شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   جنّة عدن *مميزة ومكتملة * (https://www.rewity.com/forum/t455829.html)

امل القادري 03-09-19 09:09 PM

جنّة عدن *مميزة ومكتملة *
 

https://upload.rewity.com/uploads/154089255098181.gif

وها قد عدت اليكم برواية جديدة

جنّة عدن

سأكون سعيدة جداً بمتابعتكم ومشاركاتكم وأرائكم
الغلاف إهداء من وحي الأعضاء
https://upload.rewity.com/uploads/157017381415581.jpg




لمحة عن الرواية

جنّة لعدن وعدن لجنّة
هذا ما وعيّا عليه منذ طفولتهما

يسمعان والدتيهما تتحادثان بنبرة يشوبها الفخر
أنظري اليهما، يتصرفان كالأزواج منذ الآن

هي تعانده وهو يغضب
هو يعاندها وهي تغضب
وبعد قليل يتصالحان ويعودان أحباب.

ومن ثمّ تخطيّا مرحلة الطفولة البريئة بكل لحظاتها السعيدة والبريئة
وإنضمّا الى صفوف المراهقين

وما زالت جنّته
وما زال عدنها

علاقتهما كانت أشبه بالشد والجذب
يتشاجران على أتفه الأسباب ويتصالحان دون إعتذارات

يغار عليها من النسمات العليلة التي تداعب أهدابها
يثور ويشتعل مهدّداً إذ لاحظ أحدٌ من زملائها يحاول التقرّب منها
حتّى أضحى لا يتجرأ أحدٌ على النظر بإتجاهها

وكانا سعيدين
هي سعيدة به
بإهتمامه
بغيرته
بجنون عشقه

وهو سعيد بكل ما تحتويه من مميزات
يعشق أدق تفاصيلها
يتغنّى بخصالها
ولا يرى إمرأة غيرها

الى أن بدأت الوان قوس القزح تبهت تدريجياً بحياتهما
تبهت بطريقة خبيثة لا تدفع للشك والريبة
تتسلل الظلمة من بين ثنايا البراءة ليحل مكانها الشك والظن وإنعدام الثقة

الى أن سَئِمَتْ التسلل بخبث وإنقلبت الى عاصفة هوجاء بين ليلة وضحاها
تكاثرت خلالها الغيوم محيلة السماء الزرقاء، الى سوداء قاتمة

ومن بعدها أصبحا ينازعان كالغريقين يفتّشان عن قشّة يتشبّثان بها للحفاظ على ما تبقى منهما.


تنزيل الفصول سيكون إن شاء الله كل ثلاثاء وسبت



روابط الفصول

الفصل الأول .... المشاركة التالية
الفصل الثاني .... بالأسفل
الفصل الثالث والرابع نفس الصفحة
الفصل الخامس والسادس نفس الصفحة
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع والعاشر نفس الصفحة
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الأخير
الخاتمة

رابط التحميل
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


امل القادري 03-09-19 09:14 PM

الفصل الأوّل

المطر غزير، تتراشق قطراته الغليظة فوق زجاج السيّارة بعنف، كأنّها حصى صغيرة تصدر صوتاً راعداً إثر إرتطامه به، والأرض تغمرها السيولٌ المتدفّقة تتراكض نحو مجاري المياه كي تتوارى فيها.
السماء سوداءٌ مظلمة، مكفهرة بالغيوم الرمادية المتلبّدة.

من بعيد بدأ الفجر يلوح بالأفق معلناً عن إنجلاء الليل وقدوم نهار جديد، نهاراً محمّلاً بأثقالٍ وحقائقٍ وصدماتٍ سيعجز العقل عن تقبّلها والقلب عن تحمّلها.

وداخل السيّارة الصمت سيّد الموقف، كلٌّ مشغولٌ بأفكاره يدعو بسرّه الرحمة واللطف من هول القادم، الأنفاس حامية متحشرجة تشكّل طبقةً ضبابيّة رقيقة فوق الزجاج، والدعوات كثيفة تملأ القلب وتفيض من اللسان.

« يا رب الطف بنا» همس عماد يمسح صفحة وجهه بكفّه المرتعش الذي تكسوه التجاعيد التي أكسبته إيّاها السنين « ما زلت لا أستوعب الحاصل» علّق وصمت فرمقه ثائر بطرف عينه عائداً بإنتباهه الى الطريق أمامه.
« ما الذي أتى بها الى العاصمة؟ كيف تأتي دون أن تخبر أحد؟ ومن، ومن ذلك الشاب الذي كان برفقتها في السيّارة.....، هل أنت متأكد بأنه ليس عدن؟»
سأله للمرّة العشرون، يصمت لفترة ومن ثمّ يعود ويسأل ذات الأسئلة، أسئلة بكل أسف هو حتّى يجهل أجوبتها.
الخبر كان صادم للجميع، إذ جنّة ليست من تلك الفتيات اللواتي يتصرفن بتهوّر، لطالما كانت مثال الفتاة المطيعة، التي لا تحتاج للوعيض والتحذير والتنبيه، خلافاً لأختيها الصغيرتين، اللتين تعشن مراهقتهن على أتم وجه، وهي كانت دائماً مثال الأم لهن بالرغم من صغر سنّها الذي لم يتجاوز التاسعة عشر.
لطالما كان من أشد المعجبين بذكائها وهدوئها وفطنتها،
ولكن يبقى السؤال،
ما الذي قادك لإقتراف هكذا زلّة يا جنّة؟
ما الذي جعلك تتسرقين خارج المنزل والقدوم الى العاصمة سرّاً وحدك دون إعلام أحد؟
وكيف إنتهى بك المطاف في سيّارة أمان خلال منتصف الليل؟
أسئلة كثيرة ومحيّرة خائف من أجوبتها وعواقبها.

وبمجرّد أن وصلت السيّارة الى الطريق المؤدي الى المستشفى المقصود حتّى إستقبلتهما الجموع المتجمهرة أمام بابها الرئيسي، شاحنات الصحافة والكاميرات المنتشرة في كل مكان، منظرٌ زاد من إنقباض قلبه جزعاً وقلقاً على سلامة جنّة وأمان.
وبعد معاناة إستطاع أن يجد مكاناً بعيداً بعض الشيئ، ركن السيارة فيه ونزل يساعد عمّه على النزول وسار بجواره يخترقان الجموع يسمعان تراشق كلمات هنا وهناك.
- الأخبار الأولية تقول بأنّ عازف الجيتار بفرقة (جيڤارا) قد توفي قبل أن يصلوا به الى المستشفى.
وقع هذا الخبر كالصاعقة على ثائر يحث عمّه على متابعة سيره، لا يريده أن يسمع ما يقولونه، ها هم، وصلوا الى المستشفى وبإمكانهم معرفة الأخبار الموثوقة من المصدر مباشرة.
وقف عند الإستعلامات يسأل الموظفة« نحن عائلة جنّة عقيل، لقد تلقينا مكالمة هاتفية تقول بأنّه تمّ نقلها الى هنا بسيّارة إسعاف.»
تفقدت الموظفة حاسوبها لبرهة تقول« نعم، هذا صحيح، الطبيب الذي كان مسؤولاً عن حالتها ينتظر قدومكم، الطابق الثالث، إسألوا هناك عن الدكتور حدّاد»
ومأ لها يلقي نظرة تفقدية إتجاه عمّه المرهق، يبدو عليه أنّه على وشك فقدان وعيه، الهمّ والقلق هدّا حيله، لكم أراد أن يسألها ما إذ كانت ما تزال على قيد الحياة، ولكنّه خاف، نعم خاف، يريد منح نفسه وعمّه بعض الوقت قبل تلقي الأخبار الصادمة.

فتح باب المصعد وخرجا منه الى الطابق الثالث يسأل أوّل ممرضة صادفت دربه« الدكتور حدّاد لو سمحتي»
« الغرفة رقم ثلاثون، آخر الرواق على اليمين»
وإنطلق برحلته يشعر بعمّه تتباطئ خطواته مع إقترابهما من وجهتهما.
« ستكون بخير، أنا متأكد بأنّها ستكون بخير» لم يعرف ما الذي دفعه لقول ذلك، ولكنّه شعر بالحاجة للتخفيف عن عمّه.
طرق الباب وفتحه يفسح المجال لعمّه بالدخول أمامه، يستقبلهما طبيباً في حوالي الخمسين من عمره.
عرّف عن نفسه« ثائر عقيل، وهذا عمّي عماد عقيل والد جنّة عقيل، مريضة أحضروها منذ ساعات الى هنا، بحادث سيّارة أمان»
ومأ الطبيب بإدراك يشير لهما أن يجلسان ففعلا وهو جلس قبالتهما يسألهما عن حالهما.
« كيف كانت رحلتكما من البقاع بهذا الطقس الماطر؟»
تململ عماد بجلسته لا يرغب بالتحدّث عن أمور الطقس، يريد من الطبيب أن يدخل بلب الموضوع ويريح قلبه.
« طمئنّا يا دكتور، كيف حال جنّة؟»
لانت ملامح الطبيب بتعاطف يقول« لا تقلق يا حاج عماد، إن شاء الله ستكون بخير، إبنتك كانت محظوظة، لقد منحها الله فرصة ثانية بالحياة بخلاف زوجها المسكين، الذي بكل أسف وصل الينا فاقداً للحياة»
« زوجها!» سأل عماد
« الشاب الذي كان معها» شرح الطبيب
« أمان يا عمّي، إنّه صاحب عدن وعضو بالفرقة الموسيقية التي يغني فيها»
تغضّنت ملامح عماد مستنكراً الموضوع برمّته ولكنه تغاضى عنه يسأل الطبيب بلهفة « أين هي الآن، أريد أن أراها وأطمئن عليها»
« بكل أسف، حالياً لا تستطيع، إبنتك بالعناية المركّزة، ووضعها دقيق جدّاً، لقد أصيبت إصابة خطيرة برأسها مما أحدث تورّماً داخل جمجمتها» صمت لبرهة يفسح لهما المجال بتقبّل هذا الخبر مردفاً بنبرة متعاطفة «وبكل أسف لقد حصلت مضاعفات أخرى بسبب حملها، لقد أصيبت بنزيف مهبلي حاد مما تسبّب بخساراتها للجنين وأُجبرنا على إثره لنزع رحمها» قال الطبيب ميقناً قسوة الخبر الذي القاه عليهما، ولكنّه مجبر على نقل حالتها بالتفصيل اليهم، لقد حاول ما بوسعه لإيقاف النزيف، ولكنّه في نهاية الأمر أُجبر على الإختيار، إمّا حياتها وإمّا رحمها، وهو إختار حياة مريضته التي بكل أسف خسرت فرصة أن تصبح والدة من هذا السن المبكر، ولكنّ بالمقابل عليهم أن ينظروا الى النصف الملآن من الكوب، الآ وهو وجودها بينهم على قيد الحياة، غافلاً عن أن هذا الخبر مصيبة مروّعة بحد ذاته.
عمّ الصمت أرجاء الغرفة الصغيرة، عماد قبض على صدره يشعر بضيق أنفاسه وخفقات قلبه المتسارعة، تؤلمه.
إبنته كانت حامل!
يا للمصيبة!
كيف حامل ومن من؟
« عمّي هل أنت بخير؟» هتف ثائر يرى ذرّات العرق تتجمع فوق جبهته وأنفاسه تتحشرج .
وقف عماد من مكانه يرى محيطه يدور كحلقات، عقله لا يستوعب ما سمعه من الطبيب، لا بدّ أنّ هناك خطأ ما، جنّته، جنّته التي كان يرى النور يشع من مقلتيها،
تنغمس بالخطيئة!
طفلته التي كان يتبجّح بها أمام أهل قريته، يتبجح بتربيته وسمعة بناته التي تلمع كالذهب.
_ ماذا فعلتي يا جنّة؟
_لقد لوِثتي إسمك وإسمي وإسم أخواتك، يا للعار.
« عمّي» نادى ثائر من جديد يتبعه، يراه يتّجه نحو الباب بخطوات ثقيلة.
« هيّا بنا يا بني، إبنتي ماتت، هذا ما سنخبر به أهل القرية والعائلة، علينا أن نسارع بالعودة للقرية للبدئ بالتجهيز للجنازة»
« ماذا تقول يا حاج عمّاد، وحّد الله، إبنتك ما تزال حيّة ترزق، وهذه نعمة بحد ذاتها»
« إبنتي ماتت يا دكتور، وتلك التي عندك لا تخصّني بشيئ»
وخرج من الغرفة منحني الظهر منكسر الروح، رأسه غارق بين كتفيه، الهمُّ أثقل روحه وعنفوانه

زفر ثائر أنفاسه يمسح على صفحة وجهه بضيق، ما العمل الآن؟
كيف يتصرّف؟
كيف يقنع عمّه بالتروّي وإنتظار فقط لريثما يطمئنوا على حال جنّة؟
« بالحقيقة، أنا لا أملك أدنى فكرة عن ظروفكم، ولكن مهما كانت أنصحكم بعدم التخلي عن تلك المسكينة القابعة بالعناية المركزة بين الحياة والموت»
قال الطبيب يقترب من ثائر الذي ومأ يهرب من نظراته، لا يعرف بماذا يجيبه.
« أشكرك كثيراً دكتور حدّاد على إهتمامك بها، بكل تأكيد لن نتخلّى عنها» صمت لبرهة مردفاً« سأعيد عمّي الى القرية ومن ثمّ أعود كي أدفع تكاليف المستشفى ومن ثمّ نتحدّث مطوّلاً بخصوص حالتها ووضعها»
« لا تقلق، إنّها هنا تحت رعايتي لريثما تعود سيّد ثائر»
ومأ هامّاً بالمغادرة للحاق بعمه ولكنّه وقف عند الباب يواجهه من جديد« أتمنى، أتمنى أن تبقي هويتها سرّية» صمت يشذّب ذقنه هارباً من نظرات الدكتور المتفحّصة مردفاً« كما حضرتك تعلم، هوية الذي كان برفقتها، إنّه، إنّه»
« لا داعي للشرح، أصلاً من قوانين المشفى هنا هو السريّة التامة، والموظّفين جميعهم يعلمون بذلك، فمن ضمن شروط بنود عقد العمل هنا، هو التوقيع على وثيقة تمنعهم من نقل أخبار المرضى أو التحدّث بخصوصها لأي جهة من الجهات، وإذ تم خرق ذلك البند سيواجهون عقوبات مشددة ومن ضمنها دفع غرامة مالية طائلة والطرد وإنتزاع الشهادة منهم.»
ومأ ثائر يطلق نفساً كان محقوناً بصدره وقال« شكرا لك مرّة أخرى، وكما إتفقنا، إذ حصل وسأل أحدهم عن هويتها فالنخبرهم بأنّها توفيت هي الأخرى في مكان الحادث وإستلمها أهلها رافضين الإفصاح عن هويتها.»
« لك هذا إذ كان ما ترغب به»
« نعم، نعم»
أخبره وخرج مسرعاً خلف عمّه يراه قد أصبح على مقربة من المصعد.
تبعه قلقاً عليه، لا يريد مناقشته فيتسبب بسوء حاله الصحي.
إنتشل هاتفه من جعبته يتفقد المتصل، إنّها هديل إبنة عمه، تغضّنت ملامحه حائراً بأمره، ماذا سيقول لها؟
ماذا سيخبرهم؟
ما هذه الكارثة التي وقعت فوق رؤوسهم، بكل تأكيد إنّها من فعل عدن، عدن الحقير، سيقتله، هذه المرّة سيقتله ويريح العائلة بأكملها من مجونه وشرّه وجبروته.
الآ يكفيه ما تسبب فيه لوالده من عار، مرغ إسمه بالتراب، حتّى وصل به المطاف بمدّ أذرعة دناسته الى بيت عمّه المسكين، ويطعن بشرف إبنته ويمرغه بالطين.
أخيه الأصغر الذي كان حتّى السنة الماضية صديقه ورفيق دربه، ربيب يديه الإثنتين، وإذ به يتحوّل بين ليلة وضحاها، من حافظ ومجوّد للقرآن الكريم، الى مغنّي لا يغادر الملاهي الليلية والسهرات الماجنة،
من كان أمل والده، أضحى عاره.
وها هو حوّل زهرة والدها الملوّنة واليانعة الى شوكة دميمة يرغب فقط بالدوس عليها تحت أقدامه وطحنها الى ذرّات لا تُرى بالعين المجرّدة.

دخل المصعد خلفه يراقبه عن كثب، قلقاً من ملامحه الشاحبة وصمته الكئيب.
«دعني أحجز لنا غرفة بفندق مجاور، ترتاح فيه لبضعة ساعات قبل أن نعود» أخبره علّه يعيد التفكير بما ينوي فعله، ولا يتسرّع به.
« أعدني الى القرية، وإيّاك ثم إيّاك أن تخبر أحد بما أخبرك به الطبيب» قال عماد بنبرة هادئة هذه المرّة، يعيد فرك صدره براحة كفّه.
« وماذا سنفعل بجنّة؟»
هرب عماد من نظراته، يشعر بالإختناق، بالدمع يهدد بالفرار من مقلتيه، بالخيبة تعتمل بروحه، والحزن يسكن جنباته والقهر يستوطن وجدانه، ولكنّه دفع كل تلك المشاعر المتخبّطة وقرر معالجتها بالتمرّد والإرتداد، جنّته ماتت يوم قررت أن تعصيه وتخطئ، يوم قررت أن تخسر شرفها ضاربة شرف عائلتها وأخواتها عرض الحائط، اليوم هو حزين على موت جنّته، سيدفنها ويرثي فقدها ومن ثمّ يمضي بحياته حاملاً سرّها وعارها فوق أكتافه الى حين مماته
« إيّاك وأن تجلب سيرتها على لسانك أمامي، جنّة ماتت ،سأدفنها اليوم على مرئ من أهل القرية، سنخبرهم بأنّنا كنّا على علم بسفرها الى العاصمة بداعي التجهيز لأوراق إنتقالها الى الجامعة، وما حصل كان حادثاً مروّعاً أودى بحياتها الطاهرة والشريفة»
« وإذ طابت، ماذا سنفعل حينها» قال علّه يحثّه على إعادة التفكير بما ينوي فعله.
فُتح باب المصعد فهمّ بمغادرته يتحاشى الإجابة على سؤال إبن أخيه، لا يريد أن يفكّر بإحتمال أن تطيب، لربما لا تستيقظ من غيبوبتها، لربما يتوقف قلبها وتموت، لربما يأخذ الله أمانته ويعفيه من مواجهة تلك الفاجعة، إذ ما يزال عنده أمانتان عليه أن يفكّر بمستقبلهن وسمعتهن...
جنّة إختارت مصيرها يوم خالفت أوامره وعصت دينها ولحقت بعدن، وهو الآن دوره بإختيار مصير أمانتيه اللتين تبقيّتا له من هذه الدنيا.
هديل وهدير....

******************************

ركن عدن سيّارته، أطفأ المحرّك وسكن داخلها يتنفّس برتابة، يحاول أن يحتوي مشاعره المتزاحمة بداخله، إنّه آخر الواصلين الى المستشفى، آخر المعزيين بموت صديقه أمان الذي خبر وفاته نزلت عليهم جميعاً كالصاعقة.
على ما يبدو أن الخبر أتاهم عند الثانية صباحاً، أمان توفي بحادث سيّارة مروّع إثر إصطدامه بشاحنة نقل محمّلة بالباطون.
حينها كان ثملاً وعاجزاً ومغيّباً عن الواقع، فلم يستوعب وقتها عقله الخبر، حتّى أنّه لا يتذكر بأنّهم أخبروه به، ولكن جهان عمد على العودة اليه صباحاً، أيقظه يخبره من جديد بأنّهم خسروا أمان بحادث سيّارة وعليه أن يصحى من سكرته ويأتي لتعزية رفاقه وعائلته.
تنهّد بعمق يفرك وجهه بعنف، فتح الصندوق الصغير بين المقعديين ينتشل بعض أقراص ( أدڤل ) مخفف للألم قذفهم بفمه يرتشف خلفهم بعض قطرات الماء، أخذ نفساً عميقاً يتفقد نفسه عبر المرآة.
عينيه حمراوتين كالدماء من أثر المشروب، وشعره أشعث من أثر النوم، وشكله مزري من أثر البكاء.
نعم لقد بكى على موت صديقه، أمان كان أوّل من آمن به وعرض عليه أن يكون المغني الرئيسي بفرقتهم، هو من فتح له باب الشهرة والنجاح، وها هو خسره دون سابق إنذار، خسره وهو بأوج نجاحه، وما يزال يخطو خطواته الأولى بسلّم الحياة.
تنشّق دموعه يخفي رأسه وبعض ملامح وجهه بقبّعة سترته ونزل من السيّارة مسرعاً نحو الداخل، غمس كفّيه بجعبتيه، وضع الأرض نصب عينيه وسار نحو المدخل يرجو أن لا يتعرّف عليه أحد، حسناً، هذا ثمن الشهرة التي يجدها في بعض الأحيان خانقة تحشر أنفها في كل مجريات حياته العامّة والشخصية.
تعدّى كاميرات الصحافى يتنفّس الصعداء عندما لم يتعرّفوا عليه ساهين بالأحاديث الجانبية، لربما لم يتوقعوا قدومه بهذه الهيئة المزرية، إذ يبدو كالمتشردين.
أسرع بخطاه نحو المصعد ممتناً لجهان الذي لقّنه كل المعلومات التي يحتاجها للوصول الى المكان الذي تجتمع فيه عائلة وأصدقاء أمان.

