آخر 10 مشاركات
رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          كوب العدالة (الكاتـب : اسفة - )           »          خلف الظلال - للكاتبة المبدعة*emanaa * نوفيلا زائرة *مكتملة&الروابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-10-21, 11:26 PM   #31

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Chirolp Krackr


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الخير حبيبتي
الشكر لك ولكل صديقات المنتدى الرائعات
دمتم كلكم بكل الخير ورضا ربي الرحيم
الذى من علي بصداقة خير الناس
وكل الامنيات الطيبة لكاتبتنا الواعدة
لتشجينا بالحان الربيع
وبجمال وصدق كلماتها
دمتي بكل الخير غاليتي
:heeheeh:

شيزو الجميلة رأيها ثاقب و نظرتها لا تخيب فى الكاتبات الواعدات و إن شاء الله ألحان ستكون

من الكاتبات المبدعات




موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-10-21, 01:55 AM   #32

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 2 والزوار 2)

‏موضى و راكان, ‏ألحان الربيع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلا ألحان منورة روايتك و عساك بكل خير
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

النور نورك ...الحمد لله....الله يسعدك ويعطيكِ

shezo and فاتن نبيه like this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-10-21, 02:12 AM   #33

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
:heeheeh:

شيزو الجميلة رأيها ثاقب و نظرتها لا تخيب فى الكاتبات الواعدات و إن شاء الله ألحان ستكون

من الكاتبات المبدعات


كلامكن وتشجيعكن هو فرحة في القلب ..ووقود يدفعني لأمضي على هذا الدرب ...مهما كان طويلاً أو صعب...فأرجو التوفيق من الرب ..عسى أن يلهمني لأسعدكن بكل أملٍ وحب

shezo and فاتن نبيه like this.

ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-10-21, 08:46 PM   #34

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,977
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

😻😻😻😻😻😻😻♥️ شكرا لشيزو لاقتراح هذه الرواية

Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 12:09 AM   #35

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثالث (( لا مكان لا وطن ))



أن نجد أشخاصاً يدعموننا...يسعون لراحتنا...يهتمون بنا دون مقابل او مصالح خبيثة ....تلك من النِعَم الكبيرة التي نشكر الله عليها...فنحن رغم انزعاجنا من هذه الظروف الراهنة وما آلت اليه أوضاعنا إلّا أننا فخورون ونشعر بالامتنان للسيد (سليم الأسمر) الذي قام بتحضير كل شيء مسبقاً , من سائقٍ إلى سفينة رفيعة المستوى , حتى أنه بعث رجلاً من طرفه ليستقبلنا هناك في تلك الدولة المجاورة ليقوم بكافة الإجراءات الرسمية الخاصة بالإقامة واستئجار شقة ...بل حرص أيضا على إيجاد مدارس لي ولأختي لنتابع تعليمنا دون أن نخسر يوما واحداً...

لا أخفي أنني شعرت برهبةٍ في الطريق!!...فماذا سيكون أصعب من ان أسير على درب لا أعلم ان كنت سأعود لأرى أثر خطواتي مجدداً أو انها ستتلاشى مع الزمن وستذهب على هامش التاريخ بصفحة مملة نتخطاها لا نرغب بقراءتها لا قيمة لها لا تُقدّم ولا تُأخّر... بل عبء على الكتاب لا مانع من تمزيقها ...وحتى المؤلف بنفسه لن ينتبه لاختفائها!!

تساءلت ...هل سأعود قبل أن يجف التراب من أمطار خير هذه السنة؟

أم سيجفّ عمري وأنا أتشوق لأطهّر أقدامي في تراب بلادي ؟؟

هذه التخوفات التي راودتني في رحلة الهجرة وأشعرتني بانقباض خافقي ...جعلتني أُخْرِج من حقيبتي الصغيرة ,المصحف الشريف مصحف والدي...أضمه لصدري علّني أشعر بالطمأنينة!!

كيف لا وهو كلام الله جلّ في علاه؟؟!!

مضينا بطريقٍ خُطِّطَ له آنفاً لنصل باكراً ولا نفوّت سفينتنا...فتلك الشركة الخاصة بها عُرِف عنها الدقة والالتزام في المواعيد احتراماً لزبائنها مما أوصلها ذلك الى تلك النجاحات لتصبح علامة كبرى في المواصلات البحرية بعد كسبها أرقى فئات المجتمع وأغناهم....

بعد مرور ساعتين من الزمن...تفاجأنا بازدحامات سير خانقة لوقوع حادث بين شاحنة ومركبة خصوصية...يظهر انه من الانزلاقات بفعل مياه الأمطار على الشارع وبلا شك السرعة الزائدة...وعلى ما يبدو لا اصابات خطيرة حمدا لله...

وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن!!!

أدرت وجهي الى يساري نحو الذي قال من وراء المقود بارتباك:

"لطفك يا الله!!...الوقت يداهمنا ويجب أن نصل خلال ساعة !!"



"ألا يوجد طريق آخر؟؟!"

سألت خالتي...



"بلى...ولكنه ترابي على طرف المدينة والسيد سليم أوصاني بسلك هذا"



دقائق تُحذف من حاضرنا ..تُدفن بالزمن الماضي ونحن متسمّرون مكاننا....فزفرت بملل هاتفاً:

" هيا يا عمي...لا يهم ترابي او غيره...المهم أن نتحرك!!"

تبعتني خالتي وتلتها أمي مؤكدتين على رأيي...اضطر السائق للانصياع لنا ودلف بصعوبةٍ من بين المركبات متخذاً مساراً آخراً...

سارَ في ثباتٍ بطريقه فاستأذنته بفتح المذياع لشعوري بالضجر فأذن لي بذلك:

[ الساعة الآن العاشرة!!...سيداتي وسادتي أهلاً بكم في موجز الأخبار...وصلنا قبل قليل أن قوات الجيش استطاعت السيطرة على مقر كبير للثوار في طرف مدينة(...) على الحدود الغربية وحسب ما نقل مراسلنا ان الطائرات الحربية التابعة لقوات التحالف الخارجية المساندة للدولة ما زالت تحلّق في الأجواء وتستعد لتلقي قذائفها وحتى الآن لم يبلغ عن أي قتلى...الى هنا انتهى الموجز]

" استر يارب!"

نطقتها أمي بفزع..



سادَ صمت لثواني كدت أسمع من خلاله ضربات قلب السائق...نظرت اليه فوجدت جبينه يتصبب عرقاً رغم برودة الطقس....همست له بقلق:

"هل أنت بخير يا عمي؟"

لم يجبني!!..علا وجهه التوتر ..تبعه ارتجاف بيده اثناء محاولته فتح أزرار قميصه العلوية ليحرر أنفاسه...يبلع ريقه بصعوبةٍ!!...فأردفت بقلق أكبر:

"ما بك عمي؟! هل هنالك شيء؟؟!"

تابع بصمته وكأن قطة ابتلعت لسانه ...امسكتُ نفسي لكي ألزم أدبي فأنا اكره تجاهُلي!!..هل يظنني طفلاً ولم املأ عينيه؟؟!!...أخذ يزيد من سرعته بارتباك كاد يقفل ساعة السرعة الخاصة بالمركبة....صاحت خالتي بانزعاج:

" على مهلك يا أخي...معنا أطفال!!"



أجاب مضطراً يدفع صوته المخنوق للخروج:

"اعذروني!!...نحن الآن بمنطقة الخطر!!..و..وفي أي لحظة ممكن أن تسقط علينا قذيفة"



"ماذااا؟؟!!"

صرخنا جميعنا بصوتٍ واحدٍ مرعوب....



يبدو أن صوت الأمطار مع صوت الرعد من حين لآخر إضافة للمذياع أخفى عنا ضجيج محرك الطائرات فلم نتخيل ولو للحظة أننا دخلنا منطقة تستعد لاستقبال القصف...

بدأ التوتر يعترينا...وجوهنا مكفهرّة لا تتفسر نغرق في العرق بعزّ البرد وأصبح حالنا كحال السائق.....نرجو من الله السلامة!!



"انتـــــــــــبه!!"

صرختُ بشدة...



فما كان منه الا الانحراف عن حفرة في الوسط ليرتطم بشجرة على قارعة الطريق أدت لتوقف المركبة..!!



"آاه ...الحمد لله أنك كنت قد خففت السرعة وإلا لانقلبت فينا وأصبحنا كالعجينة"

هتفت بها بعد لحظات من استيعابي الموقف....استدرتُ للخلف أتفقد عائلتي...كانوا يحتضنون بعضهم البعض في حركة لحماية أنفسهم و(شادي) الصغير....

عدلتُ جلستي وأسندتُ رأسي للكرسي ألتقط أنفاسي المتبقية من هوْل الصدمة...ثم وجهتُ كلامي للسائق مُشجعاً:

" نجونا الشكر لله ....هيا تابع من فضلك!!"



ركزتُ سمعي جاحظ العينين بعد أن وصلني صوته المخنوق المتقطع:

"لـ لا استطيع ...دَ...دخل غصن حاد في خاصرتي!!"



"ماذا تقول؟!"

هتفتُ بهلع وأنا أتفقده بردة فعلٍ سريعة ...كان الغصن قد اجتاز الباب بقوة واخترق جسده...الدماء تنزف بغزارة وكأنها نافورة...اصطبغ قميصه تحول من بحر ازرق الى أحمر...هرعتُ الى الخارج ولحقتني خالتي...نحاول مساعدته بسحب الغصن من الخارج!!. ...عاد نزول المطر تدريجياً ...بدأ يشتد!!....أصوات مروحيات تجول في السماء!!...الباب موصد بإحكام ,لم يسهّل علينا مهمتنا...خالتي بدأ حجابها يمتص الماء...حاولتْ الاحتماء بالشجرة ...الرعد يندمج مع هدير المحركات اللعينة ...عـقـارب الساعة تجري ....الرجل يئن , يقاوم ..حاول تحريك جسده ليساعدني...لكن....أبى هذا الغصن أن يتركه بعد عبوره أعضاءه الداخلية ..متمسكاً به متشبثاً كتوأم ملتصق يحتاج لعملية لفصله....كان يتأوه بشدة وصارع ليقول بخفوت:

"اذهبوا انتم...اتركوني انا ونصيبي...لا أمل مني...هيا لا تتأخروا عن سفينتكم...آاه...اهـ...اهربوا قبل أن تـ تحولوا الى أشـ لاء في هذا المكان"

ثم أسبلَ عينيه فاقداً للوعي بعد أن أوصل رسالته..!!

~~~~~~~~~~~~~

لم تتأخر السيدة (اسراء) بتبشير صديقتها عن قرار زوجها السريع بالموافقة للانتقال والاستقرار في تلك البلاد....

كانت هي ورقة ربحها وطوق نجاتها من براثن الطرد المشؤوم الذي هددها به بعد أن يصل لهدفه المنشود......فتخطيطاتها هي للمستقبل البعيد.....(عاصي رضا) لن يقبل ارتباط ابنته مستقبلاً بشخص أقل منه مستوى!!...ولن يجد أفضل من ابن السيد (رائد السيد) ليكون صهره الوحيد الذي يليق بسموّ الاميرة.....صحيح أن ابنته مازالت طفلة إلا أن الأيام تجري بسرعة فلا مانع لأن تضع أساساً متيناً من الان لتنضج الطبخة على نار هادئة وتتبلها بالنكهة التي ترغبها ليتناولوها في الوقت المناسب....

يجب عليها أيضاً أن تكسب ود ابنته ليرضى عنها ولو بالقليل.....فقررت ان تغير تكتيكها ....كانت سابقاً تهاجمها بشكل مكشوف بحماقة ..أما الان ستجذبها لها بلسانها الأملس وقلبها النجس.... والأفعى تبقى أفعى حين تردي ضحيتها قتلاً.. سواء باللدغ او الابتلاع!!

هي تحب صديقتها لكنها تقول في نفسها "سامحيني يا صديقتي فمصلحة ابني أولاً"

خرجت من غرفتها لتنفيذ الخطوة التالية....طرقت الباب برقة لتسمع :

"أدخلي خالتي.."



فتحت الباب وأطلت برأسها ترسم ابتسامة خبيثة!!....انكمشت تقاسيم وجه الصغيرة لرؤية من تقف خلفه وهمست بارتباك:

"ماذا تـ تـ ريدين مني!؟"



دخلت تدنو منها بحنان مصطنع ...والأخرى تزحف على سريرها للخلف...تلتصق بظهره..تحاول إخفاء وجهها بذراعها...هامسة بخفوت:

" ارجوك ابتعدي عني"



"عزيزتي ألمى..لا تخافي لن اؤذيك"

رفعت رأسها تنظر مندهشة لها....فاقتربت اكثر وجلست على طرف الفراش ....تقول بفحيح لطيف لتكمل مشهدها التمثيلي:

" أنا اسفة على كل ما حصل سابقاً.....أنا احبك ألمى وأريد فتح صفحة جديدة معك"

نفثت كلماتها المُبَطّنة بالسم تداري وجهها بكفيّ يديها تدّعي البكاء....رق قلب الصغيرة لحالها ودنت منها بهدوء ...تضع يدها الرقيقة النقية على كتف الافعى تربّت وتهمس ببراءتها:

" لا تبكي يا خالة..سامحتك"

استدارت بمكر تفتح ذراعيها لها تحتضنها وتعانقها كما لم تفعل من قبل وعينيها تلمع بخبث شيطاني...

في هذه اللحظة ولجت (فاتن) للغرفة للاطمئنان على صغيرتها فذهلت مما تراه!!..أيعقل؟!...(سوزي وألمى) تتعانقان؟!! هل اقتربت الساعة؟! ماذا يحصل هنا؟!....ثم قطعت المشهد متنحنحة قائلة:

" جئت لأرى ان كنتِ تحتاجين شيئاً ألمى"



قفزت بخفة من مكانها نحوها تمسكها من يدها وتخبرها عن عقد راية الصلح بينهما ثم هتفت :

"هيا الآن دوركما"



نهضت (سوزي) من الفراش تقترب منها تهمس بلطف كاذب وهي تمد يدها للمصافحة :

" أنا اسفة على كل ما بدر مني...أرجو ان تسامحيني"



مدت لها يدها تقبل المصافحة ثم دنت أكثر برأسها تهمس بأذنها:

"كادت عيني تدمع من شدة اتقانك للدور...هذه المسرحية تنطلي على الصغيرة البريئة لا على فاتن...أنا احذرك من اللعب بمشاعرها..!!"



تبسمت بمكر وهمست :

"سامحك الله..انا فعلت واجبي وانت حرة تصدقين او لا "

ثم اطلقت ضحكة مزيفة لـ (ألمى) وغادرت الغرفة....



لم تتسرع (فاتن) بتحذير ابنة شقيقتها منها فهي تريد التأكد لأنها تخاف سوء الظن وأيضا لا تريد أن تشركها بأمور الكبار والضغينة التي بينهم لتبقى بقلبها النقي المُحب للجميع.....

