعطي مهمة ما لشرطي آخر....هو يتولّى مهماته بنفسه....الأشقر مغرور لا يثق بأحد.....أليس هادي من كان يخبرنا انه متهور ويحب المغامرة وانه تمنى دائما ان يصبح شرطياً ليستمتع بمغامراته ؟!.....هل سيترك مطاردة التي تحتاج للسرعة والجنون وذلك أكثر ما يحب لرجل آخر ويجلس كمتفرج ؟!....مستحيل أمي مســـــتحيل "
أنهت كلماتها المليئة بالتفاؤل وعند اخر كلمة مدتها شرعت بالبكاء لتقوم صديقتها من مكانها وتحتضنها وتبكيان سوياً بصوت مرتفع كالصغار ....فتركهن ( بلال ) ليأخذن راحتهن بهذا الموقف الأليم ولا يعلم كيف ومتى سيخبرني به ؟!......بعد لحظات توقفت شقيقتي عن نشيجها...وضعت يدها على صدرها وزفرت انفاساً أثقلتها ثم كررت كلمتها لأمي :
" قسماً أمي ..قلبي مطمئن حتى لو بكيت....لا بد انه مقلب ويختبئ في مكان ما ! "

حشرت امي جسدها على اريكتها الفردية لتفرغ مكاناً لصغيرتها...أشارت لها لتجلس جوارها ففعلت بهدوء...احتضنتها تضع لها رأسها على صدرها وتمسّد عليه من فوق حجاب الصلاة وتلت بقلبٍ عامر بالإيمان وصوتها الحنون :
"...{{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ }}.....الله يضع بقلوب المؤمنين السكينة والطمأنينة عند نزول المصائب أو المحن أو أي امرٍ صعب يمرّ بهم ....وأنتِ بنيتي اسأل الله ان تكوني من هؤلاء المؤمنين.....صغيرتي الموت حق وسيزور الجميع ....علينا تقبّل الحقائق مهما كانت قسوتها والصبر عليها لنمضي في حياتنا....ها هو الكريم لطف في قلبك البريء لتتحملي....الآن فقط ترّحمي عليه وادعي ان يثبته الله عند السؤال وأن يجعله من أهل الفردوس وأن يربط على قلوبنا وقلب أهله يا.....يا عينيّ الشهد...."
وعادت وصلة الأنين والنحيب بصورة أشد وأقسى بينهما ولم تفارقانهما صديقتاهما طوال الليل ....أما الصغيرة ( سلوى ) بقيت ضيفة عند شقيقة (بلال ).... !! و(شادي) يحبس نفسه في غرفته يبكي أعز صديق له ....

×
×
×

" ماذااا تقووول؟؟....كررها مرة أخرى لأتأكد من سماعها "

ضجت البيت بجدرانه عند صلاة الفجر بعد أن ردت على هاتفها في هذا الوقت الغريب ....أغلقته وألقته على الأريكة حيث كانت تصلي ...وبدأت تجوب البيت ذهاباً وجيئة ...تضلّ عنوانها ....هل تصعد السلالم أم تتجه لغرفة النوم الخاصة بالضيوف في هذا الطابق الأرضي....اهتدت أخيراً لحل تعدل به بين جميع سكان المنزل ...فصرخت بأعلى صوتها :
" يا قَـــــــوم...يا قَـــــــوم....تعالوا اسمعوني !! "

بدأ القوم من كل حدْبٍ ينسلون ...ملامحهم مفزوعة ...متى هذه الناعمة الرقيقة يخرج صوتها بهذه القوة ؟!.....ماهي الكارثة القادمة يا ترى؟!.....وقف (شادي) أعلى السلالم يفرك عينيه بنعاس...خرجت أمها من غرفة الضيوف بعد أن انهت اذكار الصلاة.....نزلت عندها أمي.....(دنيا) تقف وسط السلالم لا تتقدم ولا تتأخر ....فاتسع فمها بضحكة مرتفعة مع قفزة وصفقة بيديها منها كالأطفال صاحبتها كلماتها بصوتها المسرور :
" اتصل بــي بلال....وقال أن ذاك الشرطي السائق استيقظ قبل قليل بالسلامة....لديه كسور في عاموده الفقري وساقيْه واحد كتفيه ..."

قالت أمها محبطة منها :
" هداكِ الله بنيتي.....وليشفه الله ...لكن هل احدثتِ كل هذه الجلبة لتخبرينا فقط ؟!..."

ضحكت بصوت أعلى وتابعت :
" طبعا لا يا أم سلمى.....هذا الشرطي أخبر زملاءه من الشرطة المتواجدين في المشفى برفقته كل شيء حدث معهم....وهم بدورهم اتصلوا لأهل سامي....وكان بلال متواجداً عندهم الى هذا الوقت فبيتهم ما زال مليئاً بالرجال ..."

قالت أمي :
" ها...صغيرتي....تابعي...ماذا اخبروهم ؟!..."

حدّجت صديقتها بكل رقة وانشراح وتابعت كلامها توجهه لها دون الجميع :
" لقد كان سامي هو السائق.....مثلما قلتِ يا داهية ..."

قفزت دنيا درجات السلالم بخفة ....وصلتها بعينين غارقتين بالدموع وشبح ابتسامة على ثغرها....مسكتها من ذراعيها وهمست متأثرة ومرتبكة :
" كـ..كيف ...وأ....أين هو ....اخبريني "

أمسكت يد صديقتها وجلستا سوياً على الدرجة ألأولى من السلالم...نزل اليهما شقيقي يجلس خلفهما وأمي و(أم سلمى ) دنتا منهما كل واحدة تمسك عامود من سور السلالم ليستمعوا لقصة (سلمى) :
" الشرطي الموجود بالمشفى حصل على ترقية فقام بدعوة أخي سامي لوجبة غداء لأنه كان سبباً بترقيته وعند خروجهما من المركز كان هو يقود سيارة أخي سامي لأنه لم يكن له مزاج للقيادة فسلمه مكانه...التقيا بشرطي آخر زميل لهما خارج بوابة موقف السيارات الخاص بهم فأخذوه معهما فهو يكون صديقه لهذا الشرطي لكن برتبة أعلى ...لذا الشهود لم يروه عندما ركب معهما.....تناولوا غداءهم معاً.....وعند خروجهم من المطعم جاءتهم الإخبارية عن السيارة فاستلم سامي مقعد القيادة وجلس هذا في الخلف والثاني في الامام جانب سامي....وبعد ان ترصدوا مكان المشتبه بهم بسرقتها ...هرب أولئك فطاردوهم ...وعند صعودهم لأعلى الجبل نحو التلة...انفجر أحد إطارات سيارتهم الأمامية فاستطاع سامي بصعوبة كبيرة التحكم لمسافة ما بالمقود رغم السرعة التي كان بها ...لم يتمكن من ايقافها لذا أخبرهما أن يستعدا للقفز عندما يعد للثلاثة لأنه حاول قدر الإمكان توجيهها بعيداً عن منطقة الصخور ليقفزوا على الأرض المليئة بالأعشاب اليابسة والتراب الليّن...لكن هذا الشرطي من ارتباكه قفز قبل أن يعدّ , لذا وقع جسده على الأرض الصلبة ومن قوة ارتطامه بها تأذى بهذه الكسور....بالطبع هو لم يرَ سامي اذا قفز أم لا لأنه فعلها قبله ....أما المهم في الموضوع أن السيارة لم يكن بها السائق ..فقط ذاك الرجل يرحمه الله ...وهذا دليل أن أخي سامي قفز قبل سقوطها ...لكن لا يستطيعون تحديد المكان بدقة لأن الأرض الترابية المليئة بالأعشاب اليابسة شاسعة والآن يستعدون لاستخدام المروحية مرةً أخرى مع الكلاب الخاصة للبحث عنه في الخلاء....يعني ابشري خيرا صديقتـــي "
أنهت قصتها واحتضنت صديقتها بغلّ مُحبب تضحكان وتدمعان فرحاً بهذه البشرى وقرفصت الواقفتان أمامهما لتشتبك الأحضان الرباعية معاً فلحقهما من الخلف بذراعيه الصغيرين يحاوطهما ويشدّ عليهما لدقائق والضحكات تملأ الأرجاء تنشر في البيت الأمل والرجاء ....
بعد انفكاكهم عن بعض أخذ كلٌّ منهم سجادته الصلاة ليصلي ركعتي شكر لله على هذه الهدية التي انعم عليهم بها أطراف النهار ....!!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعدما صليّتُ الفجر وقرأتُ وردي من القرآن حملت هاتفي أتصفح الشبكة العنكبوتية ....دخلتُ احد المواقع الإخبارية الخاصة بالوطن وكان خبراً عن فاجعة في مدينتنا الجبلية....هوى قلبي وارتبكتُ...لم يكن الخبر مُفصّلاً ....كانت فقرة صغيرة مع صورة قبل الغروب لسيارة شرطة منقلبه بالمنحدر....فززتُ عن الأريكة في غرفتي التي كنتُ اتسطح عليها وحبيبات عرق أسرعت لتظهر على جبيني ....الوقت مبكر ...لا استطيع الاتصال بأحد كي لا اقلقهم!!.....لكني لم أطق صبرا ولم أتحمل فجازفت أخيراً غير مكترث لما سأسمع من (سامي) الغليظ من شتائم ان كان نائماً....وضعتُ على اسمه بإصبع مرتجف وأنا أرجو الله أن اسمع صوته فردّ عليّ التسجيل ألآلي أنه مغلق....وهذه المرة الأولى التي يُصفع هاتف صديقي في وجهي ويطردني من غير اجابه منه ..!!....تسارعت نبضاتي....صرتُ أجول في غرفتي وأنا ابتلع ريقي من جفاف حلقي ....حملتُ هاتفي واتصلتُ بـ (بلال) علّه يبرّد على فؤادي.....لكن مع الأسف ردّه زادني اشتعالاً...تخبّطت في مكاني ...احتقنت عيناي في الدموع وتعاقبت أنفاسي....سرد لي ما حصل وفي النهاية حاول مواساتي وهو متفائل وأخبرني أنه تجري عمليات بحث مكثفة في هذا الوقت وأنه متواجد هناك مع شبان الحيّ وأشقاء الغالي توأم روحي ....لا يمكنه تركي هكذا!!...سأخنقه بيديّ مرةً تلو مرةً إن فعلها.....أرجوك لا تكسر ظهري يا صاحبي......كل يوم يمر يقربني للذهاب للوطن , يزداد به شوقي لأحبتي أكثر.. ومعهم حبيبي (سامي )....مسكتُ هاتفي وانزلقتُ بظهري على الحائط لأفترش الأرض الرخامية واستند عليه ...طلبتُ من ( بلال ) أن يعود بالاتصال بي صوتاً وصورة....لو بإمكاني لوضعت جناحين وطرتُ الى هناك في الحال....ما بيدي الآن غير الدعاء بالسلامة له والمتابعة عن بعد...كنتُ معهم من قلب الحدث والشمس تنسج خيوطها الأولية لحظة الشروق لتنثر الآمال لكل قلبٍ محروق.....بعد قليل علت الأصوات المختلطة بنباح الكلاب....ضحك (بلال) بصوت باكي تهللاً وحبوراً....وهمس متأثراً :
" عـــثروا عليه هادي....وجـــــدوه يتنفس ويتململ....."

صرخت ُ هاتفاً ببكاء الفرح والاستبشار :
" الحمد والشكر لك يا رب ...الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه .."
ثم وضعتُ هاتفي جانباً وسجدتُ سجدة الشكر لجابر قلوبنا وشافي جروحنا ...

حملتُ هاتفي مجدداً وقلت برجاء :
" اقترب بلال منه....اريد ان أراه....ارجوك بلال .."

