آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          605-زوجة الأحلام -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-04-19, 08:06 PM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مدخل الفـصل الثامن والعشـرون


سَقَى اللّه أَرْضَاً لَوْ ظَفِرْتُ بِتُرْبَها
كَحَلْتُ بِهِ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ أَجْفَانِي.

× الامام الشافعـي×






تحدث ضيفه قائـلاً: " لا أعلم لما يُسمع من سياسيين يقطنون لندن يبدو انهم لا يدركون الوضع الحالي كما نشـهده في أرض إيران الـطيبة!
كيف يقولون لمجرمةٍ خرجت عن العدالة وجعلت إيران في وضعٍ حرج بعدما علّقت امالها على صحفيين سيحلبون لها وثائقٍ توثق سقوط صدام، أتحدثُ حديث الشعب والشارع الإيـراني .. أتحدثُ حديث الجميـع لا بد ان تعود ويُسلط عليها ضوء القـانون وتحكم بحكم العدالة التي جعلتها خائنة لتعاليم بلادها التي تطلب منها العودة بأسرع وقت"

لقد ضحك قلبك يا آلن!
لم تضيع أيام جافاك بها النومِ مقابل سماعك لتلك الإذاعة التي ادانتها وبرأتـها.
لقد تبرأتي من تلك التهمةُ الجلية، الآن لا يعيق دربي إلـيك دبلوماسيين شوهوا صورتك بعيني!
دخلـوا لُب العين مُشوهين صورتك، غير ابهين ببؤبؤٍ دمـا من فعلتهم وخرج على هيئةً مدامعٍ تتلو سُعالاً جارحٍ أو سهراً مضني..
الآن عُدتي بَسـعادي التي أريد، عُدتي كما أدرتك!
عُدتي كما خلقت شخصيتك بيدي .. لن تخونيني بعد الآن ،
لن تخوني عربيتـك أيـضاً.
نظرتُ إلـى الذابلة بجانب عمـتي وكأنها وقعت عليها مُصـيبةً تلو الأخرى كتلك المصائب التي تحكي عمتي سمفونيتها عندما تعرضت السيّدة زينب لمصائبٍ في كـربلاء!
وقفت راحلـة ووقفتُ مـعها.
أعلم ان شكلي مُخزٍ أمامها وانا أتهمها واثبت براءتها !
غيّرت وجهـتي خارجاً بعدما أدركت عيونٍ تسعرني، فلم تكنّ تلك العيـون إلا عيون صادق، الذي لا يفتأ هو وصاحبه عن محاسبتي بكل فعلاً أفعله ببَسعاد !


***


لقد برأها الله وأمام الجميـع كما برأ الذئبُ من دمِ يُـوسُف، لقد بُرّأت حبيبة عَـمتها التي ظلمتها مع أبنيّها، لقد زال ذاك الهم الذي يعتري صدري منذُ أسبـوع على تلك الفتـاةُ الذابلـة!
كما ذاب قلبـيّ على الذي وقف بلا شـعورٍ ليلحقُ بها.
لقد أنّبهُ ضميـره!
كذاك الذي أن اغضبني لا يُمسـي ليلة وأنا بحالي الذي رحلتُ بـه، حتى لو اضطر إلـى ان يُداوم غـداً مُرهـقاً ..
إرهاقاً يجعلهُ بمزاجٍ ورديّ، ويُبعد الفتيات المُتأملات له بسبب هالاتٍ سوداء تقتحم عينيه، وتُشحب وجهه!
يرينّه شاحباً غير مُتألقاً، بينما تنظرُ زينب من بعيد بأجمل من خُـلق، حتى وأن ذُبلَ تقارنه بالقـمر الذي يُخسف دائـماً ولم يكنّ ذلك مانعـاً من انه جميـلاً لحد الثمالة!
لا أرى أحدٍ يكره القَـمر .. وهؤلاء الـ "احد" تجمعوا وأصبـحوا في قلبِ زينب وعشقـه بعددهم!
لقد جُننتِ يا زينب وانتي تُفكرين به وسط هذه الفرحة البهيجة، لا بُد ان أذهبَ إليـها وأبُـارك لها هذه البراءة وان تأخرت !


***


دخلَ إلـى البيتِ على غير حاله الذي خرجَ مـنه، مُطأطأ رأسـه أسفل، يمشـي بهملٍ، باغته أبي بسؤاله: هاا شكَـالت لك؟

تحدثَ بعدمـا رمـى بنفسـه على أول كنبةً تواجهه: على حاله!

تمتماتٍ بسيطةً تحدثَ بها أبي تعُود أحرفها إلـى دعاءٍ ليس بالطويـل، حتى عاد يحادث مُـحمد وهو ينظر إلى ساعـته: ديـلا نروح المـحل ما باقيّ على آذان الظهر إلا سـاعة ونص.

أسـندَ مُـحمد رأسـه وهو يـقول: يلا جـاي وراك.

هذا يعني انه سيلحقُ بأبي.. لن يذهـب معه!
خرج ابـي وما أن اُغلق البـاب حتى ذهبتُ مسـرعة بجانبه وأنا أغمزُ له: هاا يابه شاللي كَلب حالنا هيج؟

نظرَ إلـي بطرف عينه مُتبعة بابتسامة: أني وين وأنتي ويـن،
قـاعد أفكر بالـخطية أخوها .. ما داري بشي، الله يّستر لو عرف!

أعرف أخي كيف يقلب الأمـور، سأحترم رغبته لأن أمـي بدأت تدلف البـاب .. ولـن يطول صمّتي عنه.. أخي وأعرفه!


***


ما هذا الجنون الذي ورثـته أختي؟
أ تراني أعشقُ من بضع كلماتٍ عبر موجاتٍ صوتية بعيدةً كل البعد ، كبُعـدِ صاحبتها عنـي!
ديني يحتم عليّ ان لا أفكُر بـها مُجرد تفكيـراً عابر، فأنا أعرفُ من أخيـها وأعرفُ ما هـو رأيه بمواضيعٍ تخصُ دينه!
أن تعارك هو وصادق من أجل حربٍ لسـانية وغضبَ يوميـن لا يتحادثـا، ماذا سيفـعـلُ أن اتيته طالبـا يـد أخـته ؟
لقد جنت اختي، وهي تفكرُ بأمور كـهذه..
لن أفـكرُ يوماً بجنونٍ يقذفني بالهاوية بعدما تتأكل روحي كما هو حالُ آلن، لقد تحتمّ عليه العذابُ وعينيّه تحفـّها وتعوذها بتعويذاتها المجنونة!
ما هو حاله لو رحلت إلى ديارها تاركته خلفـها بعدما أصبح بطلاً يُشـار له بالبنان لو كانت المُضحـى لأجلـها فتاةً غيـر مَـهتاب؟
لشـكرت جميلـه وجعلته ديناً برقبتها إلى يُوم الدين، عكسُ ما تفعله مَهتاب به، احمد الله ان من وقعَ بحبها آلنٍ وليس صـادق،
الذي سيمُوت غيـضاً ولن يتحدثَ بما اغاضه!
ماذا لو عشـقَ صادق؟ هل سيقوده عشقـه لجنونٍ سنّهُ آلن لـنا ؟
ولكن ما هو العـشق بلا جنونه؟ ولا يسمى العشـقُ عشـقاً إلا بعدما يصاحبه جنون العاشـقيـن !


***


ما هذه البراءة الباهتة؟
لا أريدُ براءةٍ يُنبذني بها إيران ويمتدحني العراقيون، لا أريدُ ذلك ولو كان على حسـاب حُريتي !
التي لا أعلم كيف أسميها حُريةً وأنا تحت حكمِ جلادٍ لا يقبل رأيٍ أو فـكرة تُنير بصيرته بعد اعتقادٍ خاطئ حكم به على بلدي بالموت!
ما أصـعب ذاك الأمر الذي يُسـمى فوزاً بطعم الهزيمة، نعم هذا ما أحس به الآن!
كيف انتصرُ وإيران تُبرأ نفسـها من استخباراتي لها؟
كيف انتصر وهم يطالبون بي لوجه العدالةِ والقـانون؟
ان انتصرت بعين ثلاثةِ أشـخاصٍ هُـنا ، فأنا وقعتُ وانهزمت من عيون بلادي أجـمع وأولهم أهلـيّ .
لما كل هذا التخوين الذي ينعتني به الرجُل؟
هل عدم عودتي خيـانة؟
كفاكِ يا مَهتاب غباءٍ .. من تطالب به السلطات ولا يعود يُسـمى خائـن!
او نسيتِ تلك اللافتات التي كتبتيها بيدك على الصفحة الرئيسية لموقع الصحيفة بعدمـا هربَ أحد المطلوبين من المشفى بعدما اوهم العسكر بضعفه.. أ نسيتِ حديثك اللاذع عـنه ؟
أ نسيتِ تلك الثناءات التي أتت بريد الصحيفة الالكتروني، وأتت على هاتف مكتبك بعدمـا يحوّل المديـر المكالمة عندما يطلب أحد المسؤولين أو المواطنون "الشُرفاء" محادثة من نشرت الخبـر العظيم
أ نسيتِ كل ذلك وتسألين نفسك بغباءٍ فاحش كيف خُنتُ إيـران ؟
طُرقَ البـاب، وأحترت بتخميني لهوية الـطارق!
ولكن على ما يبدو انه آلـن أتى ليعتذر؟ وهل أجد لإدانته محلٍ للعُذر؟
هل يُعـذر بعدما جعلني حبيسة هذه الغُرفة بيومين خوفاً من لسانه اللاذع، وعند خروجـي لأول مرة بعد اعتكافاً دام يومين.. يصرخُ بوجهي ويُـمد يداً تضربني!
والله لن يكون العذر سـهلاً حـتى تعتذر!
سيكون أصعب بكثير من خيانتي بعينك وبراءتي بعين إيـران،
ويكون أصعب أيـضاً عندما تخونني إيران وتُبرّأني أنت!
لـن يُمر هذا العذرُ مرور كرام ..
ذهبتُ إلـى الباب مُتأهبة لتلك المواجهة بعدما شحنتُ نفسي بكلماتٍ أدمتُ روحي أكثـر وأكثـر ..
خاب ظني وخاب أملي وأنا أرى زينب الـطارقة!
لا تطرقي بابَ مُشـتاقٍ يُخيّل له طرقات محبوبـه في كُل حيـن
لا تطرقي الـباب وانتي تعلمين شوقي لاعتذارٍ مـنه !

ابتسُمت متداركة الـوضع بعدما سمعتها تسألني بمزاحٍ أن كنت سأرحب بها أم لا : حيـاج أمّ عـلاوي ..

احتضتني وهي تُبارك لي .. كمن يولدُ مولده بعزاءه لا يعلمون هل يُهنئون زوجته بالوليد أو يعزونها على حدادها التي لم تتسربل بثيابه!: مبروك حبـيبتي،
من أول وأني حاسة أنك بريئة بحق علي !

كفاكِ حلفاً فأنتِ أول من خونني بجانب بنيّكِ !
أنت أول من أشـار لي أصابع الاتهام، انتِ من تصددت عني خلال عودتـنا من ذاك الجبل: يبارك بعُـمرج حيـاتي.

وما ان حسّت بجفوةً في كلامـي حتى سحبتني بعدمـا قعدّت: أني د أأمن لج روحة ع ديـالى .. اش رايج؟

لو تفعل ما تقول سأكون مدينةً لها بكُل عُمري، لن اخطئ خطأي مع آلن وأرفضُ عرضـها، ولكن كيـف: كـيف؟

تحدثت وهي تشعُ حماسةً لما تقول: أخليج تروحيـن مع محمد بدون ما احد يعرف .. وإذا افتقدوج أكول انهـزمت!

خُفت من عواقبها التي لا يُطال زينب منها عقاباً ، فقط أنا من سيتحمل سوط كلامه وربُما يده ! : لا عفـيه ما أريد، ترديني أروح الموت برجليه؟

صمتت .. وما أسرع استطرادها وهي تتـجه إلى درجٍ صغيراً مركوناً جانباً: وين سنسالج المقطوع؟ د صلحـه لج ويه خاتمي.

ما هذه الأعذار التي تُقدم لي كخدماتٍ ثمينة ؟
أوه !
لقد نسيت السـلاح في ذاك المكان الذي بدأت تُفتش به..
هـرعُت إليـها ، ولكن قد سبق السيف العذل!
أرى وجهها يفقد لونه وهي تُخرج سـلاحُ آلـن والصدمةُ تعتريهـا، أردت ان أُبرر لها ولكن ماذا عسـاي ان أقول ؟
أقول سرقته عبـثاً ، يُقـال انني سُأعاقبـه عـن اهماله ونسيانه في أي مكان يجلسُ به؟
لن تُصدقني ولو قلت لها هذا، فهـذا لا يُصدق من أنـا حتى أخافُ عليه وأعاقبه.
يا الله!
كُن معـي ..
لا أخرج من مُصيبة حتى تحلُّ فوق رأسي الأخُرى !

تقدمت إلـى زينب بابتسامةً صفـراوية، تحدثتُ وأنا آخذُ منها السـلاح واخبأه ورا ظهـري: عفيـة زينب لا تكَـولين له.

تحدثت والصدمـة ما زالت آثـارها: ولج الله د يموتج، باعي لا ليله ليل ولا نهاره نهار من وره هالسـلاح!
والله لو يعرف بيج ليموتج ولا يسـأل ..

أعلم جنونه فلا حاجةً لإخباري بما أخافـه حتى أصبح هاجسي كُل ليلة، ابتسمت مرةً أُخرى بابتسامة بالية تشابهه سابقتها: عـارفة والله!
لتخافيـن عليـه، حبـابة انتي لا تكَوليـن له شي .

تحدثت وهي لم تزل بصدمتـها ولم تعد قادرة علـى فهم ما يحدث! : طيب لييش ساويتي هيـج؟

خاطبـتها وانا أحاول كسب ودهـا : يعني مدا تشوفين ابنج اش يعمل بـيه؟
خل أرد ربـع سواياه .

ضحكت وهي تنظر إلـى هذا الجنُون الذي أعلم حقاً انـهُ جنـون: تعرفين شدا يسوي بيج لو عرف؟
والله ما يرحمجّ ، هذا ولّد آدم مثل أبـوُه عسـِر عند الغلط .. ما يقبل الزّلة،
واللي انتي ساويتي طركاعة ما زلة!

لقد "صرعتنا" بآدم الذي لا أسمعُ له ذكراً إلا بين شفاهها ، حتى ابنه لا يتحدث عنه كما تتحدث هي: ومنو هذا آدم؟
تره شوقتيني أعرفه.

أرى وجهها يُغيّم وتُصد عـني متوجهةً إلى الباب وكأنها تبحث عن طوقِ نجاةً بعدما غرقـت بسؤالي!: أبـو آلن!

أعلمُ انه أبو آلن ..
لستُ حمقاء حتى تعُيدي لي عبارتك مرتين!
ولكن من هو آدم من زاوية أخرى مُختلفة عن كلمة أبـو فُـلان.
أعلم انه شخصـاً ليس بالعابر حتى تذكريه أكثر من مرة، بل وجاوز ذكره ذكرك لبنيك أيـضاً ..
متى يحينُ لي الـوقت وأعرف من هي "زينب" وليستُ "أم علاوي" التي أعرف ..
أريد معرفة حياةُ زينب الـشابـة التي بالتأكيد انها ارتبطت ببؤسٍ رافقها إلى الآن!
وجعلها تخرجُ متخبطة. . .


***


صليتُ المغرب وأنا لم أزل أشـعر بتحركاته ورائي!
منذُ أن خرجتُ معه ظهـراً إلـى هُـنا وهو لم يهدأ ولم يكنّ له بالاً، حتى وان تحدث وأسهب بحديثه وتعـمّق به، هـذا لا يعني انه خال البـال!
صاحبي وأعرفه لا يخلُ باله من أمراً أراده حتى يحققه، ولكن ما هو الأمر الذي تفوّق على الكبـرياء الذي بداخلك وظهر لي!

توجهت إليـه وهو لم يزل واقفاً بعد طوافٍ ليس بالقليل بين جذوعِ الشـجر، رمـى بسيجارته وهو يتأمل غُروب الشـمس: اشبيك متضوج؟
البنت طلعت بريئـة خـ.....

قاطعني : ومن كَالك اني متضوج علمودهـا،
أني مشـغول بالي على مـحمد، المفروض أمس يجي.

تحدث وأنا أطمأنه: لا تخاف عليـه، أكيـد أنشغل ويا أُبوه تعرف نهاية الصيـف يكثـر الشـغل عليه!

نظر إلي: ومن كَالك بنهايـة الصـيف، خالـي الشـتاء بدا يلوح لك بيديه.

رفعتُ يدأي إلى تلك الهواء العليلة: ياباااي على الأجـواء نهاية أكـتوبر.


***


يرفعُ يديه كصغيرٍ ينتظر من امه الواقفة احتضانـاً، فها هي النسـمة العليلة تحتضنه!

انحنيتُ إلـى تلك البِركة القريبة مالئٍ يديّ منـها، راشـقه على وجهه المُبـتسم قد ساعدتني عينيه المُغمّضة على فجيعته التي خرجت حيالها شهقةً من أواسـط روحه: طيـّح الله حظك.

وما انـهى جملتهُ حتى استوعب البِركة وبدأ برشـقي!
بدأنا عراكُنا بالمـاءِ وكأننا عُدنا أطفالاً تسيُر من المدرسة التي بُنيت في آخر فرعهم إلى بيتيهما التي وقعت في أول الحـي!
ولا تخلو تلك المسيـرة من مراشقاتٍ بالمـاء المُتبقيّ بحقيباتنا..
لا شيءَ يُشـابه تلك الأيـام إلا الضحكات التي أصبحت رجوليةً بحتة بعدما كانت في ذاك الوقـت ضحكاتُ أطفـال يبتهج من يسـمعها من خلف نوافذ البيوت المُغلقة!


***


خرجتُ من ديـالى بعد صلاةِ المـغرب ذاهبـاً إلـى شقلاوة!
روحي لا تحتمل ذنبـاً كموتِ أبو ينال وابنه لا يعلم، لقد قُلتُ انه علمه وعدمه لن يؤثـر، نسيتُ دعوة المشـتاق انها قد تُصيب إذا أراد مولاهـا ..
لقد وضعتُ نفـسي مكانه!
لو كان أبي بهـذه الحال ما أنا فـاعلٌ بصاحبي الذي يشاركني ضحكي وعشاي وهو يعلم انني لو علمتُ بأمر أبي لن أضحكُ يومـاً..
أبيه الذي مرّ علـى غيبوبته أسبوعاً، الأمرُ لا يحتملُ التأجيـلُ أبداً .
فقد تُفارقـه روحه وابنه لاهيٍ بعشقٍ محرمٍ على عشيقته التي لا تعلم !

رنّ هـاتفي برقمٍ اتصلتُ به صباحاً .. انها زُمردة آلن: ألـو

ردتُ الصـوت وهي مبتهجـة: أبويه صحـى،
والله صحى، اني حاجيته يرد علي يحاجيني، والله محمد يباوع علي ويحاجيني!

ما هذه الفرحة التي تسكنُ صدر هذه الفتاة!
ما هذه الفرحة التي تجعلها تُحادثُ غريباً بهذه الطريقة وهي قد ارتجفت بسببه صباحاً؟

رددتُ حامداً الله : الحمدلله!
قرّت عينـج زُمرد .

كأنها أدركت انفعالها في الحديث وتداركت نفسـها وهي تردُ خجلاً: تسلـمّ حبّاب.

لقد بهتت فرحتها التي زفّت إلـي!
لمـا هكـذا ترحلُ البهجة من صوتك؟ زيدي قلبي جُرعة فرحاً حتى أزوّد بها أخيك المُتعب في أرضِ شـقلاوة، تحدثت وأنا أحثها على تلك الحماسة التي فقدت: تكَولي حجى وياج ؟

عاد تلك الروح الصاخبة تدبُ بها: أي والمسـيح حـاجاني – ثم أسمعها تحادث أحداً بجانبـها – أخابر مـحمد ... أي صديق آلن.

ثم عادت تحادثني: محـمد، يـنال دا يخابـرك.

تسلم الهـاتف اخيـها وما ان شعرتُ انه قد وضع الهاتفُ على أذنه: قرة عيـنك أبو آدم، إن شاء الله سلامة دايـمة.

تحدث وأنا افتقد تلك الروح الصاخبة التي حادثتني اخته بها: يخليك ربّي ، ولا يوريك مكروه بـغالي – صمت ثم أردف – آلن يُعرف؟

كأنني لامستُ بصوته عتاباً لأخيـه!
فيحقُ له، أ يتواصل معهم صاحبه وهو لم يُكلف نفسـه أن يسأل: لا ما يعرف، أني ضميت الخبر عنه!

تحدث وهو يملك روحُ آلن: ما عليـه، بس خليه يخابر أبويه تعرف من أول مشـتاق له، وهسـه فاقـده حيل لو ما كَال لنا واضح الشُوق بعيونه، كلمة من آلن تطيب خاطـره،
وهمينه كَوله يخابر على موبايلي لأن تعرف ملاذ دا ترجع البيت وأني باقي..

أعلم أنك تُكابر كما يكابرُ أخيـك ، أنت من اشتاق وتتهم ابيك بالشُوق
لا تُريد ان يعلم ذاك الأخ بشوق أخيه!
وأن أعلم بما يضرُك بل سينفعكُ وينفعه، لا يفتـأ أخيك عن قول " هم ما يردوني" كلما عاتبناه بقلة تواصله ..
أخيك يُكابر كما تُكـابر أيـضاً ، أخيك والله انه كان ينتظر إشـارةً منكم تدعوه إليكم، حتى يأتيكم ويقول انتم من دعـاني!

أخـوك عـصيٌّ مثلك : رأساً من أخبره، دا يخابر ابوه من دون ما أكَول له..


***


أراهم من نافذة المطبخ بعدما سايرتُ زينب ونزلتُ مـعها حتى أضمن عدم إخبار ذاك المُبتهج بأمر السـلاح!
ساحرانِ هـكذا وهم يلعبـان بالمـاء، جميلة تلك الضحكات المُفعّمة بالرجولة!
ساحـراً وحده بعدما تبلل شعره بالماء وسط ابتسامةً لا تغيب وادته وسامةً،
جميلةٌ تلك العيون التي أُغلقت كردةِ فعل بعدما يُرشقُ وجهها بالمـاء، فتبيّن رمشـينِ طويلينِ بللهما المـاء وأظهر سوادهمـا الفاتن!
أنه فاتنٍ بكل ما تحمله الكلمة من مـعنى..
أراهما يفترشان الأرض بعد تعبٍ أرهق رجلين عادا لأكثـر من عشرين عاماً،
أراه يضعُ يُشبّك يديه واضعها وسادةً له وابتسامته لم تغيب وهو يبدأ حديثٍ مع صادق!

أتاني صوت المنسيّةُ ورا ظهري: اش دا تباوعيـن؟
لج ساعة صـافنه .

أفسحتُ لها مكاناً في النافذة وما ان رأتهم حتى ولولت: سودة عليج يا زينب هسـه دا يتمرضون..

أسـرعت إليـهم وهي غـاضبة وبقيتُ في مكاني مُنتظرة قدومها إليهم. . .
أراهم يلتفتون إلى صوتها الذي أتانا جميعاً من بعيـد: خرب حظكم على حظ اللي خلفكم!

أرى آلـن يعتدلُ جـالساً يحادثـها بصوت بالكـادِ أسمعه، وحديثه جرّ ابن اخيها للضحك الصاخب وميلانها على جذعٍ ساقط من تلك الشجرة القريبة..
مما جعل آلـن يهمّ بتقبيل رأسـها مما جعل الجذع يلسـع فخذه التي أراه يمسدها وجعـاً بان من تكشيرة وجهه، وما ان رفعتها ثانية حتى هرول لاحقاً بصاحبه وأصواتهم تصلني بوضـوحٍ..
لقد عاقبتهم عمتهم، وضحكوا من حديثٍ بينهم، ما بال وجهي متشدقاً بابتسامته إلـى الآن!
لا أنكُر أن شكله أسرني، ولكن هذا لا يدعي للابتسامة التي آلمتني من كثر توسـعها !!


***


لقد اتعباني بتربيتهما صغاراً وبدأوا "يتشاقون" كباراً،
لو كان هذا سيخففُ عن همٍ اعترى قلوبهم حلالٌ بهم تعب السنين الماضية والآتية!
لم أسـمعُ ضحكاتهم منذُ دخلت بيت آلن "استخباراتية"..
من ذلك اليُوم لا أسـمع بيـنهم إلا شجاراً أو حديثاً جداً خاليـاً من مزاحاً كان بلسماُ يُشـفي روحي من ذاك الكمَد الذي استوطـنـها ..
عُـدتُ إلى مَهتاب التي بُت أرحمها من الآن أثر عقاباً ستتلقاه من آلن فور معرفته بسرقتها لسلاحه الذي أصبح كابوسٍ يوقظه من منامه..
هذه الفتاة لا تعرف مع من تلعب ؟
لا تعرفُ آلن حق المعرفة وإلا ما تجرأت لحظةً واحدة على ان تؤذيـه بشيءٍ بسيـط!


***


الضحكُ يوجـع القلب المكلـوم!
حقـاً هذا ما أشعرُ بـه، ألماً في قلبـي الذي لم يعتد إلا على تلقف الهموم خلافُ بعضـها، لقد أخذ حقه من الضحك والأُنس ما كفـاه في وجود أهلـيّ!
أما الآن لا يحقُ له أن يفرح وأهله أغرابّ
يستحقُ الترح على غيابٍ قادني إليـه وبُت لا أعرف حتى ما معنـى الاشتياق!
لقد تعمقت بكل أسماً يُضـني .. تجاوزت الولع والحُرقـة..
وتلك الغصّـة التي تُحثّني إلـى البُكاء ولكنها تعـود وتسكن القلب بعد رفض دموعي لها !
هل جرب أحدٍ غيري غصّة القلب التي لا تُشفيها دموعاً ولا صوتاً يأتي عبر الموجـات من بعيد ..
كُنت عصيّ الدمـع، إلا انه أصبح ذاك وبالاً علي، ما ضرني دمـعاً نزل وأشفى القلب !
ولكن أين العين التي تستقبل الدمـع وتسكبه بعد أُنـفة قلّ من يملكها
أيـن العيـن التي تحفظ بداخلها صوراً احتاج ان اراها بين حينٍ وآخر..
أين العين التي لا تخُون وتحفظ ملامح الغائبين حتى أطفئ بها لهيب اشتياق صهر القلـب ووضع به سوادٍ لن يزول وان زال جبل قزوين بأكمله!

سمعتُ صوت صادق الذي فتح الباب: لهسه ما خلصت؟

نظرت إلى لبـاسي الذي انتهيت منه منذُ مُـدة!
هل أصارحه وأقول نظرتُ إلى شكلي في المرآة ورأيت بؤسـه الذي جرّني إلى حديثٍ يوجع القلب فوق وجعه، سحبتُ المشـط الواقع على رفّ التسريحة: هسه اخلص!

أوهمته ببطء يسكنني، مُتغاضيـاً عن حقيقة لا يجوُز له ان يعرفـها، لا يحقُ لأحدٍ أن يعرف مدى الشـُوق الذي أوصلني إليـه أهلي!
مما جعلني لا انظرُ لنفـسي حتى لا أراها ملامحها تسكنني ويعصف بي عاصفٍ لا يذهب إلا بعدما يملأ القلبُ حسراتٍ تلو حسرات. . .
أُليس البـيوتُ أسرار .. حتى الاشتياق والبُعد سراً من أسرار هذا البيت، الذي تركه أهله وبقيَ سرّه بقلب من تركوا خلفـهم


***


أراها تضـع كل ما تملكُ من قوة بغـسيل أوان العـشاء بعدما أغضبها آلـن وهي لم تخرج إليـه!
لقد اغضبها عندما رفع صوته قاصداً ايصاله لها وهو ينـعت الإيرانيـون الذي بدأوا يتطوعون بالـجيش مرتزقة!
يحق لها ان تغضب فآلن لن ولم يتوب عن إغضابها الذي جلب له الشـقاء
ألم يؤنبـه ضميره ظُهراً ما باله يُحرق قلبها مساءٍ ؟
لن أحادثهـا وأبرر لها فعلته كما كُنت، كلاً يُبرر ما فعل، لقد تعبت وأنا أُبرر أحادثه وأخرجُ بشكل ساذجٍ أمامـها .
دعهم وشأنهمّ!
فقد تركتها اليُوم تتصرف بـسلاحه، وهذا أيـضاً يساعدني على تركه يُبرر أفعاله!
أوقد النارَ ناراً حتى تنطفئ . . .


***


في جلستنا التي تمردنا على زينب وعصيناها وخرجنا لها مُجدداً،
أحسستُ انني كسبـتُ آلـن من جديد!
لا أعلم لما أحسستُ أنه أقرب لي من أي وقتٍ مضـى، رُبمـا كُنت انا من سنّ البُعد، واحترم رغبتي وآثر على نفسه الصمت!
نعمّ , أنا من أخطأ وليس آلن، أراه ليس بذاك المُتحسس من حديثٍ سبق، بل وانه لا يزال يُستهزأ برجالٍ تديـنوا دينه.. عندما أرادوا بنـاء "دويلة" في العراق حفاظاً على أرواح المسيحيين!

ولكن هذه الدولة لا يدخلها إلا الكلدان من المسيحية، أي ان الحماية لا تشملُ آلن.. الذي هو بنفسـه حمايةٍ لمن يلتجئ إليـه!
فلا داعي لحمايةٍ دينية مُسيسة ابتدأت بمحاربة أرضـها ..
حديثهُ عن أولئك الرجالُ جعلني أندم على كلمة "عُنـصرياً لدينه".
لمن يكن بسابقه عنصري حتى يتعنصر اليوم !
لقد كـان أخٍ بغض النظر عن دينه، لقد كان آلـن الذي نتقاسم سوياً لُقمة العـيش والدراسة والسـهر واللعب .. ونتقاسم حائط البيتِ أيـضاً

سمعـنا صوت أبواق سيارة..
بالتأكيـد انه مُحـمد الذي تأخر عن موعـده يوم ونصـف!
وقفنا جميـعاً فذهبَ آلـن يفتح له الباب، بينما ذهبتُ أتـأكد من صحوةِ زينب بعدما قارب الوقت الحاديةُ عـشر ليلاً ..


***


هو من استقبلني، وهذا ما جعلـني أتردد بما سأقولُ له!
هل أقول لي انني قاسـمتك الحياة ليلةً كاملة وانا أعلم بوضعي أبيك ولم أخبرك!
أم أخبره بأنني فوجئت عند رحيلي من شقلاوة في المرةِ الأخيرة وهذا ما جعلني أعوُد في أقرب فُرصـة سُنحت لي!
لا أعلم كيف ابدأ ، ومن أين أبدأ..

تحدثَ بابتسامةً قتلتني قبل أن اقتله بحديثي: حي الله أبو خالد،
وينك يوميـن، والله خفت علييك .. لا تغيّب هيج كَبل تكول لنا ..

خوفه الذي يندُر إظهاره جعلني أتراجع عن اخباره بأبيه، ولكن كيف وأنا قد وعدتُ ينال أن يكلم ابيه فور وصولي إليـه ..
قطع ذاك التفكير المُميت وصول صادق وعمّته اللذانِ غمّروني بتحياتهم وطيب اخلاقهـمّ .. فقد

انتشلوني من ذاك التفكير العقيمّ إلى واقعهم: عدّي لكم أخبـار، - ثم عُدرت أدراجي إلى الخلف حيثُ السيارة مُخرجاً الكاميرا التي أوصى آلنُ بها – هاي أمانتك ..

نظروا جميـعاً إلى ما أعطيته، وسط استغرابهم من هذه الأمانة!
التي جعلت آلـن تبين على ملامحه بوادر الغضـب وأعلم سببها ، لما اخبرتني ملاذ بتلك الأمانة التي اختصـها بـها ..
حث خطاه أعلـى واضعاً أمانتهُ في مكانٍ أراده، ثمّ عاد أسـفل بعدما دخلنا إلى تلك الجلسة المُغلقة بعد تشاؤم أصابني من الجلسة الأخرى وما حدث بها في آخر مرة !
لا أعرف كيف ابتدأ وهل هُناك طريقة يُبتدأ؟
الفجيعةُ ليست مقتصرة على حاتمي الطبـاع، صافي الذهـن!
لا أعلم ما الذي لعب ببرمجة عقله وجعله هـكذا، أُيعقل ان آلـن ينزلُ من برجه العـاجي حتى يكسب لها كاسات الشاي!

تحدثت عمتي مما جعلتني اتشجعُ قلـيلا: اش عدك أخبار، شوقتني!

حديثٍ كالذي سأتفوه به لا يحتمل اشتياقاً يـا عمّـاه: كَبل كم يوم خابرني يـنال.

وضـع آلن كاسه الذي كاد ان يرتشـفُ منـه، تخبط في وضعه مما جعله يُسكب على يده، يعلم ان أخيه نادراً ما يفتح هاتفه!
وان فتحه هذا يعني انه هُناك امراً جلل ..

هوّن عليك يا آلن.. وهوّن عليّ تأنيب الضمير الذي احسستُ به قبل ان اتحدث! : وكَال لي أبوك وكَـع،
ولـه أسبـوع بغيبـوبة – أسرعت حديثي – هسه وأني جاي شـقلاوة، خابرتني أختك تكَول صحى..
تلعثـمت الأحرفُ في فـمي وأنا أرى زيـنب من وقفت مذهولة من هـولِ ما سمعت!
لقد انتقلت العيـون والقلوب لحديثٍ قالته :


انتهى





مخرج الفـصل الثامن والعشـرون ..

ذكرتُ بلاديْ فاستهلَّتْ مَدَامِعي
بشوقي إلى عَهْدِ الصِّبا المتقادِمِ
حَنَنْتُ إلى أرضٍ بها اخضرّ شارِبي
وقُطِّع عني قَبل عقدِ التّمائمِ

× لم يُذكر مصـدره×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-19, 09:33 AM   #32

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مدخل الفـصل التـاسع والعشـرون

يقولون أمي في العراق مريضة
فقلت لهمْ كلُّ العراق مريضُ
جراحٌ وصبرٌ واحتراقٌ وغربةٌ
ودمعٌ ولا كلَّ الدموع يفيضُ

×كريم العراقي
"




وضـع آلن كاسه الذي كاد ان يرتشـفُ منه، تخبط في وضعه مما جعله يُسكب على يده، يعلم ان أخيه نادراً ما يفتح هاتفه!
وان فتحه هذا يعني انه هُناك امراً جلل
..

هوّن عليك يا آلن.. وهوّن عليّ تأنيب الضمير الذي احسستُ به قبل ان اتحدث! : وكَال لي أبوك وكَـع،

ولـه أسبـوع بغيبـوبة – أسرعت حديثي – هسه وأني جاي شـقلاوة، خابرتني أختك تكَول صحى..

تلعثـمت الأحرفُ في فـمي وأنا أرى زيـنب من وقفت مذهولة من هـولِ ما سمعت
!
لقد انتقلت العيـون والقلوب لحديثٍ قالته : وحق علي ما تجذّب عليه،

هو حي لو ميت،
والله دا اموت وراه أنـي !

أردتكِ عونٍ لي لمصيبة ذاك الفـتى أصبحتِ أشد منه خطبـاً
.

وقف ابن أخيـها مؤازرا لها : كَولي يالله عميمه
!
اش بيج لا تتفاولين على الرجال
..

أخذ الدمعُ منها جمالُ عينين وبريق خدين، لم أعتدها هكذا باكية، سرقتُ النظر لذاك الصامت الذي يُخفي ورا صمته حروبٍ تتطاحن في صدره: آلـن،

اليُوم لما خابرتني أختك تكَول انه كُلش زين .. لا تقلق عليـه،
همينه ينال خابرني يكَول زيّن!

لم يرد
!
وهذا ما أصابني بذعرٍ مما سيأتي
..


***


كيف له ان يقولها هكـذا، كيف ساعده لسـانه على قول حديثٍ مثلُ هذا
!
أ قال لي قبل أسبُوع؟

ولمـا لم يخبرني إلا الآن، يبدو انه للـتو عرف فهو يقول انه كان مع اتصالا مع أختي وهو في طريقه لنـا ..
وهذه التي تذرف دمعها ما خطبها؟ هل هي عادة البواكي التي اقترنت بمذهبها؟

او انها فعلاً مُشفقة علي مما حدث!
انتصبتُ واقفاً، لا أعلم أي وجهةٍ أوجه، فأبـي من ضعُف
.
آدمّ من اشتكى أسبوعاً من آلامه بينما أنا أُجاكر تلك الإيرانية بشيءٍ تافه
!
فليعفُو لي الربّ جهلـي .. فليغفر لي سوء عملٍ عملته وأبي هذا حاله
..

تحدث مُحمـد وكأنه انتشلني من ذاك الـضياع الذي جعلني واقفاً هكـذا : خابرهمّ
!

أمسكتُ الهاتف وأنا أشعرُ بضـبابٍ يعتري عيناي
.
نعم أنه ضبابٍ لا سواه
!
شقلاوة بدأت شتاءها هذه الليلة، وسكن ضبابُ سفح الجبال عينـاي
..
خرجتُ في الفـناء وأنا لا أعلم أي وجهةِ موليـها، ولكن كل ما أعرفه أنني لن أحادث أهلي الآن
!


***


الويلُ لها كيف تقول هكذا امام آلن وتُثير مشاعره الذي بات يُخفيها وما أن فضحـته وجعلته يغادر
!
كيف تقول انها "ستموت" في حال موت ذلك الرجُل
!
وهل ترى مصابها بأخوتها اعياها جيداً على حياة شقيـة تخافُ بها المـوت
..
تتـمنى الموت خلاف موت أي أحدٍ في هذه الدُنـيا، عظيمٌ مصابك يا عمّاه
.

عظيم أمرٍ تحملتِ ، فلنطبطب على كتفك ذاك المـصاب البعيد الذي لا يربطك به أي صـلة: عميمه حبابة لا تصيحين،

محمد شكَالج سمعتيه؟ يكَولج انه بخيـر، يعني ماكو عدّت سليمة!

***

لا تعلم حجم المصاب يا أبن أخي حتى تقول لي كافي
!
لا تعلم من هو آدم بالنسبةِ لي حتى تنهرني عن البكاء الذي لا يُقدم بحاله ولا يؤخـر،

لا تعلم ما الذي جرى لعمتك وجعلها هكذا هشةٍ عند ذكـره !

تحدث الآخـر وهو أيـضاً يواسي: طيب ليش ما تخابرينه وتتطمنين عليه بنفسـج، هسه آلـن ديخابره
.

لن يحدثُ ذلك
!
لن يكون ذاك الاتصال ولو تقطعت أوصالٍ من الشـوق والوله،

لن أحادثه وآخـر حديثٍ بيننا قال فيه " تركت لج آلـن وهو كـطعة من روحي،
امانة الله ما يصير له مكروه وأني ما هنانا، ومن أطلع من العراق أنسي واحد أسمـه آدم"!
يُخبرني أن ابنه في محل النفسِ حتى لا أحادثـه، وكأنني كُنت سابقاً أحادثه
!
يحادثني وهو يُبقي ابنه بجانبي كعربون اعتذارٍ حتى يقول لـي " أنسي آدمّ
"..
لن أحادثه وهو من علّقنـي به، ثم ارتحل
!
ثم اعادني إليـه مُجدداً .. وما بقيَ وقتٍ حتى رحل من جديد
.

تداركتُ الأمر الذي قارب ان يبين ويُفضح امـري، ويضيع وقاري وهيبتي بعيون ابنائي: لا عفـيه
!
اخباره اش دا اكَول؟ يخابره آلـن ويطمـنا كلـنا
.

شددتُ على كلمة "كلنا" حتى يلقطاها هذان الشقيان اللذان رأيت اهتمامهما في هذه الصدمة الجلية التي بانت على ملامحي
!
أنكم لا تفهما العشـق.. انكم لا تفهما انني حائرةُ من أسبوع بأحلامٍ عنه، بينما ابنه وفلذةُ كبـده لم يشعر بذلك
!
هـو العشـق الذي يتسنى به العاشقُ حتى يُدرك ما يحدث لمعشـوقه ولو حالت بينهم سبع بحار
..
وأن علمتم أمري فلا تلومانـي
!
فأنني امرأةٍ ضحُكَ عليها بشيءٍ دفعت ثمنه رضى أخوتها
..


***


ما هذا السكُون الذي حلَ بهم،

يبدو انه فرصـةٍ مُناسبة حتى أحادثُ محمد بموضوع اتصالي بأهلي الذي مُنعتُ منه برغبةٍ مني !
لقد اكتشفتُ سذاجتي بوقتٍ مُتأخر
.
ماذا لو علم مُحمد بأمر سلاح آلن، هل ستبقى ورقتي الرابحة بيدي أو انه يسنّ سنة من قبله ويصدُ عن حديثي كما صدّ صاحبـيه
!
هذا السـلاح أصبح مقتٍ كبيراً اقترفته، لما لم أفكرُ بعواقبـه، لما لم أفكر بما سأعاقبُ به من قبل مُـحمد
!
فلا شأنُ لي بالآخرين لو وقف معي مُحـمد ، ولا شأن لهم لو تركني مُـحمد
..
هل تُرى زينب تحدث بأمر السـلاح عندما لقيت هذه الفرصة الذهبية عندما اجتمع ابناءها، ولكنها وعدتني أن لا تحكي شيئاً
.
أثقُ بها لن تحكـي
!
فغرفتي لا يدخلها سواها وهذا وحده اطمئنانٍ يجعلني اُحكم حجابي حتى أذهب إلى مُـحمد
.
لن أحادث الجلمود وصاحبـه .. بل سأُنادي مُحمد بمفرده وأذهب معه دون علم الجميـع
!
لقد كانت زينب ستُدبر لي مكيدةٍ أرحل بها إلى ديـالى
..
ولكنني أقعُ بغبائي للمرةِ الثانية وأرفضُ عرضاً مُغرياً كهذا،

رفضتُ مكالمة أهلي التي أتتني على طبقٍ من ذهـب، ورفضتُ أيـضاً خلاصي من هذا الجحيم .. وللـتوِ أنـدمّ!