~~~~~~~~~~~~~

"رباه الطف في حالنا واخرجنا من حولنا وقوتنا الى حولك وقوتك...رباه اننا نشكو اليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس...اللهم انت رب المستضعفين"

رددها لساني ثم قبّلت جبين السائق الذي فقد وعيه طالباً منه مسامحتنا...توجهت الى صندوق السيارة لسحب حقائبنا الكبيرة...بدأنا نسير مسرعين نبحث عمّن يوصلنا الى المرفأ....دقائق عديدة بعد ابتعادنا حيث كنا وإذ بصوت انفجار يدوي يهز المنطقة بأكملها بعد سقوط غارة لعينة....التفتّ الى الخلف حيث مصدرها والتي لم يكن هدفها سوى المركبة التي تركناها ...يا الله كدنا نتحول الى أشلاء مثلما قال!!.....انها تحترق ...دخان اسود متصاعد منها مع اللهيب البرتقالي ليُقتل الرجل مرتين بشكل أليم دون ذمة او ضمير.....

تركت احدى الحقائب الكبيرة مجبراً لأتولّى أمر واحدة... فبالكاد ننجو بأنفسنا ...امي تحمل حقيبتها الصغيرة على كتفها ....تضم اخي بذراعٍ على صدرها....تتعثر في ثوبها....لا تعلم ! تمسك الثوب , الحقيبة أم شادي ؟!!....

خالتي تحمل حقيبة متوسطة الحجم وحقيبة أخرى لشقيقتي ...تجرّ (دنيا) لتسرع في خطاها التي انطفأت من شدة التعب والنعاس..!!

طريق وعرة تملؤها الحفر المغمورة بمياه الامطار....ترسم من طينها لتبدع بأبهى اللوحات على ملابسنا وأغراضنا...

وقفنا بانحناء نلتقط أنفاسنا....ارتمت (دنيا) على الأرض وهي تتشبث بدميتيها التوأم اللتين اهداهما اياهما أبي في يوم ميلادها الماضي.....

رأفْت لحالها ....فجسدي أقوى من جسدها ويتحمل الصعاب الى حدٍ ما...أما هي صغيرة , رقيقة , لم تجري في حياتها...كنا نحملها على كفوف الراحة انها مدللتنا الغالية انها دنيانا....

أجلستها على الحقيبة الكبيرة لأسحبها ...أنفاس أمي وخالتي تخترق طبلتي أذنيّ من قوته...



" توقــــــــــــــــــف"

صرخت بعدما لمحتُ جرار زراعي كاد أن يختفي من أمامنا..!!



تركت كل شيء في يدي ودخلت سباق مع الزمن...أجري وأجري لألحق به بكل ما اوتيت من قوة...اركض وأقول في نفسي " آه يا أبي مهما شكرتك لا أوفيك حقك من فضلك عليّ بعد الله"

لقد كان ابي يهتم بإدخالي كافة أنواع الرياضة...ركض , سباحة , ركوب الخيل , التسلق وحتى علمني الرماية بأنواعها !! ..كان دوماً يقول لي ربما تحتاجها يوماً يا بنيّ..

" ها قد صدق أبي"

أردفت في نفسي بعد أن نجحت بإيقاف الجرار..!!



صعدتُ وعائلتي على عربة الجرار وتنفسنا الصعداء حامدين الله على كل شيء....وصلنا المرفأ بعد نصف ساعة...همّت خالتي لتخرج قطعة ذهب تعطيها للفلاح مثلما اتفقنا ووعدناه ليقبل بتوصيلنا.....تبحث خالتي في الحقيبة الكبيرة لتكتشف أن المجوهرات بقيت في الأخرى!!! وهنا بدأت حفلة البكاء بين أمي وخالتي....

كنتُ ارتدي في يدي ساعة ثمينة أهداني إياها أبي لتفوقي الدراسي...خلعتها بألم وكأنني أخلع نابضي من بين ضلوع صدري...!!...قبّلتها وتمتمت بخفوت :

"سامحني يا أبي...عسى الله أن يعوضني خيراً منها!!.."

ثم شكرتُ الرجل بامتنان وناولته الساعة.



اقتربت من أمي وخالتي اللتين ما زالتا تبكيان مجوهراتهما...ضممتهما الى صدري اشدد من احتضانهما وهمست بحنان:

"سأكبر باذن الله وسأعمل واشتري لكما الأجمل....أما تلك المجوهرات لم تكن من نصيبنا وهذا أمر الله...انا اؤمن ان في كل شر يأتي بعده خير..!..فقط توكلا على الله"



رفعت امي بصرها إليّ لأنني افوقها طولاً...مدت كفّها تمسّد على خدّي هامسة باعتزاز وحياء :

" يا الهي...كم كبرت يا هادي من غير أن أشعر!!..من واجبي انا مواساتك ونصحك!!...انا افتخر بك يا بنيّ...حفظك الله ورضي عنك "



كلمات أمي تثلج صدري...تطرد قهري...هي كوقود يملأ خزّاني لأجابه وأواجه أي شيء سنعيشه في رحلتنا أو الأصح أن أقول هجرتنا....فشتّان ما بينهما!!!

الرحلة هي للمتعة...تكون باختيارنا وارادتنا...اما الهجرة !!..هي شيء اجباري ينزعنا من جذورنا ...يزعزع مضجعنا...ثم يحذفنا الى التيار الذي بدوره يقذفنا بشكل عشوائي حيثما نرسو...

بقي معنا القليل من الأموال لنتدبر به أمورنا , هنا عدت مجدداً لكلام امي ان قرشها الأبيض ليومها الأسود وتبسمت وجعاً للعبة القدر!!...آاه يا أمي أيّ سواد انغمسنا فيه ؟!

أنت تريد وأنا اريد والله يفعل ما يريد.

عندما اقتربنا من مرْسى السفن ..لفت انتباهي منظر مزّق قلبي!!...التفرقة بين الطبقات.....هل ما زلنا هكذا؟ الغني يستقل السفن الجديدة وينعمُ بالراحة اثناء هجرته أما الفقير كُتبَ عليه الشقاء وبالكاد يحصل على قارب أكل الدهر عليه وشرب!!

ان هذه أوضاع طارئة للهجرة وليست برحلة ننتظر الرفاهية منها !! ...كلنا بشر ولنا أرواح نحتاج حمايتها!! ألا يستطيعون التنازل قليلاً لمساعدة الفقراء!!؟؟

كنا نحن من ضمن فئة الأغنياء بما أننا ميسورو الحال بفضل الله وتم الحجز لنا بتلك السفن الفخمة.

دنوتُ بأوراقي من رجل يجلس على حافة منصة تربط بين السفن واليابسة.....رمقني بنظرات ازدراء قبل ان انطق بكلمة وأشار لي بالذهاب الى الطرف الآخر !!...اعتقد انه ظنني من الطبقة البسيطة بفضل اللوحات المرسومة على ملابسي في مغامرتنا الأخيرة!!

لم استجب له واقتربت اكثر أسأله عن رقم سفينتنا...حملق في وجهي مستنكراً وأجاب من رأس أنفه:

"هذه السفينة انطلقت قبل نصف ساعة"

ثم أشاح بوجهه عني....



تجمدت مكاني لوهلةٍ أحاول تقبّل كلامه!!..



" أرجوك يا أخي ألا يوجد غيرها!؟..لقد حجزنا ودفعنا"

طلبت منه وانا الصق الأوراق بوجهه لأثبت له ذلك....



" لا... السفن ممتلئة ...يمكنكم الذهاب بالقوارب"

ردّ بجفاء وأشار الى الجهة الأخرى...!!



عدتُ الى عائلتي مطأطئ رأسي أسفاً على حالنا...أخبرتهم بما دار بيننا...ربتت خالتي على ظهري وقالت:

" لا تهتم المهم أن نصل بالسلامة"



أثناء سيرنا متجهين الى الطرف الآخر الخاص بالقوارب...أخذت خالتي (شادي) من أمي لتريحها قليلاً...قلت بتعجب :

"أمي ..مضى على خروجنا بضع ساعات , لماذا أخي ما زال نائماً؟! ألم يشعر بالجوع!؟"



ردت ضاحكة:

"أخيك يمضي نهاره نائماً ويقضي ليله ساهراً...ميعاد صحوته للطعام عادةً يكون ظهراً"



تبسمتُ لهذا الصغير الذي لم يشاركنا بمغامراتنا اليوم وهو يغطّ بنومه وتابعت طريقي..



" ها هي الغنائم تزداد"

قالها الرجل الخمسيني بمكر, المسؤول عن ختم الأوراق واستلام النقود عند إقبالي عليه...

ففي هذا المرفأ خاصة تتم اكبر عمليات لتهريب البشر, السلاح والمخدرات!!

الإنسانية معدومة...المهم جني الأموال ولو كانت بالحرام على حساب الأرواح !!

أخذ نصف المال الذي بحوزتنا جوراً وأشار للقارب المنشود!!



تأملته!! أكاد أجزم أنه استخدم في الحرب العالمية الأولى ولربما كان في عهد السلاجقة من الوضع القائم عليه !!

بدأ الناس في الصعود الى القارب الكبير الرث ..هممت بمساعدة أمي فشعرت بقبضة يدها تضغط على ذراعي بقوة وأسنانها تخبط ببعضها ارتجافاً....حبيبات عرق تلمع على جبينها!!...رباه!....تذكرت عند خروجنا للساحل كيف كان ابي يحاول اقناعها للنزول للبحر وهي تأبى لأنها تعاني من رِهاب البحار سببه غرق شقيقها امامها في الماضي البعيد!!..اما انا لم اكن اهتم حينها وأواصل سباحتي كأنني اريد ابتلاع البحر الى جوفي من شدة تولعي به.

حبيبتي يا أمي!...ليتني طائرة تحلّق بك في السماء ..تبعدك عن غدر المياه..!!

الجميع الآن في القارب...أمي ما زالت تتشبث بذراعي...أشعر بحرارة جسدها....تغمض عينيها...تصك على فكّيها ...أحاول أن اهدئ من روعها ...بدأت بترتيل ما تيسر من القرآن الكريم هامساً باذنها:

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8)}

آيات أشعرتني بارتخاء أعصابها وسكون ملامحها....

التفتّ حولي علّني أرى وجوهاً اعرفها....لكن لا محال!!

فادركتُ أننا نحن الآن ننشئ عائلة جديدة واحدة...لا بيت لنا ولا مكان ..يجمعنا فقط ربنا الرحمن...

كنتُ القي في نظري بين العيون وأرى من بحور الآهات ما لا يتّسع الكون....



" بسم الله مجراها ومرساها...سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا الى ربنا لمنقلبون"

كلمات أطلقتها مع انطلاق القارب الساعة الحادية عشر والنصف قبل الظهر....



رفعت رأسي محدّقاً بعينيّ أكحلها بنظرات ربما الأخيرة التي أرى بها الوطن.....بدأت أصوات الضجيج في الميناء تنخفض.......نحن نبتعد........الناس يختفون من الساحل..........الأشجار تنحجب عن الرؤيا.........البنايات تنصهر.........وآخر ما رأت عيني مآذن بيوت الله .......ومن ثم كل شيء أصبح فضاء........نحن محاطون في المياه.......الجو ساكن......الناس نيام من شدة الإرهاق!!........وبين الفينة والأخرى أسمع فقط اصطدام الأمواج في القارب...

أمي تحتضن أختي وكلتاهما نائمتان...خالتي تحمل أخي ومعركة تدور في عينيها بين النوم واليقظة.....عجوز تتكئ على كتفِ زوجها...زوج يسند رأسه على ساق زوجته...أطفال يغطون في سبات....لكل منا غصّة تؤلف منها قصة...

ألآن نحن في وسط البحر...أرضنا الماء وسقفنا السماء.....أصبحنا في نقطة

لا مكان لا وطن..!!!