اعتذر قائلاً :
" صعب صديقي ..اعذرني .....لا يسمحون لنا بالاقتراب....نحن نراقبهم من بعيد ورجال الشرطة الذين وجدوه تواصلوا مع الآخرين الموجودين بقربنا واخبروهم عن حاله.......وجهك خير علينا يا كل الخير...المهم انه حي بفضل الله.....يا اللـــــه ما أجمل هذا الشعور بعد ان فقدنا الأمل..."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

عاد الينا من جديد صديقي وتوأم روحي بعد أن كُتبت له حياة أخرى .....وجدوه وقت الضحى بجانب صخرة صغيرة ارتطم رأسه بها عند قفزه وتدحرجه بالأرض المائلة حتى وصلها وفقد وعيه لساعات من الضربة القوية التي تلقاها منها ....نقلوه على الفور الى المشفى في الطائرة وبعد اجراء عدة فحوصات تبيّن كسر في كتفه الأيسر وجرح في رأسه من الخلف ورضوض وكدمات على ظهره وفخذيه .....تجمهر اهل الحيّ خارج المشفى وامتلأت غرفته والأروقة بأهله والمحبين والمقربين ليهنئونه بالسلامة في ساعات العصر ولم ينسوا تعزيته بزميله...لقد بكى كثيراً عليه كما لو كان صديقه المقرّب رغم علاقتهما السطحية....أنّب نفسه وكأنه السبب لكن سرعان ما آزره محبيه وأخرجوه من حالته وكذلك هو من النوع الذي لا يحب أن يستسلم للأحزان!!.....لم تستطع أمي الذهاب لزيارته لتترك هذه الأوقات لعائلته ...غير أنها تخجل من تواجدها بينهم وبالذات بعد انفصاله عن ابنتها...لكنها ستزوره بالتأكيد حين يشاء الله.....طلبت من (بلال) بعد الاختلاء بصديقه أن يهاتفها لتكلمه أولا وتهنيه بعمره الجديد ولتعتذر منه عن عدم قدومها, فهاتف (سامي) تحطّم في جيبه عند قفزه ويحتاج لآخر......قبل ساعات المغرب طلب الأطباء برقيّ من أهله والأصدقاء إفراغ المكان ليتابعوا له بعض الفحوصات كما أن المشفى أصبح مكتظاً وهذا يعيق سير عملهم سواء له او لغيره .....تفهّم والداه واشقاءه الأمر وقرر والده الانسحاب ليتركوه ينام ويرتاح ثم أن بيتهم معمور بالناس والجيران وواجب عليهم حُسن استقبالهم وضيافتهم.....عندما همّ (بلال) للخروج كالبقية , ناداه صديقي :
" بلبل.....انت انتظر....!!"

انصاع له بكل ودّ.....فقال وهو يمد يمينه يكابد الآمه :
" اعطني هاتفك..."

ناوله إياه فوضع على اسم حماته ( خالتي ام هادي ) بين المكالمات الأخيرة على هاتف (بلال) ولم ينتظر كثيراً لترد :
" ها...بنيّ بلال...أأستطيع الآن التكلم معه ؟! "

" يا مرحباً بعيوش ....هل اشتقتِ لي ؟! "
قالها بصوته المرح يخفي أنينه تحت قناع التحمل والقوة ...يحفظها عن ظهر قلب...يعلم أنها قلقة عليه حد السماء بحنانها وعطفها ويعلم أن الحياء يلازمها مع عزة النفس ...لذا سبقها ليطمئنها عليه بنفسه ....ردّت بصوت متحشرج تحذّره:
" أهلاً بابني الغالي أهلا.........لم فعلت هذا بنا؟....قلبي لا يتحمّل ..أرجوك اهتم بنفسك....لا تصبح غليظاً فعلاً وأنت تقلقنا عليك وتوقف نبضاتنا"
زفرت أنفاسها وأكملت:
" حمداً لله على سلامتك عزيزي......سامحني لعدم قدومي اليك "

" أنا سأزورك بنفسي أمي ....لا تتعبي نفسك بالتفكير....آسف لأني تسببت لكِ بالقلق والحزن..."

" رضي الله عنك بنيّ.... ..لحظة......خذ شادي يريد أن يسمع صوتك !"

كان شقيقي بجانبها يهزّ لها ذراعها الممسكة بالهاتف يصرّ عليها بإعطائه إياه ليكلم صديقه ويسمع صوته.....أما (دنيا) بهذه الأوقات كانت تلزم غرفتها ولا تدري ماذا يجري في الأسفل......بعد انتهائهما من مكالمته صعد الصغير اليها وهو يشعر بالمسرّة والبهجة إثرَ سماع صوته وأراد أن يشاطرها فرحته وفور اخباره لها أنه كلّمه...قفزت عن فراشها وقطعت درجات السلالم كالغزال من سرعتها وخفّتها حتى وصلت أمي الجالسة بغرفة المعيشة تعاتبها بشجا :
" أمي.....لمَ لم تناديني لأكلمه معكما ؟!.."

رمقتها بنظرات متسائلة وهتفت :
" أولاً لم اكن أعلم أنك ترغبين بذلك.....ثانياً بأي صفة ستكلمينه ؟! "

هربت بعينيها جانباً ولم تعرف ماذا ستجيبها..!!....
حسناً مرّوا بساعات عصيبة وكالحة ولكن ليس هم فقط من ذاقوا وقاسوا هذا....فمَن مِن هذا الحيّ بل المدينة بأكملها لم يتألم ويتعذّب بالفاجعة ألتي ألمّت بأبناء بلدهم ؟؟!!....ورغم أن الحزن وأجواء الحداد تخيّم على أهل البلدة الّا أن فرحة أهل الحيّ والمقربين من (سامي) برّدت قليلاً وكثيراً على أفئدتهم!!.....الى هنا يكفي !!...اطمأنَ الجميع عليه وسيتقدمون بالزمن ويمضون بحياتهم والمفروض أن تكون (دنيا) مثلهم....لقد سهرت وبحّ صوتها وهي تقرأ وتصلي من أجل سلامة ابن بلدها وحيّها !!...أليست هذه مكانته فقط عندها ؟!.....لكن لمَ وجيب قلبها يرهقها.؟؟!..ضجيجه يصرع دماغها .....على ماذا يصرّ هذا ؟!...لمَ كل خلية في جسدها تصرخ بها لتقول :
" أريد....أريد....الذهاب لزيارته أمي .."

جحظت عينيها مستنكرة تهتف بنبرة صارمة :
" ماذا؟!....هل فقدتِ عقلك ؟!....لم اؤنبك على جنونك ساعة الخبر فجميعنا لم نكن على الدنيا ....لكن ماذا الآن؟ ما هذا الذي تتفوهين به ؟!...من تكونين لتذهبي له ؟!...ألستِ هذا ما تمنيته من اول يوم ارتبطتِ به وهو أن تنفصلي عنه بأقرب وقت ....خذي تفضلي لقد حقق لكِ ما ترغبين ايتها المدللة ....ووجودك على هويته الآن فقط كمهمة وأمانة.....يعني اعتبريه غريباً عنكِ ولا يحق لكِ الاقتراب منه !... أتريدين فضحنا آخر العمر يا ابنتي ؟!....هل تريدين ان تهدري كرامتنا وشرفنا وأنت تذهبين له أمام أهله بكل جرأة ووقاحة ؟!.....ماذا ستقولين لهم ؟...اسمحوا لي بزيارة ابنكم الذي طالما رفضته ولم ارغب به يوماً وكم من مرة جرحته وأهملته ولم اعتبره موجوداً في حياتي أصلاً علّني أزيد من الآمه بتواجدي أمامه ؟!....هل ستقولين هذا لهم ؟!....جئتُ لأكمل على ما تبقى منه من أماكن غير مجروحة لينزف أكثر...أتريدين احراقه ؟!....يكفيه ما عاش وعانى شهوراً ذاك المسكين من ارتباطه بك ومن رؤية الموت أمس"
أشارت لها بحزم بسبابتها نحو السلالم وأردفت بنبرة جافة :
" اصعدي الى غرفتك وكفاكِ هراءً ...هذا ما ينقصنا أن تجولي بالمشفى عند الغرباء كأنك لا تملكين رقيباً أو حسيباً.....هيا اصعدي .."

كانت تستمتع مذعنة بوهن وتحبس دموعها بشهديها وتخبؤهم مسدلة عليهما أهدابها ولما رفعت صوتها والدتي في نهاية كلامها جثت أمامها تمسك يدها بتوسل تطلق العنان لتنزل القطرات المالحة من عينيها هامسة :
" أرجوكِ أمي....أريد أن أراه....سأموت....أرجوك "
ثم أرخت يديها تحرر كف والدتي وتفترش الأرض وتسند ظهرها على الأريكة خلفها وتحاول ابعاد ياقتها عن نحرها لتحرر أنفاسها وهي مردفة بنشيج بين عبراتها :
" إني أختنق أمي ....أختنق...ارحموني....لم اكن اريد هذا!! ....قسماً لم أرد أن أصاب بوباء الحب لكنه أصابني وبقوة....لقد أنهك صحة نابضي ....حاولتُ أن أحقنه بالقسوة والرفض ...حاولت أن أداوي روحي بالعناد ...لكن ذاك الأشقر احتلّني ....انتشر حبه في جسدي كالمرض الخبيث....ظننتُ سأستطيع التصدّي له ...ظننتُ سأستطيع اقتلاعه من جذوره ....كان كل يوم يتفشّى أكثر وأكثر.....أمي...أنا ....أنا....أحبه بكل جوارحي....لا تحرموني منه بعد أن أوقعتموني به...أرجوكِ.... أنا.... أريد سامي...."
قاطعتها بصدمة من فظاعة ما سمعت منها من اعتراف صريح واضح كقرص الشمس في كبدِ السماء وهمست تكمل عتابها :
" نحن حرمناكِ منه أم أنتِ من فعلتِ ذلك ؟! ...هل الآن اكتشفتِ أنك تحبينه ؟!.."

أجابتها وهي تنصب احدى ركبتيها وتتكئ عليها بمرفقها وتضع كفها أعلى جبينها عند منبت غرتها بأسى وضعف لم تره أمي عليها طول عمرها :
" أنت السبب أمي....هادي السبب...أبي السبب...كل ما عشته هو السبب لأكره الحب....خفتُ من الحب ولم ارغب بتذوقه ....لكـ.....لكني غرقت وما من نجاة منه.."

ابتلعت ريقها بذهول ...ما هذا الذي بدأت تفرغه من قلبها وباطنها ؟!..وهمست مدهوشة لاتهامنا أننا السبب وهي تدنو منها وتجلس جوارها :
" كـ...كيف صغيرتي نحن السبب ؟!.."

