آخر 10 مشاركات
وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-12-21, 01:29 AM   #131

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الحادي عشر (( مِن فضلك...لا تحبيني!! ))


الى متى سيرافقني هذا الصراع بين قلبي وعقلي ؟!!.....كأنهما يخوضان لعبة شد الحبل وفي كل مرة يزدادان متانة وتصلّب ...لا يهزم احدهما الآخر....اذا كان قلبي في بعدها يحبها فإنه ينبض عشقاً في قربها مما يزيده تمسكاً وقوة وعقلي آه من عقلي الذي لا ينام ولا ينسى ...دائماً يذكرني من أكون ومن حبيبتي تكون !....لا ادري ان كانت هذه نعمة ام نقمة !!...فهو يدفعني دائماً لأمضي في مهمتي بعزيمة وإصرار حتى انتصر نصراً في نهايته سأكون المنتصر والخاسر.....

أشعر بصداع سيفجر دماغي ...أريدها بشدّة ...مع كل نسمة أتذكر فيها عطرها اريدها ....حفرتُ اسمها على دمائي ..رسمت جمالها في قرنتيّ....سجنتُ روحها بين ضلوعي ...سرقتُ نبضاتها لخافقي ....كتمت أنفاسها برئتيّ....من يقول أن الاوكسجين هو الحياة ...خاطئ !!...فأنا أعيش لأني اتنفس عشق الألمى ....احتاجها ,اريدها ولكن.....!!
لقد اوقعتنا الحياة في منحنياتها ونحن مجبرون على خوض المغامرة....مغامرة يكتبها القدر لنا نكون بها خصوم متّحدين ....لا نستطيع تفسير ذلك لأنفسنا.؟!......صعب ..صعب جداً الحال الذي انا فيه ...إني اتمزق ولن أجد من يخيط جروحي ..!

×
×
×

" اريد العودة الى البيت.....انتهى اليوم والليلة"

أقبلت نحوي هاتفة بجفاء وعيناها كالجمر بينما كنتُ عند سيارتي اسحب هاتفي من الشاحن بعد شروق شمس يوم السبت.....نظرتُ لها بهدوء ثم اعدتُ حدقتيّ لما بين يدي اتفحص الوارد من الرسائل واجبت بلا مبالاة :
" ما زال الوقت مبكراً...لم نبدأ بالمغامرات "

ردت حانقة:
" لا تهمني المغامرات....فعلت ما تريد ولديّ امتحانات...لست متفرغة مثلكم"

قلت ببرود دون النظر لها:
" لننتظر حتى الظهر وبعدها نعود "

هتفت مصممة:
" لا اريد....جِد لي سيارة اجرة وابقَ انت !!.."

التفتّ اليها بابتسامة هادئة:
" لا تكوني عنيدة.....بعد الظهر نذهب ."

علا صوتها بحدة:
" انت لا تفهم ؟!....لا ارغب بالبقاء ...اريد العودة...لم أتكلم هندي !!"

سحبت انفاسي وزفرتها بهدوء وقلت وانا التفت بكامل جسدي اليها محاولاً الحفاظ على برودي:
" لا تخلقي مشكلة ....اصبري وفي المساء سآتي لأشرح لك ما تريدين"

صرخت غاضبة:
" استطيع تدبير أمور دراستي بنفسي....فقط اوصلني الى بيتي كما جلبتني مجبرة "

حدّقت بها لثواني بعد ان صرعت دماغي بإصرارها ثم قلت مبتسماً بقهر :
" حسناً انا مخطئ بما حدث بالأمس أو بالأصح بما لم يحدث.....اعتذر "

قطبت حاجبيها وبرقت عيناها وقالت :
" ماذا تقصد ؟!..."

" ألمى ...تعلمين ماذا اقصد.."

نطقت كلماتي واستدرت مجدداً نحو باب سيارتي المفتوح وعدتُ لتفحص هاتفي فدنت اكثر مني تمسك ذراعي , تسحبه من بين يدي وتلقيه في الداخل على المقعد هاتفة باستياء :
" لم ننهي كلامنا لتتجاهلني وتعبث بهاتفك .....انظر اليّ ووضّح قصدك .."

رفعت رأسي ناظراً للسماء مستغفراً ثم مسكتها من ذراعها ودفعتها بلطف على السيارة واسندت كفيّ على النافذة فوق كتفيها احبسها بجسدي منحنيا ووجهي قريب من وجهها وقلت وانا أتأملها بجرأة اخْجَلَتها :
" ها انا انظر اليكِ كما تريدين يا قطة "

بدأ صدرها يعلو ويهبط انفعالاً من وهج أنفاسي ....
" ابتعد عني...هذا يسمى تعدّي للحدود وليس نظر "

قالتها بصوت خفيض ويديها على صدري تحاول ابعادي ...فهمستُ قرب اذنها :
" سأشرح لكِ بالتطبيق العملي ما اقصد ....المْ ترغبي بذلك ؟! "

دفعتني بقوة بعد ان فهمت ما أعني ورفعت يدها محرجة لتصفعني على خدّي هاتفة بغضب:
" اصمت...وقح"

طوقتُ بقبضتي معصمها قبل ان تصل وجهي ثم قربت ظهر كفها لشفتيّ وقبّلتها وانا محدّقاً بها كأنها لم تفعل شيئاً وهمستُ بنبرة بين الصلبة والليّنة :
" هذه اليد الرقيقة تستحق القبلة الان , فأنتِ تحتاجينها لامتحانك...لكن مستقبلاً لن تكرري حركتك.....اتفقنا ؟!..."
قرصتها من وجنتها برقة وأضفت بنفس النبرة:
" لأني لستُ مسؤولاً عن ردة فعلي حينها.."
وانتصبتُ بوقفتي قائلاً بجدية :
" سأجلب اغراضي واستأذنهم ....انتظريني في السيارة "

اعتذرتُ من أصدقائي بحجة امتحانها وعدتُ حاملاً خيمتي بعد ان وضبتها ....وضعتها بصندوق السيارة ثم اخرجتُ بلوزة نظيفة سوداء...خلعتُ المشبّعة برائحة الدخان وارتديتُ الأخرى....كانت تجلس في المقعد الأمامي عابسة وترى انعكاس صورتي بالمرآة الجانبية ...اتجهت الى مقعدي ومددتُ يدي للدرج أمامها أُخرِج زجاجة عطري انثر رذاذه على ملابسي ثم القيته مجدداً صافعاً باب الدرج الذي تحمّل ذنبها وشغّلتُ المحرك ....دعستُ على الوقود دون الالتفات نحوها او توجيه حرفاً لها وهي كذلك ....
في منتصف الطريق رفعت هاتفها تتصل بإحدى صديقتيها وقالت بهدوء :
" هل انتهيتما من الفصل المعقد ؟!.."

" لم نحل معظم تمارينه ونحن من كنا موجودات حينها ....ماذا ستفعلين انتِ ؟"

سألتها صديقتها لتجيب حائرة :
" لا اعلم ....ربما أبعثها لصلاح وأرى ان كان يستطيع شرحها لي .."

يبدو انها غفلت مع من متواجدة ونسيت نفسها!!....دعستُ على الوقود بغيظ لأزيد من سرعتي عند سماعي لاسم البغيض فانتبهت لما تفوهت وهمست بارتباك للتي تكلمها :
" سأكلمك لاحقاً ميار....الى اللقاء.."

انهت مكالمتها ووضعت هاتفها بحقيبتها ولاذت بالصمت !!.....فتحتُ المذياع على محطة الاخبار الهي نفسي واقتل الهدوء الممل بيننا..... لقد ثبتت دون ان تثرثر او تختلق شيئاً لنتجادل حتى وصلنا بيتها ...فتحتْ بابها وقبل ان تترجل تنحنحتُ وقلت وعيناي للأمام:
" انتظريني مساءً..."

هتفت بعزة نفس:
" لا تتعب نفسك...أستطيع حل اموري..."

ضحكتُ متهكماً ودمائي تغلي وقلت ناظراً اليها:
" هل امورك تحل مع ذاك الصلاح ؟!.."

ردت واثقة بتعالي :
" اظن هذه من الشروط التي لا تهمك ....ما بكَ مهتم؟!.."

اجبتها بهدوء :
" تهمني او لا تهمني انا اقرر ذلك متى اشاء.."

حدّجتني متسائلة :
" هل أنت تعاني من حالة انفصام ؟!.."

غمزتها هامساً بصوت رزين:
" بالضبط.....تصرفي على حسب حالتي !"

قالت هازئة:
" لست مجبرة على ضياع دروسي ومستقبلي بسبب مزاجك الفريد.."

ثم قفزت عن مقعدها وهي تسحب حقيبتها الصغيرة قبل ان ارد عليها وكالعادة يكون الباب ضحيتها .....

~~~~~~~~~~~~~~~

وصلتُ بيتي منهكاً نفسياً وجسدياً وبعد الاستحمام ارتميت على فراشي الأرضي لأعوض ما خسرت من ساعات نومي....استيقظت لصلاة الظهر ثم عدتُ لاغط في نومٍ اعمق حتى ساعة قبل رفع اذان المغرب....توضأت وصليت العصر ...ارتديتُ بنطال جينز اسود وبلوزة نصف كم ضيقة زيتية ....نزلتُ الى خالتي التي كانت تحتسي القهوة في غرفة العائلة وفور رؤيتها لي توجهتْ الى المطبخ من اجلي لتضع الطعام الذي لم اتناوله طوال هذا اليوم وجلست امامي على السفرة ثم اخبرتني عن مكالمتها مع والدتي في البلاد :
" قلبها منفطر عليك يا هادي....شهور كثيرة لم تَرَك وتشمّ رائحتك....افعل المستحيل يا عزيزي واذهب اليها....انت تعلم الوضع الآن اسهل من الماضي..."

نظرتُ اليها وانا امسك الملعقة بيدي هامساً بألم من شوقي لنبض الحياة خاصتي:
" اعلم خالتي ....كنت انوي الذهاب في العيد الكبير لكني سأحاول جاهداً لأسافر في العشر الاواخر من رمضان لقضاء عيد الفطر برفقتهم بإذن الله..."

صمتّ برهةً واردفت مازحاً:
"سأصطحبك معي بالطبع وليبقى زوجك من غير امرأة ليعرف قيمتك..."

تبسمت بحنان واجابت :
" يا ليت ...حاول ...فأنا مشتاقة لهم جميعاً ولبلادنا....اما زوجي انت تعلم ان لا مثيل له بحنانه واحترامه لي ...لا تنكر ذلك.."

هتفَ مَن كان خلفها ومِن اجله استفززتها ليسمع رأيها به :
" حفظك الله لنا يا جوهرة بيتنا الثمينة.."

ثم اقترب يضع كفيه على كتفيها من خلفها وقبّلها على رأسها بحنوٍ فاستأذنتهما للخروج وهتفت لأحراجهما:
" سأصلي المغرب واذهب ليخلو لكما الجو الشاعري....خذا راحتكما سأعود في وقت متأخر ان شاء الله"

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

أُف....هذا اكثر ما اكرهه أن أجد سيارة الوغد والدها في البيت ...يجب ان اضغط على نفسي وارتدي قناعاً بوجوده لأتحمله قدر الإمكان ويا لمساوئ الصدف كان هو من استقبلني بعد ان لمحني من الباب الزجاجي....يا مغيث اغثني وابعد هذا النجس عني .....رحّب بي برياء ثم اجلسني في غرفة الضيوف وبدأ يبادلني الأحاديث عن الصفقات والأعمال وكأنني تواق لصوته ومجالسته وكلامه الذي يثير اشمئزازي !!....فقط لو تعلم ألمتي ماذا أتحمل من أجلها......انقذتني السيدة (فاتن) بدخولها لترحّب بي ثم سألتني بلطافة :
" هل تعلم ألمى بوجودك؟!....لأنني أتيتُ لتوّي من عندها ولم تخبرني وكانت ترتدي منامتها !.."

اذاً ظنت أنني لستُ جاداً بكلمتي وأخذت راحتها سموّ الملكة..!!

قلت للسيدة(فاتن):
" جئتُ لأشرح لها مادة الامتحان .....يبدو انها نسيت اتفاقنا.."

هتف والدها وهو يستعد للنهوض:
" اصعد الى تلك المدللة الصغيرة....اما انا استأذنك فلديّ مشوار مع زوجتي.....خذ راحتك"

آاه لو بإمكاني الآن التفنن بصفع وجه هذا الحقير لأنه تجرأ وصفع بيده النجسة حبيبتي البريئة!!.....لم تخرج من رأسي كلمتها وهي تقول صفعني أبي...لقد ازددتُ كرهاً له على كرهي......ضاعِف عقابك أيها الخسيس...ضاعِف!!

" درب يغلق في وجهك ولا يعيدك " همستُ ذلك بداخلي ثم رسمتُ ابتسامة صفراء ناهضاً من مكاني هامساً من وراء قلبي:
" مع السلامة ...مشوار موفق"

صعدتُ السلالم لوحدي بعجلة هارباً قبل ان التقي بالأفعى زوجته وتغلّث معدتي بعد ان ارشدتني خالتها الى غرفتها....طرقتُ الباب بلطف فهتفت :
" ادخل او ادخلي ."

فتحتُ فتحة صغيرة وأطلّيتُ برأسي للداخل لأقتل من جديد بعفويتها وصورتها الفوضوية تلك وهي تتسطح على فراشها بمنامتها من الساتان البنفسجي ...تضع ساقاً فوق الآخر تلوّح به بالهواء وهو مكشوف لانزلاق البنطال لركبتها والقميص بأزراره المقفلة الّا أول اثنان لينزل كتفه ويعرّي كتفها ..شعرها مضموم بعشوائية للأعلى واطرافه تنزل حول وجهها ...تضع قلماً على طرف شفتيها بيد وبالأخرى تعبث بالهاتف...كتاب الرياضيات يكبّ على وجهه بجانبها وأيضا حقيبتها أي فانوسها السحري رفيقتنا بجولتنا كانت بجانب مخدتها...
صُدِمَتْ من رؤيتي وجحظت عينيها ثم عدّلت جلستها وفزّت بسرعة ترتب نفسها لا تعرف هل تستر ساقها ام كتفها أو تلملم دفاترها الملقاة على مكتبتها ؟!....دنوتُ ببطء للداخل وانا انظر يمنة ويسرة هاتفاً باستهزاء:
" ما شاء الله... ما شاء الله....هل حدثت هزة أرضية في بيتكم؟! "

لم تجبني فهي لا تستوعب بعد وجودي فوق رأسها ومشغولة بترميم غرفتها.....بدأت اقترب للأريكة القريبة من النافذة فشهقت وحاولت تسبقني لسحب ملابسها المبعثرة عليها لكنها تأخرت لأني وصلتها قبلها ...كمشتُ ما عليها بقبضتيّ ثم القيتها لها لتلقفها وجلستُ بكل أريحيه فسقط شيء من بينها جذَبَته في الحال وخبأته خلفها فقلت :
" ماذا تخبئين ؟.."

اجابت بتلعثم من صدمتها:
" هل ...أنت....حقيقي؟"


" لا....خيالي !!"


قالت مستاءة وذراعاها ما زالا وراءها:
" ما هذا الامتحان المفاجئ؟.."

اجبت ببرود:
" اخبرتك انتظريني ...هذه مشكلتك ان لم تصدقيني"


" من سمح لك بالدخول الى هنا ؟"


قلت وانا اجول في نظري الى زوايا الغرفة :
" تصريح رسمي من والدك رغم انني لا احتاجه فبالنهاية انا زوجك ..."

ثبتُّ عينيّ اليها واضفت:
" يا لك من فوضوية..."

رفعت حاجبي سائلاً بفضول مرةً اخرى لأنها لم تتحرك من مكانها وقسم من ملابسها امامها على الأرض ولكنها تخبئ شيئاً :
" ما الذي تخبئينه خلفك ؟!.."

همست محرجة بحياء :
" لا شيء ..."


" اريني .."


" مستحيل ...لا شأن لك "

أشرتُ الى المكتبة خلفها بملامح ونبرة مندهشة :
" ما هذا الذي على مكتبتك ؟.."

التفتت بكامل جسدها كالبلهاء تبحث عمّا اشرت اليه...فهتفتُ بصوت هادئ:
"رأيتها.... لونها وردي.....تابعي عملك براحة "


شهقت شاتمة :
" أيها المخادع الوقح .."

رفعت ذقنها بعلوٍّ وحاولت تظهر جرأتها سائلة:
" انت درست إدارة اعمال ام إدارة وقاحة ؟!"

تبسمت وقلت :
" إدارة اعمال ....ادارة الوقاحة اجتهاد ذاتي حسب الحالة التي امامي .."

غمزتها واردفت:
" كل ما كانت الحالة فاتنة تزداد الوقاحة....يعني ليس ذنبي "

توهجت وجنتاها وشقت ثغرها ابتسامة حاولت اخفاءها ثم لملمت ملابسها ووضعتها في حمام غرفتها...عادت ترتب فراشها ولما حملت حقيبتها قالت في سرها " وضعتك بجانبي لأشم رائحة عطره العالقة بك عندما رشّ منه بالسيارة فتجسد امامي صوت وصورة ورائحة !!"

توجهت لمكتبتها تكمل ترتيب دفاترها وهي تتمتم فقلت ساخراً:
" هل هذه الفوضى تعلمتيها في كندا ؟!.."

اجابت حانقة عليهم في تلك البلاد:
" لا ....لقد خنقوني في نظامهم ....الاكل في ساعات معينة ....النوم محدد وقته....حل الواجبات يجب ان يكون على المكتبة من اجل صحة ظهورنا ....سئمت من نظامهم الذي جعلني كالرجل الآلي ....هذا مسموح وهذا ممنوع......عدتُ هنا وانطلقت الى حريتي كما كنت قبل ذهابي ....ليس علينا ان نكون نظاميين في اكثر مكان خاص لنا..."

قلتُ كاذباً :
" غرفتك لا تشبهك ...فيها براءة الأطفال بلوحاتها وطلائها واثاثها اما انت كقطة شرسة متمردة .."

ردت بغرور وهي توليني ظهرها تتابع عملها على مكتبتها :
" من اين تعرف انني لست بريئة مثلها ؟!...فمن حقي اظهار مخالبي لمن يستحق ذلك !.."

ضحكت وهتفت وانا انظر لمنامتها :
" انت غريبة الاطوار ..."

التفتت نحوي برأسها رافعة أحد حاجبيها بفضول فتابعتُ:
" في بيتك ترتدين ملابس فضفاضة وفي الخارج أضيق ما لديك .....سبحان الله "

لم تعلّق فتنهدتُ بقوة وقلت :
" هيا احضري كتابك لنرى ذاك الفصل الذي صدعتنا به .."

هتفتْ بتهكم مستفز:
" بعثت التمارين لصلاح ولم يستطع حل معظمها....كيف ستحله انت ؟!"

زمجرت بصوت حاولت ان اخفضه:
" صلاح صلاح ...يكفي!...لا تقارنيني به....ان لم تأتيني بكتابك سأخرج ولتذهبي الى الجحيم انت وصلاحك وامتحانك.."

أجفلتْ من ردة فعلي ثم حملتْ الكتاب ودنت نحوي وأشارت على الفصل والتمارين المطلوبة بهدوء ...اخذتُ اقلبُ صفحاته بتركيز وهي واقفة تتأملني بصمت ....نهضتُ عن الاريكة واتجهتُ الى كرسي المكتب ...جلست وفتحت دفتراً امامي على صفحة فارغة...لم اجد القلم ففتحتُ بعفوية درج المكتبة ليقع نظري على ماذا ؟!!....لا يعقل!!......تناولته مشدوهاً مبتسماً بحنين وتفحصته بمكر وقلت لاختبرها مدّعي الازدراء :
" ما هذا القلم الرخيص ؟؟..من اين جلبتيه ؟؟...وما هذه الحروف المحفورة عليه ؟!.."

اتسعت عيناها مصدومة ثم قفزت خطوتين نحوي وسحبته من يدي مستاءة وقالت :
" لا تلمسه ولا تقل رخيص ....كومة الأقلام التي امامك بأنواعها لا تساوي حتى الممحاة منه ..."

" لكنه من النوع الرخيص كيف تقارنينه بالباقي ؟!.."

قطبت حاجبيها ,غامت عيناها بتوْق للماضي وصاحبه ثم همست بحرقة دون ان تبالي :
" ليس مهماً قيمته المادية ...هذه افضل هدية احصل عليها في حياتي من أعز شخص على قلبي ..."

من حسن حظها انها تتكلم عن (هادي) والّا لكسرت القلم وفوقه اسنانها لو كان احدٌ اخر...!!

أكملت بمكري وانا مبتسماً ممسكاً نفسي عن الانقضاض عليها وضمها لصدري :
" من يكون هذا الشخص البالغ الأهمية عند السيدة ألمى ؟!.."

اخفضت رأسها للأرض تهرب بعينيها وهمست بصوت خافت:
" تستطيع القول انه كان معلمي في طفولتي.."

قلت ببرود وانا اعدّل جلستي واعيد نظري للكتاب :
" هل على الأقل احتفظتِ بما علّمك ام تبخر مع الزمن ؟!.."

ردت مبتسمة ببراءة:
" انسى اسمي ولا انسى حرفاً خرج منه .."

هتفت ساخراً والسعادة داخلي تغمرني من كلماتها :
" اوه ...سأشعر بالغبطة من هذا المعلم ....ليتني استطيع أخذ مكانة في قلبك مثله.."

ضحكت واضفت:
" اقصد كمعلم.."

حبيبتي المخلصة ...لم يخطر في بالي يوماً انها ستحتفظ بشيء بسيط اهديتها اياه لسنوات بكل حرص وكأنه شيء نادر .....كيف لا احبها مدمّرتي الطيبة ؟!.....

اخرجتُ قلماً آخراً وهمست :
" تعالي الى جانبي..."

عند اقترابها بدأت ارسم واكتب على الصفحة مثل خارطة مبسّطة أفك لها المعادلة وأفسر لها بالحرف الواحد كل رقم واشارة ولما انتهيت سالتها بجدية :
" هل فهمتِ؟"

اجابت بطيْش:
" ها؟...لحظة....دعني أحاول.."

فتحتُ صفحة جديدة وكتبت لها تمريناً مماثلاً من عقلي ثم اجلستها مكاني اراقب حلّها ...كانت تسير بخطٍ صحيح الى ان اخذت في نهايته طريقاً اخراً فسحبتُ القلم من بين اصابعها منحنياً على المكتبة متكئاً بمرفقي ...كاد يلتصق رأسي برأسها وانا أنبهها على خطئها فسألت وانا انظر اليها :
" واضح؟"

رفعت وجهها بسماءيها لتقابل وجهي وحرارة القرب تلسعني وهي حالها من حالي فانتصبتُ بوقفتي متنحنحاً هامساً:
" واضح ام اعيد شرحي ؟"


ردت بخجل:
" لا...لم افهم"

عدتُ مرةً أخرى الى وضعي السابق اشرح لها وبعد انتهائي رفعت وجهي لأسألها فكانت في عالم آخر مغمضة عينيها تستنشق عطري كالمخدرة ...تبسمتُ ونكزتها بالقلم على انفها ففزعت تستفيق من غيبوبتها واكتسى وجهها بالأحمر ثم سحبت القلم مني وهمست محرجة:
" سأحاول من الأول .."

هي تكتب وانا انظر الى جانبها اتأملها بوَلَه...بداية من عنقها الى ذقنها الناعم وشفتيها الورديتين ...انفها الصغير ...مددتُ يدي لأزيح خصلة من شلالها تعيق وصولي الى المحطة المركزية أي عينها السماوية ....علقتْ في نفس النقطة السابقة من الحل والقت القلم واخذت تهف بكفيها على وجهها من شدة سخونته واحتراقه من انفاسي ولمستي ....فعلمتُ ان لا جدوى ان استمرينا بهذا الوضع وسنكون كمن نطحن بالماء...قلت لها بحزم كأستاذ صارم :
" اجلبي اغراضك واتبعيني الى الأسفل لغرفة الضيوف او طاولة السفرة....لا يمكن هكذا "

سبقتها للأسفل وجلستُ على طاولة السفرة انتظر قدومها....كان هذا الحل الأنسب لكلينا !!...فنحن اثنان والوَلَع ثالثنا...الله اعلم ماذا يمكن ان يحدث اذا اندلعت الحرائق في غرفتها وخصوصاً شرارة قربنا في الأمس تنتظر دفعة منا؟!!......أقبلت وجلست على كرسي تقابلني وشرعتُ بالشرح لها من البداية حتى امضينا ساعات لم نشعر بها لأنني لم اتركها حتى أيقنتُ من فهمها للمادة ....نظرتُ للساعة , كانت الحادية عشر ليلاً....نهضتُ اتمطى بسبب تيبُس أطرافي فنهضتْ هي من مكانها واقتربت بخجل مني ثم مدت يدها بتردد تمسك كفي بأناملها البيضاء الرقيقة ورفعت سماءيها تنظر لأرضي بامتنان وهمست :
" لا أعلم كيف أشكرك حقاً "

شددتُ بحب على اناملها بقبضتي وتبسمتُ هامساً لها بلطف :
" العفو ألمى...لم افعل شيئاً.....نجاحك هو شكري "

حررنا يدينا وبدأنا نتمشى خارجان حتى وصلنا سيارتي...فتحتُ باب مقعدي فمسَكَته بيسارها وعيناها تشع مسرّة وارتياح وقالت بنبرة عذبة :
" سلِمتَ يامن ...لولاكَ لانفجرتُ مِن يأسي"

تبسمتُ واستدرت اليها بحنوٍ ومددتُ يدي وضعتها خلف رأسها وجذبتها برقة لصدري وقلت وانا امسد على شعرها:
" ألمى.."

قالت متعجبة مني بصوت رقيق وهي خاضعة على وضعها:
" نعم.؟."

" عديني أن تنجحي في دراستك مهما مررتِ بظروف!....اريدك ان تصبحي مهندسة كبيرة تعتمدين على نفسك دون ان تنتظري دعم من أيٍ كان....لا تستسلمي ولا تتوقفي....تابعي حياتك وحاربي الصعاب ...انا اثق بكِ وأعلم انك تستطيعين فعل المستحيل.....شهادتك وعلمك هما سلاحك ...أقول هذا من اجلك فقط....أتعديني بذلك ألمى ؟!"

كان عليّ احتضانها لقول ما عندي كي يصلها صدق مشاعري فلو طلبت منها هذا دون لمسها ستفهمها بصيغة التسلّط والأمر وخصوصا لديّ سوابق في ثنايا عقلها....
فلا أروع من الأحضان لترجمة ما في القلب دون ان نحتاج للتعبير باللسان....

رفعت رأسها المحشور على صدري قرب نابضي وقالت بصوت خفيض متفاجئة :
" لمَ تقول هذا وكأنني سأمضي وحيدة او سأعيش كارثة ما ؟!.."

رسمتُ بسمة جريحة واجبت :
" مع الله لن تكوني وحيدة ابداً....الجئي له بسعادتك لتجدي الخير منه بشقائك ...فقط عديني الّا تنهاري من شيء وان تثابري حتى تنجحي..."

ابعدتها عن صدري وحوطتُ وجنتيها بكفيّ وتأملتها بعشق مع الرجاء وكررت طلبي :
" عديني...اريد ان اسمعها منك "

جالت بحدقتيها على وجهي باستغراب ...لمعت عيناها وهتفت مبتسمة بنقاء:
" اعدك.."

قربت منها أكثر منحنياً قليلاً برأسي ,اغمضتُ عيناي ووضعتُ بصمة شفتيّ على جبينها ملتصقاً به لثواني لأوثّق قبلة رؤوفة دافئة ...افلتّها ثم دثّرتُ رأسها مجددا في احضاني وهمست وانا امسح بيدي على ظهرها مسروراً منها:
" انت رائعة ألمى ..."

اقشعرّت ولم تتحرك لكني اشعر بنبضات قلبها التي تكاد تخرج من بين اضلاعها وحماوة جسدها التي ترتفع اكثر واكثر لتتسبب بغليان دمائي في عروقي مع عشقي ولهفتي لها إثْرَ تماسنا ببعضنا.!....ماذا لو اخطفها معي وأضعها أمامي لأشبع نظري بجمالها واطرب اذنيّ بصوتها وادفئ جسدي بلمسها ؟!!....حررتها بعد ان رأيت بوابة الساحة تفتح لتدخل سيارة الوغد والدها فاستأذنتها لأذهب قبل ان اعكر صفوي برؤيته ...
وكانت هذه اول ليلة لنا نفترق بمودة ولطافة دون اطلاق النار على بعضنا ..!!