***


لما لا أحادثهم؟

ما المانع؟ سيكُون حديثي معهم من باب الاطمئنان على أبي، لن يشعروا بقدر الشـوق الذي انهك قلبـي!
لم يشعروا بمدامعي .. أبـو آدم يبكي كطفلٍ أضاع أبـاه في مجمعٍ تجـاري
!
ألُون أمه يبكي فراقها الذي شرعته بيديـها
..
يبدو ان مدامع السنين الست الماضية تراكمت وخرجت الليلة
!
خجلٌ من نفسي
!
أبكي من أجل أمرٍ كهـذا .. وهل هذا أمراً لا يستحق البُكـاء؟

قلة الحيلة من تُبكيني، لا بحراً أعوم به، ولا جواً أطيرُ بـه،
كلاهمـا يطلبا تصريحٍ أمنياً للخروج، وهل للمطالب تصريحٍ يُنفذه من شِراك اميركا حتى يصلُ بلجيكا سالماً ..
وهل تُضمن سلامته في بلجيكـا ان ذهب؟

سأجدُ طريقة تُخرجني من أرضِ العراقِ بأسرعِ وقت!
لن يطول هذا الغيابُ بعد الآن، الرحيلُ هو الحـل، ولكن ما أنا فاعلٌ بصادق المطلوب نتيجة أعمالُ يدي
!
أنا من سوُلت له نفسه أمراً.. وصـادق من يُتهم
!!
خروجي لن يتأخر، سأحيد صادق عن الذهاب معي فلن تبقَ عمتي في منزل أبـوُ محمد حتى زوال أميركا من أرضـنا
..
فلا عُودةٍ تُسمحُ لنا حتى يسقط القـاضي
!
ولكنني لم أفكرُ بمن جررتها خلفنا، هل ستذهب مع عمتي إلى منزلِ أبُو محمد؟

لا لن يكون، لن تذهب إلى بيتٍ به رجال ولو كان صاحبي وأباه!
لن تذهب.. فلتسلم نفسها لبلدها أن أرادت
. . .
رنّ الهاتف الذي بيدي.. مسحتُ تلك الضباب الذي تكُون أمام عيناي مكتشفاً أسم المُتصـل، أنهُ يـنال
!
حقـاً .. هل ينالُ مازال منتظراً مني اتصال وابطئت به؟

أو انه حديثٍ عابر يتجاذب أطرافه مـع مُحـمد، وهل هُنـاك حديثٍ يُقـال بعد الـذي قال لي مُـحمد؟
وهل مُحمد مُحقاً بكل ما قال؟
أو يهوُن عليّ حتى يُسهل عليّ أمر ينتظر سماعي له من أهلي..
اللعنةّ
!
انقطع الخط قبل ان أرد، لا جراءة لي حتى أُعيـدُ الاتصـال بـه
.
لا أملكُ تلك الجراءة التي ملكها هو وطلب محادثة مُـحمد
!

عاوُد الاتصال من جديد ورددت من أول ثانية، سمعتُ صوته الذي فقدته من شهور ليست بالقصـيرة!: شو ما راضي يخابر أبوي؟


أعلم انني معنـي بالحديث، وأعلم انه لم يبتدئ بالترحيب لانه للـتوِ أغلق آخر مُكالمة بينهما سُجلت قبل ساعة..
أعلم انهما تحدثا عني، أو عن اتصالي بأبي كما يقول ينال: أنـي آلن
!

لا أعلم لما شعرت بفتورٍ يعتلي ملامحه، ودهشةً تُصـلبُ أطرافه، لقد سمعتُ صوته غيرٍ عن سـابقه، صوتاً أهدأ ، أشجا: هـلاو بيـك، شـلونك؟


وما هو لوني يا أخي؟
ما هو لون الفاقد للونـه، ما هو لون من رحل لونه قبل ست سنين إلى بلاد الغُربـة تاركه خلفه بلا أهلٍ ولا هـدفٍ ولا لـون!
ما هو لون الضرير الذي أبـصر النور بصـوتك وسأله النُور ما هو اللون الذي كُنت تُبصرُ بـه
!

ما هو لوني أن لم يكـن يشابه اهله ويجالسـهم؟: كُلـش تمام،

شـلونك وأمي والبـنات؟ شلوُن أبُوي؟

لقد نطقت كلمة "ابوُي" وأنا على علمٍ "بلونـه" عكس البقيـة !
نطقتها بمرارةٍ شعرتُ بها عندما توقفت عن الحديث، هل للاشتياقُ مرارةً أيـضاً ؟

نطق أخي والمرارةُ تنتقل إليـه: أبُوي ما بخـير يا آلن كُلـش.

ليتُك لم تنطقُ يوماً .. أو ليتني لم أسمعُ يـومــاً
.
كُتبت عليّ الغربة ببعده وكُتبَ عليكم الوطن بحضنه، وهل رأيت أحدٍ يستظل في فيافي الوطـن ويناجي غربته
!
أو رأيت غريبـاً يـرى الوطن بوجه واحداً فقط،

تقاسـيمُ وجه أبي تحمل بداخلها ثمانية عشرا منطقـة!
ترتكزُ بغداد بشـموخه، وعينيه دجلة والفـرات
..
وهل رأيتم أبٍ مثلُ أبي؟

هل رأيتم وطناً مثلُ أبـي ..
لقد كُنت مُغفلاً عندما فضلتُ البقاء وفاءٍ لبناياتٍ صـامتة
!

حدثتُ الصـامت الثابت كتلك البنايات: يكَدر يحجي؟

أريد اخابره!

وكأنني لبّيت حلمه الذي رنا إليـه في بداية المحادثة عندما سأل مُحـمد عني: هسّـه اروح له
..
شعرتُ بخطواته التي تسيرُ إلـى حيثُ أبي، شعرتُ أن خطواته هذه نفسـها تحمل روحي فوق اكتافها تلقيني في حسـرة الإلتياع الذي للـتو شعرتُ به
!
الويـلُ لك
..
من مكابرةً دامت طويلاً ولم تجني منها إلا لوعة تُذيبُ قلبـك وتصهره بكل خطوةً يخطيـها أخيـك
.

سمـعتُ صوته يحادث أبي: هذا آلـن ديخـابرك
.

لم أسـمعُ ما قاله أبي ولكنني شعرتُ بلهفـته، والله انني شعرتُ به
!
أعلم أبـي وأعلم تحركاته وما يسكن صدره من صوت أنفاسه التي تُخبرني غضبـه، وسماحته، ومُزاحه، وجدّه ، ولهوه
!
ما بالُ قـلبي يقرعُ طبـوله هـكذا ؟

هوّن عليـك يا قلب، فقد كُتب عليـك اللقاء البعـيد!
هوّن عليك لا يسـمعُ أبي ونينٍ يعتريك ويتوقف قلبه نتيجةُ ألمـك
..
هوّن عليك فآدم ليس آدمـ "ك" السـابق، تمنيتُ لو أراه لحظةً هل غيّـر الزمن به شيئاً؟

هل تجعد وجهه النيّر؟ هل امتلأت يديه بنقط الشيب السـوداء؟
هل أبيّض شعره أكثـر من سابـقه؟ هل مازال يُنـافس ابناءه شكلاً؟
ما الذي عمله بك الـزمن يا أبو ينال؟

تحدث مُجيب تاركٍ الزمن يعملُ بي ما عمل به: هلاو بالقلب، هلاو بآلن،
وينك بابا مدا تخابر؟ والله قلقتني عليـك.

لا أحتملُ تلك الحنيّة التي تُخزيني أمام نفـسي، لا أحتملُ هذا العتاب الرقيق الذي يُخجلني من نفسـي ومن نطق كلمة أبي أيـضاً : هلاو بيـك،

تعرُف يُبـه أكلمكم بالقـطارة من موبايل مـحمد.

لمحت الحسـرة في صوته: الله يهديـك بابا ما رايـد تخلي حركاتك هاي اللي تولي بيك من طركاعة لطركاعة
.

والله سوف أتخلي عنـها، ولكن بشـرط عُد إلـي
!
دع الحيـاةُ تبتهج بـك مرةً أُخـرى، حيُنا السكني الذي أشعلت شموعه بيدك انطفئ
!

حتى البيُوت شحتَ علينا بالبقاء على اطلالك وتهجرنا منها: تأمر أمر كم أبو ينال عدي أني
.

ضحك، وهو يسمعني أُعيد له موشـحٍ قديمـاً بيننا، وما ان ضحك حتى عاد الضباب لعينيّ مجدداً: عاشت ايدك بابـا،

ديلاا ما أريد تتأخر على صاحبك وانته تـخابرني.

أ تخافُ ان يُثقّلُ حديثنا على مُـحمد؟

هكـذا كُنت شحيحـاً على بالوصـال دون ان تعلـم؟
لا تعلم أن ضحكتك ردت لـي الروح المسلوبة كبغداد التي سُلبت مني قبل شهريـن!

سمعت يـنال: لا تسده ، أني دا خـابره
.

لم أقل شيئـاً فهذا حلاً مُـرضـياً يجعلني اتزود بينالُ ثانيةً ، لا يهمَ من أحادث الأهم انه من اهـلي: آلـن،

دا تسمعني ؟

أعرفُ نبرته تلك التي تُشابه نبرةُ أمـي، يتحدثـا بنفس النبرة التي تحمل خلفهما شيئاً من العيـارُ الثقيل: آلـن، صار شي جديد اشغلك عن محمد؟

لا أعلم ما هو الشي الذي سيشغلني عن مُحمد، الذي أقضِ نهاره مُلاصقٍ به!: لا.

أوقع تلك الخيـانة التي صدرت من مُحمد: لعد ليش من أسبوع ما خابرت
!
نتنا منك مخابرة تطمن على أبُوي، وفي شغلة جـنا بنخابرك عنه" نتنا= ننتظر
"..
بس هسـه ما وكَـته
..

كيف ان يُخبئ عني خبراً هكـذا؟

كيف سوّلت له نفسه ان يُخبئ عني أسبوعاً؟
لقد قال لي ان ابي للتو صحى من غيبوبةً دامت أسبـوع، ولكنه لم يخبرني أنه طوال الأسبـوع يحادثـهم عن حالُ أبـي وأنا هُـنا يراني أُجـاهد قضية خيانة مَهـتاب، ولم أكن أعلم انني أعاني من خيانة كُبرى كادها لي مُـحمد: لا، هسّـه كَـالي!

تحدث أخي وهو يقف بصف مُحمد: هميـن زين علمود ما تشغل بالك طول الأسبـوع
!

أغلقت الهاتف بعدمـا ودعتهُ وأنا أشعرُ ان مُـحمداً باع تلك الرفقة من أجل ان يحل قضية الإيرانية
!
أعلم انه اتى ذاك اليوم من اجل أمرٍ مُهم ولكنني ظننته من أجل السلاح، لم أكن أتوقع انه من اجل احدٍ من أهلي
..
ولكن ما الذي دعاه لإخفاء ذاك الخـبر؟



***


دخلت والصمتُ يحل بالمكان و بالوجوهِ أيـضاً، أرى اكفهرار وجهُ صادق المُسند رأسه إلـى الكنبة، وتلك البائسـة التي على وجهها آثـار دُموع!
أمـا ذاك المعني بمجيئ مُخفضاً رأسـه أسفل ينظر إلـى الأرض .. إلى اللا شيء
.

نطقتُ بعد صمتِ متأملة: سلام عليكم
.

رفعوا رؤوسهم نحـوي وبأصواتٍ مُتفرقة: وعليـكم السـلام
!

آثـرت الصمتُ على حديث وسط هذا البؤس المُسـيطر على الأجـواء،


ولكن أيـنَ آلـن؟ لقد فاته بؤسـاً يجيئ منه مُفرغاً غضبهُ بي، سألتهم عنه: وين آلن؟

تحدثَ مُحـمد: برا
.

اختصر علي هالحرفيـن، دون ان يذكر سبب خروجه
!
هل تُرى انه سبباً بترقبهم؟ وهل تراهم ينتظرون منه العُودة من أجل ما ذهب إليـه ؟

ما الذي سيضُرك لو قلتُ لي سبب ذهابه خارجاً،
لا بُد أن أخرجُ حتى أعرف ماهية خروجه وعدم لحاقُ أحدٍ به.

هممتُ بالوقوف ونهرتني زينب التي علِمت نيتي: كَعدي، ما ناكَصين بلوة
!

ماهي البلوى التي ترنوا إليـها؟

هل هي السـلاح المخبأ؟ أم بلوةً تخصُ خروج آلـن من بيـنهم!
لم اعد قادرة على الانتظار كما هم، أنا لا أملكُ صبراً يتحلون به
..
فقد صبروا لانهم يعرفون سبب خروجه، أما أنا كأطرشٍ في الزفة
!

وكأن آلـنُ حلف ان صُممي لن يطول وها هو يدخـل، وما ان دخل حتى بادرته زيـنب بالسـؤال: هاا شلـونه؟ خابرك؟


تحدث والغمّ يلوّن وجهه بألوانه: أي خابـرته،
يـنالُ يكَول وكَعتـه شينة!
كلمةً مُبطنة قالها بعدما عجز عن نطق "ليـس بخير
".

ولولت زينب: سودة عليـج يـا مريـم سودة عليج
!

حادثتها وأنا لم أعد أطيقُ صـمتاً : مين ياللي تعبان؟

تحدث زينب على مضضٍ : أبـُو آلن.

نفسـهُ ذاك الرجل الذي تحمل بداخلها قصـته، لم يساعدني الوقت على استجوابها بأمره، ولكني اكتشفتُ الآن مرضـه: آدمَ ما غيره
!

لم يفهم سؤالي أحداً سواء زينب التي تعنـي انني اقصد ذاك الذي سألتها عنه مُسبقاً: ما غيـره
..

هذا الحوار القـصيرُ دار وسط عقدةً علت حاجبـا آلـن، ودهشـةً أوسعت عيني صادق ، وسؤال بان على ملامح مُـحمد
!
لقد بيّنتُ لهم أمراً كان خفيـاً، لقد فتحت اعينهم على أمرٍ لم يعلماه من قبل
!
لقد فضحتُ سرهـا، وهل تراها ستفضحُ سـري، وتخبـرهم بأمر السـلاح؟


لا لن تفعلها زيّنبُ أبداً، وهـا هي تردُ على سؤال صادق: جنت احاجيـها عنـه،
علمود هيج كَالت ما غيـره !

صمتُ آلـن استثار سؤال صادق أيـضاً كمـا سأل زينب قبله: اشبيك هيـج صافن
!

كأنه حطـباً وجد من يوقده: ليش ما كَلت لي عن أبُوي من كَبـل؟


تحدث مُحمد المعني بالحديث: كنت بكَولك بس اجيت وجانت مَهتاب متعاركة ويـاك وأجلتها علمود أراضيـها

وقف الغاضب : عمرينها ما ترضـى بت إيران،

ما لك حق تضم عني خبر هـيج!

وقف الآخـر كسابقـه، وأنـا متجاهلة تلك المذمّة التي وجهـت لـي لأتابع مُجريات ما يحدث، رأيت مُـحمد يتقدمُ منه: آلـن فدوة الك،

لا تضـوج هيـج، اني ضميت عليك علمودك وحق القرآن علمـودك، مدا تسوي اشي هـنانا بس حرقة أعصاب وانته تتنا منه خبـر، أني ما كَلت لك علمود هيـج!
ويلك من المطاردة لو من السـلاح لو من مشكلة مَـهتاب "لو = ولا
".

تحدث صادق يُنقذ محمد من مأزقٍ لم يخرجا منه اثنينهما إلا بخسـارة شيءٍ: صح كلام مـحمد، والحمدلله هسّـه تطمنت عليـه،

انته رايد سلامته لو متى عرفت بوكـعته !

لم يرد على صـادق مكملاً جداله مع محمد: لو أبـوك بهالحال ترضه لو أضم عليك؟ "اضم = اخبي
"

تقدم مُحـمد مقبلاً كتف آلـن: خـلاص أبو آدمّ، لو كَلت لك وكَتها ما راح تغيّر شي، قابل لو خبرتك بيكَعد كَبل هالأسبـوع ؟ "قابل = يعني
".

أرى الآخر يخلل شعره بأصابعه بضياع : أني لازم أروح بلجيـكا
.

جلس مُحـمد مكانه: أني أدبرها لك
..

تحدثت زينب: شو هاي يروح بلجيكا؟

نسيت انك مطارد؟ كيـف بتطلع؟


تحدث مُـحمد الذي اسمـاه صاحباه سابقاً العقل المُدبر: يطلع من البـصرة تهـريب، ومن البصرة للكويـت، ومن هناكا يحجز لبلجيـكا – ثم أردف وهو يوجه حديثه لآلـن – أعرف واحد هناكا يشتغل بالمطـار ، بخابره يمشـي لك أمورك.

أعلم ان آلـن لم يزل يحمل بداخله عتبٍ على مُحـمد، وربـما غضب
!
ولكنه كتـمه .. فواحدٍ مثلُ محمد تستحي ان تغضبُ منـه
.
مثلما غضبت زينب من حوارهما الذي كاد ان يسقطُ مدامعها وسط تأييد ابن اخيها لما قرراه
.

***


لا أعلم ما الذي حلّ بآدم ولكن كُل ما اعلمه ان قلبـي حسّ بوجـعه،

لقد "كبّت عشـاي" مَهتاب قبل قلـيل، كُدت أن افقد أنفاسي، قبحها الله كيف تسألني عنه بينهم!
لا يهمّ
.
كل ما يهم انه بخيـر وعاد إلـي، وهل عاد إلـي حقـاً ؟

بل عاد إلـى مريم وابناؤها الثلاثـة، جاهليـن حال رابعاً يحاول الذهاب إلـى بلجيـكا،
سيهربُ بعد أيامٍ كما اتفق مع مُحمد، غير ابه تلك الام بفلذة كبدها الذي سيخاطر بعُمره من أجل أن يراهم.
لا أعلمُ ما هو حالي بعد رحيـله؟

سيبقَ بجانبي ابـن أخي أعلمُ ذلك، وستبقى مَهتاب أيـضاً ، ولكن سأفقد نور عيني وغذاء روحـي،

الروُح اعتادت على مسامرة عينيه النجل الشبيه بعينيّ ابيـه النجل،
الروح اعتادت عليـه .. ولن تستطيع مفارقتـه

***


عُدت أعلى والساعة تقارب الثانيـة، للتـو رحل مُحـمد،
لقد وعدني انه سيأخذني في المرة القادمـة إلى الكبينة.
مُحمد قادراً على اخماد أي ثورة تثور في وجهي مانعتني من محادثة أهلـي،

لا أنكرُ أن آلـن قد عرضَ علي ذلك ، ولكن أخذتني العزةُ بالأثـم ورفضت!
طـرق الباب وفتحتُ فإذا آلـن من طرق البـاب، بطريقته نفسـها، متكأً على حافة الباب، وجه لم يُبشـر بالخـير
.
فالعقدة التي بين حاجبيـه تُخبرني ان أمرٍ قد حصل لم يرضيـه
!
هل أخبرته عمته بأمر السـلاح؟


ما بالي أصبحت أخشـاه ولم افكر به عندما سرقته: اشعدك؟

اتسعت ابتسامته أكثـر: سلامتج آغـاتي.

يستهزأ بي
!
ما الذي جنيت؟

لم أخطأ أبـداً في هذه اليومين، لقد اقترفت أمر السـلاح الذي لن يظهر لاحد ان لم أظهرهُ بنفسـي .


انتهى




مخرج الفصل التاسـع والعـشرون

فقلبي على البيتِ الكبيرِ ولوعتي
على والدي الغالي وصَحْبي وإخْوتي
على الدّار والجار وشطآنَ دجلتي
ومدرستي الأولى وحنّاءِ جدتي
فيا ليتني أمي، بقربكِ جالسٌ
أقبّلُ كفّيكِ وألعنُ غربتي

×كريم العراقي×





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-19, 09:34 AM   #33

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفـصل الثلاثـون.
الحمدلله حمداً يليق بجلال وجهك وعظـيم سلطانك .
.
.
.
عُدت أعلى والساعة تقارب الثانيـة، للتـو رحل مُحـمد،
لقد وعدني انه سيأخذني في المرة القادمـة إلى الكبينة.
مُحمد قادراً على اخماد أي ثورة تثور في وجهي مانعتني من محادثة أهلـي،
لا أنكرُ أن آلـن قد عرضَ علي ذلك ، ولكن أخذتني العزةُ بالأثـم ورفضت!
طـرق الباب وفتحتُ فإذا آلـن من طرق البـاب، بطريقته نفسـها، متكأً على حافة الباب، وجه لم يُبشـر بالخـير.
فالعقدة التي بين حاجبيـه تُخبرني ان أمرٍ قد حصل لم يرضيـه!
هل أخبرته عمته بأمر السـلاح؟

ما بالي أصبحت أخشـاه ولم افكر به عندما سرقته: اشعدك؟

اتسعت ابتسامته أكثـر: سلامتج آغـاتي.

يستهزأ بي!
ما الذي جنيت؟
لم أخطأ أبـداً في هذه اليومين، لقد اقترفت أمر السـلاح الذي لن يظهر لاحد ان لم أظهرهُ بنفسـي: شتـريد؟
ارتعبت من نظرته تلك التي اعلمها جيداً، تخفي وراءها أمرا لابُد انه نهاية محتومة لي!

تشابه نظراته عندما اتهمني بالخيانة: اش لج بمحمد؟

نظرتُ إليه وانا مُستغربة سؤالاً كهذا: شنو هالسوال؟
محمد حسبة اخواني!
ما وَكَفَ معاي الا هو ..

نظر إليّ وهو يصدّ: من الـيوم وطالع تستغنين عن هالوكَفة .. فاهمة.

خرج وانا لم افهم ما الذي قصـده بحديثه!
لما استغني عن وقفة مُحمد معي؟
محمد وحده مـن وقف معي وسـاندني وسط تخاذل الجميع، هل هذه عقوبةً جديدة يا سيّد آلن!
لن ادعهُ يتصرف بي كيفما أراد،
لن يكون ذلك بمقدورك يا آلن، ان مرضَ اباك فلا علاقةَ بي حتى تخرج جنونك على حسابي!!
لن ادعك تتحكمُ بي..
خرجت من غرفتي باحثةً عنه، لا بُد ان يقف عند حده!
فقد تطاول كثيرا ابن آدم.


***


لم استطع ان أواجهها اكثر، فأنا لا احتملُ النظرَ الى عينيها بشكلٍ أطول من سابقه،
قالوا ان الحروب فتنة!
لا يعلمون ان عينيها حربيّ وفتّنتي..
ماذا فعلتِ بناسكٍ يتعبد في ارض العراق؟
ماذا فعلتِ حتى جعلتيه يُعيد حساباته مع بلدك؟
هل هذا ما يُسمى بالكيمياء، ا ترى كيميائك جذبتني من بين صحبيّ حتى أرى الأهواز لا ذنب لها !
هل يُعقل ذلك؟
ا ليس الأهواز جزء من ارضِ ايران؟ أي مجرمين، كاذبين، متدلسين بغطاء الدين حتى يمارسوا أهدافهم السياسة بعدما يجندوا شيعة العراق في صفوفهم ..
أرى هناك تشاوراتٍ خفية بين الملالي والجيش الإيراني تنص على تجنيد الشيعة بصفوف ميليشيا تحتـل العراق، كيف لهم ان يطلبوا من العراقي احتلال ارضه ورفع علم ايران بدلٍ من علم العراق؟
كيف لهم فعل ذلك؟
قبح الله ايديٍ تفعل هكذا ببلدها ..
وقبح الله من يتسربـل برداءِ الدين ليخفي أعماله الإرهابية!
وقبح الله من اثارت الفتنة مُجدداً واتت تقرع خُطاها خلفيّ..
ما الذي أتى بها بهذا الجو الذي ينخر العظم بعد إذابة الروح؟
ما الذي أتى بها خارجاً حيثُ من هَربَ من لقاءها في الداخل ؟
ما الذي تريدينه مني يا إيرانية؟
جلستَ ولَم تبدأ حديثٍ كعادتها بالثـرثرة!
كانت تتأملُ شيئاً في وجهي ولَم رفع نظري حتى أرى ما تأملت!
أ يعقلُ ان الرجل يخشـى ان يتطلع بعينيّ فتاةً حتى يرى ما الذي تأملته بوجهه؟
أ يعقل ان آلن يخشـى النظر لعينيّ فتاةً وهو لم يخشـى جيشٍ كاملاً؟
أ يعقل انه "ركَّع" جيش أميركا و "ركعته" عينيها ..

تحدثت وقد خاب ظني عندما قُلت انها صمتت!: متـضوج علمود ابـوك؟
كيف تسمح لنفـسها ان تسألني سؤالٍ. كهذا ؟
ما علاقتها بأبي، او ما علاقتها بي أساساً ..
قلبـي تعلّق بها ولكن هي لا أعني لها الا ذاك المسيحي الذي انتشلها من بين أبناء بلدها الى سجنها في شـقلاوة: ما متضـوج.

علمت انها استأت لاختصارٍ القيتهَ على اسماعهاَ، ولكن الثرثارة لا تترك ثرثرتهاَ التي تغضبني دائماً: ليش ما رايدني احجـي وَيـا محمد؟

ما زالت تستفزنيّ!
ما زالت تغضبني، لا تعلمين ما معنى الغيـرة التي تتملكنـي عندما اراكِ مُعلقة آمالك عليه!
لا تعلمين ما معنى حرقةً تسكن قلبـي عندما ارى املاً يشع من عينيك سببه مُحمد..

لا أريدُ ان يبقى بقلبك أثراً لاحد في قلبك غيري: هيـج!
ما رايـد تعذبيِه وياج .. يكفيه عذابه من ورانـه.

أراها تستشيطُ غضباً وتقف: يعني اني دعِذبه ويـايـه؟
طيب يا سيدي، وديني انته للكبينه، مُستحيل اعوف اهلي علمود ما اعذبكمّ! - وكأنها استدركت- وبالله شو هذا العذاب ياللي دعذبه؟
كل يوم وانته رايح الكبينه آغاتي، وكَفت على روحتي ويـاك!

ابتسمت وانا انظرُ الى حاجباها المعقودان وعينيهاَ التي يلمع بوسطها لؤلؤٍ مكنونٍ نتيجة غضبها: على كيفج بَسعاد !
خلاص اني اوديـج وبـاجر لو رايدَه، بس محمد لا

أراها تُديريني ظهرها ذاهبةً: ما اريد اعذبك!

ان لم تريدي عذابي فلا تذهبي مع مُحمد، لا تذكري جميلاً فعله معك غيري!
ان لم تريدي عذابي فلا تعامليني ببقايا روحك التي تعبت وهي تبتسم للجميع ثم تبتئس من كثر الابتسام عندما احـادثـها.
لا ترحلـي من امامي هكذا ثانية، دعيني أُشبّع عيناي باللؤلؤ المكنون الذي تملكه عيناكِ ..


***


لقد اعتدُت دائما عندما يغيب ابنائي ان هناك مصيبة وقعت وانا نائمة!
ولكن من الذي افتعل هذي المُصيبة؟
أ هو صادق؟
لقد اخافني ليلة البارحة عندما سألني لما قالت لي بَسعاد "آدم ما غيره"!
ماذا لو كَشفت قصتي له؟
لقد راودتنيّ نفسي في سابق الايام ان اخبره عن ما اغضب أعمامه ولكنني ايقنت ان "كل تأخيره فيها خيرة"
يبدو انه سيسّن سنة ابيه وأعمامه من قبله!
أنهُ اكثر منهم حلماً .. وهذا ما يُخيفني،
اتقِ شره يا زينب .. انه حليم..
لم يغضب بسببي أبداً، كان قَلِيل الغضب، دمثُ الأخلاق.
يبدو ان رُعْبي منه اقتادني اليه وها انا واقفةً امام غرفته، بكبري وشيبتي اخاف من ابن اخي الذي يصغرني بكثير،
لقد افتقدت شُعور الهيبة بعدما رحل ابَيه، ا تراني أهابه كما كُنت أهاب ابـيه.
والله انه يُشابهه فهم يتصفانِ بحلمٍ لا مثيلَ لَهُ،
وعندما غضب كاظم زوجني لفلاحٍ يعمل في مزرعة ابـي!
لم يُراعي تعليمي العالي الذي يجهل شهادته ذاك الفِلاح، لم يراعي اصلي وفصلي الذي يفوق أصله بمراحل..
فقد كان من اصلٍ غجري، بينما انا عشائرية للنُخاع!
فقد كان اخـوتي من وجهاء العشيرة الذين زوجوّا أختهم للراعي الغجـري..
لم يراعي كاظم هذا الشيء!
ولَم يراعي مكانته في العشـيرة، من غضبه جلب الراعي من آخر المزرعة وجلب الشيخ من اول الفرع السكني ثم عقدَا قرانيّ. . .
وبقيتُ مع ذاك الراعي الذي انجبتُ منه وحيـدي .. علـي،
وما تمّت السـنة على مولدُ علـي حتى مـات أبيـه، لا أكذبُ أن قُلت "فُرجت".
نعم !
يحق لي أن أقول فُرجت عندما مات زوجـي، فهو لم يكن ذاك الزوج الذي أتمـنى.. أو بالأصـح لم يكن آدم المنـصور!


***


ما الذي قصدته مَهتاب عندما سألت عمتي ان كان آدم الذي تعرف او واحدٍ غيره!
من هو الذي تعرف عمتي؟
وما الذي تعرفه عنه، او بالأصح ما الذي يعرفهُ عنها.
لم أنم ليلتي من ضجيج أفكار تقرع رأسـي!
اسمعُ صوت خُطى أمام غرفتي، يبدوُ انها عمتي،
ولكن لمَ هي خجلِة ولا تفتحُ الباب كعادتها،
هل تراها ثبتت عليها تلك التُهمة التي لا اعلمها حتى الآن؟
ولكن امرأة بقدر عمتي زينب لا تُخطئ، وقد تُخطئ ولكن خطأ لا يتعلق برجلٍ غريبٍ عنها.
طرقت الباب ووقفت تنتظرُ جوابٍ على غير عادتها، هل شعرت بنفوري من تلك الكلمة التي قالتها مَـهتاب، ليتني صغيراً كما كنت أُمثـل عليك النوم حتى أراك بأسرع وقت أردته!
ليتني صغيراً كما كُنت تحضنينني على صدرك وتسأليني ما هو الذي أهمّني؟
ليتني صغيراً كما كُنت تُمثلـي دور المستمعة لأحاديث هذا الصـبي الذي يتحدث بشقاوة ترينها وكأنها أساطير!
ليتني قادراً على فتـح الباب، أو قادراً على تمثـيل دور الوديع النائم حتى تجدي عذراً لوقوفكِ وقتٍ ليس بالقصـير خلف الباب!
اخـتفى طرق البـاب، كما اختفـى صوت خطواتها الذي اسمعهُ من بعيـد.
ما الذي سيضرني لو فتحتُ لها، أعلم انها تبحثُ عن جليسٍ يشاركها افطارها لم تجد أحداً " تمون" عليه كأبن اخيـها.
لقد اسأت لإحسانها .. لقد علمتني الاحسـان!
فأصبح احساني "زينبي" من الدرجة الأولـى، وهل يُجازى احسانها بتركها بعدما أتت من أسـفل عانيةً إلى غرفتي ثم أتركها تطرق الباب حتى تعود بائسـة بعدما وضعت أملها بـي.
لا أحتمل كل هذا الاحسـان يا زينب.
فتحتُ الباب والآيـة تُقلب وأنا أعود كما كانت باحثاً عن احسانٍ فُقد في ضخم هذه الأمور التي تُدير رؤوسنا وتقلب أفكارها ناقلتها إلـى جحيم مُستعـر!
ما ذنبُ زينب حتى يطالها جحيمُ أفكاري؟
وما ذنبي أنا أيـضاً ان جعلتني مُغفلاً عن ما فعلت، هذا ان فعلت يا صادق!
ما بك لقد جُننت هذه عمتك "أم علاوي" ليست أي امرأة أخرى حتى تشكُ بها.
وجدتها أسـفل بمكانها الدائم الذي تنتظرني به كل صـباح، وجودنا في بيتٍ مشـترك في بيتٍ يضم اثنين لا يربطنا بهم دمّ لم يؤثر على طقوس حياتنا الصباحية التي كانت من أيام الدراسة ثم الجامعة ثم أصبحت عادةٍ يومية نعيشها سـوياً ونطبق قول "من ترك عادته قلت سعادته".
هذه العادة لها لذةٍ خاصةٍ بها، للتو شعرتُ بلذتها، هل لأنها تجمعني بعمتي؟
أو تأنيبُ ضميري الذي للتـو أدّكر انها عمته اشعرني بلذتها.
وصلتُ لها بعد تريثٍ تصنعت في نزولي مع عتبات الدرج، لا أريد وصولاً سريعاً يُفاجأ بردٍ أسرع وأقـسى!
لا أعلم ما الذي يجُول بخاطرها، وأن كان مثلما يجول بخاطري وبنفس ظنوني التي ظنيت بها .. سأقتلها لا محالة!
فلا أحد يزعزعُ ثقتها بابن أخيـها كأينٍ من كان، فأنا صادق.. صادقُها.
لا اخون تربيتها وصـلاحي الذي كانت سبباً رئيسياً به!
ان لم أسـمع منها ترحيباً سأعوُد، فيبدو انها لم تشعرُ بي حتى الآن. . .


***


يوماً عن يوم يزيد انشغالي بأمر مَهـتاب ويقلقني!
صاحبي لن يتركـها أبداً فقد قال لـي انه لن يجعلها تذهب معي للكبينة حتى ولو كان ذلك يستوجب قطع علاقته بيّ.
لا أعلم ما معنى العناد الذي يتلبسـه بحضورها، ولكن كل ما أعلمه وأكـده لي صادق انه عـاشق!
نعم!
صاحبنا عاشق، وقعَ في هوى بنت إيران التي يُبغض، انتظر دورة الزمن ويأتي بعدها آلـن ممتدحاً إيـرانها.
سطوة تلك الفتاةُ عليـه قاسيـة، ومـاهي القـسوة التي تُعبر عن تلك السطوة؟
تأتيك فتاة بملمس الياسـمين الذي استعار من الصبارة شوكـها،
تهادينا وتحابينا بشهد الياسمين وتتكرم على صاحبي ببقايا شهده الضئيلة ودفعةً ليست بالقليلة من شوك صبارها .
لقد ادمت قلبه بكلتا يديها، ولم تكتفِ بعد .. بل وبدأت تنهشُ روحـه بمخالبها التي يبين من بينها لسـانٍ يتفوه بكلماتٍ تجعل صاحبي كأسدٍ كُسـرت قدمـه وسُلبت منه مملكته من أمامـه !
لا أعلم لما أشـعرُ انه أصبح أسدٍ جريح وليس جارح!
أصـبح آلـن فــعلاً آلنٌ حتى تنتهي تلك الإيرانية من نبش جروحه ونهش روحه. . .
لن يصمتُ لها أكثـر!
صـاحبي وأعرفه.. لن يبقَ هكـذا، لن يصمتُ لها.. أمتنُ كثيراً له عندما أراها سليمة العقل والجـسد من ورى جرائره التي يُوقع على رأسـها .
مـهلاً!
من قال ان آلـن صمت، بل ان افعالها ليست إلا ردات فعلٍ على شيءٍ سبقه بها.
دخلت مـلاذ من ذاك البـاب الذي سلطتُ نظري إليـه: اشبيـه الحلُو سـرحان؟

ابتسمتُ لها وكأن هم اخبار آلـن بابيه كان مُطبقاً على صدري ومانعني من الابتسام: صافن بيـج!

رمـشت بحركة كوميدية: بيه؟
لعد اش كنت تكَول؟

وقفتُ وأنا اهمّ بالخروج لانني أعلم أنها ستحقق معي بشأن أهلِ شـقلاوة: أكَول الله يعين اللي بياخذج.
خرجتُ راكضـاً ضاحكاً .. ومتفادي لتلك الخداديـات التي رُميت أثر انتهائي من جُمـلتي.
متى تعقلُ تلك الفـتاة ويحين تزويجـها فـعلاً، لقد رددتُ الكثير عن طلبها بحجة دراسـتها، ولكن الحجة المدفونة هي "مـتى تعقـل؟" وليس متى تُنهي دراستها.
فتاة مثلها في هذه الأيـام لن تكون الا "ملطشـة"..
طيبة قلبها ربُمـا تذهبُ بها إلـى الجحيـم، وروح الانتقام التي تتصارع دائماً في خلجاتها حتى تخرجـها لن تُبقيها يوماً في بيت رجلٌ يقدر عائلـته!
عقلها المُدبر الذي يُكيد الحيلة ويخرج منها كالـشعرةِ من العجين سيجعلها لا تخرجُ من مأزقٍ إلا بآخر.


***


وصـلتُ إليها بعدما سمعتها تقول "تعال بويـه هنانا".
أعلم انها كانت تشعرُ بتحركاتي خلفـها على ذاك الدرج الذي ابطأت خُطاي به حتى تُحدث قرعاً خلفـها .
جلستُ بجانبها وأنا لا أعلم أي حديثٍ ابتدأ، وهل اتركُ حديثَ أمسٍ يمرُ مرور الكرام؟
لا .. لستُ صادقٍ ان عدا هكذا من أمامـه دون سؤالـها عن ماهيته.

تحدثت مُبتدأه صباحي: كيف أصبـحت ماما؟

حان لي أن أكشف ما تخفيـه: ما نمـت،
علمود أصبَـح.

تركت قطعة الخبز التي ستناولني إيـاها: ليش؟
خوما بيك شي؟ ماما ليكون حايـشك بردية وره كَـعدتك امس مع آلـن بره.

ليت ذاك ما كانَ بي يا عمّـة: تبـين الصدكَ؟
ضليت هيـج على حالي للفجـر أفكر بسالفة هذا آدم – لم أجعل لصدمتها مجال- أصلاً منـو آدم؟

أراها تشرقُ بما قد ارتشفت من حليب، بانت لي مواريك يا عمّـة!
كأنني بدأت بكشف المسـتور الذي سيُفضح اليوم، وعلى يد من؟
على يـد ابنك.. ابن أخـوك!
تكلمت ضاحكة بعدما التقطت أنفاسها: مسويه زحمة يا ماما انته وأفكارك ياللي مسهرتنّك،
تعرف مين آدم؟ - أشرت بيدها أعلـى كأنها تُشير إلـى آلن – أبو ينال،
كثير احجي لمَـهتاب عن حياتنه قبل الاحتلال وهيـج، وكثير ما اقولها آدم ومريم،
ولما اجا طاريه كَالت ما غيـره،
وبس هاي كل الحجايـة!

يا لي من غبّي .. لمَ لمْ أفكر هكـذا؟
لقد ظلمتُ عمتي وظلمتُ عـمي آدم أيـضاً.
ما حال أبنه لو علم انني رسمت مساء أمس لوحة فنية لُطخت بدمـاء ابيه وكُتب عنوانها خيانةً عُظماء.
كيف اصدق بعمتـي؟ ألم تكن ام علّي العليّة؟
لما اوضعت من قدرها ومن قدري بعينها وأنا اسالها من ذاك الرجل.
ضمتتها وانا أتنفسُ الصعـداء، وسط ضحكاتها: عوفـني اشبييك؟
تركتها وأنا لا زلتُ مبتـسماً، فعمتي لم تغضب أبي من أجل رجلٌ فضلته على أخيـها،
عمتي لم تغضب أبي من أجل آدم الذي اخذتني الشكوك لكلمة "ما غيره" حاديتني عن التفكير ولو بجزء من الثانية بأنه عمـي آدم كما هي عمتي زينب!

تمددتُ على الكنبـة المقابلة لها، وأنا اسمعها تقول: يووم، تعال أفـطر.

رفعت لها يدي دلالة على الـ "لا": شبـعان يـوم شبـعان!

نعم!
لقد شبعتُ على ايديـك حبـاً، لقد شبعت عطفاً ، لقد شبعتُ حنانـاً..
واليوم اشبع من نهرك الوافر كرامـة!
وهل هناك شبعٍ يساوي شـبع الكرامة؟


***


أراه يأتيني بوجهٍ لا يُفـسر و وجهٍ بشوشٍ حيالُ انكاري بأنني لا أعلم عن ذاك الـ "آدمّ" شيئاً، وانما رنت إليـه مَهتاب بشـكل خاطئ.
أراه يشير لي انه شـبَع!
وانا لا أعلم ما الذي اشبعهُ على يدي؟ هل هو حب التملُك؟
أم الغيـرة التي جعلته يبحث بأمر آدم أكثر وأكثر. . .
لا تكذبي على نفسك يا زينب.. هو لم يفرح من جل ما قُلتي!
بل فرحَ ببراءتك من تهمةً اتهمك إياهـا .
هوّن عليك يا صـادق فـ "خبر اليوم بكره ببـلاش"
هوَن عليك يا صادق ففعلة عمتك لا تتحملها جبـالاً، ودُقَ لها الصدر ثلاثةُ أخـوة .. عرّت صدورهم واحنتَ ظهورهم وتبرأوا منها .
هوّن عليك يا ابن ابيك الذي أسكنني بيتٍ مجاورٍ لبيته حتى لا أعود لما فعلتُ سابقاً.
هوّن عليك يا ابنُ كاظم الذي لم يريني وجهه بعد تلك الحادثة إلا ثلاثة مرات، كانت أولها في عزاء زوجي ثم عزاء ابني واخي أيـضاً.. وبعدها أيـضاً في عزاءٍ في احد الأفرع القريبة الذي اجبره على ذهابي معه إلى بيتي بعد تأخر الوقت ونحنُ لم نخرج من العزاء!
لا تسألني ما هو شعوُري في تلك اللحظة.
كان يجتمع بين الاعتذار الروحي الذي لم يخرج الا على هيئة دمُوع، وبين عطفٍ ارتجيه من خلال اعتذاري.
ألا تعلم ما الذي يعني لي والدك؟
كان تلك الخيمة التي استظلُ تحتها متجاهلة حرارةً تجابهها من أجلـي!
كان ذاك العـصا التي تهشُ على من حـولي ان حاول الاقتراب ولكنها أخيراً هشـّت علي وزوّجتني لذلك الفـلاح!
لا أعلم ما الذي يفكر به كاظم حينها ولكن كل ما اعلمه انه قال لي بعدما وقّعت على ميثاق الزواج "كـسرتي ظهري".
لا أنكر انني حينها كسرتَ ظهره وانزلتُ قيمته بين النّـاس، وجعلت النساء الكارهة له تُسـمعه حديثٍ لا يطيقــه، يخبراه عن ما فعلتُ قبل أن يجيُ بي إلى الكاظـمية، يلفقن التهم لي حتى يعكّرن مزاج اخي الذي كرهنّ بسبب عرض زواج عرضـنّ عليه بناتهن ولم يوافق. . .
ولم يكتفنّ بذلك، بل جعلن حياتك أمـك جحيـماً، ويتمنّك صغيـراً فهنّ من وضعنّ الخرطـوش "الرصاص" على عتبة بيتك وكأنها وقعت منك حتى يأتي الاميركان ويقتلوك!
لا أنفي ان اباك مقاتلاً ولكن لا يُمسـك بهذه الطريقة!
أُلقـي القبـض عليه ثم قُـتل بعد مقاومته .. وكان السببُ في ذلك النـساء وكيد النسـاء.
كيد النساء الذي كُدتُ عليـك وصدقتني وعُدت صادق الذي جلبت من بيت أهلـه.
صادق الذي يلعبُ بالالعـاب وما ان يعلم انني سرقته من أحضان أمـه يأتيني بأنواعٍ من الشتائم وأسـاليب الضرب .. بل القـتال!
كـصادق الذي أمامي الآن يأتي بأسلحته الكلامية التي تزول بدقيقة واحدة ثم يعود مسالماً حالماً كمـا كان !