وجّهت وجهها لها بجفونها المنتفخة وعينيها اللتين انقلب بياضهما لتصبحان كالجمر وأجابت ويداها ترتعشان انفعالاً من حالها :
" أنتِ أحببتِ أبي حد الإدمان ....ما كان حالك من بعده ؟!...ألست أنتِ من تركتينا وأنهرت في فراشك أياماً....لو لم تكوني تحبينه لتقبّلتي موته بسهولة ...لمّا انصدمتِ وفعلتِ هذا بنا..من اهتم بي ؟...أليس شقيقي وهو يحتاج من يهتم به ؟؟.."
علّت نبرتها تعاتبها ومع كل كلمة تشعر طعنات في كافة أنحاء جسدها :
" أليس شادي من كان سيموت لأنك نسيتِ زجاجته ؟!....لمَ هذا ؟...وما سببه ؟؟! "
رفعت صوتها أكثر بقسوة :
" اجيبيني.....أليس هذا لأن حليبك جف حزناً وعلى من؟....أليس على حبيبك ؟؟!.....أليس هذا سبباً كافياً لأخاف من الحب ؟!.....كدنا نفقد شقيقي!!....هل أحب واتعلق لأنهار عند موته وأضرّ أولادي ؟!....هل أحب لكي لا اعرف كيف اتصرف من بعده ؟!....لمتوني لمَ لم أشرك سامي بمشكلتي.....نعم أردت ذلك ولم اندم ....أردت أن اعتمد على نفسي ....أردتُ أن أكون بغنى عن العالم أجمع لأمضي بحياتي بجروح أقل..... هل أحمّله مسؤوليتي ليقطعني في منتصف الطريق ويتركني أتوه وسط ظلام البشر وقسوة الحياة عند موته؟؟.........سامحيني أماه....لم أرغب أن أكون مكانك مع انك مصدر فخري...بقَدْر ما كان حبكما مميزاً أنتِ وأبي بقَدْرِ ما كرهت الحب وخشيته كلما تذكرت كيف فرقكما القَدَر لتتعذبي عذاباً لا يضاهيه عذاب....أنتِ أحببتِ درجة الهلاك!!.........أما هادي .... حرم نفسه ليعطيني....برد هو ليغطيني....لم يتركني يوماً ولا لحظة....وفجأة ...قرر ترحيلنا الى هنا.....ابعدني عنه ....صحيح كان ينام في بيت آخر لكن كنت على يقين ان فتحت فمي لأقول اول حرف من اسمه سأجده قربي....كنتُ أشعر بالأمان لمعرفتي أنه معي أينما كنت وكيفما وليّت وجهي.....ثم في يوم وليلة جعل أميال تفصلنا عنه وسلّمني لرجل لا أعرفه بل كنت في طفولتي ابغضه ليكون الحامي لنا من بعد الله .....فكان هادي سبباً أن أتحدّى نفسي ولا احتاج حتى لأخي الذي اغرقني بحنيته واهتمامه.....كان سبباً لكي ارفض يد العون من أي أحد وأولهم صديقه....أردتُ أن أكون قوية لكن سحر الأشقر أضعفني وهزّ أركاني...ما كان عليّ الاستماع لكِ وأقبل الجلوس معه جلستنا الأولى تلك....فَبها نقل لي هذا الوباء ...رجولته وحنيته تسرّبت لكياني...وقبلته الدافئة على جبيني اخترقت وجداني...لقد استخدم بدهاء عتاده العسكري ليحتل نواة نواة في جسمي كما يحتّل المحتل ما ليس له....لكنه صكّ ملكيته في شراييني ليجعل احتلاله قانونياً أمام الأمم المتحدة لقلوب العاشقين ....فبتّ اعشقه حد الجنون وسلمته ما تبقّى بي من مسامات......كنت أكذب على نفسي وأحاول ابعاد هذيان الحب عني وطرده من حياتي...لكنه حاصرني من كل الجهات وفتح عليّ جبهات....جبهاته فيها الحنية والرجولة والشهامة وخفة الدم والوسامة لقد استخدم أسلحته المتطورة لتُفكّك الحجر الموجود بين أضلاعي.....سأعترف لكِ بسر صغير.....كنتُ أرفض استقباله لكنني لم أكن اعتكف بغرفتي كما تعتقدون!.."


حدّجتها باستغراب لتكمل (دنيا) تجيب على نظراتها:
" كنتُ أجلس على السلالم متخفية لأستمع لحديثه الذي يتردد صداه في زوايا البيت كما في زوايا قلبي ...كنتُ أدمع ضحكاً من خفة دمه التي بيدي قررتُ أن أحرم نفسي منها كما ادّعيت.......كنتُ أترك مجالسته وجهاً لوجه ولكني بطرق ملتوية أبحث عن مكان أكون به موجودة ولست موجودة وما كنتُ بهذه الطرق سوى حمقاء أخدع عقلي وقلبي....عندما كان يهمّ للخروج , أسبقه وأصعدُ غرفتي لأراقب ذهابه من نافذتي وأرسل معه دعائي بأن ربي يحميه ومع دعائي يكون رفيقه حُبي....عندما كنتما تتخذان غرفتيكما أنت وشادي كنتُ أتسلل للطابق الأرضي لاحتضن المخدات التي سرقت عبق عطره ورائحته مني....لقاءنا الأخير عندما تزيّنت قررتُ أن ألَمّح له عن مشاعري...لكنه صدمني بعدم اهتمامه بشكلي فعنادي قفز أمامي كدرعٍ حامي لعزة نفسي....وفي التلة عندما ألقى خاتمينا شعرت كأنه نزع روحي مني ...رغبتُ أن أخنقه بيديّ وأطلع غلّي وعندما ضربته على صدره تمنيتُ ان يعصرني بذراعيه ليجعل قلبي يجاور قلبه ويسجنه بين ضلوعه ويحكم عليه عشر مؤبدات مع الأشغال الشاقة في الحب ....لكنه خذلني ولم يفعلها !!....فشعرت أن كل خلية بجسدي تمزقت كما تُمزّق العاشقة رسائل حبيبها الذي هجرها أو خانها......تركته ووليته ظهري وفي طريقي عنادي مسك يدي ليحميني مجدداً من حبه حتى جاءت لحظة الكارثة الكبرى وعقلي لم يستوعب الّا يكون في حياتي سامي....فسحقاً لوباء الحب الذي ألمّ بروحي وسحقاً للعناد الذي حرمني قربه وأنفاسه أياماً و شهوراً......أريد إن كُتب لي العيش يوماً......يكون سامي هو صباحه ومساؤه هو ساعاته ودقائقه ....لا أريد ثانية لا يكون فيها على سطح الأرض...ألم يقال على هذه الأرض ما يستحق الحياة ؟!......أما أنا....سامي هو أرضي وهو الحياة....!! .."

ما هذه المشاعر الجمّة التي أسرتها في نفسها ؟؟!....لقد اثبتت لوالدتي كم هي قوية وتحملت كل هذا....أكان عليها أن تتذوق طعم الفقد لتبوء بما يدفن في صدرها ؟؟.....كانت تقول كل كلمة وهي تحيط بها آهات الندم والجالسة تستمع لها ودموعها تسكب على وجنتيها عاطفة أمٍ محاطة بالألم......جذبتها لحضنها وتوسدت رأس صغيرتها لتنزل عبراتها عليها وتختلط مياه أعينهن بغير حول ولا قوة منهما....
هي في حيرة من أمرها!!.....حتى لو كانت ابنتها المخطئة كيف ستسمح لها بالذهاب له ؟!....لا تريد ان ينقص من اعتبارها شيئاً.....تبقى هي مهجة قلبها وستحارب لأن تضعها في قمة المجد والإباء....لكن بكائها ينزل كشرارات من الجحيم عليها ...لا تقوَ على مشاهدة عذاب الحب بعيني ابنتها وتوسلاتها وهي تتابع راجية :
" أمي...لن أخفض رأسك....أريد فقط أن أراه بعيني ليطمئن قلبي ....أريد أن اعتذر له عن معاملتي معه وأعود.....اسمحي لي بالذهاب....أعدك ان رأيت أحداً من أهله لن ادخل ولن أسمح بأن يراني أحد منهم..."

شردت أمي تعيد حساباتها بسرها .." أنا أثق بسامي...لن يخذلها وسيقبل أسفها ....مسكينة صغيرتي أفهم ما تعاني الآن...."....
عدّلت جلستها لتقابلها وحوطت وجنتيها بكفيّها وتلك ما زالت تفيض عيناها من الدمع ثم همست لها :
" صغيرتي....سأسمح لكِ...شرط...ان تذهبي وتعودي بسرعة.....انتبهي لنفسك بنيتي ....اصعدي لتجهزي نفسك ريثما أتصل بالحاج أشعب ليقلّك للمشفى.."

مسكت كفيّ والدتي بقوة وبدأت تقبّل باطنيهما بنهم ممتنة لها هامسة بصوتها الذي كاد يختفي :
" اشكرك أمي ....لن اتأخر ..."
قفزت واقفة وخطت خطوات قليلة لا تصدق انها حصلت على التصريح...ثم عادت كالضائعة تقبّل لها جبينها هاتفة :
" أحبك أمي....اسأل الله أن يحفظك لنا ويديمك فوق رؤوسنا يا .."
غمزتها وسط أنهار عينيها وأكملت :
" يا أحلى عيوشة سامي "

عند صعودها للأعلى مسكت أمي هاتفها بسرعة ودقت لـ (بلال ) :
" بنيّ ..أما زلت عند سامي ؟"

" أجل خالتي ..."

" من فضلك اعطه هاتفك .."

بعد ثواني ردّ الغليظ مازحاً :
" ماذا هناك عيوش...ما زلت أتنفس غلاظة لا تخافي أم أنك تشتاقين لصوتي ؟! "

أخبرته بقدوم ( دنيا ) عنده وطلبت منه كأمٍ حزينة على ابنتها أن يرفق بها ولا يعاملها بخشونة وترجو أن يقبل اعتذارها لكن نبرة صوتها كانت بكبرياء ووضحت له أنها لم تقصد بطلبها هذا ارجاعها له كخطيبة وانما فقط اعتذار بحكم العشرة والعلاقة بينهم فوافقها بكل رقيّ ونخوة وطمأنها أن يكون كل شيء على ما يرام.....وبعد انتهاء المكالمة وضع على اسم شقيقه (رامي ) ثم قال بعد السلام :
" لا أريد كائناً مَن كان أن يأتي لزيارتي ....اخبر اهلي بذلك ولِتأتوا غداً صباحاً أو وقت الظهيرة ان اردتم....أنا مرهق وسأنااام...... اعتمد عليك بذلك والّا سأترك لكم المشفى وأهاجر لأي بقعة خالية من البشر.."

" على مهلك يا أخي....ما هذا التحول المفاجئ ؟!...ألست أنت من كنت تتنطح وتقول أنك لا تستطيع النوم في المشافي وتتوسل لأصدقائك بأن يعودوا لك لتسهروا معاً..."


أجابه شقيقه (رامي) ليردّ عليه متاففاً :
"اوف يا أخي ...أصابني النعاس الآن....هل أنت أب مزاجي ؟؟....وصحيح على ذكر أصدقائي...اخبرهم بأني لا أرغب برؤية وجوههم المنحوسة هذه الليلة....هيا اغلق.."

وكان آخر اتصال للمركز لزملائه لينهاهم عن المجيء فلقد كان قسم منهم يريد الذهاب له بالزيارة الليلية ولما أنهى مكالمته جاء دور صديقه الذي كان ينتظر خارجاً ليعطيه المجال بالتحدث براحة وناداه فور انتهاء اتصالاته... فقال متثائباً بخباثة :
" هيا بلبل....أشكرك على وقوفك بجانبي....لا بد أن اهلك وعروسك اشتاقوا لك...أراكَ غداً....أشعر بالنعاس وسأنام"

أجابه بمكر :
" سبحان مغير الأحوال ....ألهذه الدرجة اتصال خالتي أم هادي أشعرك بالنعاس ؟!....هل كانت تغني لكَ تهويدة النوم ؟!.....العب غيرها سمسم ....أتظن ابن شقيقتك الصغير يقف أمامك؟..."

" حقاً اشعر بالنعاس لم لا تصدق ؟!.."

أخذ الهاتف وقال غامزاً :
" حسناً سأدّعي اني صدقتك....وسنرى غداً بركات هذا النعاس الذي داهمك فوراً.."
×
×
×

تخطو بقدميها الصغيرتين على الأرض الرخامية للمشفى...كل خطوة لها كأنها تلعب بأطراف أنامل يديها على مفاتيح البيانو ليخرج صوت عزفه بين نبضات خافقها ...تتقدم نحو غرفته بعد أن علمت رقمها من الاستعلامات....تحمل بيدها التي تهتز ارتباكاً كلما تقترب نحو أرضها باقة ورد أنيقة باللونين الأبيض والبنفسجي .....كان الباب موصداً......طرقات رقيقة منها مترددة حياءً ليصلها صوته الذي اشتاقته :
" تفضل.."

نطقت البسملة ثلاث أو أربع مرات ...ابتلعت ريقها وأغمضت عينيها ...كفها ترتجف فوق مقبض الباب ...انتفض جسدها عندما سمعت الممرضة من خلفها :
" عفواً آنسة....هلّا سمحتِ لي بالدخول ؟!..."