~~~~~~~~~~~~~~~

خرجت من القاعة تكاد الدنيا لا تسعها...تمشي بخفة وكأن حمل جبل انزاح عنها بعد ان قدّمت الامتحان دون ان تجد أي صعوبة....تتباهى بين زملائها وصديقاتها ...يراجعون نموذج الأسئلة سوياً وهي تجادلهم بثقة وتجيب بطلاقة....انهوا المراجعة وتوجهت مع صاحبتيها الى مقعدهن في الحديقة للثرثرة بعد ان زال الهم عنهن... فقالت (ميار) بضيق مصطنع :
" سبقتينا ايتها المخادعة....وهذا بفضل الحائط الذي لا يعجبك !!"

ردت بصوت مخنوق خجلاً بعد ان شعرت بشيء سرى في منابعها بمجرد ذكرها لسيرتي :
" لا اصدق....اشعر أنني كنت في كابوس وصحوت منه ....لم يأتِ في بالي بتاتاً ان يكون هو مصدر نجاحي ... انه معلم مذهل بشكل خرافي"

هتفت (ميار) مازحة:
" واخيراً استوعب هذا عقلك الغبي وأدركتِ أنك محظوظة ابنة محظوظين"

لكزتها على فخذها ثم تنحنحت والتفتت الى يسارها حيث تجلس (لميس) وسألت بحياء ووجهها متورّد:
" هل تلتصقين بشيء عالقة به رائحة عطر خطيبك لأنها آسرة وجذابة....؟"

اتسعت عينا (ميار) وضربت صدرها شاهقة وسألت:
" هل قفزتِ عن كل المراحل ووصلتِ الى هذه النقطة ايتها الملهوفة للحب ؟!.."
قطبت حاجبيها وضيقت عينيها وحركت يدها وراسها برفض تمثيلي وتابعت :
" لا , لا ....ستفضحيننا بالتأكيد ...الحالة عندك في مراحل متقدمة ...."

ضربتها مجدداً عابسة من ثرثرتها وقالت :
" هلّا صمتِّ لطفا ؟!...انا اسأل لميس اخصائية العرسان والخطوبة ...انتِ بروفيسورة في الوسامة المزلزلة للشبان ..."

ضحكت (لميس) واجابت بروحها المُحبة:
" مثلما قالت ميار....اذا وصلتِ لهذه المرحلة فأنت غارقة ولا تدري..."

نكست رأسها للأسفل تحاول الانكار:
" لا تبالغا....ليس لهذه الدرجة !!....سألتك لأفهم ان كان شيئاً طبيعياً ام مشبوهاً......يعني رائحة عطره جميلة وقوية ومميزة وعلقت على حقيبتي لذا وضعتها جانبي اثناء دراستي أشمها لتنعشني...وايضاً وهو بقربي كنتُ استنشقها عن رقبته لكن رغماً عني ليس لشيء...حتى فُضحت لأنه امسك بي وخفت ان يظن أنني شغوفة لرائحته..."
صمتت لوهلة واستطردت قلقة ببراءة:
"لن يظن هذا...اليس كذلك؟"

اجابتها (ميار) ساخرة :
"نعم , انت تخطبين احمقاً ولن يفهم حركاتك المفضوحة وسيعتقد ربما تريدين شراء عطر مثله لوالدك ايتها الخرقاء "

سألتها ( لميس) :
" كيف كانت رائحة عطر صلاح..؟!"

ردت في الحال :
" جميلة ...يضع ايضاً من افخم العطور.."

تابعت (لميس):
" ألم تعلق رائحة عطره بأغراضك ؟!"


" بلى..."


" هل كنتِ تلتصقين بها ؟"

شردت قليلاً تتذكر ثم لوت فمها وقطبت حاجبيها وهزت رأسها نافية :
"كلا... لا اذكر هذا....كنا نقضي معظم الوقت مع بعضنا فمن الممكن انه لم يكن لديّ الوقت لافتقد رائحته .."

ضحكت (لميس) وقالت :
" لو كنتِ تحبينه لاشتقتِ له فور اختفائه من امامك وبحثتِ عن شيء يشعرك بوجوده أما يامن الذي ميز عطره انه خاص به أي ربطتِ الرائحة بأنفاسه وجسده وروحه ولو وضع صلاح من نفس الرائحة لن ترينها وتعجبين بها مثلما تكون على الآخر...."

ظلّت صامتة دون تعليق فأضافت (لميس):
" اجيبيني بصدق.....ماذا تشعرين بقربه ؟!"

اهتز هاتفها بين يديها مع نغمة يعلن دخول رسالة قبل ان ترد على صديقتها فأجفلت وارتجفت يدها وهي ترى اسمي وهمست وكأن لسانها احتبس عن الكلام واللمعة في عينيها:
" انـ.....انه هـ...هو...يامن "

وضعت ( لميس) يدها على جهة قلبها فوراً وغمزتها هاتفة :
" اخذت اجابتي ....قلبك يفضحك ويتمرد عليكِ ..يكاد يقفز للخارج من رسالة....الله اعلم ما يكون حاله في قربه...لا تخدعي نفسك او تخدعينا....هذه علامات الحب يا ذكية !"

قالت (ميار) :
" افتحي لنرى ماذا بعث لك من هزات الزلزال خاصتك...لنحمي أنفسنا ربما هزة قاتلة "

فتحتها وقرأتها بتردد وخجل :
"...[ مرحبا ألمى...طمئنيني....كيف كان امتحانك ؟]..."

" يا الهي ....انت في وضع صعب يا ابنتي ...كل هذا الخجل لأنه سألك عن امتحان ؟....اذاً لقد احدث هزة ضعيفة حسب مقياس - ريختر- .....قدّر الله ولطف بنا .."
تنهدت وتابعت :
" ماذا ستفعلين عندما تأتي الهزة الكبرى بقوله حبيبتي او احبك ؟!"

تهللت اساريرها من مجرد تخيلها هذه اللحظة ولم تعد تستطع امساك نفسها اكثر واخذت تقص عليهما كل ما حدث معها في الرحلة حتى زيارتي لبيتها وهي تفتح الباب على مصراعيه لمشاعرها لتنساب بأريحية كشلال الماء المتدفق بغزارة بعد ان كانت أسيرة في داخلها وتتصارع معها لوحدها ......كانتا تنصتان لها بحماس برباط الصداقة الحقيقية وهما فرحتان من اجلها وبعد ان انهت كلامها حالمة بأمل الحب سألت بتخوّف :
" هل سيأتي بالفعل اليوم الذي سيهز كياني واوصالي به عند قوله لي احبك ؟!"

ربتت (لميس) على ظهرها تشجعها :
" سيأتي يا صديقتي ان شاء الله....انتِ تستحقين كل شيء جميل ....وكل شيء في اوانه...لا تتعجلي.."

رفعت (ميار) يديها وعينيها الى السماء وقالت بروح الفكاهة:
" اكرمني يا الله مثلما اكرمت هاتين الحمقاوتين بزلزال أقوى اسحق به زلزاليهما "

~~~~~~~~~~~~~~~

" تذوقي هذه فتة الباذنجان...ماهرة امي في صنعها وحتى بلال يطلبها منها دائماً "

قالت (سلمى) وهي تمد الطبق لـ (دنيا) التي لبّت دعوتها لها بتناول الغداء في بيتها بعد عودتهما من الجامعة ......اعادته الأخيرة لها رافضة :
" لا شكرا....لا احب الباذنجان "

تبسمت باشتياق وأضافت:
" والدتك تذكرني بخالتي مريم .....اتذكرين كيف كانتا في المخيم مميزتين بصنع المأكولات ؟!.."
تنهدت وأكملت :
" كم اشتاق لأكل خالتي الحنونة...يا الله متى يعودان لنا هي وهادي "

ردت (سلمى):
" سيعودان ان اراد الله ...فقط ادعي ان يوفق الله اخي هادي بمهمته "
أكملت تسأل بفضول :
" مرّ شهور على ارتباطه ...الم يبعث لكم شيئاً من صور خطوبته حتى الان؟!"

ضحكت واجابت :
" من قال لك انه سمح بالتصوير حينها ....طلبت امي من خالتي ان تصوره وهو عريس ورفض رفضاً قاطعاً...حتى لم يبعث أي صورة تخص عروسه لنرى كنتنا الحالية"

هتفت (سلمى):
" مؤكد ساحرة ....اذكرها وهي صغيرة كانت مثل الدمية .."

" نعم هي كذلك حسب وصف خالتي ....لكن هو يضع في رأسه ان علاقته ستنتهي بها مع انتهاء مهمته لذا لا يقبل ان يدخل شيء يخصها بيننا كي لا نتعامل مع الموضوع بشكل طبيعي مثل أي ارتباط بين اثنين وبالطبع هو صادق لأنه يعلم انها بنفسها سترفض الاستمرار معه بعد كشف الحقائق والامساك بالحقير والدها بإذن الله..."

قالت باستغراب مترددة:
" اتعجب منكم ...ما شاء الله ...لا تتكلمون عنها بسوء كما تتكلمون عن والدها....كيف استطعتم تقبّلها ؟!....لا تؤاخذيني !...يعني يوجد حقيقة وهي ان الخائن والدها ...يعني اقصد...انه هو من ..."

ابتلعت (دنيا) ريقها بألم واكملت عنها وهي تنظر للأطباق على الطاولة:
" نعم, والدها هو من قتل والدي ..."
رفعت بصرها اليها امامها وعيناها محتقنة بالدموع على والدنا وتابعت بغصة:
" يوم معرفتي بذلك انه سيخطب ابنته ...ثرت , اعترضت , شتمت ودعوت عليها......لكن الحمد لله على نعمة وجود امي المؤمنة لتنير بصيرتي ....لقد قالت لي.... * هذه مهمة وستنتهي يوماً ما لكن يا ابنتي لو أراد الله ان تكون هي من نصيبه للأبد , لا اعتراض على أمره وضعي في عقلك ان لا تعاقِبي احداً بذنب الآخر....انّ الله هو العدل لم ولن يحاسب احداً على تصرفات غيره , فمن نحن لنفعلها ونحكم ونظلم هذه المسكينة ونحاسبها على ما اقترفه والدها ؟!....ضعي نفسك مكانها لا قدّر الله....أتتخيلين مدى الظلم الذي ستعانينه والقهر الذي لن تتحملينه وأنت تُعاقَبي دون ان تفقهي أسباب هذا الذي تمرّين به؟!....لذا صغيرتي هي مثلك ضلع قاصر تحتاج لنعطف عليها وأتمنى ان ينير الله بصيرتها للحق وهو أخبر بها....لا تجعلي على قلبك غشاوة وايّاك ان تتدخلي ....ابقي جانباً وادعي لأخيك فقط بالنصر..*..."
تبسمت ثم أكملت :
" من يومها اشعر انني لا احمل بقلبي شيئاً ضدها.."
تابعت بقلق :
" أما ما اخشاه ان يقع شقيقي في حبها ويتعلّق بها وهذا اكيد ما دامت بهذا الجمال والبراءة كما اخبرتنا خالتي وانا اعرفه يمتلك قلباً حنوناً أي لن يقاومها كما انه ليس من الشبان الباحثين عن البنات بالحرام وهذه الحسناء حلاله.!!...لكن ما سيحصل في النهاية انها ستصدم من خداع الجميع لها واذا كانت تحمل ذرة كرامة ...لا تسامحهم بما فعلوه .!!.... كيف سيقدر هادي وقتها على فراقها اذا اختارت ابعاده عن حياتها ان تعلّق بها؟!.."
زفرت أنفاسها مضيفة:
" مسكين أخي حياته عذاب في عذاب ...يا رب أرح باله واسعد قلبه واجبر خاطره"


" آمين....معك حق...اعانه الله ..."

أمّنتْ وراءها ثم تنهدت وهتفت بإصرار :
" هيا دنيا كُلي....عليكِ ان تنهي البطاطا المحشوة باللحم التي تحبينها ...صنعتها امي خصيصاً لكِ ..يعني لا مفر"

جاءت ( ام سلمى) تحمل كوبيّ العصير الطبيعي وقالت مبتسمة بحنان :
" لن تنهضي قبل أن تنهي كل هذا !.....سامحها الله والدتك...اتصلت بها لتأتي مع شادي لكنها رفضت .."

" أنتِ تعرفين أمي ...من يوم عودتنا لا تخرج كثيراً...تلتصق في البيت وكأنها ستعوض أيام غيابها عنه ..."
صمتت برهة واردفت:
" وأنت خالتي اجلسي معنا ...اين سلوى ؟ فلتأتي "


ربتت على كتفها مجيبة بلطافة :
" صحة وعافية عزيزتي دنيا ...سبقناكما انا وسلوى ...عادت من المدرسة جائعة فتناولناه سوياً وصعدت عند شقيقة بلال لحل الواجبات معاً..."

تركتهما عائدة لعملها في المطبخ وبعد انتهائهما من الطعام دخلتا الى غرفة (سلمى) لتتابعان دردشتهما الخاصة......جلست (دنيا) على الكرسي الخاص بطاولة الزينة وبدأت تتفحص ما عليه من مساحيق وعطور ....لفتّ انتباهها لون قلم شفاه جديد ...حملته مستفسرة :
" متى اشتريتِ هذا ؟...لم تريني إياه ....لونه ساحر.."

ردت (سلمى) :
" لقد اخبرتك ان بلال احضر لي تشكيلة من مساحيق الزينة قبل أسبوع وصورتها لك قبل ان افتحها وهي مغلفة.....هذا كان من ضمنهم .."

" نعم صحيح....لقد نسيت ..."

تنحنحت وفتحت فمها لتتكلم ثم عدلت عن رايها وبقيت صامتة فسألتها صديقتها :
" ما بك دنيا ؟...كنتِ ستقولين شيئاً .."

هزت راسها نافية:
" لا ابداً..."

" لا تنكري دنيا...هيا اخبريني ما عندك "

سرحت قليلاً في الأرض ثم همست بحيرة تحاول انتقاء كلماتها:
" أخبرتك....انه قبل سفره ....لم ....يعرني أي اهتمام لأسبوع ...كان يأتي دون ان يسأل عني وأنني بعدها.... افتقدت..... زيارته لنا... لكني لم اجرؤ على سؤال امي عنه كي لا تظنني مهتمة....ثم تفاجأت بسفره عندما علمت من شادي عن طريق الصدفة لما رأيته مجتهداً في دروسه فاخبرني ان ذاك ...يعني الغليـ....اقصد.... سامي ....وعده بجلب هدية له معه....وقلتُ لكِ انه سافر ولم ....يودعني..."

قالت:
" نعم أخبرتيني بذلك...ما الجديد؟"

غيرت نبرتها ناكرة ما يختلج صدرها بتعجرف مصطنع:
" طبعا لا انتظر ان يودعني....لكن ليست عادته !!....لذا استغربت.."
اعادت نبرتها السابقة وتابعت:
" هذا اليوم الخامس لغيابه ولم يرسل أي رسالة لهاتفي انما رأيت رسائله على هاتف امي وهو يسأل عنا بشكل عام ولم يخصص ولا سؤال عني ..."

سحبت صديقتها هاتفها الذي كان امامها وهي منزعجة منها ثم فتحته على الرسائل ووضعت على الوارد من (سامي) وقالت تعاتبها :
" انظري دنيا لمحادثاتكما ....انت بنفسك كنتِ تريني إياها وتعتزين بعدم ردك عليه ....بالله عليكِ اخبريني لمَ ليبعث رسائل لجثة ؟...هل تكرمتِ عليه يوماً برد ؟....ماذا تغير الآن لتهتمي برسائله ؟ أم تجاهله وإيلامه شيء يعجبك؟ "

لمعت عيناها تشعر بشيء يخنقها وقالت بنبرة هجومية لتغطي على كلامها الذي خشيت ان تعتبره صديقتها اهتماماً او اشتياقاً له:
" لم يتغير شيء....اخبرتك فقط لأجد شيئاً ندردش به....انسي الموضوع....هكذا انا بأفضل حال أساساً..."
بدلتا دفة الحديث لمواضيع أخرى وأمضيتا وقتهما بمرح حتى الخامسة مساءً...

×
×
×

تجلس (سلمى) في المقعد الامامي جانب خطيبها (بلال) لإيصال شقيقتي الى البيت وأثناء الطريق بينما هما تكملان ثرثرتهما تتهامسان من الفراغ الذي بين رأس الكرسي والنافذة رنّ هاتف صديقي الموصول بسمّاعة السيارة , صمتتا ففتحه ليتكلم من في الطرف الآخر :
" السلام عليكم بلال ....لمَ اتصلت بي ظهراً ؟..."

من اول كلمة نطقها لم تستطع منع رفرفة قلبها التي باغتتها على غفلة عند سماع صوته الغائب عن بيتها ....حاولت تهدئة الانفعالات التي اجتاحتها لتحافظ على شكلها الطبيعي الغير مهتم وكأنها تخاف ان تمسك بها صديقتها او حتى المتكلم على الهاتف يراها ....

" وعليكم السلام سامي....اتصلت لحاجة....متى ستعود ان شاء الله ؟"

" على الأغلب يوم الجمعة بإذن الله....خير ما هي؟"

" كلمتُ احمد في فرع الشركة بالعاصمة ليحضّر ملفاً خاصاً بالبرمجة الالكترونية هناك... احتاجه لوضع برنامجاً جديداً لحماية الحواسيب ...آمن اكثر.....كنتُ سأسافر له انا لكن فكرت بما انك هناك اريدك ان تجلبه معك اذا أمكن.."

" بالطبع ان شاء الله ...اذا حدث أي تغيير معي سأخبرك.."

" حسناً...الى اللقاء ...نتكلم لاحقاً.."

" مع السلامة .."

وصلا بيتنا الجبليّ ...دعتهما لشرب فنجان قهوة لكن رفضا بلطف وانصرفا في سبيلهما أما هي ظلّت واقفة مكانها تضع يدها على قلبها قبل ان تدخل وابتسامة تزيّن محيّاها , فطنت لها فغيرت ملامحها على الفور تتحدث مع نفسها " ما بكِ دنيا اصبحتِ هكذا...وماذا يعني ان سمعتِ صوته؟...الم نتفق ممنوع الحب ؟...لا تضعفي واستمري كما انتِ قوية دون ان تقعي في هذا الوباء..."......
ثم دخلت البيت واثقة بقرارها الذي تصمم على الّا تتنازل عنه والّا تكترث بآراء من حولها .....

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

انها هي تتصل بي ...غريب!!...لم تفعلها سابقاً... ان كلمتني تُكلمني فقط بالرسائل ! ...كان هذا بعد امتحانها بيومين......وضعت على مكبر الصوت لأني مشغول جداً , احتاج يديّ فواحدة على الحاسوب والأخرى تمسك ملفاً :
" السلام عليكم.."

ردت بحياء :
" وعليكم السلام..."

لوهلة اعتقدتُ انها أغلقت ...لقد مرت عدة ثواني دون همس....فنظرت للهاتف سريعاً واعدتُ نظري لشاشة الحاسوب بعد أن رأيت ساعة المحادثة مستمرة وقلت:
" أين اختفيتِ ألمى ؟"

تنحنحت واجابت برقة:
" انا هنا....كنتُ سأسألك....هل تناولت غداءك ؟"

تهتم بغدائي مرة واحدة ؟!...ما هذا اليوم الغير مألوف ؟!...هل سقطت على رأسها أم تعاني من الحمّى ؟!

أجبت لأرى الى اين ستصل سموّ الملكة :
" ليس بعد....لمَ تسألين ؟! ...أليس من المفترض ان تكوني الان في الجامعة ؟! "

قالت :
" يوجد اجتماع للمحاضرين لذا قاموا بصرفنا باكراً.."

قلت بمرح :
" جيد...عيشي حياتك ...لا امتع من هذا الشعور .."

ضحكت ضحكة خفيفة تجاملني وهمست :
" هل أنت متفرغٌ بهذه الاوقات؟!.."

قلت زافراً انفاسي بتعب :
" صراحةً لا ...مشغول جداً ...يبدو أنني سأمضي يومي في الشركة !..."

ردت بصوت مفشول :
" خسارة !....حسناً... لا يهم , ليكن في يوم آخر "

رفعتُ حاجبي متأهباً ودفعني حب الاستطلاع لأسأل :
" خسارة على ماذا ؟.."

اجابت مستاءة من حظها :
" رغبت بأن أدعوك لتناول الغداء ...حظاً أوفر لي"

" في بيتكم ؟"

" كلا...أنا وأنت في الخارج "

"هادي يا غبي ...أتتك الفرصة لتكحل عينيك برؤياها فركلتها بتسرّعك...اسمع اولاً وافهم وبعدها أجب حسب مصالحك.!...هيا ...حرام !...هل هذا القمر وجه يستحق افشاله ؟! "... أنّبت نفسي في سري ثم قلت مازحاً ارّقع اجابتي :
" ممم....كنت سأخرج لاستراحة الطعام ثم اعود لعملي....هل تكفينا ساعتان برأيك ؟.."

تحفزت واجابت بانشراح :
" تكفي وتزيد ....المكان ليس بعيداً ويمكنني أن آتي لشركتكم لأختصر الوقت .."

مرّ من أمامي سريعاً شريطٌ مستقبليٌّ وانا اراها قادمة بالشبه لباس خاصتها تتغندر في شركتي ليأكلوها بنظراتهم الجائع منهم والشبعان ....يا ويلي.. سأولّع الشركة بمن فيها حينها وتكون هي أول من القيها بالنار ...فأجبت على الفور :
" لا لا.. ارتاحي مكانك ..عشر دقائق واكون عندك بإذن الله.."

قالت ممتنة بعذوبة :
" حسناً سأنتظرك..!"

×
×
×

ارسلتُ رسالة نصية...
[ أنا في الخارج ]

[ دقيقة فقط ..سآتي في الحال ]

بعد تسعة عشر دقيقة واثنان وعشرون ثانية....

[ اين انت؟...(مع رمز تعبيري الغاضب الذي ينفث دخاناً)...هل غيرتِ رأيك؟]

وصلت وهي تسرع في خطواتها وتثبت شيئاً في اذنها ...ألقت التحية وجلست محرجة هامسة :
"آسفة , لقد وقع حلقي على الأرض لذا تأخرت وانا ابحث عنه "

" هل وجدتيه ؟!"

قالت باستنكار :
" هل انت جاد ؟...الا تراه ؟"

اتسعت عيناي بصدمة وقلت :
" هل هذه النقطة التي لا يظهر لونها بسبب حجمها الضئيل هي من جعلتني انتظر ثلث ساعة سيدة ألمى ؟"

زمّت شفتيها بعبوس طفولي وقالت :
" لونها يلائم لقميصي الفضي ..."

لم أمسك نفسي عن الضحك ...حلق يحتاج مجهر لنعرف لونه وتقول يلائم لقميصي ....يا الله اين تفكير البنات ....اللهم ثبت علينا العقل والدين !....اعترضت هاتفة وهي تكتف ذراعيها ناظرة للامام:
" لا تسخر ....هذا شيء لن تفهموه انتم الرجال ! "

انطلقت خارجاً من ساحة بيت العنكبوت وانا اكتم ضحكتي على هذه الطفلة اللذيذة ثم سألت :
" لمْ تقولي لي ما مناسبة هذه الدعوة المفاجئة ؟"

ردت باعتزاز مبتهجة من قلبها :
" لقد حصلت على أعلى علامة بين زملائي في الرياضيات.."

رمقتني بنظرة ممتنة واردفت :
" الفضل طبعاً لك....لذا اردت شكرك "

فرحت من اجلها وهمست مشجعاً:
" الفضل اولاً لله ...ثم لا تستهيني بقدراتك فلولا ذكائك لما استوعبتِ الشرح"

ردت بنبرة خجلة :
" اشكرك على هذا الثناء.."

تبسمت هاتفاً :
"العفو.... أين مطعمنا ؟"


" مطعم - سباغيتي - الإيطالي "


" ماذا؟؟؟!...الساعة الان الثانية ولم اتناول الفطور وتريدين ان تطعمينني حبال عجينة ؟.."


قالت عابسة:
"لمَ تقول هذا؟... أطيب أكلة عندي ....ألم تأكلها سابقاً ؟"


" بلى...هذه آكلها قبل او بعد الأكل..... كالمقبلات مثلاً "


شهقت هاتفة :
" يا الهي ...كيف تستطيع ؟..."

ضحكت واجبت :
" هل تقارنين معدتي بمعدتك يا عصفورة ؟"

تبسمتْ باستحياء , فأكملتُ اقترح عليها :
" ما رأيك ان نذهب لمطعم السمك ؟"

ها انا بدأت اتعرّف على ما تحب وما تكره سمائي.....

" يـــع....اياك "

صرخت رافضة بتقزز ثم قالت وهي ترفع ذقنها بشموخ تمنّ بمزاح :
" أنا من دعوتك لذا ستقبل حسب اختياري .....وافرض مثلاً المال الذي بحوزتي لا يكفي لمطعم آخر ...لمَ هذا الاحراج؟"

ضحكت وقلت :
" سأقرضكِ لا تقلقي ....أو نبيع النقطة المخفية على أذنك لنسدد فاتورة المطعم ...أم ان قيمتها لا تجلب حتى منديل ورق ؟"

ردت بإباء تدافع عن ممتلكاتها :
" انت تحلم سيد يامن...هذه قطعة ثمينة "

هتفت ساخراً:
" تقصدين النقطة التي على حرف القاف في كلمة قطعة !...يعني قولي نقطة ثمينة.. هذا الأصح "

تأففت دون تعقيب.....

وصلنا المطعم وتناولنا الطعام على حسب ذوق السيدة (ألمى) ....كانت تتحدث وهي متهللة الوجه , تخبرني عن الامتحان وزملائها واشياء اخرى...هذه أول مرة من يوم خطوبتنا تحكي لي عن تفاصيل اوقاتها بشكل دقيق وتكون في قمة السعادة التي تظهر بملامحها , حركتها ونبرة صوتها .....كنتُ استمع لها بكل حُب دون ان اقاطعها او اعلّق ...جلّ تركيزي معها....فقط اريد ان اجلي اذنيّ بعذوبة صوتها وأغسل عينيّ بجمالها واشحن طاقات ليومي المرهق بأنفاسها ولو كان الأمر بيدي والوقت معي لما تركتها ولأكملنا تجوالنا بأي مكان طمعاً مني لقربها لكن يتوجب عليّ العودة للشركة.....أوصلتها الى بيتها بعد ان شكرتها على الدعوة ظريفة المكان ثقيلة المشاعر وعدتُ لأسبح بين ملفاتي....
وهذه ايضاً المرة الثانية التي نفترق بروحٍ طيبة دون إصابات باستثناء خلافنا على دفع الفاتورة التي تنازلتُ عنها مجبراً بعد ان صممت بتمرد لدرجة كانت ستلّم علينا من تواجد هناك وهي تعاند مثل الطفلة التي اعجبتها دمية في محل الألعاب وبدأت تبكي بإصرار لتحرج أمها لشرائها لها وهي لا تحمل ثمنها ...
فهكذا تماماً ألمتي ...طفلتي التي أحبها ولا أعلم الى اين سأصل في حبها...؟!