***


سأذهبُ إليـه وأخبره بأمر سلاحه!
ولكن ماذا عسـاي ان أقول؟ سرقت سلاحك وحان وقت عودته إليـك؟
والله بُت أخشـاه.. فلم يكن آلـن الذي توقعت، نعم توقعته سيءٍ ولكن ليس لهذا الحـد.
صمته بات يخيفني أكثـر. . .
أحادثهُ وأنا استعر ناراً وهو لم يزل ببروده المدفـون يقول "بس محمد لا".
ومن هو حتى يقرر مع من أذهب ومـع من أعـود.
ألم يكفيـه أنني صمت عندمـا قال لي أنني تحت عهدته إلى ان أعود إلـى طهران!
"حاميـها حراميـها" كما يقولون!
ممن يخاف علي يا آلن؟ من صاحبيّك الذي همّ أولهما بخطوبتي، أم الآخر الذي قطعتُ بيني وبينه أي آداة وصلاً ثانيـة.
لن أرضخُ لك يا ابن آدمّ!
والأيامُ ستشهد لك بذلك . . .


***


بعد يـومين من آخر لقاءٍ جمعني بـها، لم أراها في يوميـها السـابقين إلا لمحاتٍ تتوارى بعدها عن نظري!
لا أعلم ما الجريرة التي جررت حتى تعاقبني باختفائها وراء تلك الجدران البـاليـةّ!
لقد رفضت الذهابُ الى الكبينة، أقرّت لعمتي ان ذهابها لن يكون إلا بمجيء مُـحمد، وها هو اليُوم الموعود ومُحـمد سيصلُ قريباً.. فهذا وقت مجيئه الذي اخبرني به امس عندما حادثـتهُ من الكبينة طالبه المجيء عصراً حتى نخرجُ مـساءٍ إلى ذاك الجبـل المشؤوم "جبل سـفين"!


***



مُمتنةٌ لمحمد الذي يجمـعُ ابنائي ومَـهتاب في مكانٍ واحد بانتظار وصـوله!
كُل واحداً منهم ينتظره من أجل شيئـاً " في نـفسِ يعقُوب".
مَهتاب تنتظره من أجل محادثة أهلها الذين لم تحادثهم إلا مرةً واحدة خلال شهرٍ ونصـف!
أما صادق فهو ينتظره من أجل امرٍ أشغله يوميّه السـابقين ولا اعلم ماهيته!
أما آلـن فأنا لا أعلم ماذا ينتظر، ولكنني أرى بعينيه آدم مُنتظراً ضحكةُ من عينـاي!
أ تراه نفسُ والـده ينتظر مُـحمد الذي بالتأكيد سيبهجها مجيئه؟
لا تُعلق قلبـك بمسلمةً يا مسيـحي!
لا تُعيـد قصتي من والدك الذي ما زال جرحاً غائراً في قلـبك الذي ينزف دماً عليـه، أعلم حيرتـك وأعلم انتظارك البـائسُ أكثـر منهم !
لقد غاب عن بـالي .. انما ينتظر تصريحٍ يأتي به مُـحمد ليذهب إلـى بلجيـكا.
لقد خاب ظـنك به للمرة الثانية ولم يشابه أبيه،
ابيه الذي كان ينظرُ إلـي خلسةً في وجود زوجـته، كان يتذوق تلك الدولمة التي أطـهو رغم كرهه لها من أجل أن يقول " من يد ما نعدمها" بشكلٍ تلقائيٍ تحفـه أجواء "الجـيرة".
كنتُ اتعمد طباخ الدولمة حتى لا يتذوقُ شيئاً من طبخي امام زوجـته!
ولكنه يصر على اكلها ولو كان كارهاً . . .
لقد كان عـاشقاً إلـى حدٍ لا يعلمه أحد، ولم تسـطره دواويـنُ العشقُ بعد!
لقد ارسل إلـي زُمـرد ذات الأربـع سنوات وبيدها ورقـةً صـغيرة وقعت منها وهي تـلهو مع صادق وأخيـها ..
أسرعتُ للرسـالة ووجدتـها " علمـي بنتي العـشق علمود يكون هنانا طفل محظوظ بيـها".
رسالته مُبطنة، تُخبرني انه "كان" اسعدُ رجـلاً واوفر حظـاً،
يكتب رسائله وكأنه طايـشٍ لا أب لأربـع أطفال!
تلك الورقـة التي بلّت وأكل عليـها الدهـر لم تزل محفوظة في قلبي قبل ادراج غرفتي في بـغداد .

رفعتُ رأسـي على صـوت صادق: نحنُ هـنانا.

ابتسمتُ إلـيه ابتسامة المُذنبة التي لا تعلم كيف تعتذر، وهل هُناك عذراً يُغتفـر؟
ولكن من الذي ادخل صـادق بالموضوع؟
فهو لم يكن شاهده منذ بدايته .. أي لا علاقةُ له به!
وكيف لا علاقةُ به وهو يعتبر "رجـل حيـاتي ومسـند ظهري"،

ألم يكن آخر من بقيَ لي من أخوتي فلمَ أفرط به؟: هلا عميـمه، وياكم أني.

مخرج الفصل الثلاثون


اللهم صل وسلم على محمد



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-19, 05:17 PM   #34

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الواحد والثلاثون


لنا ببغداد من نهوي تحيته
يا ابن المحسن ما انسيت مكرمه
فاذكر مودتنا ان كنت انسيتا
سقيًا لدجله والدنيا مفرقه

×أبو الـعلاء المعري×


رفعتُ رأسـي على صـوت صادق: نحنُ هـنانا.

ابتسمتُ إلـيه ابتسامة المُذنبة التي لا تعلم كيف تعتذر، وهل هُناك عذراً يُغتفـر؟

ولكن من الذي ادخل صـادق بالموضوع؟
فهو لم يكن شاهده منذ بدايته .. أي لا علاقةُ له به!
وكيف لا علاقةُ به وهو يعتبر "رجـل حيـاتي ومسـند ظهري"،

ألم يكن آخر من بقيَ لي من أخوتي فلمَ أفرط به؟: هلا عميـمه، وياكم أني.

تفوهت بهاتين الكلمتين وأنا أقف مُستعدة لاستقبال مُـحمد الذي ذهب له آلن مُسـرعاً .
أراهُ من تلك النافذة يقدمُ به إلينا وكله شوقٍ لحديثٍ يُقـال!
أ هكذا ستذهب وتتركني يا ابن آدم؟ بعد ست سنين عِجـاف ستذهب إلى من تركوك وتتركني خلفك؟
ما ذنبي أنا حتى يعاقبني آدم بـك؟ وما ذنبي أنـا حتى تعاقبني أنت وتُعيـد مرارة فراق أبيك.
فلتذهب إلـى مريم التي لم تتصل لك في يومٍ ودواعي الاشتياقُ تحفـها، بل كانت تهاتفك من أجلِ لومك وعتابك على شيءٍ لا يتعلقُ بـك!
أ نسيت ذلك الاتصال المشؤوم عندما اختفى أخيـك يـنالُ عن البيت ثلاثة أيـام، وما كان منها إلا انها تتصل وتقول لك "حـوبتـك الله لا ينطيـك".
لقد فجعتكُ بأخيك حينها وفجعت قلبـك بدعُائها عليـك..
لم أنسـى تلك الأيـام التي تتـوسدُ بـها فـخذي وتهذيّ بقولها الذي ينصبُ في أذنك ويستقر في قلبـك ويخرج لي بهذيـانٍ وحسرات تحرقني قبل ان تحرقك!
لا أنـسى أيـضاً وقعتـكُ الأخيـرة بعدما أصبت، أصبحت تهذي بياسميـن أيـضاً،
أ أخبرك ما فعلت بك ياسمين؟
أ نسيت أنها قطعت علاقـتها بك منذُ خمس سنوات؟
أم نسيت أنها باتت لا تعترف بـك.. فهي لا تملك في قلبها إلا أخـوين فقط.. زُمرد ويـنال!
بعد كُل هذا .. ستذهب لتملأ عيناهنّ بك!
وما حالُ زينب ان رحلت يا بُقيّـة آدم؟
ما حالها وأنت تُقرر البُعـد على مسامعها غير ابهٍ بهـا ولا بقلبها الذي شيّبه فعل أبيك قبلك، لا رحمك الله يا شـوقٍ عصف بي!
لا رحمك الله يا قلب لا يفـتأ عن ذكرِ مـعذبك، فليـرحل ابن آدم إليـه ما شأنـي به؟
ولكن قبلها يُحرر ابن أخي و"مسند ظهري" من أولئك الأوباش، لابُد ان يُظهر براءة صادق، كيف تجرأ ابن ابيه و أقحم ابن أخي في مصائبه؟
فلتثبت براءة ابـن أخي ولترحل إلـى حيثُ أردتُ يا ابن ابـيك..
لقد علمت ان لن يبقى لي في الأخير إلا صـادق، وانت وأبوك ليس أهلاً حتى أضحي بابن أخي من أجلكم!
كلاكما تخليتما عني في أقرب فرصةً أتتكم.

***

لقد أدمـى آلنُ قلبي قبل ان يملأ محاجر عـمتي بالدموع!
ولكـن لابُد له ان يذهـب.. وان لم يذهب سأجعله يذهب رغـماً عنه.
فهُنـاك له أبـوان يتمنى لُقـياه، ولديه أخٍ يستند عليه لو قال "آخ".
ولديه أيـضاً أختين سيكونن بلسمـاً لجراحه وشـفاءٌ من شقاءٍ دام ست سنين،
عليـه ان يذهب وبأسـرع وقت!
فليذهب اليوم مع مُـحمد إلـى ديـالى ومنها يُهرب إلـى البصرة كما قال مُحمد وبعدها يخرج من الحدود ومن بلاد العرب اجـمع..
بل من آسيـا بأكملها حتى يُكمـل نقصٍ تألم بسببه أهله!

دخلا أخويّ دُنيتي، لم يرزقني الله بأخين حقيقيين حتى أصحبا هؤلاء أخوتي، تحدثا أولهما: السـلام عليكم.

رددنـا بأصواتٍ مُتفرقة، ثم تحدث من جديـد موجهاً حديثه لعـمتي: عمـيمـه،
جهزي حالج ويا مَهـتاب علمود تروحوا وياي للكبيـنة، وعقب نلحكَ صادق وآلـن.

تحدثت عمـتي التي قطعت حديث آلـن قبل بدايـته: وحيـاة أبوك ما تتحجـى!
حاجتها ظلم وبهذلـة، وعيـون أبـوك مدا تقولها اشـي.

صمت آلـن مُمتعضاً والحلف بأبيه يُقيده .. بل ويصمته عن أي ردة فعلٍ تلحقُ بحديثٍ يتصارع بداخلـه.
تحدثت عـمتي ومدامعـها تكـادُ تهطل: هاا مـحمد خابرت صاحبـك علمود تهريب آلن؟

أخبرها مُـحمد وأساريرها تنفرج بهذا الحديث القاسـي والمؤلم لو كان بموضعٍ غيـر هذا: أسـم آلـن معممّ على كل البـلدان والمطارات مو بس العراق!
خصوصاً بلجيكـا.


***


أرى مدامعها المتحجرة بعينيها تهـطلُ فرحاً بعدم قدرتي على الذهاب إلـى أهلي!
لم أحترم مشـاعرها عندما نويت الرحيـل وهي من وفَت لي ووهبتني ابن أخيـها المُسـالم حتى ادخله في وحل المقاومة!
ولم تكتفِ تضحيات، بل ضحت بنفسـها في سبيل تزويجي بعد انتهاء قصـة بَسـعاد التي لا أظنُ أن لها نـهاية.
لقد قدمت لي ما لا تُقدمـه أمي، ولكن تبقـى تلك أمـي.. وهذه من أخبرني أبي بحالها قبل رحيـله،
لقـد وعّاني على ظُلمٍ جابهته منه، وظلمٍ ظلموها إياه اخـوتها، لا يحقُ لي أن اظلمها مُـجدداً.
ولكن ماذا لو علمت بمعرفتـي بما تُخفي وتفضحه لي عينيـها.
ماذا لو عَرف صادق بمـاضي عمته المُتعلق بمسيحيٍ تربى في كُنفه، غضبـه لن يبقيها يوماً علـى قيد الحـياة..
ان تركاها اخوتها فلـن يتركها صـادق!
صاحبي واعرفه .. لن يتركها تتنفسُ هواءٍ وهي بنظره "خائنة" !
خائنةُ لأهلـها الذيـن أرسلوها إلـى بغداد باحثـةً عن علمٍ ثم وظيـفة، أرسلـوها وهي لتوها مُترملة من زواجها التقليدي الذي زوجها أبيها من ابن عمها وهي لم تتجاوز الرابعةُ عشرا.
ترملت في إجازة نُصـفيّ آخر مرحلة ثانويـة، فاستلمت شهادتها بيد، واستقبلت المُعـزين بزوجها بيدٍ أُخـرى.
ما ان انهت عدتها في الصيفية حتى فاتحت اخوتها بدارسـتها للتمـريض، لقد كان كـاظم متعاطـفاً معها مما جعله يقف بوجه الجميع ويبعثـها إلـى سكن الطالبات في جامعة بغـداد .
لقد تكفّل كاظـم بها وبكل ما يحوجها في تلك العاصـمة التي لا يُبعد عن الكاظمية إلا خمسة عشرا كيـلو.
هذا ما سهل عليـها العمل في بـغداد، وما ان استقرت في وظيـفتها حتى اشترت سيّارة تشقُ بها صباحاً طريـقُ بغداد، وتعود معهُ مسـاء الى الكـاظميــة.
وبقيت على هذا الحال حـتى "هببت مع أبي ما هببت" وسحبـها أخيـها من وسط المُسـتشفى الذي تعمل به حتى يُزوجها بعد هذه الحـادثة بنصفُ سـاعة!
لقد أخبرني ابي انه يعرفُ مكان أهلها ولكنه لم يتجرأ ويذهب إليـهم.. بل كان يُراقب زوجها الفـلاح كلما أتـى في يوم الجـمعة حتى يبيع محصوله في سـوق الخضـار.
وما ان فقدَ زوجـها تقـصى الاخبـار وعلمَ انه استشهـد..
ولكـن الطامةُ قد أتت وقد انجبت له زينب ولداً، هذا يعني فُقدانُ زينب للأبد،
فقدانُ النظر إليـها حتى ولو كان خِلسـةً!
ولكن الربّ يرحمه مُـجدداً بعد خمسِ سـنوات ويأخذ ابنها وأخيـها في عدادِ الشُـهداء، في تلك الحرب التي قلّ ما سلم أهل الكاظـمية منها، مما جعلهُ يرى زينب وطفلٍ لا يعلم ما صلـةُ بـها يترددا إلـى مكتبِ عـقار في حي المنصـور،
مما جعل أبي يهرعُ إلـى صاحب العقـار ويعرض عليـه بيته إيـجارٍ لتلك الأرملـة.
ووافقت زيـنب على ذلك البيـت، ولكـنها لا تعلم انها ستُقابل آدمّ من جديد وهي تحمل في ذاكرها زوجٍ وابن!
عادت وهي تحمل في يدهـا ابن أخـيها الشـهيد.. ابن اخيها الذي لم يكن إلا صادق!
لقد طعناك يا صـادق ونحنُ نُخفي عنك الحقيقة، ماذا لو علمت عمتك بأنني أعرفُ تفاصيلها التي جلبت لها الحُـزن والقـهر؟
ماذا لو عرفت عمتك انني أعرفُ ما الذي خللَ شعرها بالبياض وهي لم تطرقُ باب الخمسـين بعد؟
ماذا لو عرفت أنت عـن أبي الذي بنظرك لم يكن إلا مُجرمـاً تعدا على حُرمة دين غيره!
المعذرةُ مـنك يا صادق لا أستطيع قول الحقيقـة.. دعهـا هكذا مدفونة حتى تندفن مع عمـتك وأبي في قبورهم.

خرجتُ من سرحاني الطـويل الذي أحسستُ أنني قطعت بـه عشر أنهار، صحوتُ من تلك السـكرةُ الفكرية على صوت بَسـعاد: يلا مـحمد خلصـنا.

خرجَ مُـحمد معهم وحلف عمتي يقف حائلاً ويجعلني عاجزاً عن فعل شي،
وسط توصيـات عمتي ان لا ننسـى شيءٍ من تلك الأغـراض التي تركتها لنـا في المطبـخ!
لا عليك فقد ذهبتي مع بَسـعاد إلـى مُحادثةِ أهلها وشحيتي علـيّ بخبرٍ لم أكن أعلمه لو لم يتفوه به أبـي!
قُربـي من زينب يجعلني محط أنظارٍ وتساؤلات من الجمـيع، فقد نصحني أبـوُ محمد ان لا أقتربُ منها ولا أعانقـها فهي مُسلمة يُحرم عليها دينها التمادي مع رجلاً أجنبيٍ عـنها ولو كان ابن الرابعة عشـر.
لا يعلمُ أبُو محمد ما الذي جعلني أقترب منها أكثر وأكـثر،
ولا يعلم أيـضاً لما لم تُمانع زينب قُربي، بل تطلبه كلما ابتعدتُ عـنها.
ما لا يعلمونه أخشـى ان يعلمونه!
وأخشـى من صـادق، وأخشـى على صادق أيـضاً، فأمرٍ تخفيه عمتي جلل!


***


اللقاءُ الصوتي الثاني الذي احظى به!
لن يكون بـه عناقٌ ولا لغةً أعين تتحدث أن بُحت الأصـوات، بل انه عناقٍ صوتيٍ ينتهي حيـالُ تلعثمُ اللسـانُ بأي كلمة!
لا أحتملُ البُـعد، لا أحتملُ الـهَجر، ولا أحتملُ أيـضاً مكالمة بائسـة وحاج عُمران التي تفصلني عن إيـران لا تُبعد أكثر من مائة كيـلو!
ما هذه الحيـاةُ التي تُقيدني وتخنقنـي بقيـودها؟
يقولا اننا سنذهبُ إلـى "سفين"، لا يعلموا انه أحترقُ كلما رأيته!
فأنني أرى خلفهُ إيـران، ألم تقـل أمثالكم العربية "شوف وحر جوف"!
ها هو يحترقُ قلبي وليـس ثمةُ حرارة تسري به لتقطع شرايينه، وتُذيب انياطه نوطاً نوطـاً ،
أنا من طلب من زينب ان تحادث أبناءها بأنها اشتاقت لمرأى ذلك الجـبل،
مع علمِ آلـن انها رغبـتي لكنه صمتّ ونفذ ما قالتهُ عـمته!
صمته يجعلني أخافه.. صمته يُريبني يجعلني ورقة خريفية مُرتجفة أمـامه.
لا علـي به!
كل ما علي هو النزولُ بعدما توقفت السـيارة.
كُنت أجرأ من سـابقي، لن أرتجف.. لن أخاف.
فأنا على علمٍ بأن يامن ينتظرُ طرف خبرٍ يطمئنه عني!
لن أبـكي وأكسب شفقة مُحمد للمرة الثانية، لن أهذي حتى اتمتعُ بحضن زينب ثانيـة!
بل سأكونُ أكثر اتزاناً .. سـأكون أكثر إلماماً بالأمـور، لن أجعلهم يتدخلوا بي ولا بحديثٍ اتلقاهُ من أهلي!
رفعتُ السـماعة بعدمـا دفعت دنانيـرٍ قُـربانٍ لتلك الكبينة حتى توصلُ صوتي إلـى أهلي.

أتاني صوتُ خالد هذه المرة: ألـو.

لا أستطيع ان أردُ على كلمـته التي تُبطنُ بتساؤلٍ عن هوية المُتصل، لساني يخذلني ولن يجرؤ على قـول "أنا مَـهتاب".
حاولت ان تخرج الحروف من فـاهي ولكن دونُ جدوى!
صوته الدافئ يقتلني، صوته البـارد أيـضاً من أي مشاعرٍ لولا دفئٍ يتمتع به فطرةً، حتى برودةً صوته التي ستبردُ معها أطرافه لو علم أنني مَهتاب تقتلـني..
كل ما في صغيـر اخوتي يقتلني!
حتى أسمـه، بُت أخاف خـالدي، بُت أخاف صغيـري الذي طالما نام على ذراعـي،
بُت أخشـى من صغيري الذي لم يملأ عقله إلا "أحجيـات" قُلتها له في صغره!
بُت أخافه .. بحقِ مُـحمد لم أتوقع انه ذا هيبة إلا اليُوم.
هُبـتي صوته يا مَهتاب ولم تُفكري بلقُائه وما يحمله من غضبٍ لم تُطفيه أربعة أشـهر غياب!

سمـعتهُ يتحدث بعدمـا أعطاني فُرصةً أحادثُ عقلي وارتعبُ أكثر: بترد ولا أسـد الخط، تره ما فاضي لك أني!

تحدثتُ بعد تحذيره من انقطاع الخط!: أنـي مَـ.. مَـهتاب!

أبعدتُ السماعة بعدما سمعتُ سخطه ولعنه المتكرر، يبدوُ ان سوط غضبه لم يصلـني وحديّ!

بل وصـل إلـى عُمـر الذي يبدو انه اتى في مكانٍ آخر، أسمعه يحادثـه: اشبيك؟

تحدث خالد: الجلـبة أختك هسـه افتكرت ان لها أهل وجايـه تخابرهم!.

لم أسـمع رداً من عُمر، بل سمعتهُ بعد ثانيتين يُمسـك بالسمـاعة وتذبذبـات صوته تصل إلي بشكلٍ أقـوى: هلـو مَـهتاب اشلونج خـيّه؟

لا أحتملُ كل هذه الحنيّة بعد غضب أخيـك، ليتك سعّرت روحي بنيران غضبك ولم تهاديني بهذه الطريقـة: الحمدلله أني تمام انتم شلونكم شلون أبويه؟
من زمان عـنه؟

وكأنني على علمٍ بحالكم من قريب!
ولكني طمئنت روحي عليكم قبل شهر ونصفُ بينما هو سيمر الشهر الثالث بلا خبراً يُطفئ جمرة عذابٍ يعبثُ بروحي، أجاب أخي مُهدئاً لي: كُلـش زيـن لا تخـافيّ!
همينه أبوي بخـير ودايم يسـأل عنج، من يدرى أنج خابرتي دا يطير عقله من الفرح والله.

لا أحتملُ كل هذا يا أخـي، أخبرني انه بخير وأصمتّ!
لا تخبرني عن حنينه، لا تخبرني عن شوُقـه، فأنا مَهتابـه كما يقول، انا بهجةُ قلبه وسرائر روحـه.
أ نسيت يا أخـي دلاله المُفرطُ لي!
حتى أصبح يُنادى "أبو مَهتاب" من قِبَل أمي الغاضبة لانحيازهُ لي دون أخوتي؟ كانت تُناديه أبـو مَهتاب بدلاً من أبو يـامن.
وهل تعلم انه يبتهج عندما تقول له أبو مَـهتاب، فيعقبُ قوله ويقول انا أبو يَامن ومَهتاب وخالد وعُمـر، أ نسيتَ يـا أخي من هو يـوسفي؟

أن نسيت فأنا لن أنسـى حتى تُذكرني بحنينه الذي قتلني قبل ان يقتله: أسـمع عمّوُر، دا تقول لأهلـي كلهم، أني دا ارجع وقريب ان شاء اللهّ،
أنـي هسه أحاول أطلع من بيت الجماعة ياللي ساكنة وياهم علمود ما أورطـهمّ ومن أطلع دا اخابر سفـارة إيـران وتسلمني لاميركا أو تاخذني لإيران!
مو مهـم .. الأهـم أرجع لكم.

تحدث أخي مُعترضاً: شو هاي بالله تسلمي حالج؟
دا تروحين الموت برجليج والله، خليج بمكانج ولا تتحركين، أني سمعت ان أميركا دا تخفف دعمـها العسكري بالعراق، بتخلي لها فد قوة تدور صدام،
ومن يمسكوا صدام، تولي أميركا بره العـراق،
أصبري خيّـه الفرج إن شـاء الله قـريب.

لقد ابهجتُ روحي يا أخي بحديثك، وهل أختٍ تملك أخٍ مثلك يحقُ لها الغُربة عن احضانه؟: الله يسـمع منك ويخليك لي،
عَمّور، اني ما اقدر اخابرك اكثر من هيـج، لان الجمـاعة دينتظروني وما حلوة أجيبهم للكبينة علمودي وأوكَفهم ساعة ينتظرون.
سلم لي على أمي وأبوي وخوتيّ، وانتبه على حـالك،
صح نسيت اسألك .. خلصت خطيبة يامن دراستها صح؟

تحدث اخ قلـبي بشيءٍ من الفرح: اي خلصت ورجعت طهران، الحين دوري يَامن ما تلاكَيـه مشـغول بتأثيث بيـته.

هطلت دمعتيّ الشُوق، ليس من حقهم عمل زفافٍ لأخي وسط غيابي،
فأنا من عدت الساعات لزواجه، أنا من بكت لتمرد خطيبته ورفضـها للدراسة في طهران ذاهبة إلى مزندران، ليس من حقهم الاحـتفالُ وأنا بعيدة،
هطلت دمعـتاي دون ان أشعر بحشرجةً تسبقهما، يبدو ان دموعي تبلدت حتى أصبحت تهطل بلا سابق إنذار: الله يوفـقه يارب – ثم لطفت الجو بطامةً أكبـر – وفطوم شخـبارها عَمّور؟

تنهد ثم قال: بخـير، بس.

تحدثت وأنا اقاطعه طالبته التحدث!
ما هذا الانفصامُ يا مَهتاب؟ تقاطعيـه حتى يتحدث!: أي شو صار؟

تحدث وصوته أضخم، أرخـى: ترّكونـا.

يا لهم من أهلٍ أغبياء يحسدون ابنتهم سعادتها، وكيف يترّكونهم وهم يريدون بعض!: ولك كيف تسمح لهم يأخذوها منك؟
هاا .. ما هاي فاطمة اللي كَتلت عُمرك علمودهـا.

تحدث من جديد بصبرٍ أقل من سابقه: دخليج مَهـتاب لا تزيديها عليّ، ما ناقص أني.

تكلم ذلك البـعيد الذي استنتجتُ انه يقعدُ جانباً: و ليش هيه مقهورة عليك وتحاجيـك هيج؟
ما تعرف يعني انها السبب وان أبو فاطمة ما تركك بته الا من وره كَعدتها ببـغداد – ثم أعلى صوته قاصداً سماعه له – ما يريد يزوج بنته لواحد أخـته شلايتية ورا النـهر، خايف على ولّد اخته من ترباية أخوج يا مَهتاب!

أغلقتُ الهاتف والصدمةُ تشلُ أطرافي،
هل تسببتُ في عذاب قلبُ أخي، هل تسببتُ بجرح أخوتي بكلام ذلك الرجل الي وصفني بفـتاةً لا إخلاق لهـا، بل وصفـني بأخلاق الشـوارع!
هل يُعقل ان عزوف خالد عن محادثتي لهذا السـبب،
لقد جنيتُ على أخـي وجنيتُ على فاطمة أيـضاً، ما ذنبهما حتى يفترقا هكـذا؟
لقد شَرَد أخي ونحل جسده وهو ينتظرُ تخرجها من الجامعة حتى يتقدم لخطبتها،
وبعد صبره نـال الرفض من والداها بسبب انه أخٍ لفتاة تاهت ورا النـهر بإرادتها .
ما حالُ أبـي كبير قُومـه عندما قَيـل له هكذا؟
وهو من أتى في "جاهة" خطبة أخي، ما هو منظره أمام وجهاءٍ جلبهم للخطبةّ!
لقد تسببتِ في جرح ابيك واحراجه أمام جماعتـه.
لم أتصور ان الأمور ستصلُ إلى هذا الحد، ما ذنبُ أبي وأخوتي بما فعلـت.
ما ذنبُ عُمر حتى تُهدر أحلامه أمام عينيه بسببٍ لم يقترفه؟
ما ذنبُ أبي يطأطأ رأسـه بعد سبابٍ تفـوه به أبـو فاطمة؟
أخوتي وأبي كانوا جميعاً، ولكن ما حالُ أمي وهي تسمعُ قولاً هكـذا وهي وحيدة بين أهل خطيبة أخـي.
الويلُ لي مما جنيت!
أتيت لاطمأن على أهلي وعُدت وأنا قد سليتُ سيفي من غِمـده وأسكنه صدورهم واحدٍ تلو الآخـر.
ليت عُمر لم يحتفِ بي، ليته تعلم من أطبـاعِ خالـد ورفض محادثـتي،
ليتني لم اسأله عن فاطمة وأهلها.
ليتهُ لم يخبرني بشوق أبي رغم ما حدث له بسببي، لقد جنيتُ على الجـميع،
أن كان هذا حديثُ رجلاً استقبلهم في بيته ما هو حديث من يلمز ويهمز في الطرقات ان مره أحد من أخـوتي.
كيف أعُود إلـى زينب وأبناءها الآن وأنا مُحملة بدمـاء أهلـي.
لقد قتلتهمّ جميـعاً، حملتُ خالداً هماً لا يستطع حملـه!
لابُد ان شباب الكُليـة الطائش يلمزوه ببضع كلماتٍ عـنّي، أخشـى ان يترك دراسته بسببي!
وأكون قد قطعت عنقه ورزقه معاً.
الويلُ لمَهتاب مما عملت دون علمها، الويلُ لها من صحافةٍ أوصلتها إلى هـذا.
يجب علي ان أسلمَ نفسي ولو رفضَ عُمر،
عُمر لا يشعر بحرقةً سكنت قلبي بعـد حديث خالد، عُمر تحمل مني فراقَ حبيبته!
وانا تحملت طأطأت رؤوسـهم نجومي الأربـعة أرضـاً، وقد أذبتُ قلبي أمي بتلك المدامع التي لا تتوقف عن الانسكـاب!
وكأنها غيمةً أتت في الصيف وأبت ان تزول عن سماءنا.


***


عاد صادق كمـا كان أخي!
لقد فَتّنت تلك الإيرانيةُ بأفعالها غيـر قاصدة، إلا اننا كبريتٍ ونارٍ لم يخلفـا وراءهم إلا رَمـاد أخوةً كادت ان تنقطع!
وقفَ يُقيم صلاة المغَـرب الذي سيصليها وحده في هذا الجبـل، مما جعلني أذهبُ إلى السيّـارة حيثُ البحثَ عن اللا شـي!
لقدَ خطر على بالـي ان آخذ أحد أسلحـة أصدقاء الوزارة نيابةً عن سلاحي إلـى ان يعـود!
لقدَ استعرتُ مسدس كَرار من نفسـي!
سيبقـى بجانبي هذا السـلاح حتى يعُود سلاحي بعد غيابٍ مجهـول!
رُبـما سأذهبُ أنا إليـه أو رُبـما يعود هو من تلقـاءِ نفسه كما ذهب.
لمحتُ سيّارةُ مُحـمد تصعدُ السـَفح قادمةُ إليـنا، بسرعةً ليَست بالكثيـرة ولا القليلة!
يبدُو انه يُريد اللحاق بصلاة الجماعة مع صـادق!
نزلوا جميعهم وسط ذهاب مُحمد ليقف بصف صـادق، وذهـاب عَـمتي ومَهتاب للصـلاةِ في جهةٍ أخـرى.
فليُبـارك الربّ لي صلواتي ونُسكي التي صليت له اليُوم،
صليتُ لجلب الاخطـار وسط تشاؤمي من هذا الجبـل، على سَفحه خوّنت مَهتاب!
أعلمَ ان لن يستجب الربّ صلاتي سيُحدق بـي خطرٍ آخر لا أعلم ماهيته ولكنه قد يكون أخطر من سـابقه!
أعلم أن الربّ يُهيـأ لـعبده أحاسيسٍ ومشـاعر تُنبأه بأمور ستحصُل له في القريب العاجل.
ليكفينا الربّ البـلاء . . .


***


شُرود آلـن وتوصياته على حمل كل واحدٍ منا لسلاحٍ تُبئنا بخطرٍ كان يحسُ به وتحقق عنـد وصوله!
لا أعلم ما الذي يجُول بخاطره ولكننـي على علمٍ أن العسـكري لا تُخطئ تنبُؤاته في أمور هكـذا.
نظرتُ إلـى صادق الغـارق بحديثٍ مع عـمته، ثم يقطعه ويسألني: تتوكَع تضوج علمود روحة مَـهتاب وياك؟

أجبتُ البسيط الذي غَفَل عن امرِ السـلاح الذي فرضهُ علينـا آلـن، لن أخبره عن ظنوني التي يبدو انها صدقتُ: لا،
مقهور على أبُوه، أني دروح احجي ويـاه.

بالفعل سـأحكي معه ولكن بـحديثٍ آخر، سأساله عن سبب الحذر الذي أراه في عينيه ومشَط المكان بعينيـه يميناً ويـساراً، وصلتُ إليـه وهو بجانب سيارته لم يتحرك منذُ ربـع ساعة: أُلون كَـول يالله!
اشبيك هيج مخبـوص؟ ما خبرتك توسوس بشي ما صارّ!

تحدثَ بعدمـا زفر همّـه وضيقه : تُعرف أني احسـاسي دايم بمّحـله،
أتوكَـع سلاحي هو اللي جابهم لَهنانـا.

تحدثُ وأنا اتنزعُ أفكاره من رأسـه: يمـعود اش هالحجي؟
لو سلاحك مشمور بمكان جـان جونـا اللي لكَيوه من أول ليّـلة، مدا ينتظرون أسبـوعين علمود يلاحكَوك هسـهّ!

هزّ برأسـه وهو كأنه يُبـعدُ تلك الأفكـار عن عقله: نكَول يـا ربّ.

ما الذي عَصف بقلبك يا صَاحبي وجعلك هكـذا تُهيئ نفسـك لعمليةً مُسلحة..


***


الجُو ألطـف بكثـيرٍ من سـابقه، وأحاديثهم هكـذا شفافة وجميلـة تشابههم،
حتى آلـن أصبح لطيـفاً يُشـاركنا الحديث مُسالماً،
لا يتحدث كما كان سـابقاً بملأ فيـه وبجميـع جوارحه كان يتحدث، أما الآن لا يتحدث كثـيراً إلا عندمـا يُسـألُ عن شي أو يشدّه موضـوعٍ مُعينٍ للنقـاش!
أحاديثـهم التي سَرقتني سـاعة ونُصـف وقد أذنَ مُـحمد منذُ قليل العِـشاء، وهذا يعني ان عودتنا قريبة لا تزيدُ عن النصفِ سـاعة!
لم أرى إيـران ولا يفصلني عنها إلا بـضعَ كيلوات جعلتني أشاهدها من أعلـى،
سأختلي بإيـران حتى يدعيـاني للذهـاب والرحـيل!
لن أذهب حتى أودعـها. . .


***


خوف آلـن وحذَر محمد تسلل إلي أخيـراً،
شعرتُ بأنهما أرادا اخفاءه حتى تحيـن عودتـنا.. هذا ان عُدنـا بسـلام.

ندهت على آلن وسط إقـامة مُحمد للـصلاة: صيّح على مَهتاب علـمود نصلـي ونمشـي، تعبـان ما بيه حيل دا انام.

تحدثت عَمتي حاسمة الأمر: أي عـفيه،
دا نمـشي، ما يخـالف نتعشـى بالبيت.

تحدث مُـحمد نادهٍ للـصلاة، وسط استقامة عمـتي بمكانٍ بعيدٍ نوعا ما عنهما.
تلومُ تأخر مَهتاب عن صـلاتها، تأمر آلن بدعوتها حتى تُصـلي ونذهبَ.


***


جيّد اعتذاره بالنُوم حتى نذهب قبل حدوث شيءٍ لم يكن بالحسـبان!
ما بالك يا آلن؟
بُت توسوس بأمورٍ لم تكن!
ها نحنُ مكثنا هُنا ساعتين ولم يحصـل مكروه.
ما الذي سيحـصل بعد الساعتين إذٍ.

ذهـبتُ باحثـاً عن ابنة إيرانها التي تتأمـلها الآن، تحدثت قبل ان اتحـدث: أني هَنانا.

هوّنت علي البحث وسط ظلامـاً ليست بالكثـير، فإنارة الشوارع البعيدة ضُئلت وأصبحت نوراً بسيطاً بالكاد نهتدي به،
هذا ما جمّل جبل سفيـن وجعله هادئ، يُريح القـلب والنَفس مما أحاط بهنّ من شوائـب.

جلستُ بجانبها وأنا أنظرُ إلـى ما تنظرُ إليـه: هااي إيرانج؟
كله هالكَـد؟

رفعت حاجبها وهي تنظُر إلـي: لا حَبيبـي، هااي نـهاية قُـرى الأهـواز.

نهاية قُـرى الأهـواز، أي انها تتكلم وكأنها في إيـران!: كَصـدج بداية الأهــواز!

تقول حبيـبي ساخرةً!
لا تعلم أي قلبٍ عشقها حتى تصدُ هكـذا، صدوداً لا رجعةَ فيـه!
لا تعلم أي قلبٍ عشقها وهي تهدده بالبُـعد ولا تفتـأ عن ذكر العـودة.
هل تعلم ان قلبـي حرمَ نفـسه من وجوده مع عائلـته لان أمه خيّرته بين ذهابه معهما او بقاءه!
لا يُسـاوم أحدٍ على روحه وعنفوانها ، أختار البقاء لانها خيّرته!
قلبٍ مثلُ قلبي لا يُخيّـر، فكيفَ لكِ أن تشرعي له البُـعد؟

هل تريديـن الذهاب إلى أهلك؟ هل نويتِ ذلك بعد مهاتفتكِ لهم الليلة؟: خابرتي اهلج؟

كانت على علمٍ بمعرفتي بأهلها واحدٍ تلو الآخـر بفضل تلك الكاميرا التي ظلت حبيسةُ أدراج غرفتي في شـقلاوة: خابـرت عُمـر.

شعرتُ برجفة شفتيها وهي تنطقُ اسـمه، أعلم انه آذاها ذاك البـارد بالحديث وإلا ما رجفت شفتيها ويديها أمـامي هكـذا.
دَمـعها ينوي الهـطول!


***


لقد رشَ على جُرحي ملَح حديثه!
ما شأنهُ بمهاتفتي لأهلـي، ما شأنهُ بـي أنا أيـضاً.
فليرحل إلـى صحبته أتيت حتى أختلي بنفسي.. لم يكن ينقصني إلا هو!

تحدثَ من جديد: كَالوا لج شـي جديد من نـاح إيـران؟

أومأتُ برأسـي بمعـنى "لا" وأنا اجيبهُ بـعدها: لهسّـه ما في شـي جديد – ثم تحدثتُ حذرة – عُمَر يكَول أميركا خففت دعمـها وتركت قوة لتحارب حتى تطلع صدام.

هجومـه فاجأني وكأنه على علمٍ بذلـك: ما سألتج عن أميركا،
أسألك عن أهلج وبلادج النـاقصة!

لقد طفـح الكـيل يا آلـن!
لن أدعكَ هـكذا تتحدث: تره سكت عنك لمـا رفـضت زواجي من صـادق وهسّه ما ساكته!

أرى عيـناهُ تتـوسع وعُروقَ رقبته تبرزُ: رايـده صادق؟

تحدثتُ مبرهنة لهُ قولي: لا، رايدتك ما تسبّ إيران، ولا نسيت كيف رفضـت لما قالت لك زيـنب رايده تخطبني لصـادق؟

أراه تدعـك جبينه بحيـرة، وكأنه استحى من امراً سيقـوله، وهل مثلُ آلـن يستحي من بجاحـته: ما جذبت رايـد لصـاحبي عراقية،
ما تلطخت بموالاة الخميـني!

وهل تراني رجسٌ؟ تُنقذ صاحبك منه!
فلتراني كيفما شئت ولكن لا تقترب حتى تتشبثُ بقلبي أكثر يا ابنُ بغدادك.
تكلمت وأنا أُكيد لغضبـه: آلن،
دتبـاوع هـناكا تشوف هذاك النهر؟

لم تفتني التفاتته السـريعة متعجباً من مزاجيّ!: اشبييه؟
تحدثتُ وأنا ابتسم: نسيت اراويك نهر أروند رود.

وقفَ غاضباً من نطقي للنهر بهذه الطريقـة: كَصدج شط العرب يا يعربية!
لا تنسين انه حق من حقوق العـراق إلا مـا يجي يوُم ويرجع.

وقفتُ غاضـبة وأصبحت من كادت وطاحت في مكيدتها: ما باكَي إلا تكَاسمونا بأرضـنا !

تحدثَ بدوره وهو قد استشاطُ غضـباً: من اللي يكَاسم اللاخ؟
احنا ولا ملاليكم يا خاتـون؟

لقد كسبتَ لقباً آخر غير شـهرَ زاد، يدعيني خاتون استهزاءٍ .. لا غيره الاستهزاء الذي فَلح به ابن عراقه.

تحدثتُ مُجيبته وصوتي يلعو: ما ندري مين ياللــ......

قطع صوتي دفعته القويـة لي، عُدت خلفٍ وأنا أوازن نفـسي على أن لا أقـع!
كيف تجرأ ودفع بي وسط هذه الصـخور، تقدمتُ حتى أنقض عليه بلسـاني،

وجدتُ وجهه بلونٍ غيـر الذي هاجمنـي به: بَسعـاد بسرعة أنداري وره وصيّحي على مـحمد، وكَولي لصادق ينطي محمد سـلاحه ويأخذكم للبيّت.

ما الذي جعلهُ يتحدث هـكذا؟
هل خاف من عاقبـة دفعه لي، ما الذي أقضَك من عزّ حديثك الغاضب إلى هذا الهدوء، وهل تضنني سأصمت أن هدأت؟
لن يكُون ذلك، تقدمتُ فإذا به يصرخ بعدما انحنـى وهو واقفاً في مكانه وكأنه زُرعَ بـه: رجعـي وره بسرعة.