أخلَت لها مساحة لتفتح تلك الباب ....كان نظره مصوباً عليه ..لما رأى الأخرى...لام قلبه كيف يخدعه وأوهمه أن هذه دنيته ؟!...وقبل أن يكمل عتابه بداخله ظهرت من خلف الممرضة....تهللت أساريره وبدأ نابضه يدق محتفلاً برؤية عينيّ الشهد البراقتين....ظلّت واقفة على عتبة الباب بوجنتيها المتورّدتين يتبادلان النظرات بينهما بينما الممرضة تناديه لتقيس له درجة الحرارة والفحوصات الروتينية وهو مغيّب لا يسمعها فهو الآن اعتزل دنياهم ولجأ لدنياه الخاصة ....اختفت الأوجاع منه ...يتساءل بينه وبين نفسه .." أكان عليّ يا ترى أن أمكث عندهم لأشفى من هاتين العسليتين ؟...أليس العسل فيه شفاء للناس ؟؟..."..
كان يحملق بها كالأبله وخاصة عندما انفرجت شفتاها باتساع لتظهر لؤلؤها ضاحكة على حاله لأن الممرضة تكرر نداءها وهو مسحور ... عاد الى أرض الواقع بعدما شعر ببرودة ميزان الحرارة بفمه عندما اضطرت لتدسه له مرغماً فتجاوب معها ليتخلص منها وهو يرفع يمينه بحركة أنامله يخبر بها الواقفة على الباب بالدخول عنده .....بعد أن انهت الممرضة عملها وهمّت لتخرج....قال بحزم :
" اغلقي الباب خلفك ....وها أنا أنبهك... حتى اذا حضر رئيس الدولة ليتنازل لي عن الرئاسة لا تدخليه ...لا أريد أي مخلوق يدق بابي ..."

تبسمت ورمقت الواقفة بنظرات خبيثة فقد أخذتها التحليلات الى الطرف الآخر من عالم الظنون ثم أجابت :
" حاضر سيدي.."

كانت شقيقتي تراقبها حتى أغلقت الباب واختفى أثرها...أعادت حدقتيها عليه تتأمل اصاباته...كان رأسه ملفوفاً بضماد أبيض وكتفه الأيسر مغطى بجبيرة وحزام خاص لتثبيته ثم دنت منه على استحياء تناوله الباقة هامسة بتلعثم بعد رؤيتها صدره العاري :
" حـ...حمداً لله على سلامتك..."

أهداها ابتسامته الحنونة وأشار لها على المنضدة بجانبه هامساً :
" سلّمك الله....ضعيها هنا....لمَ أتعبتِ نفسك ؟!.."

لم تطعه ولم تجبه وهي متسمّرة مكانها ترسل له بعينيها المحتقنة أشياء لا يستطيع قراءتها وما كان هذا الا صراعها بين الاعتذار منه والرحيل أو اعترافها بالحب الجميل....فكرر كلامه :
" ضعيها هنا...ما بكِ؟! .."

لم يأخذ الأمر ثانيتين لتطير الباقة من يديها على الأرض في جانبه الآخر وترتمي على صدره تدثر وجهها مجهشة بالبكاء وسط اتساع عينيه بذهول دون استيعاب لما يجري معه وبدأت بقبضة يمينها تضرب عليه هاتفة :
" إياك أن تفعل هذا بي يا مجنون...إياك...إياك....أتسمعني أيها المحتل ؟؟! "

صوتها يعلو بنحيبها وهو تضاعفت صدمته فهتف مستنكراً بنبرة مرحة :
" أتشبهينني بالمحتل آنسة دنيا ؟!.."

رفعت رأسها عن صدره بعد أن اغرقته بعبراتها ونهرته بحزم وصوتها المبحوح :
" لا تقل آنسة دنيا....أكره هذه الكلمة منك ...لا تظن نفسك ظريفا بنطقها....ونعم أنت محتل وأكبر محتل "

شهق وقال بنبرة جدية مصطنعة :
" ظننتُ أنك جئتِ لتعتذري....يبدو أني أخطأت ...ما شاء الله لسانك يحافظ على قوامه "

هتفت صارخة بأنين :
" ذاك شيء آخر!...أسمعت عن شخص أرضه مسلوبة يعتذر لمن احتلّها ؟!...كيف سأعتذر لك وأنت احتليت بيتي وأهلي ومستقبلي وعمري واسمي ...أليس هذا احتلال ؟!..."

شعر بغصة في صدره لم يتوقع ان يكون في نظرها شخص احتلها وسلب كل شيء يخصها ...فقال بصوت هادئ مجروح :
" لكني اخبرتك....أنني سأحرر.."

قاطعته قبل أن يكمل:
" أنت محتل ...لكنك الاحتلال الوحيد الذي يتمنى المرء الّا يزول.."

ابتعدت عن صدره تنصب جسدها واقفة ثم بابتسامة حب وعينيها الممتلئة بدموعها ..شكّلت بسبابتيها وإبهاميها شكل قلب وألصقته بقلبها وأردفت بصوتها الناعم:
"الّا يزول....... مِن قلب هذه الدنيا "

تزيّن ثغره بابتسامة عاشقة توحي لها برضاه وفتح ذراعه الأيمن لتعود لأرضها على صدره وبقلة انتباه منها عند التصاقها به تأوه للمسها موضع الألم في كتفه المصاب...فرفعت راسها وبدأت تحرّك حدقتيها مذعورة هامسة :
" أنا آسفة ....لم انتبه ..."

كمش تقاسيمه بألم وقال :
" لا عليك..."

لم تحتمل الأوجاع الظاهرة على وجه هذا الجبل الصامد فبكلّ حنية وجرأة قرّبت شفتيها لكتفه وطبعت قبلة سريعة عليه لكن أصبح هذا ذنبها وهي التي فتحت على نفسها أبواب معاقبته لها عندما اعجبه الأمر ذاك الماكر وبدأ يكمل تأوهاته مشيراً على احدى وجنتيه بسبابته :
" هنا أيضاً يؤلمني .."

ترددت قليلاً ثم جازفت وقبّلت حيث أشار ليلحقها طامعاً بالجهة الأخرى ....فقالت بخجل :
" يكفي سامي...اعتبره هذا اعتذاري"

تبسّم بحب وقال بوقاحة:
" حسناً يكفي....لم أحلم أساساً بالحصول على شيء كهذا من هاتين الشفتين اللذيذتين ....لو علمت بذلك لألقيت نفسي من فوق المنحدر منذ زمن .."
غمزها ضاحكاً وأردف:
" لعلّني أحصل على شيء أكبر وأعظم .."

جلست على الكرسي هاربة منه بخجل وهمست تشيح وجهها :
" أصمت...لا يجب أن اعطيك وجه "

رفع يمناه مستسلماً وقال بصوت ضاحك :
" لا أرجوكِ....التوبة ....لا تحرميني هذا الوجه .."

تنحنح ورفع غطاءه عنه واتخذ طرف سريره الأيسر وهمس بصوت رخيم , حنون :
"تعالي بجانبي..... يا عينيّ الشهد."

حدّجته مندهشة ثم ألقت نظرها صوب الباب وقالت بحياء :
" لا يمكن ذلك....عليّ الذهاب ...وعدتُ امي بان اعود سريعاً...و..وأيضاً لا بد أن يأتي أهلك لزيارتك...غير لائق وجودي هنا "

" ابقي عندي هذه الليلة.....لطفاً..."
أردف يطمئنها :
" لن يأتي احد "

أجابت بحزن لا تريد أن تكسره ولكنها لم تنتبه لما تفوهت به:
" آسفة حبيب عمري....ستغضب أمي!"

هتف مشدوهاً غير مصدق ما سمع :
" ماذا؟؟....حبيب عمرك؟؟......اعطني الهاتف سريعاً"

تمتمت تشتم نفسها لتفوهها بهذا وناولته إياه ...وضع على اسم (أمي) لتجيب قائلة:
" أأنتِ بالطريق صغيرتي ؟؟!"

" أيّ طريق عيوش وصهرك غريق ؟؟!...لا تنتظري دنيا....في المشفى يوجد حالة طوارئ... أغلقوا جميع المداخل والمخارج وحفاظاً على سلامتها ستبقى معي في الملجأ....تصبحين على خير ...قبّلي لنا الضفدع...الى اللقاء "

" ما هذا الذي تقوله بنيّ؟؟!"

" أمزح لا تقلقي ...لكن دنيا ستبقى معي .."

" كلا سامي ...اعطني إياها حالاً.."

نطقتها بحزم ...فهمس بهدوء :
" من فضلك أمي....علينا اصلاح بعض الأمور .."
أردف يقايضها :
" هذا أول طلب لي منكِ.....لا تردّيني رجاءً.....أنت تعلمين هي في عينيّ لن اسمح أن يصيبها شيء فعلياً أو كلامياً.....أعدك لن تكوني الّا راضية من كلينا !!.."

حوقلت مذعنة وهمست توصيه بها :
" هي في أمانتك بنيّ أنا اثق بك اكثر من نفسي ...هذه المرة الأولى التي تنام بها خارج البيت...أرجوك لا تغفل عنها.."

عند اغلاقه الهاتف وفِهْمها أن والدتي وافقت ..نهضت من كرسيها متجهة نحو الباب..فسأل متعجباً :
" إلى اين ؟.."

" دقيقة...سأعود فوراً."

عادت تحمل بيديها شيئاً لم يستطع تخمينه...كان يراقب يدها القابضة على هذا الشيء حتى وصلته...جلست على طرف سريره...وهمست :
" مدّ يمينك..."

رمقها بفضول دون ان يستجيب لها فقالت :
" أتريد أن استلقي بجانبك ؟!.."

" طبعاً.."

" من أكون بالنسبة لك لأفعلها ؟"

" حبيبتي وخطيبتي وزوجتي أمام الله "

" ما هو الدليل على ذلك سيد سامي وأنت ألقيت خاتمينا بدون ذمة ولا ضمير ودون أن ترأف بحالي ؟!"

" إنسي الماضي يا عينيّ الشهد...لا تذكريني ...ثم ذاك الخاتم لم تختاريه بنفسك لذا سنذهب للصائغ فور خروجي ليكون على ذوقك ..."

قالت مبتسمة :
" اذاً مد يدك..."

مدّها فأخرجت لاصق طبي وحوطت به بنصره الأيمن وهو يراقب بصمت وقالت ببراءة عقلها الطفولي وهي ترفع يده لشفتيها لتقبّل خاتمه الجديد المبتكر :
" مبارك حبيبي خاتم خطوبتنا ..."

مسك نفسه عن الضحك كي لا يغضبها وكانت الفرحة تغمره من كلامها.....أخذ منها اللاصق الطبي الآخر يطاوعها وفي داخله يسخر من جنون البنات وعقلهن الصغير ثم حوط بنصرها به بمساعدتها ورفع يدها يقرّبها لشفتيه بقبلة طويلة ادفأ وأجمل من قبلتها وعيناه تخترق شهديها لينشر عشقه لها ثم حررها ومدّ يمناه يجذب عنقها ليقرّب أذنها لفمه هامساً بصوت خفيـــض أذابها كحبة البوظة المتروكة تحت أشعة الشمس الحارقة :
" أحبك.... يا حياتي ودنيتي "
ثمّ قبّل لها عينيها مضيفاً:
" آسف لأني أبكيتُ هاتين العينين "

بعد أن تعمّد اذابتها وبعثرة أحاسيسها ...ضغط على زر بجانب سريره لتأتي الممرضة وكانت هي قد وقفت مبتعدة عنه كي لا تجلب لنفسها الكلام ..
" أتحتاج شيئاً سيادة الضابط....؟؟"

" سلامتك....أردتُ أن أذكّرك بعدم ادخال حتى ذبابة للغرفة ولا تأتي الّا بقرع الجرس.."

اومأت تؤكد على أوامره ثم خرجت لتخلع بعدها (دنيا) حذاءها من قدميها وتدسّ جسدها النحيل بجانبه وبدآ يثرثران حتى ساعات متأخرة من الليل ....كانا يعوضان كل دقيقة ذهبت من عمرهما هدراً وهما بعيدان عن بعضهما....كان يستمع لها بقلبه العاشق الغارق بحبها وهي تحكي له خباياها وتعترف له بما قالته لأمي قبل مجيئها...وبين الحكاية والأخرى كان يقصد اظهار تأوهاته بدهاء ليجعلها تربّت على أوجاعه أو تقبّلها له.!!...انتقم منها بتدليل نفسه ذاك الغليظ........بعد صمت لدقائق قليلة جداً يتأملان بعضهما بشغف وهيام ...همس لها بِوَلَه وهو يدنو منها ويسحق كل وحدات قياس المساحة بينهما:
" تعالي لأوشوشك كلمة بين شفتيك "
ثم شدّ الغطاء يخفي وجهيهما كي لا يقرأ أحد الكلمة السحرية التي أمّنها عليها ....!!