رفع رأسه لحظة فُتح الباب مصدوماً برؤية عمّه وأخيه، تراجع بضع خطوات يناظرهما بعينين متوسّعتين، لا يستوعب عقله سبب وجودهما، هل وصلهما خبر وفاة أمان فقلقا على سلامته؟
هل وأخيراً لانت قلوبهم وقرروا أن يصالحوه، يتقبلوا حياته الجديدة، يعاودون إحتضانه للعائلة بعد أن نبذوه وأنكروه.
ومن دون سابق إنذار، وقبل أن يستوعب الحاصل كان تحت قبضة ثائر الثائر، قبض على تلابيب قميصه يلكمه على وجنته بعنف يستطعم بالدماء داخل فمه، ضربه وضربه ومن ثم دفعه عرض الجدار خلفه هادراً به« أيّها الملعون، العديم النخوة والضمير، أيّها الديّوث، كيف سوّلت لك نفسك بإرسالها مع غريب بالسيّارة، كيف تسمح لها بالصعود بسيّارة رجل غريب وحدها في منتصف الليل» لكمه ودفعه عرض الجدار من جديد متابعاً« كيف تسمح لنفسك بلمسها، كيف تسمح لنفسك بتنديس برائتها، كيف تسمح لنفسك بتدميرها وتلويثها بعد كل ما فعلته بها، أيّها الملعون»
تجمّع الناس حولهما يحاولون إبعاد ثائر عن عدن، مستغربين المشاحنة الحادثة.
أبعدوا ثائر بالقوّة، وهو راح يقاومهم يحاول التحرر منهم ولكنّه عاد وسكن يتلفّت حوله بذعر يتفقد الحاضرين شاكراً الله على عدم وجود الصحافة الممنوعة من دخول المستشفى، والاّ كانت هذه المواجهة ستصبح فضيحة الموسم.
« ممنوع التصوير» صاح بأحدهم ينتزع الهاتف من يده هادراً به« أإلى هذه الدرجة أصبحت خصوصيات الناس مباحة لديكم، إنّنا في مشفى يا هذا، تحلّى ببعض الإنسانية» قلّب بالهاتف الى أن وجد الفيديو، حذفه وأعاده اليه يخاطب الجميع« إنّها مسألة عائلية، لو سمحتم تفرقوا» ومن ثمّ جذب عدن من ذراعه يدفعه نحو المصعد وعمّه خرج يخبره بنبرة مهتزة« أنت سافل ومنحط الأخلاق، وأقسم لك بأنّي لو كنت أحمل سلاحي معي لكنت أرديتك قتيلاً الآن وفي هذه اللحظة، من هذه اللحظة أنت بالنسبة لي ميّت تماماً كجنّة»
هربت الدماء من وجنتي عدن لا يتسوعب كلام عمّه، ماذا حصل لجنّة؟
ولماذا يقول ثائر بأنّها كانت بسيّارة أمان؟ ما الذي كانت تفعله بسيارة أمان؟
إهتزت مقلتيه يشعر بجسده ينتفض بعنف، هل كانت جنّة بالسيّارة وقت الحادث؟
ماذا حدث لها، هل هي بخير؟
أنت بالنسبة لي ميّت كجنّة.
جنّة ماتت!
لا، لا أرجوك يا الله لا، الاّ جنّة، سيموت من بعدها، أي شيئ، أي شيئ الاّ جنّة، الاّ جنّته.
إهتزت ساقيه عاجزتين عن حمله فإستسلم لوهنهما يجثو أرضاً على ركبتيه ويديه، شهق شهقة شعر بها تمزّق رئتيه وشرايينه، عاجز عن إحتمال كميّة الألم التي إغتالته فجأة، المٌ يفوق أي الم شعر به من قبل.
الصق جبهته بالأرض ينوح ويبكي كالأطفال، غير عابئٍ لمن يسمعه ويراه، جنّة هي الفتاة التي كانت برفقة أمان بالسيّارة عندما حصل الحادث المروّع، إنّها الفتاة المجهولة الهوية التي الجميع يتحدّث عنها ولم يكلّف أحد خاطره بالسؤال عن حالها، بحيث كان قلقهم جميعاً موجهاً إتجاه أمان، مفجوعون بموته، أمان عازف جيتار الفرقة المشهورة، معبودة الجماهير.
مرغ رأسه بالأرض ينوح فقده، يتردد صدى نواحه في الأرجاء، وثائر التزم الصمت يشاهد إنهيار أخيه الأصغر بحسرة، حزيناً على حاله ووضعه، إذ عمّه محق، هم خسروا عدن يوم طرده والده من المنزل ووقع طريح الفراش بسبب أزمة قلبية أصابته بسببه، دمّر عنفوانه وتجرأ على عصيانه، وأحرق وجدان والدته ووالده الذي كان يعمل ليلاً نهاراً كي يؤمّن له أقساط جامعته فخوراً بإبنه المهندس، مهندس لم يتخرّج، داس على شهادته تحت قدميه وركض خلف الشهرة والعربدة.
جثى قبالته يشعر بقلبه ينخلع من مضجعه، عاجز عن تحمّل إنهياره هذا، وعاجز عن مواساته، رفع بصره يشاهد عمّه يغادر المستشفى كأنّه لا يطيق أن يبقى للحظة إضافية بحضرته.
وبعد تردد لم يدم طويلاً، بسط كفّه على كتف أخيه يهمس له« لقد كنت الى آخر لحظة أؤمن بأنّك ستعود الى صراطك المستقيم، ستفيق من سكرتك وتفرّق بين الحق والباطل، ولكن بكل أسف، لقد خيّبت أملي بك، تماماً كما إستمريت بتخييبه مرّة تلو الأخرى لطوال الشهور الماضية، بحيث أتقنت فنّ الكذب والخداع، ومن ثمّ إمتدّت جذور جبروتك لتطال إبنة عمّك المسكينة، التي ما كانت تستحق أبداً ما أقدمت على فعله بها» صمت لبرهة يمسح دمعة غادرة من مقلته مردفاً بصوت مخنوق« يا خيبتي بك ويا حزني عليك، فأنت الآن حقّاً أضحيت إيدن، بحيث عدن مات اليوم بحق بالنسبة لي، وسأدفنه كما سيدفن عمّي جنّة»

تركه بأرضه وغادر المستشفى لاحقاً بعمّه، على أمل أن يوصله الى القرية ويعود الى جنّة، جنّة التي ما يزال لا يعلم كيف سيحل عقدتها ويقنع عمّه بعدم نشر خبر وفاتها.
******************************

وبقي عماد على عناده، وصل الى القرية وأخبر عائلته بأنّ جنّتهم ماتت، قتلت بحادث السيّارة ولأنّ الحادث تسبّب بتشوّهات عقيمة بوجهها وجسدها، سيتم غسلها بالمستشفى ودفنها مباشرة بمدفن العائلة بالقرية دون أن يسمح لأحد برؤيتها.
وبالرغم من معارضة ثائر للحاصل الاّ أنّه لم يتمكن من فتح فمه والتعليق، بل وجد نفسه مضطّراً للصمت مؤكّداً كلام عمّه الذي نزل على الجميع دون إستثناء كالصاعقة، جنّة كانت محبوبة الجميع، زهرتها اللطيفة التي كانت تغمر العائلة بعبيرها الفوّاح، رقيقة ذكية وحنونة دون إستثناء.
وبعد ذلك حصل كل شيئ سريعاً، بعد صلاة الظهر إجتمع الناس في حديقة المنزل وقادوا التابوت الذي يحوي جثّة جنّة الوهمية وقاموا بدفنها وأقاموا العزاء والجميع بحالة صدمة، لا يفهمون ولا يستوعبون كيف أن زهرة بأوّل عمرها تموت هكذا في ريعان شبابها، كيف أن حوادث السيّارات إزدادت حصيلتها مؤخراً، وكيف أنّهم دائماً يخسرون خيرة شباب القرية والقرى المجاورة بحوادث مماثلة دون أن يتّعض أحد من القيادة بسرعة ورعونة.

وعند المساء بعد صلاة العشاء غادر آخر نفر معزّي تاركين العائلة المحزونة تنعم ببعض الخلوة، شقيقتيها هديل وهدير لم تتوقفن عن البكاء للحظة، تجلسن بجوار والدهن الذي إحتضن كل واحد تحت إبط يبكي فقده، نعم، لم يحاول كبت دموعه، بل أطلق لها العناء يبكي فقيدته وبكره، جنّته التي كانت دائماً تذكره بوالدتها المرحومة التي فقدها منذ سنتين بمرض عضال فتك جسدها وسرقها منهم على غفلة.
حنانها الجارف إتجاه الجميع، إهتمامها بخدمته وتلبية طلباته دون تأفف أو تذمر، بل كانت تنتظر عودته من محل الكهربائيات المتواضع الذي ورثاه هو وأخيه كامل عن والدهما الشيخ عبد الكريم عقيل، فكانت تنتظر عودته مساءً كي تحضّر له عشائه وتجهّز له المياه الساخنة للإغتسال ولا تنام الاّ بعد أن تطمئن عليه كليّاً.
جنّته غدرت به، صفعته بعنف، ركلته بخاصرته ركلة قاضية، مزّقت تربية تسعة عشرة عاماً وبعثرت شرفه، جنّته عصت وكذبت وخانت وتخلّت، جنّة ماتت، نعم جنّته ماتت وله الحق برثائها وبكائها والنواح عليها.
إحتضن إبنتيه يلثم رأسيهن بحنان وهنّ إحتضنّه بتملك تبكين فقدهن على صدره، أختهن العزيزة وأمّهن التي إتخذت على عاتقها ذلك الدور بجدارة بعد وفاة والدتهن.
« أريد فقط أن أعلم ما الذي ذهب بها الى العاصمة دون أن تخبر أحد منّا؟» سألت هديل للمرّة المئة وهدير تململت هاربة من نظرة أختها الهائمة والحزينة، هل تخبرها بأنّها كانت تعلم بذهابها، بأنّها ساعدتها على إخفاء الأمر.
هي من ساعدتها على الذهاب، أعطتها مصروفها كي تدفع أجرة السيّارة التي ستأخذها، ولم تحاول أن تمنعها أو تنصحها بعدم الذهاب، جنّة كانت حزينة جداً ومنهارة تماماً، وكل ما كان يدور ببالها هو الذهاب الى العاصمة ومقابلة عدن، علّها تتمكن من إقناعه بالعودة لنيل رضى عائلته من جديد، لربما حينها ستعود حقبة الإستقرار التي كانت تنعم بها العائلتين.
ولكنّها إذ فتحت فمها وتكلّمت لن تتوقف الأسئلة، ولربما والدها يثور عليها ويعاقبها، ليس مهم السبب الذي دفعها للذهاب، المهم أنّ جنّة ذهبت ولم تعد، ذهبت الى المدينة وماتت، لقد فقدوها، ومهما حصل ومهما قالوا لن يتمكن أي شيئ من إعادتها.
« لن نتحدّث بهذا الموضوع أبداً يا بنات» تمتم عماد يمسح دموعه السخية«لقد أخبرت عمّكم وبقية العائلة بأنّنا كنّا نعلم بأمر ذهابها، بأنّها ذهبت بظرف طارئ كي تقدم بعض الأوراق الضرورية التي طلب منها للإنتقال الى جامعة العاصمة» صمت لبرهة يرتشف بعضاً من أنفاسه المتحشرجة مردفاً وهو يمسح على صفحة وجهه« لكل من يسأل، أختكم ماتت في طريق عودتها الى القرية ولكنهم تأخروا بإخبارنا بالموضوع لأنهم لم يتوصّلوا لهويتها الاّ متأخر»

*********************************

إنتظر حتّى أظلمت السماء من حوله ونزل من السيّارة الى السكون الكئيب الذي يحيط بالمنطقة، صمتٌ يعكّره صرير الزيز ونقيق البومة وحفيف أشجار السرو والشربين المحيطة بالجبّانة.
قشعريرة سميكة إنتشرت تحت جلده تنتفض على إثره شعيراته الدقيقة، أغمض عينيه المرهقتين يتنشّق بعمق وشق دربه وسط القبور ناشداً مقبرة العائلة.

لقد فقدها، فقد حبّ طفولته وعشق مراهقته وهوس أشهره الأخيرة، فقد جنّته بعد أن طردته منها منذ ثلاثة شهور، ثلاثة شهور شعر خلالهم بالحياة خالية خاوية، باردة وقاسية، كجحيم ينهش بروحه وكيانه، لقد كان غاضباً جدّاً منها، غاضب لدرجة أنّه ما كان يطيق سماع إسمها، ولكنّ غضبه الآن يفوق غضبه حينها، الآن يشعر بالعجز يكبّله، بالحزن يغمره، بالقهر ينتشر بصدره، لقد غادرت وتركته، تركته غاضباً، غاضباً ولكن ليس كارهاً، إذ بالرغم من كل شيئ، لا ينكر بأنّه حاول كرهها، حاول نسيانها والمضي قدماً بحياته، حاول وبكل أسف عجز.

جثى أرضاً بقرب قبرها الحديث العهد قابضاً على حفنة من التراب الرطب بين أنامله يبكي وينوح، يشهق كطفل صغير فقد عائلته بأكملها.
إستلقى بجوار قبرها يخاطبها بين شهقاته« سامحيني، أرجوك سامحيني، أعلم بأنّي أذيتك، ولكن صدّيقيني بأنّي فعلت ذلك عن غير قصد، عشقك دفعني للهوس والجنون، وأنت أكملت علي بشكِّكِ بي وعدم ثقتك، بغيرتك العمياء وتقلّبات مزاجك المجنون، وتهديداتك الدائمة بالتخلي عنّي، حتّى أضحت علاقتنا أشبه بالمنطقة الوسطى ما بين الجحيم والجنّة، يوماً تذهبين بي الى هنا ويوماً الى هناك»
دموعه غزيرة وشهقاته مريرة وأنامله تنبش تراب قبرها دون وعي منه، إندس بالتلّة الصغيرة يحتضنها يدفن رأسه بالتراب الرطب تزكّم رائحته أنفه، مرغ رأسه فيه يتمنى أن لا يصحى، أن يموت قبل طلوع الشمس فيدفنونه هنا معها، بذات القبر، لربما يُعفى من هذا الألم الذي إحتّل كيانه، ومن هذا الضجيج الذي يأبى مغادرة عقله، وصوت صراخها وغضبها خلال آخر لقاء حصل بينهما.
« أكرهك عدن، أكرهك لدرجة أنّي قادرة على قتلك بيدي هاتين» تمسّكت بتلابيب قميصه تهزه بعنف، شعرها يتطاير من حولها، مقلتيها مشتعلتين غضباً وأسنانها تصك ببعضها تحاول كبح جماح لسانها السليط.
« أتمنى لو أن عمّتي لم تنجبك لهذه الحياة، لو أنّك لم تكن إبن عمّي، لو أنّي لم أقع بعشقك منذ طفولتي، لأنّك لا تستحق، لا تستحق » صرخت بهيستيرية تطلق سراحه يترنّح جسده فإستند الى حاجب الباب يحاول فهم سبب غضبها هذا، لماذا هذا الغضب وهذه القسوة بالكلام، فهو لم يقترف أي خطأ يستحق عليه ثورتها هذه.
« ماذا حصل لك جنّة، ما هذا الجنون بحق السماء؟»
نعم، يومها إعتبر ثورتها جنون، غافلاً عن أنّها كانت آخر ثوراتها وآخر جنونها، تركته ليلتها، تخلّت عنه، قطعت آخر حبال الوصال بينهما دون أن تفسح له المجال بتبرير نفسه لها، بتبريئ ساحته من إتهامها، كأنّها كانت تفتّش عن مخرج من تلك العلاقة وعندما وجدته إنزلقت منه هاربة دون عودة، وهذا أكثر من أثار غضبه منها، كيف تتخلّى عنه بتلك البساطة، بذلك الإتهام الباطل، رافضة سماعه، كأنّها كانت خائفة من أن تجد تبريره مقنعاً فتضطر للعودة.
نعم، هذا ما فعلته جنّة به، تخلّت عنه وهو في أحلك فتراته ظلمة، وهو في أكثر أوقاته حاجة لها، تخلّت عنه دون أن تنظر خلفها أو تمنح ماضيهما وعشقهما فرصة.

موعدنا القادم إن شاء الله الثلاثاء القادم
بإنتظار أرائكم

امل القادري 04-09-19 12:28 AM

https://www.rewity.com/forum/t313401.html

affx 04-09-19 11:05 PM

جنة من مين حامل من عدن ولا امان ؟؟وكيف صارت حامل اصلا وهي مو متزوجة !!
انا كرهت عدن جدا كيف بكون بهل الالتزام وبعدين بتحول بهل الطريقة المقرفة!!
ياريت ثائر ما يترك جنة ويهتم فيها ..
متشوقة لاعرف شو حيصير ❤🖤❤

امل القادري 10-09-19 06:38 AM

الفصل الثاني

« ولكن لماذا ستعود الى العاصمة» سألت سحر تسكب الشاي في كوب ثائر الذي يأكل على عجل، لقد تأخر بالنوم، أو بالأحرى لم تغفى عينه الاّ بعد أن صلّى الفجر وعاد الى الفراش يحاول حثّ عينيه على النوم، لم يستطع التوقف عن التفكير بهول ما حصل.
ماذا سيكون مصير تلك المسكينة إذ حصل وإستيقظت من غيبوبتها، إذ ستجد نفسها مغمّسة بالمصائب حتّى الذروة، وفوق ذلك كله وحيدة وبلا عائلة، بحيث من المستحيل أن تتمكن من العودة الى هنا بعد أن دفنها والدها وأغلق القبر عليها.
« لربما لا أعود اليوم» أخبرها يقف من مكانه فوقفت هي الأخرى تتبعه متذمرة
« ولكن، لم يفت على وفاة إبنة عمّك يوم، ماذا سأقول إذ سألوا عنك، إنهم بحاجة اليك هنا»
لثم وجنتها ومن ثمّ إرتدى حذائه يخرج من الباب بإستعجال« عليّ أن أعود لدفع تكاليف المستشفى التي كانت فيها جنّة، وهناك بعض الأعمال التي سأنهيها بينما أنا هناك»
« ولكنّ» كررت تتبعه الى السيّارة
« كفى سحر» هتف يدير محرّك السيّارة، أخفض النافذة مردفاً« هاتفيني إذ إحتجتي لشيئ»
وغادر على مرأى منها، تراقب السيّارة تبتعد بتعجّب، لا تفهم سبب إستعجاله للعودة الى العاصمة بهذه السرعة.

******************************

طلعت الشمس وهو ما يزال يحتضن كومة التراب التي تطمرها، تململ يشعر بالبرد يغزو أوصاله، فتح عينيه المشوّشتين يتلفّت حوله بحيرة، يرى نفسه محاط بشواهد قبور الجرانيت، مسح على صفحة وجهه عائداً بإنتباهه الى القبر الذي يرقد فوق تلّته، ما تزال تربتها رطبة، لم يضعوا بعد فوقه شاهداً بإسمها وتاريخ ميلادها ووفاتها.
تاريخ وفاتها!
جنّة ماتت
غادرت هذه الحياة دون عودة، غادرته وأخذت معها فرحته وسكينته، أحرقته بلهيب غيرتها وشكّها سابقاً والآن حوّلته الى كومة من رماد غير صالحة لشيئ، غير صالحة سوى لتلويث الأسطح اللمّاعة، نعم، فهو الآن لم يعد سوى عاقّاً لوّث واجهة عائلة عقيل، بل بالأحرى لوّث واجهة عائلتي عقيل، تلك العائلة التي كانت سمعتها الطيّبة والنظيفة والمشهود لها كنزها الوحيد، فخرها بين أهل القرية، أحفاد الشيخ عبد الكريم عقيل وولديه عامر وكامل عقيل، عمّه ووالده، اللذين بدورهما تخرّجا من المدارس الدينية وتعلّما على أيد كبار شيوخ البلد.
ومن ثمّ هو وأخيه ثائر، وبنات عمّه الثلاث جنّة وهديل وهدير، كذلك الأمر تعلّموا جميعاً حتى الصف التاسع بالمدارس الدينية ثمّ إنتقلوا بعد ذلك للمدارس الرسمية ولكن ليس قبل أن حفظوا القرآن والسيرة النبوية.
وبعد هذا كلّه يأتي عدن ويخسف كل ما تعلّمه منذ الطفولة تحت سابع أرض ويتبع شياطينه التي أغرته كي يسعى خلف المال والشهرة، غافلاً عن الثمن الباهظ الذي عليه أن يدفعه مقابل شهرته تلك، شهرة لم تفسح له مجالاً للتنفّس، بل وجد نفسه يعتلي سلالمها دفعات دفعات دون مجهود يذكر.

لقد تمّ نبذه من العائلة والقرية، طردوه وتبرّوا منه، جرّدوه من كل شيئ وبمن فيهم جنّته، جنّته التي أضحت فيما بعد جحيمه الذي قسم ظهره عندما قررت هي الأخرى أن تتخلّى عنه.

وقف من مكانه عاجز عن حجب بصره الغائم عن قبرها، تنشّق دموعه ينعي قلبه الذي بدأت تتباطئ خفقاته،
يتلفّظ أنفاسه الأخيرة،
اليوم بإمكانه أن يقول بأنّ قلبه مات، مات حسرةً وحزناً، مات لإفتقاره لروحٍ صعدت الى السماء وجسدٍ توارى تحت التراب من دونه، قلبه الآن أضحى مجرّد آلة تضخ الدماء بجسده كي تبقيه على قيد الحياة قسراً.
« لقد رحلتي دون أن تعتذري أو تعذري،
رحلتي وتركتني أكتوي بنيران غضبي وحزني ومأساتي،
رحلتي وأخذتي معك فرحتي وألواني وأحلامي،
رحلتي وتركتني هنا مجرّد جسد خاوي لا يرغب بشيئ من بعدك
فكيف بي أمضي وأنا أشعر بنفسي مكبّل الروح والقلب ومفتاح أقفالي قابعة بين كفّيكِ.
رحلتي،
نعم رحلتي وتركتني خلفك أغرق بظلماتي وخطيآتي ومعصياتي.
رحلتي دون إكتراثٍ لمصيري من بعدك »


تنشّق دموعه الجافّة بمقلتيه يلقي نظرة حانية أخيرة على قبرها،
يودّع روحاً وقلباً تخلّيا عنه، يأبيان مفارقتها، وشق دربه عائداً الى سيّارته، إعتلاها ساكناً بداخلها،
وماذا الآن؟
فهو من دون جنّته سيبقى هائماً ضائعاً، يفتقد
لحضنٍ كان يحتويه وقلباً كان يحيه، وروحاً كانت تنير دروب ظلماته العاتية بأروع الوان قوس قزح.