ما به؟ ولما يحفُر بيده الأرض تحته!: اشبـيك؟ ليش هيج تتحجى ويايه ؟
تتوكَـع حجيك هذا بينسيني تدفيـعك لي؟
لا حبيبـي والله لأكَول لمحمد عـنك.

رفعَ رأسـه بقلّ صَبـر: بَسـعاد لا تخبليني وحياة الربّ ما اتشاقه وياج!
ولج وليّ صيحي على مـحمد وارجعوا البيت مع صـادق بسـرعة .

لا أعلم لما يصرُخ علي ثانيةً، ولا اعلم لما بقيَ في مكانه لم يتحرك خطوةً واحدة، على عكَس حركته الكثيرة عند غَـضبه: اشبيك طيب خبرني؟

صرخَ بي مُـجدداً وهو يُخرج مُسدسه العالق في حزامه: أني واكَف تحت لغمّ يا مخبّلة! – اخفض صوته قليلاً وهو لم يزل عاليـاً-
ما وكَتج روحي بسـرعة صيَحي على مـحمد وروحو مع صـادق ع سيارة مـحمد،
لو ننمـسك يوكَـع ويانا اللاخ لو عرفوا هوية السيـارة .

مسكتُ يـده: دخيل الله مدا تُبقـى هنانا، مشيّ ويايه دخيـك ربّك.

يرى مدامعـي ورجائي البائـس له: لو أتحرك خطوة انفجر اللغمّ،
بسـرعة روحي أخاف محاصـرين.

ركضـتُ من أمامه لأخبر الجميـع بما قاله،
يا لطول المسـافـة التي أود قطعها للوصول إليـهمّ، وصلتُ إليـهم ولكن يبدو ان الأوان قد فات وأنا أسمـع خلفي صوت رصـاصة اخترقت الجـو السـاكن!



انتهى


مخرج الفصل الواحد والـثلاثون

بجانب الكرخ من بغداد عنّ لنا
ظبيٌ ينفِّرُهُ عن وصلنا نَفَرُ
ذُؤابتاهُ نجادا سيفِ مقلتِهِ
وَجَفنُهُ جفنه وَأفُرِندُهُ الحَوَرُ
ضَفيرتاهُ على قتلي تَضافرتا
فمن رأى شاعراً أودى به الشعرُ ؟

×الشريف المرتضـى×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-04-19, 11:38 PM   #35

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفـصل الثاني والثلاثون:

فبعضي لدي وبعضي لديك
وبعضي مشتاق لبعضي فهلا أتيت

×محمود درويش×




ركضـتُ من أمامه لأخبر الجميـع بما قاله،
يا لطول المسـافـة التي أود قطعها للوصول إليـهمّ، وصلتُ إليـهم ولكن يبدو ان الأوان قد فات وأنا أسمـع خلفي صوت رصـاصة اخترقت الجـو السـاكن!

تحدثتُ وأنا أرى الفزع مُخيماً على وجوههم: مـحمد،
يكَول آلـن خذ سلاحك وسلاح صادق و روح له.

تحدث مُحمد وهو ينظرُ إلى الخلف يريد خبراً عن ما حدث: اشبيه؟

ألتقطُ وأنفـاسي والرعب قد بدأ على وجهـي، لا أعلم حديثٍ أقـوله،
هل أقول صاحبكم يقف وبين قدميـه لغمـاً؟ ينازعُ الحيـاة وهو يحتضن في وقفته لغم: جـنا جايين لكم، ولكَـى آلن لغم، ويكَول احنا محاصـرين!

لطمت زينب على مصابـها: سوودة عليج يا أم علاوي،
من وين تجيج المصايب لتجيج!

تحركت ناويةً الذهاب إلـيه ولكن كانت يد صادق أقرب: وين رايحة عميمه؟

تحدث محمد إلى ما رنا إليـه آلن قبل قليل: صادق خذ عمـتي ومَـهتاب وروحوا البيت بسـرعة!

مسكتُ يديّ محمد راجيـته بعدما خابّ ظني بصاحبه!: دخيل الله خليني أظل وياكم، - رأيت الرفضَ بادياً على ملامحه -
بحق محمد تخليـني أظل هـنانا.

لم يكنّ بمقدوره الرفض!
بل سلّم هاتفه إلى صادق وودعـه، هل حقـاً شعرَ بما شعر به آلن؟
هل سلّم هاتفـه خوفاً من انفجاره مع اللغم؟ وهل حقـاً سُيفجر اللغم قبل نجاة آلن .. ونجاتنا.
نعم نجاتنا فأنا سأضل في جانبهم، كُنت سبباً في قدومهم هُـنا.
ولن أرحل إلا بـهم، أو نُرحّل من هذه الأرضُ أشلاءٍ تفحمت من لغمـها.


***


لن تستكينَ روحي وابن آدم يقف على حافـة الهاويـة!
سيهويّ إلى المـوتِ أمام عينيّ، من أين لي قُوةً وجلادةً حتى أخبر آدم أن بقيته فُقدت!
من أين لي نظرٍ يحفظ تفاصيـل آدم وهو يتلقى الخبر، يبدو انني نسيتُ أنه مُعتلاً ولا يستطع تحمل علةً ثانية!
علةً من نوعٍ آخر.. اعتليت بسببها سنينٍ كثيرة!
علة الشُـوق لمنالِ بعيد لا يُبعد عن العين إلا في التفاتتها البسـيطة.
أسكن ابنهُ حضني.. يريد مني الحفاظُ عليه في أرض تُـصارع الموت من جهاتها الأربـعة!
ألم أخبركَ أننا اتيـنا من بغداد إلى المنطقة الأكـثر أماناً، والأمان الذي بها جعل ابنك يـنازع الموت والحيـاة منتظراً انفجارا يؤديّ به، أو نجاةً تعتبر أعجوبة !
لن أرحـل وابن آدم مُغيّباً عني بسواد الليل.
أريد توديعه كما ودَع صاحبيه بعضهـما.

توسلتُ إلـى صادق الذي اجترنـي إلى سيّارة مُـحمد: خليني اباوع عليـه،
تعرف لو ...

بترت جُملتي مستعيذة من "لو" اقتادتني إلى وضع احتمال موته أقرب من حياته!

تحدث ابن أخي: قـابل أني ما رايـد اكـعد ويـاه؟
بس ما اكَدر عميمه ما اكَدر!

هل عدم قدرته تصريحاً مبطناً على خوفه عليّ؟
لا أعلم لمَ لا يبقونني بجانبه كما أبقى محمد مَهـتاب!
هل أبقاها لأنها السبب في ذلك؟ ولكن ما سببها ليس هي من وضعت اللغم!
ولا هي أول زيارةٍ للجبل!
لم يكن لها ذنباً في ذلـك. . .
أرأيت يا آدم!
زينبك تُمنـع من البقاء بجانب أبنك، وبنتُ طهران يُسـمح لها.
هل شفعت لها تلك الدمعات التي ملأت مُقلتيها؟
أم شفعَ لها الحُب الذي رأيـتهُ بعينيها، أتخيل لو كنت انا بمكانها وأنت بمكان ابنك!
واللهِ لن اتخلى عنك ولن أستطيع تركك لمناداة صاحبيك.
هو العشقُ الذي جرها إلـيه يا آدم!
ابنك معشوقـاً .. عشقَ الجنون وأتاه الجنون على قدميـه.
أنت لا تعرف معـنى أن مَهتاب تحبّ!
لا تعرف معنى انها تـعشقّ!
لقد عشقت كالعشـق الذي أردت ان اعملهُ لزُمرد.


***


تقدمنـا بعدما انزلتُ سيّارةُ آلـن إلـى أسـفل الجبـل!
تحاوط تلك الإيرانية خاصرتي وهي تمتمّ بأدعيةِ بالكاد افهمهـا.
يبدو انني أخطأت عندما تركتها في جوارنا، فالرصاصة التي للتـو أطلقت وسكن بعدما المكان خطراً عليـنا جميعاً.
وما يدريني لو استقرت تلك الرصاصة في صدرِ آلن وانسحب الغُزاة!
وهل هم حقاً غُزاة؟

تحدثتُ إلى مَهتاب وأنا أعرفُ خوفها وأعلم خطورة مجيئها: أوكَفي هنانا وأني دا اروح لآلن.

تحدثت وهي بالكاد تجمعُ حديثها: لا د أروح ويـاك، أروحنّ الك فدوة!
ما كان مني إلا الاستجابة لأمـرها، ليس بسبب رجائـها،
بل بسبب جدالاً يطول ويشعر به الأعـداء. . .

***


كلما انزلت نظري شعرتُ أن الانفجار آتٍ، أستطيعُ الهرب!
فرصاصتي لم يُرد عليها بمثيلها إلـى الآن، ولم أطأ اللغم بالشكل المطلوب، يبدو انه لغم دبابات لا لغم أفراداً.
ولكنني لن أهرب ويبـقى هذا اللغم بأرضـه، فيقتل شبابٍ غافلاً من "عراقي".
سمعتُ صوت خُطـى، استحثـني للنظرِ إليـه، لم أجد إلا رفيقي وظلالاً خلفه.
أملتُ رأسـي قليلاً مستفسراً عن ذاك الظلال، فأشفق علي صاحبي وسحبها في جواره.
انها بَسـعاد!
الم اقل لها أن ترحل مع صادق؟

لمَ لا تسمع القُول: ما كَلت لج روحي اشجابج ؟

أجابني صاحبي بدلاً عنـها زاجرنـي: آلـن!

ثم أقترب وفي فاهِ حديثٍ يريد ان يتفوهَ به لولا مقاطعتي له: أبـعد، لا تقرب!

وقف والسؤال يغزو محيـاه: لييش؟

تحدثتُ وأنا للـتو أشعر بغبائي عندما طلبتُ مُـحمد!
والذي زاد الامر سوءٍ جلبه لبَسـعاد في ظرفٍ كهذا: أني أعرف أفكه،
أني اريدك بس تنتبه إذا في أحد لـولا.

حديثي لم يعجبّ محمد الذي تقدم إلـي بمسافةٍ قصيرة لا يفصلنا إلا اللغم: أني ويـاك ع الموت.
ثم أنزلَ رأسـه قليلاً باحثـاً عن اللغم، ثم تحدث متسائلاً: امريكاني؟

أومأت برأسـي: قـديم هذا،
مصـنوع بحرب الثمانين!

تحدثت تلك البعـيدة قليلاً: الله لا ينطيهم!

لا أعل من تقصد بذلك؟ هل هم زُراع اللغم؟
ام حرب الثمانيـن جددت بداخلـها حقداً دفيـن: قضبـي لسـانج يا بت!

أسـمع تأففها وإعادة عقلي لما كان عليـه بحديث مُـحمد: ولك مسـودن خليـنا ببلوتنه!

فـعلاً عُدت إلـى "بلوتنا" وأنا أجلسُ أمام ذاك اللغم على ركبتـيّ: أنـي حاسس اللغم ملغّـم!

فهمّ مُحمد ما أقـول!
فقد انتشرت هذه الخُدعة الدنيئة في العراق منذُ زمناً ليس بالبعيـد،
يجعلون لغمـاً في قلبِ لغم، حتى تنجو من الأول وينفجر بوجهك الآخر!

تحدث مُحمد بعدما جلسَ مُقـابلاً لي: اش حادكَ تفككه؟
خليـه هيـج إذا ما مـنه خطر!

لا تعلم يا صاحبيّ ما هو خطر اللغم الذي لا يحتمل إن تطأ الأرضَ تحـته،
وما يدريني لو أنفجر الآن بـنا ونحنُ نُفكر كيف نقضيَ عليه!

ليسَ له أمانٍ يا صاحبي: من كَال ما خطـر؟
أبـعد وراك دا افكـهّ!

نـهضَ وهو يعلم خطورة مثـلونا أمام اللغم من جهاته، فـضلاً عن الخطر الذي أشـعره اتجاه تلك الواقفـة.
بدأت أحفرُ بجانب ذاك اللغم مُبعداً تراباً يعتليـه، نظرت إليـهم وهم يقفون بصفٍ واحـد: اريـد ماي!

ما توانت تلك عن فتحِ حقيبتها ومناولة تلك العلبة إلـي.
اخذتها بتلقائيـة، وسط انحبـاسُ الأنـفاس في صدريـهما، ماذا لو كانت نهايتـي اليُوم!
تعجزُ عني امـيركا ويصطادني لغمـاً "عابر سـبيل"!
لم أكن مقـصوداً بـه، ولا صاحبي ..
ولا تلك الإيرانيـة التي اخشـى عليها من إيرانها، إذٍ الأمـرُ هيـنـاً إذا خلى من هذه الاحتمالات!
سكبتُ المـاء على بداية اللغم لإزالة التراب العالق فـوقه!
ثم بدأت بفـك رأسـه بحذرٍ وسط تراجع بَـسعاد خلفَ مُـحـمد


***


أراه جاداً بما يـنوي فعله!
هل حقاً أراد تفكيك اللغم، ألم يقل انه مُلغم فوق تلغيمه، ما الذي سيجبره على فـكه إذٍ؟
لقد جُـنّ!
بحق محمد جُـنّ، أ هذا شيءٍ بسيطاً حتى ينحني عليـه ويتعامل معه؟
ألا يعلم انه قد يودي بأحد اطرافه؟
ألا يعلم بمدى انفجـاره!
التفت إليـنا نصفِ التفاته طالـباً ماءٍ، هل سيكون ذاك المـاء آخر طلبـاً يطلبهُ مـني؟
هل ستكون هذه نظرتهُ الأخيـرة إلي؟
لا أعلم ما الذي يجولُ بخـاطره، ولكنهُ مُخطئ!
إن لم يريد حيـاته فهُـناك أناسٌ ترى الحياةُ بعينيه!
كعمتي زينب، كآدم الحاضر الغائب.
رأيتهُ يَرفع فـتحة اللغم ويُسلمها لمُـحمد ثم يبدأ بتفكيك اللغم الحقيقي بعدما بدأها بقولـه: يا ربّ!
هل يستجيبُ اللهُ لمسيحيٍ مُضطراً؟
أم أن شركهُ حرمهُ من استجابة الدُعـاء.
لا أعلم أي مـصيراً سيؤول إليـه هذا المسيحي أن لم يعتنقُ الإسـلام،
هل سيُخلـد في تلك الجحيم؟
ولكن عظـامه هزلُت، وروحه شـابت.. يكفيه ما أتاه في الدُنـيا يالله!


***


لا اعلم ما هو مصيري ومصير التي بجانبي لو انفجر اللغمَ بآلن!
وهل سننجُو منه لو انفجر به؟
كل ما اعلمه ان هُناك امٌ أبعدُ عنها ثلاث مائة كيلو قد احرقت هاتفي باتصالاتها!
لقدَ اخطأنا في مجيئنا لمكانٍ مرتين، المُطارد لا يَعُود لمكانٍ ترك به أثره!
نظرت الى الخلف .. حيثُ تلك المنزوية ورا ظهري وتختلسُ النظر بين الفينةَ والأخرى لذلك المُنشغل في فكِ قاعدة اللغم..
يبدوُ انه من تلك الألغام التي زرعَ صدام
لقدَ وزعَ الغاماً على مستوى العراقَ، وكان حصيلة كُردستـان منها ٧ مليون لغمـاً،
يعلم صاحبي انها من الغامِ رئيسه فقد اخرس مَهتاب عندما دعت على من لغمّ الارض "وكان على رأسه بطحاءَ وحسس عليها".
يبدوَ ان آلن على علمٍ بهذه الألغام وبمكان زراعتها لانه لم يستغرب وجوده أبداً، هذا ان لم يكن مُشرفاً على زراعته في وقتٍ سابق !
تحدثتُ إليـه وانا ارى كيف كان مُركزاً جميع حواسـه لذلك الذي بين يديـه، كان الزمن أعاده الى زمن رئيسه!
لقدَ جعل منهم صدام رجالاً مُلميـن بكل ما حولهم من مخاطر!
فآلن دَخَلَ عسكرياً في القوات الجـوية وبقدرةِ قادرٍ اصبح مسؤولاً في وزارة الخـارجية!
لقد اخذَ من كل بحراً غُرفةً كباقي رجالاتِ صدام!
وإلا ما علاقة رجلاً كان جوياً ثم في الخارجية بفك الألغام!


***


عُدنا الى البيت خالـين الوفاض ان صدقَ التعبير!
لم احتمل مثولـي هُنَا، وصاحبيّ يصارعا الموت في ذاك الجـبل.
لقد عُدت من اجل عمّتي!
لا احتمل فراقهـا، ولا تحتمل هي فراقي أيضاً.
لقد عانينا الفراقَ بما يكفينا، فقدتَ هي زوجها وابنها واخوتها وقبلهم أبويـّها.
وأمّـا فقدي كان أشد لوعةً، فقدتُ أبي مع ابن عـمتي.. أنيسَ طفولـتي!
وما ان سليتَ عن فقدهما حتى فقدتُ أمـي، والآن بعدما سليـت أ تراني سأفقدُ زينب؟
فلنهربُ إلـى أمانٍ يُقينا تلك المخاطـر حتى لا نُلوَع بفقدٍ جديدٍ يا زينبَ!
ما هذا الذي سَطَـع؟
انقطـاع الكهربـاء ساعد ذاك الضوء ان يتسلل إليـنا.

تسألت زينب المهـمومة، المكلومـة التي تُجهـز لعزاءِ ابناءها، تعاتبني نظراتها لمَا لم أبقيـها على خط المُـوت بجانب آلـن: شنو هالضـو؟

خرجتُ على تساؤلها، فقد وجدتهُ انفجاراً بعـيداً يتوسط شـقلاوة،
انفجاراً لم يكنّ بالحُسـبان!
ماذا لو كانَ صاحبيّ قد خرجا من ذلك الموُتِ إلـى موتٍ أشـد؟
ألـم يشـبعَ الموُت من دمـاءنا؟
ألـم تملّ تلك المنـايا من الرقـصِ في بحـار الدم المسكوب في الشـوارع العراقية!
ألم يحيـنُ أن تَبـقى دماءنـا في عروقـنا؟
وان بقيت هل ستسير تلك الدمـاء في مجراها الذي خلق الله لها، أم ستجفّ تلك الدمـاء من هول أمورٍ حدثـت!
في كل عراقيٍ مُـصيبة تُشيب القلب وتُميتُ خلايـاه..

عُدتُ على صوت زينب المتسائلة مُجدداً : شكلـه تفجيـر!

لم أرى منها أي ردةِ فعلٍ سوى ذاك الدمـعَ الذي بلل وجنتيها، احتضنتها وأنـا أشعرُ أن صدري قد ضاق ولم يعد قادراً على استنشـاق سماً يُسـمى "اكسجين": قـولي ياللهَ!
اشبيج؟
إن شاء الله هسّـه دا يرجعـون سالميـن.

يبدوُ انني تسرعتُ عندما اخذتُ عمـتي ورحلت من ذاك الموت!
كان عليّ ان ابقـى إلـى جانبهمّ.

تحدثتَ وهي تـهذي بما قَـتل قلـبي: دا يروحون مثـل علاوي وخاله!
سودة عليج يا أم عـلاوي.

لقدَ تذكرت رحيـل ابنها وأبـي!
ذاك الرحيـلُ المؤلـم الذي تقصهُ علي!
أتـاها أبـي غاضـباً وما ا ن بَكـت حتى بكى معها علـيّـاً، فلم يحتمـل أبي دموُع ذاك الصبّي اليتيم، فأخذهُ إلـى بيتنـا يُراضيه بحلـوى، فلُغمَ له ما قتله في سـاعته!
أتت عمـتي إلـى بيت عمـي حيثُ اجتماع العائلة الذي رفضت عمتي الذهابُ إليـه فأتاها أبي غاضـباً.
أتت إلـى بيت عَمـي وحذاؤها يحمل أطهرَ دماءِ سالت على أرضِ العراق،
دم طفلٍ اختلط بدم شهيداً مُـقاتل!
هذا ما افزعكِ يا عمّـاه؟
تخافين ان تحمل مَهتاب دماء الاثنين في حذاؤها وتأتيك مفجوعة!.


***


فُـكَ اللغم!

"أخيـراً"

هذا ما نطقهُ مُـحمد بعدما احتضن آلـن.
لقد كُنت على شفا حُفرةً من الفقد، سلّمه الله ليّ ولزينب وآدم!
نظرتُ إليـه وهو يُحادث مُـحمد، هل كانت هذه الابتسامةُ ستغيبُ عنّـي بسبب جنونه؟
هل كانت هذه العينين الحـوُراء ستُغمّض للأبـد؟
هل كان صـوته الرجـولي المبحوح مفقوداً؟
ليتني مشيتُ بجوارك!
لأشتمَ عـطرك الذي كُدت ان افتقد صاحبه،
ليت مُحمداً لم يكنَ حائـلاً بيننا، لأمتَعَ ناظري بك من قُـرب!
هل كُنت ستموت وآخر حديثٍ بيـننا تهزئه!
نظرتُ إلـى الأفقِ وكـان يُخيم بهُ دُخان أوهمتَ روحي أنني شممتُ رائحتـه!

نظرتُ إليـهم: باوعوا هناكا بيه دُخان؟

وما ان انهيتَ جُملتي حتى رجعَ مُـحمد قليلاً نحو قِمـة قريبة: تفجيـر!

وما ان نظرنا إليـه من أسـفلٍ قريب له حـتى صرخَ آلـن: انتبه! انتبه.


***


مـتى يعـودُ مُحـمد!
لقدَ نامَ أبويّ والساعة لم تتجاوز العـاشرة.
يالله!
لقد مللتُ وحديَ هُـنا ما الذي سيضرهُ لو اخذني معه، على الأقـل استأنس معهُ في طريقـه الطويل!
قد يكونَ في طريقـه إليـنا مستا من طول طريقه، وأنا هُـنا مُستاهٍ أيـضاً.
طرقَ الباب بشكلٍ مـتواصل، أخافني هذا الطَرق الذي لم يُسبق بمثله!

هرعُتُ إلى الباب مُسـرعة فإذا بهـا أمَي الذي خطف الخوف الحياةَ من وجهـها: ماما ، اشـبيج؟

نظرتَ إلـي وهي تهذي أكثـر من أنها تتحدث!: مـحمد..
يمه محمد، أكيد صاير له فد شي!
يا ويـلي عليـك يـا محمد.

لا أعلم ما الذي أفعله، سواء أنني أخذتُ الهاتف من يدها متصلةً بـهّ!
رنّ للمرةِ الأولـى حتى احتضرت رنَته الأخيرة بين يدي.

اتصلتُ بـه مُـجدداً ويبدو انها كسـابقها، إلا انـه انقذني في آخر نفسٍ: ألـو


***


هذا ما كنتُ أخشـاه!
اتصـالاً من أمِ مُحـمد، ما الذي سأقول لها، تركت أبنك بجانب آلن مفككا لـ لغمَ!
أم أقول لها اننا لا نعلم من وضَـع اللغم وسمعتُ أطلاق رصاص قبل رحيلي.
ما الذي يتوجب علي قوله يا أم محمد؟
وهل أنـا أهـلاً لقولٍ هكـذا تعقبهُ مواسـاة؟
تنفستُ الصـعداء بعد انقطـاع الخط، ولكن انفـاسي انقطعت بعدما أعادت الاتصال!
يبدو ان قلقها هو من جعلها تعاودُ له الاتصال مُجدداً، فأنا أعلم ان صاحبي لا يخرجُ من ديـالى إلا باتصالاتٍ مع والدته بين الدقيقة وأخراها.
لم أكنّ أهلاً لهذا الحملِ يا محمد، عُد يا صاحبي وطمأن قلب أمك بطريقـتك.
لا أعرف الأمـهات ولا خوف الأمـهات حتى أطمأنها.
لا أعرفُ مـعنى ان أمك لا تنم وهي بانتظارك!
لا أعرف هذا يـا صـاحبـي.. عُـد وطمأن أُمـك، فأنت ولد أمٌ وأنا ولد يتمٌ.
رددتُ وأنا مُتردداً، خجلاً من ما سأقول!

رحَمت حال الأم فهي لا تقلّ عـنّي خوفاً وأنا في رجوى عودةً قـريبة في ظلاً تفجيراً لم تخمدُ نيرانهُ إلـى الآن: ألـوُ.

ردت تلك المـلاذ، جيد!
فملاذُ أهُونُ من أمـها، وهل هذا هيناً عليها؟
لا، بل انها مُصيبة ولكنها اهون من سابقتها : ويـن محمد؟

لا تستعجلي على "رزقـك"!
دعيني أصفصفُ ما أودُ قوله أولاً، لا أعرف ما أقـولُ لكِ يا أختُ أخيـكِ!
هل أسألكِ سؤالاً مثيلاً له؟
أو أقولُ لكِ أيقضي أمكِ وأساليها أين هو، ألم يقولون أن الأم تشعر بأبنها؟
إذٍ أساليها وطمئني قلبـي.

أعادت سؤالـها مُـجدداً: بداعة أهلك تحجي،
ويـن محمد؟

وهل لي أهلٌ حتى تُحلفيني بهم؟: على كيفجّ، هسّـه طلع ويـا آلـن ونسـى موبايله عـديّ.

تحدثت بعدما زفـرت خوفها : الله يطمن قلـبك.

أنا بحاجةً لتلك الدعوةِ يا مـلاذ !
لقد أتت في وقتـها، أريد خبراً عن أصحابيّ، هل ترى وداع أخيـك سيكون حقـاً وداع؟
وهل سيرحل الآخر بـلا توديع أيـضاً؟
لا أحتملُ كـل هذا يا مـلاذ، كُوني مـلاذ روحي هذه الليلة وكثّفي تلك الدعوات علّها تُطفئ ناراً شعلت في قلبي ولم أعد قادراً على الجلوسِ في انتظارهم!
كثّفـي الدعوات فالسـماء تكـادُ تبـكي مـطراً يخالط مطر الأرض الذي سقتها عيـناي!
هل تظنين ان صادق الصلفِ يذرف دَمـعه؟
نعم لقد ذرفـه عندما تولـى عن عمـته، لا تعيـن حجم مـصـابه!
لا تعيـن فقده المـوجع إنَ حل، صـاحبيه يا أخت احدهمـا.
حياتـه يا نصف احدهمـا.
لا أعلم ما هو حالك وحال أهلك لو فُقـدَ مُحمد، ولكنه حتـماً سيكون أرحم من حالي عندما افتقدهما جميـعاً.
ومـا عن تلك التي تجهل الأخـطار وتبـقى بجانبهم؟
هل من أحدٍ سيبكيها؟ هل من أحدٍ سيسألُ عـنها؟ لستُ جاهلاً غـصتها بعد كلِ مكالمةِ مع أهلها.
أعلم ان اللوم الذي يصبُ في أُذنيـها أكثر من الليّـن الذي تحتاجه!
أعلم انهم يطلبونها العـودة في أقربِ وقتٍ!
وما يدريهم لو تعود لهم غداً مُـحمّلة في تابوتٍ يُغطيـهِ علم إيـران. . .


***


وقفتُ بجانبها مُنتظرين خبراً من مُحـمد، وما ان سرقَ طرفـي نظرةً إلـى الخلف حتى رأيت مكانَ اللغم يخرج منـهُ شراراً يُنبأ عن وجودِ قنبلةً بداخلـه!

لم يكـن مُـحمد بالقريب مـنه ولكنه لم يكنَ بعيـداً عن ذاك الانفجـار الذي سيدويّ وسيلحقُ بصاحبي أطرافٍ من شراره، صرختُ به: انتبهّ! انتبه.

أراه يخفضُ رأسـه وهو لا يعلـم ما الأمـر الذي يتوجب عليه الانتبـاهُ منـه،
إلا ان تلك القُنبلة البعيدة لم تجعله يفكر بأي ردةِ فـعلاً فدوّت وقطعت الصوت والصورة بيننا.

أسـمع صراخ تلك التي بجانبيّ .. تستصرخني لفعلِ شي: دخيلك روح شـوف اشبيه؟

ركـضتُ إلـى صاحبيّ وأنا لا أعلم ما الذي أطـأ عليه بسبب ذاك الدخان المُنبعث، لا أعلم أي قدمٍ ستحملني إلى مُـحمد.
لا أعلمُ أي يدٍ ستُمسكُ بـه تستكشفَ جروحه؟
لا أعلمُ أي قلبٍ سيصـبر ويتجلد إلـى ان أراه.
قفزتُ تلك الصخـور التي لا أعلم عددهـا، ولا أعلم ما تثبتُ قـدمي عليـه كل ما أعلـمه انني أريـدُ الوصولَ إلـى مُـحمد بأي ثـمن!
كُنت على علمٍ أن اللغم مُلغماً بآخر لما لم نذهب بشكلٍ أسـرع،
خمسمائة مـتر لم تـكن مسـافةً كافية للبـعدِ الكـافي عن تلك القُنبلة!
فليسلم الربّ مُحـمد!
لقد تسببتُ بأذيـته وأذيـةُ أهله الذين ينتظرون مجيئه في كُل مرةً يأتي بها إلـى شقـلاوة.
أخيـراً وصلت إلـى الجاثـي على رُكبتيه، موليـاً تلك القُنبلة ظـهره!
يبدوُ ان ظهره قد تضرر فقد وضعـتُ يدي عليـه وشعرتُ ببللٍ لم يكنّ إلا دماً.

حادثـته وأنا الهث التعبّ والألمُ على حـاله الذي أوصلناه أنا وتلك الإيرانية إليـه: مـحمد، تسمعنـي.

أتكـأ علي واقفـاً: مـا بيه اشـي،
فد جُرح بسـيط بجـتفي!

وهل تلك الدمـاء التي غطت ظهرك بسيـطـة؟
وهل تلك الآهـات المكتومة خلف كبريـاء رجولـتك بسيطة؟
وهل هذا الاستـنادُ لم يكنّ خلفه ألماً عمـيقـاً؟
تحدثت بَسـعاد التي للـتو وصلـت: آلـن روح جيـب السيـارة وأني أضـل عـده.
لا يجب عليـها البتّ بأمورنا ولا التحدثُ بها في السبب بها ،
هي من جلبنا للجبـل، وهي من أعادت مُـحمد ليكتشف لها الدخـان الذي رأت!
مشيـتُ مسانداً لمحمد إلـى أسـفلِ الجبـل مختلساً النظر لتلك التي تشـهق المـوت في عبراتها التي لا داعـي لها ..
امّ انها قتلت القتيلَ ومشـت في جنازته !


***


صعدتُ مستفسراً عن ذاك الدُخـان الذي رأت مَـهتاب.
أنه تفجيـراً تآكلت بسببه شـقلاوة!
تفجيـراً ليس اعتياديـاً، يبدو انه سيارة مُخففـة.. بل بضعِ سيارات.
وإلا ما أوصل التفجير إلـى نهاية المدينة إلا مواقدٍ لم تنطفـئ بشكلٍ سريع.
أنزلتُ رأسـي مُستجيباً إلـى نداءِ آلـن الذي يحذرني ويطلبُ مـني الانتباه!
لا أعلم ما الذي سأنتبهُ منه والتفجيـر يُبـعد عني عشرين كيلو على الأقل.
يبدو انه يحذرني من ضوءٍ سطع خلفَ ظـهري!
لم يكنّ إلا شيئـاً انفجر لتـوه من مكان اللغم، شعرتُ بسكاكينٍ تسكنُ ظـهري،
حُدّت أسنتها واستقرت بظـهري، سقطتُ أرضـاً وأنا أُنـازعَ السَقوطَ معتمداً على رُكبتاي التي ثبّتها بالأرض!
شعرتُ بوخزٍ حادٍ يسـري من أوسط ظـهري إلـى كتـفي، وكأنه نارٍ تسير بسرعة البرق وتقتحمُ كـتفي الأيـسر وتعود مُجدداً تنخرُ ظـهري بسكاكينها التي تُسـمى "شـظايـا".
شعرتُ بيد آلـن الذي وضعها في مكان تلك السكاكين وما يعلم انه أقحمها في ظـهري بشكل أكـبر!
يُذهل من مرأى الدمِ ولا يعلم انهُ تسبب بغالبيته دون علـمه!
أسـمع حديث تلك المـشاهدة لما حدث منذُ بداية مغامرتنا على سـفح جبل سفيـن إلـى هذه اللحظـة!
أسـمعُ صـوتها وأنـا لا أعلم ما الذي تقـوله، يبدوُ أنني غُيبتَ بشكل كـامل عن إدراك أي شيءٍ حـولي، كل ما أحسُ به هو كتفيّ آلـن المُستند عليهـما.


***


أركبّ آلـن صاحبـه بجانبـه الذي يبدو انه فقدَ وعيـه!
فلم يكـن إلا جُثةٍ هامدة.
في طريقـنا الذي لا أعلمَ وجهته كل ما أعلمه اننا تجاوزنا مُفترق الطرقُ المؤديّ إلـى بيتنا .
يالله!
هذا كثيراً علـيّ، أعلمُ أن آلـن لن يُمررها لي هكـذا.
يبدو انه لا يعترفُ بالقـضاءِ والقـدر، يجعلُ الأسبـاب على مُسببها في وجهةِ نظره!
هل تُراني فجرت بهم؟ أم اني زرعت اللغم واخرتهم في السيـر حتى انفجرت تلك القُنبـلة.
أرى سُرعته التي ستُوقعـنا في موتٍ آخـر، وأسـمع ضجره و سِبـابه عند كل ازدحـاماً نمرُ بـه!
الأرضُ أظلمت بعد نُـورها، الأرض فقدتَ كهرباً وأروحاً .
أرى الدمـاء السائلـة في الطريق العامّ، يبدون ان الانفجار قد حدثَ هُـنا.
أشمُ رائحـة الدم الممزوجة بالمـوت من خلف زُجاج السيـارة!
أسـمع عويـل الشوارع وانحناء المبـاني وحداد الارصـفة على من وقعَ عليـها .
لا أعلمُ أيُ قلب أمٍ سيتحملُ ذلك.
كتلك المُنّكبة على جُثمانٍ لا تُرى هويتها، فقد تفحّمت الى حد الوجـع الذي سكن قلب المراءة التي ترفع رأسـها للسمـاءِ شاكيةً، ثم تعودُ بانكبابها على ولدهـا.
توقفَ آلـن وهو يدورَ حول السيـارة ليفتح الـباب الذي يستقله مُـحمد، ثم ينقلـه بيديه المُلطخـة بالدم!
لحقتُ بـه وأنا لا أعلم إلـى أين سيذهب، لولا أنني رأيت يافطـةً تخبرني أننا أمـام مستشفـى شقـلاوة العـام .
لقدَ جُنّ وهو يذهبُ بنا إلى مكانٍ ملئ بالصحافة والأمـن ونحـنُ بهذه الحال!
ولكن ماذا نعمل بمـحمدٍ أن بقينا مكتفين الايدي خوفاً من المطاردة؟
تلثمتُ بطرف حجابي لاحقةً بهم، وما ان دخلتُ المستشفى حتى شعرتُ بالموت يدنوُ مني بشكلٍ أكبـر.
أرضيةُ المستشفى وكأنها قصرُ بلقيس الذي نُكّر بالمـاء، ولكن هُـنا نُكَر من نوعاً آخر .. نُكّرَ بالدمـاء التي رفعتُ بسببها جلبابي متجاوزة المصابيـن الذي اُوقعـوا أرضـاً بسبب الازدحام مما جعل الممرضيـن يقدموا لهم ما يحتاجونه وهم في مكانهم !
تقدمتُ باحثة عن آلـن وكليّ خوفاً من مصير محمد المجهول ومصير آلن المعلوم لو صادَف أحدٍ قد رأى صورته!




مخرج الفصل الثاني والعـشرون


صلباً امام الجميـع .. مرتخيـاً أمام عينيك


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-19, 12:06 AM   #36

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

مدخل البارت الثالث والثـلاثون:

#48 .
فعُمان أمي قد سقتني حبها
تبقى جمالا في عيوني لا يزول

×نسـايم×
.
.
.


أشعرُ بتحركاتها خلفي!
أشعر بحاجتها الى الوقوف بجانبي، أعلم انها أُنثـى يفزعها شكل الدمّ الذي ارتسمَ على الأرضِ وكأنها بقايا ألوانِ رسام رسمَ بها لوحته الفنية وترك الناسُ خلفه مندهشـون من صُـنعه.
هذا ما تصنعُ بنا القوات الأميركيـة و "إرهابها"، من الذي فجّر وأرعب آمنين شـقلاوة؟
هل هي تلك القوات؟ أو أبناء وطنٍ ضاق بهم الوطـن.
لا أعلم أي دينٍ ينهجون وأي ولاءٍ يقدمون وهم في هذه الحال، كيف تُرعب الأمان في أرضِ الله؟
كيف تُسيـح دمعَ أمٍ فقدت ابنها، وهل الفقد وحده من يهلّ دمعتها؟
أو ملامح فقيدها التي شُوّهـت وبات وجهه قطـعة دمٍ لا أكثـر.
تُريد ان تودعـه، أن تلمسـه.. أن تُهدهده ، ولكن كيف لها ان تعمل كل هذا مع مُغضةِ لحم كان يقال لها "وجـه".
كيف يكسر الفرحة بقلبِ عذراءٍ تحدت الجميـع حتى تظفرُ بحبيبها، كيف يُميتون الفرحة على باب أسواقٍ أتت تتبضعُ مـنها لموعد زفافها القريبّ.
كيف يكسـون الفرحِ ترح في ثـانيـة؟
لقد شرعَت إيـران "لفئـة" صلاحية إصـلاح البلـد بالـ "سـلاح"!
وهل يصُلح دماراً بالسـلاح؟
هل يُقـتل الوردَ بألوانه بالـسلاح؟
أ تبدلون حمامة السـلام برصاصة تقنصها؟ وبعدها تقولون سُـوف يعمُّ السـلام في المنطقة كما شَـرعـنا.
أي سلامٍ هذا الذي ستشرعون؟
هل هو مقتلُ سُنيٍ بأيدي شيعية؟ هل هو محاصرة بعقـوبة والتنكيلُ بأهلها من أجل تلك القابـعة شمالـها "النجـف".
لا أعلم أي دينٍ ينهجـون، ولكن الشعبَ العراقي لن يبّقـى أمامكم عاجزاً خانغـاً.
لم نبقـى يا وطـني، هل تعلم ما فعلنا؟
بدلنا نشيـدنا الوطنـي!
نعم انهُ إنجازٌ ونحنُ ننسلخُ من أي شيءٍ يربطنا بصدام.
لقد سرقنا نشـيدُ فَلسطين العزائي حتى نُعزي انفسنا بأرضـنا التي ما زلت في أيدينا، او ان النوابَ أرادوا أن نُعزي بعضنا بحق ونُقسّم أرضـنا بين إيرانَ وأميركا.
بدأت المطامعُ بها من أول الأشـهر، هل تُـرى هُـناك طامعاً عربياً أيـضاً؟

كتلك الطامعـة بخبرٍ عـن مُحـمد الذي يُغيبنا عن خَبره تجمـعَ الأطبـاء من حـوله: آلـن، مَا تُعرف اشي عـنه؟
لنا نُص ساعة هنانا لا حس ولا خَـبر!

لا تُفزعي القلب، لا تُفتّحي العين على ما تجـهل، دَعيـنا هكـذا ننتظر، لا تحسبي الوقـت!
فأن كُنتِ تنتظرين وأنتي تَرين الدكـاترة حوله، فهُـناك أناسٌ تجـهل حياته وموته، وجعلتهما بميزانٍ متعادلان!
أو ماذا احكي لك عن أهله الذين ناما هانئين مُنتظرين قدوُمـه لهم صـباحا؟
المُعـادلة تختلف يا بَسـعاد، انتظارك امامه لا يُسـاوي انتظار زينب وصادق.

أجبتها وانا أرى عينيها ما زالت تتساءل: دا اروح أشوُفّ.


***


تقدمَ من أمـامي بيدين ولبـاسٍ امتلأ بالدمّ إلـى حد الوجـع!
نعم موجعة تلك الدمـاء ان رحلَ صاحبـها.
موجعـة بحق الله!
وأنت تستنشقُ هواءٍ فيأتيك ممزوجـاً بدم، وأي دمٍ هـذا؟
دم مُـحمد، من جنينـا عليـه جميـعاً، هل سيضركُ ترك اللغم؟ وهل سيضرني صمتـي عنـدما رأيت الدخان؟
ما بالي!
أصبحتُ أفكرُ مثـل آلـن، كُل شيءٍ قضـاء وقدر.
لم يتسبب أحدنا بأذية الآخر.
لَفَت سَمـعي صوتُ خطواتٍ راكـضة، وكأنها دَبَك الخُيـولُ في الأرض، يبدو انه أكثر من شخـص.
أرى ارتباكٍ واستعجالاً في خطوات المّارين في الجهة المًقـابلة لي!
لا أعلم ما هو الخطب، لا يجب علي الذهاب من هذا المكان حتى يأتي آلـن، قد أُضيّعه في الازدحام وتلاحم الناس في بعضهم البعـض!
بـان لي ما كُنتُ أجـهل، بان لي ما كُنت أخاف!
أنهُ رجلاً ملثماً يركضُ خلـفه قُطعانٍ من الأمريكان، أي أمراً يُخفيـه هذا الرجلَ حتى يلاحقـونه في خضم هذه التفجيرات.
هل سيكُون مصيرنا نفسـه؟
أبعادي لآلـن كان خيّـرة، وإلا لاحقـوه كما لحقوا بالمُلثمّ.
عُـدت إلـى الخلف حيث الجدار كما فَعل من كانوا في الانتظار بصـفي، وكُلي خوفاً من تلك السكينة التي تتوسط كفّـه الأيـمن!


***


عادت عَـمتي إلى الأعلـى مُتظاهرةً بالنّـوم، هذا أسلمُ لي ولـها.
رُبـما أُفـجعُ وهي بعيدةً عـنّـي ولكن من سينقلُ لي تلك الفجيعة ان لم يعد أحدهم هُـنا؟
لقد تخليت عنهمّ.. من أجلِ عـمتي.
عَـمتي أُهـلاً للتضحيـة، عَـمتي أهـلاً للبقـاء، ماذا لُو بقينا بجانبهم ورحلَت أنا أو رحلت عَـمتي، لن ينفعنا وقتها مغامراتُ آلـن اللا مُنتهية!
وهل حقاُ أرادها مُغـامرة أو وقَع بالفـخ؟

ذهبتُ أعلـى حيثُ عَمتي التي أعلم انها لن تنَم وأبناؤهـا مجهوليّ المصـير: عَميمه..
زيّنب؟

خرجت من غُرفتها مُغلقة البَاب خلفها: هلاو حبيـبي.