~~~~~~~~~~~~~

على ما يبدو بركات الامتحان تهلّ عليّ !!...لليوم الثاني على التوالي بينما كنتُ أصلي العصر في مكتبي بالشركة رنّ هاتفي وفور اتمامي لصلاتي وتسبيحاتي تفقّدته لأجد اسمها يحفر على الشاشة كما يحفر على دمائي وفي قلبي !!....رجعت لها لم تجب ثم عاودت الاتصال فردت المرة التالية :
" مرحبا يامن..."

" أهلاً ألمى...كيف حالك ؟"


" بخير وانت؟"


" الحمد لله بخير.....ممم...اتصلتِ بي وانا اصلي ...أهناك شيء؟ "
قلت بصوت جدي ثم بدلت نبرتي للمزاح سائلاً :
" أم انه توجد دعوة أخرى اليوم ؟"

ضحكت بنعومة واجابت :
" كنتُ سأخبرك عن العباءة الخاصة بزوجة صديقك .."


" ما بها ؟"


قالت برقة :
" يجب علينا اعادتها وشكرها على معروفها..."

كالعادة مندفع ....قلت بغباوة :
" حسناً سأمر لآخذها لاحقاً..."

شتمت نفسها في سرها " تباً لكِ ايتها الملهوفة لمرافقته....وضعتِ نفسك في موقف محرج ...ها هو لم يفهم رسالتك !! ".....ثم قالت بصوت ضعيف :
" على راحتك.."

عاد عقلي للعمل وهو يترجم ..." يجب علينا اعادتها...!! "....هل تقصد انها ترغب بمرافقتي وشكرها بنفسها ؟!......فعلاً حائط , لمْ تنعتني بها عن عبث !!.....سأترك إدارة الاعمال واتجه للعمل في الترميمات لأني بدأت في الآونة الأخيرة ارمم كلامي المعطوب معها بسبب تهوري بحماقة دون ان افهم....قلت بحماس كأن الاقتراح نابع مني :
" ما رأيك ان ترافقيني لتشكريها بنفسك ؟...ستسعد بالتأكيد .."

عادت تتكلم بحيّوية وكأنها فرجت من بعد ضيق :
" كما تريد ....متى انتظرك ؟.."

معادلة حسابية للوقت حسبتها بسرعة في دماغي ....ان اخبرتها في السادسة هذا يعني سنذهب في التاسعة بتوقيت الألمى فربما تضيع منها ذرات العطر وستبحث عنها في الهواء كما نقطتها الثمينة تلك أو ان ظفرها الرقيق يكسر وستبكي في زاوية غرفتها ترثي جمالها لذا سأتركها على راحتها تصارع ممتلكاتها ....قلت باختصار :
" انا قادم .."

كانت الساعة الرابعة وأنا انوي الذهاب لها في السادسة والنصف فلديّ اعمال لم انتهي منها....ولتنتظرني المدللة كما انتظرها....!!

×
×
×

أقبلتْ بحماس تحمل كيساً فيه العباءة ووجهها ينبض بالحياة ....فتحت الباب قائلة بخجل رقيق مثلها :
" مرحباً....هذه المرة لم أتأخر عليك...انت من تأخرت"

تبسمتُ مجاملاً لها مع رد التحية ...ركبتْ وركبتْ معها رائحة عطرها.!..مسكتُ نفسي عن أي تعليق فيبدو أنها من النوع الذي يزداد عناده ان جئتها بالأمر وينتظرني مجهود شاق لأعمل عليها واخرجها مما فيه ان وفقني الله لذلك.....اكتفيتُ بداخلي بالدعاء لها بالهداية أما أنا كنتُ مرهقاً من العمل وأجبرتُ على هذا المشوار من اجلها ومن اجل صديقي الذي ينتظرنا بعدما أعلمته بقدومنا والّا لكان من الأفضل لي تأجيله.....لكن لعلّه خير!....
لما خرجنا من بيتها وضعتْ الحزام وبعد دقائق تنحنحت هامسة :
" أريدُ شراء هدية لها "

رمقتها بنظرة سريعة وانا اسيرُ ببطء سائلاً بهدوء :
" أهذا ضروري؟."

اجابت بابتسامة :
" غير لائق اول زيارة لي لأصدقائك ان اذهب بيدين فارغتين .."

تبسمتُ بوهن ناظراً اليها فغمزتني واردفت بمرح:
" لا ترضاها لي كوني خطيبتك.."

رغم تعبي وضعفي وقلة تركيزي الّا انها صعقتني في هذه الغمزة التي كانت وكأنها البرق الذي نزل من سمائها ليصيب جوارحي ومن قبلها قلبي الخائن لكني لم انبس بكلمة على حركتها العفوية الجديدة لأنني أدرك عدم وعيها بما فعلت بي ساحرتي الصغيرة...!!

همست بصوت رجولي لطيف :
" تحت أمركِ سيدة ألمى ...أين اتجه ؟"

اشارت بثقة الى يمينها هاتفة:
" بعد عدة امتار ادخل لذاك الشارع ...يوجد محل عطور خاص للنساء...انا زبونته....سأشتري لها من هناك !"


وصلنا المحل وقبل ان ننزل قلت :
" لا تجلبي كعطرك.."

بهتت ملامحها وهمست بتوجس :
" هل رائحته مزعجة الى هذا الحد ؟"

ابتلعت ريقها واستطردت بضعف والحزن يظهر عليها :
" لم أتوقع ان عطري يضايقك لهذه الدرجة "

من غير وعي مني مددت يدي لوجهها أمسح بإبهامي وجنتها برفق ورحمة هامساً بصوت أجش مركزاً على عينيها :
" لا تكوني غبية ...عطرك خارق ويميزك انتِ فقط ...أتفهمين؟... أنتِ فقط لا غيرك"

أومأت برأسها برضى بعد ان ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة , عدلت جلستي واكملت في عقلي " ليتك تفهمين ما يفعله بي حبيبتي وترحميني من عذابك وترحمي نفسك من عذاب الله "

دخلنا المحل وأكثر ما اكرهه هو التصاق الباعة بزبائنهم ليروجوا لمنتوجاتهم ...الا يتركون للشخص حرية الاختيار والانتظار بصمت ؟...
كانت تعمل به فتاة ملوّنة...أقصد ملوّنة بزينتها وملابسها وخصل شعرها وكذلك المعنى الآخر أي تبدو ذات الوجهين وهذا يظهر في اسلوبها وطريقة كلامها .....اقتربت مني تتغنج وبدأت تعرض عليّ وهي تقنعني ان اشتري لأمي ولأختي وهذا يناسب جدتي وذاك لجارتنا أم محمد والنوع الآخر للتي تسكن اول الشارع...اووف ...سئمت منها !!...رأسي يصدعني بطبيعة الحال ....أين ألمتي عنها لتخلّصني ؟....جلستُ على كرسي مخصص للزبائن...اختفت لثلاث , اربع دقائق ثم عادت تحمل فنجان قهوة دون ان تسالني وفي الحقيقة لم ارفضه كنتُ احتاجه عسى ان يخفف من صداعي....وأخيراً ظهرت حُبي التي كانت غارقة بإحدى الزوايا تختار هديتها ولما راتنا أقبلت نحونا بعزم وقبل ان تصلنا كنت أضع الفنجان على فمي وارتشفت رشفة عميقة , بصقتُها في الحال وانا أسعل بانقباض هاتفاً باستياء :
" هل هذه قهوة أم سكر...ييع ؟!.."

بما انها جريئة ووقحة ردت بتملّق تغازلني غير مبالية للحمل الوديع الواقفة بجانبي :
"اوه ... أنا آسفة أيها الوسيم ...لقد ظننتُ أنّ الحلو حلواً لأنه يشرب القهوة حلوة ..."

هل قلت حمل وديع ؟؟ هل سمعتم شيئاً يُكسر ؟...نعم... انها المجنونة ألقت ما جمعت بيدها على الارض من العطور المعروضة للاختبار التي جلبتها لتستشيرني واقتربت من الملوّنة تشهر سبابتها بغيظ أمامها هاتفة بوعيد :
" هيـــه ...أنتِ...الزمي حدودك يا عديمة التربية وابعدي نظرك عن ما ليس لكِ .....سأخبر السيد وائل بوقاحتك مع الزبائن وسأحرص على طردك من هنا والّا سأجعله يعلن افلاسه ..."

أنهت قصفها واستدارت اليّ بحنق ثم ماذا ؟؟.....ثم مدت يدها تسحبني من يدي كالأم الغاضبة التي جرّت ولدها من الشارع لتعاقبه على عدم إتمام واجباته ...أما انا لم يكن بي القوة وسايرتها امشي معها ...ليس من التعب انما من كثرة الضحك ...لم أتمالك نفسي وهي توبخ تلك بشراسة كاللبؤة الهائجة بعد ان هرب من داخلها الحمل الوديع....عند السيارة أفلتتني وقفت إزائي وهتفت تؤنبني , أليس الان انا ابنها المذنب؟!...:
" لمَ تضحك ؟...أم أنك كنت مسروراً معها ؟؟...كيف تسمح لها بالتحرّش بك ؟"

" ماذا ؟!..تتحرّش بي؟؟"

سألتها وانا امسك بطني من الضحك ...فأكملت ناقمة :
" نعم تتحرّش الّا اذا كنت راضي !!... لو كان العكس واحدهم تغزّل بي ماذا تفعل ؟"

بدلت ملامحي على الفور وقلت بجدية :
" سأجعله ينظر للمرآة ولا يعرف نفسه"

قالت بامتعاض:
" اذاً اصمت ولا تضحك.."

القيتُ عليها ابتسامة مع نظرة حب ثم قلت وانا استدير نحو المحل:
" انتظريني هنا...سآتي في الحال "

جحظت عينيها ومسكتني من معصمي فوراً وسألت :
" الى اين ؟!"

" سأدفع ثمن الضحايا من العطور "

خطت خطوة تحجب طريقي وقالت بعُنجهية وتحدٍّ:
" مستحيل...لن تدخل لها وأنا سأتحاسب مع صاحب المحل.."

حركت رأسي يميناً ويساراً مبتسماً برفض وتوجهت لمقعد القيادة مستسلماً لأوامرها.....في الطريق سألت:
" ماذا قررتِ؟...هل هناك محل غيره نذهب اليه ؟"

" تابع للأمام....لديهم فرع آخر"

وصلنا وهذه المرة أمي (ألمى) لم تسمح لي بالنزول بحجة انها لن تتأخر وانها رست على نوع اعجبها بالمحل السابق وفقط تريد تغليفه وطبعاً لم تقبل اخذ مال مني وهي تهددني انها ستعود لبيتها مشياً ان لحقت بها لأدفع....!!

×
×
×

تسكن والدة صديقي في الطابق الأرضي لبيته وهي انسانه كريمة دائما تغمرنا بحُسن الضيافة ولا تترك شيئاً الّا وتضعه امامنا او تصنعه لنا رغم بساطة وضعها المادي عند ذهابنا اليهم.... لذا في طريقنا اشتريتُ لها سلة مليئة بالشوكولاتة باسمينا لنمر ونسلّم عليها فأصرّت ان تكون الجلسة عندها ولم نرفض احتراماً لها ...لقد استقبلونا بحرارة كبيرة , لا يصدقون ان ابنة من كان وزير تزور بيتهم !!.... ....كانت ( ام عمر) تلتصق بـ (ألمى) تتأملها وتحصّنها من العين ...يبدو انها دخلت قلبها!!.....ومن ذا الذي لم تدخل قلبه؟؟؟ ....كنا نستمع لكلامها بمتعة فهي تملك روح الدعابة , خفيفة الظل وطيبة القلب كابنها....شكّلن اربعتهن ضدنا مع (ميساء) اتحاد نسائي , كانت توصيها بمسك زمام الأمور مستقبلاً لأن الرجال فاشلون في إدارة البيت مثل ولدها !!...استمرت توجّه كلامها لـ (ألمى) :
" يجب ان تجلبي له دستة أولاد لكي تربطينه ...لا تكوني مثل بنات اليوم المائلات , الفاشلات..."

رفعت بصرها اليّ ولما رأتني انظر اليها مبتسماً اسدلت جفونها بحياء دون ان ترد على كلامها......

.ضربني (عمر) على ظهري هاتفاً :
" نحن نثق بالأسد ...سيأتينا بولد كل تسعة شهور.."

قلت له :
" ويحك يا رجل !! هل سنفتح مدرسة في البيت ؟!....ثم قل لنفسك هذا الكلام..."

اغمض عينيه وهزّ رأسة معترضاً مع حركة يده:
" أنَس ومالِك قلبا عينيّ للخلف ...ان أتى الثالث لن يبقى لي عينان ولا آذنان ولا ...."
وقبل أن يتمّ جملته ارتطمت الكرة بأنفه بعد ان القاها ابنه عليه ...فصرخ شاتماً واضعا يده مكان الضربة :
" هيــه يا أولاد الكـ..... اخرجا العبا بالساحة لقد فضحتمونا أمام ابنة الوزير ...الآن سيحرّمان الانجاب بسببكما أيها القردان ..."

حدّج زوجته بعتاب قائلاً :
" لمَ لم تبعثيهما لبيت جدهما لنجلس بهدوء ؟!.."

أجابت مستنكرة :
" هل يسجلان على هويته وانا لا ادري ؟!....ثم أنت من فجّرت دماغي وانت تقول اريد أولاداً ذكوراً يحملون اسمي ....خذ...تفضل اشبع بهما وباسمك....لا اعرف على ماذا توحّمت ليأتيان كأنهما خارجان من الأدغال.!!..."

تدّخلت حماتها تفضح طفولة ابنها :
" هل هذا سؤال؟....التفاحة لا تسقط بعيداً عن الشجرة!!......هكذا كان عمر يقفز من زاوية لأخرى ووراء الضيوف وهم جالسون.....كنت أضع صحن الفواكه لهم فيسوّد وجهي , يحسسني انه خارج من مجاعة ولما نذهب لزيارة يسألني امي ما هذا الشيء وكأنه لم يره من قبل ولم نجلبه سابقاً للبيت....ماذا سأحكي وأحكي...الافضل ان ابقى صامتة ...جعل الله تعبنا على أولادنا في ميزان حسناتنا "

اتسعت عيناه بخزيّ وذهول ثم قال :
" أمّــــي....بارك الله بكِ لم تقصّري بشيء ما شاء الله..."

أشار لضيفته مردفاً:
" في خمس دقائق نشرتِ غسيلنا المتسخ أمام ضيفتنا!!....ستخرج من هنا تتبرأ منا وخطيبها معنا ..."


كانت تستمع لهما منبسطة الأسارير , مبتهجة القلب.... فهنا وجدت الحياة الاسرية الواقعية , البسيطة ودفء العائلة ولطافة المعشر التي لم تعشها قط في قصر العنكبوت....

أما (اماني) زوجة صديقي وضعت يدها على فخذ ( ألمى) وقالت تنصحها بعد ان بحّ صوتها وهي تنهر ابنيها المشاغبين:
" عيشي حياتك وضعي فرق خمس سنوات على الأقل بين الطفل والآخر والّا ستخرجين للشارع تشدّين شعرك وتكلمين نفسك وسيصل بكِ الحال الى مشفى المجانين..."

كانت فقط تجاملهم بخجل مبتسمة كلما ذكروا أطفال المستقبل...ربما متأملة وتبني أحلاماً ومن الممكن انها اختارت أسمائهم في عقلها كأي فتاة تنتظر متى ستصبح أماً ؟؟!!........جميعهم مساكين وبما فيهم هي ..!!....لا يدرون انه لن يحصل هذا أبداً......الايام تسير والوقت يمر , فكلما اقتربنا ابتعدنا....يشارف زواجنا ليدوّن شقاقنا الأزليّ ...انّ موعدنا الصبح ...أليس الصبح بقريب ؟!.....سيأتي يوم الفراق لا فرار منه ولا عدول...!!

بعد قرابة الساعة والنصف استأذنتهم ثم خرجنا لسبيلنا وطوال الطريق لم يدخل لسانها لحلقها وهي تعيد كلامهم متأثرة من الزيارة مع فرحة عارمة داهمتها ...عند باب بيتها ظلّت جالسة بالسيارة دون ان تنزل فرفعتُ حاجبي مستغرباً احدق بها بتساؤل دون النطق بحرف فقالت مع اشعاعات غريبة تصدر من كل تقاسيم وجهها وبصوت خافت من خجلها لتسألني:
" ألن تدخل عندنا لنكمل السهرة. ؟!.....ما زال الوقت باكراً....هيا تفضّل"

ما بها هذه ؟؟...كيف انقلبت هكذا ؟؟....منذ متى تدعوني لبيتها ؟؟....
من البديهي ان احتفل بتقبّلها لي بعد ان كانت لا تطيقني !!....لكن....قرون استشعاراتي تنبئني بشيء لا يبشر بالخير ....هل يا ترى زلّت قدمها بطريق الحب ؟!......أتمنى ان أكون مخطئاً ....احبها ولا اريد منها حُبها !!......العذاب من كل حدَبٍ وصوْبٍ ينسل لنا ...لمَ لنضاعفه بأيدينا ؟!......همست في سري وعينايّ بعينيها " من فضلك لا تحبيني ....قفي محايدة واعتقيني ...قلبي لا يتحمّل ولن أجد طبيباً يداويني يا مهجتي ويا حبل وتيني .."

تنحنحتُ , حككتُ جبيني وقلت بلباقة :
" في وقتٍ لاحق......لا بد انهم ينتظروني لتناول العشاء.."