لا نعلم أي الاتجاه هو الاقرب لليابسة...

شعرت بالملل قليلاً وليتني ما شعرت...!!

بدأ يتململ (شادي) في حضن خالتي....تدفعه معدته ..تصرخ من الداخل حان وقت الطعام....مترجمة صرخاتها برناتٍ تخرج من حنجرته!!...واخذ يشدو لنا من ألحانه...فذهب الملل الذي راودني قبل قليل.....

أيقظتْ خالتي أمي من نومها قائلة:

"عائشة هيا حضّري وجبة شادي"



فتحت أمي الحقيبة وقالت بحيرةٍ:

"أين الزجاجة؟!َ..أنا وضعتها هنا!!"



ردت خالتي:

"انظري جيداً وتفقدي الحقيبة الكبيرة لعلّها هناك"



"مستحيل انا أغلقت الحقيبة مساءً ووضعتها جانباً"



قلت أنا:

"سأنظر يا امي لا عليك"

فتشتُ جيداً وبكل اسف لم اجدها!!...ازداد بكاء (شادي)...خالتي تهزّه علّه يهدأ....قاومَ واستمر بعزف الحانه..!!

تفقدتُ باقي حقائبنا..حتى حقيبتي التي لا تكاد تتسع لبعض الأوراق آملاً أن اعثر عليها فيها...لربما تحولت الزجاجة لورقةٍ يمكن طيّها!!؟؟

انتهى اخر امل لنا بعد ان صفعت امي جبهتها تُخرج بعض التمتمات:

" يا الله ساعدني...لقد نسيتها في المطبخ بعد غسلها !! ماذا سأفعل؟؟"

وانتقل الشتاء الى عيونها يغرقها بأمطاره!!



صرخت خالتي تؤنبها:

"ماذا فعلتِ؟؟ أين الزجاجة؟؟ أنت تعلمين أنها أهم ما نحتاجه!! هي مصدر الحياة لشادي!!...ماذا سنفعل الآن ونحن في وسط البحر والله وحده يعلم متى سنصل الجهة المقابلة"

أنهت خطابها وانفجرت بالبكاء حسرةً على الحال الذي وصلنا اليه...

انهارت امي مكانها...تركت جسدها يهوي في قاع القارب...تشرد في عالم آخر تنظر الى اللا وجود....

أما انا ضممتُ اختي الى صدري... احدّق بالصغير القابع في حضن خالتي من غير حول ولا قوة مني....أكابر لحصر الدموع في عينيّ....

استجمعت خالتي قواها وتوجهت لأمي وسلّمتها اخي....وصُعقنا بقولها:

"هيا يا عائشة ضميه الى صدرك لتشتمي أنفاسه الأخيرة"

وشرعت بالبكاء....

~~~~~~~~~~~~~

"ولا الضالين ....آمين"

مسحت على وجهها بعد أن انتهت من قراءة سورة الفاتحه لروح والدتها...انها السورة الوحيدة التي حفظتها من اجل قراءتها لها!!... ..قلبت كفّيها البيضاوين الرقيقين ....تتأملهما ...تدقق بهما ..تقارنهما ببعضهما....وهما يرتجفان ...كأنه البارحة ...كأنه لم يمر خمس سنوات عليهما وهي تشعر بلهيبها ....سافرت بها الذكريات المضنية الى ذلك اليوم....بدأت طبول قلبها تتصارع ....يعلو ضجيجها ..يعلو ....يعلو.....لم تعد تحتمل ....اغلقت اذنيها بقبضتيها....تشد عليهما ....تحاول اقتلاعهما...ليذهب ذلك الصوت الذي يتكرر صداه....لا ينفك عنها... شفتاها ترتعشان وكأنهما في مستنقع جليدي بأحد القطبين ....غامت عيناها...والطبول ما زالت تقرع ....دقاتها تلازمها وتستمر بالارتفاع...

"أمــــــــــــــي"

لحظات قليلة ودفعت الباب تفتحه بقوة بعد سماعها صرخة ابنة شقيقتها ...هجمت لاحتضانها ...تضم رأسها لصدرها ...تمسد على شعرها وتهمس بِشَجا :

"بسم الله عليكِ حبيبتي ...بسم الله ...أنا هنا معك ...لا تخافي"



تمسّكت أكثر بخالتها وهي تشهق رعبا وشلال عيناها ينهمر دون توقف تهمس بحروف متقطعة:

"أ أريد أمـ ـي ...خـ ـذيني اليها"



تقبّلها من رأسها بحنان ...تضمها اكثر وتقول :

"حسنا حبيبتي ..سنذهب اليوم لزيارة قبرها مثل كل سنة "



أزاحت رأسها عن صدرها ...تضع اطراف اناملها تحت ذقنها...ترفعه لها ...تنظر لعينيها بعطف ومحبة مبتسمة وتضيف:

" ماذا تريد الجميلة اليوم لنوّزع عن روح والدتها؟؟"



برقت البراءة في حدقتيها وشقت ثغرها ابتسامة بعد ان استكانت بأحضانها وأجابت:

" أريد أن نشتري ملابس الشتاء للأولاد المحتاجين "



" مممم ...حسناً اختيار موفق صغيرتي....اذا نذهب قبل العصر للتسوق وبعدها نبعثها لجمعية (بصمات خيرية)"



"وذاك المكان خالتي ؟!"



" لا هذه المرة سيكون لتلك الجمعية فهي تختص بأولاد المدارس المحتاجين ..من ملابس... مونة ...ولوازم مدرسية "



"لكنك وعدتني خالتي!!"



" الخير بما هو آت صغيرتي لا تتعجلي "



اطمأنت على صغيرتها وتركتها في غرفتها ثم خرجت بِعزم تقصد مكتبه بعد أن قطبت حاجبيها تترجم ضيق صدرها قهراً من تصلّب رأيه بجهالة بحجة المحافظة على سمعتهم لئلا يقول الناس ابنة ( عاصي رضا) مجنونة ومختلّة عقلياً....

" ادخل.."

صرّح بدخول الطارق والتي لم تكن غيرها...السيدة (فاتن)



" صباح الخير.."



" صباح النور....خيراً؟...أم جئتِ لتذكريني بهذا اليوم المشؤوم ؟"



ردت باقتضاب :

" لأذكرك بعواقب اليوم المشؤوم"



ترك القلم من يده وأعاد ظهره للخلف...يرفع يديه للأعلى يريحهما....يميل زاوية فمه بسخرية ويهتف:

" ألا تملّين من تكرار هذا ؟؟....أنا قلت كلمتي ...لا داعي لطبيب نفسي ...غداً تكبر وتنسى "



طرقت طاولة المكتب امامه بطرقات متتالية بقبضة يدها ,حانقة ,تقول بخفوت من بين اسنانها:

"أنا لا افهم كيف تحبها ولا تراعي حالها...انت تؤذيها....هذا لمصلحتها ...كل ذكرى تعود لنفس الحالة ناهيك عن الأيام العادية التي تسمع بها أصوات مشابهة "



أجاب بصرامة منزعجا من اتهامها له:

" أنا أدرى بمصلحة ابنتي...أتودين أن ينعتوها بالمجنونة والمختلة ؟؟....لن أسمح بهذا ابداً....كلنا نتعرض لصدمات ونخرج منها دون داعي لأطبائك الذين أجزم انهم هم المصابون وينقلون عدواهم لزبائنهم"



استقامت بوقفتها تزفر أنفاسها بيأس تنظر للسقف تهز رأسها مستغفره:

" يا الله نفس الأسطوانة ...أين التحضّر والثقافة التي تدّعيها ؟؟...أَكُلّ هذه الكتب التي خلفك لم تستطع تغيير فكرك المحصور بجهل الماضي الذي بسببه تتدمر المجتمعات ...ماذا تركت للأميين ...كيف سنبني مجتمعاً مزهراً ومتعاوناً ونحن نبخس هذه الأمور التي لها دور بإصلاحه ؟؟"



استدار بكرسيه الفخم المتحرك واقترب من درج المكتب الجانبي يخرج غليونه يشعله يقول ببرود متهكماً :

"أأنهيتِ محاضرتك أستاذة التنمية البشرية ؟؟....فأنا لدي أعمال تفوق طموحك ومجتمعك المزهر هذا !!"



ولته ظهرها مدبرة ...مستاءة من تفكيره المتحجر ...فكم حاولت إقناعه لمصلحة المسكينة لكنه لا يتنازل عن مبادئه وأفكاره بجهل وعنجهية وجميعها كي لا يُخدش اسم (عاصي رضا ) ....فهذه العقول التي تقود المجتمع للهاوية بادراك وغير ادراك...عندما لا يعطون قيمة لكل ذي علم علمه ليقوم بدوره وينهض بالأمة ولو بشيء يسير حتى يلحقه بالأكبر!!...

صعدت تجهز نفسها و(ألمى) استعداداً لهذا اليوم الحافل...

~~~~~~~~~~~~

" أخبرني كيف تجري الأمور معك ؟؟"



" ها أنا استعد للانطلاق"



" أنا اثق بك اخي ماجد ...ضعهم في عينيك ولا تخذلني"

شدد السيد (سليم) بطلبه يؤكد عليه بالاهتمام بنا عند استقباله لنا في المرفأ...



" لا توصِ حريصاً اخي سليم"