الى أين الآن؟

*****************************

« تفضّل بالجلوس» طلب دكتور حدّاد من ثائر يقلّب بالملف بين يديه، أخرج منه ورقة وقدّمها له مردفاً« بالحقيقة، البارحة لم يتسنى الوقت لإخباركم بخصوص ما وجدناه بتحليل دمها.»
إطّلع ثائر على الورقة يقرأ التقرير فيه، تجهّمت ملامحه لا يستوعب عقله ما يقرأه، رفع بصره ينتظر شرح الطبيب الذي بادر قائلاً« لقد وجدنا مادّة مخذرة بدمائها، وبعد أن أقدمنا على تحليل طبيعتها إكتشفنا أنّها حبوب إغتصاب، يستعملها شباب الأيّام هذه مع الفتيات، بحيث تبقى الفتاة صاحية ولكنّها بكل أسف لا تعي ما يحصل من حولها، وعندما يزول مفعولها من المستحيل أن تتذكر ما حصل لها.»
« ماذا تقصد بقولك، دكتور؟» سأل ثائر يعيد قراءة التقرير من جديد، لا يفهم سبب وجود هذا النوع من المخذّر بجسدها.
« سيّد ثائر» قال الطبيب يقف من مكانه، ترك مقعده يجلس قبالته، ربّت على ركبته يقول بنبرة متعاطفة« أعتقد أن هذا الشاب الذي كان برفقتها بالسيارة لم يكن شريف الغرض والنيّة»
« أمان!» وقف ثائر عن مقعده يشعر بأنّ جدران المكتب تضيق عليه.
أيعقل هذا؟
أمان دسّ لها المخذر؟
والى أين كان ذاهباً بها في ذلك الوقت المتأخر من الليل؟
وأين كان عدن في هذا الوقت؟

«بكل أسف، أمان مات بالحادث، ولن نستطيع معرفة ما حصل بالتحديد الاّ بعد عودة السيّدة جنّة لوعيها.»
تعود لوعيها!
ماذا سيكون مصيرك يا جنّة إذ إستيقظتي؟
بل بلأحرى، ما الذي شهدتي عليه قبل أن تستسلمي لغيبوبتك هذه؟
« ما هو وضعها الحالي؟»
« ما تزال تنازع، هناك بعض الكسور والرضوض المتفرقة بجسدها، ولكنّ قلقي الوحيد الآن هو إصابة رأسها.»
ومأ ثائر يوكّل أمرها لله، ويرجوه أن يرحمها من ما هي فيه« سأترك رقم هاتفي كي يرفق بملفها، ولقد دفعت دفعة من المبلغ المطلوب، سأحاول أن لا أغيب طويلاً عنها، ولكنّي أتمنى أن تتصلوا بي في حال تبدّل وضعها الصحي، بأي وقت لا يهم.»
« لا تقلق سيّد ثائر، أنا أقدّر وضعك الأسري والعائلي، أعدك بأنّي سأهتم بها كأنّها إبنتي.»
« جازاك الله خيراً دكتور» أتى ردّ ثائر المقتضب يلتفت ناحية الباب عندما طُرق ودخلت منه الممرضة تطلب الدكتور لغرفة المعاينة فودّعه وذهب كلٌّ منهم بحال سبيله.

**********************************

دخل غرفة العناية الفائقة لرؤيتها قبل أن يغادر
وقف بقرب سريرها يتأمّل ملامحها الساكنة بحزن يفيض من مقلتيه.

تأمّلها لا يصدّق بأنّ هذه هي جنّة التي كانت تملأ المنزل بالحياة.

تنهّد بحرارة يقبض على كفّها البارد والهزيل بكفّه المغطى بقفّازٍ طبّي أزرق،
عاجز عن دفع ذلك الشعور الذي يتملّكه منذ عرف بمصابها.
الشعور بالذنب
يتساءل، متى توقّفت جنّة عن اللجوء اليه؟
متى توقفت عن الثقة به؟
لطالما كان ملجأ شكوتها
وخاصّة إذ كان الأمر يتعلّق بعدن

كانت دائماً تشكيه اليه
لأنّها كانت دائماً تثق بأنّه سينتزع حقّها منه من بين عينيه .
شرد بفكره، تأخذه ذاكرته الى طفولتها، عندما كانت في التاسعة من عمرها، تصغر عدن بسنتين فقط، ولكنّها كانت تشبهه بكل شيئ، شكلاً ومضموناً، بعنادها وإندفاعها وحنانها.

يومها، رآها تخرج من منزل عائلته الى الحديقة التي تضمّ منزليهما المنفصلين بإندفاع، عابسة الوجه متجّهمة الملامح، بجدائلها السوداء الطويلة وعينيها الواسعتين الداكنتين وبشرتها القمحية، نسخة أنثوية عن عدن كأنّها شقيقته التوأم، وكيف لا تكون كذلك طالما ما يجمعهما هو تلك القرابة المتينة الأسس.

إبتسم يناديها« جنّة»
وهي إنفرجت أسراريها عندما سمعت صوته تركض اليه، وقفت قبالته ترمقه بعينين تفيضان بالكلام فسألها .
« ما بك؟»
تمايلت بجسدها يمينا وشمالاً وهي تلعب بظفيرتها تفكّر لبرهة قبل أن إنطلقت بالبوح عن مكنونات صدرها.
« إنّه عدن، لقد طردني من غرفته، لا يريد أن يلعب معي، أنا غاضبة منه جداً، فهو دائماً يرفض اللعب معي، ويصرخ بوجهي، ويفسح المجال لرفاقه بالسخرية منّي» تمتمت بعباراتها الأخيرة بخنقة توشك على البكاء، تضغط على نقطة ضعفه.
أمسك بيدها وقادها بجواره عائداً بها الى المنزل، يتوعّد لعدن، إعتلى السلالم يهتف بإسمه.
« عدن !!! »

فتح ثائر الباب يناديه من جديد، وجنّة إختبأت خلفه تسترق النظر الى عدن الذي قفز عن السرير يستقبل أخيه بتساؤل، ولكنّه سرعان ما أدرك سبب غضبه، تلك الواشية، لقد نفّذت تهديدها.

« ما هذا الذي أسمعه عنك، لماذا تفسح المجال لرفاقك بالسخرية منها، كيف تسمح لنفسك بترك الأولاد الآخرين يعنّفونها وأنت لاهي باللعب مع أصدقائك.»

هتف ثائر به يرمقه بغضب وهو فغر فاه بصدمة متفاجئاً من إتهامه له ، هو أبداً لا يسمح لأحد بالإقتراب من جنّة بأي شكل من الأشكال .

وهنا خرجت جنّة من خلف ثائر الثائر، مطأطأة الرأس تفرك كفّيها ببعضهما متمتمة بنبرة بالكاد مسموعة « إنّه فقط لا يلعب معي ، فهو دائماً يدافع عنّي، لا أحد يجرؤ على ألإعتراض لي بوجوده »
رفعت بصرها اليه ترمقه بعينين دامعتين متمتمة بغصًة « إنّه يحب أصحابه أكثر منّي ، يهتم بهم أكثر منّي »

هزّ ثائر رأسه يتأمّلها بعشق تام، هذه الصغيرة تذيب مشاعره وتبعثرها،
جثى قبالتها يمسح دموعها الغالية، رمقها بإبتسامة طيبة وحنونة « أيّتها الكاذبة الصغيرة، لم يطاوعك قلبك على أذيته فإعترفتي بذنبك سريعاً، وماذا تريدين منه أن يفعل ؟؟ يترك أصدقائه ويلعب معك طوال الوقت ؟؟»

ومأت له برأسها ومقلتيها الداكنتين تلمعان كنجمين وسط عتمة الليل وهو إسترسل بالضحك يهز برأسه ، فرك فروة رأسها يشعّث شعرها الأسود الكثيف ووقف من مكانه يولي إنتباهه الى عدن، الذي كان يراقبهما عاقداً حاجبيه بغضب .
« إهتم بها يا عدن، إنَّها أختك الصغيرة يا ولد » وخرج من الغرفة تاركاً إيّآها بمواجهته وحدها .

كتّف عدن ذراعيه عند صدره بحركة غاضبة هاتفاً بها « أنت سيئة الطباع يا جنّة، عنيدة، كاذبة وواشية، الذي يكذب يدخل النار وأنا متأكد بأنّك ستدخلين النار »

شهقت تحدّق به بعينين متوسّعتين، إقتربت منه هاتفة « سأدعو الله أن يسامحني وسيفعل لأنّه يحبني ومن ثم سأدعوه أن يجبرك على أن تحبّني كثيراً لدرجة أن لا تحب أحد أكثر منّي الى الأبد » أخبرته ماطةً شفتيها بحركة طفولية بريئة .

« ومجنونة كذالك الأمر بلا شك » أضاف عائداً الى سريره يكمل جولته بلعبته الإلكترونية، وهي تبعته جالسة بقربه، لصقت كتفها بكتفه تراقب ما يفعله بإهتمام شديد.

**********************************

قصّتهما مزدحمةٌ بالقطع المتكسرة
المتناثرة من حولهما،

بطفولة بريئة
بمراهقة مشحونة بالأمل والحب والعاطفة

بظلمة تسللت الى حياتهما بخبث
بعاصفة هوجاء قلبت موازين حياتهما
بخيارات خاطئة،
بحقائق قبيحة يخجلان حتّى من تذكرها
وبنهاية مخزية ومؤلمة غير متوقعة- لتلك الحقبة-.

***. ***. ***.

جنّة لعدن وعدن لجنّة
هذا ما وعيّا عليه منذ طفولتهما

يسمعان والدتيهما تتحادثان بنبرة يشوبها الفخر
أنظري اليهما، يتصرفان كالأزواج منذ الآن

هي تعانده وهو يغضب
هو يعاندها وهي تغضب
وبعد قليل يتصالحان ويعودان أحباب.

ومن ثمّ تخطيّا مرحلة الطفولة البريئة بكل لحظاتها السعيدة والبريئة
وإنضمّا الى صفوف المراهقين

وما زالت جنّته
وما زال عدنها

علاقتهما كانت أشبه بالشد والجذب
يتشاجران على أتفه الأسباب ويتصالحان دون إعتذارات

يغار عليها من النسمات العليلة التي تداعب أهدابها
يثور ويشتعل مهدّداً إذ لاحظ أحدٌ من زملائها يحاول التقرّب منها
حتّى أضحى لا يتجرأ أحدٌ على النظر بإتجاهها

وكانا سعيدين
هي سعيدة به
بإهتمامه
بغيرته
بجنون عشقه

وهو سعيد بكل ما تحتويه من مميزات
يعشق أدق تفاصيلها
يتغنّى بخصالها
ولا يرى إمرأة غيرها

الى أن بدأت الوان قوس القزح تبهت تدريجياً بحياتهما
تبهت بطريقة خبيثة لا تدفع للشك والريبة
تتسلل الظلمة من بين ثنايا البراءة ليحل مكانها الشك والظن وإنعدام الثقة

الى أن سَئِمَتْ التسلل بخبث وإنقلبت الى عاصفة هوجاء بين ليلة وضحاها
تكاثرت خلالها الغيوم محيلة السماء الزرقاء، الى سوداء قاتمة

ومن بعدها أصبحا ينازعان كالغريقين يفتّشان عن قشّة يتشبّثان بها للحفاظ على ما تبقى منهما.

**************************************

تفقدت هاتفها للمرّة المئة،
آخر رسالة أرسلتها له كانت منذ ساعة ونصف الساعة، وكان ردّه حينها بأنّه سيكون بالمنزل بعد ساعة.

غداً حفل خطوبتهما، إذ وأخيراً قرّر والدها وعمّها إعلان إرتباطهما الرسمي، بحجّة دفع عدن لتحمّل المسؤولية والبدئ في التفكير بإنشاء عائلة، خاصّة بعد أن إنضمّت الى ذات الجامعة التي يدرس فيها عدن، تخرّجت من ثانوية قريتها التي تضم أفراداً بسطاء يشبهونها بكل تفاصيل حياتها لتنتقل الى عالم ثاني مغاير تماماً لعالمها الذي نشأت وسطه، جامعةً دولية تحتوي خليطاً من الشعوب المختلفة الأديان والعقائد والجنسيات.

ولهذا السبب بالذات قررت عائلتيهما إعلان خطوبتهما رسمياً كي يضمنوا أمانها وحمايتها بذلك العالم الواسع والمتنوع.

زفرت بضيق تتمطت بجسدها علّها تتمكن من رؤية الشارع والسيّارات المارّة من أمام الحديقة المشتركة لمنزليهما بوضوح.
لا تطيق صبراً لعودته الى المنزل.

« جنّة، الا تشعرين بالبرد» هتفت أختها الصغرى من داخل الغرفة« هيّا أدخلي وأغلقي الباب خلفك، لقد تأخر الوقت»

إنّها الإبنة الكبرى بالعائلة ولها أختان أصغر منها هديل وغدير، ثلاث بنات يرى والدها النور من أعينهن ولا يفوّت فرصة الاّ ويردد فيها على مسامعهن جابراً خواطرهن .
وماذا يتمنى المرء لأخرته أكثر من وعدٍ بإعتاق من النار
مستعينا بالحديث الشريف ( عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة»
التفتت الى هدير تراها تحتمي خلف الباب من لفحات البرد الطفيف التي تجتاح القرية خلال فترات الليل هاتفة بها « نامي أنت، أنا لن أنام قبل قدوم عدن».
فأخرجت رأسها من شق باب الشرفة تقول« ستظهر أثار السهر على ملامحك غداً، وعندها ستفقدين رونق جمالك، وستندمين، لأنّ تلك الأثار ستُحفظ ذكراها الى الأبد بالصور الفتوغرافية»
« لا يهمّني، لقد بدأت أقلق، أقسم لك، بأنّه إذ لم يكن لديه سبباً وجيهاً لغيابه سأقتله، سأقتله بيدي هاتين» قالت تجز على أسنانها بغضب.

طنّ هاتفها يعلن وصول رسالة نصيّة فسارعت لتفقده.

- جنّتي
إعتذراتي لعينيك الساهرتين
وقلبك المتلهّف
وروحك المشتاقة
لقد تعذّر علي مغادرة رفاقي باكراً.
نصف ساعة وأكون عندك
وعد.

تجهمت ملامحها حائرة بأمر قلبها الخائن، إذ بالرغم من غضبها منه الاّ أنّها عجزت عن كبح إبتسامتها البلهاء التي إرتسمت فوق شفتيها وهي تقرأ كلماته العذبة التي تشعر بها تدغدغ روحها بألطف المشاعر.

لو أنّها فقط مجنونة درجة واحدة إضافية لكانت عاقبته بتأجيل الخطوبة، ولكنّ هذا الأمر سيكون عقاباً لها قبل أن يكون له، إذ أنّها متلهفة أكثر منه، بحيث بتلك الطريقة ستضمن تسميةً لعلاقتنا، طامعة بعطف والدها، لربما يصبح أكثر تسامحاً معهما،ويفسح لهما المجال بمجالسة بعضيهما لفترات أطول، إذ تجده يقف لهما دائماً بالمرصاد، ويناديها من الحديقة حالما يعلم بقدوم عدن الى المنزل.
ولكنّها لا تتذمر، بحيث تعلم خير علم، بأنّه لا يفعل ذلك بسبب إنعدام ثقته بهما، بل دائماً يبرر لها بأنّه لا يريد للناس أن يتحدّثوا عنّهما بالسوء، ولا يريدهما أن يغضبا الله بإقترابهما الشبهات.

ضمّت الهاتف الى صدرها تتنهّد بإبتسامة حالمة، ناسية غضبها، تتطاير لهفتها للغد وما يحمله لهما من فرحة منتظرة، غداً ستصبح خطيبته، وسيتم عقد قرانهما شفوياً في سبيل جعله محرمها أثناء ذهابها وإيّابها معه الى الجامعة.

دلفت الى غرفة نومها، جلست قبالة المرآة تتأمّل ملامحها المتورّدة بإبتسامة لذيذة تزّين محياها.
جذبت حجابها عن رأسها تفرد خصال شعرها بأناملها، تتخيّل ردّة فعله عندما سيراها من دون حجاب،
هل سيتفاجأ بمنظرها؟
هل سيحب ما آلت اليه؟
إذ آخر مرّة رآها من دونه كانت في الثانية عشر من عمرها، حينها كانت والدتها دائماً تظفّره لها كذيل حصان.
إبتسمت لإنعكاس صورتها، تحاول رؤية ملامحها من خلال عينيه.

إرتعشت أوصالها عندما سمعت صوت محرك سيّارته بالتزامن مع طنين هاتفها يعلن وصول رسالة نصية.
-أنا بالخارج
رفعت حاجبها تبتسم لنفسها بخبث وهي ترد على رسالته
- لقد نمت
فوصلها الرد حالاً مع وجه أحمر غاضب
- ماذا
لقد تركت أصحابي باكراً كي الحق رؤيتك قبل أن تنامي
إنزلي حالاً والاّ صعدت اليك بنفسي

أعادت عقد شعرها وغطّته بشالها، لقحت عبائتها السوداء فوق منامتها الصيفية وتسرّقت خارج غرفتها تشاهد هدير أختها الصغرى تطل برأسها من خلف باب غرفتها التي تتشاركها مع هديل أختها الوسطى.

« لقد أتى» همست هدير بغبطة
« نعم أعلم، سأنزل اليه، خمسة دقائق وأعود» أخبرتها تغلق باب غرفتها بهدوء وتسحّبت تنزل السلالم بخبث كي لا توقظ والدها.
فتحت الباب وخرجت اليه تراه ينتظرها كعادته تحت الشجرة التي تظلل نافذة غرفتها، تلتهم العتمة ملامحه الحبيبة.

« لماذا تأخرت؟» إستقبلته متذمرة
« إشتقت اليك» تجاهل سؤالها يقدّم لها وردة.
تناولتها تقربّها من أنفها بعفوية، تنشّقت عبيرها بعمق ناسية غضبها منه، ولكنّها سرعان ما إستعادته تعاتبه
« غيابك الغير مبرر في الفترة الأخيرة أضحى يضغط على وتري الحساس عدن»
ضحك برفق يتخذ خطوة خطيرة إتجاهها يلتهم تفاصيلها الحبيبة بإشتياق، يراها تتراجع مقابل خطواته، مصرّة على عدم الحياد بنظراتها عن نظراته المشتعلة بعاطفته،
إحتضنت نفسها تحاول إخفاء تلك الإرتعاشة التي غزت أوصالها تتمتم « لا تبدأ بحركاتك الصبيانية هذه»
« أي حركات» إقترب خطوة أخرى
« أنت تعلم ما أقصده» تراجعت مقابلها خطوة
« لا، لا أعلم» إقترب
دفعته من صدره بكفيها وهربت من أمامه الى المنزل تغلق الباب خلفها وهو إكتفى بمراقبتها تهرب من أمامه بإستمتاع.
إرتسمت فوق شفتيه إبتسامة ماكرة يهمس خلفها« أقسم لك،
فأنا أعاني بقربك كما أعاني ببعدك،
بعدك يضنيني إشتياقاً،
وقربك يضنيني لهفةً»

affx 10-09-19 06:55 AM

انا حابة ثائر يكمل مع جنة ككوبل 🥺
اللي صار معها شي مو طبيعي اغتصاب وكمان وهي صاحية وكله بسبب الدب عدن لانه واثق بأمان واشتغل بهل الشغلة المقرفة بتمنى تطلع قلبه بايدها وتمزعه ...انا بتذكر انك نزلتي اقتباس لما راحت عند عدن وزعلها فشربها امان شي واخذها وكان معه وحدة مشتركة بهل الخطة ...
ياريت جنة تاخد حقها منهم زعلت عليها تدمرت بس لازم ثائر يحكي لعمه انه اغتصبها!!
عدن الله ياخدك 😡

منال سلامة 10-09-19 10:06 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

تسلم ايدك امل احداث مؤثرة تنبعث من ذاكرة ثائر بعد ان عرف من الطبيب ان جنة اغتصبت وهي صاحية واضح انه امان صديق سوء لعدن ....
شريط ذكريات جنة وعدن بطفولتهم يملئون البيت صخبا وضجيجا بشقاوتهم حتى كبروا وكل منهم مسمى على اسم الاخر ....
والدها الذي دفنها واخذ عزائها لم ينتظر ليفهم ويعرف اكثر عن جنة ...ثائر الان الوحيد بعد الطبيب يعلم حالة جنة وما اصابها وفي انتظارها لتفوق ويعلم منها ما حدث قبل الحادث ...

الاحداث مشوقة للمتابعة والقراءة ومعرفة ما سيحدث عند معرفة عدن بما اصاب جنة وخاصة انه يبكي امان صديقه ...
بانتظارك ان شاء الله ..موفقة ❤🌹❤

بنت سعاد38 10-09-19 09:54 PM

فصل جميل بس قصير اكيد امان السبب فالحمل بس ياترى ثائر حيقول لعدن انها عايشة ولالا وحيرضى يتجوزها وهى خلاص مش حتخلف

زهرة الغردينيا 11-09-19 05:56 PM

واضح ان عدن كان سببا فى دمار جنة
واحتمال ان يكون هو والد الطفل ....
فصل مشوق
تسلم ايدك ❤🌹🌹

Gigi.E Omar 13-09-19 01:40 AM

مين السبب في اغتصاب جنة ؟!
امان ولا عدن ..
و يا ترى جنة اما تفوق هتقول لثائر على اللي حصلها من ورا عدن !

معقول عدن يتقلب و يسيب دينه و دراسته و يجري ورا الشهرة كدا ؟؟! و موت جنة هيأثر فيه ولا هيفضل على حاله ؟!

ثائر هو الوحيد الكويس دروه هيبقى ايه مع جنة ؟!

امان شكله شيطان الرواية ..يستاهل الموت 😈

متحمسة جداا للجاي و اللي هيحصل لجنة و عدن ..

امل القادري 14-09-19 01:55 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحياتي لكل متابعيني الكرام
تحياتي لكل من ترك لي تعليقاً وتفاعل مع أحداث الرواية
وهديتي لكم فصل إستثنائي إن شاء الله السبت صباحاً 😘😘😘

امل القادري 14-09-19 06:51 AM

صباح الخير
فصل اليوم طويل، خفيف، لطيف، مليان عك مشاعر 😅😅😅
إستمتعوا بنسمات العشق الموزّعة بين زوايا هذا الفصل قبل أن نبدأ بالجد 👌🏻😉

جنّة عدن
الفصل الثالث

وقفت عن مقعدها لحظة سمعت صوت الشيخ قادماً من البهو، متبوعاً بوالدها وعمّها وثائر وبعض الأقارب.
شبكت أناملها ببعضها تشعر بساقيها ترتعشان عاجزتان عن حملها، شقيقتيها بقربها فرحتين بها حدّاً جعلها ترغب بالبكاء، تلفّتت حولها بخجل يعكّر فرحتها غياب والدتها الحبيبة، لو أنّها ما تزال على قيد الحياة لكانت الآن تقف بقربها مع هديل وهدير، لكانت ستفرح جداً بخطوبتها.

دخلت زوجة عمّها من باب الصالة تطلق زغرودة طويلة، فنهرها عمّها مؤنّباً«ماذا قلنا يا عاليا»
« دعني أفرح بإبني يا كامل، لقد غادر الرجال ولم يتبقى سوى العائلة» قالت تفسح المجال لعدن بالدخول أمامها، ولكنّها بدّلت رأيها تجذبه لحضنها تقبّل وجنته بحرارة« مبارك لك يا بني، عقبال الفرحة التامّة »
ربّت عدن على كتف والدته برفق يلثم جبهتها بحنان، ومن ثم حرر نفسه متوغّلاً داخل غرفة الجلوس حيث النسوة تجتمعن، لا يطيق صبراً للوصول اليها، يلتهمها بنظراته المشتاقة، يرى النور يشع من مقلتيها، بحجابها الزهري الفاتح وتبرجها الطفيف، وفستانها الزهري المطرّز بدانتيل يحاكي لون حجابها، جميلة وفاتنة، حبيبته التي بنظره من بعدها خلت الأرض من النساء، حبيبة طفولته ومراهقته وصباه، وإن شاء الله رفيقة شيخوخته.