رأيت الدمَع قد تطاولَ على وجنتيها مُجدداً: ليّش الدمـع زينب؟
الله يتكفّل بيهم اشبييج ؟

مَسحت دمعها وتبدو أيـضاً أنانيةٌ في التضحية: غضب عنّـي عمـتي،
مـا ادري اش بيصير بيه لو جـنّت أنته ويـاهم!
جنّـت رايد تكَـعد وياهم؟ واللهَ أموت من وراك.

حضنتُ أكتافها بذراعي: كَولي يالله!
وهسّـه إن شاء الله يرجعُون، حطي عيـنج بعين الله وكَولي يالله.

سيّرتها في خطواتي إلـى أسـفلْ، حيثُ الفـناء رغم برودة الجو الذي أطفأها وأسكن نسيمها تلك النّـار المُستوطنة يسار صدري تنتظرُ خبراً يطفح عليها بالمـاء ويموت لهيبها.


***


لقد أخبرني الطبيب أن مُـحمد من أفضل الحالات في هذه الليلةّ!
وفقـه اللهّ في الابتعاد عن التفجـير، ورُبـما ساعده الحظ أيـضاً.
ثم قال لي أنهُ نُقـل إلـى مكانٍ آخـر، حـيث التنّويم لتسجيل أسماء الجرحى.
هذا خطرٌ عليـنا جميـعاً، فلن نبقـى هُـنا ثانيـةً واحدة.
أ تسجُل أسماء الجرحـى وتُرى ملامح المُرافقيـن لهم أيـضاً، لن يكُون ذلك!
علينا التحرك من هُـنا بسُرعة، وعلي أيـضاً مُناداة بَسعاد لنذهب سوياً إلـى محمد.
خرجتُ من ذاك الباب الذي دخلت معهُ قبل ربـعِ ساعة ورُبـما أكثـر!
ولكنني توفقتُ عندما سمعتُ صوت خطواتٍ تضجّ في الأرض قادمة، لا أعلم ماهية تلك الخطوات.
أهدأ يا آلن.. تريثّ قليـلاً.
فأنت مُطارد عليك حساب كُل خطوة تخطيها قبل أن تُهم إليـها.
فغلطتك بمليون غلطة. . .
الذُعـر الذي تسطّر على وجهِ بَسـعاد وما حولها وعيونهم المُتسـمرة يميناً أخبرتني ان هُـنالك شيئاً لا يُصلـح لي أن أخرجُ في وجهه!
رُبـما ميليشـياتٌ غازيـة، رُبـما أمريـكان، فلا أحد يزرع الخوف في قلوب شعبي غيرهم!
لقد غزت ميليشياتُ إيران أرضـي كما غزت ابنتهم قبل أشـهر قلبي!
ويلٌ لقلبٍ وأرضٍ سقطا بيد إيرانيـون.. بل القلبُ اشـد أسراً وأشدُ تعلقاً من الأرض!
والقلب لا يـهوى الخيـانـة!
والأرض أيـضاً لا تقبلُ الخيـانة، ماعدا تلك الأرض التي تم احتلالها قبل ثمانية وسبـعون عاماً ورفـض حجرها وشجرها التملُصَ من هويته العربية العراقية!
بينما شعبـها والآ إيـران ووفـى إليـها، نسيَ عراقه الذي كان ملاذه، نـسيَ مكانته كشعب المحافظة التـاسعة عشـر!
نسيَ انه شعب الاحواز الذي سُـميت في ما بعد خوزسـتان وعربسـتان!
هل أنتِ راضيـة يا يعربية أن تُنادي خوزستانية؟
هل أنتِ راضيـة يا بَسعادي ان تُنـاديّ عربستانية؟
ذاك النداء لا يصدر من خلفه الا المـهانة.. لم تواليَ العراق طيلـة حياتك التي نشـأت في ظل حكومة إيران "يرعاها الله"!
لقد ولدتِ عام تنصيبَ صـدام للحُكـم، ألم يكنّ أجدر بموالاتك؟
ألم يكنّ أجدر بالدفاع المُستميت الذي تتشنجُ منه عضلة لسـانك!
ألـم يكن أجدر ان تسميتي باسم عربياً تيمُناً بصدام، الذي أراد خلاصكم من يد طـهران، وما ان خلّصكم منها حتى عادت إيـران لاحتلالكم وعُدتم لموالاتها،
وبعد كل هذه التضحيات من صدام تقوليّ بملأ فيكِ " الله لا ينطيـه"!
ثم تعودين وتحتلين قلبـي بعد كُل مرةً تشتميّ "صدامـي"!
ألم يكن أجدر كُرهي لكِ؟
هكـذا منذُ خُلقت تُفتح بوجهي تسعة وتسعون باباً صالحـاً لدخول، والتفت وأدخل مع الباب مائـة الذي يُخفـي خلفـه جهنم قلـبي الحمراء.
لقد دخلتُ مع بابِ إيـران التي كرهَت في حرب الثـمانين، التي عشـقتُ ابنتها..
التي ابغضتُ ميليشياتها التي بدأت تدخلُ البلاد عن طريق الاحواز!
تركـتُ بلاد الله الواسـعة .. حتى اشتبكُ مع إيـران في كل ثانـية ودقيقة..
كفانـي لهواً فتلك البلاد تُريد ان تمـتص دمـي كما بدأت تغزُّ أعلامـها على أراضِ بلادي.
ألم تكتفون بسُقـوط الاحـواز حتى تحتلون المزيد؟
ألم تكتفون بقلبي حتى تسرقوا قلوب الشـيعة للجهاد؟
كفاكم لهواً ولعـباً فقلوبنا متضخمة وجـعاً لا يناسبها اللعبّ!
كفاكم احتلالٍ نطالبُ بعده باستقلال فأرضنا لم تسلمُ من احتلالها الجديد حـتى تحلتوها .
أرضنا لا تصلح للاحتلال!
قلوبنا لا تصلحُ للحبّ!
لا ترسلوا حملاتكم وبناتكم لهذين الغرضـين، كفى شعبي ألمـاً. . .
كفى شعبي موتـاً ، كفاه كل ما تقدمونه له!
شعـبي لا يصلح للعبـث، كعبث الامريكان الذي يتجلى امامي وهم يلاحقون مقاوم مُلثمّ، هل تُـرى سأُلاحق في يومـاً مـا كما لاحقـوه هكـذا بين النّـاس؟
هل سُيلاحـق "أبـوُ آدم" بهذه الطريقة المُهينة بعض الشيء لصموده!
هل تُراني سأركضُ كما يركضُ عندما أُلاحق؟
أو سأستلمُ وأعتبرها استراحة مُـحارب!
خجلاً من ملاحقـةً هكـذا بين النّـاس وكأنني طفـلاً هاربـاً من والده.
ولكن ما هذا الذي طَـار في الجُـو بينهمّ؟
يبدو انه سكـين، وليس أي سكين، انه راجـس، أ هكذا صيّرتك مُقاومتك لحمله!
نظرتُ إلـى أين سيسـتقر راقبتُ سقوطـه، فإذا به يسـتقر بجانـب قدمّ بَسـعاد.
هل أصابها بأذى وتنحى جانبـاً يسبحُ بدمـها، ما بال المُنتظرين قد تجمـهروا هكـذا؟
ركضتُ إليـها متجاهلاً الحـذر الذي تقمّصـتُ قبل قليل..


***

خوفي من السكينة التي أوقعها بجانبي على قدم فتى كان يقف بجواري، أنظرُ إلـى السكينة التي أصبحت تتدحرج مُقتربة منّـي!
أرعبـني شكل الدم الذي علّقَ بها، وخنقني منظر الناس التي تجمعت حوله..

أقتحم تلك الصفوف ذاك المُنّـادي بصوته الثقـيل الذي تسللهُ الخـوف: بَسـعاد .. بَسـعاد!

اقتحمتُ تلك الصفوفَ بدوري عندما سمعتُ ذاك المُـنّادي، ليست المرة الأولـى التي أراه بها مـلاذاً.
فقد كان لي ملاذاً عندما أخرجني من صفوف الامريكان إلـى صفه هو وصاحبـه!
واليُوم ينتشلـني بين تلك الجمـوع حيثُ صاحبـه الآخـر.

سحبتني يـده بين تلك الجـموُع وعلى مرأى الكثيـرَ مـنهم، مما جعلَ رجلاً منهم يتحدث كان ينظرُ على حيادٍ وعن بُـعد منذُ بداية تلك الكارثـة: عُـوف البنيـة!

ما الذي جعلـهُ يتحدث هـكذا؟
ما الذي رأى بـنا حتى يقول هذا الحديث؟ هل علمَ انه آلـن وعلم أيـضاً انني مَهتاب؟
ولكن آلـن ناداني بما أسماني، ناداني بَسـعاد وليس مَهتاب فـتاةُ إيران المُطاردة.

وقفَ آلـن وهو قد نَسـيَ نفسـهُ ولم يطلق يدي!: خيـر عمـي اشبيه؟

تحدث الآخـر وهو يُشدق نظره إلى صليب آلـن ثم ينظرُ إلـي.. بل إلـى حجابي: شتصيـر لك البنيـة؟

أعادني آلـن ورا ظـهره، وكأنه يخَاف علي من رصاص عينيّ ذاك الرجُل: اش عليـك بيـها؟

تحدث الآخـر وعلى ما يبدو انهُ لا زال في منتصف أربعيـنه، يملكُ لحيـة كثّة، وعينينّ وسـاع، ويربطُ فوق رأسـه عِمـامة سوداء، ويتهندمُ بثوبٍ أسود!
يبدو لي في بادي أمره انهُ مُسلـم.. بل شيّـعي!
فأنا أعرف سيماهم التي درسـتها وحفظتُ ملامحها على يديّ رجال الصحافة وقبلهم على يد شوارع طهران الضاجّة بهم.

تحدث وهو يُقـابل آلـن وينظرُ يمنة ويسرة، لا يريد ان تلتفت الأنظار بـهم أيـضاً: أهلك ما علموك ما تقرّب يديك لمُسلـمة؟

أرى بعنينه الشـر.. ولا أرى عينيّ آلن ولا ملامحه، ولكنني أعرف نظرته من الذي يواجههَ وأسـمع كل حرف ينطـقه عن كثبٍ لم أعهده، فقد ألصقني بظهره: مالك خـص!

تحدث الآخر مُهاجمـاً: لا تلطخ طهرنـا بيدينكّ.

أدار آلـن وجهه عن ذاك الرجل، وأنا أعلم انه لو بإمكانه لكسّر اسنانه!
فـلا الوقت ولا المكان يُنـاسب ذلك، خوفه من السقوط في الفـخ جعله يتنازل ويـخسر تلك المـعركة!
أدار ظهره لذلك الرجـل فتقابل وجهه بوجـهي، لم أشهد هذا القُـرب في المرتين السـابقات الذي حادثـنّي بها غاضب!

اليُوم يقابلني هكـذا وهو غاضبٍ لأجـلي: انداري ... ويالله كَدامي.


***


أسمعُ صوت ذاك الرجل يتحدثُ مُجدداً خوفاً من تدنيسُ إسلامه في يديّ!
أي إسـلامٍ يقصد؟
هل إسـلامها بعثـها من أرضها بلا محرم وبين عشر رجال؟
أم إسـلامها الذي جعلها تعود مع مُحمد لتكمل صفّ رجلين تاركة زينب خلفها؟
أم إسـلامها الذي يجعلها تُسامرني كل ليلة في ليالِ بغداد المـاضية؟
عن أي إسلامٍ يتحدث!!
خسرتُ مـعركتي قبل بدأها خوفـاً من هاجس القبض الذي يلاحقـني منذُ ان عتبت قدمـاي مستشفـى شـقلاوة.
أدرت جسّـدي إلى الخلف، لم أكن أتوقع انها بهـذا القُـرب.
هلَ أخبركِ إسـلامكِ أنك فتنةً يجبُ أن تُخفـى عن عيـونهم؟
هل أخبرك هذا القابعُ خلفي أنكِ لعنة تُصيبني كلما اقتربتُ منكِ؟
ألم يخبركِ ما هو جزاء الفاتـنة في دينكم؟
ألا يخبركِ عن جزاء من أذابت قلـبي ولهاً، وحطمته أشلاءٍ وهي تنظرُ إلـي مبتهجة بالمـلاذ الجديد الذي وجدته!

تحدثتُ إليـها وبالكَـاد يخرجُ منّـي صوتاً هزمهُ الـعشق مرات: اندااري.. ويالله كَدامي.


***


شعرتُ بوخزٍ إبرةً في ذراعـي، فتحتُ عيناي وتجلت أمامي مُمرضة!
هل حقـاً وصلتُ إلـى هُـنا؟ ومن أوصلـني؟ وأين آلـن!
هل تُراهم اعتقلوه، ورأوا إصابتي تحتاجُ إلـى علاجٍ، وجلبوني إلـى هُـنا؟
ويوضـعُ أمام أسمـي جريحٍ .. رهن الاعتـقال!
هل تُرى هذه نهايتك؟
لن تعود إلـى ديـالى بعد يوم، لن تودعَ أمـك في المرةِ الأخيـرة!
وما هي تُهمتي؟ هل ستكون مقاتلاً في القوات المعاديـة، ولكن كيف أُنسبُ إلـى قواتِ صـدام؟
ألا يعلمـوا كُرهي لـه؟ وهل تراه سيشفـعُ ليّ
أم هُنـاكَ تُهمة أخرى لا أعلمها . . .
و آلن!
أين ذهبّ، ما الذي حلّ بـه!
لقد اسندني إلـى كتفـه ومضـى بي إلـى سيارته، هذا آخـر مشهدٍ رأيتهُ بـه.
وتلك التي طلبت أن تبقى بجانبي إلى أن يُقرب سيارته إلى موقـع إصابتي، ما حل بها هي الأخرى ؟ حتّـى هي مُطاردة و المُرجح انها اُعتقلت مـعهُ أن أُعتقل!

تجددت الحياة في روحي وأنا أسمعُ صـوته خارجـاً: ما مطولين عدّه ربّع ساعة ونطلـع!

يبدو انه يُطلب من الممرضة الدخول إلـي!
حمداً لك يالله على تجديد الحياةُ في قلـبي، فقد نشفَ به الدم منذُ أن خطر ببالي اعتقاله!
فهو لم يكنّ صاحبي فقط، فهو من خاطر بروحه ونقلها على كـتّفه من أجل إدخالي هذا المستشفـى.

رأيـته يدخلُ مُسرعاً إلـي: سـلامتك بو خالد.

الروُح عادت رويـداً رويـدا، فصاحبي من يحادثـنيّ، قريـن الروح من يستلطفـها ويتمـنّـى لها المزيد من السـلامة: الله يسلـمّك.

تحدث حاثني على القيـام: بسـرعة خلينـا ننهزم قبـل ترجع المُمرضة من جديد!

أسندني إلى كتفـه مُجدداً وهو يـسألني: يـعورك اشي؟

طابت كل الجُروح ما دُمت لم تُعتـقلّ: لا، فد جرح بسيط بجـتفي!

خرجـنا في طريقـنا، وأطمـأنُ قلـبي أكثـر وأنا أراها تقدمُ إلـي أيـضاً : الحمد لله على السـلامة، يمه خويّـه انشـلع كَلبي عليـك!

ابتسمتُ لها: الله يـسلمج، ولا يشـغل بالج على غـالي.

أراها تمـشي بجانبي بروحٍ أخرى لم أعهدهـا، تتحدث بحماسٍ وكأنها بنتُ العـاشرة.
في كل دقيقة تُلامس يدها ذراعي نتيجة تحركها بالهواء أثناء حديثها ،
أ تظنينِ غشيماً يا مَهتـاب عن حركة الفتيات هذه!
أ تريدين التصديق بوجودي بجانبـك ولكن بطريقـة غير مُـباشرة.
كُـنتِ كتلك الأُخت التي تلصُق بي في كل مرةً أعود بها من شـقلاوة حتى تتأكد من وجودي بجانبهـا.

تحدثَ آلـن ونحنُ نخرجُ من بوابة المسـتشفى الرئيسـية: باوع هناكـا، اعتقالات!

نظرتُ إلـى ما رنا إليـه، رأيتُ شُبـاناً مُلقينَ على وجوههم وفوقهم جُندياً يُحكم الكلبشات على أيديهم، نظرتُ إلـى آلـن: لا يعتقولك هسّـه!

تحدث صاحبيّ وهو ينظرُ إلـى مَهـتاب: غطيّ وجهج!
وأسنـدي محمد.

تحدثتُ بسرعـة: شو تسندني؟
روحـي ويـاه بسرعة..

رأيته يهربُ من جـهةً أخرى من أسـوار المسـتشفـى، أمسكتُ يد مَهتاب: كَولي له أني اجيكم بالجهة الغربية!

أومأت برأسـها وأسرعت في المـشي خلفـه. . .
حركُت قدمـاي بثقلٍ شعرتُ به بعدما تركـنّي آلـن، تسللتُ من خلفِ تجمع الجنود الذين ينتظرون قدوم أي شابٍ من تلك البوابة حتى يتمّ اعتقاله.


***


لا أعلم لما انتابني الخُوف رغمُ حديث صادق الذي قال لي انه ذهبَ مشوارٍ مع آلن وسيعُود قريـباً.
تجاوزت تلك الـ "قريبـاً " ساعتيـن !
وهو لم يردُ لـي خبراً عن مُـحمد، هل أحادثهُ من جديد لسؤاله عنّـه؟
ولكن هو قال لي انه سيتصلُ ان جدَّ جديدٍ في الأمر.
سمعتُ قرعَ المَطـر على أرض الفنـاءِ ..
أ لهذا الحد أتمتعَ بهدوء، والسـاعة لم تتجاوز الواحدة ليـلاً.
صُوت المطرَ يُشـبه قرع الحزن على قلوبٍ حالمـة بصُبـحٍ يُجدد فينا الروُح.
صوت النّـاي الحزين يأخذُ من مطر البؤسـاء صوته!
أ أنا حزينةً إلـى هذا الحد حتى أتحدثُ هكـذا؟ أم أن غيابُ مُحمد أورثَ بقلبيّ الحزن !
لا بأس سأكون ضيفة المطر والحزن هذه الليلة حتى يعود "مُحـمدي" من جديد.


***


أشعرُ بكهرباء تعتري جسـدي نتيجة قُربـها، لقد كتبَ الربّ عليّ الشـقاء في هذه الليلة!
انها تمسكُ بخاصـرتي وتتحدث إلـي: مـتى يجي محمد، تأخر ما؟
لقدَ تأخر وأذاب قلـبي في صوتكِ الهـامس وقُربك المُميت!
نعم!
مُميت انه يُميت كل شعورٍ حسنٍ في قلـبي ويحلُ في محله شوقاً عظيـم وحرمانٍ أعظـمّ.
أقدم يا مُحمد ويقدم معك الفرج، لم تكتفِ قُرباً؟
ألم تكتفي حتى تلوعني من جديد بهمساتها وقربها الذابحُ لقلبـيّ.
كشـفَ علينا ضوءٍ جديد .. غير ضوء السيـارات العابرة طريقـها في الناحية الغريبة والنائيـة من المستشفى فهـي تُقابلُ أرضٍ كُتب عليها قيد الانـشاء. ..
مُعاكسـة لقلبـي الذي ان لم يقدم صاحبـه سيكونُ قيـد الانتهاء، متى تشعرُ ان قُربها خطرٍ علـيّها ثمّ علـي.
متى تشعرُ بفتيلٍ يسرق من قلبي دمـاءٍ ويشعلُ ناره في وسـط جوفـي ويبقـى مكانه خاوياً من أي شعـور.. فيبقـى شاعراً بالنّـار ان لم يأتي شعوراً يُنسيه إياها .

سمعتها تستكشف الضـوء: برق!

نعم!
يا برقاً سرق من عُمري الضـياء، وسلبَ من جسـدي عافيـته!
نعم!
يا برقي العـالي في السمـاء ويداعبني ضوئه كُل ليلة ولم استطيع ملامسـته.

تحدثتُ إليـها : هسّـه بتمطر.

وما ان انهيت جُملتي حتى دوى صوت الرعد واحتضنتني من الخلف: يمممه!
ولولي على قلبي الذي احتضـر!
ولولي على عُمري الذي قلبَ يباسـه أخضراً بجوارك.
ولولي ولا "تهلهلي"..
فعاشقـكِ قلبه متضخمٍ بالوجـع ويكفيـه من الوقت ما عاناهَ!

وضعت يدي على يديها التي حاوطـتني: ما بيه شي!
لا تـخافي – فإذا بمحمد أتـى – هه هذا محمد.

أراه ينزلُ ملتفٍ حول السيّـارة ويستقل مقعد الراكب الامامـي، تاركٍ لي مهمة القيـادة!
لقد صبرَ صاحبي وتحاملَ على نفسـه في سبيلِ وصول السيّارة إلى هذه المنطقة التي لا تبعد عن سابقتها إلا خمسمائة متر!


***


أراه يقود بملامحٍ مكفهره!
لا أعلم ما الذي ازعجه، ربُـما إلحاقي لمَهتاب خلفه. . .
ورُبـما شيئاً آخـر لا أعلمه!

تحدثتُ إليـه: لكَيت لك صيـده.

تحدث ملهوفاً: وين!

أخبرته: سمعت الجُـند دا يروحون لمركز باليسان باجر،
مركز جديد هم أول جـنوده!

ابتـسم صاحبي: اجو والله جابهمّ.

تحدثت تلك الصـامتة: حرام عليـك آلـن،
بحق هالـمطر واللي نزله ما تروح!

تحدث ضاجراً : وانتي اش عليييج ؟ - ثم اردف - ما عليج كلهم مسيح،
ما كو احد ادنّسـه.

ماذا يقصد بهذا الدّنـس؟
سـألتها لأنني أعلم انه لم يُجيبني: شو ها الصـخام اللي يحجي بيه!

تحدثت ماقته: واحد بالمستشفى شافه يمّي وكَال هاي مسلمة لا تقرب لها تدنّسـها.

لقد جُنّ صاحبي وهو يستمع لقولٍ مثل هذا ويبقـى في نفـسه!
ألا يعلم المترديـة من النطيحة في هذا البلد، هو أكثر شـخصاً المّ بطبقات المجتمع وبمذاهبـه وبعقلِ كل شخصٍ به!
ألم يكنّ يتحدث عن عُنصريةً في الوزارة، كان يتحدثُ عنها ساخراً، أما الآن لقد وقعت في قلبـه كلماتُ ذاك الجـاهل.
رُبـما وقعت في قلـبه بسبب وجودها في جواره !
بالتأكيـد .. هذا سبب غضـبه.


***


وما ان هطَل المطر حتى هطلت دموع زينب مجدداً: سوودة عليـج يام علاوي!
وين دا يروحـون بهالمـطر.

هدأتُ من روعها: نطرني عشر دقايق بس!
وإذا ما اجو اني دا اروح ادورهم.

أكدت قولي: وأني هم دا اروح ويـاك
بدل ما أصير بيهم أصير بيك انته همينه!

رفعتُ رأسـي فإذا بضـوء سيارةٍ ضئيلٍ أراه من خلف النافـذة، لا أريدُ أن أأملها ثم تعودُ خـائبـة، لا أريد ان تذهب مستحثة خطاها وتعود جارتها مع أذيال الخـيبة!
ولكن إنارة السيارة انطفئت، وصوت الباب يُفـتح!

خرجتُ فإذا أنا ألمحُ آلـن يفتح الباب على مصراعيـه كي يُدخل السيـارة، ناديتُ عليها من مكاني: إجـو ولدج يا زينب!


***


بحقّ مُـحمد قد عادوا؟
خرجتُ خلف ابن أخـي، فإذا بزهرات عُمـري يقدمون إلـي.
نجومـي الثلاثـة يكُملون رابعهم الذي بجواري ويزينون سمائي!
ولكن ما بالُ مُـحمد مستنداً على آلـن، وما بالُ صادقٍ يتحمـدُ لـه بالسـلامة؟
هل أصابه أذى؟
هل وديـعةُ أمـه أصابه أذىٍ وهي تنتظر عودته إلـى احضانها؟

دنُوت منه: اشبييك ماما؟
شاللي يعـورك؟

تحدثَ حبيب عمـته وألطـفَ أبناؤهـا: كَولـي يالله!
ما بيـه إلا الخـير، فد جُرح بسيط بجـتفي، وخدوش بظـهري،
شفـتي شكَـد بسيـط؟

هكـذا تهوَن عليّ يا وليدُ قَلـبي، تتحامل على وجـعك وتهوّن علي بساطته: إن شاء الله بسيط يا عيُون عـمتك انته!


***


السـاعة قاربت الثالثـة، وجميعهم قد اخذهم النوم في غيـاهبه!
توزع كُل واحدٍ منـهم بعدما تركَوا محمد خالداً في نومةً متوجـعه في غرفته المهجورة التي كتبَ عليها الله احتضانه هذه الليلة!
ولكن هُـناك غُرفة أعلم أن صاحبـها لم ينمّ،
لم يستطيع النُوم!
فهو يٌجهزُ لجهادٍ ينتظره غداً، هل سيذهب قبل ان يعلم بأمرَ سـلاحه؟
هل ستصيبه أذيةُ خلف هذا الجهاد وهو لم يسمعُ مني خبراً يُفرحُ قلبـه؟
أدلفي عليه الباب يا مَهتاب وأريحي قلبه، فهو لم يقصر معكِ اليُوم في شيء!
لم يغضب عليكِ كعادته، بل اخرجكِ من بين الجموع ، وأخذكِ معه لمخبأه قبل وصول مُحـمد.
عليـكِ رد جميـله وإراحة قلبـه الآن!

طرقتُ البـاب فلم أجد مُجيـباً، بل سمعـتٌ صوت سُعالاً بالكـاد يتوقف!
ليست المرةِ الأولـى التي يسعلُ بها أثر التدخيـن، بل أخبرته زينب انه قد أصابه شيئاً في رئته ولابُد أن يترك التدخيـن قبل تضخم الأمـر!
ولكن هل سيسمعُ لها؟
دلفت الباب وأنا لم أسمعُ مُجيـباً، رأيـته بقمـيصٍ أو ما يُسـمى بالعراقي " دشـداشـة" سوداء اللون!
أخرجـه بهياً مهيوبـاً!
وكأن الهيبةُ تنقصـه حتى تقولي مهيوبـاً؟
ولكن هُـنا بشكلٍ أكبـر، رفـع رأسـه وأرى عينيـه حمراوتين قد تضجرا غضـباً.
أوه!
هاتف مُـحمد بجواره، رُبـما هاتفَ اهله وهذا ما أغضـبه.

وصلتُ إليـه وأنا أرتجف!
ما بالُ يدي هكـذا وكأنها ورقٍة خريفية وصلت إلـى ينبوعٍ ماءٍ بقدميـها ؟

تحدثتُ بوجلاً : آسـفة!

لم أجد إجابـة، فوليته ظهري مُستخيرةً عما أود قولـه، إلا ان يده تلقفت يدي: علـى شنو؟

فعلاً " على شـنّو" أسـفي
هل هو على عدم ذهابه لوالده؟
أو على إصـابة مُحمد؟
أو على بقاءهم جميـعاً في شـقلاوة مطاردين بسببي؟
أو عن جهاده الذي بدأت فتيلتهُ بسبب ما سمَع صاحبـه وأنا من جلبهم لذاك المكان حتى يستمع صاحبه لحديثهم؟
أو عن سـلاحه الذي لا يعلم عنهُ شيئـاً؟
لقد ضخمتي الأمـور في قلبـه يامَهتاب،
الويلُ لكِ مـنه. . .

تحدثتُ وأنا أرمي بكلمتي التي كادت ان تخنقـني: أني ياللي بقت سلاحك!


انتهى



مخرج الفصـل الثالث والعشـرون


الـيـوم أنـشـد فـــي حـمــاك قـصـائـدي
وأقـول : عــاش الشـعـب والسلـطـان

×مانع سعيد العتيبة×


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-19, 12:09 AM   #37

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل البـارت الرابع والثـلاثون

وأجهلُ حينُ أكون بحضرة
عينيك ماذا أريدُ وما لا أريد

×نزار قبّـاني×





تحدثتُ بوجلٍ : آسـفة!

لم أجد إجابـة، فوليته ظهري مُستخيرةً عما أود قولـه، إلا ان يده تلقفت يدي: علـى شنو؟

فعلاً " على شـنّو" أسـفي
هل هو على عدم ذهابه لوالده؟
أو على إصـابة مُحمد؟
أو على بقاءهم جميـعاً في شـقلاوة مطاردين بسببي؟
أو عن جهاده الذي بدأت فتيلتهُ بسبب ما سمَع صاحبـه وأنا من جلبهم لذاك المكان حتى يستمع صاحبه لحديثهم؟
أو عن سـلاحه الذي لا يعلم عنهُ شيئـاً؟
لقد ضخمتي الأمـور في قلبـه يامَهتاب،
الويلُ لكِ مـنه. . .

تحدثتُ وأنا أرمي بكلمتي التي كادت ان تخنقـني: أني ياللي بقت سلاحك!


***


وما ان أطمأنت على محمد حتى أخذتُ هاتفه قاصـداً أهلـي.
أريد الاطمئنان على أبـي، وأريدُ أيـضاً توديعهم!
وما يُدريني لو كان هذا آخر أثيراً صوتيـاً بيننا، قصدتُ ذاك الجـهاد الذي أمر به الرئيـس!
رغم غضـبي من تفاهاتٍ تحدث بها "أراذل" المسلميـن الذي يصعدون المنـابر ويبـدؤون حديثهم بفـضل الجـهاد وينتهون منـه بتكفير المسيحيين ومنعهم من الجـهاد!
أ حققتمّ مقصد اليهود يا مُسلمين اليهود؟
ما فرقكم عن اليهود وانتم تسعون بالفتنة كما يسعـى القمـر في السـماء!
ما فرقكم وأنتم تقسّمون الشـعب إلى أحزابٍ حتى لا يُدنسُ إسلامكم أحد.
ناهيك عمن يراني ويدعوني إلـى دينه!
وهل رأوني في ضلالٍ حتى يرشدونني؟
وما يعلمون ان ديـني لا يُقـدس الانـانية، لا يُقـدس النرجسيـة!
لا يُـقدس المـعية .. كما هو حالهم " ان لم تكنّ معي فأنت عليّ".
لقد عـثا في دينهم أرذلهم ونفّر النـاسَ مـنه.
لا يعلمون ما هو نور المسـيح الذي أهتدي به وإلا ما دعوني لدينهم، لتنصروا خيراً لهم من تلك العُنصرية النتنة.
كعنصُريتي وأنا أغضُّ نظري عن تلك الأرقام البلجيكيـة قاصـداً أصحابـها.
رد ولأولِ مـرة أقصدهُ لنفـسي ويرد!

كان في المرةِ السـابقة على موعدٍ مُسبقٍ من اتصـالي: ألـو.

حييتهُ وأنا أشـعر بألمٍ يجـتاح يَسـار صدري ويبحُ صوتي بسببـه: هـلا أبو آدم.

تحدث ويـبدو ان مزاجـه العـالي خوّلـه لما أراد قولـه: لا، أبو آدم انته سبكتني عليـها.
أنـي أبو آلـن.

لا أعلم هل يقولها جبر خاطر أم صادقٍ بـما قال، لقد سمعتُ ذلك من أختي زُمرد سـابقاً، تقولُ أنـه عـزفَ عن مناداةِ زوجـته بأم آدم، مُستبدله باسم أم آلـن!
جيداً أنـه تذكرني باسم ابـنه، رغم اجحافـه لحق أكبرهم بالتكني به: نجي من بعدك خويـه،
شـلونكم؟ شلـون بـويه؟

ما زال لطفهُ يُنبئني بمزاجـه العـالي، وهذا ما أردت: الحمدلله كُلـش تمام،
أبوي يمّـي تريده؟

ما هذا العرض المُغري، وتظنني سأقول لا؟: أي دخيلك انطينيـاه.

أسـمع صوتُ خطاه التي لم تطول حتى قطعها بصوتـه مُخبر أبي انني أودُ مهاتفته.
تحدثتُ لذاك العـجوز النـاحل، الذابل .. الكـاسر لخـاطر ابنـه ولكنه " يموُن على الخـاطر": هلا بويـه شلونك، ان شاء الله بخـير؟

تحدث أبـي و وليدُ ابنه، وهل سبقَ ورأيتمّ والدٍ يكون ابنٍ لولده؟
نعمّ!
هذا ما جعـل آدمٍ غير عن كُل الآبـاء، هذا ما جعله الأبّ الأسـطورة في حياتي.

هذا ما جعلهُ يتفردَ بقلبـي دونٍ عن الجميـع.. حتى والدتي: الحمدلله كُلش تمام، انته الأهم بابا شخـبارك؟ كيف مـاشيه أمورك؟ أكو أشـي مضوجك ما عاجبـك؟ تره ربـعي هناكا كثـير ودا يمشون لك أمورك. . .

رددتُ على ذاك الاب الذي لم يكن كسابقته عندما قالت لبراكين شوقي " على كيفـك": لا بويـه كُلـش مثل ما تحبّ وتريد،
بس . . . منعوني من السـفر يمكمّ، دا يكَولون أسـمي معممّ على كُل المطارات والدول.

ابتلع ذاك الحنـون قـهره قائلاً: مَـعليه بويه، يوميـن ويطلع المـحتل وتجي يمـنّه!
أو تعرف أني دا انزل بغداد.. تعرف الحين ممنوع من الدخـول إلـها – ثم أردف ببعض الـمرح– ما حنّيت الها إلا لما مُـنّعت!

حنّ يا أبي!
جرّب شُعلـه الحنين التي أحرقت جوفي منذُ رحيلك.
حنّ يا أبي!
لا تكون صلفـاً كأمراتك، لا تكون قاسـياً مثلها.

حنّ يا أبي حتى بسؤالك التي همستُ بـه: شلون زينب؟

علمتُ انه خرجَ من مجلسـه الذي يضمّ ينال ورُبـما غيره أحد، اجبتهُ ضاحكاً من ذاك الحنيـن الذي شمِلَ مُعذبتـه: تسلم عليك هوايّ، - ثم اعليتُ صوتي وكأنني اقدم لروحي النصيحة بدلاً من والدي: الما نصيبك أنسـاه!

قطـع ذلـك صوُت أمـي من خلفـه: من تخابـر، أشـوف الابتسامة شاكَـه هالوجـه النيّـر؟

أ لهذه الدرجة سعيدٌ أبـي باتصالي؟
أ تسعده تلك المكالمـات الضئيـلة؟

أصغـيتُ السـمع إليـها وهي تحادثـه: انطيني دا اخابره.

سمعتهُ يودعـني: الرب يحفظك بابـا،
أمـك ضوجتني دا تخابرك!

أكذبُ أن قُلتَ ليس ملهوفاً لكلماتٍ تخرج من فمها وأنا المعـني بها، وأكذبُ أيـضاً ان قلت انني لا أخشـى مكالمتها التي غالبـاً تنتهي بجرحٍ جديد يُضاف لقائمـة سابقاته!: ألـو.

رددتُ عليـها ملهوفاً ولو لبضع ثواني قبل نطقها لجوهرتها التي ستدمي روحي من جديد: هلاو بيج أم يـنال،
عـاش من سـمع صوتج حجية!

تحدثت بلطفٍ لم اعهده منهـا: هلاو ماما، شخبـارك؟

اجبتها وأنا سعيداً بهذا اللطف الذي أشعل بروحي فتيلاً من الحيـاة المُفقودة التي احتضرت منذُ غيابها : كُلـش تمام!

ابتدأت موضوعها أو طامتـها: دا احجي لك اشـي بس ما تضوج وتنقهر مثـل قبل!

ما هو الذي اغضبني و احزنني في نفس الوقت؟ : شـو؟

تحدث والسـعادة تطيرُ بـها عاليـاً، أ ليسَ قلب أمَ؟
إذٍ يحق له السـعادة بحديثٍ هكـذا: خيّـتك زمُرد ما رضت يصير اشي حتى اخـابرك!
هي خجلانة تحجي لك، وعنّدت يصير شي بدون علمك.

وكأنني عرفت الأمر يا أم ينالّ!
لا داعي لمقدمتك البـالية، هل ستزوجيـنها بدون علمي كما زوجتي ياسميـن؟
هل وقفت تلك الفتـاةُ بوجهـك حتى تُخبرينني؟
أعلم ان عريسَ زُمرد قد سكنّ قلبك ولا ضحيتي به حتى لا تُخبرينني!
خبراً يلفهُ الأسـى من جهتـي.. وتلفهُ اللهفة منك،
ما الذي تريدين الوصولَ إليـه؟
وهل موافقتي أو رفـضي سيقدمُ أو يؤخـر؟
حـتى أبـي سألني عن معشوقته ولم يخبرني بخطوبـة زُمرد.
تحدثت أمي من جديد: الخاطبها خوش رجّـال، وطيّب!
بس . . .

سكتُ أنتظر نطقها لتلك الجوهرة التي انتظرتها من بداية المكالمة، وفعلاً نطقتها: ما عراقي.

تنازلي عن كُل شيءٍ يا أم ينال إلا عن عراقيتك، تنازلي عن ابنك، تنازلي عن رقمك العراقي، تنازلي عن جنسيتك ان اردتِ.
ولكن لا توقعي أختي في يدين رجلٌ لا يكنّ للعراقَ حُـباً.
لا يشعرُ بالعراقُ وطنـاً، لا يعرف قيـمة النهرين، لا يعرف حدائقَ بابل.
لا يعرف بغداد الحُـرية ، لم يمرّ بالكنـائس التي ملأت العراق.
لا يعرف ما مـعنـى كلمـة " الكـرخ" ، لا يعرف ملائمتها " الرصّافة".
لا يعرف أشور، لم يدرس تاريـخ الكوفة والبـصرة!
لا يعرف كل ما نعرفهُ يا أم يـنال، لا يعرف الحبّ الذي نكنَه للعراق.

قاطعت أفكـاري قائلة: هاا .. اش رايك؟

تحدثتُ وأنا أشعر بالدم يتدفق كُله إلـى رأسـي: ما ناقصج نكران للعراق، حـتى تزوجي بتَج للما عراقي.

غضبتّ: والله والوطن يالتحجي عنه،
الصوج مو صوجك صوج يالياخذ رايك بمواضيـع هيج!

أغلقت هاتفـها دون ان تودعـنّـي!
هل كان عريسُ الغفلـة جوهرةً يستصعبُ التفريط بها حتى تُفرطُ بي من أجله؟
هل كان عريس زُمرد يستحقـها؟
وما رأي زُمرد بـه؟ أظنُ أنها لن توافـق، فهو ليسَ عراقي!
حتى لو كان عربياً فهو لا يستحق فتاة النهرينّ، لا يستحق من أطلقت صرخات ولادتها في العراق!
لا يستحقُ من شربَت من نبع دجلـة، لا يستحقُ من عـاشت في أم الكنـائس والمسـاجد.
لا يستحقُ من أصابها الانفـة والعزّة .. لانها ابنة بغداد.
ابنة بغداد لا يستحقها إلا عراقياً يجعل مكانتها من مكانة بغدادَ في قلبـه حتى وإن لم يكنّ بـغدادي.
لا تُغربيها يا أمـاه في كَنفِ رجلاً لا يعرفُ عراقـها، يكفي روحي تغريبتكمّ التي تنحّت عن العراقَ .

طُرقَ الباب ولن أجيبَ طارقـه!
لن أحملـهُ ذنبّاً ليسَ له علاقةً به، أعلم انه ذاك الطارق سيكون ثاني اثنين، أما عَـمتي وعشيقة والدي، وامـا ابن أخيـها.
أو محمد .. هل جَدَ جديداً في أمـره؟
هممتُ لفتحه وما ان هممتُ حتى عُدت لمقعدي، لا أحتملُ شيئـاً جديداً يزيدُ على روحي اتعابها.
لا أحتملُ شيئاً يزيد همـي همـاً، يكفيني جُرعة الألـم الذي استوطنّ روحي وأنـا ما زلتُ أعاني عم مثيـله مـنذُ زواج يـاسـمين.

فُـتح الباب!
ودخلت تلك الإيرانية التي تُضاف إلى قائمة الجـانين على روحي!
يا لتلك الروح التي تحملت ما لا تستطيع.

تحملت حُب تلك القادمـة لترمـي كلمتها التي لا أجدُ لها تفسيراً : آسـفة!
ألقتني ظهرها عائدة من حيثُ أتت!

هل ستعودُ هكـذا دون ان أفهمُ سبب أسـفها، مسكتُ يدها : على شـنو؟

أراها تختنقُ هل من رائـحة السيجارة التي تتوسط يدي الأخـرى؟
لا بأس سأطفئها حتى أعلم سبب أسـَفِها، أطفئتُ سيجارتي ثم رفعتُ رأسـي على أحرفها التي صبّت بقلبـي سعـيراً: أني ياللي بقت سلاحك.

هل حقـاً ما تفوهت بـه؟
وقلق أسابيعي الفـائت أين عذرها منه؟ أين أسـفها له؟
هل هي جادةً في قولـها؟
أ تقولها هكـذا بكُلِ بساطة " آسـفة"؟
أيـن يُصرفُ ذلك الأسـف بعدما أشـعل بروحي نيران الانتظار لخطرٍ قادم؟
أين يُصرفُ ذلك الأسـف وأنا أدعو الربّ كلِ مـساء أن لا يفجع زينب بنا أمامُ أنظارها؟
أين يُصرف ذلك الأسـف ونحنُ خرجنا للتـو من موتٍ مُحقق واستندتُ سببه لذلك السـلاح.
وأن صُرف الأسـف ما الذي يصرف عن روحي لومـي لها في الايـام الفائـتة.
أي أسفٍ أقدمه لتلك الروح التي تنصـهرُ في كلُ ليلة أثر لومي الشديدَ لـها.
وقفتُ مقابـلها وعينيها التي بلـونِ الجـنة تُحيطُ بي خائـفة، هلعـة مما سيأتيها
عليكِ أن تخافـي.. عليكِ أن تخشـي!
فمثلكِ لا تُخطئ خطاءٍ كهـذا، غيرك تعلم ما معنى فُقدانَ السـلاح.
رفعتُ يدي ووضعتُ بها كل رجواي التي تبعت انتظاري البـالي لعودة السـلاح أو مماتي، ووضعتُ أيـضاً بها لهفتي لأبـي، حنيني للقياه!
رجائي برفض خطيب زُمرد، غضبي الذي لم استطع إخراجه لأمـي.
كُل هذا وأكثـر وضعتهُ بيدي وصفعتُ بـه الواقفـة بكل خنوعٍ أمـامي.