ردّ يعطيه الاطمئنان...

~~~~~~~~~~~~~

عيناي خرجت من بين جفوني ....قلبي انهار على قدمي....تبخّرت الدماء في عروقي....هل أنا وسط كابوس؟!..أم أنني أقدّم لامتحان بلغةٍ لا افهمها ومواد لم أدرسها!!...يكون النجاح فيه الحياة والسقوط فيه الموت!!...هل نحن مُجبرون على عيش ذلك ؟!....كانت تساؤلات بائسة بعد صدمتي بكلام خالتي...نفضت وساوسي مستغفراً ثم تذكرت قوله تعالى :

{{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }}

"انا لله وانا اليه راجعون"

هذا قدرنا ونصيبنا...ما باليد شيء نفعله...واجب علينا أن نرضى بقضائه....

لن أجزَع ولن استسلم ...تحدّيت نفسي قائلاً كما قال (علي بن ابي طالب رضي الله عنه):

[سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري .. سأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري... سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمر من الصبر...]

اقتربت من أمي وجثوت أمامها...كانت تضم أخي لصدرها...تحاول ادخاله الى جوفها...تُخَزّن أريج أنفاسه البريئة بفؤادها!!...تضمه ضمة حب ..ضمة أم مقهورة ...وضمة وداع ....

في هذه الأثناء كان قد دخل في نومٍ عميق بعد أن أنهكه البكاء فترة من الزمن...حاوطت رأس أمي بذراعي أدفنه بصدري ...أمسّد عليه ...أقبّله ..هامساً لها بأمل:

" لا تحزني ان الله معنا...ما خاب عبداً قال يارب...فقط قولي يارب"



حررتْ رأسها من حضني ..ترمقني بنظرة استسلام ورجاء...وتنهدت تطرد وجعها الذي يحتل صدرها وهمست بصوت يخرج من أعماقها:

"يااا رب"



مضت نصف ساعة على هذا الحال....قرأتُ على وجه (دنيا) الملل, الذي تجمّع عليه التراب الأسود مختلطاً بالدموع ليخُطّ لنا خارطة ربما ترشدنا الى ضالتنا..!!!

أشرتُ لها أن تتجه الى مقدمة القارب الطويل لعلّها تجد من تؤنسها في سنها...استجابت لي متجهة حيث أمرتها وهي تضم دميتيها تحت إبطيْها وتمسك بيدها شطيرة تأكل منها من اللاتي في حوزتنا زاداً للطريق...!!

تتبعتها أختلس النظر اليها...اراقب حركاتها ...فأنا متفرغ وليس خلفي شيئاً أفعله ...تبسمتُ مرتاحاً بعد أن رأيتها تقترب من فتاة في عمرها ... يبدو عليها الفقر والبؤس!!...(دنيا) هي طفله مرحه في طباعها , شجاعة لا تهاب أحدًا, جريئة واجتماعيه....ورثت جمال عمتي وشخصيتها كذلك....تمتلك بشرة حنطية مثلي شعرها بني مموج بملمس ناعم وعيناها واسعتان بلون الشهد...

" ما اسمك؟"

سألتها بثقة وهي تقضم من شطيرتها...



"سلمى"



"أنا دنيا...هل تلعبين معي في الدمى خاصتي؟؟"



أكثر ما يجذب الأطفال في هذا السن هو الألعاب!!...أما تلك الطفلة لم تنزل عينها عن الشطيرة في يد شقيقتي...تبتلع لعابها...ثم اومأت رفضاً لطلب (دنيا)..

أيها الجوع البغيض كيف سوّلت لك نفسك لاقتحام هذه الروح البريئة ؟؟ أتتقاوى عليها ؟؟ ألا تعلم انها ضحية تشرد ؟؟...لمَ لا ترأف في حالها ؟؟



" اذا اردتما ان تصبحا صديقتين فيجب أن تفعلا كما فعلنا أنا وصديقي سامي"

هتفت بعد ان جالت في بالي فكرة كي لا اجرحها او احرجها عند اقترابي منهما.....



قاطعتني (دنيا) متلهفة:

"ماذا فعلت أنت وسامي؟"



" تقاسمنا طعامنا في يومٍ ليصبح بيننا خبز وملح...وانت تعلمين كم هو قريب مني "

تبسمت وتابعت:

" لذلك هيا تقاسما الشطيرة لتصبحان مثلنا"



قفزت هاتفة تمد يدها نحوي تعطيني الشطيرة لأقسمها :

"اذاً ستصبح سلمى صديقتي وستلعب معي"



ارتسمت ابتسامة نقية على وجه الطفلة وأنا أناولها نصيبها بعد ان قطعتها نصفين...وقالت:

"اشكرك يا اخي "



اعدت لها البسمة هامساً:

" صحه وعافية ..انا اخوك هادي"



اقتربت من (دنيا) وقبّلتها على خدها تشكرها وبدأتا باللهو واللعب بكل بهجة وسعادة....



دقائق أخرى سُحقت مع الزمن فعاد الصغير للبكاء....قصدتُ مؤخرة القارب لأخذه من أمي أتناوب في حمله وعدتُ حيث تلهو الصديقتان....أشارت (دنيا) الى أخي تُعرّف (سلمى) عليه...فقالت الأخيرة:

"وأنا لديّ أخت صغيرة...لكنها اكبر منه بقليل"



صمتت قليلاً وتابعت بعدها بحماس:

" هيا تعالي معي لأعرّفك عليها وعلى امي"

لحقتُ بهما بعدما توجهتا الى والدة (سلمى)....كانت امرأة تبدو بالثلاثينات من العمر ...في حضنها رضيعة ابنة شهور....رغم حالتها الرثّة الا ان عينيها فيهما القوة والصمود والكبرياء!!....فقدت زوجها في السنه الماضية وهي حامل بصغيرتها عندما كان يحرث أرضهم الزراعية قرب الحدود بعد ان انفجرت فيه عبوة ناسفة متروكة بالقرب من ارضه.....

صاحت (سلمى):

" امي امي هذه دنيا صديقتي الجديدة ...تقاسمت معي شطيرتها"

اومأت بإصبعها نحوي مضيفة:

" وهذا شقيقها اخي هادي والصغير شادي"



رحبت بنا ( ام سلمى) ممتنة لنا لإطعامنا ابنتها ثم قالت بعطف بعد ان شد انتباهها بكاء اخي المتواصل:

"يبدو ان اخيك يتألم وان لم يكن كذلك فبالتأكيد جائع.....خذه لوالدتك لتطعمه...مسكين"



احمرَّ وجهي قهراً...ابتلعت لعابي محاولاً ان اخرج أي كلمة!!...لكن لساني بقي أسير الفكين!!



براءة ونقاء الأطفال تُجبرهم على عدم إخفاء شيء او وزن الأمور بشكل صحيح....

ففي هذه اللحظة قفزت (دنيا) وكأنها تتسابق لنشر سبْق صحفي وحدث تاريخي يغير مجرى الكون..!!....هتفت موجهة كلامها للمرأة:

"امي تركت زجاجة أخي في البيت وهي لا تستطيع ارضاعه"



أصابها الجمود!!...لم تحرك ساكناً...وجهها يعبّر عن صدمة مختلطة بشعور الاحراج لتسرعها دون ان تفقه شيئاً...شعرت انها سكبت الملح على الجرح...لكنها سرعان ما تفادت الموقف مبدلة ملامحها من العبوس الى المرح هاتفة:

" انا لديّ الحل!!"



عطايا الله لا حدود لها....تشتد وتشتد لتفرج بواسع كرمه...فلا تقنطوا من رحمة الله!!

لم اصدق!! كنت كأنني دخلت حلم احلق فيه بالسماء الصافية ومن تحتي انهار ومروج خضراء بعد ان تبرعت بكل حنان وإنسانية لترضع اخي بقلبٍ خالص ينبض بروح العطاء ....يا الله ما اكرمك....

أخذته مني واعطتني صغيرتها (سلوى) ريثما تنتهي.....مرت عشرون دقيقة قضيتها بمداعبة الجميلة ابنتها ....



"انظر الى اخيك كيف اصبح بشوشاً ووجهه يشع نضارة....ليحفظه الله كان يتضور جوعاً المسكين"



قلت لها بامتنان كبير:

" جزاك الله خيراً يا خالة....لا اعلم كيف سأرد لك جميلك هذا"



" لا تقل هكذا يا ولدي فخيركم سابق....انا بالخدمة متى احتجتموني"



ابتسمت لها حياءً رامشاً بعيني معبرا عن جزيل شكري وقصدت مجدداً مؤخرة القارب حيث تمكث امي وخالتي.....

"انظرا الى شادي "

هتفت لهما وهما تحتضنان بعضهما مستسلمتان لأمر الله.....



نظرتا سويا للصغير في حضني ترمقاني بنظرات ما بين الذهول والاستنكار لسكونه رغم استيقاظه!!...وبعد ان اخبرتهما بما جرى قفزتا تسحبانني لأخذهما للمرأة الشهمة لتشكراها ...خطفت امي صغيرها من حضني بعد ان عاد وجهها للحياة...تضمه تقبّل كل خلية فيه حامدة الله على عطاياه....

×

×

×

ما زلنا في منتصف البحر....بدأت الرياح تشتد....تحمل معها غيومًا سوداء!!....من شدة سوادها تظن ان الليل قد حلّ وقت الظهيرة!!...تعصفُ بنا ذات اليمين وذات الشمال!!...ترمينا بضوء البرق الذي يشقّ السماء ثم تنهيهِ بصوت الرعد الذي يخترق الآذان...تخبرنا أن الأسوأ قادم!!..غير مكترثة لحالي وحال أولئك البؤساء.....

امتزجت أصوات الرعد بأصوات صرخات الركاب!!...يندفعون تارةً الى الأمام وتارةً الى الخلف...وجوههم مكفهرّة...كانوا مثل بقايا لبن في قعر زجاجة ترجّها يدٍ قوية بعنف....علا الضجيج وأنا لا أميز من اين مصدره؟!!؟...هل هو من السماء ام هو من المياه؟! هل كنّا في هدوء ما قبل العاصفة؟! هل حقاً انتهى الأمل واقترب الأجل؟؟!!

~~~~~~~~~~~~~

في بلادنا الأم ما زالت الحرب في أوجها ...يحاول الجنود السيطرة على الحكم ...والثوار يجاهدون للتصدي لجبهتي الجنود وحلفاء الحكومة المنفكة....حرب شعواء تضحي بابناء وطنها ...فوضى دون أي رقابة ...تحول الوطن الى غابة للوحوش ...البقاء للاقوى بعضلاته وعتاده وليس للأحق ....ما زالت الدول صامته ولم تحاول التدخل ....لم يضع احدٌ حدًا ويوجههم لطاولة المفاوضات لإيجاد حلًا يرضي الجميع!!!

بعد ان اجتاح الجنود مدينتنا الجبلية اعتقلوا بعض الشبان لاشتباههم بانتمائهم للثوار ....مبادئ محكمتهم عكس العالم...فأولاً العقاب والعذاب وبعدها اذا لزم الأمر يباشرون بالتحقق من تهمهم ان كانوا بُرئاء ام لا....محظوظ من وجد سندًا كبيرًا له كأهل لهم مكانتهم ومال... وتعيس من افتقر لذلك.....لا نعلم لأين سيصل الحال بوطننا المطعون!!!....اللهم الفرج....

~~~~~~~~~~~~~~~

تستلقي على فراشها في غرفتها حزينة ...تضمُ دبّها الكبير الأبيض لحضنها....تتكئ برأسها عليه....تلتمس دفء احضانه باردة المشاعر بعد ان عادت هي وخالتها من مشاويرهما....مع أن هذا يوم مشؤوم يكون فيه البيت بحالة حداد الا انها عادة تشعر ببعض الدفء فيه لالتزام والدها على مدار الاربع سنوات السابقة حيث يقوم بتفريغ نفسه من اجلها, يصطحبها لزيارة قبر والدتها ومن ثم ينزهها ويختم يومها في غرفتها يداعب شلالها الأسود... يقصّ عليها قصة حتى تستسلم للنوم!!...أما هذه السنة بالذات يبدو انه نسي او تناسى تلك الذكرى وفضّل مرافقة ملفاته الكئيبة عليها!!....فحتى هذا اليوم الخاص باتت تفقده ليختفي بين أيام السنه المتشابهة بنظرها لتتخذ بديلاً عن والدها ذلك الدب الذي تثق بأنه لن يتركها ويرحل , ويبقى صقيع حضنه اقرب لقلبها من حرارة مشاعره المحرومة منها....

في مكتبه بالأسفل دخلت زوجته تخبره بآخر المستجدات بشأن انتقال عائلة صديقتها لتلك البلاد حيث يقيمون, بعد ان اطلعته سابقا عن سيرة حياتهم وأعمال (رائد السيد) الوفيرة وانجازاته في عالم رجال الأعمال في تلك القارة....كان يسمع به لكنه لم يكن يهتم لأنه بعيد المنال....اما الآن الكنوز تقترب ويجب اقتناصها....

" غدا وقت الظهيرة سيكونون في المطار "

قالت (سوزي)....



" جيد سأبعث السائق كما اتفقنا لينقلهم للفندق لكن عليك تأكيد ذلك عليهم"



"بالتأكيد....وماذا بشأن البيت؟؟...لقد سألتني ان وجدنا ما يرضي طلبهم "



" سأخبرهم كل شيء بعد لقائنا بهم"

اومأت برضى ودقات قلبها تتراقص فرحا ثم انصرفت لتهاتف صديقتها....

~~~~~~~~~~~~

بلبلة عارمة على ظهر القارب!!...المطر يهطل بغزارة ...وصرخات الركاب المرعوبة تجلجل المكان... نحاول حصر النساء والأطفال والكهلة بشبه سقف متواجد وسطه لنبقى نحن الشبان تحت الفضاء نتلقى الامطار...

أيها القارب المسكين ..هل صمدت من الحرب العالمية لتعيش حروباً أخرى؟؟



"يكــــفي ..اصمتــــــوا!!"



وساد الصمت فجأة بعد أن صرخ بها رجل في الاربعينات من عمره.....

جميعنا ننظر اتجاهه بعد أن نجح بإخراج صوته رغم الضوضاء التي عشناها...فتابع بأعلى صوته :

"نحن الان في منتصف البحر لا نعلم أي اتجاه ذاهبون...يجب علينا ان نتكاتف ونتعاضد ونفكر كيف سنخرج من هذا المأزق؟!...لا وقت للذعر والاستسلام !!.....فكروا وادعو الله ان ينشلنا من مصيبتنا وتفاءلوا..!!"



انقشعت الغيوم بعد عدة دقائق ليتوقف المطر , تاركة وراءها مياه تغرق أرضيته...



" الان وقت صلاة الظهر...من كان على وضوء فليشاركنا بصلاة الجماعة جمع قصر ونتبعها ركعتان بنية رفع البلاء عنا وإزالة الغمة "

هتفت بها بعد ان تقدمت جانبه وبعدها اتجهت الى المقدمة لأؤُمّ بالمصلين....



بعد انتهائنا منها بدأنا بالتفكير بحلول ....فصرخ السائق:

"أمامنا ساعة ونصف للوصول....امتلأ القارب بالمياه وازداد حِملاً فوق حمله!!...."

ابتلع ريقه وأكمل:

"من الممكن أن يبدأ بالغرق بعد نصف ساعة!!"



عاد الهلع والذعر للركاب...علينا إيجاد حلول فورية وسريعة....



كان ما لمع في عقلي وأدليْت به:

" نحن على شفا جرفٍ للغوص في أعماق البحر...لذا لو سمحتم وكلي ثقة بكم ان تساعدوني لإلقاء ما بحوزتنا من حقائب كبيرة واغراض ثقيلة يمكنكم الاستغناء عنها"

جثوتُ أحمل حقيبتنا الكبيرة التي تحوي داخلها أغراضاً لأخي وأحذية لنا وبعض الأغراض الأخرى فسحبتها امي رافضة قراري....نظرت لها برجاء وهمست :

" ارجوكِ يا امي لنفعلها اولاً ليقتدوا بنا...أو سنموت جميعاً"

وافقت على مضض تدعمني مجبرة.....مسّدتُ وجنتها هامسا بهدوء :

" رضاكِ يا أمي "



ثم القيت الحقيبة بالبحر ليتبعني الجميع بإلقاء ما في حوزتهم من حقائب كبيرة واغراض ثقيلة ولم يتبقى معنا الا شيئاً يسيراً...

" من منكم يستطيع السباحة؟؟"

سأل الرجل الأربعيني يقصد الرجال والشبان...



أجبته باندفاع من غير تروّي:

"أنــا"



ولحق بي أربعة شبان آخرون....أضاف متفائلاً:

" ممتاز وأنا كذلك !!...اذاً سنقفز ثلاثة في البحر نعومُ لعشرة دقائق نلحق القارب ومن ثم نتبادل مع الثلاثة الآخرون....علّنا نساعد في تخفيف الوزن...."



رغم البرد الا ان هوسي للسباحة أنساني هذا وبالطبع النية في المساعدة.....لكن صوت أعرفه اخترق اذنيّ بفزع:

"أنا لا اسمح لابني فعل ذلك!!....البحر هائج والجو بارد وهذه مخاطرة كبيرة"



إنها أمـي...!!



جدالٌ قصير بين الرجاء والرفض أبطاله انا وامي والرجل الأربعيني سيكتب نهايته شيء ما.....