وكان الشرف لجدران هذا المشفى بأن تشهد على ولادة قصة حبهما......

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

هذا أول عيد ميلاد يكون بدون احتفالات ....السنة الماضية يوم رجوعها للبلاد أقاموا لها احتفالاً كبيراً والسنوات التي تغرّبت بهن كانوا يذهبون لعندها من أجل معايدتها وإغراقها بهداياهم واهتماماتهم ....هذه المرة تمنّت أن يحتفل خطيبها معها... .. لقد سئمت من التجمعات الفارغة....رغبت أن يكون يومها مميزاً عمّا سبقه...فالآن قلبها يخفق خفقات تدغدغ روحها....تشعر أنها رست على بر الأمان بعد أعوام تخبطت بها.....تريد أن تعيش لحظات حب كأي فتاة في سنها...تريد من عريسها أن يصبّ اهتمامه بها ويدللها ...لكنها حائرة ...تقول في نفسها "...أيمكن أنه لا يحفظ تاريخ ميلادي ؟!....أصبحنا وقت العصر ولا رسالة أو مكالمة ليعايدني ....لا أريد هدايا ثمينة...أريد سماع كلمة حلوة فقط.."........كانت تعيش حيرتها في غرفتها فطرقت الخادمة الباب عليها...
" أدخل..."

فتحته وقالت وهي تحمل شيئاً في يدها :
" وصلت هذه لكِ سيدتي .."

نظرت باستغراب لما بين يديها وهمست تمد يديها:
" شكراً لِيلِي ...هاتها ....أتعلمين ممن ؟؟! "

اقتربت تعطيها إياها مجيبة :
" كلا سيدتي...خدمة التوصيل جلبتها باسمك "

حملتها وكادت يداها تقعان لمّا تفاجأت من ثقلها وهتفت :
" حسناً ليلي...يمكنك الانصراف"

وضعتها بجانبها على السرير متسائلة وهي تخرجها من الكيس الكرتوني الفاخر وتكلمها :
" تعالي لنرى من يكون صاحبك يا هل ترى .."

كانت الهدية مغلفة بورق خاص للهدايا وعليها بطاقة بغلاف مورّد...حررته من اللاصق وفتحته لتجد ..
[ كل عام وأنتِ بخير ....أتمنى لكِ يوم ميلاد سعيد ....أعتذر عن عدم تواجدي معك في هذا اليوم......يامن ]
قرأتها بشحوب وأغلقتها شاردة في حظها...لقد وضعت في مخيلتها قبل قليل الكثير من التخطيطات والأمنيات التي ستعيشها مع خطيبها وها هو جاء الرد الفوري لتتلاشى أمنياتها .....فعلاً ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ...!!....تنهدت بقوة عسى أن تتخطى شعور الخذلان الذي اصابها ثم بدأت تمزق الغلاف وفور كشف الحجر أمامها شهقت منبهرة من جماله وحملته تتفحصه بدقة تحاول تحليل ما عليه ....حجمه متوسط , رسمتُ عليه سماء زرقاء صافية وفي كبدِها عينين شبيهتين لعينيها وأرض جرداء تنصب عليها خيمة يقف بجانبها فتى يحدّق بالسماء وبين الفتى والعينين كتبتُ اسمها بالخط العثماني وأسفل الحجر حيث ترسم الأرض الجرداء كتبت جملة بالرموز المشفرة التي علمني إياها أبي ويستحيل أن تعرف حرفاً منها دون أن اخبرها بها بنفسي ....بعد أن انهت انبهارها تلاعبت بها ذاكرتها....هذا الشيء المميز مرّ عليها ...سرحت في السقف تربّت براس سبابتها على جبينها تنعش دماغها , تقول .."...أين رأيت فكرة كهذه ...اين اين ؟؟ " .......اتسعت عيناها عندما ارشدها عقلها للعنوان وحملت هاتفها التي كانت تمنع نفسها منذ الصباح عنه لئلا تتصل هي بي قبلي...كانت تنتظر أن ابدأ انا بمهاتفتها لأن اليوم هو يوم ميلادها ويجب أن يأتي الاهتمام مني...لكن الآن الفضول أهلكها....فحاولت الاتصال عدة مرات ودائماً كان الرد أنه مغلق لأن هاتفي الخاص بـ (يامن) لا آخذه معي على المعسكر خوف اختلاط الحابل بالنابل ....في اليوم التالي كنتُ في بيتي ...فتحتُ هاتفي فقفزت على الشاشة رسالة منها :
[....انتظرتك حتى الدقيقة الأخيرة من يوم مولدي لتسمعني صوتك... تمنيتُ أن تهديني دقيقة من وقتك ولو على الهاتف لتكتمل روعة هديتك التي ابهرتني.....لكن يبدو هذا نصيب كل من ترتبط برجل أعمال أن تكون هي آخر اهتماماته....اعتدتُ على هذا لأن أبي يفعلها من قبلك!!......على كل حال... شكراً على الهدية ( مع رمز المبتسم ووردة )....]
رغم أنها حروف ميتة لا تنبض الّا أن مشاعرها الجريحة التي تكمن خلف رسالتها وصلتني....ها أنا بتّ أشبه أكثر شخص أكرهه....قسماً لم أثبت لنفسي في هروبي الا جُبني وضعفي وليس كما ادعيت أنني قوي ويمكنني الابتعاد عنها متى شئت......ماذا أفعل بي وبكِ حبيبتي ؟!....لم آخذ الكثير من الوقت لأقرر أن اصطحبها اليوم بعد جامعتها الى احد المطاعم كتعويض بسيط عن أمس ...أساساً تلقيتُ توبيخاً لتقربي منها ولا مانع بآخر ......تلك البريئة لا ذنب لها بين قسوة قلوبنا ومخططاتنا !!....
في الثانية بعد الظهر كنتُ أمام جامعتها أرتدي حلتي الكحلية مع قميص سماوي أفتح زر ياقته الخانق.....عند خروجها برفقة صديقتيها توقفت مكانها متفاجئة وهمست لهما :
" ماذا يفعل حائطي امام جامعتنا ؟!.."

قالت (ميار):
" ألا يمكن أن الحيطان داخلها قلوب نابضة تحسّ انها أخطأت لذا جاء ليتلافى خطأه ؟!.....هيا انطلقي وإياك الاصطدام بالحائط وكسر أنفك "

أضافت (لميس) :
" ألمى لا تعاتبيه على تقصيره بحقك أمس....الرجال لا يحبّون ذلك...تعاملي مع الشيء كأنه عاديّ كي لا تضعي فجوة بينكما ....وأن يصل متأخراً خيرٌ من أن لا يصل أبداً.."

نظرت لهما باستغراب وهتفت:
" ما بكما وكأنكما متأكدتين أنه جاء ليعوّضني عن البارحة ؟!...لم نعلم بَعد سبب قدومه .......هيا أنا ذاهبة....أراكما غداً..."

وصلتني وألقت التحية ثم سبقتني تركب السيارة بهدوء فاستقلّيت بعدها مقعد القيادة مبتسماً وهي ساكنة مكانها....مددتُ يدي على المقعد الخلفي وسحبت وردة بيضاء اشتريتها في طريقي...مددتها لها مبتسماً وفور امساكها بها دنوتُ منها أقبّل خدّها هامساً قرب أذنها :
" أنا أعلم أن قلبكِ أبيض مثل الوردة التي بين يديك يا وردتي لذا ستسامحينني عن البارحة.."
توهّجت وجنتاها من أنفاسي وكلمتي واضطربت نبضاتها ثم التفتت نحوي بعد أن عدلتُ جلستي ورمتني بتلك النظرة من سماءيها والابتسامة من شفتيها اللتين تهزّان أوصالي.....بعد نيْل القبول من ألمتي الطيبة انطلقت في طريقنا الى غايتنا ...كسرتُ الصمت بيننا سائلاً :
" هل أعجبتك الهدية ؟!.."

ردت بسرور :
" جداً...مميزة.....سلِمت"

تبسمت ونظرت لها نظرة سريعة ثم أعدت عينيّ للأمام وهمست :
" سُعدت أنها أعجبتك....انتابتني الحيرة فيما أهديكِ حتى رسيتُ على هذه "

رمشت بعينيها ممتنة ثم تنحنحت وهمست :
" اتصلتُ بك في الأمس لأسالك ..!"

" عن ماذا ؟!"

" هل...أنتَ رسمتها ؟!.."

" شخص آخر رسمها....لماذا؟! "

أنا أجبتها هكذا صدفةً لأنني قصدتُ بذلك (هادي) وليس (يامن) لكني تفاجأت عندما اجابت :
" تعرّفت على شخص في الماضي يرسم على الحجارة ....الهدية أعادتني لذاك الوقت....لذا كان سؤالي مجرد فضول ....من يكون هذا الشخص؟ !!"

يا ويلي....لقد نسيت!! ....أحمق....كيف غفلتُ عن شيء كهذا ؟!...أيعقل انها ما زالت تذكر هذه الأشياء البسيطة ؟!.....أجبتها متهرباً :
" ليس من هنا ...لا تعرفينه ....ثم هل ذاك الشخص هو الوحيد الذي يرسم على الحجارة ؟."

" بالطبع لا ..لكنها هواية نادرة ....والذي لفت انتباهي الخيمة والولد..."

" كيف لفتت انتباهك ؟!.."

أجابت هاربة بعينيها لنافذتها :
" ممم....ذاك الشخص قابلته في احد المخيمات عندما كنتُ برفقة خالتي... "
أعادت بصرها نحوي وسألت :
" من اختار الرسمة ؟! "

أجبت :
" أنا.."

سألت بفضول :
" ماذا تعني هذه الرسمة وما قصدك بالخيمة وما تلك الرموز أسفلها ؟!....لم أفهم شيئاً منها كأنها طلاسم .."

تبسّمت وقلت :
" إنسي الرموز والمختبئ خلفها وتمتعي بالرسمة !.."

همستْ لي بتيه وأنا اركن السيارة بموقف المطعم :
" لمَ سأنسى ؟؟...أريد أن أفهم المقصود!"

أوقفت السيارة ثم مسكت يسراها مبتسماً أطبع قبلة عليها وعيناي تشعّ بالحب صوْب عينيها وهمست :
" أعدك إن أراد الله لنا ....سأخبرِك يوماً ماذا يعني كل شيء وُجِد فيها !!...لا تسأليني الآن"

تأملتني لثواني بضياع ثم أومأت برأسها خاضعة وفتحت الباب لتنزل الى المطعم....