أمسكت بذراع أختها تستند اليها، تشعر بوجنتيها تشتعلان خجلاً، تلحظ أن كل العيون منصبّة عليها، يراقبون أدق حركاتها، فأخفضت بصرها تناظر الأرض، تشعر كأنّ المسافة قد طالت بينها وبينه، بأنّها ستموت بأزمة قلبية قبل أن يصل اليها.
يا الله!
من يراها الآن، لا يقول بأنّها تراه يومياً وتحادثه يومياً،
تستيقظ على نغمة صوته
ولا تنام الاّ عليها
فما بالها الآن
تشعر بالخجل ينال منها
يسيطر على مشاعرها
عاجزة حتّى من النظر اتجاهه وهو يقترب منها
بهيئته الخلاّبة
وعينيه الفاتنة
وطلّته البهية
وجاذبيته التي لا تقاوم

شعرت بهدير تحاول تحرير ذراعها من قبضتها
فرفعت بصرها اليها بتساؤل لتجدها مسترسلة بالضحك« أنا أقف مكان العريس، هل أطلب منه أن يعود لاحقاً؟»
تنحنح عدن وعلت من بعده الضحكات، وهي إزدادت وجنتيها إشتعالا تدرك هفوتها، فحررتها تشاهد عدن يأخذ مكانها ومن ثمّ علت الزغاريد مرّة ثانية تقدّم سحر زوجة أخيه لهما الخواتم.

إحتوى كفّها المرتعش بين أنامله تقول نظراته ما لم ينطق به لسانه.
سأحميك بعيوني
وأفديك بنفسي
سأحافظ عليك كأنّك قطعة منّي
لأنّك قطعة منّي

تعانقت نظراتهما بنغمة عشقهما المخضرم، تشعر به يمرر الخاتم بإصبعها برفق، «وأخيراً» همس لها، فهربت منه تلهي نفسها بإلباسه خاتمه تشعر بقلبها يرفرف كجناحي عصفور داخل قفص، يناشد التحرر منها اليه.
وبالرغم من أن جميع أهل القرية يعلمون أن جنّة لعدن وعدن لجنّة الاّ أن رمز هذا الخاتم بإصبعه كان مهمّاً بالنسبة اليها، كي تضمن عدم إقتراب أي فتاة منه بأي شكل وأي طريقة وخاصّة في جامعته التي سنتظم اليها الشهر المقبل.

وإنتهت حفلة الخطوبة وغادر المدعوين الذين إقتصر أفرادها على العائلة المقرّبة فقط.
غادر عمّها وزوجته، وثائر وزوجته ووالدها خرج من الغرفة يودّع أخر زائرية ولم يعد بحجّة ذهابه لصلاة العشاء، وأختيها إستأذنتا الى غرفتهن.

وقف يتمطط بجسده، وهي تبعته بنظراتها تسأله« هل سترحل أنت كذلك الأمر؟»
« ماذا!»
ردّ على سؤالها بنبرة مستهجنة، خلع سترته وعاد يجلس بقربها يمد ذراعه على طول الأريكة خلف رأسها« أنا لم أصدق أننا أصبحنا وحدنا أخيراً» همس بنبرة شقية، يندس بها يشعر بتصلّب جسدها، يراها تندس بزاوية الأريكة.
إبتسم بخبث يدنو من أذنها هامساً« جنّتي، مالك تهربين منّي، أعدك، أنا لا أعض »
دفعته تحاول خلق مسافة بينهما تشعر بالخوف من أن يأتي والدها ويراهما بهذا القرب « لا تفعل عدن، من الممكن أن يرانا أحد، سأموت خجلاً إذ أتى والدي ورآك قريباً مني الى هذه الدرجة.»
ضحك يهز برأسه « أقسم لك بأنّي كنت أعلم بأنّك ستستمرين بصدّي حتّى بعد أن نعقد قراننا»
بهتت ملامحها لا تفهم مغزى كلامه، خائفة من أن تكون قد ضايقته بتصرّفاتها، ولكنّها حقاً خائفة، خائفة من أن تأتي إحدى أخواتها وتراهما بهذا القرب، ستظن بأنّهما يفعلان شيئاً قبيحاً، وستكون مصيبة لو والدها هو الذي يراهما، عندها ستموت خجلاً ولربما ستعجز عن النظر الى عينيه مطلقاً.
« هل غضبت؟» همست بها بنبرة متهدجة، على وشك البكاء
عبست ملامحه « جنّتي ، ما هذا الجنون!» قبض على كفّها برفق« ولماذا أغضب، حبيبتي، أنا فقط أحاول إستغلال غياب الجميع للتغزّل بك وإعلان إشتياقي لك»
رفع كفّها الى شفتيه يلثمهما ببطئ سالباً منها أنفاسها، جنّته البريئة، التي طوال مراهقتهما لم تسمح له بلمس كفّها حتّى، وبالرغم من أنّه كان يتذمر ويثير غيظها بتلميحاته، الاّ أنّه أبداً لم يتوقع منها غير ذلك، وما كان ليرضى بغير ذلك، إنّها جنّته، عرضه وشرفه، وإذ هو مسّها بالضر سيكون كمن يمس نفسه بالضر.
لثم كفّها رافضاً تحريره، يشعر بها تصارع نفسها على عدم جذبه من كفّه، رفع بصره اليها ملتحمةً نظارتهما العاشقة، تفيض مقلتيه حناناً وتفهّماً
«فرحتي اليوم تطال عنان السماء، لا تعلمين كم كنت أنتظر هذه اللحظة، لحظة يقبل والدانا بإعلان إرتباطنا، لحظة يطلبك والدي ويعلن قبوله والدك، لحظة يقول والدك « زوّجتك إبنتي على سنّة الله ورسوله» وأنا أخبره بأنّي قبلت الزواج بك ومن ثمّ المآذون يعلن زواجنا علنا»
أخبرها يحتوي كفّها بين كفّيه يعلن ملكيّته له، بأنّ كفّها هذا أضحى لمسه حلالاً مباحاً، وهي لا تملك الحق بمنعه عنه.
« ولكنّك، لكنّك تعلم بأنّ عقد قراننا هذا ليس زواجاً، بل فقط من أجل الرؤية الشرعية وإعفائنا عن إقتراف المحرمات في حال أمسكت بيدي أو رأيتني دون حجاب، أو ذهبت معك بالسيّارة الى الجامعة وحدنا، لقد شرح لي بابا هذا الأمر»
ومأ عدن يتأمّل روعتها بفخر.
« نعم صحيح، ولكنّ هذا الأمر لا يلغي حقيقة أنّك أمام الله زوجتي، حلالي، زوجتي مع وقف التنفيذ.»
إبتسمت بطلاقة « نعم، أعجبتني هذه التسمية، زوجتك مع وقف التنفيذ»
التفتا كلاهما ناحية الردهة عندما سمعا صوتاً قادماً منها، تنحنح عماد يدخل عليهما الغرفة المفتوحة الباب على مصراعيه يلحظ أنه أثار إرتباك الزوج، وقف عند الباب يسألهما« هل صليتما العشاء؟»
وقفا كلاهما عن الأريكة يردان معاً.« لا، لم نفعل بعد»
« حسناً، هيّا فالتفعلا، من الأفضل أن تحتفلان بخطوبتكما بتقربكما من الله وليس التأخر عن موعد الصلاة.»
تنحنح عدن بإرتباك يدرك أن عمّه يطرده بإحترام.
ودّع جنّة وغادر دون تعليق قبل أن يقرر عمّه فرض قوانين جديدة عليهما، قوانين تحرمه رؤيتها الى أن تصبح بمنزله الزوجية.

« هل تحتاج منّي لشيئ قبل أن أصعد الى غرفتي؟» سألته جنّة بعد أن إحتوت إرتباكها الواضح المعالم، تريد فقط الهرب من أمام والدها.
« فقط رضى الله عنك يا جنّتي، إذهبي بأمان الله» قال وإتّجه نحو غرفة الجلوس يشغّل التلفاز على إذاعة الأخبار المحلية.
وجنّة تبعته بنظراتها الحانية تشفق عليه، لقد تبدّل كثيراً بعد وفاة والدتها، أضحى أكثر حساسية إتجاه أمور حياتهن هي وأخواتها، أكثر خوفاً عليهن، وأكثر صمتاً، لا ينطق لسانه سوى بالدعوات الصالحة لهن، إذ كان يحتاج لشيئ يطلبه، وإذ سألنه عن شيئ يجيب على قدر السؤال ويعود لصمته وشروده.
والدها ما يزال حزينا لفراق والدتها، ولا تعتقد بأنّه سيتخطى فراقها أبداً.
تنهّدت بحرقة وإعتلت السلالم نحو غرفتها.
طنّ هاتفها لحظة وطأت عتبتها، تفقدت الشاشة تنقشع شفتيها بإبتسامة واسعة.
- إشتقت اليك يا معذّبتي.
فردّت عليه
- وأنا إشتقت اليك كثيراً أيّها المعذّب.

- الن تشفقي على حالي وترسلي لي قبلة تطيّبين بها خاطري

ضحكت بعمق ترسل له وجهاً أحمراً غاضباً

- أستغفر الله العظيم . ردّ عليها - صرت أرى هذا الوجه بمخيلتي في كل مرّة أحاول تخيّل نفسي أقبلك.

تورّدت وجنتيها خجلة من تعليقه، تنهّدت بلطف ترسل له وجهاً ملائكياً وعلّقت
-تصبح على الف خير

رفعت حاجبها تفكّر قليلاً ومن بعد تردد طفيف أرسلت اليه قلباً وقبلة فقيرة.
تفكّر، يستحق قبلة بعد أن صبر عليها لكل هذه السنوات

وما هي الاّ لحظات حتّى بدأ هاتفها يطن طنّات متلاحقة واجدة أنّه يرسل اليها قبلات لا تعد ولا تحصى
قفز قلبها من مضجعه تضحك بعمق وهي تحاول أن تكتم صوت هاتفها قبل أن يسمعه أحد.
« هل غادر عدن؟» أتى صوت هدير مجفلاً إيّاها، تشعر بأنّه تم القبض عليها بالجرم المشهود.
ضمّت الهاتف الى صدرها تشعر به يهتز مع كل قبلة يرسلها لها عدن، عضّت على شفّتها تومئ لأختها بنعم.
إتسعت إبتسامة هدير تغلق باب غرفتها بهدوء « حسناً، لقد وعدتني بإخباري بكل شيئ، هيّا»
رفعت جنّة حاجبها بتساؤل« هل نامت هديل؟»
« نعم، فعلت» أجابتها تتبعها الى غرفتها « هل قبّلك، هيا أخبريني»
« هدير» هتفت بها مؤنّبة« يا الله! هل فقدتي عقلك؟» أخبرتها تدخل غرفتها «بالطبع لم يقبّلني»
مطّت هدير شفتيها بخيبة وجنّة ضحكت تسألها« ماذا، وهل كنت تتوقعين بأنّي عشت مغامرة في النصف ساعة التي تركتونا فيها وحدنا»
« أنت متشدّدة جداً بتعاملك مع عدن، أتعلمين، عندما يعقد قراني، أوّل شيئ سأفعله هو تقبيل خطيبي»
« سَتَرَكِ الله» علّقت جنّة مردفة « سأسأل بابا أن لا يعقد قرانك أبداً، بل سأطلب منه أن يزوّجك دون خطبة، إذ لا يمكننا الوثوق بك وبرومانسيتك هذه التي تعيشين فيها بين صفحات الروايات.»
إستلقت فوق سرير أختها تتنهّد بحالمية« آه، بل سأُخطب، لأنّ أجمل فترات الحب هي تلك الفترة التي تشعرين خلالها أنّك تسرقين المشاعر تسرّقاً، القبلات المسروقة والملامسات اللطيفة التي دائماً تحرصين على أبقاء عقلك صاحياً خلالها كي لا تتمادي، وتلك النظرات العاشقة والهمسات الحارّة، أشياء بالرغم من أنّها ليست محرّمة الاّ أنّ الأدرينالين يصل خلالها معك حدّ الذروة.»
حدّقت جنّة بأختها التي لم تتعدى بعد الخامسة عشر بذهول، لا تصدّق طريقة تفكيرها، لا تستوعب قدرتها على وصف تلك المشاعر بطريقة هي نفسها تخجل من التفكير فيها.
« أتعرفين، أنا الآن صدّقت هديل عندما إتّهمت تلك الروايات بإفساد عقلك البريئ، أنت حقاً يُخاف منك وعليك»
ضحكت هدير بعمق تسألها دون ذرّة خجل« هل تعديني بأن تخبريني عن إحساسك بقبلتك الأولى مع عدن»
قذفتها جنّة بوسادتها هاتفة بها« أخرجي من غرفتي أيتها المنعدمة الأخلاق، سأشكوك لوالدي »
قفزت هدير عن السرير تركض نحو الباب، فهتفت جنّة بها قبل أن تغادر« ومن أخبرك بأنّي سأسمح لعدن بتقبيلي قبل حفل الزواج»
« هههه، لا داعي لأن تخبريني، ستفعلين، حتّى لو أنكرتي » وهربت من الغرفة تاركة جنّة تعاني حالة من الذهول الممزوج بالخجل، أختها الصغرى بحاجة لإعادة رباية، ولكنّها بالرغم من كل ما قالته، الاّ أنّها لا تخاف عليها، إذ بالرغم من جرأتها بالكلام، الاّ أنّها تعتبرها أنضج من عمرها، تعي ما لها وما عليها، وأبداً لا تضع نفسها بموضع شك بأي طريقة من الطرق.
وأكثر ما يريح بالها من ناحيتها، هو أنّها لا تخفي عنها شيئ مهما كان صغيراً أو تافهاً، أمّا هديل، تلك التي تثير قلقها، إذ وفاة والدتها أثّرت فيها بطريقة مختلفة عنهم جميعاً، جعلتها أكثر حساسية لكل ما يحيط بها، مزاجية ودائمة الشرود، كأنّها تعيش بعالمها الخاص، ولا تسمح لأحد بإختراقه، تحتمي داخل قوقعتها كأنّه لا شأن لها بالعالم ككل.


**********************************


ومرّت الأيام مكتشفاً خلالها عدن أنّ إرتباطهما لم يكن مجرّد عقد قران مع وقف التنفيذ، بل أيضاً خطوبة مع وقف التنفيذ، إذ ما يزال يجد نفسه يتسرّق كعادته لرؤيتها في المساء لبضعة دقائق تحت شجرتهما المشهورة، وأغلب الأوقات يجتمع فيها عند بيت أهله لأنّه ممنوع من زيارة بيتها في غياب عمّه أثناء فترة النهار، عندما يكون بمتجر الأدوات الكهربائية مع والده،
ومن ناحية ثانية، منزله دائماً يضج بالزائرين، بأخيه ثائر وعائلته، بأخته وزوجها وأولادها، ونساء الحي القادمين للزيارة، فيجد نفسه يجلس قبالتها وسط العائلة ويتحدّث اليها عبر الرسائل النصيّة، يستمتع حدّ الذروة بإثارة خجلها ورؤية وجنتيها تشتعلان بحمرة نارية لذيذة.
بإثارة غضبها عندما يعلّق على إحمرارهما يتّهمها بأنّها تكثر من وضع حمرة الخدود، وبأنّها جميلة من دونها، وبأنّها لا تحتاج اليها كي تثير إعجابه، وهي ترد عليه مراراً وتكراراً بأنّها لا تضع عليهما شيئاً، وأن هذا لونهما الطبيعي، وهو يصر على أنّها تكذب مستمتعاً بإثارة غيظها الصامت دون أن تجرؤ على التعليق كي لا تثير إنتباه الحاضرين.

رنّ هاتفه أثناء قراءته رسالتها المتوعّدة يرى رقم صديقه أمان، فإستقبل الإتصال يخرج الى الشرفة.
وهي تبعته بنظراتها المتفحّصة ينال منها الفضول، فإنتظرت لدقائق قليلة وتبعته.

خرجت اليه بالتزامن مع إقفاله للخط.
« من هذا؟» سألته
التفت اليها يبتسم لها بطلاقة« صديقي»
« صديقك بالجامعة»
« نعم، هو بذاته، يريدنا أن نلتقي بمنزله الليلة » أخبرها يجذبها الى صدره فشهقت تضع ذراعيها بينهما هاتفة به« سيرانا آحد»
قلب مقلتيه يجيبها« وليفعلوا» غافلها يسرق قبلة من وجنتها سالباً شهقة أعمق من بين شفتيها.
شذرته تضربه على صدره « قليل الأدب»
ضحك بعمق « أه، فأنت لم تري بعدُ شيئ من قلّة أدبي»
« عدن» همست بإستنكار تحاول التملّص من تحت قبضته.
« روح عدن، وقلب عدن، ومعذّبة عدن »
« أنا لست معذّبتك» تذمرت « أفلتني أرجوك»
« سأفلتك بشرط» قال بإبتسامة جانبية سلبت لبّها « قبّلي وجنتي »
« بل سأعضّها» هددته تتململ بين ذراعيه بهدف التحرر
« آه، ومن قال بأنّي سأمنعك إذ فعلتي» أجابها مثيراً تزايد غيظها
داست على قدمه فأفلتها، فهربت من أمامه الى الداخل
فصاح خلفها غير عابئ لمن يسمعه« حسناً، دعيني أرى الى متى ستستمرين بالهرب منّي يا جبانة»

************************************

أغمضت عينيها تخشع بروحها، متأثرة بتجويد عدن العذب وهو يقيم صلاة العشاء بالعائلة، الرجال في الصف الأمامي والنسوة في الخلف، صوته من عالم ثاني، يجعلك ترغب بسماع القرآن الكريم بأكمله بجلسة واحدة، لا تريده أن يتوقف حتّى لإستجماع أنفاسه.
سلّمت على ملائكتها ورفعت كفّيها تدعو خلف والدها الذي إسترسل بالدعاء للجميع دون إستثناء.
ومن ثمّ وقفن من أماكنهن يفسحن المجال للرجال بمواجهتم.

هذه العادة من الطقوس العائلية التي تتكرر كل نهار جمعة، بحيث تجتمع العائلتين على عشاء ضخم تبدأ النسوة بإعداده منذ الصباح، ويجتمعوا جميعهم حول طاولة المائدة عند الغروب وينهوا الليلة بصلاة العشاء الجماعي.

يوم بالرغم من التعب والإرهاق الذي يحمله بين طياته، الاّ أنّه أجمل أيّام الأسبوع بحيث يشعر الجميع بأهمية إحتواء العائلة لبعضها البعض.

إنتهت من الصلاة وعادت الى المطبخ تسأل زوجة عمّها عمّا يمكنها فعله فنهرتها تشير لها الى الحديقة« أخرجي خلفه فهو يحوم حولك منذ عاد العصر وأنت تتجاهلينه مشغولة معنا»
جف فمها مصدومة من نبرة زوجة عمّها المعاتبة، أشاحت بنظراتها الخجولة، متفاجئة منها بأنّها لاحظت ما يحصل، ومأت لها وإتجهت نحو الحديقة بخطوات صغيرة مترددة .

إنّها غاضبة منه، وكثيراً، غاضبة لأنّه أضحى يغيب عن المنزل دون مبررات، وخاصّة عندما يكون مجتمعاً مع شلّته التي تعرف عليها بالجامعة، يلتقي بهم ويغيب لساعات وساعات، وفي بعض الأحيان يتأخر حتّى منتصف الليل، وعندما تتصل به يرسل لها رسالة نصية يسألها عن حاجتها مثيراً غضبها، في بادئ الأمر إستعملت أسلوب التلميح معه، ولكنّها في نهاية المطاف طفح كيلها منه، فتشاجرت معه رافضة مخاطبته أو النزول لرؤيته كعادتهما قبل أن تخلد للنوم، لليلتين متتاليتين، تتجاهل رسائله وإتصالاته.
جلس على المقعد الخشبي بالحديقة يقلّب بهاتفه، يتفقد رسائله العديدة التي أرسلها لها ولم تراها بعد، لقد لاحظ أنّها لا تحمل هاتفها معها، ضحك بسخرية، ما تزال على حالها، تحافظ على كل خصال طفولتها الرعناء، عنيدة متسلّطةٌ، ذات كبرياء خانق، وتعلم كيف تأخذ حقّها منه من بين عينيه.

رفع بصره عندما إستشعر بحركة طفيفة قادمة من أمامه، يشاهدها تقترب، بخطى صغيرة مترددة.
رفع حاجبه يراقبها بمكر، وإبتسامة متلاعبة تزيّن محياه
لا يصدّق بأنّها أتت اليه بنفسها، بعد كل ذلك التجاهل الذي صدّته به لطوال يومين كاملين.

وقفت قبالته تلعب بأناملها بتوتر، تتأمل إبتسامته بغيظ، تفكّر بينها وبين نفسها.
كان يجب أن تعاقبه لفترة أطول، ولا تأتيه بنفسها، وهذا ما قررته عندما إستدارت هامّة بالمغادرة وهو فهم مقصدها، فجذبها من ذراعها الى حضنه سالباً شهقة عميقة من بين شفتيها، أجلسها على ركبتيه غصباً عنها، يضم جسدها الهش الى صدره، يحاول كبح مقاومتها الشرسة.
« أفلتني عدن، أفلتني حالاً»
« وإن لم أفعل» همس بقرب أذنها، فضمّت عنقها الى كتفها، تحاول إحتواء زوبعة المشاعر التي سيطرت عليها عندما لامست شفتيه وجنتها.
« عدن أرجوك، سيرانا أحد»
تذمّرت كعادتها،
سيراهما أحد،
وما همّه إذ رآهما أحد، إنّها خطيبته بعقد قرانٍ شرعي بحق السماء، ولقد سئم من تمنّعها لأبسط الملامسات، يحق له إمساك كفها، طبع قبلة على وجنتها، التغزّل بها.
ضغط على جسدها مقابل صدره يصرّ« توقفي جنّة عن مقاومتي»
« سأتوقف عندما تتوقف عن تجاهل إتصالاتي والرد عليها برسائل نصيّة عدن، لا يعجبني غيابك المكرر والمتأخر مع رفاق جامعتك هؤلاء، وخاصّة عندما أهاتفك وترد علي برسالة، ذلك الأمر يثير ريبتي، يثير شكوكي، وأنت تعلم مصيرك عندما يبدأ الفأر يلعب بأفكاري»
« هل عدنا لغيرتك الغير مبررة من رفاقي جنّة، الم تنضجي بعد عن تلك التفاهات؟»
سألها يشبك أنامله بأناملها يلعب بها، وهي إنتفضت بحضنه هاتفة بحدّة«إنّها ليست تفاهات، لم تكن ولن تكون تفاهات، أنا يحق لي أن أعلم أين أنت وماذا تفعل، وأنت لا يحق لك أن لا تجيب على إتصالاتي، خاصّة عندما تكون برفقتهم، لأنّي لا أعلم ماذا تفعل معهم»
هتفت به تحاول دفع نفسها عنه
« رسائلي النصيّة هي إذاً سبب غضبك» سألها مستنكراً حالها.
التفتت اليه هاتفة بحدّة« نعم»
إبتسم يهزّ برأسه، يتنفّس بوجهها، وهي حبست أنفاسها تشعر بقلبها يتقافز بصدرها، تراقب شفتيه بإهتمام شديد، تشعر بزوبعة من المشاعر تسيطر عليها.
حرر كفّها يحتضن وجنتيها بين كفّيه الدافئين يقول بنبرة فاتنة يشوبها المكر
« حسناً، أعدك، أعدك بأن لا أجيب على إتصالاتك برسالة مهما كانت ظروفي ومهما كنت مشغولاً» أخبرها يلحظ إحمرار وجنتيها.
إبتسمت بالرغم من محاولاتها العقيمة بأن لا تفعل« أقسم»
هز رأسه يضحك ضحكته الساحرة« أقسم لك »
ومن دون أن تعي ما تفعل مالت الى وجنته طابعة قبلة خاطفة، أخذته بها على حين غرّة.
وقبل أن يستوعب ما حصل، كانت تهرب من أمامه عائدة أدراجها الى المنزل.
تبعها بنظراته يتلمّس وجنته بذهول،
هل تهيأ له؟
أم أنّها حقّاً حنّت عليه أخيراً بقبلة؟
آه منك يا جنّتي
ما تنفكين عن مفاجأتي بردّات فعلك العفوية
بسخطك وبهدوئك
بثورتك وبخضوعك
بغضبك وبهمسك
بطيبتك وبقهرك
دائماً تأتين كزوبعة تجمعين مشاعري وتهربين بها.