رمشت بعينيها مذعنة مع ابتسامة سقيمة ثم نزلت , لوّحت لي بيدها ودخلت بعد ان اختفيت عن انظارها .....

~~~~~~~~~~~~~~~~

كيف سيخبره ؟!...انه متوتر جداً..!!...يمشي ذهاباً واياباً في موقف السيارات الخاص لسكان العمارة التي يسكنون فيها بعد ان أوصل خطيبته من الجامعة....لا يعرف كيف يتصرّف؟؟....هو ليس بواشي لكن لا مفرّ من اعلامه!! ...كان غاضباً , حانقاً من الفتاتين , يعاتب صديقه في سره " هل هذا وقت تأخرك سامي؟!...عد رجاءً قبل ان تكبر ".......
اليوم هو الثلاثاء ولم يعد من العاصمة , لقد مددوا لهم الدورة الاستكمالية لثلاثة أيام إضافية ومن المفترض ان يكون في مدينتنا الجبلية هذا الصباح لكنه تأخر ...الساعة الآن الثانية والنصف!!......ثبت مكانه أخذ شهيقاً وزفيراً , سمّى بالله ثم اتصل مجازفاً ولتضربا رأسيهما بأقرب حائط الغبيتان....

" أهلاً بلال....أعلم انك استأخرتني وتحتاج ملفك ....لكن زملائي اصروا على التسوق قليلاً في العاصمة....لا تخف , الملف معي يا بلبل !!.."

ردّ (سامي) عليه بصوته المرح ولا يعلم ماذا ينتظره ؟!!.....سعل الآخر مرتين يستجمع بهما صوته وقال :
" متى ستصل ؟...هناك أمر طارئ"

سأله بصوته الجاد بعد ان انقبض قلبه :
" خير بلال؟!...لا تفجعني بأحبائي....هيا انطق.."

أجابه يهدئ من روْعه :
" اطمئن ....مشكلة بسيطة ....لكن ربما من الأفضل تواجدك لتحلها بطريقتك !!"


" ماذا يوجد؟؟..اخبرني بسرعة "


هتف بنبرة مرتفعة فيها الخشونة بسبب اضطرابه فردّ عليه ببرود وتلكؤ عكس النيران التي بأحشائه :
" على يومين ....عندما كنتُ اذهب للجامعة لأعيد خطيبتي ...لفت انتباهي تواجد دنيا تنتظر خارج أسوار الجامعة قبل سلمى وهذا ليس من عادتهما ...انت تعرف هما كالتوأم الملتصق"

قاطعه (سامي) بعجلة يريد ان يلقي عليه ما في جعبته مرة واحدة من غير تلكؤ :
" هيا بلال... ارجوك اسرع ...لا توترني "


" سألتُ سلمى بعد اشتباهي بالأمر لكنها تهرّبت ولم تخبرني بشيء بل تسترت عن الموضوع من اجل دنيا !!....وتلك لها حساباً عسيراً عندي....لقد تشاجرنا وتخاصمنا...."

همهم كالرعد :
" هاا...اكمل يا اخي "


" المهم!!....سألت زملائهن فاتضح ان دنيا تشاجرت مع زميلين لهما , شاب وفتاة قبل أسبوعين وانهوا الموضوع مع الإدارة حينها ولكن اليوم احتدّ النزاع بينها وبين الفتاة... هناك بغضاء بينهما فضربتها.... أي خطيبتك ضربت الفتاه على عينها حتى احمرّ وانتفخ محيطها ..."

سأل مغتاظاً مما سمع :
" ما سبب كل هذا ؟.."

تنحنح وأجاب بارتباك:
" اخبروني انه يوجد شاب آخر... معجبٌ !!...يعني معجبٌ بدنيا وهو لا يعلم بارتباطها ....وان تلك الفتاة تغار منها فعندما علمت بالموضوع بمساعدة زميلها ...وضعا رسالة حب باسم ذاك الشاب بحقيبتها وباسمها بحقيبته لتشوه سمعتها ويشبكانهما...هذا منذ أسبوعين....ولما وجدتها , واجهت الشاب وقرّعته وعنّفته لكنه اعتذر بأدب وبرأ نفسه وهي كذلك برأت نفسها من ارسال شيءٍ له واكتشفا بعد ذلك أن الآخريْن هما سبب الفتنة فهاجمتهما دنيا وشتمتهما لكن الفتاة لم تتوقف عن افعالها وبدأت تفتري عليها وتطلق اشاعات لكن لم يصدقها احد لأنهم يعرفون دماثة اخلاق دنيا ومن أي بيت خرجت , اما الإدارة اكتفت بإعطاء انذار لكلٍّ منهما...."

تنهد بعد أن أفضى بالفقرة المهمة ثم تابع على مسمع من لا يصدر منه سوى هدير انفاسه:
" قبل يومين الفتاة ازعجتها واستفزتها مجدداً فمزقت لها دنيا كتبها دون تفكير .....مما أدى لفصلها ...لذا هي تذهب للجامعة وتنتظر في الخارج حتى انتهاء الدوام ...اظن خوفاً من ان يعلم احدكم بشأنها....."

كان يقود كالمجنون وهو يستمع للشعر الغزلي الخاص عن خطيبته الذي يلقى عليه فسأل باقتضاب وكتل بركانية تصارع للخروج منه يحاول التحكم بها :
" ماذا الآن؟؟!"

ردّ:
" اليوم سخرت منها الفتاة وعايرتها بفصلها وان لا احد لها يتوسط لإرجاعها فهاجمتها بعدوانية وكادت تقلع شعرها ولما ذهبتُ اخذتهما معاً هي وسلمى , سمعت بين الطلاب يقال انها كانت تلك تهدد متبجحة بجرّ دنيا لمركز الشرطة لتشكو عنها وترى ان كان خطيبها الضابط عادلاً ام ظالماً اذا الشيء مسّ عروسه !!.."


" هكذا اذاً؟؟؟!!......حسناً سأتصرف....سأصل بعد ساعة بإذن الله .."


دخلت مكالمة أخرى لهاتفه الشخصي بينما ما زالت محادثتهما مستمرة , تبيّن انها من احد زملائه بالمركز فاعتذر لـ (بلال) قائلاً بصوته المجروح بسببها:
" سأغلق بلال....اتصال من المركز....ربما جاءت البشرى ...اراك لاحقاً ان شاء الله "

اغلق معه وأعاد الاتصال بزميله :
" نعم أشرف...أهناك شيء؟"


" لا تقلق سامي.....اريد اعلامك فقط ان خطيبتك في زيارتنا بشكوى من زميلتها بسبب مشكلة خفيفة "

صرخ بقسوة :
" من ذا الذي سمح لنفسه باستدعائها ؟؟"


" برأيك من ؟"


" الكلب تميم ....أليس كذلك ؟"


" أصبت...لكن ورديته انتهت وسينصرف لبيته "


" سأريه الحقود ..."

قالها بغلّ ثم غير نبرته آمراً بصوت رزين :
" ضعها في غرفتي ولا تدخل أي كائن لها حتى أصل .....قدّم لها عصير الليمون دون ان تضع الثلج لأنها تنزعج منه.....الى اللقاء"

×
×
×

دخل المركز كالإعصار وخصوصاً بعد ان جاءه اتصال من حماته الغالية على قلبه وهي تبكي وتستنجد به قلقاً على ابنتها وهو على مشارف المدينة....القى السلام العسكري ورد العناصر التحية باحترام.....دخل غرفته فوجدها تجلس على كرسي ترتجف مضطربة وزاد ارتجافها المكيف ...كانت تضم يديها بين ساقيها , تطأطئ رأسها بذلّ والدموع تنساب على خديها....
انه (سامي) الحنون صاحب القلب المرهف , هل سيتحمل منظرها هذا ؟!.....
سيتحمل نعم... شاء أم أبى لأنه بالمكان الذي اقسم به لقول الحق وإظهار العدالة مهما كانت صلته بالذي امامه, سواءً ظالماً او مظلوماً....هنا بالذات يُجَمّد القلب ودقاته والروح وشغفها ...قائمة المشاعر تحذف ويبقى فقط العقل ليحكم بالقِسط ...!!
" السلام عليكم ..."

قالها بصوتٍ صارم ولم ينتظر ردّها بل أكمل بمشيته حتى وصل كرسيه ...جلس بملامح قاسية ثم ضغط على زر ليدخل أحد عساكره ...:
" خذ الآنسة للغرفة المجاورة وادخل لي الأخرى..."

رمقته مندهشة بوجهها الممتقع ,فرماها بنظرة تحمل بحور من العتاب لكنه لم يعلّق ولما اقترب العسكري وقفت بعجز وكلالة ثم نطقت بصوت متحشرج :
" سـ...سا..مي..أنا...."

لفّ كرسيه المتحرك جانباً يشيح كامل جسده عنها وقال بنبرة جافة يصححها :
" عفواً آنسة.....سيادة الضابط سامي........خذها"

لمّا سمعت جملته ابتلعت كلامها وكادت تبتلع شفتيها وهي تحاول ايقاف ارتعاشهما واحتبست مياه مقلتيها ثم انتصبت بشموخ تخفي هوانها وسبقت عنصره خارجة !!.....بعد ان اغلق الأخير الباب خلفه ...حملَ (سامي) لوحته الاسمية المكتبية وقذفها بعرض الحائط ساخطاً على حبيبته المتهمة :
" تباً لكِ يا حمقاء .....اصبتيني بالشلل.."

لقد لمح الفتاة في صالة الانتظار ورأى الضرر الذي احدثته لها حول عينها !!...ان لم تتنازل ستوقَّف (دنيا) لثماني وأربعين ساعة على الأقل وربما تصل المحاكم وهذا حسب درجة الحقد عند ضحيتها.....!!.....طرقتان على الباب ليسمح بدخول العسكري مع المدّعية.....جلستْ بتجبّر مع ابتسامة خبيثة جانبية ....اسند ظهره ببرود ولصق رؤوس انامل يمينه بيساره يحركهم كالعازف ومرفقاه ثابتان على ذراعيّ مقعده الضخم وقال بصوت متماسك هادئ :
" ما اسمك ؟...واخبريني بالتفصيل ما حدث معكما ...وقبل ذلك ارجو الّا تكذبي لأن لديّ شهود على ما حصل بالحرف لكن رغبتُ ان اسمع روايتك "

ردت بزهوٍّ :
" اسمي سجى.."

ثم رفعت صوتها بهمجية مشيرة لعينها :
"ماذا ساخبرك؟....الا ترى ماذا فعلت خطيبتك ؟!..."

وضع سبابته على شفتيه وقال مبتسماً بوقار :
" ششش....اخفضي صوتك وتكلمي باحترام....لا خطيبة لي هنا....هيا...اخبريني..."

اخبرته بما حدث منذ أسبوعين تدّعي انها كانت مجرد دعابة بين الزملاء وحاولت إخفاء بعض الحقائق ...لكنه كان يحدجها بنظرة ثاقبة كالجهاز الكاشف عن المعادن والممنوعات...كانت تترك ثغرات وهي تناقض نفسها وتهرب كثيراً بعينيها ....ولما انتهت من قصتها ...سألها :
" ماذا تريدين الآن؟.."

قالت بانتصار:
" اريد ان ارفع دعوة ضدها....لقد شوهت منظري ..!!"

احنى نفسه قليلاً واخرج من درجه ملفين جديدين لونهما ازرق فاتح قائلاً:
" حقك آنسة سجى ...كما حقها"

بدأ يملأ الفراغات بعد ان طلب هويتها ثم اخرج هويته وكتب الأشياء التي تخص (دنيا) على الملف الآخر ورفع رأسه ناظراً اليها هاتفاً بجدية :
" ستشرفاننا الليلة انتِ والآنسة دنيا .."

اتسعت عيناها بذعر وسألت وهي تزدرد لعابها :
" ما ذنبي أنا ؟؟...ما هذا الهراء ؟؟..."

قال بهدوء:
" ألم تطلبي العدالة ؟؟"


"بلى....وهل هذه العدالة يا سيادة الضابط "

قالتها باستنكار وضربات قلبها ترقص رهبةً فهمس سائلاً :
" ألم تشتميها بلسانك وتفتري عليها وتعايرينها ووضعتِ خطتك الجهنمية في عقلك ؟؟..."

" لكن هذا على سبيل المزاح !!"


" فعلتِ أم لم تفعلي ؟؟!"


نظرت ضائعة وقالت بتردد :
" بـ....بلى.."
استعادت ثقتها واردفت:
" ما دخل هذا ؟؟!!هل يسجن شخص على الكلام ؟!.."

قال ببرود وهو يلف كرسيه يميناً ويساراً ببطء :
" انتِ بحثتِ عن العدالة وانا لن أكون الضابط سامي ان لم احكم بها .."

حدّقته بفضول تنتظر اكمال كلامه...فاستطرد :
" هي ضربتك بيدها بعد ان عقلها اخبرها بذلك ....يدها التابعة لها التي آذتكِ من أعضاء ماذا ؟! "

ردت مستخفّة بسؤاله :
" أعضاء الجسم طبعاً.."

انتفضت ورمشت مجفلة بعد أن صفق بكفيه الطاولة امامه وسأل بصرامة :
" هل اللسان والعقل من أعضاء البرلمان ؟! "
أكمل بغضب :
" أليس عن طريقهما آذيتها وهما من أعضاء جسمك ؟....انتِ ضربتيها بلسانك وهي ردت بيدها .....تعادلتما ...مع أنه يجب يكون عقابك أعسر من عقابها !!"

ابتلعت ريقها وسألت بتلعثم :
" ماذا تقصد ؟!"

نهض من مكانه واقترب لنافذة غرفته يتأمل الخارج وقال بجدية :
" كدماتك هذه التي سببتها يدها ربما أسبوع او شهر وستختفي وكأن شيئاً لم يكن !!..."

التفت بصلابة وتابع :
" أما بعقلك الحقود ولسانك الحسود تركتِ كدمات عليها وعلى قلبها لن تزول بسهولة ولو لا قدّر الله نجحتِ بتشويه سمعتها والاشهار بها بهتاناً لرافقتها كدماتها مع جروح لا تندمل طوال العمر ...فلا يرحمها أحد..."

حرك سبابته بتحذير ويده الأخرى في جيبه وحدّجها بنظرة قاتلة وأضاف :
" ولن ارحمك انا .."

رفع صوته بنبرة حادة حتى برزت عروق رقبته هادراً:
" أتسمعين ؟؟...لن ارحمك "

عاد لمكانه وقال بهدوء يتقنه متى شاء:
" لذا وانت وراء القضبان اشكري الله أنك لم تفلحي بهدفك الدنيء ...فكري قبل أن تتكلمي !!....الكلمة الجميلة هي كالعطر على اللسان والكلمة القبيحة حتى ماء زمزم لن يطهرها وينقيها وستفوح رائحتها الكريهة الى الأبد.....لقد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من اللسان وزلاته.... (( وهل يكب الناس على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم )).....فانظري لنفسك واختاري ان كنتِ ترغبين ان تكوني ممن شملهم الحديث الشريف ام لا... "

{{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ }}

نظر لساعته , تأفف بتصنع وهتف :
" الساعة الآن الرابعة والنصف ...اتركي رقم والدك لنستدعيه لأنه وليّ أمرك...فلينتظرني هنا ريثما أعود لورديتي في العاشرة مساءً.....انا الآن مرهقٌ ويجب ان اذهب للنوم ....سنرى لاحقاً كم يوماً سنستضيفكما انت وهي..."

افرغ ما عنده من كلام.....سحب مفتاحه عن الطاولة وهمّ بالخروج فسدّت طريقه هاتفة متوسلة :
" ارجوك لا تستدعي ابي ...سيحرمني الجامعة ان علم بدخولي الى مركز الشرطة !!"

رمقها بنظرة جانبية ويده على مقبض الباب فنكست رأسها مكملة:
" أنا آسفة ....ارجوك... سأعتذر لها واتنازل عن الدعوة ...المهم لا يصل لأبي .."

مسك نفسه عن ابتسامة ثعلبية كانت ستفضح شماتته وسعادته الداخلية...استدار عائداً لمكانه ...مزق الملفين وقال :
" سأسامحك هذه المرة ...على شرط لا تعيدينها !!...."

رسم بالهواء دائرة وهو يشير لوجهها مردفاً بتهديد:
" لأنه اذا كررتِ فعلتك او اقتربتِ منها بسوء... سأحرص على ان ترسم بأناملها
على وجهك خارطة الوطن بالألوان ...."

×
×
×

ترك (دنيا) في مكانها دون ان يعلمها بتنازل تلك عن شكواها وذهب لبيته ليستحم عمداً ويعود لاحقاً كي يمرر بعض الوقت عليها كفركة أذن لها....كانت الأفكار تصول وتجول في عقله ...يتخبّط بينها وهو يحاول إعادة حساباته ..!!

بعد ساعة ونصف كان بالمركز يرتدي الملابس الخاصة بالشرطة مما زادته هيبة , رهبة ورصانة.....دخل الى الغرفة المتواجدة بها ورغم انها مرتعبة منه ومن أمي بسبب موقفها الّا انها بمجرد وقعت عيناه على عينيها أشاحت وجهها بعجرفة وخاصة من معاملته الجافة معها بغرفته.!!...لقد تربّت على العزة والأصالة ولن تسمح لشيء بكسرها ...هكذا تحاول اقناع نفسها وتقول داخلها... " ماذا يعني اذا هدر بي ووبخني ؟..لن يضربني ولن يسجنني ولن اموت....هل يعتقد ان بلباسه هذا سأخنع له ؟!...عندما نخرج من هنا سيعود ليقول لي عينيّ الشهد ككل مرة ....لا يستطيع التحكم بلسانه هذا الأشقر الوسـ ...الغليظ !!....ثم بالطبع لن يقوَ على احزاني كي لا يغضب منه هادي ويخاصمه !!...."

" هيا اتبعيني .."

أفاقت من حديث النفس مجفلة بعد أن امرها بنبرة يشوبها التغطرس ....نهضت تمشي بخيلاء لتثبت له قوتها التي عرفها بها لكن ساقيها كادتا تفقدان توازنهما من النظرة الحارقة التي القاها عليها وهو ممسك بيد الباب المفتوح ينتظر خروجها......عند وصولهما لموقف السيارات تباطأت خطاها ...لقد اقتربت من مشنقتها ...ها هو سينفرد بها بالسيارة ...ذمّت نفسها ..." أين القوة التي كنتِ تتبجحين بها قبل قليل ؟...ما بكِ يكاد قلبك يسلم أوراقه للمشرحة ؟!...تمالكي دنيا .."..
لا شعوريا منها قادتها قدماها للباب الخلفي فتحته وهو ما زال واقفاً قريباً منها ..لكنه طرقه ليغلقه بكفه ثم فتح لها الامامي وقال بحزم :
" اركبي هنا ...لا تختبئي كالنعامة آنسة دنيا "

شعرت بنغزة في قلبها عند قوله آنسة (دنيا) ...لا تسمعها منه الا اذا أراد السخرية بمزاح ...أما هنا نبرته قاسية... قاسية جداً !!...نبرة لم يستعملها اطلاقاً اثناء تواجده معهم !!.....ركبت وكتّفت ذراعيها تدفئ جسدها ...الجو حار لكن الجبل الذي بجانبها يلفحها ببروده....تستغرق الطريق حوالي ربع ساعة من المركز لبيتنا الجبليّ...عشر دقائق منها خيّم عليهما الصمت والخمس الأخيرة استجمعت قواها بطلوع الروح لتهمس بارتباك :
" أ...ألن تـ...تقول شيئاً ؟"

كان يتكئ بمرفقه الايسر على نافذته وابهامه على خده , الوسطى على ذقنه والسبابة على فمه سارحاً بالطريق ...لم يغير حركته ولم ينطق بحرف وتابع بصمت وكأن ذبابة طنت بجانب اذنه والرياح من الشباك هشّتها عنه دون مجهود منه......
التي بجانبه انفعالية من الدرجة الأولى ولا تتحكم بنفسها ان استفزها احد وماذا يوجد استفزاز اكثر من ان تكلم شخصاً ويتجاهلها ولا يعيرها اي اهتمام رغم سماعه ؟!!....استدارت بجسدها قليلاً نحوه بعد ان فارت الدماء منها بغيظ ومدت يمينها على يمينه الممسكة بالمقود , تمسك ذراعه قرب المعصم , تضغط قليلاً هاتفة بهجوم :
" أنا اكلمك ...لست كلبة تنبح لتتغافلني..."

أمال رأسه مع نظرة سريعة ليدها ثم اليها وابتسم ابتسامة مائلة ساخرة مكلومة لرؤيته خاتم الخطوبة الذي لم ترتديه سابقاً والآن يطوق بنصرها !!.....انتبهت لنفسها ولحركة عينيه فسحبت يدها ببطء وأغلقت قبضتها , تضعها على فخذها....توقف عند البوابة من الخارج ولم يدخل الساحة كعادته ....انتظر ان تترجل لكنها لم تتحرك .....دقيقتان وهي مكانها ..فزفر أنفاسه ينظر لساعته قائلاً ببروده :
" تفضلي لو سمحتِ.....لديّ عمل !! "

تكدّست الدموع في مقلتيها ...سألت باستعطاف ونبرة مهزوزة :
" ألن تدخل لنتكلم وتسمعني ؟!...ألن تقول شيئاً ؟!"

ردّ بغِلظة وتجافٍ يسلّط عينيه على الطريق :
" من الأفضل الّا نتكلم الآن .....عليّ ترتيب اوراقي ....لا اريد قول شيء أندم عليه!!.....لذا لو سمحتِ انزلي ...."

ابتلعت ريقها وسألت بقلق :
" ماذا سأقول لأمي ؟! "

" طلبتُ منها عدم فتح الموضوع معك حتى آتي غداً ونضع النقاط على الحروف ان شاء الله "

قالها بجدية ثم أمال جسده ليمينه نحوها يمدّ يده لمقبض بابها , فتحه ليضع حدّاً لحديثهما ....فلتفهم انه عليها النزول دون ان يضطر لزجرها !!.......ترّجلت يائسة , مستسلمة لمصيرها ...أغلقت الباب برخاوة ليدعس على الوقود عاصفاً بسيارته وصرير عجلاتها تخبر الواقفة بانكسار ان بركان الغضب عنده أوشك على الانفجار..... !!


**********( انتهى الفصل الحادي عشر )**********





قراءة ممتعة ان شاء الله...


اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-21, 09:30 AM   #132

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,558
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الخير اختي ألحان الربيع
**آه منك يانبضي الحائر**بالمعارك هناك منتصر ومهزوم بينما بين القلب والعقل تنهزم كل الخصوم
ورغم إصرار ألمي علي العودة إلا ان المعركة بينهما أنتهت بالتعادل فهي احرزت هدفا بقلبه بعد رؤية ذلك القلم الذى اهداه لها صغيرة والكلمات التي قالتها عن مهديه
بينما هو بحرصه علي دراستها وأخذ الوعد منها بالنجاح بذلك الشكل الحنون أحرز أهدافا بقلبها
وهذا ما فسرته الجميلتان ميار و لميس لأن ألمي بطيبتها لاتفهم كنه مشاعرها.
تعجبني جدا شخصية ميار ومن سيفوز بها هو المحظوظ وستحظي بالزالزال الذى تتمني
كما اعجبتني جدا مقولة هادى "مع الله لن تكوني وحيدة ابداً"
ليس لانه يحاول إ عدادها لمواجهة العالم وحدها سواء بعيدا عن والدها أو عنه هو شخصيا لأنناإذا كان الله معنا فمن سيكون علينا
**نجاح سير الخطة**يبدو ان سامي إلتزم أخيرا بتعليمات عيوش وتجاهل دنيا تماما وحتى بعد سفره لم يكلف نفسه عناء الإتصال بها.
وها هي تحكي لسلمي بكل لا مبالاة وكأنها لا تعاني.
الحال انها تفتقده أي أنه شغل حيزا بقلبها
ولكنها تأبي الإعتراف بذلك ربما لأنها تعتقد أنه خطبها مكرمة لأخيها وربما للعناد فحسب
بقي علي سامي أن يظل علي موقفه وهي بنفسها من ستسعي إليه فمشاعر الحب هي كالطير الذى يأبى أن يظل حبيس قفصه لابد أن تخرج وتطلق جناحيها في الفضاء
**لا تقلها..فانا أحبك** ألمي إنسانة رقيقة جداما إن لمست من يامن عطفا وحنوا حتي تحركت مشاعرها تجاهه د ون إرادة منها
والمحب دائما يرغب في رؤية حبيبه والحديث معه
فتفتعل الأسباب لذلكx كدعوته للغذاء او لرد عباءة أمانى لتنعم بجو أسري لم تحظ به في حياتها.
ما أجمل الجلسات التلقائية الجميلة البعيدة عن الغش والخداع والمظاهر الكاذبةx التي لطالما عاشت بها
بينما يدرك هادى أنها أحبته ولا يريد لها الألم مثله
هو مخطئ بهذا فكم من أعداء بصفة شخصية وجمع بينهما الحب ومن أدراه ان مشاعرها تجاهه وقت يحقق إنتقامه من أبيها ستنتصر للحق بعدما تعرف بجرائم أبيها وتعلم بهويته كهادى الذى تعشقه كالحياة.
مخطئ هو لا ريب في ذلك
**بدون ثلج**الذى يحب لا يكره
بعد معرفة سامي بما حدث من دنيا وزميلتهابالكلية ما كان منه إلا أن أسرع لإنهاء الموقف الذى بدأيأخذ منحي آخر وتأخذ دنيا شكل المتهمة ويتم فصلها.
سامي رجل شرطة عادل وليس كما اشارت سجي لنرى عدالته
فقد تعامل مع دنيا كأى متهمة وليس خطيبته التي يهواها وأيضاعامل سجي بعدالة فإذا كان لها حقا لدى دنيا فأيضا دنيا لها حق
ومجرى التحقيق هنا لا علاقة له بالعلاقات الشخصية
فتذعن سجي متنازلة عن المحضر
الأهم في هذا الموقف هو كيف إستطاع سامي أن يربط علي قلبه ولا يأخذ دنيا بين ذراعيه لطمئنتها بل ظل حازما متجاهلا لها حتي أوصلها بيتها
أعتقد ان هذا الموقف سيجعل دنيا تخرج من طور الطفولة الذى تحياه معه والدليل ارتدائها خاتم خطبته والذى كانت ترفض ارتدائه اى أنها بينها وبقرارة نفسها تقر أنه سندها وحاميها
وما هو الحب إلا إحساس بالأمان وأن هناك من نأمن غوائل الزمن معه
سلمت أناملك حبيبتي علي الفصل الجميل وعلي المعاني الكريمة الجميلة التي احتوته من الإعتماد علي الله وعن طيب الكلمة وأثرها
وربى ما أفسد حياتنا إلا قبح الكلمات وسواد النفوس
سلم إبداعك حبيبتي وسلم الله صباحك بكل الخير والرحمة
بانتظار القادم بقلمك المبدع وروحك الجميلة
دمتي في حفظ الله ورعايته
وسلامي للعساسيل الصغيرين


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-21, 11:41 PM   #133

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الخير اختي ألحان الربيع
**آه منك يانبضي الحائر**بالمعارك هناك منتصر ومهزوم بينما بين القلب والعقل تنهزم كل الخصوم
ورغم إصرار ألمي علي العودة إلا ان المعركة بينهما أنتهت بالتعادل فهي احرزت هدفا بقلبه بعد رؤية ذلك القلم الذى اهداه لها صغيرة والكلمات التي قالتها عن مهديه
بينما هو بحرصه علي دراستها وأخذ الوعد منها بالنجاح بذلك الشكل الحنون أحرز أهدافا بقلبها
وهذا ما فسرته الجميلتان ميار و لميس لأن ألمي بطيبتها لاتفهم كنه مشاعرها.
تعجبني جدا شخصية ميار ومن سيفوز بها هو المحظوظ وستحظي بالزالزال الذى تتمني
كما اعجبتني جدا مقولة هادى "مع الله لن تكوني وحيدة ابداً"
ليس لانه يحاول إ عدادها لمواجهة العالم وحدها سواء بعيدا عن والدها أو عنه هو شخصيا لأنناإذا كان الله معنا فمن سيكون علينا
**نجاح سير الخطة**يبدو ان سامي إلتزم أخيرا بتعليمات عيوش وتجاهل دنيا تماما وحتى بعد سفره لم يكلف نفسه عناء الإتصال بها.
وها هي تحكي لسلمي بكل لا مبالاة وكأنها لا تعاني.
الحال انها تفتقده أي أنه شغل حيزا بقلبها
ولكنها تأبي الإعتراف بذلك ربما لأنها تعتقد أنه خطبها مكرمة لأخيها وربما للعناد فحسب
بقي علي سامي أن يظل علي موقفه وهي بنفسها من ستسعي إليه فمشاعر الحب هي كالطير الذى يأبى أن يظل حبيس قفصه لابد أن تخرج وتطلق جناحيها في الفضاء
**لا تقلها..فانا أحبك** ألمي إنسانة رقيقة جداما إن لمست من يامن عطفا وحنوا حتي تحركت مشاعرها تجاهه د ون إرادة منها
والمحب دائما يرغب في رؤية حبيبه والحديث معه
فتفتعل الأسباب لذلكx كدعوته للغذاء او لرد عباءة أمانى لتنعم بجو أسري لم تحظ به في حياتها.
ما أجمل الجلسات التلقائية الجميلة البعيدة عن الغش والخداع والمظاهر الكاذبةx التي لطالما عاشت بها
بينما يدرك هادى أنها أحبته ولا يريد لها الألم مثله
هو مخطئ بهذا فكم من أعداء بصفة شخصية وجمع بينهما الحب ومن أدراه ان مشاعرها تجاهه وقت يحقق إنتقامه من أبيها ستنتصر للحق بعدما تعرف بجرائم أبيها وتعلم بهويته كهادى الذى تعشقه كالحياة.
مخطئ هو لا ريب في ذلك
**بدون ثلج**الذى يحب لا يكره
بعد معرفة سامي بما حدث من دنيا وزميلتهابالكلية ما كان منه إلا أن أسرع لإنهاء الموقف الذى بدأيأخذ منحي آخر وتأخذ دنيا شكل المتهمة ويتم فصلها.
سامي رجل شرطة عادل وليس كما اشارت سجي لنرى عدالته
فقد تعامل مع دنيا كأى متهمة وليس خطيبته التي يهواها وأيضاعامل سجي بعدالة فإذا كان لها حقا لدى دنيا فأيضا دنيا لها حق
ومجرى التحقيق هنا لا علاقة له بالعلاقات الشخصية
فتذعن سجي متنازلة عن المحضر
الأهم في هذا الموقف هو كيف إستطاع سامي أن يربط علي قلبه ولا يأخذ دنيا بين ذراعيه لطمئنتها بل ظل حازما متجاهلا لها حتي أوصلها بيتها
أعتقد ان هذا الموقف سيجعل دنيا تخرج من طور الطفولة الذى تحياه معه والدليل ارتدائها خاتم خطبته والذى كانت ترفض ارتدائه اى أنها بينها وبقرارة نفسها تقر أنه سندها وحاميها
وما هو الحب إلا إحساس بالأمان وأن هناك من نأمن غوائل الزمن معه
سلمت أناملك حبيبتي علي الفصل الجميل وعلي المعاني الكريمة الجميلة التي احتوته من الإعتماد علي الله وعن طيب الكلمة وأثرها
وربى ما أفسد حياتنا إلا قبح الكلمات وسواد النفوس
سلم إبداعك حبيبتي وسلم الله صباحك بكل الخير والرحمة
بانتظار القادم بقلمك المبدع وروحك الجميلة
دمتي في حفظ الله ورعايته
وسلامي للعساسيل الصغيرين


اهلاً مراحب اختي شيزو😍

*آه منك يا نبضي الحائر*....تعبير جميل للسان حال هادي ....لقد ارهقه قلبه هههه والآه لوحدها تعبّر عن هذا هههه.......ألمى من لقائهما الأول وهي تحرز اهداف في شِباك قلبه 😂 لكن هو من يضيع ضربات الجزاء بتصرفاته معها وبشرحه للامتحان انقذ نفسه بالوقت الضائع 🤦🏻‍♀️😁....

صدقتِ ..اذا كنا مع الله فمن سيكون علينا.❤

سنعرف لاحقاً ان شاء الله أسباب دنيا وماذا سيحدث بينهما 🤔

المزاح والتقارب بين افراد عائلة عمر والاجواء الدافئة في بيتهم أثر عليها ايجابياً لدرجة جعلها تطمع وتدعو هادي لاكمال السهرة عندها.....

نعم كم اعداء جمع بينهما الحب ...
هادي فصلها عن ابيها ولم يعاملها بذنبه ...لكن هل يا ترى ألمى ستسمح له بالحاق الضرر بوالدها وهنا بصفة مباشرة هو من سيقوم بالعمل وليس شخصا اخرا يخصه ؟؟!!.



((وما هو الحب إلا إحساس بالأمان وأن هناك من نأمن غوائل الزمن معه))

💕ما اجمل كلامك وتعبيرك💕

سلمتِ ودمتِ لاحبائك ولنا يا من تنيرين منتدانا ومن قبله قلوبنا بردودك الداعمة وكلماتك العطرة التي تجعلنا نمضي في طريقنا ويكون الامل رفيقنا باذن الله 🌺🌺🌺

بارك الله فيكِ اختي امال وربي يسلمك ويحفظك من كل شر ⚘⚘

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-21, 01:28 AM   #134

لبنى البلسان

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية لبنى البلسان

? العضوٌ??? » 462696
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 5,543
?  نُقآطِيْ » لبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond repute
افتراضي



فصل جميل جدا تسلمي الحان وتسلم اناملك
بانتظار الفصل القادم بفارغ الصبر


shezo likes this.

لبنى البلسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-21, 06:50 PM   #135

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لبنى البلسان مشاهدة المشاركة


فصل جميل جدا تسلمي الحان وتسلم اناملك
بانتظار الفصل القادم بفارغ الصبر

الله يسلمك ويحفظك يارب
دائماً بتنوريني بلطف كلماتك

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-21, 01:29 AM   #136

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني عشر (( في بيتنا رجل ))



" هل أخطأنا برأيك ؟؟ "

تتكلم بخفوت على الهاتف تسأل صديقتها وهي تنزوي في غرفتها , تغلق الباب على نفسها بالمفتاح قبل ان يداهمها من توعّد بالعودة لها لاحقاً ليحاسبها على مراوغتها عن الموضوع عندما التبس عليه الأمر في الأمس ...!!

" لا اعلم سلمى ...لا اعلم ....أتعرفين ؟...امي لم تسألني وعاملتني كأنه لم يحدث شيئاً ...لكن المشكلة الكبرى بمن تحوّل لشخصٍ آخر ...أكاد أجن كيف سأصبر حتى غدٍ لنتكلم ؟!.."
ردت (دنيا) بصوت مبحوح من كثرة البكاء بعد ان تركها (سامي) دون ان يوجه لها كلمة بشأن الموضوع مما زاد من هلعها ...لقد دلفت الى ساحة المنزل وهي تضرب أخماس بأسداس في عقلها الصغير ..ماذا بعد ؟ ماذا سيحصل ؟ هل سيصل خبر تشريفها لمركز الشرطة اليّ وربما للسيد (سليم الأسمر) الذي تحترمه من جهة ومن جهة ثانية تهابه ؟!!...نحن في كفة وذاك الذي عاد من سفره مقلوباً كأنه ذهب لصياغة وتنسيق شخصيته من جديد في كفة أخرى ؟!!...

ردّت (سلمى) حائرة على وضعيهما:
" صدقاً لا ادري ان كنا مذنبات او لا !.....صحيح طلبت منك منذ المشكلة الأولى إخبار سامي ورفضتِ رفضاً قاطعاً بحجة أنك لا تريدين إدخاله في امورك لكن آخر مشكلتين لم يتواجد في المدينة لتلجئي له وتعلميه فيهما...!!"

ابتلعت ريقها واردفت :
" أم انك أيضاً كنتِ لتخفي عنه حتى لو كان هنا ؟!.."

حمحمت بتهرب ثم اجابتها بصوت خافت:
" نعم...اقصد ممكن ...يعني الله اعلم!!"
علت نبرتها وأضافت :
" لكن انتِ تشاجرتِ مع بلال بسببي....كان من الأفضل اخباره ...لم يكن داعي لتخبئي عنه ما دام احجار الجامعة والأشجار عرفت بقصتنا ....يعني اخفائك كان ليس بمحله "

كانت دائماً شقيقتي الأشجع بينهما ولم تسمح لأحدٍ بالاقتراب منهما ودائماً لسانها جاهز للقصف ...فلم يصفها خطيبها ام لسان طويل ظلماً.!!..أما توأمها وصديقتها (سلمى) المتواضعة ,الليّنة , المتسامحة الآن بحالة يرثى لها بسبب ما آلت اليه علاقتها بـ (بلال) الذي لأول مرة يريها جانبه الشديد القاسي.... فلطالما كان عطوفاً ,لطيفاً , رومانسياً والسبّاق لمسح دمعتها...انها تعاني من اضطرابات بمعدتها من شدة وجلها وفزعها ورغم ذلك أجابت واثقة بتصرفها :
" مستحيل لن انقل كلاماً يخصك ...انت تقررين عن نفسك ان اردتِ اعلام أحد...هذا ليس من حقي نهائياً وغير ممكن ولو على قطع رأسي وخصوصاً لعلمي برغبتك بالتكتم عنه...وإما أنا وأنت على المقصلة سوياً أو ننفذ كلتانا بريشنا ..!!"

اجابتها بنشوة وَفَدَت اليها وسط حزنها وارتياعها :
" ربي يحفظك لي يا نصف قلبي الآخر يا توأم روحي .."
تنهدت وسألت بقلق عليها :
" ماذا ستفعلين الآن مع بلال ؟؟!...هل جربتِ الاتصال به ؟! "

اجابت ودقات قلبها تسنُّ سكاكينها :
" بعدما اوصلني للبيت ..اتصلت به وكان هاتفه مشغولاً ثم المرة الثانية مغلقاً .."


" ربما نفذت بطاريته !!"


" كلا...رايتها بالسيارة كانت مشحونة اكثر من النصف !...هذا مؤكد يخبرني بطريقة غير مباشرة اطبقي فمك لا اريد سماع صوتك .."


" دنيااا...."


" ما بك سلمى ؟....افزعتنـــي !!"


" اغلقي اغلقي ...سمعت صوته يكلم امي ...لقد أتى ....يا رب سترك ..."

قالت مستسلمة بوجل لحالها وحال صاحبتها :
" كان الله في عونك....اراكِ بالجنة ان شاء الله حبيبتي "

أغلقت مع (دنيا) واقتربت من الباب تسمع ما يدور في الخارج لكن مع الأسف لم تصلها الذبذبات الصوتية !! ليس لأنه أصابها الطرش أو ان اولئك يتوشوشون إنما بسبب النغمات الصاخبة لمشهد التشويق والاثارة التي تحدث في احشائها..!!.....بينما هي تحاول التنصت مع انها ليست من عادتها , تحرك مقبض الباب صاحَبَه طرقة واحدة عليه فانتصبت نافرة مفزوعة , لحقها صوته ألآمر :
" افتحي الباب..."

طلبت ببراءة:
" عدني لا تصرخ .."


" افتحي سلمى .."


" قل قسماً لن اصرخ "


" سلمــى ....لا تحفزي اعصابي "

هتف بها بنبرة صارمة وسمع بعدها طقة المفتاح ...فتح بحذر وهدوء...... كانت تبعد مترين عن الباب بعد ان هربت توليه ظهرها......ولج الى الداخل واغلق الباب خلفه فاستدارت تنظر له وعيناها ملّبدة بالدموع !!...اشار الى سريرها رافعاً صوته :
" هيا اجلسي.."

ترنّح بوقفته بعد أن ارتمت في احضانه على حين غرّة....
لقد هربت منه اليه !!.....طوقت خصره بذراعيها بتملك وغمرت وجهها بين صدره وذراعه ......استحوذت على ثغره ابتسامة سببها الطفلة التي بين احضانه , سيطر عليها قبل ان تراها..!!...كلما حاول تحريرها عنه زادت بالتصاقها وطَمرِ وجهها ....هتف بصوت جاد هادئ :
" اجلسي لنتكلم ..."

همست بغنج وصوتها مخنوق حياءً , خوفاً وبسبب حصر فيها على جسده :
" سنتكلم لكن لا تصرخ.....ألستُ انا حبيبتك ؟"

ربطت لسانه عن الكلام هذه المخادعة وهي بهذا القرب وهذا الدلال لكنه لن يخضع للعبتها فاستجمع قوته وقال :
" حبيبتي شيئاً وما فعلتيه أمراً آخراً...هيا اجلسي ...يجب ان نتكلم "

بدأت ترخي يديها شيئاً فشيئاً ثم رفعت رأسها ببطء حتى وصلت وجهه الذي يعلوها بضعة سنتمترات وسلّطت ليل عينيها الدعجاء على الحقول الخضراء في عينيه المحميتين بعدسات لاصقة شفافتين ....فتح فاهُ ليكرر كلامه لكنه لم يستطع عندما حاوطت عنقه بذراعيها بدلع , تقف على رؤوس اناملها لترتفع اكثر وبكل جرأة أدهشته لا سابقة لها تضع شفتيها على شفتيه توصدهما ولِيَنطق حرفاً هذا الثائر الأسمر ان استطاع ذلك....!!

وإلى الآن لم نعرف من كان منهما حسابه عسيراً كما تنطّح وتفاخرَ مهدداً بلبلنا العاشق الولهان ....