على طرف القارب في زاوية جانبية رجلٌ عجوزٌ وزوجته يشبكون أيديهم ببعض ويفترشون الأرض...وجوههم ترسم الحزن والهمّ...عيونهم تصرخ وألسنتهم صامتة...تحدّوا الامراض ليعيشوا يوماً هنيئاً بصحبة أبنائهم واحفادهم....لكن القدر سطّر لهما حكاية أخرى...

فقدوا جميع افراد الأسرة إثر سقوط صاروخ غادر على بنايتهم السكنية التي تجمعهم أثناء تواجد هذين العجوزين في المشفى لإجراءات روتينية....

رفع العجوز راسه وسلّط انظاره الى وسط القارب حيث نقوم بمسرحيتنا أنا وأمي وهمس شيئاً في اذن زوجته مما جعلها ترسم بسمة وتومئ برأسها القبول...

ما هي الا لحظات قليلة نسمع بعدها ارتطام قوي يأتي من ذاك الطرف يصحبه رذاذ الماء الذي يتطاير بالهواء بكثافة..

هنا توقف الجدال...توقفت افئدتنا عن النبض ....وقفنا جميعنا مذهولين...مصدومين...لا نعي شيئاً مما رأينا....وشهقنا بصوت واحد :

" لااا ماذا فعل هاذان ؟؟"



كان مشهدًا موجعًا يدمي القلوب لدرجة انني شعرت بالاختناق ....تأملت مكان جلوسهم اعاتبهم بيني وبين نفسي كأنهم يسمعانني!! لم فعلتم هكذا؟؟ لم استسلمتم لليأس؟!

لمحتُ على طرف القارب قرب موضعهم شيئًا مكتوبًا بالاحمر ولم يخفَ عني انها دماء...اقتربت لأرى وإذ به اسمان والأكيد اسميهما [ سامحونا...سليمان وأمل]

لربما كانت دماء من جرح اصابهم لم ننتبه له...



" انا لله وانا اليه راجعون....رحمهما الله وغفر لهما"

هذا ما دعونا به....



مهما بلغ بنا الحال ومهما اشتدت المصائب علينا وضقنا ذرعاً...ممنوع الاستسلام لشياطين اليأس!!.....لا اعلم كيف يستطيع الانسان وضع حد لحياته مهما كانت؟!

الله وهبنا إياها ووحده يقبض ارواحنا متى شاء....

أرجو من الله أن يتجاوز عن فعلتهم هذه ويرزقهم الجنة .....



هذه الحادثة جمّدت عقولنا عن التفكير في الحلول مدة من الزمن.....كنتُ شاردًا بنظري الى الماء....فجأة وجدت نفسي محاطًا بأغراض عديدة!!

حقائب....ملابس....زجاجة رضيع تطفو....أطواق نجاة؟َ!!...ومن ثم قارب مطاطي يكُبّ على وجهه من جهة وفي الأخرى يبدو انه بقايا قارب آخر...



وماذا بعد؟؟!!



جثة..



فأخرى...



فأخرى...

نقترب أكثر والجثث تزداد....



قوّست فمي ساخراً لفطنتي....

لا بدّ أننا داخل مشهد تمثيلي لفيلم صُنع هوليود!!

بحثت عن المُخرج ...لم أجده...نظرت يمنة فيسرة علّني التقط آلات التصوير ولم اجدها.....تساءلت عن الأبطال والمنتج!؟...لم يرشدني أحد...

خجلتُ من فطنتي هذه وقوّست فمي للأسفل حزناً بعد ان تلقيت اجاباتي..!!

نعم نحن في مشهد....!!

انما مشهد حقيقي لمأساة من صُنع الحرب....مخرجها الخونة...آلات تصويرها عيوننا وعقولنا.....أبطالها أناس أبرياء اقصى نجوميتهم أن ينعموا بالسلام والأمان....منتجها قوارب ضعيفة غير آهلة للتنقل....

الى جنات الخلد يا شهداء الوطن...اذهبوا بسلام الى رحمة الله....أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

صعاب واجهتنا وتخطيناها بفضل الله...البعض أخذ غفوة والبعض أصيب بالزكام وآخرون اشغلوا أنفسهم بالدعاء وترتيل ما تيسر من الذكر الحكيم...رحلت دقائق أخرى وتركت لنا ما تبقّى للوصول....



" الحمد لله على سلامتكم"



أجمل عبارة سمعتها في رحلتي العصيبة نطق بها السائق...

أحقاً وصلنا اليابسة بالسلامة من غير خسائر إضافية بأرواحنا؟؟!!

قفزت من القارب ساجداً على الأرض شاكرا لله....وبعدها ساعدت عائلتي بالنزول واخرين....

كل عائلة ذهبت تشقّ طريقها ...تسجل أولى خطواتها نحو اللجوء....تعانقنا...تسامحنا... شكرنا بعضنا بعد رحلة عناء دامت ما يقارب الأربع ساعات....

كان من المفروض حسب اتفاقنا ان يستقبلنا الرجل التابع للسيد (سليم) لينقلنا الى المكان الذي سنقيم فيه .....بحثنا هنا وهناك لنعثر على إشارة ترشدنا اليه !!...ولا اثر لشخص ينتظرنا.....الآن لحظة الوداع بيننا وبين عائلة ( ام سلمى).....عناق شديد...عبارات امتنان...من بعدها خلعت امي إسواره كانت ترتديها لتهديها لها شكر وعرفان على ما قدمته لنا بحق أخي فلقد كررت معروفها عدة مرات اثناء الرحلة ولم تقتصر على الاولى فقط.....بدا على وجهها الاستياء ورفضت رفضاً قاطعاً قائلة لها:

"أنا اطعمت لله ولا اريد جزاءً او شكورا...اولادك احقّ بها"



" بارك الله بكِ وأتمنى ان نلتقي في ظروفٍ اسعد...اعتني بنفسك وبالصغيرات"



" وانتم كذلك اعتنوا بأنفسكم...حفظكم الله أينما كنتم"



اما الصديقتان كانتا تنظران الواحدة للأخرى نظرات حزينة , بائسة, يائسة....انهما امضيتا ساعات معا من غير كلل ولا ملل اسستا فيها صداقة جميلة وبريئة....لم تنطق أي منهما بكلمة لكني اعرف ان قلبيهما يتحدثان .....ترغبان بشدة الّا تفترقان...احنيت ظهري الى ( سلمى) اقبّلها من جبينها وقلت:

"استودعك الله يا اختي الثانية"

ودنوت من ( ام سلمى)لأقبّل صغيرتها (سلوى) وهمست للأم:

" لن ننسى معروفك معنا ما حيينا وأتمنى ان نلتقي والوطن يجمعنا"



تلك العائلة الصغيرة دخلت قلبي من غير استئذان بعد أن اسدت لنا فضلاً دون ادنى مقابل...

اوليتهم ظهري بعد سماعي احد الرجال ينادي:

" اختي ام سلمى هيا وصلت مركبتنا"



سرت في خطواتي متجهاً الى احد المقاعد القريبة واختي تمسك يدي...ومن خلفنا (ام سلمى) وابنتيها متجهات الى المركبة.....

افلتت (دنيا) يدها مني وركضت صارخة :

" سلمـــــــى"



فقابلتها الأخرى:

"دنيـــــــا"

ثم اقبلتا على بعض تتعانقان بشوقٍ مع بكاء تودعان بعضيهما ....



تفاجأت بعدها من شقيقتي تمد احدى دميتيها تعطيها لها قائلة بألم:

" خذي هذه لك وسمّها دنيا والأخرى ستبقى معي وأسمّيها سلمى...لكيلا ننسى بعضنا ابداً"



اشرقت بسمة تنير وجه (سلمى) البائس وقالت:

"سأذكرك دوماً يا اجمل صديقة"

ثم عادت الى المركبة تختفي عن انظارنا.....



جلسنا على المقعد ننتظر مصيرنا المجهول!!....لا أي علامة تدل على وجود شخص يبحث عنا !!!....يبدو انه بسبب ضياع تلك السفينة منا وعدم تواجدنا فيها ...فقد الأمل ورحل.....كان المرفأ يعجّ بالمهاجرين ومعظمهم يعرفون وجهتهم ....اما نحن لا نعلم اين نذهب واي جهة نقصد...لكن لا مناص مضطرون ان نفعل كما يفعل الاخرون والّا بتنا في هذا المكان وبرودة الطقس تقتلنا.....تقاسمنا بيننا اخر شطيرتين بحوزتنا....من الجيد ان خالتي قامت بتحضيرهم وكأن حدسها الهمها على ذلك.....فتلك السفينة الفاخرة تقدم وجبتين لزبائنها...لكن خالتي قررت ذلك خافت ان تطول الطريق على اليابسة حتى نصل السفينة وايضا كي لا تفاجئنا (دنيا) بطلبها ونحن في رحلتنا ,لان لا وقت محدد لطلباتها التي لا تنتهي من فرط دلالها ولا تصمت الا بنيل مرادها فهكذا عودّها والدي رحمه الله.....

نامت في حضن أمي ,والصغير في حضن خالتي.....ضجرتُ من جلستنا بلا هدف ....نهضت من مكاني أتجول في الارجاء ذهاباً واياباً....لمحت كشكًا صغيرًا يجلس داخله رجل كبير وبدا لي من ملامحه انه ليس من هذه البلد...اظنه لاجئ متجذر من سنوات ...دنوت منه ملقياً السلام فردّ:

" وعليكم السلام يا ولدي تفضل"



" هل لك ان ترشدني كيف أوصل الى مخيمات اللاجئين؟! لقد ضللنا العنوان ولا نستطيع الانتظار اكثر.."



نظر الى ساعة يده وقال:

" بعد نصف ساعة ستاتي الحافلات لتقلّ أفواج اللاجئين و وهي تأتي كل اربع ساعات.....انت وحظك فاحياناً تجد مكانًا لك واغلب الأحيان تكون ممتلئة لدرجة صعود البعض على ظهرها"

التفتّ بوجهي الى الخلف انظر الى الكتل البشرية الهائلة..فقال الرجل:

" كما ترى اليوم مزدحم"



" هل نحتاج تذاكر للحافلة؟"



" لا....ادفع بضع قروش عند صعودك لها"

شكرته وعدت الى مقعدنا واخبرت عائلتي بذلك....



وصلت الحافلات وايّ حافلات؟؟!!

عند نظرك اليها تعتقد انها تختص بنقل الدواب والمواشي....الصدأ يأكلها.....نوافذ بلا زجاج!! أشبه بهيكل او قضبان السجن....لا تستطيع تمييز لونها فطلائها باهت من كثرة مكوثها بين المطر واشعة الشمس....اطاراتها تستغيث......خردة.!!....اطلقوا عليها اسم حافلات.....

قلت في نفسي " لا يهم المهم ان نصل ولو على حمار"

بدأ الجميع بالتوافد اليها ونحن فعلنا بالمثل....هذا يدعس على قدمك... وهذا يمسك بذراعك يدفعك للخلف...هذه تصرخ وهذا يلكُم...اصبع يدخل في عينك ويد تشد شعرك...طفل أضاع والدته وآخر يبكي...عجوز وقع عكازها....وامرأة انزلق حجابها......لا بد انه صراع البقاء.....

جلس من جلس ووقف من وقف ...بصعوبة حصلنا لأمي على كرسي ممزق مهترئ اسلاكه تطلّ من الجوانب ....وضعتْ (شادي) في حضنها .... خالتي و(دنيا) وقفتا على سلم الحافلة من الداخل....أما أنا وبعض الشبان تسلقنا على ظهرها...نتمسك بقضبانها بين الحقائب....الهواء يلفحنا ودخان الحافلة يخنقنا....اربعون دقيقة الى ان وصلنا الى المخيم القريب لازدحام الطريق بقافلة اللاجئين......

على اعتاب المخيم وقفنا...سمعت عن مخيمات لكن آن الأوان لأكون احد سكانها...الزمن دوّار...اليوم انا وربما غداً انت...لا ندري ماذا يساق لنا؟!

خِيَم بعضها ممزق وبعضها مرقع...تتنوع بين النايلون والقماش....لا تدري اين بدايته وأين نهايته....الطين في كل مكان!!....تختلط مياه الامطار بالمجاري القذرة....ذباب يغطي المكان....قوارض تسرح وتمرح......حشرات تحتفل بالغنائم البشرية....يا الهي لم استطع تحمل هذه الرائحة النتنة!!....تطرفت قليلا ابعد عنهم واخرجت ما في جوفي من غير ارادتي.....أمي تبكي حالنا...خالتي وجهها صُبغ بحمرة الغضب....اختي تبكي مشمئزة...فهي مثلي وُلدنا على ريش النعام وبافواهنا ملاعق ذهب....لم نعتد على هكذا مناظر....احتضنّا بعضنا بشدة لنستمد القوة ...كنا على وشك الانهيار من هوْل ما رأينا....وضع مزري جداً....

لفتَ انتباهي ساحة في وسطه محاطة بسلسلة حجارة بشكل مرتب....هذه أنظف بقعه فيه!!

اقتربت منها فعرفت انها مكان مخصص للصلاة....مصلّى صغير بديل للمسجد في المخيم.....رأيت بئرًا محفورًا بجانبه....لا بدّ انه من أهل الخير صدقات جارية عن أرواح موتاهم....خُصصَ للوضوء...توضأت لأستعد لصلاة المغرب لأن العصر كنا قد جمعناه مع الظهر في القارب....