***


صحوتُ من نـومي بسبب حلمٍ، يبدو انه أضغاثُ أحلامٍ بسبب قلقـي عليـه!
لم أحلمُ بمن قلقتُ عليـه، بل حلمتُ بوالده.
حلمـتُ به وكان يوصيـني بأبنه، كان يقف بشموخٍ موليني وجهه وبجانبه شخصٍ محنيّ الظهر مُلئ بالطـعون وقد ولاني ظـهره !
أسـمع آدم برجاءٍ حارٍ يُرسم على تقاسيم وجهه وبصوته وهو يضع يده على ذاك الجريـح

" مدا تخليـه يضيـع منج هيـج يا زينب!
بوداعة غلاتي عدّج يا أم عـلاوي."

ثم يُـعيد رجاءه من جديد وهو يُدير وجه المطعونَ ولم يكن إلا آلـن..

" شوفي اش سـاوت بيه الدنـيا بغيبتيّ
أني جـنّت أحميـه من نسمة الهواء .. خليج هواه وحمايـته من بعدي".

ما الذي فعلته الدنيـا بابن أبيـه، حتى يأتيني بمنامي يوصيني به!
أحلامي بآدم لا تكذبّ!
أبداً لا تكذب، فقد حلمت بمرضـه وفعلاً كان مريـضاً وقتها.
ما الذي يُقاسـيه حبيب عمـته حتى يوصيني به والـده.
وقفتُ فزعة، سأذهبُ إليـه!
لن أتركه كما تركه أهلـه، لن أجعله يقاسـي ألمـاً لا أعرفه.
هذا أبن آدم.. هذا وديـعةُ آدم يا زينب .. لا تتركيـه!
خرجتُ من غُرفتي ذاهبـةً إليـه .. ولكن أوقفتني همهمـاتٍ تصدرُ من غرفتـه
لم تكنّ إلا مَـهتاب!
الويـلُ لها ما الذي أتى بها إليـه والوقت فجـراً، ما الذي أدخلها حجرته؟
أ لم تحترم دينها الذي حرّمَ عليـها الخلوةِ برجلٍ أجنبي!
و يا ليته أي أجنبيٍ يا مَهتاب، أنه آلـن!
آلن الذي لا تعرفيـه، آلـن الذي يذوبَ عشقـاً أمامـك، آلـن التي تسقطُ حصونـه بمرأى عينيكِ.
لا تعرفي العشقَ الشرقـي حتى تُخـاطري وتذهبيّ إليـه!
لقد أنساكِ الفُرس جنونَ العربي عندما يعشـق، لقد أنسـاكِ الفُرس خطورة ذهابكِ إليـه والساعة تُقـارب الرابعة فجـراً.
هممتُ بالدخول وأوقفني صوت لطم جسد، هل تطاول عليـها وضـربها، ولكن لما يضربـها؟
دلفتُ الباب وأنا أرى عينيـه حمـراء، وعينيها دامـعة!

ويـده ترتجـفُ وتجـبره على أعطاها كفٍ آخـر وقفتَ بوجـهه: عليك الله ما تضربـها.. خطيّـة!

أمسـك يدي التي تناولت يده قبل ان تطبع على كفـها : خطية!
انتي الخطيّـة يا عمّـة، ما تعرفيّ شالمهببة بت أبـوها.

الويلُ لـها منهّ!: اش ساوت؟

رفـع صوتـه: الخانوُم بايقـه سلاحي وعايفتني أسـابيـع هنانا اصفكَ يمين بيـسار!
دا تشوفين عميـمه اش ساوت بيه؟ - ثم وجهَ حديثه إليـها –
من وين خذيتي السـلاح؟

ما الذي جعلها تخبره بوقتٍ مثلَ هـذا؟
الويل لها ، لن يُمررها لها هكـذا، وصدقَ قولـي عندما أجابت مَهتاب سؤاله بصوتٍ يسكـنّهُ الخوف والرجـاء: من تحت مخدتـك!

دفعـني جانبـاً وهو يلتقط حزام بنـطاله الواقـع جانبـاً: يا بت الكَلـب.
دفعها فإذا بها تسقطُ أرضـاً مُسلـمه للهِ أمرهـا، ثم لذلك الحزام الذي تضاعفت قـوته بيد جلاده!
ذهبتُ راكـضة، موقظة صادق الذي سيستطيعُ إبعاد آلـن عنها، وكفّه عن أذاها.


***


أشـعرُ بيدين عمـتي تُحرك كتفي بتخبط: صادق دخيلك قووم!
دا يذبح البنيّـة.

وقفتُ فزعاً من بُكـاء عمتي وحديثـها، ما الذي سيذبح؟ ومن تلك التي ستُذبح: اشبيه عميمة؟

تحدثت وأنا بالكـاد التقطُ حديثـها وسط بكاءها العزائي: آلـن،
والله دا يذبحـها ما يُبقيها عايشـه!

فهمـتُ ما رنت إليـه قبل أن تُكمل حديثها، لقد تعارك من جديد مع مَـهتاب،
خرجتُ وأنا لا أعلم أين هو؟ إلا سمـاعي لصوتِ صُراخٍ لا يقطـعهُ إلا صوت سوطـاً بالهواءِ ثم صوت وقوعـه على شيءٍ يرتـطمُ بـه ثم يعود صوته يخالط هدوءِ الهـواءِ ويحدثُ ضجيـجاً لم تعهده تلك النسـمة الساكنة!
كل هذه الأصوات قادمـةً من غُرفـته، دلفتُ الباب ورأيـته كأسـدٍ هائجـاً مُنقضاً على فريسـته!
فريسـته لم تكن إلا تلك المُسـلمة التي لم يضع لديـنها حُرمة وهو يعاملها كمذنبٍ وجلادهّ!

احتضنتـهُ من الخلف ساحبـة عنـها صـارخٍ بـه: اشبييك انته جنيتّ!
تضرب لك بنيّـة؟

بقيتُ مُمسكُ بـه حتى أتت عمـتي مُساندة تلك الباكيـة، المُتألمة خارج الغُرفـة.
اطلقتُه وأنا ألـومه: وسفـه عليك يا أبو آدم!
تطكَ بنيـه؟ حرامات والله .

أراه كالضائـع لا يعلم ما الذي يفعلـهُ يُخلل شعرهُ بيديه: ما تعرُف اشي يا بو كاظم ما تعرف شي!
أراهُ يذهب من أمـامي فلحقتُ به فإذا بـه يفتح جُزءٍ بسيطاً من باب غُرفة مَهتـاب: عميمه، كَولي لها تنطيني المُسدس.

إذٍ .. عرف السبب وبطل العجب!
أ لهذا تلقت منك ما لم تتلقاهُ من غيـرك، أعرفُ يد صاحبي ان لم تُدمـي لن توجـع!
أخشـى عليهـا من تلك الأسـواط التي تلقاها جسـدها عقاباً لما فعـلت!
تستحق العقاب بربّ مُحمد!
ولكن ليسَ بهذه الطريـقـة ، ليس بهذه الوحشـية، لقد قتل بها كُل شعورٍ غير شعُور الضـرب الذي لن تنسـاه ما حييت.


***


هل ما سمعتـهُ حُـلمـاً، أو هذيـاناً؟
ما هذه الأصـوات الجليّة البعيـدة؟ بينهم صوتُ آلـن.. بحق!
تحاملتُ على أوجـاعُ ظهـري ووقفتُ خارجـاً ووجدتُ صاحبيّ في طريقهما لغُرفـة آلـن: شكو ماكو شبابّ؟

تحدث صـادق بقليلٍ من الهمّ مُقارنة لما ارتسمَ على وجه صاحبـه الآخـر: أبـد كَـامت الحرب البادرة من هسـتوة!

علمتَ انه يستهزأ بـما حدثّ، ذلك الذي لا أعلمـه حتى أُقرر أن كان يستحق الاستهزاءِ أم لا: اش صار؟
تحدث آلـن وهـو يرفع مسدسّـه: لكَيت مسدسي مع بَسـعاد.

صُدمتَ!
هل هي أهلاً ان تسرقَ سـلاحه لأيـامٍ ليست بالقليلة.
هل مرّت هذه الحادثـة هكـذا؟
كيـف أخذَ السـلاحَ مـنها؟ هل سلمـته لهُ هـكذا؟

تجاوزتهمّ وأنا أطرقُ باب غُرفة مَـهتاب: مَهـتاب أني مـحمد..
بطلي البـاب!

وما لبثتُ إلا بضـعَ ثوانـي فإذا بزينب تفتحُ البـاب، أرى الدمـعَ يغزوُ عينيها: تعال مـاما، باوع اش سوه صاحبـك بيها.

دخلتُ ولم أرى تلك المأساة التي قالتها عمّـتي بحكم سِتر تلك الفـتاة، تحدثت عَـمتي وهي تنتصـر لمَهتاب: والله يا عميمه ما خله بيها عظـمة سالمـة
كله علمود سلاحهّ، ما يكفيـه انها ضامـته يمّـها؟

اتكأت على الجدار وأنا أسـتـمع لها بعد حديث عَـمتي: دخيلـك محمد طلعـني من هَنانا.. دخيل القُرآن!

لا أعلم لما أنصاعُ لرجائها المتأمل لي، لا أعلم لما يسرقـنّي حديثـها إلـى معادات صديقي الذي لم يجعلُ لهُ إحسـاناً : كَولي يالله!
أني دا احاجـي آلـن ولا يهمجّ، بس طلعة من هَـنانا صعبة باباتي، شفتي أنتي بنفسج الصار اليوم ما أكَدر أخذج بره أربيـل،
بس وحيـاة عيـونج من تمُر هاليومين لأخـذج ويايه، لا تضوجيـن أني دا اخذ حكَج منه.

لم أسمـعُ مـنها تعقيـباً على ما قُلتُ إلا ابتسامةً صفراوية تمنعها من إحياء الأمل بداخلـها.


***


هل حقـاً يستطيع محمد إخراجي من قبضة الجلاد وسطوتـه!
لم أشعرُ بشيءٍ بعد أسـفي إلا بيده التي طُبعت على خدي صفعتها، ولم أعيّ صدمتي الأولـى حتى شعرتُ أنني أسقطُ أرضـاً وشيئـاً غليظـاً يُصافحُ جسدي بحرارةٍ لاسـعة!
لم أشعرُ بالألم للوهلة الأولى!
بل صرختُ من هول تلك الضربة التي تلقتها شاكلـتي، وكأنه يقولِ كلاً يحتملُ ما جنت عليـه شاكلتـه!
ذنبي لن يحملهُ إلا شاكلتيّ .. هذا ما أراد إيـصاله لي.
أشعرُ أن كليتي تنزوي ألـماً عن مَكـانها، أحسُ روحي تذوي إلـى أخمـصِ قدمـاي مُواريتها عن عينيّ جلاديّ.
شعرتُ بالموتِ بحق مُـحمدّ!
مَهتاب.. قوية البـأس ، التي لم تُجربَ بعمـرها صفعةً من يديَ أخوتها، لقد كانت تشتكيّ لوالدها من ضربة عابرة، ثقيلة مزحَ بها أخوتـها.
كانت تشتكي من ثُقل دمّ الأولاد في المزح!
ولم تعيّ ثقل أيدي الأولاد عندما يجدّون في الضرب، هذا ما جعلني لا أعيّ من صدمـتي حتى الآن.
أنظرُ إلـى ساقايّ المُبقـعة باللون الأخـضر، ولم أشـعر بألمها حتى الآن مع وجودِ كدماتٍ سـريعة!
يبدو ان هذه الكدمات علمتَ حجم صدمـتي وظهرت حتى أفيقَ لما أنـا به.
أ أخبركم انني لم أشـعرُ بالألـم إلا ألم كليتي وقتَ ضـربته فقط!
هل كان ذنـبي حاجزاً دون الألـم؟

نظرتُ إلـى زيـنب الماثلـة أمـامي بلا حيلةً: ليش تصيحين؟
أني أسـتاهـل.

نظرت إلـي مصدومةً مما قُلت: مدا تتوجعيـن؟
أومأتُ برأسـي بمعـنى "لا" ثم أردفت زينب: لعد الله يعينج على الـوجع بعد قومـتج!

ابتسـمـتُ لها : كَلت لج استاهل أني المورطة روحي.

وقفتُ وهي تضحكُ بين دموعـها: حييل بيج!

خرجت!
وما ان خرجت حتى شعرتُ بألمٍ نفسيّ أقضني، أبكـاني .. بل انهرتُ باكيـة.
على عزتـي المهدورة، على كرامتي المحتضـرة!
أن أتـى ألمٍ جسديـاً يومـانِ ويرتحـل، ولكن كرامتي من يُرجـعها؟
من ينتصرُ لـي!
وهل يحقُ ان أورطُ محمد أيـضاً وأذهبُ مـعه؟
وهل سيسمحَ له صاحبيـّه؟ أعلم ان آلـن يخافُ على مُـحمد أكثر من محمد نفسـه!
وأعلم ان مُحمد لن يخسـر صداقته بسببي!
كرامة الطهرانية هّدرت من ابن عراقـه. . .
ستقـومَ من أجل تلك الكرامة حرباً تُشـابه حرب البـسوسَ التي قامت من أجلـها.
ستقوم معركة الكرامـة كما قامت من أجل المُـنذرية!
لن ابـقى هكـذا أسيرةُ الكرامـة المهدورة، لن تنالُ منالك يا ابن بغداد.


***


صحوتُ وإذا بسـاعـتي تُشيرُ إلـى الواحدة ظُـهراً، فزيتُ واقفـاً كيف فاتتني صلاة الظهر ولم يوقظني أحد.
ولم أعودُ إلـى أهلـي، فقد حادثتُ مـلاذ بعدما خرجتُ من غُرفةِ مَهـتاب ووعدتها بالعـودةِ ظُهراً.
صليتُ وما ان انتهيتُ، نزلتُ أسـفل فإذا بعـمتي و آلـن المتوسد فخذهـا، وكأن شيئـاً لم يحصلُ في الفجـر!
كأنه لم يشرعُ في ضـربِ مَـهتاب الذي كاد ان يقتلها.

وقفتُ جـانباً: السلام عليكمّ.

اعتدل آلـن جالسـاً: وعليـكم السـلام،
هاا كيف جُرحك هسّـه؟

أ تراه يخـافُ على جُرحـي غير شاعراً بالآلام خلفها في الأعـلى: لا الحمدلله أحسـن.
تحدثت عَـمتي: أكَـعد دا اصبّ لك غداء.

رددتُ شاكـرها: عـاشت ايدج عَـميمه،
والله مسـتعجل أمـي تـنطرني من الصُبـح.

تحدثَت عمـتي مودعـة: الله وياك، لا تتأخـر عليـنه!

خرجتُ ولحقَ بـي آلـن: محَـمد.
نظرتُ إليـه وأكمل حديثـه: أني اليُوم دا اروح مركز باليسان ..
لو صار بيـه شي، وداعـتك أهلـي، لا تخبّـر أبـوي من هَـنانا لا تفجعـه بيه!

قَدمتُ إليـه: كَول ياللهّ!
ما صايـر إلا الخيـر إن شـاء اللـه.
ولو تعوف هالجـهاد عـنك مو أحسـن؟

نظر إلـي معاتـباً : وحجي صـدام؟ ولا نسييت!

ما زال يقول لي صدام!
صدامه المُخـتفي، الموكل لشعبـه الجـهاد وهو يختبئ بالخـنادق.

تحدثتُ داحراً الشـر الذي يأتي خلف شتيمةُ صدام: لا ما نسيت،
الله يقويـك.

احتضنتهُ مودعـاً، كاحتضاني له البارحة بعد إنجازه بفك اللغم!


***


أراهُ يعـود من محمد ويبدون انه لا يمزح عندما قال انهُ سيذهب عشيةً مُجاهداً، بل قالـي لي استسمحـي مَـهتاب نيابةً عـنّـي!
هل هو خجلاً من اعتذاره الذي لن يُقدم ولا يؤُخر؟
أم انه يعزُّ عليـه الاعتذار؟
كل ما أعلمـه انني سأذهبُ إليـها، هي في ذمـتّي لو حصَل لهـا مكروهـاً.
هي ذنـبي لو حصل لها أذىٍ خلاف عقابـهُ لها.
أنا من أخفـى عليـه خبر سلاحـه معهـا، ماذا سأخسرُ لو أتيت بسـلاحه متحججة بسقوطـه بمكانٍ قريب!
لو فعلتُ ذلك لما حصل ما حصل.


***


هل يكفي الاعتذار الذي حمّلتهُ عَـمتي؟
ولكنها مُخطئـة كيف اعتذرُ منها، ما كان ضربي لها إلا ردةُ فعلٍ على ما فعلت!
فعلت فجُزيت بما فعلت!
لم أخطئ بحقـها، ولكنني ذاهبٍ إلـى المـوُت وحدي!
لابُـد من الاعتـذار لهـا، فالاعـتذارُ لن يُصغرُ قـدري كما صغرَت فعلتها قدرها.
ذهبـتُ أعلـى مُـخرجـاً كاميرتها كعربونِ اعتذار، لن اسلمـها لها هـكذا،
لا بُد ان أودعـها قبل ذلك.
جلستُ على الكُرسـي الذي قُمتُ مـنه فجـراً مُعاقبـها،
هذه صـور أخوتها، وهذه صورة أبـوها وأُخـرى لأمـها، ولكن هُـنا شيئـاً جديد لم أره من قـبل!
10-7-2002 نظرتُ إلـى تاريخـه

فتحـتُ الفيـديو ورأيت عُـمر المحسوبَ عليـها أخ، يقف خلفـها مُغطيـاً عينيـها بيديـه!
يُسيرها أمامـه وصوت يـامن الذي عرفـتهُ ينبعثُ من خلف الكـاميرا: على كيـفك عمّـور لا تنتقـم منـها.

ثم أسَـمَع صوتها المرح الذي افتقدتهُ في أشهرها الأخيـرة: يا ويلك عمّـور،
تره بابا هَـنانا والله أصيّـح عليـه!

أسمعُ ضحكة شقيّ يأتي خلفهمّ: دا يفجعج عمر هه!
وكَولـي خالد ما كّال.

علمتَ من تحركاتهم انهم يريدون تخويفـها ثم مُفاجأتها بشيءٍ لا اعلمـه إلـى الآن!
ولكـن هُـنا جديدٍ لم أرهُ بـها من قـبل!
شعرها الأسـود أراهُ للمـرةِ الأولـى، أرى نُعومته وانسيابـ المتمردُ منـه على اكتـافها.
عدم توازن الكاميـرا بيد يامن أخبرني بطولـه الذي تجاوز مُنتصفَ ظهرها.
لمَ تفتنني أكثـر فوق فتنة وجـهها؟
لمَ يفتنني ذاك الوجـه النوراني الخالـي من أي مساحيقٍ تنكُرية تُدعـى "مكيـاج"!
لمَ تزيد لهيب فتنتها بهذا الشـعر الأسـود؟

أغلقتُ الكـاميرا وأنا أُقـدَس الربّ وأستسمحهُ من ذنب مرآتي لشعر مُسلمةً خبأتهُ عـنّـي!
لم يمـنعَ ديني النظرَ إليـه ولكن دينها منَع ذلك..
يحقُ لها ان تتبع دينٍ يُخفي المزيد من الفـتنة خلف الحجاب!
يحقُ لدينها سترها عن أعينِ المـارة!
نعمّ الديـن الذي يُخفي عشـيقتي عن أعينُ الجميـع . . .


انتهى..




مخرج الفصل الرابع والثـلاثون


عيناك بلائي وابتلائي.. وانا الميتمُ المبتلى



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-19, 12:23 AM   #38

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل الخامس والثلاثون

أريدك أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة...
على المسدّس الكاتم للصوت..
وينتصر التّلاميذ وتنتصر الوردة..
وتنتصر المكتبات.. على مصانع الأسلحة...

×نزار قبّـاني×








أغلقتُ الكـاميرا وأنا أُقـدَس الربّ وأستسمحهُ من ذنب مرآتي لشعر مُسلمةً خبأتهُ عـنّـي!
لم يمـنعَ ديني النظرَ إليـه ولكن دينها منَع ذلك..
يحقُ لها ان تتبع دينٍ يُخفي المزيد من الفـتنة خلف الحجاب!
يحقُ لدينها سترها عن أعينِ المـارة!
نعمّ الديـن الذي يُخفي عشـيقتي عن أعينُ الجميـع . . .


***


"مَـهتاب"

أسمعُ صوت زينب توقظنّـي، أسمعُ الهمهمات والدُعـاء.
وكأنني أنقاضُ بلدٍ عربي يستصرخ بقائده النبيل الذي غطاءه الثّـرى،
لا ينظرون إلـى القادم ويبحثون عن حاكمٍ أنبلُ من سابقه، بل يبقون على الاطلال بـاكين!
نعم!
نحنُ عرقٍ بَكّأ.
نبكي على الاطلال، نبكي على المفقودين، نبـكي على الموتـى، نبكي على الرؤسـاء.. وحتى في الفـرح نبكي خوفـاً من فقدانـه!

عادت تلك البكاءة أيـضـاً مناداتها: مَـهتاب ماما كَومـي ما زيـن لج النّـومة الطويلة أنتـي ضعفانة!

كيف لا أضعف يا زينب وأنـا عربيـة تتوقها العزّة والكرامة اللواتي اهدرهنّ ابن آدم؟

رددتُ عليـها: هسّـه كَـايمة،
لا تخافيـن عليه، أنّـي زينة!

ولتني ظهرها وهـي تقول: أنطرج تحت لا تتأخرين عليـه.

هل تريد مني النزول حيثُ بنيّـها؟
وكرامتي التي اهدرها احدهم وشهد ذلك الآخـر؟
هل أتنازلُ عن تلك الكرامـة وأنزلُ إلـى حيثُ أرادت من دونِ أي اعتذارٍ يُقدمُ من ذاك الجلمود؟
لن تتنازلُ مَهتاب أبيها إليـه، لن تنوّلـه ما أراد.

أوقفتها سائلتها: آلـن هَنانا؟

أدارت وجهها إلـي: شتريدي بيه؟

لا تُجيبي سؤالي بسؤالٍ يا أم بنيّـك، ما الذي أرديه من جلمودك الذي لا يلينّ: إذا هـو هنانا ما أريد أروح ويـاج.

غَضبت!
وكأنني أنا من أسأ لأبنها، وليس هو من أسأ لي: لـعد كَـعدي مكانج.
فلتغضـب وتذهـب إليه يُرضيها ويؤنسـها، سأحافظ على قليلٍ من كرامتي ومـاء وجهي الذي أهدره ابنها.


***


وصلتُ ديـالى فإذا بملاذ تقف باستقبالي: يا روُح أخـتك وينك وكَعت كَلوبنا عليـك.

تلقفتها بأحضـاني: يا قلب أخوج أنـتي، راح الوكَت ولا حسيت بيه!

دخلنا إلـى تلك المُنتظرة ظـهراً، وصباحاً أيـضاً، أسرعتُ إليـها حاثاً قدمـاي على المسير بشكل أسـرع، فإذا بها تقطعُ علي نصف المسـافة وتتلقفـني: يا عيـون أمـك، هيج بتخوفنـي عليـك، ما تكَول وراي أم تتنى رجعتي.

يا لعتابها الرقيق.. الذي لا يخلوُ من بلسمّ حديثها الذي يصبّ في روحي ويعيدُ لها بريقـها الذي خطفته أرض شقـلاوة!
يشيبُ الولد مـن هولِ ما رأى.. ويشيبُ حقـاً ان لم تكنّ له أمٍ تُنسيـه سبب مشيبه!

رددت عليـها: مـا كان بيـدي، وهيني رجعت لج ما بيـه إلا العـافية،
لا تخافيّ عليـه ما زعطوط!

تحدثتَ بنبرة غاضـبة: زعطوط، وامك مسودنة إذا خلتك تطلع من ديـالى مرةً لُـخ.

ضحكتُ على قولـها، وصوت أبـي البعيد يصلـني: ما رجـع أخـوج؟

وقفتُ بانتظار قـدومـه، وما ان قَدِمَ حتى شملني بنظرةً تفحصيه، تذكرني بنظرة آلـن عندما يغيب عني يومين في بغداد ويعود إلـي.. كنظرته فجراً عندما عُندنـا اليوم من المشـفى: هلاو أبـو محمد.

شَمَل كتفي بقبضـتهُ وأعلم انه قاصـداً تلك القبَضة وإن لم يُصيب في كتفي سيقبضُ كل جزءٍ في جسـمي حتى أصرخُ ألمـاً ويعرف ما هو ألـمي!
هكذا أبُو محمد من يومه!
لا يسأل عن ألمك، ولا يسأل عن وجعـك.. منذ إن يشعرُ بك يبحثُ بالألـم بنفسـه!
وعندما سألتهُ سبب ذلك في يومـاً، قـال" عقـابك لأنـك اخفيت ألـمك عنّـي"

فتلوّن وجـهي ألـماً من قبضته شعرتَ به والدتي: اشبيك ماما؟

وجدَ والدي ضالته وحققَ مرامه: هذا اللي مخليك تُبقـى بأربيل يا بو خالد – استقلَ مقعـده – تعال حاجيني اش صار؟

هكـذا يكشفُ سبب الغيـاب ويأخذ أمره ببساطة!
غريبُ الأطـوارِ أبي!
لا يمـلأ الخوفَ وجـهه كأمي ومـلاذ، بل وكأنه أُخبرَ بهذا من قبل، ما الذي جعلك تشعرُ بما آذاني؟

حضنتُ كتفيّ والدتي المذعـورة وأنا أُجلسـها في جلسـتي بجانب والدي: ماكـو شـي، فد جُرح بسيـط!

عاد أبـي تساؤلـه بصوتٍ حازمٍ هذه المرة: شصار وياك؟

أيقنتَ ان لا مفرَّ من هـذا الحصـار، إلا بفضَ كل ما في صـدري من حديثٍ إليـه..
وفعلاً أجهرت بالقـول والحـادثـة التي أسريتُ بها أول دقائق قدومي إلـى هُـنا.
تحدثتُ إليـه بكُل شيءٍ عدا وجود مَهتاب في الحادثـةّ!
أعلمُ غضبَ والدتي "المُتدينة" لو علمت أنها تذهبُ مـع رجُلين في ظلمة الليلِ وحـدها.


***


وضعـتُ يدي على ثغري مانعةً صرختي أثر ضربة خفيفةً من والدي أشحبت وجهُ أخـي.
ما أنتَ فاعلاً يا مُـحمد؟
ما الذي جعل استقبال والدي لك هكـذا، ألم أخبرك انه لم ينمّ ليلته بسببك!
استيقظ على حركة أمـي ولم ينم بعدهـا ، ما الذي أيقضه من مضجـعه وسلبَ منه حلوَ كراه؟
ما الذي علمـهُ عـنك ولم نعـلمه!
ضربته هذه تُذكـرني بمثيلها أيـام شقاوتك عنـدمـا تُخـفي عـنّه جرحاً تلقيته من فتية في المدرسـة، ويندهُ عليـك أبي ويكتشفُ وجعـك بيده!
يؤلـمك ضربه لك، ولكن ليسَ كألمـه وأنت تُخفي عنه هذا الجـرح الذي كاد أن يودي بحيـاتك!
أبـوك غيـر عن جميـع الآبـاء، ميّزنـا الله بأبوته، وعليك ان تحافظ على قَدرِ ذاك الرجل وتشركـهُ في أمرك.

سمعتُ أبـي يُعيد سؤاله الصـارم: شصار وياك؟

شعرتُ بتردد أخـي في الحديث وكأن أبي يسترقُ الكلمات من جـوفه!: طلعنا أني وأبو آدم مشـوار، ولكَينـا بطريكَـنا لغمّ، وعنّـد إلا يفككـه..
وفكَ اللغـمّ وصابـني منه جرح صغيـر.

زفرت أمـي روعـتها وسألت أبـي: اش عرفـك بإصـابته؟

تحدثَ أبي إليـها: ما غشيم عنـه أني أعرف محمد إذا يخفي وراه شي،
ولأنه رايح للموت برجليـه، عرفت انه يضمّ عـنّي شي مثل هيج!

ثم عاد أبي يستجوب مُـحمد عن حـال آلـن وهل أصـابه أذى هو الآخر.
هذا ليس مُـهمـاً فقد عادَ مُحمداً لنّـا ولو كان مُصـاباً


***


خجلٌ من إعادة كاميراتها لها بهذه الطريقة، بل من إعادتها بعد ما فعلتُ بها أمس.
أنـا لم أسرق كما سرقت هي!
بل انتشلتُ كاميراتها من شوارع التـيه، وضممتها إلـى مقدساتي وصُلباني حتى أتى وقت إعـادتها.
لا أعلم لما نخفي الشيء لأسابيعٍ ولا نعيده إلا في الوقت الخاطئ!
لن تقبلَ مني كاميرتها بابتسـامة وشُكراً كما رسمتُ في مخيلتي، بل ستأخذها عنوةً ان استطاعت!
فأنا البغدادي المُغتصب لأشيائها الثمينة، كعقدٍ نُحت به أسم إيـران، كاميرتها، شعرها المخـفي أيـضاً..
ولا تعلم انها سرقتَ قلب البغدادي قبل سلاحه!
أعيدي للبغدادي قلبـه كما أعرتي له سلاحه ولن يُعاقبك،
يعدك بأنه سيُقبلَ رأسـك ان استردَ قلبـه منك!
نهضتُ قاصدتها فلتقل عنّـي ما تقل، الأهم ان تعود أمانتها إليـها..
اعلمُ ان عَـمتي للتـو أخذتَ قهوتها إلـى الفـناء، لتستمـعَ بأجواء نوفمـبر الأخـيرة!
هذا سيُسهلُ علـي مهمتي كـثيراً بلا عائـقٍ لا يُفتأ يُذكرني بإسلام تلك الفتاة الذي حرمنـي من شعرها في أشـهرها الأربـعة المـاضية!
خرجتُ مُمسكاً بكاميرتـها طـارقاً بابـها، أشـعرُ بتحركاتها خلـفه، أشـعر بنهوضـها أيـضاً، وبتأففاتها المستمرة ..

وأشعرُ أيـضاً بتحركاتها خلفَ البـاب: ميين؟

يا لبلاهة سؤالها، من سيكُونَ الطـارقُ؟ هل ستكون زينب مثلاً !

تحدثتُ إليـها: أنـي آلـن.

أسـمع صوت غضبـها وهي تعودُ ادراجـها، يبدوُ أنها أوقفت ابن آدم يرتجي منـها ان تفتح الباب بوجهه!
ألا تعلم انني وبختـها في ما مضـى عندما أرادت اغلاق الباب بوجـهي!
الويلُ لها لم تعرفُ قيـمةُ آلـن إلـى الآن، لا تعرفُ ما معنى إغلاق الباب في وجهه.
يجب ان تعلم ان حركتها هذه لا تُفعل ان كان الطرف الآخر آلن!
لا تعلم انه يوجد لديّ مفتاحُ احتياطٍ لغرفتها التي تحصنت بها؟
دعك من هذا الحديثُ يا آلن، انت اتيت تُعيد الميـاةُ لمجاريها .. لا تُخرّب ما أتيت من أجلـه



يتـبع..



مخرج الفصـل الخامس والثـلاثون.

يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها..
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى.. كي أستوطنَ فيها..
قولي أيَّ عبارة حُبٍّ حتى تبتدئَ الأعيادْ.

نزار قبّـاني



تتـمة الفـصل الخـامس والثـلاثون




مدخل الفصل الخـامس والثلاثون .

أبا الفراتينِ قد شلَّ الأسى رئتي
ومن سواك يحطم قيد أحزاني
أنا ذهلت لصمتك يا أبا قلمي
وأغنياتي وأشواقي وألحاني

×كريم العراقي×






نهضتُ قاصدها فلتقل عنّـي ما تقل، الأهم ان تعود أمانتها إليـها..
اعلمُ ان عَـمتي للتـو أخذتَ قهوتها إلـى الفـناء، لتستمـعَ بأجواء نوفمـبر الأخـيرة!
هذا سيُسهلُ علـي مهمتي كـثيراً بلا عائـقٍ لا يُفتأ يُذكرني بإسلام تلك الفتاة الذي حرمنـي من شعرها في أشـهرها الأربـعة المـاضية!
خرجتُ مُمسكاً بكاميرتـها طـارقاً بابـها، أشـعرُ بتحركاتها خلـفه، أشـعر بنهوضـها أيـضاً، وبتأففاتها المستمرة ..

وأشعرُ أيـضاً بتحركاتها خلفَ البـاب: ميين؟

يا لبلاهة سؤالها، من سيكُونَ الطـارقُ؟ هل ستكون زينب مثلاً !

تحدثتُ إليـها: أنـي آلـن.

أسـمع صوت غضبـها وهي تعودُ ادراجـها، يبدوُ أنها أوقفت ابن آدم يرتجي منـها ان تفتح الباب بوجهه!
ألا تعلم انني وبختـها في ما مضـى عندما أرادت اغلاق الباب بوجـهي!
الويلُ لها لم تعرفُ قيـمةُ آلـن إلـى الآن، لا تعرفُ ما معنى إغلاق الباب في وجهه.
يجب ان تعلم ان حركتها هذه لا تُفعل ان كان الطرف الآخر آلن!
لا تعلم انه يوجد لديّ مفتاحُ احتياطٍ لغرفتها التي تحصنت بها؟
دعك من هذا الحديثُ يا آلن، انت اتيت تُعيد الميـاةُ لمجاريها .. لا تُخرّب ما أتيت من أجلـه

حادثـتها مُجدداً: مَـهتاب، بلا طيحان حظ بطلي الـبابّ!

أراها تعوُد مُجدداً بخطواتٍ أثـقل، ثم تفتح البـاب وهـي تتأكد من إحكام حجابها، ثم بادرتها الحديث: ليش ما بطلـتي الباب؟

بابتسامة باهتـة، وميـلانٌ على الباب القابضة بمقبضه، هل تُراني آلمتها إلـى هذا الحد؟
هل تراها لا تستندُ على قدميـها واقفةً بسببي: انتظر انتصاري!

عقدُت حاجبيّ من ذاك الانتصار الذي أجهله: انتصـار شو؟

ابتسمـت بشكل أكبر وأضافت قلبي إلـى سرقاتها التي لا تنكف عن سرقتها: أني ما ابطل الباب إلا إذا اعتذرت،
ودام فـمك نطق هالجـوهرة خلاص يا عمـي اعتبره اعتذار.

هل تُرى نطقي لأسـمها يُقدم لها عربون أعتذار، أ لهذه الدرجة قطعت حبالُ رجاءها منّـي!

ابتسمتُ لها: وهيـني أعتذر منج هميـنه،
وجايب لج رضـاوة يا خـانوُم.

يا لمعشـوقتي الطفلة!
التي تنسـى الالام أمسـها، وتقف على باب حجرتها تحادثني!
يا لمعشوقتي الطيّبـة!
التي تُفرحها كلمـة تحفظُ حق أسمها الذي اسماها بـه أبيها.

يا لمعشوقـتي الساذجـة وهي تسألني عن نوع "رضاوتها" متناسيـة ضجيج البـارحـة: اعتذارك مقبـول،
وشو هاي الرضـاوة آغاتي؟

بيّـنت لها ما في يسـاري فإذا بها تصرخُ فرحـاً كطفلـة نوّلـها والدها لعبـةً : من وين جبتـها؟
اشتاقيييت لها.

وأنا أشتقتُ لابتسامة تُزين ثغرك يا بَسـعادي.
أنا اشتقت لمرحٍ تُضفيـه على عالمي المميت!
اشتقتُ لأيـامِ سَمـرنا في أرضِ بَـغداد، كنتِ أحملك خطيئةُ إيـران وحدها.
وأبُرئك من تلك الخطيئة حتى تنتهي سمرتنا في تلك الليلة!
أمـا الآن فأنتِ تحمليـن ذنب تشردُنـا إلـى الشـمالْ، وذنب ندب حربّ تحريرك التي علّمت في ظـهري!
وتحمليـن أيـضاً ذنب ذلك الوشـم الدمـوي الذي طُبـعَ على يد صادق، وغيـابي عن اهلـي وعدم قُدرتي على الذهابِ إليـهم.
واليوم أُحملكِ ذنبَ إصـابة مُحمد التي لا زالت تؤلمـه وسيزيدُ ألـمها بسبب طريقـه الطويـل!
وحملتكِ منذُ أيام مسامرتنا ذنبُ قلـبي الذي هواكِ فهوى!
لقدَ سرقـتي كما سَرقت إيرانك،
سرقتَ إيران الأراضي وقلـوب ثُلةَ من المواطنين، و مناصب النوابّ، ولوحاتِ الشوارع التي تُمجد السيستاني الذي بدأ نفوذه عامنا هذا قادمـاً من مشهد!
كل هذا سرقـتهُ إيـران، وأوكلت إليك سرقـةُ قلب البغدادي اللاهي في حبّ صدامـه!
ألا أخبركِ أنك وقفتِ حائـلاً بيني وبين صدام؟
او بالأصـح صدامُ من يقف حائـلاً بيننا، كلما شرعتَ النظرُ إلـى عينيـكِ لمحتُ بها صدامَ مُعاتبـاً، لمحتُ بها صدامَ مُحذراً.
وكـأنه يقولَ " لا يزيد نفوذَ إيـران في عراقـنا .. ولو كان نفوذها على قلبـك".

أعادني صوتها من تفكيري بـها،
تتصفحُ كاميرتها وتُلقـي نظرةً سريعـة على ما حوت! : مشـكور آلــن،
ممنونة!

رحلتُ خوفاً من جديدٍ يُحيي بقلـبي شيئـاً يلحقُ بامتنانها، فلترحلي من حياتي كما رحلتُ من أمـامكِ الآن!

***

هل حقـاً أعادَ لي ضالـتي الثمينة!
هل حقـاً أعاد لي كاميرتي التي ستُخفف من لوعة اشتياقي لمن هم وراء النهرين؟
مـهلاً يا مَـهتـاب!
كيف قبلتي له عُـذراً؟
كيف جعلتيه يرحل هكـذا مُحملاً بامتنانك؟
هو لم يفعلُ شيئـاً يستحقُ الامتنان!
هو لم يصورَ أهلي ويجلب لي الصور، هو فقـط وجدها ساقطة وأتى بـها.
لا يستحق الامتنانَ بعدما فعل البارحة!
لا يستحق الامتنان فهذه من املاكي المسلوبة ردت لي بفضل الله ثم دعواتي
ولكن من يعيد لي قلبي الذي سلبه هذا البغدادي.
سمعتُ صوتِ شجارٍ أسـفل!
يبدو انهم البغداديوُن تشاجرا مُجـدداً، لا عليّ بهما!
فقد قبضتُ من أثـرَ إيرانَ ما يغنيني عنهما وعن بغدادهمـا.


***


هل حـقاً ما تقوله عَمـتي!
هل عاد صاحبي إلـى جنّـونه؟ ما زالَ يذكرُ صـدامه المختفي تحت الأرض.
ما زالّ وفيّـاً له رغمّ خيانته!
نعمّ!
لقد خان الوطن الذي أمنّـاهُ عليه وجعلناه علينا قائـداً.
لقد خَـان الوطـن مع عسَكره الذين هيئهم لكل طارئ وترك الشعب يتخبط في غياهب الحروب!
لقد خَـان الوطن، والآن يخوُنُ عسكره الوطن حتى يفون لصدامهمّ.
لن أجعل صاحبي يُكمّـل ما نوى!
لن أجعله يبقى كسلعةً يُحركها صدام حيثُ أراد، ألم يكفيهم استبداده وهو فوق الأرض حـتى يُكمل عليهم وهو تحتـها ؟
لا جـزاك الله خيراً عثّـرت عليـه من ظلال الوطـن!
لا جزاكَ الله خيـراً بسبب مشانقٍ علقتها وشنقتَ بها من عارضـك.
لا جزاك الله خيـراً وانت تنتشـلُ صاحبي من خطراً إلـى أخطر!
ألا يكفيكَ مُطاردته حتى يذهبُ لجهادٍ باطلٍ.
نعمّ سيكونُ باطلاً ما دام دفاعاً عن صدام لا عن الأرض !
أعلم لو لم يتحدثُ صداما بهذا الجهاد لمَ خرج صاحبي وغيـره له.
أ تجاهدون من أجل صدام؟
فلتذهبـوا مـعه إلـى مصيره الذي بـدأ يظهرُ فجره على أيدي القوات الأميركية!
أ تظنني سيئـاً يا صاحبي وأنـا أملكُ هذا الفكر؟ ولو كنتُ سيئـاً فلن أكن أسوأ منك، ومن أفكارك التي سوف تجرُك إلـى موتٍ مُحققاً .. ان لم تتحقق سابقاته!
ألم تشبعُ ألمـاً؟ ألم تفتقد حاسـتك في رائـحة الموت السـابقة التي أرغمت أنفك بها في حربك السـابقة من أجل مَـهتاب!
أتساءل ان كان تلك المعركة قدمتـها من أجل إيرانيةً وخرجتُ بها بجراحٍ عمـيقة وموتٍ ما زالَ يُطاردك حتـى تقضي به حتفك من أجلِ صـدام.

وقفتُ أنا أصرخُ بصوتي مُناديه: آلـن،
أبـو آدم!

نزلَ من أعلـى بسرعة يكتشـفُ سبب نداءاتي المُتكررة، يبدو انه كان يُجهزُ لـموته وسرقـتهُ من تلك التجهيزاتُ البـائسة لما هو بائـسٌ في نظره!
قدمَ إلـي متسائلاً: خيير، اشبيك؟

سألته وأنا أتمنى ان أرى بملامحـه هزلاً، أن أرى بصوته تلاعبٍ بأعصابـي: صدكَ بتروح تجـاهد؟
جلسَ بجانب عَمـتي وكأنه يُرتب قـوله خوفـاً من شجارٍ يُدمـي علاقتنا التي للتو عادت كما كانت: أي صدكَ،
من أول جـنت رايد أروح، بس ما انكتب لي اروح إلا اليـوُم!

أجبتهُ متهكماً: والله ما رايد لك تروح اليوم همينه.