~~~~~~~~~~~~~~~~~

تثاءب وهو يتمطّى ...كان يومه طويلاً ...يريد فقط النوم ...لا شيئاً آخراً....لقد استيقظ من الفجر وهو بالعاصمة وبعدها قام بالتسوق ثم مشوار الطريق الذي يستغرق ساعات ليستقبل خلاله بشرى مشكلة خطيبته وينشغل بها كما انه عاد لورديته التي تبدأ بالسادسة والنصف حتى الساعة الثالثة والنصف قبل الفجر لكن احد زملائه المقربين عندما رأى ارهاقه اقنعه بالعودة للبيت في الواحدة بعد منتصف الليل وهو سيهتم باللازم بما تبقّى من ورديته في غيابه...!!.....توجه الى سيارته التابعة للشرطة المركونة في الموقف لأن خاصته رباعية الدفع احتاجها شقيقه لمشوار.....هو ليس من طبعه استعمال ما يخص الدولة لأغراض شخصية وخارج الدوام مع انه يُسمح لهم بذلك ما داموا موظفين حكوميين !! .....استقلّها وادار المحرك وما ان لبث ليخرج من البوابة حتى علا رنين هاتفه الشخصي باتصال غريب نسبةً لهذا الوقت المتأخر...أخرجه فتسارعت نبضات قلبه لرؤيته اسم المتصل ...لمسه ليرد بقلق مع أسئلة متتابعة :
" خيرٌ ان شاء الله ؟؟..."

"لمَ تبكين ؟؟!! "

" ماذا حدث؟"

"......"

" ماذا؟؟!!"

"....."

" ها أنا قادم على الطريق.."

" ....."

" خمس دقائق بإذن الله وسأكون عندكم"

ضغط على الوقود بقوة...الشارع فارغ لم يواجه ايّةُ عراقيل !!....وصل البيت الجبلي كالبرق...ترك سيارته والمحرك مفتوح وترجل منها مسرعاً.....قرع الجرس لتفتح له شقيقتي بوجهها المتشوش الشاحب ...سألها على عجلة دون ان ينظر لها :
" أين هو ؟!"


" في غرفته "
اجابت وسط شهقاتها اثر البكاء فعجّل في خطاه قافزا السلالم قفزات قليلة واسعة ....وصله صوته الباكي :
" أمـــي..آااه..لا استطيع ...أمــي...آي "

سأل مذعوراً التي اتصلت به مجبرة تستنجد من اجل ابنها والّا لما اشغلته بهمومها:
" ما به ؟؟ كيف حصل هذا"

أجابت بصوت مرعوب , متقطع ومختنق على حال المستلقي على فراشه يصرخ ويتململ بعنف ودموعها تتسابق في الهطول من عينيها :
" كنتُ نائمة.... وكانت دنيا مستيقظة.... وفجأة..... سمعتْ صراخه فهجمتْ ووجدته يتحرك كالذبيحة .....من حرارة الروح... فأيقظتني في الحال ثم اتصلتُ بك.....وها هو كما ترى....يضع يده على بطنه..... ولا يسمح لنا بلمسه ...يا رب... لطفك...يا رب "

اقترب من (شادي) جلس جانبه على فراشه ومسّد على رأسه هامساً :
" ما بك يا بطل ؟!...ماذا تشعر ؟!.."

مدّ يده يكشف عن بطنه حيث يضع يديه قريباً من السرّة ...كان بطنه منتفخاً وحرارة جسده تبدو مرتفعة لاحظها ما ان لامست يده جلد المتألم امامه...

أزاح له اياها صارخاً به ...لا يطيق ان يلمسه أحد :
" اتركني.....سأموت ...بطنـــي ...بطنــي "

وقف متأهباً ثم انحنى قليلاً يضع ذراعاً تحت ركبتيّ الصغير والأخرى تحت عنقه... حمله غير مهتم للضربات التي يتلقاها منه وهو يرفسه , هتف آمراً مهرولاً في مشيته قاصداً الخروج:
" هيا الحقاني للسيارة سآخذه على المشفى.....ربما الزائدة الدودية والله اعلم "

" كيــف عرفت ؟! "
سألته امي بين عبراتها بقلق على فلذة كبدها ليجيب وهو شبه راكض :
" هذه الاعراض كانت عند إيهاب ابن شقيقتي بيان واتضح انها الزائدة....هذا مجرد تخمين ...هيا استعجلا بسرعة ..."

هتفت (دنيا) سائلة بصوت لاهث وهي تتبعهم وتلفّ الحجاب على رأسها :
" هل نتصل بالإسعاف ؟!"

أدارَ وجهه للوراء يرميها بنظرة جافة لاقتراحها التافه ...هل تظن ان الإسعاف اسرع منه ؟!....لو بقيت صامتة بهيبتها أشرف لها لأنه لم يرد عليها بشيء وكأنها لم تتكلم ...انه يرى الديك أرنباً من شدة نعاسه وزاد عليه قلقه على من في احضانه وتأتي تلك لتتفلسف بأفكارها الخارجة من عقلها الصغير الذي يريد ان يحرقه لها !!...
.لما وصلوا الساحة حيث سيارته ببابها المفتوح والمحرك الذي لم يغلقه ...وقفت مستنكرة لرؤيتها انها الخاصة بالشرطة فهتفت بصوت معترض :
" هل سنذهب بسيارة الشرطة ؟...لا يمكن ذلك !! "

لو ان الموقف يسمح له لانفجر ضاحكاً وقصف جبهتها...أنَسيت عندما زفوها عصراً بمركبة الشرطة بمصباحها الذي يضيء ازرق واحمر على السقف والمزمار ينادي على الجميع ليخبرهم انها سيارة شرطة ليفسحوا لها المجال بالمرور براحة ؟؟!!...على الأقل هذا خطيبها الضابط وطبيعي تواجدها معه ولو حتى بسيارة عمله البيضاء الخاصة للضباط...

قال بصوت بارد بخلاف الغارات التي كانت في داخله :
" يمكنك البقاء في البيت ان كانت تزعجك مركبتنا..."
ضيق عينيه وأضاف متهكماً بجفاء:
" آنسة دنيا.."

ثم استقلّ مقعد القيادة وكانت امي قد سبقته على المقعد الخلفي ليضع رأس (شادي) على حجرها ..!!....لم يكن مكان لها بالخلف لأن شقيقي احتلّ الكرسي بجسده الصغير وهو مستلقي ...اضطرت للتوجه للمقعد بجانبه دون ان يبدر منها أي نَفَس.....ان كان قد قاد بقدومه كالبرق فانه الآن يسبق البرق بعد ان شغّل المصباح من فوق مع صوت المزمار الذي يميز مركباتهم لتُخْلي له السيارات طريقه....
أليست الشرطة في خدمة الشعب ؟؟!!...وهؤلاء بالنسبة له ليسوا الشعب انما الوطن بأكمله..!!

×
×
×

دلف راكضاً الى قسم الطوارئ والصغير بين يديه !....لم ينتظر جلب سرير ....يثق بقدراته وسرعته واللتان زادتا بسبب قلقه الصادق عليه بخلاف من يعملون ويرعون المرضى لأنه مجرد عمل وواجباً عليهم...!!.....تبعتاه أمي وشقيقتي لكنهما لم تستطيعا مجاراة خطواته ....وضعه على احد الأسِرّة ثم تنحّى جانباً ليسمح لحماته ان تأخذ مكانه بعد وصولها , فأخي يبكي يريدها وممنوع تواجد اكثر من مرافق مع انه يستطيع استخدام منصبه ان لزم الأمر..!!....
كشفت عليه طبيبة في الحال وخمّنت كما قال لكنها ستجري له فحوصات دم وغيرها وكذلك ستقوم بتصوير أشعة - رونتجن - لبطنه لتتأكد .....بعد حوالي اقل من نصف ساعة جاءت النتائج تثبت شكوكهم ليجدوا التهاب حاد في الزائدة وعليهم اجراء عملية له بشكل عاجل قبل ان تحدث مضاعفات كانفجارها لا قدّر الله.....!! ....كادت تنهار امي على آخر العنقود خاصتها الذي تحنّ عليه بشكل خاص بسبب ما واجه منذ قدومه على هذه الدنيا فماذا سيكون أصعب من انه تيَتّم بنفس اليوم الذي وُلِدَ به وانه كاد يفقد حياته جوعاً اثناء الهجرة ؟؟!!..الى يومنا هذا ما زالت تؤنب نفسها على نسيانها زجاجة الحليب !!....
شقيقاي هما خطان احمران عندي لكن (شادي) علاقتنا واهتمامنا الكبير به ليس لأنه الصغير فحسب انما حبنا له يختلط مع الرأفة والعطف عليه .....لم يرَ ولم يعش ماضينا الجميل السعيد لذا نحاول ان نعوضه قدر الإمكان من الحنان والدلال علّنا نملأ القليل من فراغ لروحٍ لا بديل لها ....مهما عملنا وفعلنا لن نغطّي مكانة حبيبنا الغالي أبي رحمه الله ...حاولتُ ان أكون والده بوقت كنت انا احتاج بشدة لوالد.!!...لكن هذا قضاء الله فنعم المولى ونعم النصير ....!!....
أدخلوا صغيرنا لإحدى غرف العمليات المصطفة جانب بعضها البعض ...تفصل بينها وبين غرفة الانتظار غرفة أخرى يستخدمها الممرضون فقط , تسمّرت امي بها وأبت ان تتركها وهي ترتجف على ابنها الممدد في الداخل وكأنها تسلمه للذبح بيديها لكن مسؤول القسم رفض تواجدها واخرجها مصرّاً..... وهنا جاء دور من كان ينتظر في المكان المعدّ لذلك عندما رأى حماته تخرج منكسرة , خاضعة وتبكي بصمت ضعيف ... صوتها لا يخرج منها بسبب حيائها وايمانها ....اقترب منها بعد ان هاله حالها ...ضمها لصدره بقوة يربّت على ظهرها بحُب وحنان رجولي صُنع في قلبه هو.... ذاك السامي الوفيّ...
همس سائلاً بعد ان حاول تهدئتها :
" لمَ خرجتِ ؟؟...يوجد مقاعد في الداخل !!..."


" ممنوع الانتظار هناك...لم يسمحوا!!"
اجابته واللوعة في فؤادها ...

" من قال ذلك..؟"

حررها سائلاً يتهيأ للذهاب لمن منعها فمسكت ساعده توقفه بخجل :
" لا بنيّ...لا نريد ان نحدث شوشرة...إنسَ...سأنتظر هنا مثلي مثل الباقي!!.."

التفت اليها , مسك ذراعيها بقبضتيه قرب كتفيها , منحنيا بظهره بسبب قصر قامتها مقارنة به وقال بحزم محترم :
" انتِ لستِ مثل الباقي ...أنت الشريفة زوجة الشريف ...أنت فخرنا ....لكِ ما تريدين ....فقط اؤمريني أمي ...!!...ولو كان هادي هنا لكسّر المشفى فوق دماغهم وأنا لن أكون أقل منه !..."

قبّل جبينها ثم ولج إليهم مستخدماً سلطته دون أن يجادلوه او يعترضوا بكلمة وسمحوا لها بالتواجد قرب غرفة العمليات على مضض ...المهم عنده ان تكون راضية وليذهب لسطح المشفى ويلقي نفسه من لا يعجبه الأمر بينهم !!....
تستغرق العملية ساعة من الزمن ....كان يقف يسند جسده للحائط , يكتّف ذراعيه ...الارهاق واضحٌ عليه.....أما عروسه كانت تقف بعيدة عنه يعزل بينهما مقعد مكوّن من ثلاث كراسي , يجلس على الوسطى منها رجل اربعينيّ واللتان على جانبيه فارغتان ....المقعد شبيهه المقابل له ممتلئ والأخرى الشاغرة بالرواق بعيدة عن الباب الفاصل عن غرفة العمليات....انتبه (سامي) بنظرته الجانبية اليها لحركة ساقيها وهي تبدلهما اثناء وقفتها دليل التعب من الوقوف...فدنا من الرجل بأدب هاتفاً :
" لو سمحت...اجلس جانباً لتجلس الآنسة !! "

سمعته بسبب قربها منه ...يجب ان تفرح جاء الفرج لترتاح لكن قلبها يؤلمها لتصميمه طوال هذا اليوم على لقب آنسة !!....تريد ان يعرّفها بصفة تخصه صفة لم ترضها سابقاً ولن ترضاها لاحقاً لكنها لا تدري لمَ الآن بالذات تحتاج سماعها منه..!!.....أطاعه الرجل باحترام ولربما بخوف ....اقترب ليطلب منها الجلوس فسبقته تمد يدها المرتجفة بغتةً دون وعيها نحو زاوية فمه حيث وقع بصرها على نقطة دماء من احدى الضربات التي تلقاها من الصغير...وهتفت قلقة :
" هناك دماء على طرف شفتك "

.لكنه كان قد نصب ذراعه ليضعها حائلاً بين وجهه وكفها مع كشرة على ملامحه فأنزلتها وأنزلت معها رأسها وأهدابها محبطة من افشاله لها...فقال بجدية بصوت خفيض:
" يمكنك الجلوس .."

اجل هي حمقاء لا تتخلّى عن عنادها ....أما هنا كانت نيتها باستفزازه لفت انتباهه وكذلك لترد على قسوته هذه ....لذا رفعت كتفها وهي تزمّ شفتيها كالطفلة هاتفة بحنق:
" لا اريد.....بإمكاني طلب ذلك منه ان اردت..!!.."

رمقها بنظرة من اخمص قدميها لرأسها بازدراء خفيف ..كانت ترتدي منامة كحلية على بلوزتها يرسم نجمة صفراء مع حجاب تلفه بعشوائية لونه ابيض وقال بنبرة متحجرة ميتة وهو متجهاً نحو الحمامات :
" أنتِ حرة ...نسيت انه بإمكانك فعل الكثير. ! "

لقد ضرب سهماً على نابضها ...تشعر بنزيف ودقاته ستتوقف ...انه لا يعي ماذا يفعل بها بأسلوبه الجديد عليها ...!!..هي تصمم على رأيها وتتحدى الجميع لا تريد هذا الوباء المسمّى حب ....لكنها اعتادت على الأشقر الغليظ بشخصية مغايرة لهذه....
عاد من الحمام لم يجدها...نظر يمنة ويسرة نظرة ثاقبة كالصقر , لا أثرَ لها ....انتبه له الرجل الجالس فقال وهو يشير للرواق المؤدي للخارج :
" ان كنت تبحث عن الآنسة فهي ذهبت من هناك .."

من المفروض ان يشكره بامتنان لكنه قطب حاجبيه بغيظ وهتف بنبرة تحذيرية:
" انشغل بالدعاء لمن لكَ في الداخل ولا تراقب من لا يخصك يا سيد ...أظن انك تحتاج لعينيك فحافظ عليهما بغض البصر والّا... !!.."

ازدرد الرجل ريقه جبناً فلباس الشرطة وحده له هيبة وكيف ان كان من يرتديه جبلاً شامخاً بثقة وشجاعة لا يهاب احداً...
قصد الخارج بخطى سريعة ليبحث عن ذات عقل الضفدعة ....عند تخطيه عتبة الباب الزجاجي الرئيسي التقى بممرضتين تدخلان , تتهامسان ....وصله صوت عابر من احداهما :
" أتراهنين انها تبكي بسبب غليظ أحمق وليس لسبب آخر ...كقلق على مريض مثلاً "
انفطر قلبه بعد سماعه هذا ...حدسه أخبره انهما تتكلمان عنها فمن غيرها ستبكي في الخارج بل من غيره غليظ أحمق يعاملها بصلابة دون ان يفصل ما حدث بالنهار عن حاجتها له الآن بعد قلقها على شقيقها !!....
لمحها تجلس على حافة حوض للأزهار ...ظهرها له ...تتكئ بمرفقيها على فخذيها وتحجب عينيها بكفيها ...زلف منها بهدوء ...مدّ يده بتردد ليضعها على كتفها ثم اعادها ممتنعاً يغلق قبضته يشدّ عليها بقهر حتى ابيضت مفاصله ...يشعر بطعنات في انحاء جسده منها وعليها....تنحنح هامساً :
" لمَ تجلسين هنا ؟! "

استدارت بوجهها ليمينها حيث يقف للخلف قليلاً وأنفها كحبة الفراولة من البكاء والهواء معاً وقالت :
" أريد ان أتنفس ...أهذا ممنوع ؟!"


" لكن هنا الهواء بارد وستمرضين "


" يبقى أدفأ من الأسكيمو في الداخل "


حكّ عنقه متهرباً وهتف بصوت هادئ وكأنه لم يفهم قصدها:
" هيا لندخل...ستخرج والدتك ولن تجدنا "


" ادخل انت...سأبقى هنا "


تمتم مستغفراً وقال :
" بربك دنيا ....ليس وقت الانشغال بك "

هبّت واقفة تقابله وعيناها تلمعان ثم هتفت بصوت بدا له مرتفعاً :
" لم اطلب منك الانشغال بي ..."

حافظ على هدوئه هامساً :
" أعلم لكن بعد قليل سيخرج شادي من العمليات ان شاء الله ...هيا تعالي "

تفحّصت ساعة هاتفها كانت تقترب من الرابعة قبل الفجر فسارت امامه بانحناء لا يشبهها , انحناء لفت انتباهه! لأنه دائماً يراها مرفوعة الهامة!!...هل هو تعب السهر أم قلق على الصغير أم ألم وقهر ؟؟!!....لا يعلم الإجابة لكن يعلم كمية المعاناة التي في صدره من حيرته كيف يتصرف معها !!.......عادوا الى غرفة الانتظار....جلست على المقعد الذي غدا فارغاً فجلس جانبها مباشرة كي لا يقترب احداً منها ولو حتى كان كفيفاً ..!!...عمّت السكينة في المكان...معظم من تواجدوا اختفوا بعد انتهاء عمليات ذويهم ....تجاوزت عــقارب الدقائق عن الرابعة وهما ما زالا ينتظران في مكانهما يراقبان شاشة تحديثات مجرى العملية التي تظهر امامهم وتُطلِعهم أولاً بأول عن كل مرحلة ....يومها كان عصيباً ومرّ كأنه الدهر , لذا لم تشعر كيف اتخذت كتفه مخدة لوجنتها الناعمة راحلة في سبات لعالم احلامها ....دغدغة طيّبة وحلوة وافته لرؤية كتلة البراءة التي تحتله دون استئذان ...رسم بسمة حبٍ مبتور....كم تمنى هذه اللحظات ؟؟!! كم دعا ربه لتكون من نصيبه وان يضع حبه في قلبها ؟؟!!....لو بادلته نفس الشعور الذي لم يعطيه لسواها لأفرغ الغرفة وأغلقها من جميع الجهات ووضعها في حضنه كالطفلة في حضن أبيها وجعل من نفسه فراشا وبيتاً لها , فقط لتنعم بالطمأنينة والراحة حتى تشبع وتنهض لوحدها لكن كما قالوا زرعنا (لو) فأنبتت ( يا ليت ) ....!!....بعد قليل غدره النعاس هو الآخر فأمال رأسه ليسنده على رأسها وذهب الآخر في عالمه....من كان يمر من الممرضين وغيرهم كان يبتسم للطافة مشهدهما الذي يجسد صورة لعاشقيْن اجتمعا بعد ضنْك ومقاساة...!!...
مضت دقائق ليكتب على الشاشة انتهاء العملية بعدها خرجت امي لتبشرهما فوجدتهما على حالهما ...ابتسمت بوهن وجلست بجانبه الآخر بعد ان طمأنتها الطبيبة بنجاحها وأنه الآن في قسم الإنعاش وما زال تحت التخدير...من غير ادراك منها هي الأخرى وقع رأسها على كتفه الأيسر ليُصَمم غلاف لرواية لهم , بطلها صديقي (سامي) وعنوانها (في بيتنا رجل)....كان هو عامود الأساس لهاذين الركنين الضعيفين لتستندان عليه وتتماسكان في غربة الوطن....!
رنّ منبه هاتفه الذي يضعه لوقت الصلاة لكنه لأول مرة لا يستيقظ فانتبهت أمي له وأيقظته بهدوء كي لا تفوتهم صلاة الفجر...فزّ يحاول استيعاب مكان وجوده ...كانت شقيقتي قد عدّلت نومتها مستندة براسها على الحائط خلفها ...فرك عينيه وهمس يوجه كلامه لحماته :
" ألن توقظي دنيا ؟! "

هربت بعينيها حياءً ثم اجابت مجبرة بصوت خافت :
" لديها عذر..."

ندم على سؤاله بتطفل ...ما كان عليه معرفة شيء خاص لهذه الدرجة عنها !!...نهض ورأى احتضانها لذراعيها من البرد...نظر لقميصه الكحلي الفخم الخاص بزيّ الشرطة يتفحصه....فكّ أزراره وخلعه وبقي ببلوزة نصف كم بيضاء سادة تجسّد عضلاته ثم دثّر قسمها العلوي به علّها تلتمس بعض الدفء لتحتمي من برد الفجر فهكذا يكون الجو الصيفي الصباحي والليلي في المدينة الجبلية....

×
×
×

بعد ساعتين من الفجر استيقظ صغيرنا وكل القيّم عنده مستقرة بفضل الله...كانوا يعطونه بعض المسكنات بسبب الآلام في موضع جرح العملية.....مكث في المشفى يومين وغادره بالثالث ...كانوا قد اعلموني بما أصابه ...هذيتُ كالمجنون كنت اريد ان أطير له من شدة خوفي وقلقي عليه لكن صديقي والسيد (سليم الأسمر) منعوني وطمأنوني أن لا حاجة للمجازفة مادام كل شيء يسير على ما يرام....قضيتُ هذه الأيام بمكالمات هاتفية , صوت وصورة لأرى حبيبي صغيري بنفسي ....انه رجل صغير قوي الإرادة ويتماثل للشفاء بسرعة ...!!....في اليوم الخامس وردني اتصال من صديقي (سامي) وكان صوته جدياً على غير العادة :
" هل انت متفرغ هادي ؟"

سألت بتخوّف:
" خيرٌ سامي. ؟؟....كيف شادي ؟!"

ردّ بذات النبرة :
" لا تقلق....كل شيء تمام الحمد لله....لكن اريد اخبارك بموضوع آخر "

نفثت انفاسي بارتياح وقلت:
"الحمد لله....... قل ما عندك !!"


" شيء يخص شقيقتك دنيا !!"