[[ قُلبت الموازين وتحوّل قصري تراب

راودتني فكرة ..نهايتها كانت سراب

نزحتُ الى الشتات ..احتميتُ بالأغراب

تضرّعت لربي داعياً...تساءلت عن الأسباب

ارشدني يا الله واحفظ ليَ الأحباب

توضأت مقبلاً أصلي في المحراب

أثنيتُ جسدي ساجداً وقلبي طاف فوق السحاب

في الصلاة راحةً يهديها البارئ لمن أناب]]



عدت لأهلي بعد انتهائي من صلاة المغرب مستعيداً رباطة جأشي....كانت (دنيا) تنظر هنا وهناك بانزعاج وتبكي بحرقةٍ هاتفة:

" ما هذا المكان؟ اين سنعيش يا أمي؟! اريد بيتنا وسريري...."



أمي كان يبدو عليها الصدمة ...ملامحها باهتة وتدمع عيناها بصمت...رفعت بصرها لي هامسة بوَهن:

"سامحني يا بني...سامحوني يا اولادي...لا اعلم ماذا افعل وأين نذهب!!...لا استطيع فعل شيء..لا أستطيـــــــــــع"



صرخت باخر كلمة وازدادت بكاءً....أمسكتُ يدها وقبّلتها بحنان هامساً:

" لا تهتمي يا امي..ما كتب لنا سوف نعيشه..نحن لسنا افضل من غيرنا.....سنحاول النهوض معاً ويكفينا رائحة أنفاسك لنشعر بالأمان....فقط تحملي من أجلنا!!"



" نعم يا اختي....البكاء لا يفيد...يجب أن نتقدم ونسأل الله ان يفرجها علينا...أنت الان قدوة لأبنائك في تحمل المشقة.."



قالتها خالتي مواساةً لها فردت :

" انا اقلق عليهم...هم لم يعتادوا عيشةٍ كهذه...سقطوا فجأة من نعيم السماء الى جحيم الأرض..."



قلت:

" اذا حان الوقت الذي يجب ان نعيش الحياة بمرّها بعد ان تذوقنا حلوها.."

تنهدتُ مبتسماً مكملاً:

"لعلنا في امتحان اذا اجتزناه سنعيش افضل من السابق...لا احد يعلم"

ثم اردفت بجدية:

" ابي زرع فينا التواضع والتقشف بالحياة...يجب الّا يكون مجرد كلام ونظريات على ورق....بل جاء وقت تطبيقه على ارض الواقع ليجني فينا ثمار تربيته عسى الله ان يرفعه بها درجات.."



سُرّت من كلامي وارتسمت الطمأنينه في قسمات وجهها وهتفت مشجعة:

" لنبدأ رحلتنا نستعين بالله.."



توجهتُ الى طابور استلام اللاجئين الجدد خيمهم وتوابعها, وبعد طول انتظار حصلت على خيمة مرقمة بـ 86...نصبناها بمكان متطرف وجدته بصعوبة....وضعنا داخلها الأغراض وافرشة واغطية ونايلون سميك خاص كالحصيرة يغطي الأرض....رميتُ بجسدي للفراش الأرضي ...امدّ ذراعيّ وساقيّ وتنهدت قائلاً:

"اوف...وأخيرا سأرتاح بعد ساعات وساعات من الوقوف والسير المتواصل"



دخلت في النوم دون ان اشعر...غير مبالٍ ببكاء شقيقيّ ولا لاحاديث امي وخالتي....استيقظت بعد نصف ساعة على صوت يخرج من مكبر الصوت:

" هيا حان وقت وجبة العشاء...الرجاء الالتزام بالطابور والنظام....لا تنسوا جلب رقم الخيمة"



جاءت في وقتها..نحن نتضور جوعاً...فقفزت من مكاني وقلت لأختي :

"ما رأيك أن تساعديني في جلب الطعام؟!"



نظرت لي ..فكرت قليلا واجابت:

"نعم سآتي معك"



لا اعلم هل هي استسلمت للأمر الواقع ام وافقت للهروب من حالتها ....أم انها تدابير القدر؟!

ذكّرتني خالتي بإحضار زجاجة حليب ل(شادي)..فالجمعيات وظيفتها تلبية احتياجات اللاجئين بكافة أعمارهم.....انطلقنا انا و(دنيا) نحو ذلك الطابور الذي له اول وليس له اخر...وبجهدٍ ومشقةٍ حتى حجزت مكاناً لنا....

بدأتْ تتأفف بضيق وملل ..أنا اعرفها لا تطيق المكوث في مكان واحد ..حركتها زائدة...أخذت تجول في نظرها لتقضي وقت الانتظار بشيء يسليها.....كان على مقربة منا مجموعة أولاد يشكّلون حلقة...حفاة...ملطخون بالوحل...يقهقهون بصوتٍ عالٍ بسخرية ويشيرون الى وسط حلقتهم على شيء لا يظهر لي ما هو.....

اما (دنيا) غلبها فضولها وتوجهت اليهم تنظر للوسط .....وقع نظرُها على طفلة تجلس على الأرض...تضم ركبتيها لصدرها ...متشبثة بشيء في حضنها وتحاول إخفاء وجهها....مغطاة بالوحل من رأسها الى اخمص قدميها...تبكي ...تستنجد وهم يسخرون منها ويلقون الطين اتجاهها صارخين بنغمة:

"هاتي اللعبة....هاتي اللعبة....هاتي اللعبة"



زمجرت (دنيا) بحدةٍ ...رغم الرفاهية والدلال الذي عاشتهما الا انها تتمتع بالتواضع وتمتلك روحًا تحب الغير ولا تزكّي نفسها على أحد....اقتربت اكثر تطرد أولئك المشاكسون...شخصيتها قوية وعندها ثقة بالنفس مثلما ربانا أبي...لا تكترث لمن امامها...صاحت بهم وهي تمسك حجر بيدها:

"انصرفوا...اتركوها أيها السيئون والا رميتكم بالحجر"



فجأة توقفت البنت عن البكاء محدثة نفسها" هذا الصوت ليس بغريب!! هذا الصوت اعرفه..إنـ نـ نها....".ورفعت راسها صارخة:

"دنيــــا"



القت الحجر من يدها ووقفت مكانها من غير حراك....لا تصدق..أحقاً هي؟!...وهتفت:

" غير معقول!!...سلمـــــــــــــى"



وانقضّت عليها تعانقها بشدة تتدحرجان سوياً على الأرض غير مباليتان للوحل....سررتُ للقائهما بعد ان اقبلتا نحوي وعانقتهما معاً فقالت اختي :

" هادي انا الان سعيدة...اريد البقاء مع سلمى"



ارتحتُ بداخلي لان اعتيادها على الحياة الجديدة كان من اكثر ما يؤرقني...فها هو باباً اخراً للفرج يفتح من كرم الله علينا.....

بعد ان استلمنا وجباتنا عدنا الى خيمتنا واصطحبنا (سلمى) معنا لنفاجئ من تركنا خلفنا....ومن ثم توجهنا جميعنا الى خيمة( ام سلمى) في الجهة المقابلة في المخيم....كان لقاءً حافلًا , دافئًا, ليصبح بعده بيننا رباطًا وطيدًا, متينًا, لتكون اول وافضل علاقة اكتسبناها اثناء اللجوء...

~~~~~~~~~~~~~

[عائلة محيي الدين الشامي]

قام بطيّ الورقة التي كتب عليها هذا ووضعها في درج مكتبه في شقته الجديدة في تلك البلاد بعد ان أُنْهِك اليوم وهو ينتظر امانته دون جدوى متذكرا الحديث الذي دار بينه وبين السيد(سليم الأسمر)...فبعد ان طبّق التعليمات على أكمل وجه حاملا ورقة كتب عليها اسم والدي وأخذ يجول وينادي في ذلك القسم الراقي من المرفأ وحتى انتظر ما يقارب الثلاث ساعات ولم يتعثر بطرف خيط يرشده هاتَفَه يطلعه على الأمر ...فانفعل الاخر ذعراً علينا ,مستنكراً اختفائنا وأمره بعدها بالتريث والصبر حتى يعود ويكلمه بعد ان قرر التأكد من المرفأين وجود أسمائنا ...وبعد طول انتظار عاد باتصال يخبره انه تم دمغ تصاريح خروجنا لكن عليه العودة الى المرفأ غداً ليبدأ بالبحث من جديد حتى لو لزم التفتيش بالمخيمات مع انه ابعد فكرة تواجدنا فيها ولولا الضرورة لما اجبره على تَتَبُع كل اسم حتى يعثر علينا...

~~~~~~~~~~~~~

رحبّا بهم بعد ان حجز لهم جناحاً فخماً بأحد الفنادق وارسل سيارة خاصة لنقلهم من غير عناء .....فلنيلِ رضا (عاصي رضا)..... البند الأول والأخير في سجّل مبادئه ان تكون ضمن لائحة الأكثر ثراءً .... السيد (رائد السيد) ممن استوفوا شروطه ليتفرغ له ولعائلته مستقبِلاً إياهم بحرارة كأنهما امضيا طفولتهما يلهوان بأزقة الحارات معاً وانتسبا لنفس الجامعة من شدة تعلقهما ببعض....لم يكن أحد أكثر براعة بإلقاء شباكه لغَرفِ اكثر كمية من الأسماك مثله...انه رجلٌ محنّك ...خسارة ؛ لو أنه استغل دهائه لصالح وطنه, لكن للأسف الكلب يبقى نجساً مهما اغرقناه بالمياه الطاهرة .....

ودّعاهم على امل اللقاء مساءً على مائدة العشاء في قصره لإكرامهم مداهنة.....

×
×
×
في قصر العنكبوت اعتذرت السيدة (فاتن) عن هذا اللقاء لانها كانت على موعد مع صديقتها(ايمان).....

(سوزي) كانت منهمكة تشرف على الطباخين والخدم لينتجوا أفضل ما لديهم من خدمات لضيوفهم....طلبت صنع أشهى أصناف الطعام لتليق بهم....ليس جوداً منها بالتأكيد !! انما هذه فرصتها لتتنمّق بأبهى حلة لحياتها الزائفة ...تدّعي الوفق ...لتريهم المستوى الرفيع لارستقراطيتهم العنكبوتية الزائلة...

قبل حلول المساء توجهت تحمل فحيحها لأميرة ابيها ...تخبرها بقدوم صديق جديد لها فهي تعلم افتقادها لهذا غير مهتمة بذكر او انثى مع ان الأولوية للأخيرة....اختارت لها فستاناً من المخمل الكحلي , حوافه مطرزة بالأبيض وشريطاً ابيضاً من الستان يزيّن شعرها الحريريّ وحذاءً بلون الفستان....ازدادت جمالاً على جمالها...

قرع جرس القصر في السادسة مساءً معلناً عن وصولهم....

تجمّعوا حول الطاولة البيضاوية الضخمة ...أطباق زجاجية بإحجام مختلفة بلونيها الأسود والذهبي مرصوفة جانب بعضها, تُملأ بما لذّ وطاب من المأكولات لترضي جميع الأذواق...توّزع بعناية واتقان !....

" ما هذا الجمال؟!...تبدو ابنتك مثل اللعبة "

وجهت السيده(اسراء) اطراءها لصاحب القصر بعد أن لفتت انتباهها سموّ الأميرة..



" هذا من لطفك...هي نسخة عن والدتها"



قالها بحب دون ان يكترث للتي اشتعلت جانبه وكاد لهيبها يحرق وجه الصغيرة آمله بمحو هذا الجمال الذي يصدعها ويكرهها حالها...لكنها حافظت على ثبات جلدها المرقط تنفث سمّها على هيئة ابتسامة ,تحاول ابعاد الضوء عن غريمتها لتسلطه على ضيف الشرف تقول بفحيح:

" أصبح ابنكما صلاح رجلاً...أين وصل في دراسته؟"



" هو في الأول اعدادي ودائماً متفوق في دراسته.."

اجابت بتفاخر وأضافت مبتسمة بغرور:

" عقله يكبُر اقرانه...كنا نستطيع رفعه لسنة ...لكننا نريد أن يعيش سنّه"



" اوه جيد, هكذا سأضمن من يساعد كرم وألمى في دروسهما"

ربطت الصغيرة بابنها لتظهر امومتها الكاذبة امامهم والتفتت الى (ألمى) تضيف:

"ما رأيكِ...صلاح ولد مجتهد وسيساعد كليكما في الدراسة؟"



بدا على وجهها الاستياء فهي لا تحتاج لمعلم لأنها أيضا متفوقة وتلك أكثر من تعلم وعلى العكس هذا من ضمن الأشياء التي تجعلها تحنق عليها ...أجابت بعفويّة تشع براءة:

" أنا لا احتاج لمساعدة يا خالة...ربما كرم يحتاج لأنه ينجح بصعوبة"



ثار صاحب الأمر غضبا وخصوصاً بعد ان لمح شبح ابتسامة على وجه ضيفهم الصغير وقال دون السيطرة على نفسه:

" من قال أني احتاج؟! من اين تأتين بهذا الكلام؟!"