أراه يعقدُ حاجبـيه تعجباً : ليش؟

مـاذا أقولُ لك يا صاحبي؟ أ أقول لك أن هُـناك لك عائلـةً تنتظرُ عودتك؟
أم أقول لك ان عائـلتك التي احتضنتك ست سنوات عاجزةٍ عن مُفارقتـك.
أ أنت مُحقٍ ستذهبُ إلـى الموت وحدك!
ألا تأخذني معـك ولو كُنت كارهاً طريقـك؟
للمرةِ الأولـى نتركك تُجابه الموت وتصارعه وحدك، ذهبتُ مـعك في نواحيّ ديـالى واضعين أعيننا بعين الموت، فتغلبنا عليـه بمشيئة القـادر.
ثم عُدت كرتك مع مُحمد في جبـال شـقلاوة وتحديت الموتَ ثانيـةً وتغلبت عليـه أيـضاً.
ولكـن هذه المرة ستتغلب عليـه وحدك؟ أم سيراكَ وحيـداً ويقضـي عليك؟
الموتُ لا يستحي من الغريب .. لا يستحي من الوحيـد!
لذا لن تذهب إليـه .. وان ذهبتُ إليـه سأذهب معـك، لن أجعلك تذهبُ من أمامي هكـذا.
لن أُشيعـك ان عُدت عليّ، بل سأجعل البـواكي تبكي عليك وأبكيّ خلافهما على صديقي الذي ذهبَ وأنا أرى!
الذي لو تكلمت سيبقـى بجانبـي، لن تبقـى حسرةَ عُمري القـادم!
يكفيني من الحسراتَ ما عانيت يا صاحبيّ،

طال صَمـتي واستجوبني من جديد: اشبيك نوب تصيّح ونوب تصفن!

أجبته وأنا فعـلاً أشعرُ بالضيـاع.. بضـياعهُ هو من يدي!: ما رايدك تروح.

أخذَ نفـساً يعلم انني لن أصمتُ عنه إلا بعد شجارٍ: صـادق خويّـه، انته سمعت الرئيـس وياي صح؟
ما خوش والله يأمرنـا الرئيـس ونكَـعد هيج مثل النسـوانّ!

عاد يستنقصُ من النـساء حـتى يُحسن لي صورة جـهاده، خاطبـته مُجدداً أقنعهُ وأنا بحاجةِ من يُقنعنـي بعقلية المـاثلُ أمامي: دخيل الله عوفـك من هاي الشـغلات الما تجيب وراها الا المصـايب!


***


أرى نقـاشَ أبنيّ هذه المرة هادئ!
وغريبٍ منهم هذا الهدوء، بل ابن أخـي الثابت بوجهِ صاحبـه وهو يتلبسُ البرود والهدوء!
هل هدوءه بسبب رائـحة الوداع التي شممتها صـباحاً؟
أنني أشتمَ رائحة الوداع التي شممتها بآدمٍ من قبل!
لا ترحلَ يا ابنُ أبيـك، وان رحلتَ لا تودعـني كما ودعـني غائبي، لا أحتملُ وداعٍ يُحفـرُ بالذاكرةّ ويأخذ من العقلِ نُـصفه .. ومن العُمرِ نُـصفه!

رأيت ابن آدم بحـاجةٍ من يُطبطب عليـه ويشـدُ بعضـده ويحثـهُ على جهاده، تحدث ابن أخي والغضب يتملكهُ شيئـاً فشيئـاً: ألـون لا تخبلـنّـي، روحة ما كو وانتهينا.

وقفَ الآخر والغضب قد شحنهما جميـعاً: وانته شعلييك ما طلبت منك تروح ويايـه، إن شـاء الله أروح بستين طركـاعة مالك خَـص!

أجـابه ابن أخـي غاضـباً: علمودك أحجي يا مسـودن علمودك،
أني شعليـه بيك؟ أني ما رايدك تروح منتحـر، لا سـلاحك مثـل سلاحـهم،
وانته واحد وهمَ عشـرةّ!
صح نسييت تره هسّـه عند كل حاجز دبـابة وقذائف، بقذيـفة وحدة يطيرون رأسـك يا مخبّـل، خل ينضرب على قلبـك وروح واجههم لوحدك، لا قوة ولا سـلاح بيـه خير.

صَمت آلـن وأنا أعلم أنه يكنّ غضـبه بصدره حتى لا تنفجر بوجه الغاضـب المذعـور عليـه .. ومن أجلـه!
متى يقدر أحباءه؟
متى يرى النّـاس بمنظورٍ آخر غير الذي ينظرُ به آدم؟
لا يشعرون بالشـيء إلا وقتَ فُقدانه، ولا يشعرون بالحُب الذي يكنّونه لشخصٍ إلا بمفارقته!
وليست أي مُفارقـة .. بل مُفارقةٍ إختيارية من لدنهم، لقد بَرع وتفنن هو ووالده بتعذيب أنفسـهم.
أبوُه جلبني من المـنصور إلـى جوارِ بيته حتى يتعذبَ بقُربي لعيـنه وبُعدي عـن مرامـه.
وهو كذلك أتـى بتلك الإيرانية إلـى بيتـه ويراها كُل ليلة من موقـع حراسـته، ثم ذهبت بحالِ سبيلها إلـى السجن فأخرجها منه وجلبـها إلـى جواره كي يتعذب كما تعذبَ أبـيه من قبله!
كان يقول آدم .. "المجدُ لمن أشـعلَ النَـار فأحرقت يـداه"


***


الشمسُ غَربت!
والطريقُ طويلاً بعض الشيء من هُـنا إلـى باليـسان، يجب عليّ الوصـولُ بشكلٍ أسرع حتى أحددَ مركزي الذي سأقنصهم منه.
ولكن كم عددهـمّ؟ هل يتجاوزون العشـرة كما يقول صادق؟
هل كانوا بعدد الذين تعاركنا معهم في ليالِ بغداد السـابقـة؟
لا علـيّ بعددهما.. كُل ما عليّ هو قـتلَ من سوّلت له نفسـه باحتلال العراق.
ها هي باليسان تتجلى أمامي تاركاً خلفي صادق الغـاضب، وعَمتي التي لم تكللني بالـرضاء هذه المرة!
وتاركـاً خلفهما .. تلك الـتي لا تعلمُ عن ذِهابي شيئـاً.
وصلتُ تخوُمِ باليسـان فإذا بي أرى ذلك الحاجز، عُدتُ للخـلف، قاطـعاً الاسفلتِ مُتـجهاً للصـحراء، وما ان بُعدتُ حـتى أوقفتُ سيارتي بحيث لا تُرى!
سأصُلـي حتى يغيبُ نظر العيـن البعيد في سواد الليل. . .


***

أرى مُحمداً على غير حالـه السـابق!
منذُ ان أتـى البارحة وشيـئاً يُشغلـه، لا أعلم ما هو، ولكنني أعلمُ أنهُ شيئـاً ليس بالبسيط،
فأخي لا توضح عليـه آثـار القلق إلا أن كان على شيئـاً يستحقُ قلقـه!
يبدوُ ان إجـازته التي كرّمه بها والداي بسبب إصـابته جعلتهُ يشعرُ بالقلق بشكلٍ أكبـر لفراغه!
سمعتُ صوتُ أبـي الذيّ يندهُ على مُحمد حتى يلحقـا بصلاة العشـاء،
فخرج الآخر متخبطاً، يسقطُ مـنه غرضـه مرةً ومرتيـن من ارتباكـه!
ما الذي أشغلهُ وهو لم يهاتف أحدٍ، ولم يطمئن على أحد،
هل كان هُناكَ مُصيبة تُطبخ في شـقلاوة؟ ولكن لو كان هُـناكَ شيئـاً لمَا عاد مُحمد إليـنا.
لبقيَ حـتى يأتي بالخبـر اليقين، بدلاً من قلقـه الزائـد.
ذهبتُ أُصلـي حتى أستوجبَ أخـي حيالُ عودته من المسـجد.

***

هل بدأتَ عمليتك يا صاحبي؟
هل وصلتَ بسـلام؟ الحقُ عليّ!
لما أخبرك، ما الذي جعلني أتفوهُ بخبـرٍ كهذا؟ هل تركك صادقـاً تذهب لوحدك؟
أم ذهبَ معـك وزاد قلـقَ عمتي عليـك، وما هو حال تلك المجنـي عليـها صباحاً.
وهل استسمحتُ منهـا يا صاحبي كما قلتُ لك، أم ستواجه الخطر وهي تحمل بقلبـها عليـك شيئـاً.

أخرجني صوتُ مـلاذٍ من أفكـاري: اشبيك اليُوم ما على بعضك!

تحدثتُ: ماكـو .. بس انتظر اتـصال من آلن.

نظر إلـي أبي الذي قد عزمَ على عدم ذهابي إلـى شقـلاوة مرةً أُخـرى: اشبيه آلن؟

هل أزيدُ جنانك يا أبي وأخبرك عـنه؟ هل أخبرك ان وصـيةُ آدم الذي لم يمرُ عليـها يومين منذُ أن صبّـها في أذنكُ تصارع الموت أمام كتيبةٍ من الجند ليست بالقليلة، تكلمتُ بحذر: يمكن هسّـه بدأ بالضرب ويا الامريـكان.

ألتفت إلـي أبي بشكلٍ كامـل: لوحده!

أومأت برأسـي، وتحدثَ أبـي غاضـباً: هو ما يجوز؟ ما يتوب؟
أني كَلت له كَبل يروح شـقلاوة لا يتعرض لهم،
هو ليش هيـج طرن لييش؟ - ثم بدأ يوجـه كُل غضبـه لي – وانته آغاتي لما كَالك أكيد كَلت له عـفيه!
أنته ما تعرُف اش بيصير بأبوه من وره روحته هاي؟
أبـوه ما حمل لهيج طركاعات.

هدأت مـلاذ من غضبَ أبـي: معليه بابا،
إن شاء اللهَ ما صاير إلا الخيـر.

صمتَ أبـي مُمتعضـاً .. وصمتَ الجمـيعُ بعـده، وكلانا نلتقـي ببحر الصمت على مرسى آلـن الذي لا نعلم إلـى أين ستعصفُ به أمواجه وتُلقيـه من ظهرها، هل ستُلقيـه على برّ الأمان هذه المرة، وإلا على هاوية النسـيان التي يُنقلُ إليـها شُهداء عراقـنا العظيم!

***

قف شامخا مثل المآذن طولا
وابعث رصاصك وابلاً سجّيلا
مزّق به زمر الغزاة أذقهم
طعم المنون على يدي جبريلا
ها هم على باب( الفلوجة) جمعوا
فأحل جموع المجرمين فلولا
حضّر لهم كفن الرمال إذا ارتضى
رمل العراق بأن يضمّ دخيلا
إمّا أبى ترب العراق رفاتهم
فاعصف بهم خلف الشواطيء ميلا
واحرق جثامين البغاة ورجسها
واسكب على أشلائهم بترولا
طهّر به ماء المحيط منظّفا
خطرا على ماء المحيط وبيلا
إن يحرقوا كل النخيل بساحنا
سنطلّ من فوق النخيل نخيلا
إن يهدموا كل المآذن فوقنا
نحن المآذن ...فاسمع التهليلا
نحن الذين إذا ولدنا بكرة
كنّا على ظهر الخيول أصيلا [1]

أغلقتُ الراديـو بيدين ترتجف!
هل قصدَ بها غازي الجـمل صاحـبي؟ ولمـاذا في هذا اليُوم سمعـتها، وفي هذه السـاعة يالله!
أعـادت إلـي خوفي عندما سمعتها أول مـرة، سمعتُها قبل أن أنـام ببضع ثوانٍ، وصحيتُ بعدها بدقيقتين على صوت عمـتي الـباكية استشهادُ آخـر أعمـامي!
هل هذه رسـالةً ربـانيةً ياللـه!
ربّـاه لا تفجـعنـي به، لا تلوّع قلـبي على فقده، يكفيني ما عنيتُ من فقدٍ ولوعـة.

دلفـت البابَ تلك الإيرانية التي شعرتُ بعرجٍ يسيطرُ على خطواتها، يبدو ان قدميـها قد أخذت جُزءٍ كبيرٍ من عقـابها: السـلام عليـكم، ويـن زينب .. وين صاحبك؟

ما الذي أردتيه من صاحـبي يا بنتُ إيـرانك؟
لقد صدقَ عندما قال "ذيـل الكلب اعوجّ"، مهما أحسنَ إليـك تبقيـن بنت إيـران!
ألم نخبـركِ ما هي إيرانُ بالنسـبةِ لـنا، كالخميني في نظر سُنيتك.
كالسيستاني والموسـوي بنظر أهوازك!
كـصدام بنظر كُل شيعي وفارسـي، هل عرفتِ لمَ يستخدم صاحبي لفظ "إيران" شتيمـةً لك؟
كما تستخدم سنتك لفظ "رافضـي" وتنعتني بـه، وكما تستخدمُ شيعيتي لفظَ "ناصـبي" وتنعتـكِ بـه!
ولأن صـاحبي بعيـداً عن مـذاهبـنا نـعتكِ بإيرانك التي تتغلب على مذاهبـنا سوءٍ.



انتهى
___________
[1] غـازي الجمـل





مخرج الفصـل الخـامس والثلاثون


لا شاطئاك كم كانا ولا شفة
باست جراحي ولا مشفاك أشفاني
صفعت وجهي أهذا يا زمان أنا
سلمت للريح ساقيتي وبستاني؟


×كريم العراقي×




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-19, 12:23 AM   #39

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل السادس الثلاثون.

إنْ سَجَدَ الكلُ فلن أَسْجُدْ
لإلهٍ غيرِ الرحمنِ
إنْ رَكَعَ الكلُ فلن أَخْضَعْ
لطاغوتٍ يسلبُ أوطانى
أَعِبَادَ اللهِ ألا هيا
نَسْمَعُ آياتِ القرآنِ
ما الرَامى يَرْمِى إذْ يَرْمِى
تَصْوِيبًا من شيخٍ فانِ

×منير عرفة×






ألم نخبـركِ ما هي إيرانُ بالنسـبةِ لـنا، كالخميني في نظر سُنيتك.
كالسيستاني والموسـوي بنظر أهوازك!
كـصدام بنظر كُل شيعي وفارسـي، هل عرفتِ لمَ يستخدم صاحبي لفظ "إيران" شتيمـةً لك؟
كما تستخدم سنتك لفظ "رافضـي" وتنعتينني بـه، وكما تستخدمُ شيعتي لفظَ "ناصـبي" وتنعتـكِ بـه!
ولأن صـاحبي بعيـداً عن مـذاهبـنا نـعتكِ بإيرانك التي تتغلب على مذاهبـنا سوءٍ.

أعادت سؤالهـا : صادق،
خومـا بيهم شي؟

لا تتفاولي على من يصارع الموت من فوهة البارود: لا.. لا الحمدلله ما بيهم،
زيّـنب فوكَ وآلـن طلع قريب.

وقفت أمـامي: وين طلع؟ دا يجاهـد ما ؟

من الذي أخبركِ بجهاده الذي لم يكنّ في الحُسـبان!
لمَ عينيكِ دامعـةٍ هكـذا؟ أ لأنكِ شعرتِ بالموت في الأمـس، وعزّ عليكِ أ ن يُجرب الشعور نفسـه ثانيةً!
لمَ تسكن شفـتيكِ الرجـفة؟ هل هيّ استعدادٍ لما سيُرعدُ في جوفـك وتهطلُ عيـناك؟

ما الذي أشقـاكِ يا عينيها حتى تبكيـه: كَولـي يالله اشبييج؟
إن شاء الله ما صاير إلا الخـيـر.

خُـنق صوتها من دمـعها وهي تقول: أي خيـر؟
تره صاحبك دا يواجه حاجز كامل، ضابط وعشـر جنود تعرُف؟
ويمكن بعد هالاوضـاع زادوا عدد الافراد، انته مستوعب وين راح صاحبـك.

لستُ بحاجةً إلـى ما يزيدُ مخاوفيّ يا مَهتاب، أعلمُ ما لا تعلمينه!
أعلمُ أنه ذاهبٍ إلـى الـموت، وقد يعوُدُ محمـلاً ببضع حيـاةً يلحقها موتـه.
ألا تعلمين أنـه لا ينكـف عن ما نواه؟
ألا تعلميـن أنه يملك سلاحـاً لا يساوي سلاحٍ احتياطياً بيد أحد الجنود؟
أعلم ما لا تعلميـنه .. لا تُثيري مخاوفي مُجدداً . . .

***

لقد جُـنَ !
كيف يذهب هكـذا، كيف وأنا حلفتـه برب السـماء ان لا يذهب.
للـتو كان واقفـاً أمـامي، لقد أهدانيّ كاميرتي الأثـيرة!
لقد هاداني وأزالَ غـضبي، بعد كُلِ هـذا يرتـحل؟
إلـى أين سينتهي بكَ المسـيرَ يا ابن بـغدادك، هل تُرى لك عودةٍ إلـي.
نعمّ!
ستعوُد إلـي، لا لزينب التي لا تفتـأ بتفضيلِ ابنِ اخيها عليك.
ستعوُد إلي، وليس لآدم الذي يشحُ عليـك باتصالاتٍ ضئيلة لا تُغني ولا تسمـن من شوق!
ستعوُد إلـي، لا لمَريم التي طبعت كل حسنٍ بك.. وإزالتهُ بكلماتها التي تُغضبكَ في كل مرةً تحادثكَ بـها.
ستعوُد إلي، لا لذلك الذي هربَ بعمته من عقر الموتِ إلـى الحيــاة.
ستعوُد إلـي، لا لذلك الذي يحملُ بقلبه عائلةً مثـالية لا يستطيع ان يغيبُ عنها بضع يوم!
ستـعوُد إلي، فأنا وحيـدةً إلا مـنك.. أنا ضريرةً إلا مـنك!
أنـا بَسعادك أن أردت ولكن عُـد.
عُـد إلـي يا من جعلتُ روحي بك زاهرةً كأنها جوريٍ شـهد عذابُ قلـبي الذي انفطر بك وبلاك!
أُغربي عن وجـهي يا أيتها الدمـوع، لا تُحرقـي جفوني قبل أن أراه.
لا تُعاقبين روحي بـك، ولا تلوميـها على اعترافها.
نعمّ!
أُحـبه، ولو كان الحُـب جديـراً أن يُـقالَ لـه لقلته!
ولكن حبيبـي أرقـى من كلمة حبٍ بـالية يستخدمـها العـامة، والارجوازيين والفُقـراء.
حبيبي أرقـى من كملـةٍ تُستخدم في المـسارح ومـعاهد المُـوسيقـى.
حبيـبي .. آلـن!
لمـا انتي مُندهشـة يا تلك الدمـوع حتى تعثـرت خطواتك على خدي ووقفتـي!
هل هو من اعترافي الذي لم يكن في وقـته؟
لا عليّ بك.. فلتنهمري ان أردتِ!
فلتتوقـفي أيـضاً ان كان ذلـك بوسـعك.


***


ضغطتُ على زنـادي مُستعيـناً بالربّ في الـسماء.
ذلك الربّ الذي يُنيـر طريقـي بنـوُره، ذلك الربّ الذي هـداني إليـه!
الذي أضفى عليّ بنوره وهـداه، استعنتُ بـه وأنا أرى سيـارتي التي خلفتها ورى ظهري تبعُد أميـالٍ .. بل كيلواتٍ ليست بالبسيطة!
رُبـما تتجاوز الكيلـو والنـصُف، أخفضتُ رأسـي بحيثُ لا أُرى وأنا أرى الجيب العسـكري يُنزلُ جـنده الذيـن سيبدؤون يومهم الأول في باليسـان.
هـذا ما قـالهُ لـي محمد، وهذا ما حـصل فـعلاً.
جنُود باليسـان سيعودون إلـى بغدادي صـباحاً مُـحملين!
لا يحقُ لهم مرأى جمالَ بغدادي وأنا محرومٍ من قُربـها والتمتُع بهوائها الذي لا يُدانيه هواء، وماءها العذب الذي جُلب للـتو من نهر الفرات!
لا يحق لهم ان يتأملوا المنصـور وحي الاميرات الذي يُزّيـنه، لا يحقُ لهم ان يستخدموا بيتي كثكنة عسكرية، لقد أخبـرني كرارٍ بذلك!
لقد قالَ لـي بالحـرف الواحد " بيتك صار ثكنة يتكَتل منها الشـعبّ".
سأُعيدكم إلـى واشنطن قـتلى وأعودُ بـعدها إلـى بغدادي.
صـدامي سيعودُ إلـى بغداده .. وسأعودُ مـعه!
نظرتُ إلـى أولئك الجُـند الذي قد توزعـوا في أمـاكنٍ قريبةً من بعض، أنهم يتسـامرون عشيةً على الشـاي العراقي!
ليسَ من حقـكم نهبّ العادات التي لم تسنوها من قبل!
ليس من حقكم احتضانُ حضـارةً لم تكنّ لكم.
رأيـتهم خمسـة جنودٍ فقط .. هذا جيـد فقد توقعتهم أضعافِ هذا العدد!
يعزُّ علي قتلَ أوسطـهم وصليبـه في عُـنقه، يعزُّ علي إهدار روحٍ تشبثت بالمسيح وجعلـته حاجزاً بينهـا وبين البـلاء!
ولكـنّه أميركي أتـى غازيٍ ، لم يقدر كنيسة الكلدان التي للتـو مرّ بها في تخوُم أربيـل.
لم يقـدس كنائسُ بغداد الكثـيرة، التي ضجّـت بها العاصـمة من كل طائـفةً ومن كل عِـرق!
لم يقدرُ دينه .. فلن أقدره!
رأيتـه يسقطُ من بيـنهم، هل حقـاً طلقتي الأولـى أصـابته؟
فلتصيبه!
فلم آتي إلـى هُـنا إلا بهذا الغـرض، سمعتُ صوت الرصـاص الذي دوى من كُل صوبٍ فما كان إلا من أولئك الأربـعة الذين يدافعـون عن أنفسـهم ويثأرون لصاحبـهم!
لا يعلمون أنني صوّبت على صدره متأملاً صليـبه، صليبه من ذبحه ليس أنـا.
تواريـتُ خلف قطـعةً أسمنت ضخمـة خلفتها الانفجـارات إلـى جانب الطريق!
استخدمتُ الدفـاع بدلاً من الـهجوم، أريدُ أن أسحبـهم جميـعاً إلـى خارج معلقهم، لا يطيبُ لـي القـتلُ الجبان الذي يقضـي عليهم وسط حاجزهـم.
بل سأقتلهم في المنتـصف.. سيوقفَ الشارع لسـاعاتٍ حتى تُنتشـل الجثث!
وهـذا ما أردتَ.. أريدُ أن تصدح الأصـوات بكل العراق من شـقلاوة إلـى بغداد الحـوراء ثم إلـى الموصـل والبـصرة والسماوة!
فلتعمّ العراق الانتصارات الضئيلـة التي ستتبعها انتصاراتٍ تاريخيـة تتوحد بها العراقُ من جديد ويعرفُ الشـعب قيمـة صدام.

سمعتُ تحـركـاً في الحجر الواقع على الشـارع الذي يفصـلنا، رُبـما أحدهم قَدمَ!
تراجعتُ إلـى الخلفِ حـتى أستوى على الشـارع ووقف في منتصـفه تائهـاً دربـه لا يعرفُ الطُرق لا يعرف ما الذي سيواجه ان عبَر الشـارع!
غريبُ الديـارُ يستحقُ أكثـر من ذلك، ما الذي أتـى به من أميركا إلـى عراقي، صوّبت عليـه زِنـادي فأصابته في مقـتلٍ.
لقد اكتفيتُ بـهم!
فقد يطلب البـاقين مدداً من أربيل وتُغلق الطرق قبل عودتي إلـى شـقلاوة.


***


لا تُزيـدي أحمالُ القلبِ يا مَهتاب!
ألنُنا سيعودُ قريبٍ ، ما الذي جعلكِ تبكيـنه؟
ألم يستبيحُ حرمـة دينك أمساً، ألـم يقتلُ بـك روح الاعتـذارُ والأسف أمسـاً؟
ما الذي دعـاكِ إلـى بُكاؤه؟ هل هي الدعـوى نفسـها التي أبكتني دمــاً على آدم؟
إن كان ذلك حقـاً فقد فقدتي صوابـك يا بنتُ طـهران،
إن كـان ذلك حقـاً فقد أصابكِ جنوُن زينبَ في سـالفِ الازمـان!
هل تُراها أعادت التاريخ وعشـقت مسيحي؟
هل تُراها جادة في عـشقها إن عشقت؟
ولمـا آلنُ يا مَـهتاب؟ لما لا يكونُ صـادقٍ أو مُحمد، لما آلـنُ من بينهما؟
أعلمُ أنه جديرٍ أن يُعشـق!
أعلمُ أنه فلذة كبـد أبيـه، الذي ورثـه الحُبَ والجـنون.
ألا أخبركِ أنه عـاشقٍ مثلك؟ ألا تعلمين أنه قدَ عشقك؟
عشقهُ لكِ واردٍ .. كعشقُ أبيـه لي، أتاني بلا مُقدمـاتٍ ولا أحداثٍ سـابقـة، كنتُ ممرضـةٍ تابعةٍ لهذا الطبيب الوسـيم!
كُنت ممرضةً تتبعهُ بملف المـرضى وهي تحترقُ غيرةً من نظرات النسـاء المارة إليـه، رغم أنه لا يعنيني .. كُنت أغـار عليه!
فقد لأن عملنـا مُشتركاً أغارُ عليـه، علمتُ أنـه متزوجـاً وأنـه مُتيمـاً بتلك الزوجة النكـديـة، التي لا يُخلو صباحه العملي من مكالمةٍ لهـا تصرخُ بـه وتلومـه، لقدَ وصلـني صوتهـا من صُراخها العـاليّ
أرى تقلباتٍ تسكنُ وجـهه عندمـا تحادثـه، أرى ضيـقٍ يعتريـه إن أغلقَ هـاتفه.
غبطـتها على ما كانت عليـه، حتى علـى صوته الجهوري الرجولي وهو يوبخـها في مكالمـته.
نعمّ!
أردتُ مـنه توبيخي.. أردتُ منـه أي شيءٍ يقولـه لي.
كنتُ من خمسة سنين فـاقدة زوجـي وابنُ عَـمي الذي لم يكمل معـي إلا أشهرٌ قليـلة، كان هو فلاحٍ ، تعلمتُ مـنه وقت الحـصاد ووقتَ الزراعـة!
كـان يأخـذني إلـى بغداد التي أحلمُ بـها، كنتُ أراها مندهشـة من جمالها الاخآذ الذي لم أراه من قبل لا بهـا ولا بغيـرها.
رغم أنني أسكنُ الكاظميـة ولكنني لم أذهبُ إلـى بغداد إلا مـعه.
وما أن ترملت حتى ألحيتُ على أخـي للدراسة الجامعية في بغداد، وما توانى كافليّ وأخـي "كاظم" عن محاربـة الجميـع والحاقي بجامـعة بغداد قسم التمريض..
وما عدتَ السـنوات إلا وأنـا خريجـة، عُيّنت في مستشفى حكوميـاً تشارك به الطبيب آدم المـنصور العمل!
هـذا ما جلـبني إليـه!
لم أُصدم أنـه متزوجاً، بل صُدمـت عندمـا علمتُ انـه ابٍ لطفليــن!
أحدهما يُكنى به ويُنادى، والآخـر يجلبـهُ معه بين حينٍ وآخـر.
لم يكنّ ذلك المجلوب إليـنا إلا آلـن!
آلنُ الذي أبكيـه اليوُم، آلـنُ الذي لا أعلمُ ما مصيـره، لمَ لم أمـنعهُ من الذهاب؟
لن يعصـي لي أمراً، أن رفضت لن يذهب مهما حـصل!
وديـعةً آدم بارٍ بـي، وكأنه يعوضـني عن فقد أبيـه، تراودنـي نفـسي ان أخبره ماذا أعني له، ولكنني أخـشى ردةُ فعله!
كما أنني أخشـى علمِ صادقـاً في الموضوع والتخلي عني كما تخلىَ أبـوه وأعمامه من قبله.
لن أخسـرهما دفـعةً واحدة، فليبقَ سري مدفـوناً في قلـبي وقلب آدم وأخوتـي.
لقد رحلَ أخوتي وبقيت تلك الحـادثـة في قلبين فقط .. آدم وأنـا.


***


كـأنك ندمـتَ يا آلـنُ على قتلهمـا؟
ما هذه التُراهات يا أبو آدم؟ أنت لم تفعلُ شيئـاً لتندمَ عليـه، أنت فعلتَ ما لم يفعلـه غيـرك.
أنت انتصرتُ لوطـنك المسـلوب، لمجـدك المنهـوب، أنت انتصرت لكل شيءٍ إلا ديـنكّ!
عليّ العـودة فالسـاعة شارفت على العـاشرة وزينب لم تنمّ وأنا غائبٍ عنـها بهذه الظروف.
ما هذه الأضـواء التي تُعمـي العين؟
هل هو حاجزٌ ، أو نصبٍ للتفتـيشِ عن من قتل الجُـند، أملتُ السيّـارةُ جانـباً قـاذفـاً بالسـلاحِ من النافـذة، وعائـداً إلـى ازدحام النّـاس الذي علمت سبب توفقه!
يوقفـه مرور فيلق!
أعلمُ أن سيارتي بلا تصريحٍ، ولكن لن أُعاقب ولن يُنظر إلى هويتي مادام هذا الفيلق مستمرٍ في سيرة الممُيت.
إذٍ .. نفذَت يا أبو آدم هذه المرة . . .


***


أراه غافيـاً.. متكـأً على يده المستندة على تلك الكنبة، لقد ذبُلتَ عيـناه من إعيـاءٍ وتعبٍ وانتـظار!
انتظاره لا يشابهه انتظار!
انتظارٍ انتشـر في أواسط شعبنا المكلوم في هذه الفـتّـرة، انتظار خبـر الموت او الحيـاة.
فهل رأيتم شخـصاً يقـوى على انتظار خبرٍ كهـذا عن صاحبه؟
وليس أي صاحب!
انه آلـن، آلـن شقيق روحـه، قريـنَ صباه، خليلُ فتوته، رفيق شـبابه.
أنهُ آلـن.. الذي تخلى أخي عن صداقاتٍ تربطه بأهل ديـالى من أجله هو وصادق.
ما أخباره هو الآخر؟
لم أرى محمداً يذكرُ أسمـه في الآونة الأخيرة!
هل بينهمـا شيءٍ يمنعه من ذكرِ أسـمه؟
لطالمـا حببت أمـي ابنـها بصداقـة صادق تخليـه عن ذاك المسـيحي، لطالمـا عـاقبت أمي ابنها عندما يتآمر هو وذاك المسيحي على صادق!
كانت تهاديـه وتُحـابيه في طفولته .. حتى يتركُ آلـن ويبدأ يثق علاقـته بصادق.
وتسألها جارتنا لما كُل هـذا؟ أليس صادق شيعيـاً؟
فتُجيبها أمـي الغاضبـة من أبي لانه سَمـح لذلك الطبيب المسيحي بمداواة أمه" أهـوّن الشـرين"..
كانت ترى هذين الفتيين شراً، وأهوّنـها على قلبـها صادق!
أ لأنهُ مُسلمـاً يا أم مُحمد؟
أ نسيتِ انهُ هو الآخر شـيعيـاً أيـضاً؟
ورثت أمـي العُنصـرية من أبيـها، ذاك الشـيخ العشائري الذي يتمركز في بعقـوبة مبـغضاً كنيسة المشورة التي بها، مُبغـضاً ذاك الـشيعي الذي يُصلي معهم الجماعة!
ورثها اباها العُنصـرية، لطالمـا عَقد أبي معها جلسـاتُ نقـاشاتٍ عديدة من أجل التخلي عن هذه المعتقدات الباطلة ولكنها تأبى!
تأبى الحديثُ لمراءة غيرُ سُـنية، لقد غضبت من مُحمد عندما أخبرنا بقدوم رفيقـيه وعمتهما إلى ديـالى!
غضبت من استقبال الشيعية في بيتها.
تقول ان لا امان لشخـصٍ لا يدينُ بديـنك!
أ ترى كيفَ زرع بهـا جدّي عشائريته وديـنه وتوجهما بالعُنصرية؟
سنواتها الثلاثُ والثلاثون بجانب أبـي ألم تُنسيها تلك الدروس البغيضة؟
لطـالما تحدثتُ إلـى جدي عن هذا الموضوع وما كان منهُ إلا طردي من مجلسـه غاضـباً على أبي الذي ورثَ انفتاحه لنـا،
فأولنا رافق مسيحيٍ وشيعياً، وأنـا آمنتُ بمعتقدات أبيّ!


***


ما هذا الغيـابُ يا صاحبي الذي تجاوز الخمسِ ساعات!
الليلُ انتصفَ ولم يأتي بك..
هل تراها عقوبةً لك وانتقامٍ لتلك الإيرانيـة التي مهما فعلت بك لن تردُ لك الصـاعُ أبـداً.
أعلمُ أنـك قسـوتُ عليـها بسوطك، ولكنها سامحتك!
لا أعلم لما كُلَ هذا يا آلـن، لا أعلم لما هي معـك هكـذا دونٍ عن الجميـع.
ها هو مُحمداً يغيبُ بالأيـام ونقلقُ عليـه ولكن قلقها هذه المرة مُختلف!
هل أحستْ بشيءٍ قد وقع؟
أحلفكَ بما أنت عابدٌ يا رفيقي أن تخبرني ما الذي قلبَ حالها هكـذا
لما هي دامـعة؟
لما هي نائحـة؟ لم تنوحَ من قبل وكان السببُ خوفها على أحدنـا.
أخبرني ان حصلَ بك شيئـاً وجعلها تشعرُ بك!
أخبرني فقلب المؤمنِ دليـلهُ.
سمعتُ صوتـها تتحدثُ مع عَمـتي، لقد انزلتها عمـتي من أعلى قبلُ سـاعة.. بل أصرت عليـها بالنزولِ بعدما اعتكفت هناك باكيـةً عليـه.
لم تبلُ جوفهـا بماءٍ ولم تقبلُ طعامٍ .. حتى يعـود!
وأن لم يـعد يا مَهتاب ما العمل؟
ما نحنُ فاعلون بعده؟ أنهُ من يضـفي لحيـاة البؤسـاء بؤسٍ جديد.
ألم أخبرك بمعادلتي التي خرجت منها ببؤسـنا جميـعاً؟
جميـعنا بائسـون، فأنا فاقدُ الأهل، وعَمتي فقدت الولد، وانتي فقدتِ الأهلُ والوطـن!
فيزيد بؤسـنا آلـن الفاقدُ وطـناً وأهلاً وهويةً.
أنه يرى هويته العراقيـة متمثـلة بصدام حُسـين، الذي كُنت مؤيـده في صغـري كُنت أسـمعهُ يقول "جدي رسـوُل الله" فظننته ابن الحُسين بن علي رضي الله عنـه!
أ لهذا الحدّ كنتُ أظنـه مُصلحـاً، فلم يكنّ إلا مُخربـاً يتزعمُ شرذمـةُ بؤساءٍ ومخربين صُغـار تحت رعـايته!
صديقـي وفقيدك كسبَ بؤسـه من تلك الوزارة وهو لا يـعلم، أقترنَ به البؤس والشؤم من تلك الوظيـفة.
رحلَ أهلـه ووظيفـته لم يكمل عـامها الأول!
أمتهنَ في وظيفـته الأدب والشـعر والطب والعسكرية.. وأمتهنَ الديـنُ أيــضاً.
أمتهنَ السُنيـة بشكلٍ خـاص!
وكيفَ يقبلُ على نفـسه دراسـةُ دينٍ يراه "مُبـتدع".. بل سيرضـى عن طيب خاطرٍ لأن صـدام من أمر أمام الملأ أن تُكثفَ دروس الدين والعربي في كل القطاعات التابـعة لمخربيـنـه!
مخربين صدام أكثرهم بلا ولاء !
لا للدين .. ولا الوطن .. ولا النفسِ أيـضاً، أراهم يناطحون رؤوس النواب من يستقبـلُ إيـران أولاً، من يستقبلُ الاحتلالُ أولاً.
إيـرانكِ يا مَهتاب لا يفصلها عنكِ شيـئاً، فقد توغلَ جنودها في النجف الأشـرف وكـربلاء!
فضلاً عن أربـيل الحدوديـة مع إيـران، ألا تشُمـي عبقَ إيـران من هُـنا؟
ألم ترِ تلك المشـالح التي يضتفها رجالُ عشائر الأهواز بعدما أعلنوا الغضب الجمـاعي من احتلال العراق؟
أم نسيتِ تلك المشـالح ورجالها عندما سكنتِ طـهران !

أجابني صوتها وهي تقتربُ من تلك النـافذة التي رأيتُ بها ضوء سيارتهما في الأمـس: صـادق،
دخيـل الله دا نروح الكبيـنة!

تحدثت عَمـتي قبلي: بهالليل؟
السـاعة تعدتّ 12 – ثم اردفت – اش رايده بيـها؟

لم تلتفت إلـى عَـمتي، بل أجابتني وكأنني أنا السائـل: دا نخابـر محمد.

أدرتُ وجهـي لها : ليش؟

شعرتُ بضيـاعها وهي تقول: ما اعرف .. ما اعرف!
بلكـي يعرفُ شـي عـن مكـان آلـن.

أ يا لجنونك يا صبيّـة!
كيف لمحمد الذي تبعدهُ عـننا ثلاثُ مئة كيلو بمعرفة موقع من لا يبعده عنكِ إلا عشرات الكيلوات التي لا تُحسب!

إلا تعلمِي أنه بأحد أقضـية شقـلاوة؟: ومحمد شيـعرفه،
قابل هو يعلم الغيـب!

لم تعدّ إلـى مكانها بل فزّعت من أنـوار الكـهربـاء المنقطعـة من أسبوعين عندما أنـارت، أرى صدمـتها الضـاحكة: شـنو هـذا؟
نسـينا حته الكهربـاء، كله بفضـل آلـ.....

بترتِ جملتك التي ستكـون شتيمةً له، ما الذي جعلكِ تبرتي القول وأنت من لا تتردد في قولٍ قصدت به خصمُها.
أرى عَـمتي البـاسـمة!

هل ترى ذلك بسبب الكـهربـاء؟ أم بسبب سبابُ آلـن الشبهُ منقطـع من لسـانِ مَـهتاب: صـادق يمّـه روح طفـي الشـمعات لا يخلـص نورها ويضـوج آلـن.

شدّدت على كـلمة آلـن وكأنها تُخبر الإيرانية وتقول لها، أنا لا أبترُ قولي عـنه!
ألم يكفيكِ أننا أستخدمنا شموع عبادته حتى تُتنازلي عن ترك برجكِ العاجي والانتظارُ معـنا أسفل!


***


فُزعتَ .. بل ذُهلت!
الانارة عادت، بنتُ إيران العظيـمة أصبحتَ تؤلمـها عينيها من نور إضاءةً صناعية!
عاشت أسبوعين كامليـن وإضـاءتها فقط .. نور الشـمس!
عاشـت أسبوعيـن كامليـن وهي تُقـاسي ظلام الليل سواء من قنـاديلٍ أتـى بها مُحمـد!
ويا لسوء حظـها وهي تنطـفئ فتيلتها مسـاء البـارحة، وكأنها تخجل ان أنظرُ إلـى جروح جسـدي من نـورها.
واليـوم تحججت بأنني لا أستطيع المكـوثَ أسـفلٍ إلا بإنارة!
فأتت عَـمتي بشموع المسيحي حتى تُنيـرُ لـنا ليلـنا الساهرين بانتظاره.
أوه المسيحي!
سبب وجودنـا في شقـلاوة، هو من اختارها دونٍ عن كل المناطقِ والأقضـية، هو من أختـار أسـوأ المنـاطق توريدٍ للكهربـاء.
ألم نكنّ ننعمَ بكهرباء بغداد التي لا تنقطع إلا بضعِ ساعاتٍ من النـهار؟

إذٍ .. لمَ يـختارُ شـقلاوةً عليـها، تحدثتُ وأنا أنظرُ إلـى صـادق: شـنو هـذا؟
نسـينا حته الكهربـاء، كله بفضـل آلـ.....

أعيدي كلمتكِ إلـى لسـانك!
ألم تنسيّ أنه السبب في خروجك من نقرة السـلمان والسبب أيـضاً لعدمّ نقلك إلـى أبو غريب!
بل أنه السبب في مطاردتي من أميركـا وإيران، أنه سبب في معاداة بلادي لي.
الويلُ له من فُرقـةً حدثت وهو السببُ بهـا.

والويلُ لي من نظرةُ زينب اللائـمة وهي تحادث ابن أخيـها : صـادق يمّـه روح طفـي الشـمعات لا يخلـص نورها ويضـوج آلـن.

دعيـه يغضـب!
وإن غضبَ فلن يُشـفي غضـبهُ غليلي، مُفرّق الأحبـة، نعمّ كُنتُ أحبُ إيراني .. بل إيرانُ كانت تُحبني وأرسلتني سفيرةً لها.
وبفضل هذا الخائفـة من غضـبه غضبت منّـي إيران وتطالب بي لتوقفنـي أمام العدالة!
أي جريـمةً ساقـنّي إليـها ابنك؟
هل هي جريمـةُ بعديّ عن أهلي، أو غضبَ إيرانُ منـي، أو عذابُ عُمر بفراق حبيبته!
أو بسبب انتهاكه لخصوصياتي وسرقـتهُ لكاميرتي!
أو بسبب انتهاكه لديني وضـربي بحزامـه، وأنـا لم أضربُ سـابقاً لا من أبـي ولا أخوتي!
أ يأتـي مسيحيٍ لكي يؤدبـنّي؟
نعمّ مسيحي كما انا إيرانية.
لما استصعبُ نطقها كشـتمية؟ ألم يشتمني بإيران؟ إذٍ ستكـونُ المسيحية شتيمتي القـادمـة له.
فليُعد لأشـتمه، لقد تراجعت عن حُـبي الذي خرجَ من هولِ ما سمعت!
بل أنني ألومَ عقلي على تفكيرٍ ينحصرُ بـه، فكيف بحبـه ؟
لقد جنّـت إسلامية الدين وهي تُفكر أن تُغرم بمسيحي، أنا لستُ زينب التي لم أتأكد من غرامها إلـى الآن!