*********************************

القت نظرة متفحّصة أخيرة الى نفسها وتركت غرفتها على عجل، انّه يومها الأوّل بالجامعة، عدن ينتظرها بالسيّارة
ما إنفكّ عن إرسال الرسائل بأنّه ينتظرها.
بأنّها تأخرت
بأنها إذ لم تسرع سينطلق من دونها.
تأففت بضيق وهي تفتح باب السيّارة وتدخلها بإندفاع.
« صباح الخير » قال يرمقها بتساؤل « ما بالك، تبدين معكّرة المزاج »
تأففت من جديد وهي تضبط حجابها تستعين بالمرآة الصغيرة أمامها هاتفة «أشعر بالإختناق، أكره هذا الحجاب ولكنّه الوحيد الذي يتماشى مع ثيابي» فكّت رباطه تفرده، تتأفّف من جديد « أكره، لا أطيقه» جزّت على أسنانها بضيق.
هزّ برأسه ترتسم فوق شفتيه إبتسامة جانبية « حسناً وما يجبرك على إرتدائه، إذهبي وبدليه »
التفتت اليه يتطاير الشرر من مقلتيها، فإندس بالباب بحركة طفولية يدّعي بأنّ نظرتها تلك قد أخافته، مثيراً تزايد غضبها حدّ الذروة « وهل صبرت أنت علي؟ إنّه يومي الأوّل وأنت ما إنفكيت عن مهاتفتي وإرسال الرسائل، لقد أثرت توتري أكثر مما أنا متوترة»
ضيّق بها حدقتيه « آه، أتلوميني أنا على ما أنت فيه؟»
« نعم» تمتمت وهي تضع الدبّوس بفمها وتحاول إعادة ترتيب حجابها،
فكتّف ذراعيه مؤثراً الصمت، يراقبها تعقده وتعيد حلّه، تزفر بضيق ومن ثمّ تبدأ من جديد، الى أن قنعت به، إبتسمت لإنعكاس صورتها والتفتت اليه تسأله «ما رأيك؟»
عقد حاجبيه يجيبها« بالحقيقة لا يختلف عمّا كان عليه من قبل»
ضمّت شفتيها على وشك الإنفجار به فهتف يتدارك الوضع« ولكنّه جميل، تبدين جميلة وفاتنة، أعجبني جداً جداً جداً»
إبتسمت تعطيه الإذن بالإنطلاق وهو تنفّس الصعداء يدير محرّك السيّارة وينطلق نحو الجامعة.

« هل سنكون بذات المبنى؟» سألته تشعر بالتوتر ينال منها، خائفة من مواجهة ذلك العالم وحدها.
التفت اليها يرمقها بنظرة حانية، جذب كفّها يشبك أناملها المتعرّقة بكفه الغليظ يطمئنها« لا تقلقي، سأوصلك بنفسي الى محاضرتك الأولى، وأتأكد من كل أمورك، وثانياً هاتفك معك، بإمكانك أن تتصلي بي في أي وقت إتفقنا»
ومأت له تفيض مقلتيها بالإمتنان، تعبق رائحته بأنفها، عقدت حاجبيها تسأله«هل تضع عطراً؟»
« القليل» أخبرها يهرب من نظراتها المتفحّصة
« رائحتك مثيرة عدن» قالتها بإستنكار
« ستختفي بعد قليل، إنّها كذلك لأنّي وضعتها للتو»
صمتت تتنشقها بعمق، تشعر بالرغبة الجامحة بدفن وجهها بعنقه وتنشقها للأبد، وعند تلك الخاطرة تجهمت ملامحها، تتخيّل فتيات أخريات يتنشقن عطره، ويتمنين قربه.
فتحت فمها بنية التعليق، ولكنّها عادت وأطبقته تتفادى إختلاق مشكلة معه، ولربما هو محق، ستتلاشى رائحته بعد قليل، أو بعد أن يغادر السيّارة.

إنقبض قلبها عندما وصلت السيّارة الى مدخل الجامعة، بوّابة حديدية عملاقة، أشار للحارس ببطاقته ففتحها له على مصراعيها يسمح له بالدخول.

إنكمشت جنّة على نفسها تراقب محيطها بذهول، كأنّها مدينة مغلقة، بشوارعها العريضة والمكاتب والمحال والمقاهي المنتشرة على جانبي الشارع، موقف السيّارات العملاق، يضم مئات السيّارات، المباني الضخمة بالواجهة، وبرج ساعة عملاقة تتوسط حديقة تضج بالطلاّب، منهم الواقف ومنهم الجالس، جماعات جماعات منتشرة حول المكان، يبدون وكأنّهم قادمون من عالم آخر.

أوقف عدن السيّارة يلحظ بأنّها غارقة بحالة من الذهول، عاد وقبض على كفّها يدير وجهها اليه يسألها« هل أنت مستعدة؟»
هزّت برأسها« لا، لست مستعدة، هل ، هل بإمكاني أن أعود غداً؟»
ضحك « أعلم بأنّهم يبدون مخيفون، ولكن صدّيقيني، إنهم فقط هكذا لأنّك أنت تريهن كذلك، لا تعطيهم أكبر من قدرهم، لا تُشعريهم بخوفك، أدخلي عليهم بثقة وقوّة، والتهميهم قبل أن يلتهمونك»
ضحكت بتوتر« أنت تزيدني ذعراً بكلامك هذا»
« أنظري حولك»
التفتت الى جهة الحديقة تشاهدها مكتظّة بالطلاب
« كلٌّ منهم منشغل بنفسه ومجموعته، ويظن بأنّ هذه الجامعة لا تضم غيرهم، لا يرون الآخرين ولا يهتمون لأمرهم، وإذ أردتي أن تكوني غير مرئية بإمكانك أن تفعلي ذلك بكل سهولة هنا، بإمكانك أن تتعلمي ووتتخرجي وتكتشفي بعد ذلك أن الدكتور نفسه لا يعلم بوجودك، ضعي نصب عينيك هدفاً واحداً فقط، أنت هنا لتتعلمي وتتخرجي، وليس كشأنهم للّهو والصياع، وأنا متأكد بأنّك ستنجحين وتتفوّقين بمسعاك »

ومأت له تتنشق بعمق، زفرت أنفاسها تحاول إستجماع قوّتها« حسناً، أنا جاهزة »

مشت بمحاذاته تشاهد محيطها بعين عذرية مشدوهة بكل ما تراه، فتيات جميلات أنيقات ترتدين أفخر أنواع الملابس، منهنّ المحجبات كحالها، ومنهن المعتدلات، بدون حجاب ولكن بثياب لطيفة مقبولة، ومنهن السافرات، بشعرهن المصفف بعناية وتبرجهن البارز الملامح.
والشباب لا يقلون عنهم أناقة، كأنّهم ذاهبون الى حفل وليس الى الجامعة.
تبعت بنظرها زوجاً يحتضن بعضه بسفور، ولا كأنّ هناك عشرات الطلاّب حولهم، يضع كفيه حول خصرها ويلصق صدرها الى صدره.

«جنّة» هتف بها عدن، فأجفلها.
التفتت اليه بذعر كأنه قبض عليها بالجرم المشهود« لا تفعلي ذلك»
أتى تعليقه المقتضب، فهربت من نظراته الصارمة تفهم مقصده.
وضعت الأرض نصب عينيها ومشت بقربه، عاجزة عن نزع ذلك المنظر من بالها، أإلى هذه الدرجة أصبح الإنسان يسترخص نفسه، يبيح للآخرين بإنتهاك حرمته علناً.
( إذا ابتليتم بالمعاصي فأستتروا)
أإلى هذا الحد أصبح الإنسان يستهتر بإجتناب المحرّمات ويتفاخر بفعلها علناً.

« عدن، عدن » سمعت صوتاً يناديه تشعر به يدفعها نحو المبنى، كأنّه يهرب منه.
« هناك من يناديك» أخبرته تتباطئ
« لا تكترثي لهم» أخبرها يشير لمن يناديه بأنه سمعه وجنّه إستغلت ذلك تتبع إشارته تتفقد المنادي.
شاب أشقر طويل القامة، يقترب منهما، وصل اليهما وهي وجدت نفسها تحدّق بمقلتيه بذهول، مشدوهة بزرقتهما الصافية، كأنّهما جوهرتان تبرقان تحت أشعة الشمس.
« صباح الخير» قال
«صباح النور أمان» أجابه عدن يقف بوجهه، يحجب عنه جنّة التي إنتبهت لنفسها تغض بصرها عنه.
« هل هذه أختك؟» سأله يحاول لمح جنّة من خلف كتفه.
« أراك لاحقاً أمان» أجابه عدن يجذب كفّ جنّة ويدخل بها المبنى.
« من هذا؟» سألته
« زميلي بالتخصص »
« آه» كان جوابها تلحظ بأنّه لا يرغب بالتحدث عنه وبأنّه لم يعجبه قدومه اليهما.

أوصلها الى قاعة المحاضرات ولم يغادرها الاّ عندما إطمأنّ عليها وإطمأن بأنّ من جلس بقربها فتاة مثلها محجبة وتبدو هائمة كحالها.
وقد عمد على التواجد عند إنتهاء كل محاضرة، يرافقها الى المحاضرة التي تليها، الى أن إنتهت من دوامها وعاد بها الى المنزل،
تشعر بأن رهبة اليوم الأوّل قد تبددت كلياً، وبأنّ الجامعة والمحاضرات وزملائها هم جزءٌ جديد من حياتها، عليها أن تعتاد عليهم وتتغلّب على مخاوفها منهم.

وهذا ما حصل بالتحديد، ولإختلاف أوقات إنتهاء محاضراتها عن محاضرات عدن، كانت نادراً ما تراه بحرم الجامعة، حصصها معبّأة بالكامل، تصل عند موعد إبتداء محاضرتها الأولى وتغادر عند إنتهاء محاضرتها الأخيرة، لا تملك وقتاً لمغادرة الحرم لأي سبب من الأسباب، وهذا الأمر كان يريحها ويريح عدن الذي يطمئن باله عليها، بأنّها ستبقى بعيداً عن كل ما يحصل خارج الحرم.
كان في بعض الأحيان يتقصّد لقائها بين المحاضرات، بضع دقائق، يقوم بإحضار القهوة أو العصير لها مع بعض المأكولات الخفيفة، يرافقها الى المحاضرة الثانية، يتأكد من أنها لا تحتاج لشيئ ومن ثمّ يعود لمحاضراته وأمور شلّته التي يحاول قدر الإمكان إبقاء جنّة بعيداً عنها.

جنّة سعيدة
تقضي طوال طريق العودة الى المنزل تتحدّث عن محاضراتها، والنهفات التي تحصل، زملائها الذين يدخلون المحاضرة لإثبات حضور، ومن ثمّ يتسللون من الباب الخلفي دون أن يعلم الدكتور، تتحدث وتتحدث وهو يستمع اليها دون ملل أو كلل، سعيداً لسعادتها، فرحاً بها، وفخوراً بكل تفاصيلها.

********************************

منذ دخلت السيّارة حرم الجامعة، وهي تلحظ أنّ هناك شيئاً غريباً، تلحظ نظرات الطلاّب اليهما، يتبعونهما يعيونهم، يشيرون ناحيتهما، التفتت الى عدن، تراقبه عن كثب، تدرك أنّه غافل عمّا يدور من حوله، يتصفّح هاتفه بإهتمام شديد.

هناك أمراً غريباً يحصل، بكل تأكيد
ما هو؟ لا تدري
هل تسأل عدن عنه؟
ولكن إن فعلت، بأي طريقة؟
« هل أنت بخير؟» وجدت نفسها تسأله بكل غباء
رفع بصره عن هاتفه، أسراً إيّاها بمقلتيه الداكنتين الساحرتين« نعم بخير» أجابها مستغرباً سؤالها.
« أشعر بشيئ غريب يحصل من حولنا» أخبرته تتلفّت حولها بحيرة، متأكّداً لها أن أغلب عيون الطلاّب شاخصة عليهما.
إستدار عدن يتفقد الوضع من حوله، عقد حاجبيه تتغضّن ملامحه مؤكّداً لها أن هناك أمراً مريباً يحصل.
« عدن» نادته تشعر بالخوف يتسلل الى وجدانها.
« دعيني أوصلك الى محاضرتك، ستتأخرين »
« ولكن» تذمّرت تحاول صدّ دفعه لها ناحية قاعة المحاضرات.
« ولكن ماذا؟»
« لماذا أصبحنا فجأة محط إنتباه الجميع من حولنا؟»
« لا أدري ولا أكترث، جنّة» علت وتيرة صوته يشير لها ناحية باب القاعة.
كتّفت ذراعيها عند صدرها تعانده، رافضة إطاعة أمره.
مسح على صفحة وجهه يستغفر ربّه قبل أن أولاها ظهره وغادر دون تعليق.
« حسناً يا سيّد عدن، سأريك نجوم الظهر، إذ إكتشفت أنّك تخفي عنّي شيئاً»

زهرة الغردينيا 17-09-19 09:08 AM

صباح الورد
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

امل القادري 17-09-19 07:47 PM

جنّة عدن
الفصل الرابع

« لماذا أصبحنا فجأة محط إنتباه الجميع من حولنا؟»
« لا أدري ولا أكترث، جنّة» علت وتيرة صوته يشير لها ناحية باب القاعة.
كتّفت ذراعيها عند صدرها تعانده، رافضة إطاعة أمره.
مسح على صفحة وجهه يستغفر ربّه قبل أن أولاها ظهره وغادر دون تعليق.
« حسناً يا سيّد عدن، سأريك نجوم الظهر، إذ إكتشفت أنّك تخفي عنّي شيئاً»
زفرت بضيق وإستدارت تدخل القاعة، تشاهد مجموعة من الفتيات تحاوطن فتاة تشغّل أغنية على هاتفها.
وتتدافع التعليقات السافرة من أفواههنّ
« أنظري اليه إنّه جذّاب جداً!»
« عينيه خلاّبة »
« صوته قوي ومثير »
«أمّا بقية الفرقة، أنظري اليهم، كلّهم رائعون»
« أتعلمون بأنّهم طلاّب بجامعتنا؟»
« حقّاً، يا الله! أريد رؤيتهم»
« نعم، لقد أخبرني أخي، إنّهم طلاّب هندسة سنة ثالثة »
تجاوزتهم جنّة تجلس بمكانها المعتاد، ألقت السلام على زميلتها سارة تسألها
« ماذا هناك؟»
مطت سارة شفّتها بعدم مبالاة هاتفة« البارحة أنزل أمان كرم فيديو على صفحة الإنستغرام خاصّته، يعلن عن تكوين فرقته الموسيقية بقيادة المغنّي الجديد الذي إنظم مؤخراً اليهم.»

عادت بنظرها الى الفتيات تراهن يتهاتفن على هواتفهن، كل واحدة منهن تفتّش عن صفحة أمان كي تحفظ الفيديو عندها.
« لقد وقعت بالغرام» هتفت إحداهن تظم الهاتف الى صدرها
فسألتها أخرى« بأيٍّ منهم بالتحديد؟»
« بهم كلهم، لقد وقعت بغرام أعضاء الفرقة أجمعين»

قلبت جنّة مقلتيها بمحجريهما تهمس لسارة« يا الله! تتصرفن كالأغبياء»
ضحكت سارة بخفوت تعلّق« يبدو أنّك لا تعلمين بالأمر؟»
« أعلم ماذا؟»
رفعت سارة حاجبها ترمق جنّة بغموض، مثيرة ريبتها، تشاهدها تنتشل هاتفها من محفظتها، قلّبت فيه لبرهة، ومن ثمّ قدّمته لها.
أخذت جنّة الهاتف منها تتفقد الفيديو، الذي إفتتح مباشرة على عدن.
حدّقت بالشاشة تتمسك بالهاتف بأنامل مرتعشة، تشاهد عدن يجلس على كرسي فردي طويل وخلفه أربع شباب عرفت من بينهم ذات العينين الزرقاوتين،
أمان!
عدن يغني!
إنّه يغني!
هل عدن هو المغني الذي تمّ إضافته مؤخراً للفرقة؟
ولكن، لماذا لم يخبرها بالأمر؟
ولكن كيف سيغني؟
إذ علم عمّها بالأمر سيقتله!
لا يجوز له أن يغنّي؟
حدّقت بالهاتف لبرهة، لا يستوعب عقلها ما يحصل، تفقّدت تاريخ نشره، ليلة البارحة، وعدد المشاهدين تجاوز المليون بتلك الفترة الضئيلة ويتزايد مع كل دقيقة تمر.

نعم، إنّها تدرك بأنّ عنده حنجرة ذهبية لا مثيل لها، صوتاً عميقاً وشجياً، ذات نوتات طويلة ونبرة تخترق ذبذبات الروح دون جهد، لطالما عشقت صوته وهو يجوّد القرآن،
هل سيستبدل تجويد القرآن بالغناء؟

أعادت الهاتف الى سارة، ووقفت من مكانها تغادر القاعة.
« ولكن الى أين أنت ذاهبة؟» سألتها سارة تتبعها.
« أريد التحدّث الى عدن، أريد أن أعلم قصّة هذا الفيديو»
أخبرتها تتلفّت حولها بحيرة، لا تعرف أي إتجاه عليها أن تسلك.
«تعالي معي» أخبرتها تجذبها من ذراعها« أنا أعلم أين تجدينه بالضبط»

قادتها سارة خارج المبنى
« ولكن، إنه سنة ثالثة، اليس من المفترض أن تكون محاضراته بالطابق الثالث» تساءلت جنّة تسير بمحاذات سارة بتردد، لا تعلم الى أين تأخذها الأخيرة
« أنا أراهم دائماً مجتمعون في نادي الأثرياء» أخبرتها سارة تقطع الحديقة المكتظة بالطلاب، تتساءل بينها وبين نفسها( ما الذي يحضرون لأجله كل هؤلاء، إذ أراهم دائماً يلهون خارج المباني )

قطعتا الحديقة الى الجهة المقابلة ترى أمامها واجهة زجاجية مغطات بستائر الكترونية تحجب أشعة الشمس عنه، رفعت بصرها نحو اليافطة المعلّقة أعلى الباب الزجاجي المزخرف تقرأ، نادي الأثرياء.
« حقاً!» تساءلت بنبرة ساخرة
« نعم» أجابت سارة بضحكة لا تقل سخرة
« ولا تقولي بأنه لا يسمح الاّ للأثرياء بدخوله» قالتها
« نعم، لا يمكنك الدخول الاّ إذ ملكتي بطاقة إنتساب ذهبية تدفعين ثمنها»
« هل هذه جامعة، أم دولة لها عالمها وقوانيها الخاصّة؟» سألت جنّة تشعر بغيظها يتصاعد.
إنتشلت هاتفها من جعبتها ترسل له رسالة نصيّة
- أين أنت؟
أتاها الرد سريعاً
- بقاعة المحاضرات، هل تحاجين لشيئ؟»
قضمت شفّتها تكتب
- لقد رأيت الفيديو
رأيتك وأنت تغني

أرسلت له الرسالة وإنتظرت ردّه الذي طال ولم يأتِ
« ماذا هل إتصلتي به؟ أنا متأكدة بأنّه بالداخل مع أمان وشلّته، فهم يقضون أغلب أوقاتهم هنا»
« إنه بالمحاضرة » أجابتها جنّة هامّة بالعودة، تشتم نفسها، لقد خسرت محاضرتها، إذ بكل تأكيد سيرفض الدكتور إدخالها بعد أن غادرت دون إذنه.

«آه، أنظري، ذلك أمان وجهان ويزن » قالت تشير اليهم تراهم يتوجهون الى النادي، برفقة مجموعة من الفتيات صوت ضحكاتهم مسموعة.
راقبتهم تفتّش عن عدن، تتنفّس الصعداء عندما تأكّد لها بأنّه ليس برفقتهم،
عقدت حاجبيها تشاهد أمان يجذب إحدى الفتيات اليه، حضن خصرها وهي إقتربت دون تردد، تبتسم له بفتنة.
أصدرت جنّة صوتاً مشمئزّاً من حنجرتها « حقاً، ما هذا القرف!»
« آه، أنت لم تري شيئاً بعد؟» علّقت ساره بنبرة مستفزّة
سأقتلك عدن، أقسم لك
توعدت له تنتشل هاتفها من جعبتها
فتحته واجدة أنه أرسل لها ردّاً
- لن أستطيع أن أترك محاضرتي.
سنتحدّث بالموضوع عند إنتهاء الدوام.

فتّشت عن إسم ثائر تحدّق بالشاشة بإضطراب،
حائرة بما عليها فعله
هل تتصل بثائر وتشي عدن ؟
أمّ تصبر حتّى تسمع تبريره ؟

لا يعجبها كل ما يحصل من حولها، ولا تعجبها شلّته الفاسقة تلك.
ولكنّها إذ وشته لثائر سيثور عدن عليها، لن يغفر لها....
زفرت بضيق، تعيد هاتفها الى حقيبتها.
ستنتظر تبرير عدن قبل أن تصب الوقود على النار.