ردت تؤكد على كلامها :

" لقد سمعت زملاءك يتهامسون ويقولون إنك تحتاج لدروس خصوصية وحتى يشكّون ان كانت تنفعك بشيء عندما جئت الى صفك الأسبوع الماضي لأُعْلمك بوصول سائقنا"



صرخ يداري فضائحه:

"هذا كذب كذب"



قاطعته مصرّة:

" لا ليس كذباً فالبارحة في حصة التربية كانت مربيتي ياسمين التي تدرّسك الرياضيات تقوم بتصحيح اختباركم...ورأت ورقتك زميلتي لين وقالت ساخرة ...كرم أخ ألمى حصل على 7 من 50 "



كانا كمن يلقيا الزجل الشعبي والذي انتهى بسحقها له عندما دفع كرسيه الى الخلف بقوة تاركاً الجلسة بمن فيها بعد ان وضعت له لطخة أمامهم ليتذكروه بها....

رأى(عاصي) الجمرات في حدقتيّ زوجته فعاتبها بلطف:

" حبيبتي ألمى من الخطأ البوح بمسائل تخص الاخرين أمام الجميع"



تدخّل السيد(رائد) قائلا بابتسامة بعد ان دخلت قلبه هذه الدمية البريئة :

" اتركها يا سيد عاصي ما زالت صغيرة لا تفقه شيئاً بعد"



بعد انتقالهم لغرفة الضيوف ليقدموا لهم باقي التضييفات قالت السيدة (اسراء) لـ(ألمى) تحاول اصلاح الوضع المكهرب :

" ما رأيك بالصعود انت وصلاح لمصالحة كرم ؟"

ثم تابعت تقول لابنها:

" هيا يا صلاح انا اعتمد عليك بذلك "



نظرت الى والدها ومن ثم نقلت نظرها لزوجته تنتظر إشارة منهما بالموافقة فأومآ كلاهما ايجاباً.....

نجح ذلك الـ ( صلاح) بإصلاح العلاقة بينهما الى حدٍ ما وشرع من بعدها ثلاثتهم باللعب بألعاب تناسب أعمارهم .....في البداية لم تنجذب هي اليه لكنها قررت بنفسها انه افضل من لا صديق....وانتهت ليلتهم بإرشاد ( عاصي رضا) لضيفه لشراء قصر في حي قريب منهم.....

~~~~~~~~~~~~

توجه السيد(ماجد) في اليوم التالي الى مكتب المرفأ يطلب قائمة الأسماء واستغرق بحثه ما يقارب الأربع ساعات من كثرة المهاجرين...

" واخيراً الحمد لله وجدتهم ..كانوا ضمن الرحلات البسيطة الحافلة بالمخاطر للهجرة"

قالها على الهاتف يبشّر السيد ( سليم الأسمر)...



" الحمد لله كنت اشعر انهم بخير ولن يفلتوا منا....هيا ابدأ بالبحث بين المخيمات"



" أتعلم كم مخيمًا موجودًا في هذه المدينة وحدها وكم لاجئًا يقطن المخيمات؟!....اصبر قليلاً لا استطيع فعل ذلك بيومٍ وليلة....المهم اطمأنّا انهم يتنفسون في هذه البلد"



" حسناً ارح نفسك ليومين وباشر عملية البحث مستخدماً نفوذك دون القلق بأي مصروف....سأحول لك كل قرش تحتاجه.."



كانت مهمة السيد(ماجد) صعبة لأن المرفأ فقط يتكفل بإدراج اسامي الوافدين وليس من واجبه تسجيل اين سيقطن كل واحد منهم....فعليه التوجه الى المخيمات جميعها مستعيناً بالمسؤولين عنها علّه يجدنا بإحداها لانهم وحدهم من يقومون بتوثيق أسماء افراده من أجل الجمعيات التي تقوم بالتبرعات والاعتناء بهم...

~~~~~~~~~~~~~~~~

بدأنا نتأقلم في المخيم رويداً رويداً .....نعتاش على تبرعات أهل الخير والجمعيات المسؤولة....كان اكثر ما يزعجني هو الناس الذين يتبرعون ببقايا اغراضهم الأشبه بالفضلات!!

كيف سمحوا لأنفسهم بإخراج هذه من بيوتهم تحت مسمّى صدقة لله؟!

ألم يقتدوا بأمنا (عائشة رضي الله عنها)؟؟

ألم يسمعوا بقصص سيدنا ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) مع الصدقات؟!

كنتُ أخجل من أجلهم!!....

أحياناً كنّا نجبر على ارتداء تلك الملابس لأننا فقدنا معظم متاعنا اثناء الهجرة وبقي معنا أقل القليل نتدبر به أمورنا....!!......

لقد مرّ شهران بالتمام والكمال ونحن على هذا الحال ولم يصلنا أي خبر عن أقربائنا في الوطن ولا حتى عمّن وُكلوا للاهتمام بنا في غربتنا اليتيمة....

~~~~~~~~~~

يمشي في أروقة بيته على غير هدى ....تلفت أعصابه ...لا يعقل مرور أيام وشهران ولا أثر !!....يزفر أنفاسه بغضب ...يحاول كبح جماح نفسه.....يتجه الى الشرفة ....ينظر بعيداً للسهول المقابلة له حيث تشققت براعم النباتات بعد أن ارتوت ألأرض بخيرات الشتاء وانتعشت بشمس آذار ...يرفع هاتفه المحمول ...يلقي السلام على من أجاب في الطرف الآخر ويقول بصوته الجهوري بعد ان وصل حدّه بالصبر:

" أنا انتظر ....الى اين وصلت ؟!....هل انشقت الأرض وابتلعتهم؟؟!"



ردّ يحاول مداراة يأسه:

"اخي سليم.. انت تعلم أني فعلت ُ ما بوسعي ومنذ ما يقارب الثلاثة شهور وانا اقف على رجليّ دون ان ارتاح لأعثر عليهم ...."



قاطعه بنبرة مرتفعة:

"ماذا اذاً؟؟؟...هل نستسلم وكأننا اضعنا فاتورة مطعم لا أهمية لها؟؟"



قال ببصيص أمل:

"لم اقل نستسلم ....بقي ثلاثة مخيمات الأكبر في تلك المنطقة....احدهم في مدينة قريبه لمدينتي والآخران في المدينة الساحلية ...الأبعد بينهم يقع وسط الشاطئ والجبال والأقرب في مركزها.... سأبدأ بالقريب مني وبعدها الآخرين..."



" متى هذا ؟"



" احتاج بعض الوقت لا تظنه سهلاً كشرب الماء ....نهاية هذا الأسبوع باذن الله سأتابع مهمتي!!



" حسناً من صبر أسابيع كثيرة , يصبر غيرها....المهم ان نجدهم في النهاية....هم امانة الغالي واذا لزم الأمر سأسافر بنفسي لأقلب تراب تلك البلاد حتى اعثر عليهم "

أنهى مكالمته مع السيد (ماجد) ودخل يتابع آخر اخبار الحرب في البلاد....

~~~~~~~~~~~~~

يأتي لزيارة المخيم من وقت لآخر بعض التجار لتشغيل الأولاد ببيع أغراض بسيطة, صغيرة, يكتسبون منها بضع قروش , كالمسابح والعاب خفيفة وغيرها....

بعد جهدٍ اقنعت امي لتسمح لي بذلك....فنحن نحتاج الى كل فلس في بلاد الشتات....لا نستطيع الاعتماد على التبرعات فقط!!

بدأت العمل من اليوم التالي....اخرج من المخيم الى مركز المدينة في الصباح الباكر....اتجول هنا وهناك....اقابل أناس كرماء وآخرون فظّون لا يمتّون للإنسانية بصلة....أعود في المساء الى المخيم وفي جعبتي قرشان...لا اتناول أي لقمة في يومي ...احيانا اشفق على نفسي وادللها بقارورة ماء ...ريقي يكون هو غدائي وعشائي.... حالتي يرثى لها ....أقدامي متورمة....أنظر الى حذائي الصامد معي من بداية هجرتنا , الشاهد على كل المغامرات...يتمزق شيئاً فشيئاً...تُخيطه أمي ثم يتمزق مجدداً ...نتنافس من منا سينتصر على الثاني....لو أن لسانه يتكلم لألّف موسوعات عن معاناته معي....لو أنه يستطيع الصراخ لصاح في وجهي قف أيها القاسي!!...لو أنه يعرف عنوان المحكمة لرفع قضية ضدي......

أنا آسف يا حذائي فطريقنا واحد...!!!

×

×

×

في صباح احد الأيام أصرّت ( دنيا) بعنادها المعهود على مرافقتي عند سماعها حديثي لأمي وخالتي , ادّعي السرور في عملي لأخفف من همومهما ...فالحقيقة أنا اتعذب نفسياً من معاملة الناس...منهم من يتحدث بتعالي ومنهم من يظهر عنصريته ومنهم من يراوغ حتى اقتنائها بأقل ثمن , مثل هؤلاء لو ذهبوا لشبكات الماركات العالمية ..يدفعون بأسعار باهظة قرش وراء الآخر.. بفمٍ مغلق...لكن عندما يصل الحال للبسطاء يحاولون عرض مواهبهم في فن إدارة الاعمال والمقايضة.....وكذلك أتألم جسدياً من كثرة التنقل على الأقدام لعدة أماكن بينها مسافات!!!

حاولتُ ردعها عن إصرارها هذا فقاطعتني خالتي :

" خذها يا هادي , انها تشعر بالضجر وتصدع رؤوسنا ولعلّها تساعدك اليوم"



وافقت مكرهاً ...وخرجنا من المخيم لبدء ورديتنا في الشوارع لنخوض مغامرة جديدة...!!!

أعطيتها قسماً من الأغراض الخفيفة....كانت مستمتعة تظن نفسها في مدينة الملاهي....ولحُسنِ حظي بوجهها البشوش الجميل , براءتها وخفة دمها ...أقبل الكثير لشراء الأغراض منا....لا يهم احتياجا ام تعاطفا ...المهم ان تسير امورنا على اكمل وجه ....

في ساعات العصر بدأنا نتضور جوعاً كلانا....انا كنت معتاداً لأسبوعين على هذا الحال واصبح لدي قدرة تحمل!!...اما هي ....مسكت بطنها الذي يتقطع بخناجر الجوع...تذرف دموعاً متوسلّة:

" ارجوك هادي ..انا جائعة لا اتحمل"



"اصبري يا دنيا نصف ساعة فقط وبعدها نتوجه الى المخيم وتكون وجبة العشاء في انتظارنا "



ضغطت بيديها على بطنها... تحني جسدها ...زادت عيناها احتقاناً ....تئن ألماً صارخة:

" لا أستطيع.....بطني يؤلمني....آه....أي"



دنوت جاثياً احتضنها هامسا بقلة حيلة:

" تمالكي نفسك حبيبتي "



" اشتري لي شيئاً , معنا الكثير من المال"



" لا يا اختي هذه للتاجر وهو يعطيني نصيبي عند استلامه مني...فإذا علم باستعمالي له سيسبب مشكلة ويطردني ....ونحن نحتاج لهذا العمل"

مسدت على وجنتيها امسح دموعها المختلطة بغبار الطريق هاتفا بحنوٍ:

"بالله عليك اصبري..."



كنّا نتحاور بالقرب من مطعم لبيع ساندويشات الهمبرجر ...الرائحة تخترق انوفنا ...وتُشعل معدَنا ....شردت لوهلة مفكراً ...ثم قلتُ في نفسي "سامحيني عزيزتي" وهمست لها:

" انتظريني هنا....سأعود حالاً"

توجهتُ الى الباب الخلفي الخاص بالمطبخ...تسمّرت مكاني للحظات....عليّ ان افعلها....ما باليد حيلة ...المسكينة لا تتحمل!!...اقنع نفسي انه لا يؤثر اذا اخترت بعناية او انتظرت حتى جلب غيرها امام عيناي.....فالمطعم يرتاده الكثير من الزبائن وحركة نشطة داخله والعمال في حالة تأهب ....يقدمون الطعام وينظفون مخلّفاته في الحال ...يلقونها في هذه الحاوية الخضراء الكبيرة....!!

سمحتُ لنفسي بأخذ بقايا من الوجبات الطازجة بعد ان احضرها العامل ورممتها قدر استطاعتي ...ثم عدت الى اختي ...

تهللت أساريرها عند رؤيتها ما بقبضتي وأقبلت لملاقاتي بلهفة ....تسحبها مني ...وقرّبَتْها لفمها لتقضم أول لقمة......

********** (انتهى الفصل الثالث) **********



توقعاتكم...