كنتُ قد كتبتُ بالرموز ( هادي...لاجئٌ في سمائك ).....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

توالت الأيام علينا لنصبح في منتصف الشهر المبارك....مضت تلك الأيام وكانت هي من تبدأ وتنهي اتصالاتنا أو رسائلنا في الصباح والليل كما لم أعهدها مِن قبل ....وكنا نتقابل بين الفينة والأخرى للغداء وكذلك برمضان للإفطار معاً... كنتُ أستجيب لها هائماً بعينيها وفي بحور مشاعرها التي باتت تتجلّى لي وتكشف عنها بعفويتها البريئة .......لم يتبقَّ الّا ان تعترف لي بذلك مباشرة.!!... لم أنجح بالابتعاد عنها كما عزمتُ على ذلك...ها هي ربما المحاولة العاشرة بعد الألف التي ألقي بها في سلة الفشل!!.......
بدأنا بالإجراءات والتحضيرات الرسمية لسفرنا الأول الى أرض الوطن ...الى مسقط رأسي إلى ماضيي ومستقبلي...إلى وجعي وفرحي .....مرّ عام على رحيل عائلتي عني....أنتظرُ صابراً والشوق يذبحني لليوم الذي سأضمهم إلى حضني ...آه يا نبض الحياة...أين لمساتك ودفء انفاسك ؟....حرموني من أبي ميّتاً وحرموني منكِ حية ...وضعوني في دوامة لا ألمس السماء ولا أثبت على الأرض....حائر , ضائع....مشاعري وأفكاري مبعثرة ومشتتة....أقف على مفترق طرق لا أعلم أي السبيلين أسلك...خطوتي على يميني فيها انتقامي وردّ اعتباري...فيها إطفاء ناري.... لأمضي بها عليّ اجتثاث قلبي من بين ضلوعي ...ان اخترتها سأنتصر لكن سأتذوق هذا النصر كجثة هامدة بلا روح بعد أن أترك روحي في الطريق الآخر....سأمضي في الظلام الدامس عند هجري لزرقة سمائي..!!....وطريقي على يساري لأعبرها عليّ الدوس على الكرامة من أجل الحصول على نبض قلبي لأعيش كأي انسان من حقه العيش حياة فيها الحب والسعادة بقرب الحبيبة ..فيها بلسم الروح.....فيها أبقى أنا ..محلّقاً في سماء عينيها.!!...
هذه معادلتي الصعبة الوحيدة التي لم استطع حلها .....لكن رحمة الله واسعة...فاللهم اختر لي ولا تخيرني...إني أفوض أمري لك فأنا لا أحسن التدبير وأنت على كل شيء قدير....
×
×
×

حزمنا حقائبنا مستعدان أنا وخالتي للسفر لوطننا الذي كان مسكننا وأصبح رحلتنا....يوم غد هو اليوم الأعظم في حياتي ..يوم كنتُ فاقداً الأمل به منذ حوالي احدى عشر سنة....كنّا متكتمين عن هذه الرحلة حتى نرتّب كافة أمورنا من غير أخطاء وجاء الوقت الذي سأخبرها به بسفري....رفعتُ هاتفي بعد أن لمستُ اسمها فردت على الفور هامسة :
" أهلاً يامن...خير؟"

قلت:
" مساء الخير ألمى....أعلم أن الوقت متأخر!"

هتفت بحماس :
" لا ابداً.....أنت تعلم انني أصبحتُ في الآونة الأخيرة من فئة الذين يعشقون السهر "

ضحكتُ مجاملاً لها وقلت :
" أجل....ممم....أتصل بكِ لأخبرك أنني مسافر غداً لأسبوعين على الأقل "

شهقت مصدومة ثم قالت بصوت خمد حماسه:
" تسافر؟!...إلى أين؟!"

أجبتها:
" خالتي مريم ستزور أهلها في البلاد وأنا مضطر لمرافقتها لأن أبي مشغول.."

همست بصوت شجيّ:
" ألا أراك لأسبوعين ؟!"

أجبتُ باقتضاب ليّن مع أن قلبي يهفو للطرب على عذب همسها:
" يبدو هكذا....سأغلق الآن...أراكِ على خير"

علقت غصة في حلقها وتجمعت الغيوم بسماءيها وهمست:
" دُمت سالماً لي....سـ...سأشتاق لكَ كثيراً...اعتني بنفسك...من أجلي"