*******************************

خرج بها من حرم الجامعة دون تعليق، وهي ضمّت شفتيها تعض على لسانها تفادياً لإثارة فضيحة وسط الحرم.

إنتظرت حتّى إبتعدا وسألته« منذ متى؟»
زفر عدن نفساً طويلاً يقول« سأخبرك بكل شيئ، لكن أوّلاً دعينا نجد مكاناً هادئاً نتحدّث فيه»
أخبرها يوقف السيّارة أمام مطعم صغير يبيع المؤكلات السريعة.
« لست جائعة» قالت
« سنتحدّث جنّة، وكفّي عن تصرفاتك الطفولية، إتفقنا»
تأففت وهي تدفع الباب بغيظ، نزلت تنتظر توجيهاته فقبض على كفّها رغماً عنها يقودها الى الداخل.
لحظة فتح باب المطعم، إغتالت حواسها رائحة الشاورما والشيش طاووق، تشعر بمعدتها تتوق لتذوق أي منهم، إزدردت لعابها تتبعه بصمت، تحاول جذب كفّها من كفّه دون جدوى، إذ رفض تحريرها الى أن وصل بها الى القسم الخلفي من المطعم الفارغ، إذ أغلب الشارين، يشترون الطلبية ويغادرون بها.
تبعهما شاب بعمر عدن تقريباً يسألهما عن حاجتهما، فتولّى عدن تلقينه ما يريد، يطلب وليمة لكلاهما دون تكبّد عناء سؤالها حاجتها، بحيث أنّه يعلم ما تحب وكيف تفضّل سندويتشها.

وعندما إبتعد الشاب إستدار بجسده اليها، يوليها كامل إهتمامه« أعلم بأنّي أخطأت بإخفائي الأمر عنك، ولكنّي كنت أنتظر الوقت المناسب، لم أكن أتوقع أن أمان سيستعجل بنشر الفيديو»
« المشكلة تتعدّى مشكلة إخفاء الأمر عنّي!؟» هتفت بنبرة مخنوقة، تشعر بالعجز والخوف « عدن، هل تدرك معنى ما تفعله؟»
« أرجوك، لا تعطي المسألة أكثر من ما تستحق » أخبرها بنبرة هادئة « إنّها مجرّد أغنية، والأهم من هذا كله، الأموال التي ستدرها علينا وفيرة جداً، مالٌ أحتاج للعمل لأشهر عديدة بعتل الأدوات الكهربائية بمتجر والدي مقابل أن أتقاضاها»
صمتت لبرهة تفكّر بكلامه، إذ لا يمكنها أن تنكر عمله الشاق بمتجر والدها وعمّها، بحيث يقتصر عمله على نقل الشحنات المكوّنة من كافّة أنواع الأدوات الكهربائية من المتجر الى منازل الزبائن مقابل أجرٍ زهيد بالكاد يكفيه لفاتورة هاتفه ووقود سيّارته.
نعم، إنه عمل شاق ومهلك، وفي بعض الأحيان يتسبّب له بآلام ظهر شهدت عليها بنفسها، ولكن، هذا ليس سببا وجهياً للغناء.
« وماذا بشأن دراستك، صلاتك وعباداتك، وعمّي، ما سعى جاهداً لإيصالك اليه منذ طفولتك، هل ستترك كل هذا وتجري خلف سراب لن يجلب لك سوى القبائح والسيئات؟»
« ليس من الضرورة أن أنغمس بالقبائح والسّيّئات جنّة، لن تصل المسألة الى ذلك الحد، فجل ما نفعله هو الغناء بحفلات صغيرة، كأعياد الميلاد والسهرات، ونشر الأغاني على صفحة الإنستغرام، أجمع خلالهم الثروة التي نحتاجها لبناء حياتنا ومن ثم بعد التخرّج سأترك، أقسم لك»
« كلامك هذا غير منطقي من نواحي عدّة عدن، أوّلاً عمّي لن يقبل أبداً بأنّ يتحوّل إبنه بين ليلة وضحاها من قارئ ومجوّد للقرآن، الى مغنّي، وثانياً، أنا أبداً لن أقبل بأموالك تلك، لن أقبل بأن أراك تنغمس بأجواء الشهرة والنساء والسهرات وأبتسم لك فرحة بك وبشهرتك، أنا من المستحيل أن أقبل بهذا، هل فهمت، وثالثاً، هل تصدّق نفسك بأنّك ستتخلى عن تلك الحياة بسهولة بعد أن تطأ قدمك سلّم الشهرة والمال»
مسح عدن على صفحة وجهه يزفر بحرارة، شبك أنامله ببعضهم فوق الطاولة يقول« أقسم لك، أقسم لك بأنّي لن أنغمس بذلك العالم، والشهرة لا تعنيني أصلاً، أمّا المال، نعم، أنا أحتاج اليه، أحتاج اليه من أجلك، من أجل التمكن من الزواج بك بأسرع وقت ممكن، أنا لا أؤذي أحد بذلك، ولا أعتقد بأنّ الله سيعتبره مالاً حراماً لأنّي أغنّي مقابله، أنا لن أترك صلاتي وصيامي وعبادتي، وسأبقى عدن الذي نشأ على حبّ الله والتقرّب منه، ويعشق الأرض التي تمشين عليها، عدن الذي يراك مقابل نساء العالم أجمعين»
توسّلها بنظراته ونبرة صوته، وكل ذرّة بكيانه، يحتاج دعمها، يحتاج لها لأنّ تبقى بقربه، تُبقي يدها بيده كي تمنعه من الإنزلاق والإنغماس بذلك العالم.
عالم مبهرج يغري الناظر للغوص به، الإندماج بين طيّاته، تذوق شهده المرّ، ولكنّه واثق من نفسه، واثق بأنّه طالما جنّة معه، تمسك بيده، لن يسمح لذلك العالم بطول شعرة منه.
« أنت، أنت تقترف خطيئة عدن، وأنا لا أستطيع أن أجاريك فيها، وأنا، أنا لا أطالبك بشيئ، لا أريد تلك الأموال، أقبل أن أعيش بمنزل عمّي بعد الزواج، لريثما نتمكن من بناء منزلنا الخاص»
همست، تشعر بأنّها تختنق، بأنّها تخذله، وبذات الوقت تشعر بأنّه دورها في إعادته الى طريق الصواب.
قرّب كرسيّه من كرسيّها، قبض على كفّها يقول « إذ تخلّيّتي عنّي جنّة الآن، سأعتبر أنّك فشلتي بأوّل إمتحان بعلاقتنا، بأنّك لا تثقين بي، لا تثقين بحكمتي على إدارة الأمور، بأنّك لا تصدّقيني بأنّي من المستحيل أن أنغمس بالخطيئة، بأنّ حبّنا لبعضنا لكل تلك السنوات كان مجرّد وهم، وليس حقيقة، بأنّك تخليتي عنّي عند أوّل عقبة صادفت علاقتنا، جنّة أنا أحبّك وأفعل كل هذا من أجلنا»
« وماذا، وماذا بشأن عمّي؟»
سألته بنبرة مهتزة، خائفة من أن تفقده،
عدن عنيد،
وإذ إتّخذ قراراً ما، لن يتمكن شيئ من تبديل رأيه،
وأمّا بالنسبة لها، هو يضع يديه الإثنتين بمياه باردة، إذ أنّه يدرك قدر أهميّته عندها،
إنّه عشق طفولتها،
ومن المستحيل أن تتخلى عنه،
ستغضب، ستهدد، ستثور،
وفي نهاية المطاف سترضخ،
لأنّها أبداً لن تتركه،
أبداً لن تتخلى عنه،
أبداً لن تطيق فراقه،
عدن نقطة ضعفها، وهو أكثر من يعلم ذلك.
إحتوى كفّها المرتعش بين كفّيه، رفعه يلثمه بحنان وإمتنان هامساً«ليس هناك من داعي لأن يعرف أحد من العائلة، إتفقنا»
هزّت برأسها تتلألأ مقلتيها بالدموع، تدرك بأنّها تخطو خطوتها الأولى في درب جحيمها، وبالرغم من إدراكها لذلك، الاّ أنّها عجزت عن منع نفسها من إتخاذها.

*********************************

خلال الأسابيع التي تلت معرفتها بأمر غناء عدن
عمد الأخير على البرهان لها مرّة تلو الأخرى بأنّه كان أكثر من صادق بوعده معها.
يواضب على محاضراته، نادراً ما ينخرط بأمور شلّته وجلساتهم العلنية السافرة،
يضع حواجز متينة بينه وبين معجباته اللواتي يحاولن التقرّب منه، عبر إخبارهم بأنّه مرتبط، ويعشق خطيبته.
وفي نهاية المطاف لم يترك مجالاً لتذمر جنّة، التي كانت تراقب جميع تحرّكاته كالعسكري الذي يتابع أمور مشكوك بأمره بإتهام خطير، عندها عيون في كل مكان، شقيق سارة، ورفيقات سارة، وكل من يعرف سارة.
كلّهم كانوا أكثر من سعداء بنقل كل أخبار عدن وشلّته اليها، صوتاً وصورة، وهي بدورها كانت تنقلها لجنّة.
وكان أثناء الحفلات الصغيرة التي يقيمونها، يعمد على تمضية كل فترات الإستراحة يتحدّث معها صوتاً وصورة، كي يطمئنها بأن كل شيئ يسير حسب الإتفاق.

*********************************

- أنا أنتظرك في الأسفل
وصلتها رسالته عند منتصف الليل تماماً
تثاءبت تفتّش عن وشاحها وعبائتها، إرتدتهم وتسللت خارج الغرفة دون أن تتكبد عناء تفقّد نفسها بالمرآة.
بحيث أن علاقتها بعدن قد تخطّت تلك الشكليات، مؤكّداً لها مراراً وتكراراً، أنّه يعشقها بكل حالاتها وهيئاتها، حتّى وهي تتسلل اليه نصف نائمة.

من المستحيل أن يذهب للنوم قبل أن يراها لبضع دقائق، يطمئن عليها، يشحن طاقته الإيجابية من نظراتها الحنونة وهمساتها التي تثير جنونه رغبةً بها، وبالرغم من ذلك، يقاوم، يقاوم لمسها وتفريغ شحنات رغباته على شفتيها، خوفاً من أن يتمادى، من أن يدمنها ويصبح كالمعتوه الذي ينتظر جرعته التالية.

طلّت من الباب تتلفّت حولها وسط العتمة، تتجّه نحوه بخطوات متعثّرة، يدرك أنّه السبب بحالها، خاصّة أنّها تبقى صاحية لوقت متأخر من الليل بإنتظار عودته.
لقد كان الأمر عادياً في السابق، بحيث كان يعمد على أن لا يتأخر بعودته من التدريبات، أمّا الآن، الوضع إختلف، بحيث يضطر للتأخر في بعض الأحيان لما بعد منتصف الليل خلال أيّام نهايات الأسبوع، بسبب الحفلات التي بدؤوا يغنون فيها، ويعجزون عن مغادرتها الاّ بعد إنتهاء وصلتهم الغنائية المتفق عليها.

وصلت اليه تحتضن نفسها وهي تتثاءب، فلم يتمالك نفسه يضم وجنتيها بين راحتيه هامساً« أعتقد بأنّه علينا تغيير هذه العادة، لربما سأكتفي بإرسال رسالة نصية أخبرك عبرها بأنّي عدت الى المنزل، هكذا لا تضطرين للنزول لملاقاتي وأنت نصفك بالسرير.»
هزّت برأسها رافضة إقتراحه، غطت راحتيه براحتيها تقول« لن أستطيع النوم قبل رؤيتك، أصلاً بالرغم من نعاسي الشديد، الاّ أنّي عجزت عن أن أغفو»
إبتسم لها بحنان يفيض من مقلتيه، هذه الفتاة عشقه، عشقه لدرجة أن رفاقه بالفرقة مذهولون من كم الحب والإخلاص الذي يكنّه لها، مذهولون من صدّه لأي إمرأة تحاول التقرّب منه، حتّى إنتشر الخبر بين الفتيات أنّه خط أحمر، إيدن، الإسم الذي بدأ يتعامل به بمجال الغناء، هو خط أحمر لكل إمرأة ترغب به، أو ترغب بالتقرّب منه، حتّى أصبحت جنّة محط إهتمام الجميع، من هي تلك الفتاة التي يرفض إيدن أجمل وأثرى الفتيات من أجلها؟
فتيات يتمنى أي شاب التواجد معهن، ومستعد لفعل المستحيل من أجل إستمالتهن.
وهم لا يعلمون، أن جنّة بنظره هي أجمل وأفضل وأرقى وأثرى النساء على الإطلاق.
ولأوّل مرّة على الإطلاق يطيع رغبته بها، رغبته بتذوق شهد شفتيها، راغباً بدخول جنّته التي كان يرفض وطأها قبل أن تصبح زوجته حلاله بمنزله.
جذب وجهها اليه يستلم شفتيها بقبلة هادئة لطيفة، مصدوماً من كم المشاعر وروعتها التي تفجّرت بصدره وإنتشرت بكامل أنحاء جسده.
قبلتها حقّاً أشبه بجرعة من الكوكايين، التي تجعل الجسد خذراً يتهيأ له أنّه يطوف فوق السحاب، وكل ذرّة بكيانه تشاركه ما يشعر به.
إحتضنها يشعر بها هي الأخرى تندس به، لا تقاومه، بل تشاركه عاطفته ومشاعره ولهفته، تقبّله، تعطيه وتأخذ.
كأنّها هي الأخرى، ضمئةً لها بذات القدر، عطشة لهذا الإتصال، مقرّرةً ضرب الخوف والحذر الذي كانت تعمد على التسلّح بهما بحضوره عرض الحائط، والغوص معه بذلك العالم الذي صدقت هدير بوصفه على أكمل وجه.
ما أجمل القبلات المسروقة، التي بالرغم من أنّها ليست محرّمة عليهما، الاّ أنّ سرقتها تشحن مشاعرهم بمغامرة أشبه بسيّارة سباق، تسير بسرعة قصوة دون مكابح.
مزيج من متعة ورغبة ممزوجة بخوف ورهبة،
كيف سنتوقف!
متى علينا أن نتوقف!
لا نريد أن نتوقف!
ولكنّنا إذ لم نتوقف سنصطدم بعنف!
غافلين عن أن هذه القبلة، هي الجرعة الأولى.
وما أدراكم بالجرعة الأولى؟
جرعة يبقى المدمن يفتّش عن مثيلها، يشتاق ويهفو لذلك الشعور الذي وهبته إيّاها، راغباً بالمزيد، المزيد، المزيد.

*****************************************

دخلت القاعة وهي تظم محفظتها الى صدرها، تلحظ نظرات الفتيات موجّهة اليها بحقد، الغيرة تنغل بصدورهن، وبالرغم من إدراكهنّ أنّها خطيبته، الاّ أنّهن لا تحاولن إخفاء إعجابهن بإيدن كما تسمّينه وبفرقته، تتغزّلن به وبصوته وبجاذبيته علنا دون رادع، وجنّة تكتم غيظها وتصمت، تفضّل أن لا تنزل لمستواهن.
جلست قرب سارة كعادتها تحاول أن لا تتأمّل ثيابهن وأشكالهن،
تحاول أن تقنع نفسها أن عدن من المستحيل أن تعجبه تلك الأشكال.
تراقبهن عاجزة عن الإنكار أنهن ملفتات، جميلات، فاتنات، وكل عيون الشباب بالمحاضرة شاخصة عليهن.
ويعود الشيطان للعب بملعبه، ويعود الخوف والشك يتسلل الى وجدانها، ماذا لو تمكّنت إحداهن من إغرائه، من دفعه لإقتراف الخطيئة؟
قبضت على محفظتها تتذكر حالتها معه في الأونة الأخيرة، لهفته اليها عندما يختلي بها، قبلاتهما المسروقة التي تزداد عمقاً وملامساتهما الساخنة تزداد تفرّعاً مع كل مرّة.
أنفاسهما المتلاحقة التي بالكاد يتمكنان من إرتشافها، رغبتهما تلك تخرج عن السيطرة، وهي تجد نفسها عاجزة عن ردعه،
خائفة من ردعه،
لا تريد ردعه
لأنّها بكل بساطة لا تريده أن يفتش عن مصدر غيرها لإفراغ رغبته.
خائفة من أن تصدّه فيصبح ضعيفاً أمام الإغراءات الخارجية التي تنصب عليه من كل إتجاه.
وبالرغم من محاولاتها العقيمة في إقناع نفسها أنّها لا تقترف خطيئة الزنا، الاّ أنّها في كل مرّة تسلّم نفسها له، تشعر بأنّها تخون ثقة والدها،
تخون عائلتها،
تعبث بشرف شقيقاتها.


« هل رأيتي صور حفلة ليلة السبت التي أقامها أمان وفرقته؟» أخرجها من دوّامة أفكارها الذاتية صوت سارة، فإلتفتت اليها تراها تقلّب بهاتفها، وصلت الى مبتغاها وأعطتها الهاتف .
تناولته جنّة، تشعر بأنّ الأخيرة تنتظر ردّة فعلها لما ستشاهد، وهذا الأمر بالذات أثار ذعرها.

تفقّدت الشاشة تقلّب بالصور، أمان وجهان في أغلبها، وفي كل صورة هناك فتيات مختلفة، بثياب فاضحة، وضحكات سافرة، لا يوجد صورة تخلو من كؤوس المشروبات الروحية بقبضاتهم، يشربون ويثملون، يرقصون ويغنون، وعدن كان هناك، بتلك الحفلة، وليلتها لم يعود للمنزل، بل إتصل بها يخبرها بأنّه سينام بمنزل أمان.
ليلتها كذب على عمّها يخبره بأنّه يحضّر لمشروع مهم مع أصدقائه، وسيضطر للنوم عندهم توفيراً للوقود الذي سيبذّره بذهابه وإيابه، وعمّها أعطاه الإذن دون مناقشة، لأنّه أبداً لن يشك بما يفعله إبنه.

قلّبت بالصور تفتّش عن عدن، هل كان يتقصّد عدم الظهور بالصور، أم طلب عدم نشرهم على صفحة أمان التي تدرّ عليهم جميعاً بآلاف الدولارات شهرياً.

« لن تجدي مبتغاك على صفحة أمان» أخبرتها سارة تجذب الهاتف من بين أناملها المرتعشة، قلّبت بصفحاته تقول« ولكنّي تمكّنت من الوصول لبعض الصور، التي تمّ إلتقاطها لإيدن دون علمه، تفضّلي»

أعادت لها الهاتف تشوب ملامحها إبتسامة خبيثة، دفعت جنّة بالرغبة بصفعها ورمي الهاتف بوجهها دون أن تنظر الى الصور، ولكنّ فضولها كان أقوى من رغبتها تلك، تستعيد الهاتف منها وتتفقد صور عدن، صور ملامحها الضبابية تشير على أنّها إتخذت من مسافة بعيدة، أي الذي يصور صوّرها دون علمه.

عدن جالس على طاولة محايدة، بدا ذلك واضحاً، نظراً لأنّ خلفية الصورة خالية من الناس، وهناك فتاة تجلس معه، كأنّهما يختليان ببعضهما، الفتاة قريبة جداً، قريبة لدرجة أنّ جنّة تخيلت بأنّه لربما كان يقبلها، أو سيقبلها.

حدّقت بالصورة بمقلتين مشوّشتين، غارقتين بالدموع، لا تصدّق ما تراه، وبحركة سريعة متعثّرة، أرسلت الصورة لنفسها وأعادت الهاتف لسارة، لملمت أغراضها وتركت المحاضرة.
خرجت من المبنى ضاربة أشعة الشمس جبهتها بعنف، ظللتها بكفها تتلفّت حولها بحيرة، تحتاج لأن تهدأ قبل أن تواجه عدن، والاّ ستفتعل معه فضيحة علنية، تنهّدت بعمق، تحاول إحتواء النيران التي تشعر بها تغلي بعروقها.
إنّها تخسر عدن،
عدن الذي ينزلق من بين أناملها كإنسياب المياه العذبة والنظيفة،
لتسقط في حفرة من المياه العكرة والملوّثة،
فتتجانس معها وتطمس عذوبتها وتلغيها نهائيا.
وهذا ما سيحصل مع عدن بالتحديد، لو إستمر مع تلك الشلّة الفاسدة والفاسقة.

«جنّة، اليس كذلك» إلتفتت تتفقد المنادي، إنّه أمان
عقدت حاجبيها ترمقه بحقد لم يخفى عنه.
إبتسم بخبث يتخذ بضع خطوات ناحيتها يسألها« هل تبحثين عن عدن؟»

تمسّكت بحبل حقيبتها تستمد منها القوّة، رفعت أنفها بشموخ ترفض الإجابة عن سؤاله، وترفض الحياد بنظرها عنه،
لن تجبن أمامه، لن تجبن أمام نظراته المتفحّصة تلك، نظرات فضولية تبحث عن ميزة فيها جعلت شاب كعدن لا يرى سواها، بالرغم من توفّر الأفضل على كافّة الأصعدة والمستويات.
« إنّه بنادي الأثرياء، لقد سبقنا الى هناك مع البقية» أخبرها يشير بإتجاه النادي.
وذلك الخبر بحد ذاته كان كفيلاً باللعب بمخيلتها، لقد أقسم لها بأنّه لا يدخل اليه، بأنّه لا يشارك بكل تلك القذارات التي يقومون فيها، وبالرغم من قسمه كذب، كذب بكل شيئ.
تبعت أمان بصمت، تحاول أن تبقى على مسافة بعيدة خلفه، لا تريد حتّى أن تُشاهد برفقته، تبعته تشعر بالعيون شاخصة عليها، وبأمان يلتفت ناحيتها كل برهة كي يتأكد بأنّها ما تزال تتبعه.

وصل الى الباب ينتظرها، وهي وقفت مترددة، تعيد حساباتها، تفكّر بالذي تفعله، إخترق سمعها صوت الموسيقى، وغناء عدن، إنّه صوت عدن.
« هل ستأتين أم ماذا؟» سألها أمان يفتح لها الباب الزجاجي العريض على مصراعيه، يفسح لها المجال لرؤية بعض المتواجدين بالداخل، تنهّدت بحرارة وخطت داخل النادي.

دخلت تتلفّت حولها تتفقد المكان، تشاهد شباب وصبايا جالسين حول طاولات أنيقة المظهر، المكان كله يدل على الفخامة والمال.
إرتسمت فوق شفتيها إبتسامة ساخرة، تفكّر، وهل الآن أصبح الفساد عنوان الثراء، هل يجب على كل ثري أو ثرية في هذا البلد تستغل ثرائها ببيع نفسها للعيون واللمسات، هل أصبح معيار التفرّع والسفور يرتبط بمعيار الثراء الذي يتمتع به الشخص.