***


الفيلقُ تجاوز السـاعتين في سيـره!
لم يكنّ إلا معدات ثقيـلة، وشاحنـات مسلحة، ومدرعات.. وناقلات جُـند، سيرها البطـء يُبطئ من انتظارنا ، فهم لا ينتظروا مرورها من هذه النقطةِ فقط !
بل ينتظرونَ متـى تصلُ إلـى أبـعد مسـافة .. وتُقدر في نظام العسـكر بخمسين كيلـو.
انتظارنا لخمسيـن كيلو تسيرُ إليـه شاحناتٍ لا تتجاوز سُرعتها العشرون مُضني ومُتـعب، ولكنّـه سهلٌ يسيرٌ بنسبـةً لما فعلتَ قبل وقـوفـي هُـنا .
هل وقـوفي انسـاني قـتلى خلـفي!
فلينسني إيـاهم .. لا علاقةُ لي بـهم، فليذهـبوا إلـى واشنـطن ويرمي أهلهم على ذنوبهم حجارةً تغفرُ خطيئة وطأتهم لأرضِ الرافـدينَ غُزاةً.
ويجب علي أيـضاً أن أضـع ذنوبي وأرميـها بالحجارة، فقد قَتلت أتباعِ يسوع قبل قليل.
سمـعتُ أحدهم يصرخُ في جـهاز مُكبر الصـوتَ بعدمـا أعد جنده سلاحهم أمامهم "انــصراف".
نعمّ سننصرفَ يا عزيزي دونَ أمرٍ مـنك، نعمّ .. سنتجولُ في عراقـنا بلا أُذنٌ منك!
فقط أعدّ جنودك إلـى مخبأهم، وأنـزعَ تلك الدروع المتشبثـة بالأرض وستعلم حيـنها من الذي يحقُ له قول "انصراف".
ستعلمُ حينـها من هو العراقي الذي أوقفته على الحاجزُ للثالثةَ فجـراً حتى تكافئه بعدها بقول "انصراف".
ليتَ الحروبَ ما زالت بيـضاء السـلاح، ليتها ما زالت كما بدأت!
الذي صنعتـهُ أميركا خصـيصـاً لإبادة شعب العراق.f117 ليتها لم يُصنع
تخيـل ان هُـناك خُبراء ومهندسون يعتكفون على صناعة سلاحٍ صُنـعَ لإبادتك!
أي نفسٍ ترضـى ذلٍ جعلهم لا يخافون من عواقب صنعتهم.
ألا يعلمون أن أرض العراقَ ولّادة؟
أن لم تلدَ صـلاح الديـن آخرٍ، فقد ولدَت صدام العُرب!
صدام الذي جعلـهُ البعـض محل "سُخريةً" من اختفاءه، لا يعلمون ما معـنى "ارحموا عزيز قومٍ ذُل" .
لا يعلمون ما معنى ان تأتي وشـايةً فاسـدة من أحد رجالك وتقتل أبنيك ومهجـة قلبك ويتبعهما حفيدكَ الذي لم يَرى من الدُنـيا شيءٍ وقد أخفت رصاصات الأعـداء تضاريسَ وجهه!
لا يعرفـونَ مـعنى فقد الأهل في سـاعةٍ واحدة وإلا لم يتكلموا.
لا يعرفون مـعنى دمارٍ شـامل من أسلحةً وقـنابلٍ فتاكة يقع ضحيتها وابنيّك وحفيدُك.
لا يعرفـون من هو صـدّام وإلا لم ينبسـوا بحرفٍ واحدٍ.
ولكن حـقاً .. أ علمَ صدام بما حلّ بأبناءه ؟

***


أغفـى على يدي وأصحـو حين اختلالها وميل رأسـي جانبـاً ، مُنتظرة صلاة الفـجر إيقاظ أهلي وأخـي للصـلاة!
ولكن هذه المرة لم أصحُ بسبب وقوع يدي .. بل صحيتُ على رنين هاتف مُحمد المستقل لتلك الكنبـة التي ظل طول ليـله ينتظر خبراً عن صاحبه عليـها.
أفقتهُ لرنين هاتفه الغير مألـوف!
من قليل الذوق الذي سيتصُل الرابـعة فـجراً؟

بل من الذي لا يحترم الوقت من جانب "المـيانة" غير المقطوعين في شـقلاوة!: محمد، اقـعد.. شوف موبايلك ما راضـي يفصل!

صحـى المُنـادى وعينيه ترفض الاستسلامُ لنهوضٍ باكراً فأخذ هاتفـه وعينيه ما زالت مُغلقـة، أجـاب بصوتٍ مُلئ بالـنوم: ألـو.

حيـالُ مـا سمـع رد المتـصل، فزّ واقفـاً وكأنه لم يصحُ من نومـه منذُ ثـواني: شـنو؟



انتهى




مخرج الفصل السادس والعشرون

سأقاتلُ دومًا بعقيدةْ
من غيرِ خضوعٍ وهوانِ
أمريكى جَاءَ لِيَتَنَزَهْ
ويَمُصُ دِمَاءَ الإنسانِ
مَخْدوعًا يَحْمِلُ أَسْلِحَةً
بأمَانِى يَسْحَبُ بريطانى
يتكلمُ دومًا كملاكٍ
يَتَنَاسَى قُنْبِلَةَ يابانِ
فيتنامُ تطاردُ أحلامكْ
مدحورًا وقتَ الميدانِ
إنْ تضربْ ضَرْبُكَ عن بُعدٍ
وتخافُ لقاءَ الفرسانِ


×منير عرفـة×



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-04-19, 12:24 AM   #40

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مدخل الفصل السابع والعشرون

تراكَضَتْ خيـــلُ الوفــاءِ أصيلةً
حــولَ الرَّصَــافةِ منبرِ الأشــواقِ
وتطلَّعَتْ تلك المَشـــاعِرُ ترتـــوي
من رافــدَيْكِ وفيْضِــكِ الدَّفَّــاقِ
بغـْــدادُ وانْســابَ اليَراعُ بلَوعَــةٍ
حرَّى على مجــــدٍ هَـــوَى بعـِـرَاقِ


×فلاح بن عبدالله الغريب×

.
.
.
.


الفصل السابع والثـلاثون
أغفـى على يدي وأصحـو حين اختلالها وميل رأسـي جانبـاً ، مُنتظرة صلاة الفـجر إيقاظ أهلي وأخـي للصـلاة!
ولكن هذه المرة لم أصحُ بسبب وقوع يدي .. بل صحيتُ على رنين هاتف مُحمد المستقل لتلك الكنبـة التي ظل طول ليـله ينتظر خبراً عن صاحبه عليـها.
أفقتهُ لرنين هاتفه الغير مألـوف!
من قليل الذوق الذي سيتصُل الرابـعة فـجراً؟

بل من الذي لا يحترم الوقت من جانب "المـيانة" غير المقطوعين في شـقلاوة!: محمد، اقـعد.. شوف موبايلك ما راضـي يفصل!

صحـى المُنـادى وعينيه ترفض الاستسلامُ لنهوضٍ باكراً فأخذ هاتفـه وعينيه ما زالت مُغلقـة، أجـاب بصوتٍ مُلئ بالـنوم: ألـو.

حيـالُ مـا سمـع رد المتـصل، فزّ واقفـاً وكأنه لم يصحُ من نومـه منذُ ثـواني: شـنو؟

لم أتوانى عن الوقوفِ بجانبه، حتى انه مكالمته بشيءٍ لا أعرفهُ من قبل!
تخبُط .. خُوف ، شتات!
لا أعلم أيهما ولكن كل ما اعلمه ان مُحـمد ليس بخيـر.
هذه المكالمة قلبتّ معالم وجهه من مدينـة هادئـة إلـى ضجيـجٍ لم يسبقَ بمثيله!
كأن الحربّ قُد شُنت بوجهه..
كأنها حربٍ قبل ثمانية أشـهر، ايقظت بغداد من هدوئها إلـى ضجيج سجلـه العالم بموتٍ مُحقق لأهلها.

نظرتُ إلـيه وهو يتهاوى على مقعده: شكو؟

نظرَ إلـي عاجزاً، حالمـاً بخبرٍ يُنفـي ما سمَـع: خابرني مركز..
لكَيوا سـلاح أبوي مشمور على خـط باليـسان!

لم أفهمّ الخوفِ من هذا الحدث!
فقد كُنت بجانبه عندما أوصى صاحبه باقتناء سـلاح والدي، ما الذي تغيّـر الآن!: طيب وين المشكلة،
ما هذا اللي رايد؟

تحدثَ غاضبـاً بعض الشيء لعدم فهمي: لج مسـودنة وآلـن وين علمود يشمر السـلاح ويييين؟

صحيح!
لقد استوعبت الأمر مؤخـراً ما الذي جعله يتـخلص من السـلاح.

***

أراها تهويّ بجانبي وكأنها أيـضاً قد حملت نفسـها ذنب ما حلّ به: اعتقلوه قابل!

نهرتها عما تقـول وأنـا مـتأكدٍ من صحـة قولها،
بل قد فكرتُ بما فكرت به، أو رُبـما الامريكان من صنع أكذوبة رميّ السـلاح حتى لا يعترفوا بهزيمتهم أمام صاحبي: لا شو هالصخام !
آلـن يموّت روحـه ولا يعتقلوه.

تحدثت أختي ودمعتيهـا تنحدر من مآقيٍ لم تُخلق للبكـاء يومـاً، أبكيّ يا أختُ محمد على ما وصلَ إليـه صاحبـه.
أبكـيّ أن الدمـع يُجدي نفـعاً، أن كان الدمـع يُزيـح بلاءٍ أو يكشـفَ مستوراً.
أبكيّ يا أختُ محمداً فآلن جديراً أن يُبكـى!

دموعـها خالطت أملـها وهي تقول: باوع لك جاارة "حل"،
بس فدوة لعينك لا تروح يمهمّ، شقـلاوة هاي ما عاد تطبّـها دخيل روحك حمّـود.

وقفتُ مـعها على صوت الآذان، والوقت سرقـنا ساعةً لذلك الغريبّ الذي لا نعلم ان تغربّ تغريبةَ أخرى أو بقيَ في غربته البائسـة!
مسكتُ كـتفيّ أُخـتي محذرها بعض الشـي: ما صاير إلا الخيـر،
أبـوُي لا يعرف بشـي،
المسـاويات لما عرف بروحة آلـن بروحـه جنّ، الحيـن يروح يخابر ينال ويحوس الدنيـا.

أومـأت برأسـها، وخرجتُ وأنا لا أعلمُ أين وجـهتي القـادمـة!
لا أستطيعَ الذهاب إلـى شقلاوة، فقد أخبرني الضابط "العراقـي" الذي أصبح يعمل بعض الشـيء للاحتلال أن السـلاح سيصـلَ بغداد السابعة صباحاً، ويجبّ أن أذهب قبلها بسـاعة لإخراجِ تصريحٍ جديدٍ لـه.
هذا الأمر سيؤخرني عن الذهابِ إلـى شـقلاوة اليـوم، لا أستطيع الذهاب إلى شقلاوة من بغداد فقد أكونَ مراقبـاً هذا اليومِ بأكمله.
فيبدو ان الاشتبـاهُ بتعاملي مع "القوات المعادية" كبير.


***


هل هذه الإنارة "المُندثرة" عادت اليوم على بعض رفاتها لتشـهدهم على هزيمتي؟
نعمّ!
لقد هُزمتَ وأنا لم أقتلَ إلا أثنين.
واحدٍ مثـل "أبو آدم" لا يغنـي جوعـه إلا سريةً أو فيلق!
أ نسيتمَ أول عملٍ لي.. عندما قتلت جيبين عسكريين بما حويـا؟
آلـنٌ ليس جشـعٍ ولكن العراقَ تُريد المزيد، العراقَ لم تكتفِ ، العراقَ تُريد من يعيد لها مجدهـا "فيهلهل" ثغرها لـه لعدة ثوانٍ تتبـع انتصاره الصغيـر.
أوقفتُ سـيارتي خارجـاً، والإنـارة هذه المرة تُزين البيت الريفي وتُظهره بأبهى حُلـةً وجدَ بـها.
يبدوُ أن من في داخـله ابتهجوا بعرس الإنـارة ونسوا خلفهم مقـاتلٍ لم ينـعمَ بـها.
دلفتُ الباب الحديدي الكبير، الذي أخرج صوت صريرٍ يُخبرني ببؤسـه وطول زمنـه، والأرض التي لا تكلُ ولا تملُ من تهشيم حديده القـويّ.
يشكي لي بذلك الصرير، وعينايّ تلقفُ ذاك الصداء الذي اعترى اطراف البـاب!
يبدو انك تُشابهنّـي في أغلبِ أحولك، فقد أحسنتُ لأنـاسٍ ولم أجد منهم إلا الرحيلَ لمـجهولٍ لم يعرف إلـى الآن!
وهل مصير أهلي المجهـول أم مصيـري؟
كفاكَ لعبٍ بما بـقيَ من عقلك يا آلـن وحدك من تصارع مصيرٍ مجـهول، مصيـرٍ لم يتحدد إلـى الآنّ!
مصيرٍ سيتحدد أمـا بشهادةٍ أو اعـتقال .. فيصعبُ عليّ احتمالـية ثالثهما "التـحرير".
حربنا الأخيـرة أخذت ثماني أشـهر ثم تحررت من قررنا احتلالها.
أ يقولون الزمن دوّار؟
حسناً دعـوه يدور وتتحرر العراقَ في ثمانيـة أشهر كما تحررت تلك الدولة من قبضـتنا.

وكما تحررت عَـمتي من نعيـَم الأضـواءِ قادمة إلـي في إنـارةٍ بسيطة تعودُ للشـارع: هلاو بالكـبد.

قدمــتُ إليـها بشكلٍ أسـرع محتضنها : هلاو بيـج حجّيـة.

وما ان بدأت تسألـنّي عن ما حدثَ حتى قاطعـها صادق القـادم متـسائلاً عما تعلم وعن ما تجـهل!

***

هل استقبلهُ معهم وكأنـه بطلاً؟
كأنـه جنديـاً "مجازاً" من الجيـش!
ولمَ أنتِ غاضبـة من ذلك؟ فليـذهب إلـى الجحيمِ إن أراد.. قد قالها لكِ وشمسُ بغدادَ تشـهد " لا علاقـة لكِ بـه".
ألا تكفيكِ تلك الكلمـة عن ألـف فكرةً تُرهقُ عقلكِ تفكيراً به؟
دعيكِ منـهُ يا مَهتاب وأذهبي قبل أن يراكِ.. كنتي تريدين الاطمئنان عليـه وها هو عـاد.
عاد إلـى زيـنب وليـس لكِ، عاد إلـى قاتلة أبيـه وليس لكِ!
صعدتُ بسـرعةٍ وأنـا أسمعُ أصواتهم تقتربُ، يتخلل صوتُ زينب سعادةً لا تشعرُ بـها إلا بوجودِ آلـن!
الويلُ لـها لو علمَ ماذا يعـنّي لها أبـاه، وحقـاً ماذا يعـنّـي لها؟
أراها لا تفتـأ عن ذكره بين حينٍ وآخر، ولا يجرّ ذكرهُ إلا مدامعها وكأنها أسفى على ما حدث بـه!
وما الذي أحدثتِ بقلب كـهلاً لم يعد يتحمل شيئـاً يا زينب..

سمعتُ صوت ابن الكِهلِ حُبـاً: ويـن بَسـعاد؟

صوتـه كان عـاليـاً، وهذا ما جعلَ صوت زينب لم يصلني، ولا أعلمّ ماهـي إجابتها..
سأعتزلُ مجالسـهم إلا أن يعودُ محمد مجدداً ويأخذني إلى ديـالى!
أنني خجلة من نفسـي عندما قبلتُ اعتذار آلـن، أنني خجلة من نفسـيّ والجميعُ يشـهدُ خيبـة قلبي الذي سامحهّ !
وهـل حقـاً سامحتـه؟ أجّـل ..
ألـمَ يأتيني بأثمن غرضٍ دخلتُ به العراق؟
أوه!
لقد نسيتُ تلك الثمـينة ولم أتصفحُ ما حوت، أهليّ أجدرُ أن أجالسـهم بدلاً من ذلك المتغـطرس!
فتحتُ آخر مقطعٍ سُجلّ يعودُ تـاريخـه إلـى أواسط أغسطس، تلك الليلـة التي لا تُنـسى!
ليلة اعتقالي وليلة عراك آلـن وصحبـه مع الجنـوُد.
كانوا سبباً في اعتقاليّ، بل فضوليّ من تسبب في اعتقـالي وليس هم!
ولكنّ هُـناك شيءٍ لفت انتباهيّ .. ليس الفيديو نفسـه ولا أحداثـه!
بل فوجـئت بوجود فيديـوٍ حديث ، سجُـل بعد اعتقـالي بيوميـن..
يظهرُ بـه وجـهُ آلـن، نعم بحق مُحمد انه هو.
كيفَ تطاول وفتحَ محتويات كاميرتـي، من الذي سمحَ لـه؟
توجد بـها صورٍ لا يحقُ له بمشـاهدتها، لا يحقُ له انتهاك خصوصيـةً وثقتها بجانب أهلـي.
لا يحقُ لـه ان يرى توثيقي لمناطقٍ إيرانيـة وأُخرى عراقيـة!
لا يحقُ له أبـداً العبثُ بشيءٍ لم يكن له!
من سَمح له أن يخُلد وجهه في كاميرتي، ألا يعلم انني لا أطيقُ رؤيـته بعدما حدثَ أمسـاً؟
بعد انهزامي أمامه وقبول اعتذاره، أعلم انني سأعود مهزومة، ليست قادرة على مواجهته بأمرٍ هكـذا.
يملكُ لسـان أفـعىٍ تُحول الحديث إلـى حيثُ أرادت!
يملكُ قلـبي الذي يتصيّر معهُ أينما صار، لا أستطيع مواجهته الآنّ، فلأنام بغضـبي حتى أجمـعُ شتات قلبٍ مُحطم وأواجهـه به!
سيكُون قلبـي حجةً وشـاهدٌ ودليلٌ على ما حدث!
لن يطول الظُلم الذي تجرعتهُ كعلقمٍ لم أذقـه طيلـة حياتي، عقديـن ونصف مضيَ من عُمري ولم أرى فيهمـا إهانة إلا منـه!
ولم أخرجُ مهزومـة إلا مـعه!
ألا يحقُ لـي أن أكرهه، هزم عنفوان بنتُ طهران وقلل من شأنِ طهرانها.
والله سيأتي عليكَ يومـاً تتمـنى رضـى طهران انت ودولتك!
ووقتها قُـل " مَهتاب قالت لي ذلك من قبـل"، انك تُجابه خصمـاً كسـرته في بداياته، وهو سيكسرك ويجعل نهايتك على يـدهّ
وليس أي خصمٍ تواجـه ، أنك تواجه إيران العظيمـة.. إيران القويمـة!
إيران التي لا أتمنى ان تثوُر بـوجهـك.. فقد ثارت يومـاً على رجـلاً وقلبت ميزان الدولة أجـمع..
حتى المعتقد الديـن لم يسـلمّ من أولئك المتعطشين لثورة الكرامة!
لك ان تتخيل ثائـراً يُغير دولة بأكملها من أجل معتقده، دولـةً مجوسيةً تغيرت إلـى مسلمة بسبب ثُلةً من رجالها الثـائريـن!
هل تُرى إلـى أي قوةٍ أوصلتهم ثورتهم؟
هل تُرى إلـى أي حدٍ بنوا مجدهم ؟
من غيّـر معتقدات ثمانون مليـون ليس عاجـزاً عن إذلالِ بُقـعةِ أرضٍ تستفزه! عراقكَ ليست ندٍ لنـا، فنحنُ أكبـر وأعظم من أن تكون العراقَ ندنا.
نعمّ!
كانت ندٍ في الثـمانينات ولكنها تجرّعت الموتِ كما تجرعنـاه وأصبحت بعدها هشـةٍ لا تستطيع رفع عينيها بعين إيـران .
ألا أخبركَ ما فعلت إيران في الـ 2003 ، ثارت على صدامك وحوّلـت النواب والرؤسـاء إلـى "مواليـن لها" ومن لم يـرضَ بذلك .. تعلم ما فعلت بـه؟
اقالتهُ من منصبـه وعيّـنت بدلاً عنـه مواليـاً .
بهذه البسـاطة حكمت إيران عروشكم وأنتم تلهثونَ في الصحاري باحثيـن عن ثأر!
أ ترى ثارك سينتهي أن رحلت أميركا ؟
غلطانٌ يا عراقي.. ثارك سيـبدأ مع إيران أن رحلت أميركا .
لتعلم ان إيران العظيـمة لا تقبلُ ان يواجهها ثائراً مثـلك ..
أنصحكَ بالعودةِ إلـى رشدك وترك هذه الترهات عنك، فـأنك لن ولم تجابـه إيران ولو حاولـت!


***


أراقبّ عودته بعد غيابه ليلةً كاملـة، شبيهٍ بأبيـهَ !
وكـأن ذلكَ جديداً يا زينب؟ كـأنكِ اكتشفتِ شيـئاً جديداً يا أم عـلي!
منذُ أن رأيتهُ بين أروقـة المشـفى وأنا أرى بـه وجهَ آدم، أمـا الآن فقد شابهه بشكلٍ أكبـر.. أخذ منهُ شبيوبيته الرجـولية التي لا يحظـى بها غيرهم، حـتى يـنال!
لمَ لم تُبقِ ينال بجانبي يا آدم؟
لمَ أخترت ابنـك ولم تختارُ ابن مَـريم وشبيهها، لطالما سمعت تلك الكلمات المازحـة بينهمـا، عندما يَنـعت يـَنـالُ بابن مَريم، وتنعت تلك المريم ابنها الاصـغر بابن آدمَ!
وكأنها أشفت غليـلها منـهُ!
وكأن تسمية ينـالُ باسمـها مسبَةً، كأنها لم تكنّ أمـهُ فـعلاً.
تلك الأم التي تجاوزت مثـالية الأم، حتى عادت لعنفوان الفـتاة التي لا ترضـى أن تتنازل عن كبريائها من أجل أحدٍ .. ولو كان "الأحد" ابناءها .
ها هي فضلت الغربة وترك ابنها خلفـها لأنه كاد ان يجبرها على البـقاء.
ولأنه حاول ثنيها عن ما أرادت أصبحت عدوانيةً مـعه!
أصبحت تُسقيه من سقـرها، وتحادثـني بعده وهي تمسح دمـعها تقول انتبهي له جيداً فقد قسوتَ عليـه!
أ تقسـو عليـه كما قَست على أبيـه من قبل وجعلته يصبّ كامل مشـاعره لتلك الممرضة المُسلمـة التي أجبرتها وظيفتها على ان تكون ظله الآخر!
لم يكـنّ ينظرُ لي إلا أختٍ، ثم تطورت تلك الأخوة إلـى صداقةٍ، ثم استمرت قليـلاً وأصبحت حُبٍ .. ثم آلت تلك العلاقـة إلـى ما آلت إليـه وأتى أخوها من الكاظميـة مُنتشلها من بغداد ، ومما يراهُ عـاراً عليـه!

ليت ذاك الأخ شعرَ بالعلاقـة منذُ بدايتها وانتشلني من حلمي الذي لم ينتج إلا عذابٍ اتلقاهُ كلما توسـدَ ابن أبيه رجلـي محادثـني: زينب!
عمـة دا احاجيج !

نظرتُ إليـه فيبدو ان المَـكان قد خلى عليـه من صاحبه فلم يجد له جليسـاً في السادسة صباحاً إلا أنـا : هاا عمتي .. ويـاك.

حادثني مُجدداً : بشنو صافنه؟

هل أقول لك أنني " صافنه " بأبيك؟ هل أقول لك أنني "صافنـه" بحجم أمانـةً اثقلت كاهلي؟
هل أقول لك أنك أمـانةُ عاشـقاً أودعها عشـيقته!

نظرَ إلـى عينيّ وكأن نظرة آدمّ تشـقُ سبع بحـارٍ وقارتين حتى تختلسُ نظرةٍ إلـي: تره لهـسّـه يسـألني عليج.


***


وقفتُ أمـام المركز الذي أخبرني عنهُ الضـابط.
أنتظرَ قدومـه إلـيّ.. فقد قالَ أنه سيلقاني أمام المركز، ثم نبدأ إجراءاتنا بعدها.

أراهُ يقدم ورتبة نقيب تُزين لبّـاسه، تقدم مُصـافحـاً: السـلام عليكم.

رديتُ تحيـته بمثلها وعرّف بنفسـه: أني الضابط عَـاصي يالماسك قضية سـلاح والـدك – اراهُ يتردد بما سيقوُل ويخرجَ الكلمات من ثغره وكأنه تعارك مع خيره وشـرّه في قولها – خليك ويايه، ولو اجاك أميركاني ما تنطيـه فد معلومـة.

أتراها خدعةً!
أتراه بفعلته هذه سيجعلني أخبره عن صاحبي؟
أظن أنه على علمٍ بحالِ آلـن وإلا ما قالَ ذلك، هل تُرى أُسـرَ آلن، ويستجوبني بدلاً عنـه؟
هل "سأتخابر" معـهم ضد صاحبي!!
غلطانٌ يا هذا، خيانتك لأرضك تجعلني لا أثقُ بك، وكيفَ أثق وأنت لم تنشق مع من أن أنشقَ مُكملاً عملك مع الاحتلالّ!
هل هذا ما يُسـمى بالتفانِ في العمـل، وهل هو تفانى بعملـه ولو كان على حسابِ وطنـه؟
أن كُنتَ تمتلك ذرة شـرفٍ وكرامة لمَ وقفتَ صفٍ لصف بجانب أمريكاني، هل تراني سأعذرك عندما تقول درست حتى اقف بصفوف الضُباط والحربّ لم تكنّ في يدي!!
بل كان في يدك قرارك مع من ستُحارب، ومَـع من ستكون رتبتك العـالية التي لا تُؤهلك للخيـانة.
كانت ستقودكَ لما قادت ذاك المـأسور لاقتناء سـلاح والديّ.
تحدث بعدما استدار حولَ مكتبـه، وسلّـمني ورقـةً بيـضاء كبيـاض ينابيعِ دجلـة والفرات، كقلوب الثوار في ساحات العزة لا الكراسي
الضخمـة التي تجثـو على احدهـا : أكتب لي بيانات أبـوك..

نظرتُ إليه : وصورته!

تحدث وهو منشـغلٍ بورقةً في يده: عدّنـا صورة من الداخليـة.

لمَ لم يطلب مني إحضار أبي؟
ولمَ لم يأتي أبي أسـاساً؟ سعدتُ عندما طلب مني المجيء حتى لا يعلم أبي بما حلّ بآلن، ولكن بنفس الوقتِ أصابني الذَعر من تلك المقابلة الغريبة التي ابتدأت بصورةً أُخذت من بطاقته الشـخصيـة، إلـى عدم محادثتي لأي أمريكي!
انتهيتُ من تعبئـة البيانات، فدخلَ عسكريـاً لفرزها وتعبئـتها على "إجازة سـلاح".

تحدث الضابط بما كُنتَ اخـشاه: تشك بأحد؟

استغبيت وأنا أقول: كيف؟

نظر إلـي: يعني تحسّ في حد له أيد بسرقة سلاح أبوك وتوريـطه؟

نظرتُ إلـى الارضِ وكـأنني أسترجع أولئك الذين أشكُ بهم، حتى تحدثتَ مع عودة الجندي الذي سلمني السـلاح والرخـصة مـعاً : لا ماكو.

واقتربَ منّي الضابط هامسـاً بعد ربت على كـتفي : عفيه علييك.

خرجتُ من أمامـه وأنا لا أعلم ماذا يـقصد "بالعفيـة"
هل هي عدم وشايتي بصاحبي، أو كان يظنُ أننـي من فعل هـذا ؟
لا أعلم ما الذي يقصـدهُ ولكن كُل ما أعلمه أنني خرجـتُ إلـى برِ الأمـان، خرجتُ من منطقـة المركزِ بأكملـها.
وأنـا أنشغلُ مُجدداً بمصير آلـن ، ولكن لو كان مأسورٍ لزفَّ لي خبره..
فهو بالتأكيد سيسعده، يبحثُ عن العابث بسـلاحٍ رجلاً جاوز الخمسيـن!
باحـثاً عن شخصاً سيرفَع رتبته ويُعلي شأنه عند الاميركان.
ليتني أنا من قال لـهُ "عفيـة" وهو يعلن انشقاقه عن العسكرية.
الانشقاقُ الغبـيّ الذي لا أعلمَ لمَ سُميَ انشـقاق!!
هل أيقنا بأن الاحتلال كيـانٍ يجب الانشقاقُ مـنه؟
أو أننا إلـى الآن غارقونَ بوحلِ صدام ونطالب بالخروجِ عليـه.


***


نظرتُ إلى عينيها التي توسعت دهشـةً: منو ياللي يسـأل علي؟

اعتدلتُ جالـساً : عارفّ كل شـي يا أم عـلاوي،
هوه كالي من أول يوم طبّيتي المستشفـى لحد ما أخذج أخوج كَـدام عيـونه.

صمتت لوهلـةً، دمَـعت، انهارت من هذا الاعتراف الذي يعتبرُ لها ذو ذكِرى سيئـة !
لا تعلم أنني أشعر بعينيها وهي تتأملنّـي وكأنـها ترى بي أبي، لا تعلم أنني أشعرُ بحنينها إليـه في كُل كلمـةً ينطقُ صحبيّ أسمـه مكنينني به!
لا تعلم وأنا أعلم من هو آدم بالنسـبةِ لهـا ، أ تعلمـي لمَ شاطرتك الوجـع واعترفتُ لكِ بحقيقـة تجهلين معرفتي بـها؟
لأنني مثلكِ .. تعذبتُ من غيـابه، وكـأنه وَجدَ بيننا لكي يرحل ونتعذبّ!

نظرت إلـي مبهوتةً، مخطـوفةً اللـونِ: وتعرُف شاللي صار بيننا؟

احتضنتُ كتفيـها: عـارف. . .
كـنت ألومـه يا زيّـنب، كنت أكَول بنفسـي ليش بدل أمـيَ بيـها، ليش عَقد عليـها، ليش اختارها بين كل النـسّوان،
لين ما عرفتج صح يا زيـنبّ!

كأنها تسمعَ قولي ولا تفقهه وتُعيد جملتها: بس أني زوُجـته، وأمـك!

أ تظنينني الآن سأكرهك بسبب شيئـاً حصل وأنا في عامي الثـاني؟
ومن أجل من أكرهك؟

من أجل أمّـي التي تخلت عنّـي في أول فرصـةٍ قُدمـت لها: ما عليـج باللي راح!
كَولي لي كيف عَقد عليـج وانتِ مُسلمة؟

ابتسمتّ بين دمُـوعها : تعرُف أبوك مَسودن إذا راد شي لازم يصير.. مثلـك.

صمتُ ولم أُعلقَ حتى تنفثُ ما في صدرها من ذكرى أليـمة لم تجد من يشاركها بـها، اردفت : كـنت طالـعة من الدوام بعد ما تعاركت ويـاه وكَلت له أني ببطل شُـغل علموده، لأنني غلطت يوم حبيّته وهو مسيـحي،
طلع ويايـه وخذاني للـخوري " شيـخ ديـن مسيحي" وسأله إذا يجوز نتزوج، فكَال له الخُوري أي يجـوز حتى لو مُسـلمة!
اتخبلت من اللي كَاله، مو لأنه غلـط، لا لأني بتزوج آدم.
بس كَلت لآدم لازم أروح لشيـخ مُسلم اسأله، ورحـنا بنفس الوكَت لشيـخ بالجــامع وكَـال الشيـخ يجوز بحالـة وحده " إذا أقرها على دينها واحترم شعائرها فلا مانع من الزواج منـه".[1]
وتعهد آدم كَدام الشيـخ أنه ما يمنعنيّ من فرضٍ ولا نافلـةً، وأن يحججني إذا كنت رايده، ويسـير ويايه لكربـلاء كل سـنة.
رفَض آدم طلعتنا من الجـامع إلا هو عاقد عليّ، وبنفس الوكَت رفض الشيخ يكَول لازم وليّ، وكَتها حسيت آدم ضاع من يدي، وهميـنه فكرت بخوتي لو عرفوا ما راح يبقوني عايشـه لا أنا ولا أبـوك.
بس وكَتها الشيـخ تفهم علـى أبـوك وأنه لازم نعقد علمود نخليـهم أمـام الأمـر الواقـع مادام ما بيـه حُرمة دينيـة، وصار الشيخ ولي أمري..
تعرُف آلـن إلـى يومك ما أعرف إذا كان عقدنا صحيح ولا بـاطل، أحيـان أكَول باطل وأحمد ربّي ما تمّ ، وأحيـان أكَول الشيـخ أدرى بيـها.
وهميـنه سمعت شيخ يكَول إذا الزواج بيوكَف من وراه مضـرة لازم يتـمّ..
ما أعرُف الحق من مـعاه!
أختلط الحابـل بالنـابل، وكل شيخ يفـتي من عدّه، بس تعرُف وش كسبت من هالعقـد؟
كسبتك ابن لـي[2]، ما فد مرّة سألت حالك ليش زينب معاي هيـج غير محمد؟
ما فد مرة حسيت أنك غيـر عـنه؟
كـنت أحاول ما أحد يلاحظ هالـشي، بس طلعت كاشفني من أول يا ابن أبـوك.

ابتسمتُ لـها وأنا ارقبُ السلـم خوفـاً من عودةِ صـادق، نعم بُت أخافه بعد اعتراف زينب!
يحقّ لي أن اخافه.. فقد قال لي ان والده واعمامه قد رحلوا جميـعاً ووهم غاضبـونَ علـى زيـنبّ، يُفنـي عُمره حتى يعرفُ سبب ذلك!

سالتها عن ما أشغلُ بال صادق: وكيف عرفـوا خـوتج؟

ذرفت دمعتينِ مُجدداً.. بل انهارت على صَـدري باكيـةً، تواري سوء فعلتـه بأخوتها في حـنايا روحـي!
تبـكي جُرحاً جاوز العقدين، تبكي لوعـةً أرادت ان تُسكنها في صدور أحد أخـوتها، تبكيّ فقد أخٍ وأبن في آنٍ واحدٍ ولم تجد لها سلوى إلا صادق ذا الثمانية أعـوام.
أخفت لوعـتها في صدرها طوال تلك السنين تبحث عن شخصٍ يداريـها، يمسحُ دمَـع مآقيها.
تبحثُ عَـن شخـصٍ يسألها عن وجعهـا، يسألها إن أخـطأ آدم بحقـها.
لن أتجرأ أن أسالها عن والديّ، ولن تتجرأ أن تُخبرني عـنّه، ليت صادقٍ يعلمّ.
ويا ليـته يفهـمّ أن علم، ولكـنَه شرقيٍ سيُسيل دمـها الذي حقـنه أخوتها ، ولم يحقنـا دمـعها.
ألا يعلمون ان سيلَ الدم أهونٍ من سيل الدموع؟
ان ماتت لن تبكي، وان بكيت ستبكي حتى تموت!

طبطبتُ عليـها: كـافي زينـب،
كافي عيـنيّ .. مدا يستاهل حدا دمـعج!

لم تردُ تلك المكلومـة فقط شدّت من نفسـها في حضـني وكأنها تُريدني اخباءها عن دُنيـاً اتعبتها.
هوني عليكِ يا زينبّ، هوني عليكِ يا عاشقـة، هونيّ عليكِ يا موجوعـة!
لا أحد يستحقَ أن نحزنّ عليـه وهو من استباح دمـعنا.
لا أحد يستحق ان نذرف مآقينا وتتورم أعيننا من أجلـه.
لا أحد يا زيـنب ولو كان هذا "الأحد" أنا أو أبـي، أو أخوتكِ وصادق!
لا أحد يا زيـنب لا أحـد.


***


لا أعلمّ ما الذي يدوُر في الأسـفل، فقد صَعد أحدهمّ وظننتهُ آلنٍ المُتعب!
وعندما هممتَ بالنزولِ وجدتُ زينب "المتديـنة" تحتضنُ ذاك المسـيحي، وهو يُقبل رأسـها ويدها بين حينٍ وآخر، بأي حقٍ يا زينب؟
أجعلـي لعُمركِ مكانةً على هذه التفاهات التي لم تستطيعـين فعلها أمامِ أبن أخيـكِ.
أجعلـي لأسـمكِ قدراً ، كُوني كتلك التي تسميتي بـها، ولا تسقطِ هكذا بحضن مسيحيٍ يطبطب على كتفـك.
أن لم يحترمَ ديننا، فلنضعَ لـهُ حدٍ، لقدَ تمادى كثيـراً ووجد من تساعدهُ على ذلك، ولو كان بسـنّ أولادك لا تتشبـثي بها هـكذا !
ماذا لو عَلمَ عنكما صادق الذيّ لم يعتـبركما إلا ولدته وأخيـه، ماذا لو عَلم أكثـرنا تدينٍ بما جـرى بعد غابّ عنهمـا .
ألا يستحيـا منه وهو كان جليسهما؟
ألم تستحيّ هذه الزينب من ربّـها؟ ألم تستحي من شيبـتها وهي تحتضنُ رجـلاً؟
عارٌ عليـنا جميـعاً ما فعلتِ، أ أنتي من جعلتيـه يتمادى ويتوقعـني مثلكِ ويشرعُ في ضربي؟
وأن بَغت أحدنا لا يعني أن الأخرى على خُطـاها، وأن أخضعتَ بالقول والفعل لا يظنُ أنني مثلـها .
عارٌ علـى حجابها ما فعلتّ!
عارٌ على ابن أخيـها ما فعلت، وإن كانت عجوزٍ فهي امرأة، يظنونها عجوزاً وهي في أواسـط أربعيـنها .
أ عجوزٍ تُفكر احتضانُ مسيحياً بعد توارى ابن اخيـها ؟
أ عجوزٍ تُدخل المسيحي إلـى بيتها؟
أ عجوزٍ أنـتي يا زينب؟
لقدَ شـاب الولدان من فعلكِ يا امرأة تطرقُ باب الخمسـين.
سـأذهبُ غداً إلـى ديـالى لا عليّ بـها، ولكنّ يجب أن أخبرَ صادق بدلاً من عَـمى عيـنه وقلبـه عن صاحبـه!


***


هل حقاً قُلت لهُ ما أثقلَ كاهلـي لسـنوات؟
هل حقـاً تقبلَ ما قُلت له؟ بل كان على علمٍ به منذُ ست سنواتٍ، وهذه السنيـنَ كفيلـة ان تمتصَ غضبـه، وصدمـته!
هل تُـرى ستقبـَل ابن أخـي لو حادثـتهُ كما حادثتُ آلـن،
هل سأنوحَ أمامي ويشدُ أزري كما كان آلـن؟ لا أظنُ ذلك فآلن مهما كان رجلاً شـرقياً فهو مسيحـي.
لا يهـمهُ أن تزوجت من مسيحي أو أن تزوجَ مسلماً مسيحية!
ألا ان ديننا .. دينُ صادق قد حرم أو لم يجزّ ذلك.. فقدَ يثور الدينَ بداخلـه ويختلط بشرقيـته وحسرة والده وغضبَ أعمـامه وبعدها لا أعلم ما الذي سيحدث!
لم أراه طيلـة حياتي في مزاجٍ استصعبـهُ بل كان هيـناً ليـناً، يُصغر الأمـورَ ولو كانت كَبر الجبـال!
يـمتصَ غضب الجمـيع، لا يغضب أن حادثـاه بطريقـةٍ لا تليقَ بـه.
يهمـهُ رضـى الجميـع وقد نسـيَ نفسـه، كان ان يَخسـر نفسـه بخسـارته لآلـن بسبب تلك الفـتاة التي حاول قدر المستطـاعِ اسعادها.
أراد ان يكفّ بـلاء صاحبـه عنها، حتى ولو كان الأمر بزواجه منـها، أعلمّ أن قلبـه ينبضُ لأخـرى ولكنَـه آثـر على نفسـه من أجلـها.
هل قُلتَ أن قلبـه تسكنُـه فتاة؟
لمَ لم أسألهُ عـنها، لمَ لم أجلسُ مـعهُ كما كُـنا، أ ترى الغُـربة أبعدتنا عن بعضنا، أم مشاكل المطاردة التي لا تنتـهي، او ، او ، او ......
لقد أهملتَ وديعي في آخر الأيـام.. لقـدَ أهملت حسنتي الوحيدة في الدُنيـا، لقد نسيـتَ روحٍ اتنفسُ من خـلالها.
أ تراني بعقلـي حـتى أنـسى صادقٍ بسبب انشـغالي بعشـقٍ لم يبـقَ منـه إلا ثمـرته اللعينـة؟
حسـناً سأدعـهُ يهنئ بنـومـه، ثم لـيّ حديثٍ لا تكفيـه ليلةٍ مـعه!


***


أرى السـاعة قد تجاوزت الـعصر، وأسـمـعُ صوتَ صادق يؤذنَ لوحده، ويقيمَ الصـلاةَ لوحـده، ويكون الأمـام والمأموم بنفس الوقتّ!
انتظرتُ انتهاءه من صـلاته فأمرٍ كـالذي بقيت من أجله ساهرة لا يتأجل!
سأجعلهُ يضـعَ حداً لصاحبه اللئيم الذي لا يكفيـه توسـده لفخذِ زينب أمامنا بكل وقـاحةً، حتى يُخمد صوتَ بُكاءها باحتضانه لها.
الأمر لم احتملـه.. فكيفَ سيتحملـه صادقَ!
رُبـما تكون صدمـةِ عُمره ، ورُبـما تكون حسنتي الوحيدة في هذا البيت الذي قد نوَعت وشكلت في المـصايب ورميتها عليهم واحدٍ تلو الآخر!
هذا لا يـهمَ الأهمّ الآن!
الأهم أن صادق يعلم ولا يـبقى كالأطرشِ في الزّفـة!
نظرتُ مع السـلالم فإذا هو يصـعدُ وآثـار النُومِ لم تفارقَ وجهه إلـى الآن، صَعد تاركـاً خلفـه عَمته، وعَدها بالنّزول حالاً .. ولكن قبلها يجب أن يسمَع ما أود قولـه ويذهب لها أن شـاء.
رأيـته يُحييني ويمُر ذاهبٍ إلـى غرفـة صاحبـه!
هل رقَ قلبـك عليـه من نُومـهِ الطـويل وتود أن ينهـض يشاركك طعامك؟
مُغفلٌ أنت يا صادق!

ندهُـت عليـه فتوقفَ: صـادق،
خـويه تعال دا احجي لك شي هوايـه مُهم.


انتـهى



مخرج الفصل السـابع والثـلاثون



بغـْــدادُ تحتــَـارُ القَــوافِي حينما
يسـلُو بجُــرْحِــك قاتمُ الأعمـَـاقِ
بغـْــدادُ إن المجــدَ يــبنيــهِ الأُلــَى
لا يأبَهــــونَ بذلَّــةٍ ونـفـــاقِ
ورَدوا الكَــرَامةَ وارتـــووا من مـائها
يتطلّعــُـونَ إلى النَّعيـمِ البــَـاقي
بغْـــدادُ يا دارَ الرَّشيـــد سنلتقـــي
عهْداً قطعْنـــاهُ لأرضِ عـِـــراقِ
حتّى تُرَفـرفَ رايــةُ الأمجَـادِ في
أرضِ الخــلافَة والسّنــا البَــرَّاقِِ


×فلاح بن عبدالله الغريب×






المـصادر .
[1]
زواج المسلـمة من كِـتابي


[2]

باب المـحارم


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:26 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.