أطلقت سهامها تصيب بها النابض الخائن في صدري تاركة أثراً لكلماتها التي كانت بالنسبة لي كاعتراف صغير بمشاعرها اتجاهي فلم أمسك نفسي ورددت على الفور غير متحكّم بلساني لأقول ما أملاه عليّ ذات الخائن بهمسٍ خافت:
" أنا سأشتاقُ لكِ أكثر يا مَن تسرقين قلبي "

~~~~~~~~~~~~~~~~

تأبى الدقائق ان تتقدم.....تقف مكانها عاجزة أمام هذا الطريق الطويل....سألت نفسي !!......هل الطريق طويل بالفعل أم مشاعر الشوق أثقلتنا وسنين البعد أضنتنا؟؟!......نصف ساعة هي المسافة بين البلدين جواً!!.....لكني أشعر أن طاقتي استنزفت وقدميّ لم تعودا تحملانني وكأننا انطلقنا من درب التبانة الى كواكب أخرى أبعد منها ونحن على هذا الحال!!....حتى يوم هجرتنا ورحيلنا عنها في البحر لم أشعر أننا أخذنا كل هذا الوقت ..."..[ الرجاء ربط الأحزمة ].."...رجاءً...هل استطيع ربط قلبي مع هذه الأحزمة؟!!....فأنا أشعر أنه يهوى من بين قضبانه رغم أنها ليست المرة الأولى التي اركب فيها طائرة !!...هل هو بفعل الجاذبية؟؟!.....الطائرة تهبط بحذر وهو يهبط معها راضياً بقضائه......هل هذا حُب الوطن؟!....هل تراب الوطن عرف قلوب وافديه؟!....هل استطاع أن يميز من هم خاصته؟!....ثبّتت عجلاتها على الأرض ..تتقدم بعنفوان وكبرياء لتصل إلى موقفها بكل دقة واحترافية.....حتى ظهرت أمامنا لافتة [ أهلاً وسهلاً بكم ]....أيفرض أن تقال لنا أم نحن من نقولها لزوارنا ؟!......رغم غصتي بانتمائي للغرباء وأرض الشتات وأصبحتُ غريب الوطن والدار الّا أن دمائي اشتعلت بعد هذه الرائحة....رائحة الوطن !!....ثورة متمردة في عروقي حاربت مشاعري وقصفت قلبي مما جعل مقلتيّ تنزف دمعاً غصباً عني....آاااه يا وطني الغالي.....الحمد والشكر لك يا الله أنك كحّلت عينيّ برؤياه ورزقتني زيارته.....وطني الأم ...أرض الأحرار....أرض العِزّة والأصالة......سجدتُ باكياً شاكراً لأمسح وجهي في ترابه الطاهر ثم دخلنا الى المطار نقوم بإتمام وتنفيذ المعاملات الرسمية.....مرّ كل شيء على خير بفضل الله....دلفنا من باب وخرجنا من آخر لنحتضن الوطن بأكمله...نحتضنه بهوائه وترابه...ببحره ونهره...بل بجباله وسمائه ...ليله ونهاره....شمسه وقمره....كباره وصغاره.....بشعبه الأبيّ الصامد والمسك الذي يفوح من دم شهدائه .....!!
أصبحتُ حراً طليقاً بجسدي بعد أن كان أسير التشرد والنزوح والشتات....هذا ما يجب أن يكون....لكن روحي ظلّت لاجئة.!!....لأني لاجئ في سمائها.....
×
×
×

رفعت من هاتفي وضعية حالة الطيران ثم بعثتُ رسالة لصديقي (سامي) لأخبره عن وصولنا..........يوم قرارنا بالقدوم كان هو والسيد (سليم) فقط من يعلمان بذلك لكن بسبب الحادث الأخير أخبرته أن يسلّم المهمة لـ(أحمد)أو(بلال) ليأخذونا من المطار....لكن هذا عقل صديقي العنيد !!....أبى واستكبر أن يعطي مهمة استقبالنا لغيره....أراد أن نبقى على اتفاقنا ....ما زال كتفه الأيسر مربوطاً بحزام داعم ...فهو لم يمر عليه شهر بَعد!!....وأكثر ما أفرحني هو عندما اتصل بي ليبشرني بإصلاح علاقته مع شقيقتي ....تفاجأت من هذا التحول الكبير وسررتُ من أجل حبيبيّ قلبي........بعد دقيقتين من ارسالي رسالتي رد عليّ بأخرى يخبرني عن مكان تواجده ووصف لي سيارته.....سحبتُ حقيبتي مع حقيبة خالتي...ووصلنا الرصيف الخاص ببوابة المطار الخارجية الخاصة بموقف السيارات.....ها هي ظهرت لنا سيارته الفضية رباعية الدفع الفاخرة وهو يستند عليها ويعبث بهاتفه تارة ويراقب البوابة الكبيرة تارة....توقفنا أنا وخالتي على بعد خطوات منه ...رفع رأسه فتشابكت أعيننا في بعضها....ظللنا على وضعنا دقيقة صمت حداد على عمرنا الذي أضعناه بالبعد أو أضاعوه منا.....دقيقة نسترجع ماضينا وطفولتنا حتى لحظة وداعنا الأخير....وبخفة ألقيتُ الحقيبتين بعد أن فتح ذراعه الأيمن واندفعنا بنفس الخطوات ونفس ضربات أقدامنا التي تعزف نغمة عمق صداقتنا...اندمجت أحضاننا لنعود أطفالاً وصبياناً كما افترقنا ...نبكي قهرنا وفرحنا....نبكي ماضينا ومستقبلنا....نشد من احتضاننا أكثر مع قفزات الشوق والحماس ونربّت بقوة على ظهريّ بعضنا!!...من يرانا يعتقد أننا مصابان بالجنون أو تأخر في نمو العقل ونحن في اجسادنا الضخمة وعقلينا الصغيرين بهذه الحركات العفوية النقية التي تكتب الوفاء والإخلاص في صحبتنا.!!.....كانت خالتي ليست بأقل من حالنا وهي تراقبنا بصمت.... تنظر لنا بحنانها ورقتها والعبرات تنساب على وجنتيها لا تقدر ان تسيطر عليها من فَرط المشاعر والأحاسيس التي انتشرت بالأجواء ....لو وزّعناها على الآخرين لما نفدت......اقتربت منا أخيراً بعد أن تركت لنا المجال أن نشفي غليلنا وهمست:
" هيا أيها الشقيّان....تعبت من الوقوف "

قال (سامي) :
" هلا بمريومة ....أنرتِ البلاد....الحمد لله على سلامتكما.!!........ما شاء الله... ظننتُ أنكِ شقيقة هذا النكدي او عروسه.....هل فقط نحن من نتقدم بالعمر وأنت وعيوش بقيتما مكانكما ؟َ"

هتفت ضاحكاً:
" هيه أيها الغليظ....عيوش ووافقنا عليها لكن أن تدلع خالتي مريومة وتتغزل بها وهي تحت ذمة رجل آخر هذا كثير لأنه لو وضعك تحت ذراعه لسحقك بعضلاتك التي تتباهى بها..."

ابتسمت بخجل وقالت :
" كيف أنت الآن عزيزي سامي ؟!.."

اتسعت عيناي بذهول وقلت مازحاً:
" عزيزي سامي؟!...هل تجرئين على قولها أمام برهوم ؟!"

رد الغليظ عنها باشمئزاز مصطنع:
" لمَ أشعر أنك تغار مني ؟!..أم لأني استحوذت على نساء عائلتك سيد هادي ؟!.."
ثم أردف يرد على سؤالها :
" سلّمك الله خالتي....ها أنا مثل القط بسبع أرواح أقف أمامك لأبقى علّة على قلب هذا النكدي ذو راس الصوّان.."

قالت مازحة تجيبني أولاً:
" من اين سيعلم برهوم إن لم تفتن بيننا ..ثم الآن سامي هو صهر عائلتنا الوحيد وأصبح ابننا ...الا يحق له أن ندللـه قليلاً ؟!"
ورمقته بحنان وتابعت:
" فليحفظكما الله لنا وللوطن أنت وهادي.."
×
×
×

استقلّينا سيارته متوجهين على بركة الله الى مدينتنا الجبلية.....ساعات قليلة حتى دخلناها قاصدين حيّنا ( تلة الصقور) في الجانب الأعلى بها....كنتُ بنظراتي أتأمل من النوافذ الأشجار التي فارقتها وكأنه البارحة...كانت على حالها وخضرتها ...على شموخها وارتفاعها....لم تستسلم للحرب اللعينة...لم تنهار ولم تطلب اللجوء....لقد أكرمني الله بالسير على ذات الطريق التي رثيتها في رحيلي...فسجّل يا تاريخ أننا عدنا ولتكون خطواتنا هي العنوان وليست بين الصفحات المنسية....اشهدي يا أرضنا أن جذورنا مثبّتة بك مهما حاول الخونة اقتلاعها ومحوها......تراب الأرض التي تمتلكها لها نكهة خاصة لا يعرفها الّا من كان وفيّاً لها ولم يتخلَّ عنها....
دقائق أخرى حتى وصلنا إلى أغلى بقعة على فؤادي...إلى زمني الجميل إلى عزّي وعُزوتي.....قصر ابي الذي لا يضاهيه آخر مما رأيت وأقمت......من هذه المدخنة الثابتة فوق سطحه كانت رائحة خبز جدتي وفطائرها تجعلنا نسرع خطانا مغشياً علينا...سكارى وما نحن بسكارى...آه على ايامك يا جدتي!!......انفتحت البوابة الضخمة لتستقبل سيارة صديقي الذي أصبح هو رجل البيت بغيابنا عنه...ازدردت ريقي وكأنني سأدخل قلعة غريبة أجهل جدرانها وأروقتها!!.....ترّجلنا ثلاثتنا من السيارة وأنا وخالتي ننظر يمنة ويسرة....نقتبس من نفحاته ما يروي ظمأنا في غربتنا...بينما هذا حالي...ارتبكت أحشائي وتسارعت نبضات قلبي بعد أن وقع نظري على تلك الشجرة المباركة!!...زيتونة لا شرقية ولا غربية ..لا أعلم لمَ أرى في أوراقها وهن مما تحمل من عتاب وملامة رغم صمود جذعها!!....هل تعتقد أنني تخلّيت ؟!....أم هل أثقلتها أمانتي ؟!....كلا وألف كلا....أتخلّى عن روحي ولا عنها ....حملتاني قدمايَ نحوها...أخطو خطى بطيئة حذرة...كأنني خائفٌ من مواجهتها....كأنني مذنب في بعدي عنها....بتّ محاذياً لها أقف شامخاً واثقاً أقول لها بإباء وتحدٍّ كأنها تسمعني :
" ها أنا عدتُ....وعدتُ ووفيتُ"
وضعتُ يدي على صدري أسْكتُ هياج خافقي!!....كانا من بعيد يرتقبان تحرّكاتي حتى جثوتُ على رُكبتيّ منحنياً بظهري , خافضاً رأسي , مصوباً بصري , واضعاً كفيّ على ترابها في هذه النقطة تحديداً...ثم شرعتُ بعزقه مستخدماً أناملي وكأنها فأس مع أنفاسي اللاهثة من سرعة حركتي حتى لامست سبابتي صلبة حديدها ولم اتوقف الى أن ظهرت امامي بأبهى حلّتها وكأن حروفنا المطرزة عليها تشقّ ابتسامتها على هيئة صورة ابي وضحكته البشوشة....أخرجتها أزيلُ عنها ما علق بها من تراب ثم ضممتها كالعاشق الولهان , الملهوف على حبيبته لأدمغ عليها وعدي بدمعة ألّحت على عصياني.....فهذه هي عهدي!!
حملت البندقية وعلّقتها على كتفي خلف ظهري ورجعتُ الى خالتي وصديقي ثم توجهنا الى باب القصر وبعد طرقات قليلة فتح لنا الرجل الصغير شقيقي (شادي) ليشهق مصدوماً ويحملق بنا لثواني ثم قفز يتشبث بي صارخاً:
" أخي هادي عاد....أخي هادي عاد "
بدأت أقبّله بنهم وأعض وجنتيه اللذيذتين الشبيهتين بالتفاح ثم أنزلته أرضاً....لحقت به شقيقتي المدللة (دنيا) تقف وكأنها تريد التحقق من وقوفي امامها...لحظات قليلة ثم ألقت المكنسة التي كانت بيدها واندفعت نحوي تحيط بذراعيها خصري بكل ما اوتيت من قوة وتتكئ بوجنتها على صدري وتبكي مع ابتسامة على محيّاها هامسة بكل حُب الأخوّة :
" هاادي...كم اشتقتُ لك حبيبي الغالي.."

سعل (سامي) متعمداً وقال:
" نحن هنا....ليتنا هادي لنسمع هذا"

استقامت بوقفتها وضربته بدلال بقبضتها على كتفه السليم مبتسمة بحياء وهمست:
" اصمت يا طماع.."

هتف ناكراً ما يحصل عليه من همس ولمس منها:
" لهادي الكلام المعسول والأحضان وأنا المسكين فقط أتلقّى الضربات والتوبيخ "

تركته يتغالظ ويكلم الهواء واندفعت تعانق خالتي (مريم) تقبّلان بعضهما بلهفة وحنان ..فسألتُ :
" أين أمي؟!."
وقبل أن أنهي سؤالي رفعت نظري لأجدها تنتصف سلالم البيت الدائرية متسمّرة مكانها بعينين جاحظتين تلمعان بألم الشوق والحنين كأن الصورة توقفت عليها فتبسمتُ لها فاتحاً ذراعيّ أخطو نحوها بثبات خطوة تلو خطوة ...زمّت طرف ثوبها خوفاً من عرقلتها وانطلقت تقفز بسرعة وكأنها ابنة عشر سنوات حتى ارتمت في حضني لأغلق عليها ذراعيّ وهي تقبّل كل مكان تصل له شفتيها , تبكي بصوت مقهور , مشتاقة...تهمس بلوعة :
" مهجة قلبي...قرّة عينيّ...حبيبي هادي....الحمد لله على رؤيتي لك قبل أن اموت توقاً وقهراً .."
قبّلتُ رأسها وأنا اعصرها بذراعيّ بعينين دامعتين هامساً لها بنبرة مخنوقة بالكاد خرجت من بين أوتاري:
" ليبعد الشر عنكِ أماه يا نبض الحياة.."
ثم حملتها وهي بين ذراعيّ أدورُ بها أعوّض شوقي لها حتى أنني لم اكترث لخالتي التي تهمس ساخرة منا تنتظر دورها لتعانقها :
" هل نفترش الأرض وننام ريثما تنتهيان ؟؟...من يراكما يظن أنكما عاشقين وليس أم وابنها "

بعد اللقاء الحافل بمشاعر الفرح والاشتياق, اخذنا قسطاً من الراحة وعند اذان المغرب تناولنا فطورنا الرمضاني بأجواء عائلية دافئة....
×
×
×

في اليوم التالي ذهبت مع (سامي) الى شركة أبي حيث يديرها زوج شقيقته وصديقنا (بلال ) بالإضافة لكونه المهندس الرئيسي للبرمجيات وأنظمة الحاسوب اما (أحمد) يكون مدير العلاقات العامة لها ولفرع العاصمة الذي درس خصيصاً هذا المجال بعد أن طلب منه ذلك السيد (سليم الأسمر) .....دخلت الغرفة الرئيسية المقفلة من بعد رحيل أبي ولم يجرؤ أحد على فتحها بطلبٍ مني حتى تكون خاصة لي ولأرتشف منها أنفاس الماضي ورائحته وبصماته...دلفتُ أحاول أن استرجع صورته امامي وهو جالس على كرسيه الفاخر يستقبلني ويضحك لي...اقتربت ولامست الكرسي فطارت أوهامي وتصوراتي .....جلستُ أتحسس كل شيء حولي على مكتبه حتى بصرتُ صورة خاصة مثبتة داخل أطار على مكتبه موجهة لمقعده كي لا يراها غيره ...كنا قد التقطناها في أحد الأعياد ....كانت أمي تجلس على اريكة تشع بحنانها وعشقها وأبي من خلفها يقف يحمل دنيانا على ذراعه ويقرب وجهه منها ليقبّلها وأنا بجواره مبتسماً أضع يداً على كتف أمي والأخرى على ظهر أبي العريض ....مسكتها أمسح غبار الزمن عنها وأتأملها بعينيّ لامعة حنيناً لعبق الماضي وراحة البال...أنظر وأذكر كل حركة لنا فيها بل كل همسة....كم كنا عائلة مميزة بسعادتها وجمالها!!.....تنهدتُ بأسى وأعدتها مكانها طالباً الرحمة لأبي ومحتسباً ممن ظلمنا......اطمأننتُ على أمور الشركة التي بفضل الله ومن ثم السيد (سليم) وأصدقائي عادت أقوى من السابق , تأخذ لها مكانة في عالم الشركات الخاصة برجال الأعمال.....