اين سيكون أول لقاء للبطلين في مرحلة الطفولة ؟؟
ما هي أسباب حالة ألمى ؟؟


أتمنى لكم قراءة ممتعة


لا اله الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 02:42 AM   #36

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 5 والزوار 3)

‏موضى و راكان, ‏ألحان الربيع, ‏amina min, ‏الماسة الخضراء, ‏AROOJ


الحمدلله على نعمتك يارب و كرمك علينا

اللهم رد الغائب الى وطنه و الشريد الى اهله و ارفع غضبك و مقتك عنا يا ارحم الراحمين


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 09:52 AM   #37

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,558
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الخير غاليتي.
"كيف النجاة؟"رغم الصعاب وقسوة الهجيرإلا أن الله يسخر الأسباب فالسيد سليم قام بما عليه ويزيد ولكن خطورة الوضع وصعوبة الوصول في الميعاد مرعب.
أبدعتي حبيبتي في وصف تفاصيله وانا أحبس انفاسي قلقا ومشهد السائق المصاب وفقدانه وعيه قاس جدا وما يتبعه من التساؤل عن كيفية الوصول؟
ثم بمنتهي المهارة تنقلينا إلي أجواء اخرى لتلك المراة التي تحاول إيجاد سبيل لإنقاذ نفسها وترسيخ وجودها وقد جائها طوق النجاة متمثلا في موافقة صديقتها
فهي عن كانت انتهازية فزوجها عاصى لا يقل سوءا عنها والمرأة تخطط لسنوات قادمة بهذه الصديقة وزوجها وابنهم وكأنها إطلعت الغيب وبدأت ترسم ملامحه.
من يدرى ماذا يحمل غدا وماذا سيكون من مصيرنا نحن وليس اطفالا ابرياءتلعب بمشاعرهم كذبا
وليت وجود فاتن وفهمها لنوايا سوزى يكون مانعا من استغلال ألمي واجتذابها بحنانها الكاذب.
ويكفيها رفض عاصى عرض ابنته علي طبيب نفسي لانهيارها بذكرى موت والدتها
"يا لها من نجاة"الرحلة مستمرة ولكن كل ما تم إعداده تغير وكما فقدوا الوطن يفقدون مالهم ووسيلتهم المريحة للهروب ويتحول الليل لظلام دامس بقارب متهالك ورضيع يصرخ جائعا وليس هناك ما يشبع جوعه صورة صادمة وقاسية جدا.
وللأسف كما هو الحال في الكوارث يتسيد الموقف غلاظ القلوب الجشعين الذين لا تعرف الرحمة الي قلوبهم طريق حيث كل شئ بثمن حتي موت الانسان
بينما ينظر الله بعين الرحمة لعباده فينجو شادي بفضل المراة التي أرضعته والذى سبقها بالخير بتقاسم شطيرة شقيقته مع ابنتها فالخير لا يضبع جزائه.
والرحلة المرعبة التي صورتيها بشكل رائع كأني اسمع الرعد وأرى البرق بقارب متهالك .
وما أبدعك وانت تشجينا بآيات الذكر والادعية الجميلة التي تصدر من قائليها بكل الصدق فقرب الموت لا يكون معه الا المناجاة من القلب لرب الرحمة
هو فعلا فيلما قاسيا رسمته يد الاطماع و الفساد التي شردت الامنين حدأن العجوز وزوجته القيا بانفسهما في البخر ليخفوا حمولة القارب في مشهد يدمي القلوب ما اقسي هجرة الاوطان وما اصعب وسائل التمسك بالحياة بعد فقدان الهوية يقبل المرء ما يجده سبيلا للنجاة حافلة مهدمة بشق الانفس يجدون مكانا مخيمات لاجئين غير آدمية مجهولا غامضا يترصد الجميع.
لكن الجميل أن الشهيد يحي قد أحسن تربية ابنه من بعده فهو صامدا مؤمنا موقنا بقضاء الله وأن فرجه قريب.
كنت موقتة أن اسرة دنيا واسرة سلمي لن تكون نهايتهما بالفراق فها قد عادوا للتلاقي بالمخيمات
وليت السيد ماجد يوفق في ايجادهم فلا اظن ان السيد سليم سيغفل عن الاطمئنان علبهم.
وبالوقت الذى يصارع فيه الشرفاء للابقاء علي حياتهم يحيا ذلك العاصي الفاسد بالقصور ويستقبل الصيد الثمين الذى جلبته زوجته للنيل علي اكبر فائدة ويبدو للآن ان مخطط سوزى يسير كما تحب
وبمرور الوقت الذى بحث فيه ماجد لم يتبق سوى ثلاث مخيمات بعدها يفقد الامل في ايجادهم والرحلة والشتات تخلق من هادى رجلا يعمل خارج المخيم من أجل قروش
يضطر في احدى نوباته أن يصطحب دنيا وعندما تصرخ جوعا يضطر لجلب ما تأكله من مخلفات المطاعم.
حقا الدنيا غير عادلة منهم من يصرف ببذخ ويلقي بقايا طعامه والاخر لا يجد ما يقتاته الا من صناديق القمامة.
سلمت يداكي حبيبتي علي الفصل المبهر وبارك الله لك في موهبتك وايمانك الذى تنضح به عباراتك.
صدقا لو اطلقت لنفسي العنان لأعلق علي كل فقرة بالتفصيل ما انتهيت.
تفاصيلك الصادقة الممزوجة بالمشاعر والضياع والامل
اكثر من رائعة
أما عن توقعي أول لقاء مع ألمي صعب التخمين وإن لم يكن هناك امل طبعا في لقائهم بالمخيم فلابد انه في أحدأيام عمل هادى ربما يلقاها بأحد المطاعم او بسيارتها الفارهة
بالأخير كما الفراق نصيب قاللقاء ايضا نصيب يضع الله له مقاديره واسبابه
دمتي بكل الخير والسعادة ومصحوبة بالتوفيق حتي لو تابعك قارئ واحد فانت ولدت لتكوني كاتبة مبدعة صاحبة موهبة هي رزق وفضل من الله
بانتظار الفصل القادم فإلي لقاء


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 12:57 PM   #38

نوارة البيت

? العضوٌ??? » 478893
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,845
?  نُقآطِيْ » نوارة البيت is on a distinguished road
افتراضي

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

نوارة البيت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 03:25 PM   #39

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة موضى و راكان مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 5 والزوار 3)

‏موضى و راكان, ‏ألحان الربيع, ‏amina min, ‏الماسة الخضراء, ‏AROOJ


الحمدلله على نعمتك يارب و كرمك علينا

اللهم رد الغائب الى وطنه و الشريد الى اهله و ارفع غضبك و مقتك عنا يا ارحم الراحمين
آمين يارب العالمين


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-21, 04:40 PM   #40

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح الخير غاليتي.
"كيف النجاة؟"رغم الصعاب وقسوة الهجيرإلا أن الله يسخر الأسباب فالسيد سليم قام بما عليه ويزيد ولكن خطورة الوضع وصعوبة الوصول في الميعاد مرعب.
أبدعتي حبيبتي في وصف تفاصيله وانا أحبس انفاسي قلقا ومشهد السائق المصاب وفقدانه وعيه قاس جدا وما يتبعه من التساؤل عن كيفية الوصول؟
ثم بمنتهي المهارة تنقلينا إلي أجواء اخرى لتلك المراة التي تحاول إيجاد سبيل لإنقاذ نفسها وترسيخ وجودها وقد جائها طوق النجاة متمثلا في موافقة صديقتها
فهي عن كانت انتهازية فزوجها عاصى لا يقل سوءا عنها والمرأة تخطط لسنوات قادمة بهذه الصديقة وزوجها وابنهم وكأنها إطلعت الغيب وبدأت ترسم ملامحه.
من يدرى ماذا يحمل غدا وماذا سيكون من مصيرنا نحن وليس اطفالا ابرياءتلعب بمشاعرهم كذبا
وليت وجود فاتن وفهمها لنوايا سوزى يكون مانعا من استغلال ألمي واجتذابها بحنانها الكاذب.
ويكفيها رفض عاصى عرض ابنته علي طبيب نفسي لانهيارها بذكرى موت والدتها
"يا لها من نجاة"الرحلة مستمرة ولكن كل ما تم إعداده تغير وكما فقدوا الوطن يفقدون مالهم ووسيلتهم المريحة للهروب ويتحول الليل لظلام دامس بقارب متهالك ورضيع يصرخ جائعا وليس هناك ما يشبع جوعه صورة صادمة وقاسية جدا.
وللأسف كما هو الحال في الكوارث يتسيد الموقف غلاظ القلوب الجشعين الذين لا تعرف الرحمة الي قلوبهم طريق حيث كل شئ بثمن حتي موت الانسان
بينما ينظر الله بعين الرحمة لعباده فينجو شادي بفضل المراة التي أرضعته والذى سبقها بالخير بتقاسم شطيرة شقيقته مع ابنتها فالخير لا يضبع جزائه.
والرحلة المرعبة التي صورتيها بشكل رائع كأني اسمع الرعد وأرى البرق بقارب متهالك .
وما أبدعك وانت تشجينا بآيات الذكر والادعية الجميلة التي تصدر من قائليها بكل الصدق فقرب الموت لا يكون معه الا المناجاة من القلب لرب الرحمة
هو فعلا فيلما قاسيا رسمته يد الاطماع و الفساد التي شردت الامنين حدأن العجوز وزوجته القيا بانفسهما في البخر ليخفوا حمولة القارب في مشهد يدمي القلوب ما اقسي هجرة الاوطان وما اصعب وسائل التمسك بالحياة بعد فقدان الهوية يقبل المرء ما يجده سبيلا للنجاة حافلة مهدمة بشق الانفس يجدون مكانا مخيمات لاجئين غير آدمية مجهولا غامضا يترصد الجميع.
لكن الجميل أن الشهيد يحي قد أحسن تربية ابنه من بعده فهو صامدا مؤمنا موقنا بقضاء الله وأن فرجه قريب.
كنت موقتة أن اسرة دنيا واسرة سلمي لن تكون نهايتهما بالفراق فها قد عادوا للتلاقي بالمخيمات
وليت السيد ماجد يوفق في ايجادهم فلا اظن ان السيد سليم سيغفل عن الاطمئنان علبهم.
وبالوقت الذى يصارع فيه الشرفاء للابقاء علي حياتهم يحيا ذلك العاصي الفاسد بالقصور ويستقبل الصيد الثمين الذى جلبته زوجته للنيل علي اكبر فائدة ويبدو للآن ان مخطط سوزى يسير كما تحب
وبمرور الوقت الذى بحث فيه ماجد لم يتبق سوى ثلاث مخيمات بعدها يفقد الامل في ايجادهم والرحلة والشتات تخلق من هادى رجلا يعمل خارج المخيم من أجل قروش
يضطر في احدى نوباته أن يصطحب دنيا وعندما تصرخ جوعا يضطر لجلب ما تأكله من مخلفات المطاعم.
حقا الدنيا غير عادلة منهم من يصرف ببذخ ويلقي بقايا طعامه والاخر لا يجد ما يقتاته الا من صناديق القمامة.
سلمت يداكي حبيبتي علي الفصل المبهر وبارك الله لك في موهبتك وايمانك الذى تنضح به عباراتك.
صدقا لو اطلقت لنفسي العنان لأعلق علي كل فقرة بالتفصيل ما انتهيت.
تفاصيلك الصادقة الممزوجة بالمشاعر والضياع والامل
اكثر من رائعة
أما عن توقعي أول لقاء مع ألمي صعب التخمين وإن لم يكن هناك امل طبعا في لقائهم بالمخيم فلابد انه في أحدأيام عمل هادى ربما يلقاها بأحد المطاعم او بسيارتها الفارهة
بالأخير كما الفراق نصيب قاللقاء ايضا نصيب يضع الله له مقاديره واسبابه
دمتي بكل الخير والسعادة ومصحوبة بالتوفيق حتي لو تابعك قارئ واحد فانت ولدت لتكوني كاتبة مبدعة صاحبة موهبة هي رزق وفضل من الله
بانتظار الفصل القادم فإلي لقاء
أهلا يا صباح الأنوار

صدقًا لا استطيع وصف مشاعري وأنا اقرأ تعليقك المعبر لدرجة تأثرت وكأننا نتكلم عن قصة حقيقية فعلاً....ما شاء الله عنكِ....قراءة تحليلاتك ممتع جداً....أشكرك على روحك الجميلة التي تزيّن روايتي وبارك الله فيكِ على الكلام المشجع للاستمرارية باذن الله


سنرى لاحقا ان شاء الله الى اين ستنجح سوزي بمخططاتها ....اما فاتن سلطتها على ألمى محدودة فهي تعطيها الحنان والاهتمام وتقوم بدورها كخالة قطعة من الأم لكن الآمر الناهي فيما يخصها بين يدي والدها عاصي رضا وسنرى ايضا في المستقبل ان كان بامكانها فعل شيء لمساندتها فعلياً.......
عاصي في نقطة رفضه للطبيب النفسي هو يمثل الكثير من مجتمعنا الذين يرفضون التوجه لطبيب لمساعدتهم لنفسهم او من اجل ابنائهم لأنهم يربطونه بمعالج المجانين والمرضى النفسيين وانها ستكون وصمة عار امام الناس مع الأسف..
وبالنسبة لأم سلمى التي ارضعت شادي هذا مثال ان الله لا يضيع مثقال ذرة وان فعل الخير يأتي الرد عليه عاجلاً غير آجلاً ....
يجب أن نَتَيَقن اذا اغلقت جميع الأبواب فإن باب الله لا يغلق ...اللجوء اليه هو الراحة والطمأنينة والفرج ....والأب محيي الدين نجح في زرع ذلك ببكره لأنه كان قدوة حسنة له وهذا دليل ايضا ان بشكل عام الأولاد هم مرآة لوالديهم فلذلك يجب ان نختار خطانا بعناية لأن أقدامهم ستكون فوقها....
المشهد الأخير ربما يرى البعض انه مبالغ فيه لكننا كم رأينا من اخبار عن مثل هذه الحالات ...البحث عن الطعام في الحاويات !! وسيكون المشهد القادم مكمل لهذا المشهد وسنرى ماذا سيحدث ان شاء الله ...وايضاً لأي درجة ممكن ان تصيبي في توقعك للقاء في الفصل الآتي باذن الله....
آسفة على الإطالة لكنني احببت الرد عليكِ وآسفة على التأخر بالرد بسبب مداخلات الأولاد والطلبيات التي لا تنتهي ههههه

حفظك الله أينما كنتِ


ألحان الربيع متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:00 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.