رفعت نبرة صوتي بتوجس :
" ما بها صغيرتي ؟؟...هل حصل معها مشكلة ما ؟؟"


" تعال لتفقأ عينيّ.....لقد أبكيتها "

كانت مكالمة طويلة سرد لي بها كل ما حدث وكذلك أطلعني على قراراته فأخبرته بنيتي لزيارة اهلي والوطن في أواخر الشهر المبارك الذي تبقّى له شهر ليهلّ علينا بخيراته واتفقنا اننا سنتحدث بقضيته وتفاصيلها وجهاً لوجه بإذن الله وأيضا طلبت منه التكتم عن موضوع ذهابي لتبقْى مفاجأة لهم .....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

قبل ثلاثة أيام تم اختيارها من ضمن نخبة من طلاب جامعتها المتفوقين في الامتحانات الأخيرة للمشاركة في مؤتمر تقيمه هذه الدولة بالعاصمة تحت رعاية وزيريّ الثقافة والتربية والتعليم ...ففي كل سنة يختارون تخصصاً جديداً لتسليط الضوء عليه لتشجيع الأجيال الصاعدة ودعم الجامعيين من أجل تطوير المستوى التعليمي والثقافي للدولة وفي هذا العام تم انتخاب تخصص الهندسة المعمارية والداخلية فقام المقبلون على التخرج بعمل مشروع ومجسم الكتروني ليعرضوه في معرض المؤتمر وعلى الجامعة ايضاً بعث فئة من الطلاب المبتدئين والمعلمين ليمثلوها فيه وليكرموهم ....!!.....بعد اصطفائها من بين زملائها ,اعلموها بجلب مرافق معها ليسلمها شهادة التقدير بنفسه هناك ويجب ان يكون قريباً من الدرجة الأولى , وبلا ريب فتاة رقيقة , مدللة مثلها سيكون والدها مصدر فخرها واعتزازها فقررت مفاجأته باختياره مرافقاً لها......كان الوقت مساءً والسفر للعاصمة في الغد مثل هذا الوقت والمؤتمر في صباح اليوم الذي يليه ....انتظرت قدومه من عمله بفارغ الصبر...كانت تجوب بهو القصر بحماس وبهجة , تراقب مجيئه من الباب الزجاجي الكبير...!!.....منذ صغرها اعتادت على ان تكون هي اول من تقوم باستقباله والقاء نفسها في احضانه ولما عادت من كندا أحيَت مرة أخرى عادتها هذه فهي تشعر نفسها طفلة مهما كبرت وانها ما زالت مدللته وتتربع على عرش قلبه مهما اختلفا او تخاصما ...!!....فُتح الباب ليدلف العنكبوت لشباكه الواهية ...اتسع فمها بضحكتها البريئة التي تصل من الاذن للأخرى واسرعت بمشيتها لتحتضنه لكنها توقفت في نقطة معينة عندما رأته ينفث لهباً ويده على أذنه تثبت الهاتف ولا يرى أمامه ....بدأت تقترب ببطء بعدما خمد حماسها ....وصلته فاستدار بجسده ليساره حيث مكتبه القريب من المدخل....لحقت به لكن حجب بينهما الباب عندما صفعه بوجهها من غير ان ينتبه لها !!...نكست رأسها لوهلة ثم قررت المجازفة فموضوعها يجب ان يفخر به وعليها بعث رسالة للإدارة باسم مرافقها ...طرقت الباب فقال باحتدام :
" ألا ترون الباب مقفلاً ؟...لا اريد الازعاج !! "

همست بصوتها الناعم ويدها على مقبض الباب:
" هذه أنا أبي ...من فضلك دقيقة من وقتك لأمر ضروري .."

أجاب بصلابة :
" أجّلي الدقيقة ألمى ...لست متفرغاً الآن ...سأناديك ريثما انتهي !!.."

أدارت ظهرها للباب تستند عليه بضعف وهي متشبثة بمقبضه وتمتمت هامسة بشجا :
" متى كنتَ متفرغاً لي أبي ؟!..."
وسُرِقت من سمائها نجمة متلألئة , صافية كصفاء روحها , مجروحة كجرح قلبها , مبتورة كيُتمها ..!!...
ظلّت على هذا الحال دقائق قليلة جداً ثم استعادت رباطة جأشها وفي نيتها الذهاب للاحتمال الثاني لمرافقتها وهي خالتها الحبيبة ...زارها الأمل ودفعها لتصعد السلالم بعجلة ليطمئن قلبها ....طرقت الباب طرقتان وفتحت من غير استئذان وهذه ايضاً عادتها القديمة منذ صغرها والتي استمرت عليها ...فعند خالتها لا حدود ولا قوانين كالوحش المرعب الذي يجلس في الأسفل في قلعته المزيفة ..!!......وجدتها تجلس على كرسيها الخشبي الهزاز جانب النافذة , تضع كتاباً على فخذها وفوقه ورقة بيضاء تكتب عليها فدنت منها متسائلة :
" ماذا تكتبين خالتي؟!"

خلعت نظارتها الطبية واهدتها ابتسامتها الحنونة بوجهها البشوش هامسة :
" أهلاً صغيرتي.....اين القبلة يا بخيلة ؟!.."
غمزتها بمكر وأضافت:
" أم ان هناك من سرق قبلاتنا ؟!"

" خالتــــي.."
مطتها بحياء ودلع تنهرها بعد ان فهمت مغزاها مع انها بقرارة نفسها تعرف بأي صحراء جرداء بَرَكَ جملها ونصبت خيمتها... أي بأيّ حائط شحيح المشاعر ارتبطت !!.....أحنت جسدها نحوها تقبّلها من خدها مجيبة وهي تخفي جرح فؤادها الذي ألهاها عن طبع قبلتها :
" انشغلت بما تكتبين ونسيت !! "

أعادت السيدة(فاتن) نظارتها لعينيها ونظرها للورقة بيديها وأجابت :
" بعد غدٍ يوجد ندوة بالمدينة المجاورة لنا ....كالعادة تخص اللاجئين والمهاجرين ...سنذهب أنا وايمان ...هي ستغطي الحدث وأنا سألقي كلمة.."
رفعت الورقة وتابعت :
" ها انا أحاول كتابتها علّني أفلح...فأنا فاشلة في هذا المجال !"

ابتلعت اقتراحها التي أتت به بعد أن وصلتها الإجابة قبل السؤال فأيضاً خالتها ليست شاغرة ..!!...استأذنتها هامسة بابتسامة كافحت لرسمها :
" بالتوفيق خالتي.."

وخرجت قاصدة غرفتها قبل ان ترد عليها !....خالتها تحفظها أكثر من نفسها ...لم ترتح لملامحها ولا لنبرة صوتها فلحقت بها لتجدها تكوّر نفسها على سريرها تبكي بهدوء على وحدتها ويُتمها ....دنت منها بقلبٍ موجوع عليها ...جلست أمامها بشكل جانبي وبدأت تمسد وجنتها وهمست بحنوٍ:
" ما بكِ حبيبتي ؟...لمَ تبكين صغيرتي ؟"

كانت تفتح عينيها دون ان ترمش , شاردة بحالها وحياتها ....أشارت لها لحضنها وهمست :
" هيا صغيرتي...ضعي رأسك في حضني لأداعب شعرك كما تحبين "

حرّكت جسدها قليلاً لتستجيب لها وبدأت تداعب لها شلالها الليليّ وهي تسألها:
" اخبريني عزيزتي بما يزعجك !!.."


" انتِ اخبريني خالتي ...متى سأجد أبي متفرغاً لي ؟!..شارفت على عمر التاسعة عشر وانا أبحث عن الوقت الذي يمكنني التحدث معه براحة من غير ضغوطات او مقاطعات ...ألا يشعر بي ؟! هل يا ترى يراني عالة عليه ؟!.."
أجابت تمسك نفسها ثم استطردت ببكاء :
" أحسد شركته والملفات والموظفين وكرسي المكتب....كلهم لهم قيمة عنده ويبجلهم أما أنا يركنني على الرف وفقط متى شاء يذكر أن له ابنة مسؤولٌ عنها....الى متى خالتي سنستمر هكذا ؟!....هل الأبوة ان تستطيع الانجاب والاطعام فقط ؟!...لمَ لا يضيفون تخصصاً كيف تصبح أب ولمَ لا يُدخلون كل اثنين مقبلين على الزواج لدورة كيفية الاهتمام بالأولاد قبل انجابهم ومن ثم يخضعونهم لامتحان اجباري ؟!! "

عدّلت جلستها وهي تحني ساقيها بشكل جانبي ثم مسحت بظهر كفها دموعاً انسكبت بغزارة تختلط معها المرارة ...كانت رموشها تحتضن بعضها من ثقل الدمعات وخصلات شعرها المبلولة من امطار سمائها تلتصق بوجهها ...تابعت تسألها بغصة والمستمعة لها تتمنى أن تمحو عنها بعض آلامها لكن ما باليد حيلة :
" هل يوجد آباء للإيجار ؟!!....أو أني سأعتذر لهم فهذا أفضل من أن أكون كالمنبوذة والمقطوعة من شجرة ...انه غير متفرغ ليسمعني فكيف سيتفرغ لمرافقتي ؟!"


" لا بنيتي...إياك أن تخسري ما حصلتي عليه بجدارة ....كم يتمنون ان يكونون مكانك ؟!...لا تثبطي عزيمتك وقاتلي دوماً لتَسمي إلى العلا...أزيحي الحجارة من طريقك وامضي للمستقبل ...لا تنتظري أن يأتيك بل أنتِ اقْبِلي عليه بكفاحك حبيبتي .."

كانت تصغي لها صاغرة من حظها فأكملت السيدة (فاتن) لتشعل شعلة أمل على درب صغيرتها :
" أنتِ تعلمين بعد أن يستحم والدك وينزل للعشاء يكون في حالة مخالفة لما كان عليه ....لذا على طاولة العشاء اخبريه بذلك ومؤكد لن يخيّب ظنك وعلى العكس سيفتخر بك !!..وان لم يستطع لا تجزعي واذهبي وتحدي نفسك ...واعذريني لعدم مرافقتك بنفسي بسبب انشغالي المصادف لنفس اليوم لكن هذه حكمة الله "

تراءت بسمة على مبسمها وهتفت برَجا ممتنة:
" شكرا لكِ خالتي لأنك اعطيتني من وقتك...فليحفظك الله لي ...سأحاول مثلما قلتِ.....يكفيني وقوفك معي "

×
×
×

يجتمعون على الطاولة البيضوية التي يترأسها... تَصُفّ الخادمة الأطباق الملكية بعناية وتضع ما لذ وطاب من المأكولات ...(ألمى) بجانب خالتها ويقابلانهما الأفعى (سوزي) وابنها القادم من العاصمة...تناولوا الطعام بهدوء وبعد الانتهاء منه كعادتهم القديمة يتناولون الشاي في الحال وهم في أماكنهم وهنا يكون فرصة للإدلاء بالطلبات او الشكاوي لأن هذه السُفرة فقط هي من تجمعهم فبعد قليل سينفض كل منهم ثيابه ويمسح فمه ويتجه الى أهدافه فحبالهم مرخية لم تُعقد بألفة عائلية ليكون رباطهم متيناً ! .. .حاضر الجسد غائب الذهن يبدو أنه نسيَ من كانت في حاجته قبل ساعة ونصف !!....طبعاً في رأسه تدور أسطوانات كثيرة وجميعها خارج نطاق ألحان بيته فهو يمجّد الاستماع لكل شيء أجنبي ما دام به در للمال ...لكنها بسنوات عمرها القليلة وطيبة قلبها البعيد عن الجشع والحقد تغني في رأسها اغنية واحدة وتتمنى ان يسمعها والدها ويصفق لها باعتزاز..!!...تنحنحت وهمست متناسية ما يخرج منه من ردود أفعال قاسية لأنها ما زالت (ألمى) الشفافة , المحبة التي تسامح بسهوله وقالت بأدب :
" أبي.."

رمقها بنظرة جانبية دون ان ينبس ببنت شفة أما نظرته تخبرها أن تكمل فأكملت تخبره عن اختيارهم لها متباهية بإنجازها وفي أي فندق سيستضيفونهم ...لم يكن لها فرصة منذ أيام بإعلامه بسبب تأخره خارج البيت ورغبت ان يكون وجهاً لوجه لتتذوق فرحته ...كانت تنطق كل كلمة وعيناها مسلّطة على ملامح وجهه تراقبه لترى تفاعله معها بفخر ...وصلت آخر نشرتها الإخبارية وهو على حاله قاطب الحاجبين لا مؤشرات للحياة في وجهه لدرجة ظنت انها كانت تكلم نفسها ولم يخرج صوتها لولا أن (كرم) قاطع ظنونها قائلاً :
" اووه سيدة ألمى....أعرفه جيداً هذا الفندق ...انه آخر فخامة ...يا لحظك !!.."

تبسمت له ليس لأنها فرحت لكلامه بل لتمنع تقاسيم وجهها للاستسلام للبكاء بعد أن رأت لا حياة لمن تنادي .!!...سألت لتتأكد :
" هل سمعتني أبي ؟!"

نظر لساعة يده وقال دون النظر لها لأن حدقتاه تحلق بأروقة عقله بين الصفقات :
" سمعت أميرتي!!...من واجبهم اختيارك حتى لو لم تنجحي فأنا اثناء انشاء هذه الجامعة وضعت مالاً لا يعد ولا يحصى لتنجح ولتكون رفيعة المستوى وبهذه الفخامة من أجل ابنتي الوحيدة..."

ارتجف فكها السفليّ مع رعشة في شفتيها واستدمعت عيناها وهمست بصوت مكهرب بسبب رده البارد والاستهانة بها :
" لكن أبي هم اختاروني لتفوقي بفضل اجتهادي وذكائي.."


" طبعاً لوما ...هذا بالإضافة لما ذكرت "

كانت السيدة ( فاتن ) تصك على اسنانها وتشد قبضتيها تحت الطاولة مغتاظة لهدمه لمعنوياتها وهزّه ثقتها بنفسها بغباء عديم المشاعر هذا.... أما الأفعى خطّت ابتسامة شماتة على فيها ومسكت قبضة ابنها من تحت الطاولة ليساندان بعضهما بهذا العرض والأخير يضع يده الأخرى يغطي ثغره الشامت خوفاً من ان يلمحه العنكبوت ....قبل أن تكمل لتصل لطلبها وقف مستعداً ليبرح الجلسة فوقفت مثله ومدت يدها تمسك معصمه قائلة برهبة :
" هل يمكنك مرافقتي أبي غداً لنبيت ليلة وتسلمني شهادة التقدير بيدك ؟!"

حدّق بعينيها لثواني يفكر ثم أجاب من غير تردد :
" عزيزتي سامحيني....لو ان المؤتمر سيكون مساء الغد لفعلتُ المستحيل لكن بعد الغد عليّ موعد هام جداً لا يمكنني الغائه أو الاعراض عنه !!.."

لم تبدي أي ردة فعل فأضاف مشيرا للجالسة :
" خذي خالتك..."

أجابت بنبرة جافة ترغب بإحراقه :
" لديّ ندوة لا يمكنني الاعتذار عنها فأنا ضيفة شرفها وهي من اول يوم اعلموها به رغبت باصطحاب والدها والّا لكنت رتبت أموري من اجلها..."

حكّ صدغه وقال :
" خذي كرم أو صلاح.. "



انفجرت به هاتفة غير مهتمة بالأفعى وفرخها :
" من يكون كرم ؟!...لا اريده.....انا اطلب منك أنت....وصلاح ما صلته بي ليرافقني ؟؟!....قلت لك فقط أقارب من الدرجة الأولى !!.."

على غير عادته رد ببرود فهو الآن لرفعها لصوتها بوجهه كان يجدر به سحبها من شعرها او صفعها لكنه يدرك انه مخطئٌ ومقصّرٌ في حقها لذا ترك لها ان تنفّس قليلاً من ضيقها :
" اذاً يامن....باعتباره خطيبك او زوجك.....يعني هو أقرب المقربين لكِ "

أفرجت عن ضحكة هازئة تعايره :
" يامن ؟؟!....أنسيت انه مثلك رجل أعمال ولا وقت لديه ؟؟!.....بماذا سيختلف عنك ؟!....هل سيترك أعماله من أجلي وأنت الأولى بفعل هذا ؟!.....لم اعد ارغب ان يرافقني أحد......كم يتيماً أثبت اسمه وكم لقيطاً نجح في حصد أهدافه ؟!.....وأنا سأفعل مثلهم وأذهب بمفردي وليروا ألمى التي لا أصل لها ولا عنوان !! "

صرخة مستنكرة مع شهقة مصدومة من الجالستين بعد ان نزلت يده للمرة الثانية على وجنتها بغلّ صارخاً :
" تحتاجين لتربية يا قليلة الحياء .... لسانك طال يا فاجرة !....لن تذهبي للبعثة ...نقطة وانتهى !!"

سكب ما عنده بمقت واستهجان , ترك المكان على من فيه وانصرف ليعتكف بقلعته....

×
×
×

في اليوم التالي ذهبت للجامعة رغم انها لم تنم ليلتها وهي تبكي في حضن خالتها على معاملة ابيها لها الذي بدأ يستسهل مدّ يده عليها وهو لم يكن يفعلها آنفاً ...انها ليست كالسابق لن تتغيب !...فدائماً أول مرة يكون الصعب وهذه ليست الأولى !!.... وماذا جنت من غيابها غير انها خسرت مادة وتاهت في شرحها !!.....
بعد أن عادت لقصرها اتخذت غرفتها منفى لها وعصفت بها الأفكار شمالاً ويميناً ...في السادسة مساءً موعد انطلاق الحافلة من أمام الجامعة والآن الساعة الرابعة !!...لم تجرب في حياتها شيئاً جنونياً ولكن لكل شيء يوجد بداية !!....تسأل نفسها " هل أستطيع فعلها ؟!...هل يمكنني مواجهة العواقب ؟!.."...
والدها يعود من عمله في السادسة والمشوار للجامعة يستغرق من عشرين لثلاثين دقيقة فلكي تستطيع الخروج وإيجاد سيارة أجرة لتوصلها هناك عليها ترك المنزل في الخامسة !!...همّت بسرعة من سريرها...أخرجت حقيبة لها تتسع لمنامة خفيفة وملابس لليوم التالي مع التوابع خاصتها بما فيها الكريم والمشط...قامت بلفّ زجاجة العطر بملابسها كي لا تكسر... انتزعت بسرعة محفظتها التي فيها بطاقة الاعتماد خاصتها من حقيبة الجامعة لكنها ذكية لن تعتمد عليها فقط فأخرجت من خزانتها ورقاً نقدياً لأنها تفقه انها تعبث مع الثعلب (عاصي رضا) والأكيد فور معرفته بفعلتها سيوقف لها الحساب ليعاقبها وكي لا تسرح وتمرح براحة وليستطيع اضعافها بسهولة والوصول اليها ..!!....دخلت الحمام واستحمت بدقائق خلافاً لروتينها ....ارتدت بنطال جينز كحلي ضيق ممزق من احدى ركبتيه وبلوزة نصف كم سوداء مع شعار الماركة الأبيض على يسارها ...اوبس....ما كان عليها غسل شعرها !!...لقد نسيت نفسها وهي تحت الدش ...شعرها لوحده يستغرق تمشيطه نصف ساعة والآن العــقارب تعلن الدقيقة الأربعين بعد الرابعة !! .....حاولت الاستعجال بتسريحه وكان جاهزاً في الخامسة لأنها أبقته منسدلاً على ظهرها .....ماذا ستفعل الآن؟! ..ما ان تخرج بتسلل من الداخل والخارج ستكون الساعة اجتازت الخامسة والنصف وحتى الحصول على سيارة اجرة ستكون قد انطلقت الحافلة !!.... فقررت ان تضرب ضربة حظ من هاتفها...
" مرحبا يامن.."

قلت مازحاً:
" أهلاً ألمى...هل اشتقتِ لي وقبل ساعتين تكلمنا؟!"


"هل بإمكانك ايصالي للجامعة .؟! "

سألت بفضول وقلق :
" لمَ؟...اخبرتيني انك ستذهبين مع والدك...ماذا تغير ؟! ."

ردت بتملّص كاذبة:
" ممم.....ابي سيلحق بي في وقتٍ متأخر ...اين انت ألان ؟!"

قلت :
" قبل قليل دخلت بيتي ...لم تسألين؟!"


" كي تأتي في تلك السيارة الرياضية السماوية السريعة !"

هتفت ساخراً بمرح:
" ماذا سيدة ألمى هل تطلبين أم تأمرين ؟! ...فأنا لم اعطك جوابي بعد !!.."

ردت محرجة بخجل :
" آسفة ...ظننت أنك وافقت .."

ضحكت من قلبي لقلبي وهمست :
" لا مجال لرفض طلب عروسي !!.."

همست بحياء:
" اشكرك يامن "


" العفو......هل انت جاهزة أم عليّ جلب خيمة لأخيّم في ساحتكم وأنام ؟!

ضحكت ضحكة شلّت أطرافي وقالت :
" قسماً جاهزة ...أتريد أن ابعث لك صورتي ؟!"

"يا ليت أن تبعثي لي نفسك جسداً وروحاً حبيبتي" ....وددت بشدة قول هذا لها لكني ملجماً ..فقلت بنبرة لطيفة :
" أنتِ أقسمتِ فواجبي ان اصدقك !...عشر دقائق بإذن الله واكون باب بيتك .."

جاء الآن دور كيفية خروجها مِن شبكة العنكبوت المليئة بالمتاهات ....فتحت نافذتها وألقت حقيبتها منها ....نزلت السلالم تجاهد على رسم الهدوء في ملامحها وحركتها....كانت (سوزي) تجلس على جلسة قريبة من السلالم تحتسي قهوتها وتقلّب مجلات الموضة وفي غرفة المعيشة خالتها تشاهد التلفاز ....أوقفتها (سوزي) تنثر سمومها :
" الى أين سيدة ألمى ؟!.."

عند سماع السيدة (فاتن) سؤالها أقبلت نحوهما وكررت سؤال تلك :
" أين ذاهبة صغيرتي ؟!.."

اجابت بثقة لأنها فعلاً لم تكذب ولو اجبروها ان تقسم ستقسم :
" سأذهب مع يامن لمشوار ....هل من مانع ؟! "


" لا عزيزتي...مشوار موفق...ليسعدك الله أينما ذهبتِ "

مدّت جسدها تقبّلها من وجنتها هامسة :
" ربي يحفظك خالتي .."

همست (سوزي) بفحيح :
" ظننتُ انك ستكسرين كلمة والدك وتذهبين للمؤتمر...."

فتحت فمها لتجيب بهجوم لكن مسكتها خالتها وقالت :
" ظننتُ أن لا دخل لك بما يخصها والتفتي لمجلاتك كي لا تجدين نفسك بين براثن عاصي !"

أضافت (ألمى) على كلامها تهين ذكائها المحدود :
" أين هي حقيبتي لأذهب يا.....يا زوجة أبي النبيهة ؟!"

رمقتها بازدراء واتجهت لمكانها هاتفه :
" فعلاً طال لسانك...أم أن خطيبك الذي لا نراه يعلمك على التمرد ؟! "

صرخت بها متخطية حدودها كونها زوجة ابيها ولها احترامها :
" أصمتي ...لا شأن لك بي ولا بخطيبي ...أتسمعين ؟! "

ثم تعجّلت بخطواتها تخرج من الباب تتأفف حانقة بعد أن سمّت بدنها تلك الأفعى .!!....
نزلت سلالم المدخل القليلة العريضة ...التفتت يمنة ويسرة بحذر...من الجيد في هذا الوقت لن يكون البستاني ولا البوّاب أما الحراس عند البوابة لا مشكلة لأنها مع خطيبها....استدارت للفناء الجانبي للقصر فنافذتها كبيرة موجودة في زاوية غرفتها تحتل قسماً من الحائطين الجنوبي والشرقي وألقت حقيبتها من الجهة الشرقية لأن الجنوبية تطل على المدخل والساحة الكبيرة ....صدمت عندما رأت حقيبتها عالقة على غصن الشجرة !!...طولها لن يساعدها ...تحتاج لكرسي على الأقل أو لشخص طويل...مثلي مثلاً!!...فكرت بسرعة ....." عندما يأتي يامن سأطلب منه انزالها وأقول له وقعت بالخطأ من نافذتي !!" ..
نفضت فكرتها الغبية وتابعت في عقلها "..هل هو أحمق ليصدقني؟!...سيبدأ بتحقيق بين السين والجيم !!...عليّ أنا انتشالها ...اوف... يا ربي "...
لا حل لديها سوى ان تجلب كرسياً من الطقم الموجود قرب المدخل ....ذهبت لتحملها تعتقد انها مشتركة في نادي اللياقة البدنية لكمال الأجسام فالكرسي مصنوعة من الحديد والرخام خصيصاً للحدائق وتتلاءم مع تصميم القصر !!...لمحها احد الحراس فاقترب منها خافضاً عينيه للأرض!...ليس لأنه ملتزماً او خلوقاً بل مهابةً من سيده !...هتف سائلاً :
" أتحتاجين مساعدة سيدتي ؟!.."

" من فضلك ضعها تحت شجرة البرتقال ..لأنني سأجلس تحتها استنشق رائحتها لحين قدوم خطيبي !"

من سألها لماذا تريدها ؟!...كادت تفضح نفسها بكلامها الغبي وهي تشرح له قصة حياتها دون ان يطلب منها !!....لو كان متطفلاً قليلاً لاعترفت له في جرمها ..!!....
طلبت منه بلطف ولحقت به لتشير له على بقعة محددة فانصاع مجبراً رغم استغرابه باختيار هذا المكان ....بعدما اختفى عن انظارها ...صعدت بسرعة لتحررها لكنها شبكت بغصن رفيع فبدأت تشدها بعنف والأوراق مع الغبار تتهافت عليها وبينما هي في هذا الحال دخلت بسيارتي الساحة ففزعت وشدتها بقوة أكبر فخدش كوعها من احد الاغصان وترنحت وكادت تقع لكنها وازنت نفسها بمشقة قبل السقوط الحرّ والأهم من ذلك ان الحقيبة أصبحت بيدها..!!....نفضت عنها وعن حقيبتها ما وجدت من غبار أو أوراق عالقة وأقبلت عندي مهرولة كالسارقة الهاربة من مصرف وهي تقول لاهثة بكلمات متتابعة وكأنها تتكلم سنسكريتي:
" مرحبا كيف حالك ؟انا بخير وانت بخير هيا اسرع تأخرنا !!.."

لم اطيعها لأني مذهول من منظرها ولهجتها ...أأضحك أم افتح تحقيقاً معها ؟؟....لا اعرف !! ...فحدقت بي وورقة صغيرة خضراء كالمشبك تزيّن شعرها دون ان تدري ....مددت يدي بفضول وسحبتها عن شعرها وبرمتها من عنقها بإبهامي وسبابتي أتأملها باستغراب وهذا غير خطوط الغبار التي جعلت وجهها كصفحة لدفتر الحساب فسألت ساخراً :
" هل تقومون بتربية الدجاج ؟! "

اتسعت عيناها بصدمة وسألت ببراءة :
" لا...لماذا تسأل؟! "

أجبت مستنكراً :
" لأن مظهرك يدل على أنك كنتِ تطاردين الدجاجات تحت الاشجار لتدخليها القفص !"

أشرت على ركبتها التي تظهر من البنطال وأردفت :
" حتى انظري ...مؤكد وقعتي على حجر وتمزق!"

قالت وهي تشيح وجهها لنافذتها هروباً :
" هذه الموضة أما انا كنت أقطف ثمرة البرتقال .."

لم اعقب على الموضة خاصتها لأني قلت يلزمها شغل مكثف لتخرج مما هي فيه !!...
يرحم الله أيام زمان كان من يتمزق له بنطال وخلافه لا يقبل بارتدائه خجلاً او تجنباً للسخرية والاحراج أما الان ينفقون آلاف القروش ليشترون الممزق تحت اسم الموضة التي لا ذوق لها ولا رقي بها...لا حول ولا قوة الا بالله ...!!.
وبالنسبة لإجابتها لا ذنب لي هي مصممة على ان احرجها فقلت ماسكاً ضحكتي :
" ألمى....هل نحن في فصل الشتاء ولا علم لي ؟! ...نحن في الصيف يعني لا ثمار للبرتقال !!....جدي كذبة أخرى .."