امل القادري 17-09-19 07:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا (المشاركة 14487583)
صباح الورد
تسجيل حضور
بانتظار الفصل

صباح النور والبنور 😘😘
نزل الفصل

affx 17-09-19 08:07 PM

عنجد عدن انك غبي ضيعت حالك وضيعت جنة يا مرتل القران انت ما بتعرف انه عملك السيء بعطيك مصاري الله ما حيباركلك فيها !!
عذر اقبح من ذنب قال بشتغل مغني لحتى اتزوج بسرعة 😑😑
قرف يقرفك عصبتني واحد تافه ..
جنة ويلي صار فيها بسببك وحاسة انه سارة انسانة سيئة جدا !!جنة اغتصبت وهي صاحية وما قدرت تدافع عن حالها بتمنى انها تنتقم منك شر انتقام يا عدن 😈🙍🏻‍♀️

امل القادري 17-09-19 10:32 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة affx (المشاركة 14488567)
عنجد عدن انك غبي ضيعت حالك وضيعت جنة يا مرتل القران انت ما بتعرف انه عملك السيء بعطيك مصاري الله ما حيباركلك فيها !!
عذر اقبح من ذنب قال بشتغل مغني لحتى اتزوج بسرعة 😑😑
قرف يقرفك عصبتني واحد تافه ..
جنة ويلي صار فيها بسببك وحاسة انه سارة انسانة سيئة جدا !!جنة اغتصبت وهي صاحية وما قدرت تدافع عن حالها بتمنى انها تنتقم منك شر انتقام يا عدن 😈🙍🏻‍♀

حرام عليك، لاحقة دعاوي على عدن المسكين
أنا بقول الخطأ على الإثنين بالتساوي
جنّة وعدن
جنّة ما كان لازم ترضخله وتسكت ، كان لازم خبرت على القليلة ثائر حتّى يتولّى مسألة عدن
😔😔

بنت سعاد38 18-09-19 11:16 PM

فصل جميل والرواية مشوقة وهادفة جدا سلمت يداك حبيبى

Gigi.E Omar 19-09-19 06:49 PM

يعني عدن مشي ورا صحابه و عملوا فرقة عشان يجمع فلوس اكتر عشان يتجوز جنة بسرعة !!! بالله هو مصدق كلامه !!
طب مصدق قسمه لجنة و انه مش هينزل لمستوى فرقته و ان الشهرة مش هتعميه !!!
و انه هيسيبها اول ما يتنجوز !!

ازاي امان اثر في عدن و خلاه يغني ؟؟؟ ازااي اصلا عدن اتعرف على امان 🤔؟؟

جنة غبية انها سمعت كلامه و مقالتش للعائلة !!! و خوفها من انه يضيع منها و يسيبها مانعها من انها تتكلم و عدن عارف اهميته عندها ؟؟؟

هيجرالها ايه لما تتدخل نادي الاثرياء و رد عدن على الصورة اللي معاها هيكون ايه ؟؟🤔

امل القادري 20-09-19 04:00 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت سعاد38 (المشاركة 14491000)
فصل جميل والرواية مشوقة وهادفة جدا سلمت يداك حبيبى

الله يسلمك يا رب ، فرحت برأيك ومتابعتك

امل القادري 20-09-19 04:03 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة gigi.e omar (المشاركة 14492522)
يعني عدن مشي ورا صحابه و عملوا فرقة عشان يجمع فلوس اكتر عشان يتجوز جنة بسرعة !!! بالله هو مصدق كلامه !!
طب مصدق قسمه لجنة و انه مش هينزل لمستوى فرقته و ان الشهرة مش هتعميه !!!
و انه هيسيبها اول ما يتنجوز !!

ازاي امان اثر في عدن و خلاه يغني ؟؟؟ ازااي اصلا عدن اتعرف على امان 🤔؟؟

جنة غبية انها سمعت كلامه و مقالتش للعائلة !!! و خوفها من انه يضيع منها و يسيبها مانعها من انها تتكلم و عدن عارف اهميته عندها ؟؟؟

هيجرالها ايه لما تتدخل نادي الاثرياء و رد عدن على الصورة اللي معاها هيكون ايه ؟؟🤔

جنّة غلطت بإخفائها الأمر ومش عارفة كيف بدها تصلح غلطها
وعدن ، ما يزال يحاول أن يبقى بعيداً عن عالم أمان بالرغم من كل ما يحيط به

زهرة الغردينيا 20-09-19 03:44 PM

زلقت قدمى عدن الى طريق الضلال بسبب
أصدقاء السوء ...
لقد تمكنو من التأثير علية وقلبو حياتة رأسا على عقب
واضح ان جنة هى من ستدفع الثمن ..
تسلم ايدك❤❤❤

امل القادري 20-09-19 07:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا (المشاركة 14494294)
زلقت قدمى عدن الى طريق الضلال بسبب
أصدقاء السوء ...
لقد تمكنو من التأثير علية وقلبو حياتة رأسا على عقب
واضح ان جنة هى من ستدفع الثمن ..
تسلم ايدك❤❤❤

كلاهما سيدفع الثمن بكل أسف

الله يسلمك يا رب ❤

منال سلامة 21-09-19 03:14 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...


تسلم ايدك احداث مليئة اثارة وتشويق للقادم ...
عدن من قارئ قرآن للاسف لمغني .. والسبب اصدقاء السوء والاغراءات المادية السريعة ..
فبات يتنازل عن مبادئه واحد تلو الاخر بعد ان زين له اصحابه طريق النجاح والشهرة والمجد التي كلها معاصي وذنوب حرمها الله في كتابه ..
للاسف هو سبب ضياع جنة معه وسقوطها للهاوية في ذلك الوحل دون ان تعلم عائلتهم لقد كانوا يثقون به لكنه خيب ظنهم ولم يحترم تلك الثقة التى وضعوها فيه ..
دائما وابدا على الانسان ان يختار اصدقائه بعناية فهناك الطيب السوي وهناك السئ والردئ الماكر الخبيث وعدن لم يختار جيدا ...

جنة ..
في حيرة من امرها بعد ان علمت عن عدن وباتت تشعر بالخوف والقلق عليه ولم تعرف ما تفعل لكن واضح بعد ما حدث لها انها لك تخبر احد والا ما حدث معها ما حدث ..
واضح انه جنة وعدن كل منهما سيدفع الثمن غاليا لختيار طريق الضلال ..

يعطيكي العافية ..وبالتوفيق والنجاح لعملك ❤❤👌👍
بانتظار القادم ...

امل القادري 24-09-19 04:17 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة (المشاركة 14496432)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...


تسلم ايدك احداث مليئة اثارة وتشويق للقادم ...
عدن من قارئ قرآن للاسف لمغني .. والسبب اصدقاء السوء والاغراءات المادية السريعة ..
فبات يتنازل عن مبادئه واحد تلو الاخر بعد ان زين له اصحابه طريق النجاح والشهرة والمجد التي كلها معاصي وذنوب حرمها الله في كتابه ..
للاسف هو سبب ضياع جنة معه وسقوطها للهاوية في ذلك الوحل دون ان تعلم عائلتهم لقد كانوا يثقون به لكنه خيب ظنهم ولم يحترم تلك الثقة التى وضعوها فيه ..
دائما وابدا على الانسان ان يختار اصدقائه بعناية فهناك الطيب السوي وهناك السئ والردئ الماكر الخبيث وعدن لم يختار جيدا ...

جنة ..
في حيرة من امرها بعد ان علمت عن عدن وباتت تشعر بالخوف والقلق عليه ولم تعرف ما تفعل لكن واضح بعد ما حدث لها انها لك تخبر احد والا ما حدث معها ما حدث ..
واضح انه جنة وعدن كل منهما سيدفع الثمن غاليا لختيار طريق الضلال ..

يعطيكي العافية ..وبالتوفيق والنجاح لعملك ❤❤👌👍
بانتظار القادم ...

عزيزتي منال
شكر خاص لك على تعليقك الطويل والمفصل
أسعدتني مشاركتك جداً
لك مني أطيب تحية

امل القادري 24-09-19 04:18 AM

صباح الخير
جنّة عدن
الفصل الخامس
دخلت تتلفّت حولها تتفقد المكان، تشاهد شباباً وصبايا جالسين حول طاولات أنيقة المظهر، المكان كله يدل على الفخامة والمال.
إرتسمت فوق شفتيها إبتسامة ساخرة، تفكّر، وهل الآن أصبح الفساد عنوان الثراء؟
هل يجب على كل ثري أو ثرية في هذا البلد أن تستغل ثرائها ببيع نفسها للعيون واللمسات؟
هل أصبح معيار التفرّع والسفور يرتبط بمعيار الثراء الذي يتمتع به الشخص؟

« أمان، نحن هنا» نادى أحدهم من الجهة الشمالية « لماذا تأخرت؟»
التفتت ناحية الصوت تشاهد أمان ينتظرها لتتقدمه، ففعلت تضم نفسها خجلاً من عيون الجميع التي إنصبت عليهما فجأة، ترى نفسها غريبة بينهم، غريبة بكل شيئ، إذ أنّها المحجّبة الوحيدة المتواجدة فيه.

وصلت الى الطاولة المعنية تفتّش عن عدن.
« أين عدن؟» سألت
« يبدو أنّه لم يصل بعد» أجابها أمان يفسح لها المجال للجلوس.
« ولكنّك أخبرتني بأنّه هنا» تذمّرت تشعر بأنّه يسخر منها.
تنحنح أحدهم يقول« عدن لا يأتي الى هنا»
شذره أمان بنظرة محذّرة وعاد الى جنّة،
« لقد إتصلت به وأخبرته بأنّك هنا، إنّه أتي» أخبرها يتّخذ بضع خطوات ناحيتها، خطوات تعدّى بها على مساحتها الشخصية، الى درجة شعرت بأنفاسه تلفح بشرتها، وبحركة غبية منه، أمسك بذراعها، بطريقة حميمية، غافلاً عن ردّة فعلها التي أتته سريعاً.
صفعته بكل ما أوتيت من قوّة وغيظ، هادرة به بغضب« إحترم نفسك يا هذا، وإذ كنت محاط بسافرات تقبلن أن تتعدّى على مساحتهن الشخصية برحابة صدر، إعلم أن هناك بالمقابل فتيات محتشمات لا ترضين بهذه الخلاعة»

غطّى أمان وجنته المشتعلة، يحدّق بها بصدمة يشوبها الذهول، لا يصدّق ما تجرأت على القيام به، تبعها بنظراته المتوّعدة، يشاهدها تغادر المكان على عجل،
تلك الحقيرة!
كيف تتجرأ؟
وما زاد الطينة بلّة، هو تلك الأصوات الساخرة التي بدأت تتعالى من حوله، مثيرة تصاعد غيظه حدّ الذروة.
التفت اليهم هادراً بهم جميعاً« أصمتوا»
شبك أنامله بشعره يشتم نفسه على تلك الخطوة الغبية التي إقترفها.
كان يجب أن يكون حذراً معها، لقد ظنّ بأنّه سيتمكن من أن يستميلها، لعلها ترحم عدن وتفك عنه الخناق الذي تحيطه به.
إنّهم بحاجة لعدن بكامل طاقته، وهذا ما يرفض الأخير تقديمه، بحجة أنّه قطع وعد على جنّته بأنّه حالما تسنح له الفرصة سينسحب.
ذلك الغبي
فهم ما يزالون في بداية الطريق
ولا يوقن أن القادم سيكون أروع وأعظم
فكيف به ينسحب ويتخلّى عنهم وهم ما يزالون في بداية سلّم الشهرة ؟

***********************************

إنتهى عدن من محاضراته ونزل الى الطابق الأوّل كعادته ينتظر إنتهاء جنّة، إذ هناك إتفاق بينهما بأن تنتظر قدومه أمام باب القاعة، وصل واجداً أن القاعة فارغة وجنّة ليس لها أثراً بالبهو،
إنتشل هاتفه من جعبته يتصل بها، فلم تجبه.
أرسل لها رسالة نصيّة فلم تجب عليها.
عندها بدأ الذعر يدب بأوصاله، يحاول أن يجد أحداً من زملائها، علّه يعلم شيئاً عنها.
وعندما أخبروه جميعهم بأنّها خرجت من المحاضرة الثانية ولم تحضر الثالثة على الإطلاق فقد رباط جأشه كليّاً، يجول بعقله الف إحتمال والف سبب.

وقف وسط حرم الجامعة يتلفّت حوله بضياع، يتجاهل كل من يحاول أن يلقي عليه سلاماً، أو يحاول أن يفتح معه حديثاً، مشغولاً بهاتفه، يشعر بدمائه تفور بعروقه.
قلقاً عليها حدّ الذروة، خاصّة أنّه ليس من عاداتها ترك المحاضرة ومغادرة الجامعة لوحدها، وحتّى لو طرأ عليها أمراً ما، من المفترض أن تتصل به، أو على الأقل، ترسل له رسالة تعلمه بوضعها.

« إيدن، هل إنتهيت من محاضراتك؟» سأله أمان يقترب منه
« نعم، لقد فعلت» أجابه يولي كل إهتمامه الى هاتفه، مستمراً بمحاولة الإتصال بها.
«هل ستعود مساءً، علينا أن نتحدّث بخصوص العقد مع شركة التسجيلات» سأله أمان غافلاً عن معاناته
« ليس الآن أمان» أجابه يشق دربه نحو سيّارته، ما يزال إهتمامه منصبّاً على هاتفه.
« ما تزال شركة التسجيل تنتظر توقيعك، عليك أن توقع يا رجل، فحال الفرقة واقف عند ذلك التوقيع»
تبعه أمان يحاول إقناعه على توقيع العقد الذي يعاند على رفضه منذ تمّ عرضه عليهم من قبل شركة تسجيل عالمية تعرّفت عليهم عبر الإنستغرام.
إستدار عدن اليه يرمقه بنظرات تتقافز بشرارات الغضب، سائماً من تكرار الموضوع « لقد أخبرتك بأنّي لن أوقّع ذلك العقد، لن أفعل، لن أحترف الغناء، وعندي دراستي أهم من ذلك كله»
عنده دراسته من جهة، وجنّة التي تقف له بالمرصاد من جهة ثانية، ووالده الذي إذ وصل اليه خبر غنائه سيتبرّأ منه، ويغضب عليه الى يوم الدين، عائلته بكل أفرادها، من صغيرها لكبيرها، من المستحيل أن يقبلوا بما يقوم به.
حتّى هو في بعض الأحيان، عندما يفكر كيف تجرأ على الغناء، وهو ما نشأ على تجويد القرآن الكريم وإنشاد الأناشيد الدينية،
يستحي من ربّه، يستحي من ما آل اليه حال قلبه وروحه، يضيق صدره بأنفاسه، يشعر بأنّه على وشك أن ينهار من أثر أزمة قلبية حادّة،
كيف إنجرف وراء مدح أمان له؟
عندما سمع الأخير صوته وهو ينشد في جلسة من جلساتهم الشبابية، كان وقتها سنة ثانية بالجامعة، يجلسون في المقهى، ومن ثمّ لا يذكر كيف بدؤوا بالإنشاد، وعندما أتى الدور عليه، أذهلهم جميعاً بصوته الى درجة عمّ الصمت أرجاء المقهى يتوسّلونه أن لا يتوقّف، وأن يتابع، ففعل بنبرة أكثر ثقة وعمقاً مثيراً إعجاب جميع الحاضرين الذين كانوا ينصتون له بخشوع.
وفي ذات ذلك اليوم، دخل أمان على الخط مباشراً بنصب شباكه بخبث، الى أن تمكن من إقناعه بالغناء لفرقته، فرقة ظنّ عدن أنّها مجرّد هواية لن تخرج من تحت سيطرته، مجرّد مكسب سريع وخفيف، ولن تؤثر على مجريات بقية أمور حياته، بأنّها مجرّد أغنية يغنيها وينشرونها بالإنستغرام، وإذ حصدت عدداً كبيراً من الإعجابات والمتابعين سيكسبون مقابلها أموالاً طائلة.
وعندما إستلم أجره الأوّل، نال منه الطمع، وأغنية جرّت خلفها أخرى فأخرى، الى أن وصل به الأمر أن يرضخ لإقتراحات أمان الملحّة بالغناء بالحفلات الصغيرة التي تُقام في منازل الأثرياء، كحفلات أعياد الميلاد، والسهرات.
ولكنّه في نهاية المطاف، إنجرف خلف وسوسة الشيطان، وإنغرّ بحفنة من الأموال، يحاول جاهداً، إقناع نفسه اللّوامة، بأنّه لا يقترف الخطيئة بالغناء، فوجد نفسه يخطو بالخطيئة خطوة تتبعها خطوة، الأولى كانت متعثرة، مترددة، قلبه وعقله يؤنّبانه، ومن ثمّ وجد نفسه يتجرّد من حشمته الذي نشأ عليها منذ الصغر، حتّى وصل به الأمر أنّه فقد خشوعه بالصلاة، عاجز عن رفع كفيه نحو السماء، والدعاء بالمغفرة والرحمة.
إنّه يهوي، يهوي سريعاً، روحه تخسر خشوعها، وتتجرّد من خجلها ووقارها، وتنقاد خلف أطماع الدنيا وما تحتويها.
ولكنّه بالرغم من كل ذلك، يدرك أنّه بالمقابل سيخسر الكثير، وأوّلهم جنّة، وبصراحة، هو أبداً، ومن المستحيل، أن يختار أي شيئ مقابل جنّة.
الاّ جنّة
الاّ جنّته.

شتم بعصبية، يشبك أنامله بخصال شعره بعنف، زفر بضيق يتلفّت حوله بضياع، ماذا يحصل معها؟
لماذا لا تجيب على إتصالاته؟
لماذا لا ترد على رسائله بالرغم من أنّها تراها.
ولكن أين هي؟

« أنت تعلم بأنّ هذه فرصة لا تعوض، بأنّك ستكسب الملايين بغضون سنة واحدة، أموال طائلة من المستحيل أن تتمكن من الحصول عليها لو عملت لسنوات طوال بالهندسة، بعملك هذا أنت ترفس النعمة، وتتخلّى عنّا جميعاً» صاح به أمان لا يصدّق بأنّه يرفض توقيع العقد، ويشعر بالعجز أمامه، لا يعرف كيف يقنعه، إذ مستقبلهم جميعاً يتوقّف عند توقيعه، شركة التسجيلات كانت واضحة بما تريد، إنّها تريده هو، المطرب ذات الحنجرة الذهبية، وعندما أخبروهم أنّه بإمكانهم توفير مطرب آخر للفرقة، فأخبرهم المحامي بأنّ العقد منصوص لعدن دون سواه، وبأنّ العقد لن يبرم الاّ بتوقيعه هو قبل توقيعهم، وذلك الغبي، ما يزال مصرّاً على الرفض.

ترك عدن أمان خلفه يتجاهل توسّلاته، يسرع بخطواته نحو سيّارته، يشعر بأنّه على وشك فقدان عقله.
وصل الى سيّارته يتفقدها، لربما تكون بداخلها؟
زفر بضيق يخطر على باله أن يتصل بهدير، لربما، لربما تعلم عنها شيئاً ما، لربما تحدّثت اليها.
وعندما فعل وأخبرته الأخيرة بأنّها بالمنزل منذ أكثر من ساعتين، دخلت غرفتها وأقفلت الباب عليها، تنفّس الصعداء، يشعر بأنّه على وشك البكاء.
رفع بصره نحو السماء يحمد الله على سلامتها.
ترك كل شيئ خلفه وعاد هو الآخر الى المنزل، يتوعّد لها......

********************************

رنّ هاتفها للمرّة الألف، وتجاهلته للمرّة الألف
طرقٌ طفيف على باب غرفتها للمرّة المئة، مرفق بصوت هدير القلق.
« جنّة، أقسم لك، إذ لم تفتحي الباب سأسمح لعدن بالصعود اليك، وأنت تعلمينه جيّداً، هذا الباب الذي تختبئين خلفه لن يحميك منه»
تفقّدت هاتفها تقرأ رسالته الأخيرة
-والدي وعمّي وهديل بالمتجر
إذ لم تنزلي الآن حالاً
سأصعد اليك

زفرت بضيق تنزل عن السرير، سترت نفسها بحجابها وعبائتها وفتحت الباب واجدة هدير بوجهها
شذرتها هاتفة بها« حسابك معي عندما أنتهي منه، إنتظريني»
دخلت الحمّام المشترك، غسلت وجهها الشاحب تحاول إخفاء أثر بكائها الذي رصدته هدير بالحال، جففته، ترمق نفسها بالمرآة، لقد إتّخذت قرارها، قرارٌ بالرغم من صعوبته الاّ أنّه ضروري، ضروري لكي تتخلّص من عقدة الذنب الذي تشعر بها في كل مرّة تلتقي نظراتها بنطرات والدها وعمّها وثائر، بل بالأحرى بنظرات كل العائلة، إنّها تحمل سرّ عدن، سرّاً سيدمره ويدمرها معه إذ لم تردعه.

عليها أن تضعه عند حدّه،
نعم،
إذ بالرغم من عشقها له، الاّ أنّها لا تستطيع أن تستمر معه بتلك الطريقة، لن تستطيع أن تعيش معه بالشك والظنون، بالقلق والخوف، وإذ كان سيستمر بما يفعله باليفعل، ولكن من دونها.

إلتوت شفّتها هامّة بمعاودة البكاء المرير، بكاء عجزت عن لجمه لساعات وساعات، حائرة وخائفة، والألم يتآكلها، لا تقوى على رؤيته وإخباره، لا تقوى على مسامحته، والمصيبة الكبرى، لا تثق بنفسها قادرة على طلب الفراق منه.
ستموت من دونه، عدن هو طفولتها ومراهقتها وصباها، أفراحها وأحزانها، قلبها النابض بين جنباتها، وعقلها المشوّش، عدن أنفاسها ونبضها، وروحٌ تسكن بجسدها، كيف ستتمكن من نزع كل هؤلاء وإجبار نفسها على أن تحيا من دونهم.
وعادت للبكاء، شهقت بحرقة تدفن وجهها بين كفيها، تبكي بقهر، إنّها مرهقة، مرهقة التفكير، وضائعة الروح.
« جنّة» أتى صوت هدير من خلف الباب« أنت تخيفيني، ماذا يحصل معكما أنتما الأثنين؟»
مسحت جنّة دموعها، وغسلت وجهها من جديد، تنشّقت بعمق، تحتوي مشاعرها المتبعثرة، وخرجت من الحمّام، ومن دون تعليق، تجاوزت أختها تنزل السلالم نحو الطابق السفلي، فتحت الباب فوجدته أمامها، ينتظرها بلهفة، وقف عن المقعد الحديدي الموجود أمام المنزل، كرسي والدها الذي يجلس عليه مساء، بإنتظار صلاة العشاء.
إستقبلها بسيل من التأنيبات، لا يجد مبرراً لمغادرتها الجامعة وحدها ومن دون إعلامه، وتمنّعها عن الرد على إتصالاته ورسائله المتكررة والملحّة.