×
×
×

في طريق عودتنا منها قررنا أنا وصديقي التسوّق لأشتري بعض الهدايا لعائلتي التي لم أجد فرصة لجلبها من تلك البلاد.......بعد شرائي ثلاثة حقائب يد فاخرة لأمي وخالتي وشقيقتي من أحد المجمعات الكبيرة , توجهتُ لدكان بيع الألعاب لأشتري لعبه للصغير وشقيقته (سلوى)...بينما انا ابحث عن هداياهما عدتُ سنوات كثيرة للخلف عندما وقع نظري على دمية بيضاء بشعر أسود حريري وغرة تكسو الجبين وعينين واسعتين سماويتين محاطتين برموش كثيفة والأغرب أنها ترتدي فستاناً باللون السماوي خصره محاطاً بزنّار من القماش الأبيض....كانت كأنها هي!!.....ألْمَتي تجلّت أمامي....تجسدت بطفولتها أثناء زيارتها لمخيمنا المرة الثانية .....سبحان الله كم تشبهها !!....هربتُ منها لأجدها هنا...كأنها إشارات تحذيرية منها بأن لا انساها ......قولوا لها أن المشرّد لا يترك أماكن اللجوء الى حين العثور على وطنه !!..... ..اشتريتها من غير تردد لأهديها لها بعد عودتي بإذن الله....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~

انقضى آخر أسبوع من الشهر المبارك وتهيأنا لاستقبال عيد الفطر الذي قررنا امضاءه عند عمتي(لبنى) في بيت السيد (سليم الأسمر) في مدينتهما الأقرب للحدود وكانت هدفنا بهذه الزيارة جدتي أم والدي التي أضعفها المرض ....تلك جدتي التي كانت كالجبل بقوتها وصلابتها وربّت رجلاً بطلاً مغواراً خادماً للدين والوطن بدموع عينيها......كان مصدر فخرها وبفقدانه كُسرت وقفز بصحتها العمر سنوات تسبق جيلها........فرحت بقدومنا وخاصة عند رؤيتها لي كانت كدفعة لتكمل ما تبقّى من حياتها فمنذ طفولتي وهي ترى بي والدي قلباً وقالباً....جلست بجانبها وهي تتحسس من جسدي وعبرات الزمن المطعون تعلق بين ثنايا تجاعيد وجهها...كانت تشدّ على يدي بكفها ...تغمر وجهها عند عنقي وصدري علّها تستنشق مني رائحة ابنها وتشبع شوقها....فأنا الجسد ذاته بطوله الفارع وبنيته العضلية ..العينان نفسها بصفاتها ..حتى ملامح الأنف والفم والحاجبين تشبهه الى حدٍّ كبير باستثناء التغيير الذي طرأ على حاجبي الأيسر....كان الاختلاف في الذقن فأبي ذقنه كان أطول ونابتاً بعشوائية وذقني قصير مهذب مرسوم بإتقان يجعلني أكثر جاذبية...شعري مثله لكن أبي كان يطيله قليلاً أما أنا ملتزماً بحلقه لسببين أولها لتمويه ملامحي عن ملامحه وثانياً هكذا نظامنا بالمعسكر أن يكون الجندي حليق الشعر للتجانس أي ليفقد تفرّده عن الآخرين ويكون جميع الزملاء سواء ....!!

×
×
×

في اليوم الثاني من العيد جلسنا أنا والسيد (سليم الأسمر) نحتسي قهوتنا الصباحية على احدى شرف منزله الكبير .....تبسّم لي بحنان أبوي ثم سألني ومؤكد يعلم الإجابة من مخبريه وأولهم السيد (ماجد):
" كيف هي أمورك مع عائلة الوغد؟!"

أجبتُ بسكون عكس العاصفة التي في داخلي ارتباكاً من الوصول للموضوع نفسه الذي يبدو سيصبح شغلهم الشاغل :
" الى الآن جيدة....لا جديد"

اتكأ بمرفقيه على الطاولة احتضن فنجانه بيديه وهمس بهدوء وحدقتيه تثبتان على وجهي:
" وصلني أنك مهتم بها.."

سألت مستنكراً:
" مهتم بمن؟!"

أجاب ببرود مع ابتسامة مائلة ماكرة على زاوية فمه:
" أنت تعلم جيداً مَن..."
أردف وهو يرجع ظهره للخلف يحرر فنجانه هامساً ببرود قاتل :
" لم يكن هذا اتفاقنا أيها الهادي.."



قلت متأففاً بضيق:
" ما لكم عليّ؟...لمَ تلصقون بي هذه التهم؟!...لمَ تشعرونني كأنني مرتكب جريمة ؟!"

رفع فنجانه لشفتيه يرتشف رشفة ثم ردّ بنفس بروده:
" نرى وقائع لا نتهم....فأنت مهتم بها ولا تسمح لنسمة هواء بجرحها "

شعرتُ بطنين قرب اذنيّ...قطبتُ حاجبيّ مستاءً وزمجرت هاتفاً :
" لا ذنب لها بمخططنا ولن أكون رجلاً ان آذيتها..."

ضمّ قبضته وضرب بها على الطاولة حتى تناثر رذاذ القهوة من فنجانينا وهو يشدّ فكيه على بعضهما ويفتحهما صارخاً بصوته الجهوري مشيراً للداخل :
" لا ذنب لوالدتك لتفقد سندها مبكراً....لا ذنب لدنيا لتتشتت في طفولتها وتتعرض للمخاطر......لا ذنب للصغير شادي الذي كاد يموت قبل أن يعيش بعد أن حرم من حليب امه.....لا ذنب له أنه لا يعرف من والده سوى اسمه......بل لا ذنب لكَ أنت خصيصاً !!....أصبحت رجلاً قبل أوانك.....تحمّلتُ مسؤولية بخلاف أقرانك....متّ وعشت مرات ومرات....حُرمتَ من حلمك الكبير وهو دراستك للهندسة....لا تعلم من أنت ...أأنت يامن ام هادي؟!....فقدت والدك في وقت يكون أكثر ما تحتاجه فيه....تفرّقت عن عائلتك دون أن تعلم هل ستلتقي بهم مجدداً أم ان الموت سيخطف أحدكم .......لا تستطيع اللجوء هناك ولا الاستقرار هنا.....وتقول لي ما ذنبها؟؟!!.......أجبني عن ذنب هؤلاء لأذهب بنفسي وأزفّها إليك عروساً لطول العمر..."

لم يكن بوسعي النطق بأي كلمة بعد أن سقطت أوراقي....هي حقائق اعرفها ولكن بدا لي كأنني أجهلها!!.....هل ألقت بتعويذة عليّ لتعمي بصري وبصيرتي؟!....هل كنتُ على وشك الاستسلام لسحرها دون ادراك لهذا؟!....
ولمّا رآني لذتُ بالصمت ولم أحرّك ساكناً...هتف آمراً:
" جهّز نفسك فجراً لأريك بعض الحقائق لعلّك تصحو من سباتك قبل فوات الأوان.."

رمقته بنظرات فارغة بفعل الصفعات التي تلقيتها فأكمل مهدداً بقسوة:
" لا تنظر اليّ هكذا....اذا لزم الأمر أنا سأقتلع قلبك من بين اضلاعك....فأتمنى أن تدوس عليه بنفسك قبل أن أفعلها.."
هدأ قليلاً وأخذ صوته منحنى آخراً فيه الرقة والحنية:
" هادي يا ولدي....نحن وضعنا آمالنا فيك....لا تدمّرها من أجل امرأة لن تكون لك يوماً...لأنها لو علمت من أنت وما غايتك بالاقتراب منها والارتباط بها ستحرقك بكيدها دون ان تنظر لك مِن خلفها ....أتظن أنها ستترك والدها من أجلك ؟....ان اعتقدت ذلك فهذه ليست سوى أضغاث أحلام استعذ بالله منها ..."

فسحتُ له المجال يقرأ عليّ خطاباته وكلماته تلك...ليس احتراماً وذوقاً مني ولا خوفاً منه...بل لأنني احتضر في داخلي بعد فقدان الأمل بالعلاج....أطلق رصاصته وتركني صريعاً دون أن يمد لي يد العون والإغاثة......فليتصل أحدكم بالإسعاف علّني أسرق من حياتي دقائق أخرى.....!!
لقد جافاني النوم هذه الليلة بعد أن أزعجني عقلي وهو يعيد حرفاً حرفاً من كلامه كي احفظه قبل دخولي الامتحان....
استسلمت أخيراً عيناي مسدلة ستائرها لتسمح لي بالنوم ساعتين قبل دلوف الفجر...!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

توجهنا للمسجد لصلاة الفجر كلانا ثم عدنا بعدها لنتناول فطورنا وانطلقنا متجهين الى مكان لم يعلمني عنه بعد......بعد نصف ساعة وصلنا الى شركته ودخلنا من مدخلها الرئيسي ثم أخذنا بنزول السلالم حتى وصلنا الى مرآب السيارات الأرضي فأخرج من جيبه مفتاحاً يشبه المفتاح الذي كان بصندوق أبي الصغير الذي استلمته في الماضي من السيد (ماجد)....يمشي بثقة وأنا أتبعه بحذر إلى أن وقفنا أمام خزانة حديدية بارتفاع أقل من مترين , اعتقدتُ أنها خاصة للكهرباء ولكن بعد فتح بابيها بواسطة مفتاحاً آخراً ظهر لي حائطاً خشبياً دون فتحات أو مقابض...دعسَ بضغطة خفيفة على زاويته العليا ليُفتح بسهولة وننزل منه درجتين ثم أخرى باب فتحه لندلف الى غرفة غريبة واسعة نوعاً ما , لم أخمّن من الخارج أنني سأدخل لهكذا مكان !!....كانت بأثاث قديم من طاولة دائرية كبيرة حولها كراسي خشبية باهتة وسرير فراشه مهترئ...كان يعلّق على الحائط لوحاً طباشيرياً يُبنى في الزاوية القريبة منه بيوت للعنكبوت وكانت خزانة خشبية مقفلة فتحها بذات المفتاح الأول...كانت مليئة بالخرائط الملفوفة بأوراقها الأقرب للصفرة بفعل الزمن وملفات تحمل كل المعلومات الخاصة عن الثوار منذ تأسيس الكتيبة الأولى.....أشعل قنديلاً قريباً لافتقاد الغرفة للكهرباء بسبب اهمالها فهي تحتاج لصيانة....أخذ ملفاً طواه بشكل اسطواني ولوّح به قائلاً:
" هذه الغرفة التي ستكون المقر الخاص بك لتخطيط العمليات وحماية الوطن طالما يكون على أرضه الأوغاد حتى يتم تصفيتهم والقضاء عليهم.."

فرَد الملف الذي بيده وبدأ يشير بعشوائية ويشرح لي نجاحات أبي وسيطرته بالميادين وإلى أين وصل بعد جهد جهيد ...كنتُ أصغي مستمتعاً , مفتخراً بهذه الإنجازات التي أعادت الحماس في داخلي بشكل أكبر فهتف في النهاية :
" هل ستصون تعب والدك وتستمر ببنائه أم ستهدمه من أجل امرأة ؟!"

قطبتُ جبيني مستنكراً:
" ما هذا السؤال ؟!"

أعاد كل شيء مكانه ثم هتف آمراً :
" اتبعني"

ركبنا سيارته ليتوجه بنا سائقه خارجاً من أطراف المدينة سالكاً طرقاً وعرة حتى مررنا بطريقٍ لم أنسها وهي التي سلكناها مع السائق الخاص به سابقاً الذي أصيب من غصن بعد ارتطامه بالشجرة ثم سقوط قذيفة عليه أنهت حياته.....مررنا من أمامها وعيناي بقيتا عالقتان فيها رغم ابتعادنا عنها كنتُ أشعر بطعنات متفرّقة بأحشائي وأنا أتذكّر منظره أمامي وهو يحتضر.......بعد ساعة ونصف وصلنا الى منطقة مفتوحة يتوسطها طريق ترابية ضيقة...ثم بدأت تظهر لنا أشجار وبعدها غرف حديدية تتوزع بينها وحركة خفيفة للرجال فسألتُ قبل توقف السيارة:
" ما هذا المكان الأشبه بثكنة عسكرية قديمة وكأنها على زمن الانتداب ؟"

أجاب مبتسماً:
" هي كذلك....هذه الثكنة التي كان مسؤولاً عنها والدك"

هفت قلبي وأنا أتخيل وجوده بينهم بهيبته وسيطرته البطولية.... !!...وبعدما توقفت السيارة قال لي آمراً بحزم :
" ترّجل واتبعني.."

ابتعدنا سيراً على الأقدام نتجه للجهة المعاكسة لهذه الثكنة نغوص بين الأشجار حتى انتهينا بعد ان مشينا خمسة عشر دقيقة ليظهر لنا سهلٌ وعرٌ مليء بالأعشاب والأشواك والصخور وحُفر مختلفة بأحجامها بسبب القذائف وقت التدريبات او وقت القصف من الأعداء....سرنا أكثر نتعمق بالسهل حتى وقفنا في نقطة معينة وصرخ بي بقوة :
" أنظر جيداً حولك..."

نظرتُ كالساذج لا أفقه شيئاً من طلبه فزمجر بصوت ثابت:
" أنظر وإياك أن تنسى هذه البقعة"

فسألتُ ببرود رافعاً احد حاجبيّ:
" لمَ؟"

شدني من ذراعي يقربني الى نقطة أكثر دقة وهتف مشيراً الى الأرض بسبابته واوداجه منتفخة تكاد تنفجر وعيناه كالجمر المشتعل:
" في هذه النقطة بالذات قتل والدك على يد قناص محترف بطلبٍ بارد نجس حاقدٍ من وغد يسمّى عاصي رضا......ماذا يسمّى؟؟....احفظه جيداً......عاصي رضا!!.....الحقير الذي ستسلم قلبك لابنته بسذاجة .."

صمت برهةً واستطرد وانا لم أعد باستطاعتي ابتلاع ريقي بعد أن جفف ماء جسمي بما يقول ويريني :
" هنا خرجت روحه الى بارئها.....هنا احتضر والقناص ينظر ضاحكاً مستمتعاً بانتصاره ليقبض جائزته....هنا تأوه بأنين واستنجد دون أن..."

" يكـــــفي.....يكــــــفي..."
صرختُ مقاطعاً له أغلق أذنيّ بيديّ ثم سقطت بركبتيّ منهاراً على الأرض ابكي وكأن كل مياه جسمي التي جفت فجرّت ينابيع من مقلتيّ وتشنجات متتابعة في عضلات صدري وسائر جسدي ...أتنفس بعنف وأصدر نحيباً لم يخرج مني حتى وأنا صغير....!!

اقتربَ مني بحنوٍ يضع كفه على كتفي ويقبض عليه هامساً بصوت رجولي لطيف:
" تمالك يا بنيّ....لم اجلبك هنا لتبكي على والدك....جلبتك لأوقظك من غفلتك لتنتقم أشدّ انتقام من الخونة الأوغاد..."

اتكأت بكفيّ على الأرض لأساعد نفسي ناهضاً ثم بعنف مسحت دموعي بيدي وقلت وأنا استجمع قواي تاركاً الوجه والحال الذي كنت عليه قبل قليل وهتفت بنبرة رجولية صارمة:
" هيا....ماذا ستريني بعد؟؟"

تبسّم مميلاً طرف شفتيه واقترب يربّت على ظهري كأنني تلميذ مجتهد وهمس بهدوء:
" غداً سنكمل.."

سألت متعجباً بخشونة :
" ولم ليس اليوم؟؟!!...ما زال الوقت مبكراً...."

قال بخفوت:
" تدّبرت موعد زيارة لشخص في السجن....بالكاد وافقوا على يوم غد.."

سألت بفضول:
" من هذا الشخص ؟!"

فأجاب من فوره:
" غداً ستعرف ان شاء الله.....هيا لنعود الى البيت!!."



**********( انتهى الفصل الرابع عشر )**********




قراءة ممتعة ان شاء الله...


حسبي الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.