انفعلت متضايقة وترقرقت الدموع في عينيها ومدت يدها لمقبض الباب هامسة بتحشرج :
" يكفي يامن...لا ينقصني أنت أيضاً للتحقيق..."

وفتحت الباب لتنزل مستسلمة لكن نابضي لم يتحمل دمعها فأمسكتها برفق وهمست بحنوٍ وانا اجزم بوجود خطب ما يزعجها :
" آسف...لن اسأل ....فقط.. انظري اليّ.."

صوبت السماء الغائمة نحوي ...حلّقتُ بها للحظات ثم أخرجت من الدرج امامها مناديل رطبة وسحبت منديلاً وهي على وضعها , وجهها مباين لوجهي وبدأت بليونة خائفاً من ان اخدشها أمسح الغبار عن قمري وبعدها عدت لأنظف فتات الأوراق عن ليلي ثم بإبهامي جففتُ قطرات الماء التي كانت تتأرجح على رموشها وبقبلة مني على أعلى انفها بين زرقاوتيها زجرت السحُب من سمائي لتصفى الدنيا بعينيها وتهديني ابتسامة رضا من شفتيها...

×
×
×

في الطريق كانت تمسك يدها عند الكوع وتكمش تقاسيم وجهها بألم فسألت قلقاً عليها :
" ما بها يدك ؟!.."

رفعت ذراعها تريني الخدش وهمست تشكو وجعها :
" خدشت من الشجرة ويحرقني مكانه .."

كانت نقطة دماء مع خط احمر ...اوقفت السيارة جانباً واخرجتُ قارورة ماء صغيرة من جيب بابي ومناديلاً جافة لأن الرطبة ستزيد احتراقها بسبب المواد الكيماوية التي عليها....سكبتُ عليها الماء لأرطبها ومسكت ذراعها بحذر كي لا تتألم ألمتي وتؤلمني ...ربتّ بخفة على موضع الإصابة واخرجت لاصقاً طبياً وضعته لها ...فحبيبتي الحليبية الرقيقة , هشة أي شيء يؤثر عليها ولو وقفت بالشمس ستذوب حتماً كالزبدة لأنها نشأت دون ان تواجه الطبيعة بصعوباتها ولا الحياة بقسوتها فالنذل حاول حمايتها بطريقة غبية مريحة له كي لا ينشغل بها....جعلها أسيرة للجدران ولم يفكر بالعواقب ذاك الخسيس الأناني.....تابعتُ سيري حتى وصلنا بوابة الجامعة وكان الطلاب يتوافدون مع مرافقيهم الّا هي كانت وحيدة ....نزلنا من السيارة ...سرتُ معها حتى الحافلة تبسمتُ لها بقبول وهمست :
" رحلة موفقة ألمى...استودعكِ الله الذي لا تضيع ودائعه....اتصلي بي وطمئنيني عند وصولك.."

ارجعت لي البسمة بواحدة أجمل وهمست ممتنة :
" شكري لكَ يصل لعنان السماء ....سأتصل أكيد .."

ثم ولتني ظهرها مدبرة لتصعد سلالم الحافلة.....انتظرتُ حتى انطلقتْ وهي تلوّح لي من النافذة بتلقائية وعرفان وعدتُ لأباشر التحقيق بمظهرها الذي لم يرُق لي ......

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

في فندق العاصمة الفاخر ,استحمت وارتدت ملابسها ....الآن عليها وضع اللمسات الأخيرة مثل الكريمات , العطر وترتيب شعرها ....كان هذا في العاشرة من صباح اليوم التالي وبقي ساعة لمؤتمرها ...أصابها الأرق والقلق في ليلتها...ليس لأنه تغير عليها المكان فهي عاشت سنوات في الخارج انما قلبها سيتوقف احتراساً وروعاً من فعلتها فعند وصولها الفندق اتصلت بي تطمئنني كما اتفقنا ثم أغلقت هاتفها كي لا يلاحقها اهل بيتها باتصالاتهم ومن ناحية أخرى حزينة , عاجزة ومهزومة من وحدتها بين هذا الكم من زملائها الطلاب القادمين من أرجاء الدولة مع مرافقيهم..!!....جلست على المقعد الخاص بطاولة الزينة في غرفتها الموجودة في الطابق الرابع ...بدأت تعيد ترتيب شعرها بشرود ونبضات قلبها تحارب للصمود من حصيلة ونتائج ثورتها ومغامرتها وايضاً تفكر متعجبة كيف لم يصلها والدها الى الآن.؟؟!!..اسئلة كثيرة راودت عقلها ولم تفلح بالعثور على أي اجابة...سمعت طرقات خفيفة على الباب...جرّت قدميها لتفتح ...ربما عمال التنظيف!! ....ما ان فتحته حتى جحظت عيناها مدهوشة..!!

" هل تقبلين بي لأكون اليوم أباً لكِ صغيرتي ؟!"

وبعفويتها صرخت منشرحة مع وثبة مباغتة منها لتتشبث بعنقي وتخبئ وجهها به وتقفز بقدميها تباعاً كطفلة يانعة منفعلة , تهمس بين ضحكاتها الممزوجة مع البكاء :
" موافقة....موافقة....موافقة "

ضحكتُ واحتضنتها...شددتُ عليها قليلاً ثم حررتُ ذراعيّ لكنها ما زالت ملتصقة كالغراء لا تعتقني ..وبالطبع لا تستوعب ما تفعل بي بغنجها هذا!!...خجلتُ وانا اجول بنظري على الجهتين يميني ويساري لأننا على الباب في رواق هذا الطابق ويمر من خلفي القاصي والداني ويقذفوننا بنظراتهم المستنكرة ...ألا يعلمون أن هذا عناق بين أب وابنته ؟؟!!...حتى انهم لا يضعون احتمالاً أن نكون زوجين !!...لا بد انهم يعتقدون أننا عاشق وعشيقته فهكذا نحن البشر نتسابق لسوء الظن والتحليلات ...ننظر للشيء من زاوية واحدة دون ان نلتمس الاعذار او نقول لربما ولربما...صفاء النفوس وحُسن الظن هي نعمة يُحرم منها الكثير ولا يدركون العاقبة والإثم الذي يأتي به شكهم وانه هو مجرد تهيؤات وخيالات لا أساس لها من الصحة!!...... همستُ قرب اذنها ضاحكاً محاولاً ابعادها:
" ألمى...كفى!...ألمى الناس ينظرون لنا وان استمريتِ هكذا سندخل الغرفة ولا نخرج الّا وأكون أباً حقيقياً ...لا تحرضيني !!"

ادركت اخيراً ما تفوهتُ به فأفلتتني ناظرة لوجهي وقالت بجسارة تواري حياءها وحرجها مع ضربة خفيفة من ظهر كفها على صدري صاحبتها غمزة وابتسامة:
" هل الآباء يكونون هكذا وقحين أيضاً ؟!...صفّي النية مرةً يا رجل ...الا تترك للمرء ان يفرح من غير تحليلات مشبوهة ؟!.."

تقدمتُ خطوة ورجعت هي خطوة ...اغلقتُ الباب بيدي من خلفي أرميها بنظرات ماكرة فابتعدت بخطوات أوسع مذهولة...وقالت بتلعثم :
" لمَ د...دخلت و...وأغلقت الباب ؟!"

هتفت بخباثة:
" انتِ من لعبتِ بالنار..!"

ارتطمت بالسرير فوصلتها وهي ترتجف ناصبة ذراعيها , باسطة كفيها كدرع للحماية وتتمتم مرتبكة :
" إلى..أ.. أين ؟! ماذا...تـ.. تريد ؟! "

أبعدتها من أمامي وارتميتُ على السرير هاتفاً :
" أنتِ صفّي النية....اريد ان اريح جسدي قليلاً من مشوار الطريق والقيادة ...هيا تابعي عملك....المؤتمر ليس يامن لينتظروا سموّ الملكة ريثما تطل عليهم بفخامتها .."

وضعت يدها على صدرها ونظرها للسقف وزفرت بارتياح بعد الاثارة التي عاشتها ...عادت لطاولة الزينة تكمل حيث توقفت ...لمحتُ زجاجة العطر التي تقتلني بها ففززتُ مقبلاً نحوها فسألتني باستغراب :
" لم نهضت؟...ألن ترتاح ؟! .."

أسندت نفسي على طاولة الزينة وذراعيّ بكفيّ على سطحها خلفي وابتسمت وأنا اتأملها هاتفاً :
" غيرتُ رأيي....اريد ان استغلّ المنظر الجميل في العاصمة !!.."

حدقت بي ببلاهة وأشارت للنافذة هامسة :
" هناك المنظر ...ماذا تفعل هنا ؟! "

غمزتها مجيباً:
" كلا...هنا المنظر أجمل...ليل ونهار وثلوج وقمر ....هل اتركه لأشاهد جدران باهتة ميتة ؟! "

يبدو ان الحمقاء لم تفهم أني اقصدها او ادّعت عدم الفهم لأنها استمرت دون تعليق.....لا يهمني الآن سبر اغوارها فما يهمني يقف مغتراً بنفسه خلفي ويجب ان اتخلص منه قبل أن يحتل مسمات حبيبتي ليستمتع به الغرباء ..!!...حركتُ ذراعي بقلة انتباه ابتدعتها ليسقط ويتناثر زجاجه على الأرض وأريجه يتبخر بالهواء فشهقت مصدومة هاتفة بتذمر :
" يا الله....ذهب عطري .."


" أعتذر لم انتبه..."

قالت بعبوس :
" فداكَ لكن ماذا سأضع بديلا له؟!.."

قلت :
" لا حاجة له...الوردة لا تحتاج للعطر !"

توردت وجنتاها وهمست :
" سأكتفي بالكريم..."
ضحكت وتابعت مازحة :
" أو ستشتري لي من المحل الموجود في بهو الفندق.."


" سأشتري لك المحل بأكمله......لكن عندما تكونين في بيتي وتحت جناحي "
قلت جملتي مبتسماً فأخفضت رأسها بخجل من فكرة انها ستكون يوماً معي في بيتنا ولوحدنا..!!....أنا القيتها بمزاح وهي رسمت احلاماً لها لوّنتها على ذوقها ولا تعلم أن امطاراً ستُسكب مدراراً لتمحو لوحاتها....!

" لمْ تخبرني...كيف علمت بعدم قدوم أبي لتاتي مكانه؟!"

" بعد أن اوصلتك عدت لبيتكم استفسر عن مخلّفات المعركة التي خضتيها فأنت لم تري مظهرك وارتباكك بالأمس الذي يثير الشك !!....قابلتُ السيدة (فاتن) لأفهم منها.......بالمناسبة! كيف تتحملين وجود تلك زوجة ابيك الشمطاء المستفزة في بيتكم؟؟!...لقد قلت في صريح العبارة لخالتك سنتكلم على انفراد لكنها التصقت بنا بكل بجاحة!...كدت افقد صبري.."

تأففت مشمئزة مجيبة بانزعاج وهي تحرّك كفها برفض :
" لا تذكرني بها تلك الأفعى ...اتحملها لأجل خاطر والدي فقط"

قلت في عقلي " لتخسأ هي ووالدك "...ثم تابعت كلامي :
" طلبت من خالتك مرافقتي بسيارتي لنتكلم براحة وعندما سألتها عنك لمَ ذهبتِ لرحلتك بذاك الحال كان سيغمى عليها لأنها لم تكن تعلم بمخططك وحينها علمتُ انكِ كنتِ هاربة يا مجنونة.."

قاطعتني تدافع عن نفسها :
" لستُ مجنونة...كان عليّ فعلها !!.....تابع ...ماذا حصل بعدها؟"


" اخبرتني بشجارك مع والدك وحتى قلقتْ عليكِ ومن ردة فعله عندما يعلم بعصيانك له....كيف تجازفين بنفسك ؟!"

أجابت عابسة :
" عشت ثلاثة أيام محلقة بالسماء بعدما اختاروني !....هل اخضع لرفضه دون سبب مقنع ولمجرد أنه لا يريد نكايةً بي فقط ؟!....هذا المؤتمر يستحق المجازفة لذا حماسي دفعني للقيام..."
طأطأت رأسها معترفة بداخلها بذنبها وأضافت :
" للقيام بهذا التهور الذي لا اعلم عواقبه بعد !!"

رفعت رأسها متسائلة بفضول :
" وماذا اخبرتك أيضا! "

" لا شيء...فقط هذا وطلبت مني اصلاح الأمر قبل ان يعلن والدك حالة استنفار ويلحق بك مع رجاله ليجرّك من شعرك ..!! "

ابتلعت ريقها وهمست :
" هل نجحت بإصلاح الأمر أم لا؟!.."

استدرتُ للمرآه أهذب ذقني وارتب ملابسي مجيباً:
" بعد اعادتي لخالتك لبيتكم كان قد رجع من عمله فدخلت واخبرته أنني انا من ارسلتك بنفسي وأنني سألحق بك لأرافقك وكذلك طلبت منه عدم الحديث معك بهذا الأمر عند عودتك ..."

نظرتُ لانعكاس صورتها بالمرآة وهي جالسة تستمع وتحملق بي ايضاً بالمرآة فغمزتها مردفاً..:
"يعني ارتاحي... أخذت المسؤولية بالكامل على عاتقي"

فزّت من مكانها متهللة الوجه ومستبشرة ثم مسكت كفي الأيسر بين كفيها بامتنان وهمست بعينيّ لامعة :
" أنا ممتنة لك جداً....عندما أكون في ذروة يأسي الحارقة تأتي أنت إليّ كنسمة أمل تبرّد حياتي!.....كيف سأكافئك ؟! "

استدرتُ اليها ناظراً لساعتي هاتفاً بجدية:
" سنتحاسب لاحقاً ...هيا لننزل للقاعة...ٍسيبدأ العرض وينتهي ونحن نثرثر "

أردت الهروب الى ابعد مكان من عينيها وظرافة حديثها وفتنتها والأهم عدم ايلامها بتعلقها بي ...فيبدو أنها اختارت ان تغوص في بحري ولا اودّ لها هذا لأن سطحه مليء بالتيارات الغادرة وأعماقه باسماك القرش القاتلة وشاطئه لا تزيّنه الأصداف بل مسامير حادة ألقوها عليه الخائنين فحرموني من ان اعشق حوريتي وتعشقني ومنعوني من الاقتراب منها وان تقترب مني....بحري انا (هادي) سيلفظها ولن تستطيع التأقلم مع مياهه ولا صخوره ولا رماله عروس البحر هذه ....حبيبتي التي أمامي...!!

×
×
×

ساعتان كانت مدة المؤتمر وفي الحقيقة استمتعت به مع أنني اكره الخطابات واشعر بالملل منها لكن هنا لي سببان مهمان لأتقبله من غير شجب وتبرّم ...أوله فرحتي بابنتي (ألمى) وثانيه شغفي للهندسة منذ صغري فلَرُبما طفت بينهم وبين عروضهم فارّاً من واقعي المرير لحلمٍ جميل بقي حسرة في فؤادي..!!...في نهايته كان تسليم شهادات التكريم والتقدير من المرافقين للطلاب....كنتُ مستعداً لأجوب بلاد وبلاد من اجل مشاهدة بريق السعادة في سماءيها ..!!

×
×
×

مع زقزقة الطيور التي تحتل قمم أشجار السرو والزينة ورائحة الورود المزروعة حولنا وأصوات ضحكات تندمج ببكاء من الأطفال في احدى الحدائق العامة الشهيرة للعاصمة نجلس أنا وهي نتناول البوظة بعد وجبة غداء دسمة من احد المطاعم الراقية هنا....أنهينا ما بيدينا وبدأنا نتمشى في ارجائها نتعرّف عليها وكما عادة الفتيات بدل ان يستمتعن باللحظة يخرجن هواتفهن للتصوير والنشر الفوري لا ادري غايتهن !! المهم هي فعلت كذلك...تارةً تصور وردة أعجبتها لا تعلم انها ذاتها كل الورود...تارة ترفع هاتفها وتزمّ شفتيها تلتقط صورة ذاتية لها بعد ان تختار الخلفية التي تريدها ...
" هيا اقترب لنتصور معاً.."

حمداً لله لقد فطنت لي لتضعني في البومها !!...قلت :
" صورة واحدة فقط ...ولا تنشريها على صفحاتك !"


" صحيح لمَ لا يوجد لك صفحات اجتماعية ولا حتى صور ؟! "


اجبتُ باختصار :
" هكذا...لا احب كل هذه التفاهات والمظاهر !"

عبست سائلة :
" لم تقول تفاهة ؟!...نحتفظ بالصور كذكرى جميلة نعود لنشاهدها في يوم يأخذنا الحنين لها ."


" وهل عرض يوميات حياتك بالدقيقة والثانية ذكرى أم مظاهر ومنافسات وجلب مشاهدات لا فائدة منها ؟!....يمكنك الاحتفاظ بها عن طريق تحميضها أو انشاء البوم في هاتفك .."
تذكرتُ انها ابنة الوغد وله أعداء كثر ومن الممكن اختراق جهازها واخذ صورها لابتزاز وغيره فتنحنحت وقلت :
" حتى لا داعي للاحتفاظ بها بجهازك....حمضيها فقط او ضعيها على ناقل البيانات( يو اس بي )....انتشر مؤخراً اختراق الهواتف وسرقة صور وملفات مهمة من قِبَل عصابات مجندة للابتزاز ....انتبهي كي لا تندمي لاحقاً .."

التقطنا الصورة التي طلبتها لنا سوياً ومضينا في طريقنا نحو المدخل وعند اقترابنا لفت انتباهي ولد يبدو في التاسعة من عمره يهرول ذهاباً وجيئة ويفرك قبضتيه في بعضهما مرتبكاً , حزيناً , ضائعاً ولم يخفَ عليّ أنه لاجئ...مثلي!!...كانت التي بجانبي تتحدث عن أمور للفتيات لا تعنيني لكني كنت اصغي لها مجبراً لأجاملها وعند وقوع نظري على شبيهي في محنتي تركتها مسرعاً في خطاي منجذباً له لاستنبط أسباب ابتئاسه وشجنه ...

" أتحتاج شيئاً أيها البطل ؟! "

ابتلع ريقه وقال متلعثماً ودموع ساخنة تحرق عينيه:
" أمي.."


" ما بها امك ؟!.."

في هذه اللحظة وصلتنا المدللة تنصت لحديثنا ...أجاب بفجعة وألم :
" أكلمها ولا ترد عليّ وشقيقتي تبكي.."

سالت على الفور مستعداً :
" اين هي ؟!.."

مسح دمعة سوداء اثرَ غبار الطريق وتلوث القلوب وأشار لخلفي وراء احد جدران الحديقة فأسرعت راكضاً ولحقني وكذلك هي تبعتنا ببطء فوجدتُ امرأة محجبة هزيلة تفترش الأرض تسند ظهرها على الجدار ورأسها يسقط على صدرها وبجانبها طفلة رضيعة أظنها ابنة سبعة اشهر او ثمانية حسب تطورها فهي تحبو وتبكي تحاول لمس صدر أمها لترضع...ابتلعت ريقي بوجل لأنني كنت شبه متأكداً انها فارقت الحياة ...لما وصلتنا (ألمى) شهقت شهقة ووضعت يدها على فمها , اغمضت عينيها بأسى وأشاحت وجهها جانباً...دنوت من المرأة بحذر وانا ادعو ربي أن يبشرني عند لمس موضع نبض قلبها من اجل صغارها !!...قرفصت بجانبها والرضيعة تصرخ باكية وحالها كاخيها الغبار يملأها مع ملابسها وعلى خديها دموعها تشق طريقاً معبدة بالفقر والخذلان وقسوة البشر ...مددتُ يدي بإصبعيّ السبابة والوسطى بخجل من تحت حجابها لأفحص نبضها على عنقها قرب قصبتها الهوائية فأنعم عليّ ربي بالشعور به دليل أنها ما زالت على قيد الحياة وهذه فرصتي لأقاتل الريح واسابق الزمن عسى أن ننقذها قبل فوات الأوان ...تبسمتُ للطفل هامساً :
" لا تخف صغيري....امك بخير.."

انتصبتُ واقفاً ووجهتُ كلامي لها آمراً :
" ابقي هنا سأجلب سيارتي !.."

اومأت موافقة على مضض ...كان وجهها شاحباً خوفاً....احضرتُ سيارتي من الموقف , فتحت الباب للأعلى الخاص بالمقعد جانبي وأحنيت الكرسي للأمام لأفسح المجال للمرور للمقعد الخلفي ...هذه سلبيات السيارات الرياضية كأنها صممت فقط للعاشق وحبيبته بجانبه !!....دنوت ممن ينتظروني وقلت محفزاً بنبرة عاجلة :
" هيا يا بطل اركب....ألمى احملي الصغيرة !! .."

ركب الولد من غير تأخير ..انتظرت لتركب الأخرى ولم تقترب...التفتّ لها فوجدتها متسمّرة مكانها...لماذا يا ترى ؟!...أنسيتم ؟!...لم تشفى بعد من مرضها مع الفقراء وملابسهم المتسخة وليس هذا فحسب ...انها لا تعلم كيف يحملوا الأطفال ؟! ...فكانت واقفة مترددة ...وددتُ أن القي عليها حجراً لتتحرك ..هل هذا وقت دلالها سمو الملكة ؟!...الا يجب ان تكون الإنسانية في قائمة اولوياتنا ...صرخت هادراً :
" ألمــى...هيا تحركي ...لا تثيري جنوني "

اقتربت مذعنة وحملتها ...طريقتها كانت خاطئة في حملها لكن غير مهم نحن لسنا في برنامج خطواتك مع الأمومة او نبع الحنان!!....ركبتْ في الخلف بجانب الولد...قلت :
" اذهبي وراء مقعدي وانت يا بطل في المنتصف ...سأفتح هذا الكرسي للخلف لأضع والدتك .."

عدتُ وحملتها مندفعاً بها بعد ان اعددت المقعد لتستلقي ...ركبت بطلاقة وانطلقت لأقرب مستشفى الذي يبعد حوالي عشر دقائق بالسرعة المعتدلة ....وصلنا الى المدخل وهتفت بصوت مرتفع بأحد الممرضين :
" احضر سريراً بسرعة معنا حالة عاجلة .."

انقضّ للداخل وعاد مع زميلٍ له يجرّون السرير....حملت المرأة ووضعتها عليه ...انزلت الآخرين وقلت :
" انتظروني في الداخل سأصف السيارة وآتي .."

دخلتُ قسم الطوارئ وفوجئت أن المرأة ما زالت على السرير خارج الباب الزجاجي للقسم وحولها طبيبان ومديرة المشفى والممرضان الذين ادخلاها.....اقتربت شبه راكض ..سألت مستنكراً :
" لمَ لم تدخلوها بعد ؟!....هيا استعجلوا...ماذا تنتظرون ؟!..."

رفعت ذقنها مديرة المشفى بعجرفة وغرور واجابت:
" هذه أتت لنا بالأمس واخبرناها لا مجال للعلاج عندنا....هي لاجئة من غير تصاريح... لا أوراق قانونية لديها وكذلك..."
أشارت بازدراء لها وتابعت :
" حالتها المادية لا تغطي تكاليف العلاج "

هدرت بها مستشيطاً غضباً , صارخاً .ضارباً بقبضتي الحائط بجانبي :
" ان كان همك التكاليف فسأدفن مشفاكم بالمال كرامةً لها لتعالجوها !!..لكن وا أسفاه ..مالي لا يستطيع علاجك أنتِ وأنتِ الأحوج له لأنك مريضة بداء فقدان الإنسانية الذي لا دواء له وان وجد لا يقدّر بثمن !!.."

اقترب مني أحد الأطباء يهدئني يربت على كتفي فأزحت يده بعدوانية وقلت :
" ستعالجونها ....كيف ولماذا لا اعلم ؟!...لكنكم مجبرون والّا ليشهد عليّ ربي أن اشتري هذا المشفى حالاً واطردكم جميعاً لتتوسلوا اللقمة ولا يعطيها احد لكم...تباً لعنصريتكم "

ابتلعت العجوز المتكبرة الشمطاء ريقها ودنا منها احد الأطباء يهمس في اذنها...اومأت له برضا...عدلت نظارتها ورسمت ابتسامة صفراء تنبع من النفاق الذي بداخلها وهتفت :
" نعتذر يا سيد ...لا تؤاخذنا هذه الأوامر..... لا نستطيع معالجة مرضى من غير دفع الفاتورة او جواز سفر قانوني...لكن بما انك رجل محترم سنتغاضى عن جواز السفر من اجلك!!.."

أدخلوها للفحوصات وعدتُ للجالسة على احد المقاعد في الرواق والطفلة تتململ في حضنها تبكي بشدة , لعابها يسيل والمخاط ينزل على فمها والتي تحملها عابسة لا تعرف كيف تهتم بها ومؤكد تشعر بالقرف وبجانبها الولد ينظر لكل الجهات بضياع ويلوّح بساقيه القصيرتين بالهواء قلقاً....لما رأتني رفعت راسها لي ثم همست ضالّة لا تجد مخرجاً لمعضلتها:
" يامن ماذا افعل لها؟!...لا تسكت !.."

تأملتُ الصغيرة برهةً ..حككتُ ذقني شارداً بفكري واستدرت قائلاً :
" سأعود في الحال.."

بعد عشر دقائق كنت عندهم وبيدي مناديل ورقية ناعمة خاصة للأطفال اشتريتها من الصيدلية الخاصة بالمشفى وزجاجة للحليب مع علبة حليب بودرة من اجلها...جلست بجانبها الاخر...اخرجت منديلين وبدأت انظف لها وجهها وأنفها والمدللة تحدق بي فاغرة فاها ببلاهة ...القيت المناديل بسلة جانبي ومزقتُ الغلاف الذي يغطي الزجاجة...توجهت لمطبخ الممرضين...غسلتها وملأتها بماء دافئ ثم رجعت لمكاني اقرأ عن علبة الحليب الكمية الملائمة للماء الذي بداخلها...فتحتها ووضعت حسب التعليمات...خضضتها ومددتُ يدي اناولها قائلاً وهي مذهولة :
" خذي اطعميها ...سأذهب اطمئن اين وصلوا بالفحوصات .."

اسدلت اهدابها وقالت بوجوم:
" مستحيل... لا استطيع ...ستختنق !!.."

تأففت يائساً منها واخذتُ البنت منها وضعتها في حضني وجعلت رأسها يتوسّد ذراعي مرتفعاً عن سائر جسدها ..ادخلت طرف الزجاجة بفمها ...رفعتها للأعلى كي لا يدخل الهواء في الجزء المطاطي منها وهمست مبتسماً :
" انظري...هكذا ارضعيها .."

تبسمت بخجل وقالت باعتزاز :
" ستكون أباً مميزاً ورائعاً يوماً ما .."
تابعت بفضول مازحة:
" أين تعلمت هذا؟...أم انك كنت متزوجاً ولديك أطفال دون علمنا؟"

اعطيتها البنت وقلت وانا اضع يدي على رأسها ضاحكاً ابعثر شعرها بلين :
" لديّ طفلة كبيرة ...تركتُ أعمالي من اجلها!!

قبل الذهاب استطردت انبهها :
" بعد ان تنتهي ارفعيها لكتفك وربّتي على ظهرها لتتجشأ ..ضعي منديلا على كتفك كي لا تتقيأ عليك "

كان من الأفضل الا احذرها من القسم الخاص بالتقيؤ علّها تتربى وتكسر انفها الصغير ذاك لأشمت بها قليلاً...بل كثيراً ...هل ستمضي ايامها معي وهي تشمئز من هذا وتقرف من ذاك ؟!...يا ويلها سأريها العجب حينها !!...
وليتها ظهري قاصداً قسم الطوارئ...ظهرت نتائج بعض الفحوصات وتبيّن ان المرأة تعاني من فقر دم حاد وجفاف نتيجة عدم تناول الطعام ...تركتهم ليتابعوا باقي الفحوصات وذهبت لأصطحب الولد لمقصف المشفى لأشتري له شيئاً يأكله...جلسنا سوياً حتى انتهى من طعامه واشتريت له بعض المسليات والحلويات....كنا نتبادل الحديث كالرجال ...سألته :
" من أي مخيم انتم ؟! "

كان صبياً نبيهاً فرد بسؤال :
" كيف عرفت اننا نعيش في مخيم ؟!"

اقتربتُ منه هامساً:
" لا تخبر احداً.....لديّ صديق كان يعيش في خيمة ومرّ بما تعيشه انت الآن .."

ابتسم ببراءة مستفسراً متأملاً:
" كان ؟!...يعني الآن خرج من المخيم !!...هل سنخرج مثله ؟! "


قلت وانا اربت على كفه الموضوعة على الطاولة :
" ستخرج وتعود الى وطنك بإذن الله وتصبح رجلاً ناجحاً وسيفتخر بكَ أهلك .."

رفع يديه وعينيه للسماء هاتفاً :
" يااا رب..."
أعاد نظره اليّ قائلاً:
" سأكبر واتعلم لأصبح طبيباً وأضع لأبي ساقين جديدين وأعالج الفقراء دون مقابل "

تبسمت وقلت :
" ان شاء الله يا بطل....الآن ادعُ لأمك ليشفيها الله "

قال واثقاً :
" سيشفيها الله بالتأكيد فهي تصلي وتصوم كل الأيام حتى بالليل وتقول لي من اجل ان يرضا عنها الله.."

" كيف تصوم بالليل ؟! "

أجاب :
" عندما تبلّ لنا الخبز لنتعشى انا ووالدي اطلب منها لتأكل معنا فتقول لي انها صائمة !!...فقط تشرب الماء وفي وقت متأخر كنت احياناً استيقظ واجدها تأكل الفتات الذي بقي من خلفنا وبعدها تكمل صومها......احياناً كنت اراها تبكي عندما تريد ارضاع اختي ولا يكون في صدرها حليب وكانت تقول لي ستصوم ليأتي الحليب ...لكنها تصوم ونادراً ما يأتي !! "

ربااه...ما هذا الذي اسمعه ؟!...ما هذه المصائب وهذا الذل والهوان ؟!..
أيقنتُ اننا كنا نعيش في نعيم في مخيمنا بعد معرفتي عدم حصول أولئك على الطعام ..انهم يعتاشون على الخبز اليابس ويبلّونه بالماء ليصلح للمضغ!!...أي انهم يأخذوه من....من.....النفايات....يا الله ..لا اريد ان اذكر ذاك اليوم المشؤوم لي ولشقيقتي.....يا رب سامحني وأعنّي على ان اساعد اكبر قدرٍ ممكن من البؤساء...يا رب الطف في حالهم وعوضهم جزاء صبرهم نعيماً من فضلك ....
نحن كنا محظوظين لدينا جمعيات تهتم بنا ....لا بد ان هؤلاء يقطنون بالمخيمات الغير قانونية في العاصمة والدليل ان المرأة لا تصاريح قانونية ولا جواز معها...وهذه المخيمات عادةً لا تجد جمعيات ترعاها ..!!....أخبرني هذا الولد ان لديه أب مبتور الساقين بسبب الحرب اللعينة في وطنهم فهم من احدى البلدان الشقيقة المجاورة ...وما أكثر حروبنا!!....يأتي للحديقة ليبيع قارورات ماء وتأتي معه امه تنتظره خوفاً عليه وكي يبحثوا في طريق عودتهم عن بقايا الطعام في حاويات البيوت والمطاعم !!....
ها نحن نتبارى في تدمير الأوطان وتشتيت واذلال الشعوب!!....متى سنرقى بفكرنا ؟؟...متى سنقتنع بما لدينا ونترك الجشع الذي يعمي بصيرتنا؟؟..متى سننهض في ثقافتنا واقتصادنا وديننا ونكون يداً واحدة لنكتب تاريخاً يكون فخراً لنا وقدوة لغيرنا ؟!!...
انهينا حديثنا وتوجهنا عائديْن الى (ألمى) والصغيرة ....كان مكانهما فارغاً !!..توجستُ خيفة وجلتُ في نظري هنا وهناك ...هل ألقت بالطفلة تلك المجنونة ام ماذا ؟!...تعمقتُ اكثر بالرواق فوصلني صوت ليس أي صوت !!...صوت يشدو كالبلبل كهديل الحمام بترنيمة عذبة تذيب الصوّان فكيف بقلبٍ بها هيمان ؟!...ارفقي بي وبروحي يا بلسمي ويا جروحي ...لماذا تصرّين على أن تسرقيني من ذاتي لتتركيني بعدها ولا تكوني مستقبلي أو حتى ذكرياتي ؟!!....

[[ ..يلا تنام ألمى يلا يــجيها النوم
يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم
يلا تجيها العوافي كــل يوم بيوم
يلا تنام يلا تنام لأذبحلها طير الحمام
روح يا حمام لا تصدق بضحك ع ألمى لتنام
ألمى ألمى الحندقة شعرك اسود ومنقى
واللى حبك ببوسك واللى بغضك شو بيترقى..]]....(فيروز)

كانت تغني تهويدة الأطفال للنوم للصغيرة في حضنها وهي تهزّها بروِيّة وبصوتها الحنون الشجيّ الذي زلزلني وبعثرني ولا أعلم ايضاً ماذا فعل بي ؟!....اقتربتُ منها ولما انتبهتْ لخطواتي التفتت اليّ ضاحكة وعيناها محتقنة بالدموع وهمست متعجبة من نفسها :
" يامن ..لقد نجحتُ....نجحتُ في تنويمها....أنا سعيدة....سعيدة جداً "

وصلتها اتأملها والصغيرة معها بتحنن ومودة ...مددتُ يدي لأعيد خصلة هاربة وراء اذنها وهمست بصوت خفيض :
" كيف لا تنام وانت تعطيها كل هذا الحنان بصوتك الساحر ...أنتِ مذهلة ألمى.....لكن لمَ أرى هذا الدمع في عينيك ؟!.."

أجابت بوجع والأنين يستولي على روحها وقلبها وهي تشدد من احتضانها للطفلة , هاربة بحدقتيها للأرض وسقطت دمعة تائهة على وجنتها لتصل ذقنها مسَحَتها بكتفها هامسة :
" تذكرت والدتي ....كانت تغنيها لي...وبعدها خالتي استمرت بغنائها من أجلي !!.."

رفعت وجهها الذي تحول من ثلوج بيضاء لحمراء فلحقت دمعة تبحث عن اختها التي سبقتها فسحقتها بظهر كفي برقة وقلت :
" رحمها الله ....لا تبكي... على العكس افرحي لأنها بمكان أجمل من هذه الدنيا.."

اومأت برأسها بـ نعم تبتلع شفتيها ...فغيرتُ مجرى الحديث بعد ان نظرت لساعتي واخذت الطفلة منها اسند رأسها على كتفي قائلاً:
" سأرسلك للفندق بسيارة اجرة لتعودي مع زملائك لمدينتنا ....بقي ساعة ونصف لانطلاق الحافلة .."


" وأنت؟!"


" لا استطيع ترك الأطفال ...سأطمئن على والدتهما وبعدها افكر ماذا سأفعل"


ابتلعت ريقها وقالت :
" سأبقى معك.."

اعترضتُ قائلاً :
" لا يمكن ...يحتمل أن ابات بالعاصمة هذه الليلة لأجري بعض الأمور وايضاً مؤكد والدك ينتظر عودتك !!..."


" ليضربني ؟!"


قلتُ باندهاش :
" يضربك ؟؟..كيف؟"

نكست رأسها وأجابت :
" نعم...سيضربني لأني كسرت كلمته.."

جفّ حلقي فازدردت ريقي لأرطبه وقلت :
" مستحيل...لقد اخذت كلمة منه ان لا يكلمك بالموضوع لأني انا المسؤول ولا دخل لك!!.."

ردت بنغمات صوتية مرتعبة :
" لكني خائفة .....غير مطمئنة....أبي لا يسمح ان يعصيه او يتمرد عليه أحد منا ... "

رفعت يسراها تمسّد على وجنتها اليسرى وتابعت مرتجفة خائفة :
" لقد ضربني بالأمس امامهم جميعاً دون تردد....برأيك ألن يكررها مجدداً؟"

سالت بصدمة غاضباً :
" ضربكِ مرةً أخرى ؟؟!"


" أجل.."


قلتُ حاسماً الأمر بغيظ :
" اذاً ستبقين معي بلا شك !!..."

ومددتُ يمناي وجذبتها لصدري احوطها بذراعي مقبّلاً أعلى رأسها هامساً بحنوٍ:
" اطمئني...يا ألمتي "


**********( انتهى الفصل الثاني عشر )**********




أتمنى لكم قراءة ممتعة..


الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-12-21, 09:36 AM   #137

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,558
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الفجر الندىأختي ألحان الربيع
ولنتوقف عند الربيع فالشتاء هذا العام شحذ كل اسلحته
**الرجوع للحق فضيلة**دنيا وسلمي شقيقتان بالهجرة والكفاح وأخوة أوجدتها الأيام كثيرا ما تكون أقوى من رابطة الدم
ولكن شتان بين لن أقول طباعهما بل في عناد دنيا ولين طبع سلمي..
سبحان الله دائما ما أقول أن للمرء من إسمه نصيب وقد أحسنتي إختيار الأسمين بما يتوائم وطباعهما
فبالنظر لرد فعل سلمي مع خطيبها رغم أنها ليست مخطئة في رأى في عدم إخباره بما يخص صديقتها إلا أنها اعتذرت له بسلامة طبعها بطريقة لم تجعل هناك مجالا لإضافة كلمة أخرى
بينما دنيا والتي كانت بأمس الحاجة لاحتضان سامي لها خاصةبعدما حدث لشادى إلا انها ما زالت تكابر وتعاند وتتمني لو ناداها بألفاظ التحبب التي كانت تتأفف منهابدلا من انسة
وأرفع القبعة لسامي انه ما زال صامدا ومتمسكا بصلابته في التعامل معها
هي فعلا تحتاج لهذا الدرس لتعرف ماذا تريد وموقع سامي من الاعراب في حياتها
أعحبتني جدا عبارة ان زراعة* لو تنبت ليت*
لدينا بمصر وصلنا الى اكتشاف باللغة ليس له اصل هو كلمة معلش نقولها في كل الكوارث والتمني والمواساةوحتي التسول مع اني اعتقد ان اصلها ماعليك شئ
بمعني لا تثريب عليك فاذا بها تتحول الي معلهش ثم معلش تقدرى تعتبربها شعار الشعب المصرى
**آباء للبيع**منتهي القسوة والبشاعة أن تتلقي ألمي صفعتها الثاتية وهي تجأر بيتمها وأبيها حيا يرزق لا تشغله سوى الاعمال والمصالح والمكاسب الدنيوية
لو أمامي لسألته لماذ جرى الوحوش هذا؟ كان البعض يقولون من أجلكم أبنائي لتأمين مستقبلكم .
ولكن كل هذا ادعاء فلو علي الابناء فهم يحتاجون الي الشعور بالمحبة بوجودملموس لهم في حياة والديهم
ما يفعله رضا هو فساد نفسي تخلل كل جوانب روحه فاشترى الدنيا بالآخرة والإنتماء والوفاء للوطن بالخيانة من اجل منافع ومكاسب زائلة
وقد صدقت حبيبتي فعلا يجب أن تكون هناك دورات لتعليم المقبلين علي الزواج معناه والتزاماته وإن كانوا اهلا لتحمل مسئولية ابناء سيجلبوهم للحياة ليسعدوهم لا ليشقوهم
وبالفعل عندنا هناك دورات لمثل هذا الغرض يقيمهاالأزهر الشريف بعد ارتفاع معدلات الطلاق بشكل كبير
حتي أن بناتي يقولون لي عادى ماهو الشباب يتزوجون ليطلقون هذه سنة الحياة
ونظل نتحاور ونتجادل علي ان الدنيا بها من يعرف التزام الاسرة والبعض لا وانه لا يجوز التعميم
وهكذا أعتقد أن ألمي ليس أمامها سوي يامن لان خالتها مرتبطة بندوة هامة من قبلها فهل يخذلها هو أيضا؟
**أنت معي**رغم براءةألمي إلا انها لديها من التصميم لن أقول العناد علي ما تراه صائبا وهي حقها ان تأخذ مكانها مع المتفوقين بذلك المؤتمر حتي لو منعها عاصى
وقد كانت مغامرتها للذهاب جميلة جدا والاجمل أن تجد يامن بديلا عن أبيها ليرافقهافي المؤتمر
وقد أشرتي لنقطة أعجبتني عندما أعتقد هادى أن بنطال ألمي تمزق بعد سقوطها من الشجرة
والله يا أختي كلما رأيت مثل هذه البناطيل الممزقة أو ذات الخصر المنخفض جداأستغفرالله وأحمده علي نعمة الستر ليس لانها تكشف البدن فقط ولكن لانها منفرة وكنا نعير بعضنا صغار لمن يأتي ببنطال ممزق او به رقعة والتي يدفع فيها الان مبالغ طائلة وقد اضحكتني مقولة بعضهم أن من غرائب أيامنا أن يدفع الاثرياء الآلاف ليلبسوا ثوب الفقراء
**وا معتصماه**أوجعني قلبي علي ذلك الطفل وأسرته الذين تشردوا جراء أنهيار دولهم بفعل عاصي وأمثاله فتحولت اسر كانت آمنة إلي شراذم يقتاتون من مخلفات الآخرين وليت الرحمة تجد لها مكانا
فنجد أطباء خسارة بهم اللقب وقد نزعت الرحمة من قلوبهم ليتركوا إمرأةتموت ضعفا من افتقارها للطعام وللطاقةلكي تقف علي قدميها والسبب هو المال
مافعله هادى هو واجبا عليهم بحكم مهنتهم
وللاسف هذه الاسرة وامثالها كثيرون ممن لا ترعاهم جمعيات فيصيروا كالقطط المشردة يأويهم مكان غير انساني وبلا توفير أى احتياجات من مأكل أو دواء
حتي ان المأاة لا تجد ما يسد رمقها من خبز جاف فتدعي أنها تصوم صيام الليل
يا إلهي كم الصورة بشعة ومؤلمة خاصة أن هناك من بلقون ببقايا موائدهم العامرة بالقمامة
تصويرك لموقف هادى وكيفية تعامله ليس غريبا عليه
وتكفله بحل مشكلتهم سيتولاها بكل أمانة.
اما تصويرك لمشهد المي وهي تهدهد الطفلة الصغيرة بالغناء لتنام اشعرني بالحزن علي كلتيهما صغيرة جف حليب امها من شدة الجوع والمي وجفاف حياتها من العطف وافتقاد الام والعيش يتيمة بوجود اب مثل عاصي
وانتهاء الفصل بوعد هادى لها بالأمان خير خاتمة
صباحك مثل الفل حبيبتي أحلي نسرين
عندما اراكي صباحا وارتشف كل معانيك الحلوة وأسلوبك الصادق الدافئ احمد الله علي ما نحيا به من نعمة وأدعوه لفك كرب كل المكروبين وأن يعلي من شأن أوطاننا جميعها ويمن عليها بالسلام والامان
سلمت اناملك حبيبتي علي الفصل الرائع بمحتواه الرقيق باسلوبك الانساني بمضمونه
دمتي بكل الخير والسعادة حبيبتي
وقبلاتي للقمرات اولادك


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-12-21, 12:11 AM   #138

لبنى البلسان

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية لبنى البلسان

? العضوٌ??? » 462696
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 5,543
?  نُقآطِيْ » لبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond reputeلبنى البلسان has a reputation beyond repute
افتراضي


فصل جميل جدا تمنيت الاينتهي
تسلم اناملك عليه بانتظار الفصل القادم واحداثه بفارغ الصبر



shezo likes this.

لبنى البلسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-12-21, 07:49 PM   #139

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الفجر الندىأختي ألحان الربيع
ولنتوقف عند الربيع فالشتاء هذا العام شحذ كل اسلحته
**الرجوع للحق فضيلة**دنيا وسلمي شقيقتان بالهجرة والكفاح وأخوة أوجدتها الأيام كثيرا ما تكون أقوى من رابطة الدم
ولكن شتان بين لن أقول طباعهما بل في عناد دنيا ولين طبع سلمي..
سبحان الله دائما ما أقول أن للمرء من إسمه نصيب وقد أحسنتي إختيار الأسمين بما يتوائم وطباعهما
فبالنظر لرد فعل سلمي مع خطيبها رغم أنها ليست مخطئة في رأى في عدم إخباره بما يخص صديقتها إلا أنها اعتذرت له بسلامة طبعها بطريقة لم تجعل هناك مجالا لإضافة كلمة أخرى
بينما دنيا والتي كانت بأمس الحاجة لاحتضان سامي لها خاصةبعدما حدث لشادى إلا انها ما زالت تكابر وتعاند وتتمني لو ناداها بألفاظ التحبب التي كانت تتأفف منهابدلا من انسة
وأرفع القبعة لسامي انه ما زال صامدا ومتمسكا بصلابته في التعامل معها
هي فعلا تحتاج لهذا الدرس لتعرف ماذا تريد وموقع سامي من الاعراب في حياتها
أعحبتني جدا عبارة ان زراعة* لو تنبت ليت*
لدينا بمصر وصلنا الى اكتشاف باللغة ليس له اصل هو كلمة معلش نقولها في كل الكوارث والتمني والمواساةوحتي التسول مع اني اعتقد ان اصلها ماعليك شئ
بمعني لا تثريب عليك فاذا بها تتحول الي معلهش ثم معلش تقدرى تعتبربها شعار الشعب المصرى
**آباء للبيع**منتهي القسوة والبشاعة أن تتلقي ألمي صفعتها الثاتية وهي تجأر بيتمها وأبيها حيا يرزق لا تشغله سوى الاعمال والمصالح والمكاسب الدنيوية
لو أمامي لسألته لماذ جرى الوحوش هذا؟ كان البعض يقولون من أجلكم أبنائي لتأمين مستقبلكم .
ولكن كل هذا ادعاء فلو علي الابناء فهم يحتاجون الي الشعور بالمحبة بوجودملموس لهم في حياة والديهم
ما يفعله رضا هو فساد نفسي تخلل كل جوانب روحه فاشترى الدنيا بالآخرة والإنتماء والوفاء للوطن بالخيانة من اجل منافع ومكاسب زائلة
وقد صدقت حبيبتي فعلا يجب أن تكون هناك دورات لتعليم المقبلين علي الزواج معناه والتزاماته وإن كانوا اهلا لتحمل مسئولية ابناء سيجلبوهم للحياة ليسعدوهم لا ليشقوهم
وبالفعل عندنا هناك دورات لمثل هذا الغرض يقيمهاالأزهر الشريف بعد ارتفاع معدلات الطلاق بشكل كبير
حتي أن بناتي يقولون لي عادى ماهو الشباب يتزوجون ليطلقون هذه سنة الحياة
ونظل نتحاور ونتجادل علي ان الدنيا بها من يعرف التزام الاسرة والبعض لا وانه لا يجوز التعميم
وهكذا أعتقد أن ألمي ليس أمامها سوي يامن لان خالتها مرتبطة بندوة هامة من قبلها فهل يخذلها هو أيضا؟
**أنت معي**رغم براءةألمي إلا انها لديها من التصميم لن أقول العناد علي ما تراه صائبا وهي حقها ان تأخذ مكانها مع المتفوقين بذلك المؤتمر حتي لو منعها عاصى
وقد كانت مغامرتها للذهاب جميلة جدا والاجمل أن تجد يامن بديلا عن أبيها ليرافقهافي المؤتمر
وقد أشرتي لنقطة أعجبتني عندما أعتقد هادى أن بنطال ألمي تمزق بعد سقوطها من الشجرة
والله يا أختي كلما رأيت مثل هذه البناطيل الممزقة أو ذات الخصر المنخفض جداأستغفرالله وأحمده علي نعمة الستر ليس لانها تكشف البدن فقط ولكن لانها منفرة وكنا نعير بعضنا صغار لمن يأتي ببنطال ممزق او به رقعة والتي يدفع فيها الان مبالغ طائلة وقد اضحكتني مقولة بعضهم أن من غرائب أيامنا أن يدفع الاثرياء الآلاف ليلبسوا ثوب الفقراء
**وا معتصماه**أوجعني قلبي علي ذلك الطفل وأسرته الذين تشردوا جراء أنهيار دولهم بفعل عاصي وأمثاله فتحولت اسر كانت آمنة إلي شراذم يقتاتون من مخلفات الآخرين وليت الرحمة تجد لها مكانا
فنجد أطباء خسارة بهم اللقب وقد نزعت الرحمة من قلوبهم ليتركوا إمرأةتموت ضعفا من افتقارها للطعام وللطاقةلكي تقف علي قدميها والسبب هو المال
مافعله هادى هو واجبا عليهم بحكم مهنتهم
وللاسف هذه الاسرة وامثالها كثيرون ممن لا ترعاهم جمعيات فيصيروا كالقطط المشردة يأويهم مكان غير انساني وبلا توفير أى احتياجات من مأكل أو دواء
حتي ان المأاة لا تجد ما يسد رمقها من خبز جاف فتدعي أنها تصوم صيام الليل
يا إلهي كم الصورة بشعة ومؤلمة خاصة أن هناك من بلقون ببقايا موائدهم العامرة بالقمامة
تصويرك لموقف هادى وكيفية تعامله ليس غريبا عليه
وتكفله بحل مشكلتهم سيتولاها بكل أمانة.
اما تصويرك لمشهد المي وهي تهدهد الطفلة الصغيرة بالغناء لتنام اشعرني بالحزن علي كلتيهما صغيرة جف حليب امها من شدة الجوع والمي وجفاف حياتها من العطف وافتقاد الام والعيش يتيمة بوجود اب مثل عاصي
وانتهاء الفصل بوعد هادى لها بالأمان خير خاتمة
صباحك مثل الفل حبيبتي أحلي نسرين
عندما اراكي صباحا وارتشف كل معانيك الحلوة وأسلوبك الصادق الدافئ احمد الله علي ما نحيا به من نعمة وأدعوه لفك كرب كل المكروبين وأن يعلي من شأن أوطاننا جميعها ويمن عليها بالسلام والامان
سلمت اناملك حبيبتي علي الفصل الرائع بمحتواه الرقيق باسلوبك الانساني بمضمونه
دمتي بكل الخير والسعادة حبيبتي
وقبلاتي للقمرات اولادك
مراحب أختي الغالية شيزو

صادقة الشتاء شحذ كل اسلحته ...برد مش طبيعي ....الله يعين من لا مأوى لهم...الله يجبرهم ويلطف في حالهم ....احنا ببيوت ومكيفات ومدافئ ومش متحملين السقعة...

(زرعنا لو طلعت ياريت) عبارة بنقولها كثير للي بيجي يقول شي بعد فوات الاوان ههه ...مثلا لو بعرف بدك كان اعطيتك ..لو انك سمعت كلامي كان ما صار هيك معك ووو....انه ال (لو) في هذه اللحظة ما في من وراها فائدة يعني خليك ساكت احسنلك هههه

ايوة (معلش) كثير بنسمعها بالافلام المصرية وتحليل الكلمة جميل وهيك ذكرتيني بكلمة بتشبهها بنقولها عنا (بِهِمِش ) ومعناها لا يهمك شي او بالعامية مايهمكش...

كمان عنا في المساجد بيعملوا دروس للمقبلين على الزواج وانا متأكدة بيكون حضور خفيف وحتى والله اعلم اللي حاضرين ما بيحتاجوا الهن لانهم ما داموا اقبلوا على الدروس فمعناها انهم ناس فهمانين ومتحضرين وواعيين واللي لازم يحضروهن عشان يستفيدوا بيكونوا في وادي اخر ومش مهتمين او حتى بسخروا من هيك دروس مع الأسف ....

الله يحفظلك الحلوات ويفرحك فيهن ....ما تسمحيلهن يُحبطن من اللي بصير بهذا الزمن ...صح انه كثر الطلاق بس لانه الزواج اساسه مش متين ..ربنا اعطانا العقل عشان نعرف نختار ..لازم يكون تكافؤ مثل ما طلب منا بالدين....وغير البعد عن الدين في كمان العناد من الطرفين هو بشد وهي بتشد لحتى ينقطع الحبل فيهم.....كثير دروس التنمية البشرية بتوعينا عشان نعرف نتصرف لما نواجه مشكلة معينة وكثير بقولوا نصف الحل وأكثر انه اعرف خطئي ...اذا بدي احط براسي انه انا الضحية دائماً وانه الطرف الثاني هو المذنب مش رح يصلح الحال لكن لما بعرف اخطائي وبتداركها بخفف كثير من حدة المشكلة وبصير ليونة في العلاقة عشان تمشي الحياة .....اليوم الصبايا بقلن ما في زوج مناسب والشاب نفس الشي بيدور على عروس بقول ما في عروس تصلح لتكون زوجة وهذا بسبب الفتن اللي بنعيشها وكمان بنرفع سقف توقعاتنا واحلامنا لشخص يكون اقرب للمثالية عشان هيك نحبط او نصدم من الواقع ...فلازم نقتنع انه ما حدا خالي من العيوب وبضل نركز على ايجابيات اللي رح يكون شريك حياتنا ....


البنطال الممزق نفسي اعرف شو الجمال والذوق فيه ههههه بدي حدا يقنعني ....ابني الحمد لله عمره 12 سنة وما بيقبل يلبس منهن اما بنتي 9 سنوات بتحاول تقلد وبدها منهن بس ما بسمحلها ....انقلبت الاية ...اليوم الاولاد بيخجلوا والبنات جريئات زيادة عن اللازم.....الله يستر علينا وعلى ولايانا ويجعل ابناءنا من الصالحين....


آآآسفة طولت عليكِ ...بس يسعدني دائما الرد على تعليقك المميز مثلك
ومثل ما قالت ألمى هههه شكري لكِ يصل الى عنان السماء على وجودك وردك الداعم وكلامك الرائع في روايتي يا صاحبة الذوق الرفيع....

تصبحين وتمسين على خير باذن الله أختي آمال...

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-12-21, 08:03 PM   #140

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لبنى البلسان مشاهدة المشاركة

فصل جميل جدا تمنيت الاينتهي
تسلم اناملك عليه بانتظار الفصل القادم واحداثه بفارغ الصبر



انتِ الأجمل اختي لبنى وسعدت انه اعجبك .. ....الرواية بنقل فصل فصل على الوورد وبعدله وبوسعه ومع الأسف هذه الفترة انشغلت بظروف خارجة عن ارادتي فكان الوقت ضيق لنقله وتعديله مما جعلني اكون غير راضية عنه وحتى احبطت قليلاً لكن كلامكن الجميل الرقيق يدفعني ويجعلني لا استسلم وامضي بها اذا اراد الله.....

يشرفني ويفرحني دائماً وجودك انت وباقي الاخوات

shezo likes this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:35 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.