« هل جننتي؟ هل فقدتي عقلك، كيف تغادرين حرم الجامعة من دون إعلامي، بل بالأحرى، كيف تتجرأين على المغادرة وحدك، مع من غادرت، تكلّمي؟» صاح بها ينتبه للتو لملامحها البائسة،
مسح كفّيه المتعرقين ببنطاله مصدوماً من هيئتها، من مقلتيها الدامعتين، وأجفانها المتورمة، وأنفها الأحمر.
إنتفض قلبه جزعاً يسألها بقلق واضح بنبرة صوته
« هل أنت بخير؟ ماذا حصل لك؟ » سألها يقترب منها فصدمته بتراجعها رافضة قربه.
عقد حاجبيه هادراً بها بغضب، يجول بعقله الف فكرة « تكلّمي بحق السماء، لماذا غادرت الجامعة من دوني، وما الذي يجري معك؟»
ضمّت جسدها تحتويه بذراعيها،
تشعر بغضبها يعود اليها دفعة واحدة،
تستعيد لحظات حزنها الكئيب،
تستعيد خيبتها التي ذرفتها دموعاً غزيرة بللت وسادتها،
وغيرتها التي ما تنفك تنهش بجوفها بوحشية.
رفعت الهاتف بوجهه تريه صورته التي إستمرت بشحن طاقة غضبها بها منذ رأتها،
وضعتها نصب عينيه هادرة به« أنت السبب بكل ما يجري معي، لقد سئمت من كل ما يجري معك، سئمت من أصحابك الفاسقين، وغيابك وسهراتك السافرة، وما عدّت أرغب بتحمّل كل تلك الأمور، ما عدت أرغب بتجاهل ذلك الحدس بداخلي، الذي ينبئني بأنّ هناك مصيبة قادمة إذ إستمريت على حالك هذا، هل فهمت؟»
أخذ الهاتف من يدها يتفقد الصورة، تغضّنت ملامحه يحاول تذكر الواقعة، رفع بصره اليها تلين ملامحه، مسح على صفحة وجهه يبرر« الأمر ليس كما تظنين»
خطفت هاتفها من يده هاتفة به بحرقة تشوب حروفها« مهما كان تبريرك لي، أنت خرجت من خانة الأبرياء بمجرّد أنّك وضعت نفسك بخانة الشبهات، وأنا من المستحيل أن أعيش معك بالشك، أرى صورك المشبوهة مع معجباتك اللعينات، وأنتظر تبريرك لها كي يطمئن قلبي» صاحت به يتطاير غضبها بكل إتجاه، أخذت بضع أنفاس متحشرجة، رفعت سبّابتها بوجهه مردفة بغصّة«أنت تنسى نفسك عدن، تنسى منبعك وطينتك، تنسى ما أنشأك عليه والدك، أنت تقترف الخطيئة بمجرّد مصاحبتك لهؤلاء، فكيف بك بما تفعله وتشهد عليه معهم؟ أنت تنقاد خلفهم دون أن تشعر، بحيث تجرّأت وكذبت على والدك وخنت ثقته به، وإذ كنت تظن نفسك منيعاً ضدّ مغريات ذلك العالم المبهرج، فأنت واهم، فالله أمرنا بإجتناب الشبهات لأسباب محددة وموثوقة، لأنّ صحبة السوء تلك ستلوّث طهارتك في نهاية المطاف، وإذ لم يكن اليوم فغداً لا محال، وأنا لن أنتظر قدوم ذلك اليوم»
خلعت خاتم خطوبتهما بعصبيةٍ تسببت بجرح إصبعها، فتسرّبت بعض قطرات الدماء منه، قبضت على كفّه ورمته براحته تردف بحدّة وقسوة« إذ كان حبّي لك سيجلب التعاسة لي، فسأدوس عليه وأمزقه، وإذا كان حبّي لك سيجلب العار لعائلتي فسأطعنه بسكين وأدفنه تحت سابع أرض، هل فهمت؟»
أخبرته وهربت من أمامه صافقة الباب خلفها بعنف، تاركة عدن يحدّق بكفّه بذهول، لا يستوعب عقله وقلبه ما حصل، لا تصدق أذنيه ما نطق به لسان معشوقته،
هل ستتخلّى عنه بهذه البساطة!
بعد كل هذه السنوات!
بعد كل هذا الإنتظار؟
بعد أن ذاق طعم جنّته وأدمنها!
هل ستتخلى عنه بكل هذه السهولة والبساطة؟
هل ستقدر على فعلها؟

أغلقت الباب بوجهه وإستندت اليه تشعر بأنها على وشك الإنهيار، أعصابها تتراقص مسبّبة إنتفاض جسدها بعنف.
لا تصدّق بأنّها تجرأت على قول ما قالته، لا تصدّق بأنّ لسانها تمرّد على قلبها وتجرّأ على القسوة والتهديد بالفراق.
خائفة؟
نعم خائفة من أن يختار الغناء عليها، أن يرضخ لثورتها ويتخلى عنها.

شهقت بذعر عندما طرق على الباب خلفها يصيح بها بصوت حاول أن لا يكون صادحاً فيصل لعائلته التي تقطن بالمنزل المجاور.
« جنّة، إفتحي الباب، وهل تعتقدين أن مسألة الفراق تحصل بهذه السهولة؟» صاح بها يرى ظلالها عبر النافذة المحجرّة الزجاج.
« إرحل عدن، أنا، أنا أخذت قراري ولن أتراجع عنه الاّ إذ إبتعدت عن كل ما يخص أمان وشلّته.»
« إفتحي الباب ودعينا نتناقش وجهاً لوجه، كفّي عن تصرفاتك الصبيانية؟»
« أنا ما عدت طفلة عدن، صدّق ذلك، لم أعد تلك الطفلة التي تخاف من تهديداتك ومستعدة لفعل أي شيئ من أجل إرضائك.»
ضحك بسخرية يلقي بجبهته الى النافذة التي تتكئ عليها من الجهة المقابلة، هزّ رأسه عدّة مرات هامساً لها« وهل تنتقمين لنفسك منّي جنّة؟ هل أتى دورك الآن بالتهديد والوعيد؟ ما كنت أتصوّر بأنّي سأسمع منّك كلمة الفراق بيوم من الأيام، لطالما كنت متمسكّة بي، جنّة، ماذا جرى لك؟ »
مسحت دموعها بقهر هاتفة به« الذي حصل بأنّك لم تعد عدن الذي أحببته منذ طفولتي، لم تعد عدن الذي نشأت معه وقربه، عدني أنا يختفي تدريجياً عن هذا الوجود، ليحل مكانه إيدن ذاك، الذي خلقه أمان وشلّته »
« أنت مخطئة جداً» أخبرها يبعد جبهته عن النافذة ويستبدله بكفّه مردفاً« أنا ما زلت كما أنا، لم أتغير، أقسم لك، ولكنّي بذات الوقت، لم أعد ذلك الطفل أو المراهق، بل نضجت وتبدلت حاجاتي وأولوياتي ومسؤولياتي» أسند جبهته الى النافذة مردفاً « وبالنسبة لتلك الصورة، ليست سوى معجبة، حاولت إجتياح خلوتي أثناء فترة إستراحتي، خلال حفلتنا الأخيرة، وأنا بكل بساطة طلبت منها المغادرة، لا بدّ أن من أخذ الصورة لنا، أخذها بلحظة إستقصد فيها تضليل الحقيقة.»
أغمضت مقلتيها تستند الى الباب، تتوسّل جسدها الهدوء والسكينة، شهقت بحرقة تدرك بأنّها إذ إستمرت معه على هذا المنوال، ستبقى كل حياتها تدور معه بحلقات مغلقة، وهذا الأمر سيدمر حبّهما في نهاية المطاف، ومن أجل ذلك بالتحديد، ولأنّها ما تزال متمسّكة به بعزيمة، هتفت به بنبرة حاولت قدر الإمكان إخراجها ثابتة وواثقة، بالرغم من كل الصراعات التي تموج بأعماقها.
« لا تتعب نفسك عدن، مهما قلت ومهما بررت، وحتّى لو كنت صادقاً بما قلته، أنا أخذت قراري، إمّا أنا وإمّا شلّتك تلك »
خيّرته تنتظر ردّه
تنتظر قوله بأنّه من المستحيل أن يتخلّى عنها لأي سبب.
بأنّها بالنسبة اليه أهم من مال وشهرة العالم كلّه.
ولكنّه لم يفعل.
بل إبتعد
رحل وتركها تتلوّى حزنا وتكتوي غضباً
تبكي حسرة وخيبة
صعدت الى غرفتها تجرّ أذيال خسارتها خلفها.
لقد خسرت عدن.
خسرته عند أوّل منعطف بعلاقتهما.
وأكثر ما عزّ عليها
أنّه بعد كل ما مرّا به
بعد كل هذا العشق الذي نشآ عليه منذ الطفولة،
الذي نما بداخلهما وتجذّر وتفرّع!
بعد كل هذا!
يأتي الفراق سهلاً وبسيطاً ومن دون مقاومة؟
كأنّهما غريبان، إرتبطا البارحة وإفترقا اليوم.

تبعتها هدير بصمت، ترى أختها منهارة تماماً، ولكنّها أفهم من أن تسألها عن سبب حالها، بحالتها تلك.
ستنتظر الى أن تهدأ
ولكنّها أبداً لن تسمح لها بترك عدن.
إنّها أكثر من يعلم بحبّهما
وبأنّ كلاهما سيموت دون الآخر
عدن روح جنّة
وجنّة روح عدن
وإذ مات أحدهما
سيتبعه الآخر لا محال.
لا يهمها سبب المشكل
أو عمقه
ولكنّ بكل تأكيد يهمها أن تصلح الأمر بينهما، قبل أن يصل الخبر للعائلة، فيتأزّم الوضع أكثر بينهما.......

***************************************

طرقٌ طفيف على الباب مرفق بصوت والدها المغمّس بالحنان« جنّة، حبيبتي، لقد أخبرتني هديل أنّك مريضة» قال يشق الباب ويطل برأسه داخل غرفتها الكئيبة، يفتّش عنها.
تململت ترفع رأسها عن وسادتها تخبره بنبرة متهدجة« لا تقلق بابا، بردٌ خفيف، ولكنّي سأضطر للتغيّب عن الجامعة اليوم» كذبت عليه تدعو بسرّها أن لا يكتشف كذبتها، تسمع خطواته تدخل اليها، جلس على حافّة سريرها يملس على خصال شعرها بحنان« سلامتك حبيبتي، هل أترك لك هديل في المنزل»
« لا، لا تفعل بابا، أنتم بحاجة اليها بالمحل، وبيت عمّي قريب، سأقصدهم إذ إحتجت لشيئ»
هديل أختها الوسطى إختارت وأصرّت على ترك مدرستها والذهاب مع والدها الى محل الإلكترونيات بعد وفات والدتها، لطالما كرهت المدرسة والدراسة، وعلاماتها كانت بالكاد تتخطى نسبة النجاح، وفي أغلب الأحيان كان تعيد سنتها الدراسية كي تتمكن من جمع علامات تمكّنها من النجاح الى الصف الأعلى، ولهذا الأمر أصرّت على مرافقة والدها الى المحل وتعلّم كيفية إدارته منه، وبعد نقاش طويل وعناد منها، قبل والدها بطلبها على أمل أن تعود يوماً ما عن قرارها وتتابع دراستها التي كانت من الأساس تعاني فيها.
أمّا هدير، عبقرية العائلة، كما يدعوها والدها، نادراً ما تدرس ودائماً عند ظهور نتيجتها تكون من المتفوقين، ذكية، مرحة، ومشاغبة.

بعد أن إطمأن على حالها، عمد عماد على إخبار زوجة عمّها بأنّها نائمة بالمنزل ولن تذهب الى الجامعة، كي تطمئن عليها بين الحين والآخر وغادر مع أخيه وإبنته الى المتجر.

وهدير كانت قد جهزّت نفسها الى مدرستها، ولكن ليس قبل أن أمّنت الطريق لعدن بالصعود اليها، تأكّدت بأنّ الجميع رحلوا الى أشغالهم، وعمدت على إفساح المجال له للدخول الى المنزل.
« إنّها في غرفتها، لم تتوقف عن البكاء منذ البارحة»
أخبرته تشير له لغرفتها« عدن» نادته بنبرة محذّرة « إيّاك ثم إيّاك والخروج من تلك الغرفة قبل أن تصالحها، وإذ لم تفعل، سأقتلك بنفسي»

أخبرته سالبة إبتسامة باردة من عدن، ومأ لها يصعد الدرجات بخطوات رتيبة، يفكّر بالوضع الذي وصلا اليه، بكلامها القاسي الذي رمته بوجهه ليلة البارحة، مكتشفاً أن جنّة قادرة على التخلي عنه بدون تردد، جنّة قادرة على أن تعيش من دونه.

عصر قبضتيه يحاول إحتواء زوبعة المشاعر الذي إغتالته منذ صدامهما، ينمو بداخله خوفٌ لم يكن له وجود من قبل، خوفٌ من فقدانها، خوفٌ من أن يأتي يوماً وتتركه بحق، من أن تحقق وعدها بالفراق وتعاند عليه، سيموت حينها.
سيموت من دون جنّته التي القت لعنتها عليه منذ سنوات طويلة
يوم أخبرته بصوتها الطفولي البريئ
- بأنّها ستدعو الله ليلاً نهاراً كي يحبّها حبّاً جمّاً، ستدعوه كي يجبره على أن يحبّها كثيراً لدرجة أن لا يحب أحداً أكثر منّها الى الأبد.
وها هو فعل
لقد كانت حبّاً وعشقاً وصداقة،
كانت طفولته ومراهقته وصباه
كانت سنده وكاتمة أسراره
كانت عدوّته في بعض الأحيان
ومعشوقته في كل الأحيان.

خرجت هدير من المنزل وأغلقت الباب خلفها، ركضت الى الشارع عندما رأت باص المدرسة وقف أمام منزلها ينتظر قدومها.

وصل عدن الى غرفة جنّة يلملم شتات نفسه،
إنّها المرّة الأولى التي يصعد فيها الى الطابق العلوي من المنزل
وبكل تأكيد المرّة الأولى التي يدخل فيها غرفتها.
والمرّة الأولى التي تؤثر فيه مشكلة بينهما الى هذه الدرجة
لأنّها المرّة الأولى التي يخاف فيها على فقدانها.

وقف أمام الباب المغلق حائراً بكيفية دخوله عليها.
هل يطرق الباب؟
أم يدخل دون إستئذان؟
إذ علمت أنّه خلف الباب لربما تقفله وتمنعه من الدخول.
وعند تلك الخاطرة طرق الباب طرقة طفيفة وشقّه يطل برأسه يتفقدها داخلها.
يراها تدفن رأسها تحت الغطاء تتذمر« لقد سئمت من تطفّلك هدير، الم يأتي باص مدرستك بعد؟ إذهبي قبل أن يغادر من دونك »

أغلق الباب خلفه وتوغّل داخل الغرفة، يجول بنظراته حول تفاصيلها البسيطة، الوانها الهادئة التي تشبهها.
وقف بقرب السرير يرى عشرات الفوط المستعملة الملقات بإهمال فوق المنضدة، مدّ يده يتفقد إيطار صورة مقلوب على قفاه، قَلَبَهُ يبتسم بعفوية، وهو يراقب صورة خطوبتهما.
« الم أقل لك غادري» صاحت جنّة تنتفض من مكانها على وشك مهاجمة أختها، متفاجئة بأنّها عدن، فصرخت عائدة للإحتماء تحت الأغطية، تحاول ستر منامتها السافرة.
« عدن» صاحت به « ما الذي تفعله هنا بحق السماء؟» هتفت بإستنكار «كيف دخلت الى هنا؟» إنهالت عليه بالأسئلة
أعاد عدن الصورة الى مكانها بوضعيتها الصحيحة، وعاد بإنتباهه اليها، يراها تتكوّر تحت الأغطية، كأنّها تحاول حماية نفسها منه.
« لم تتركي لي خياراً آخرا» أخبرها بزفرة يجلس على حافّة سريرها« فأنت ترفضين النزول للحديقة لمتابعة نقاشنا الذي أنهيته بنفسك دون إفساح المجال لي لقول أي شيئ، وترفضين الإجابة على إتصالاتي»
« ماذا تريد؟» سألته، تريده أن يقول ما عنده ويغادر.
رفع بصره اليها يرمقها بنظرات حزينة عصرت قلبها،
قضمت شفّتها تحاول منع ظهور إرتعاشتهما، توشك على معاودة البكاء من جديد،
تشعر بقلبها يتقافز بين أظلاعها، عشقاً
وروحها تهفوا اليه، إشتياقاً

كرمشت الغطاء بأناملها تقظم حزنها،
تتوسّله بنظراتها أن لا يكسر قلبها ويمزق روحها بدعمه لقرارها الذي إتخذته بلحظة عجز
بلحظةٍ شعرت فيها أنّها تقف أمام مفترق طرق،
وعليها أن تختار إحداهما
وإذ لم تتصرف بحكمة، ستخسره الى الأبد
هي لا تريده أن يتركها
لا تقوى على فراقه
ولكنّها ظنّت بأنّها لربما إذ لوت ذراعه سيرضخ
سيعود لرشده
سيعود اليها

إنكمشت على نفسها لا تقوى على رؤية المزيد من نظرة الخيبة والعتاب التي يرمقها بها.
نظرة حزينة لائمة
تخبرها بأنّها طعنته بالصميم

« وهل تقوين على فراقي جنّة، هل تقوين على التخلي عنّي؟»
غامت مقلتيها بالدموع تهزّ برأسها، لا، لن تقوى على فراقه
بل ستموت من بعده

« أنت، أنت لم تترك لي خياراً آخر عدن» تمتمت تتوسّله أن لا يأخذ كلامها على محمل الجد
« ليس هناك من شيئ يجبرك على خيارك جنّة» أخبرها بغصّة « لم أتوقّع بحياتي كلها ولأي سبب من الأسباب أنّ أسمع منك ما سمعته البارحة، أن أدرك بأنّك قادرة على التخلي عنّي بتلك السهولة والبساطة، أنّ تلك الشفتين اللتين كانتا دائماً تفيضان بعبارات تغرقني عشقاً، قادرتين على النطق بتلك القسوة التي طعنت قلبي بالصميم»

شهقت ترفع أناملها المرتعشة تخفي خلفها شفتيها، تقاوم رغبتها بالإرتماء بحضنه وتوسّل غفرانه، تشعر بالألم يجلدها كسياط لاسعة.
رفع عدن بصره اليها، فتعانقت نظراتهما الملتاعة، كلاهما يتوسل مغفرة الآخر،
إنّها المرّة الأولى التي يراها فيها على هذه الحالة.
حالة يدرك جيّداً أنّه السبب فيها، وهذا الأمر يعذّبه جداً
يشعر بدموعها نيراناً تحرق وجدانه.
عقابٌ من الله، هو يستحقه وهي لا تستحقه.
تنهّد عدن بعمق يردف بنبرة مستسلمة خاضعة« وبالرغم من كل هذا، أنا سأحقق لك طلبك، سأفعله من أجلك، سأترك أمان وشلّته، سأترك الغناء وكل ما يربطني به، فقط كي أثبت لك بأنّك بالنسبة لي أغلى من كل شيئ، بأنّي من دونك أنا لا شيئ»
أخبرها ينتشل خاتم خطوبتهما من جعبته، بسط كفّه يطالب بكفّها لإعادته اليها، وهي حدّقت به بصدمة، لا تصدّق ما تسمعه أذنيها، لا تصدّق بأنّها نجحت بخطتها الواهنة، وتمكّنت من إرضاخه.
إبتسمت وسط دموعها، تغمرها غبطة الإنتصار، ضمّت ذراعيها الى صدرها تشعر بسعادتها ستهرب منها،
عدن إختارها هي بالرغم من كل شيئ، نعم، ولماذا لا يفعل، إنّه عدنها، عدنها الذي لطالما أثبت لها مرّة تلو الأخرى أنّها أغلى ما في حياته، أغلى من كل غالي بهذا الوجود.

أعطته كفّها الهزيل، تقبل بعودته، فأخذه يحتويه بين كفّيه لبرهة، يمتص إرتعاشة أناملها، البسها الخاتم ورفعه الى شفتيه، لثمه بشوق،
يشتاق اليها، يشعر بأنّه كان غائب عنها لسنوات وسنوات،
بأنّ أنهاره جفّت بسبب طول هجران أمطار عشقها وحنانها.
شعورٌ يخيفه.
يخيفه فراقها
ميقناً بأنّه لن يتمكن من المضي بحياته من دونها.

تنهّد بعمق يقول بنبرة مهتزة، يشعر بقلبه يتمزّق داخل صدره، إنّه يعلم بأنّه سيؤذيها بطلبه، ولكنّه لن يتمكن من الإطمئنان على مستقبل علاقتهما معاً دون أن يقدم على تنفيذه«ولكن بالمقابل أنا أريد منك شيئاً، شيئاً يزيل هذا الخوف بداخلي، يطمئنّي بأنّك من المستحيل أن تفكّري بهجراني »
عقدت حاجبيها لا تفهم ما يهذي به، لا تفهم مغزى كلامه.
وهو عزم على تنفيذ ما سهر الليل بطوله يفكر به،
يفكّر بقسوة كلماتها التي سقطت عليه كالمهدّة، هدمت حصون ثقته إتجاهها.
يفكّر بتهديداتها المتكرّرة بالهجران، مدركاً بأنّ جنّته على أتم إستعداد للتخلّي عنه.
وهذا الأمر بالذات عمل على حرق ثقته وزرع الشك مكانها، فقرّر أن يجد وسيلة يظمن بها جنّته، كي لا يترك لها خياراً.

إعتلى السرير يبعد الغطاء عن جسدها، يتأمّل ما تكشفه منامتها الحريرية بإنبهار، منامة مؤلّفة من قميص بأزرار، وشورط قصير يبرز جمال ساقيها المثيرين.
رفع بصره الى وجهها، مفتوناً بروعتها وبراءة ملامحها، بالرّغم من تورّم أجفانها من كثرة البكاء.
وقبل أن تحتضن نفسها بمحاولة عفوية لموارات جسدها من نظراته العابثة، أمسك بذراعيها يمنعها،
دنا منها ببطئ، كأنّها فريسة يتفادى إخافتها فتهرب منه،
دنا منها يلتهم ملامحها المنعشة بنظراته الساخنة، تشعر بها كأنّها قبلات فراشية تجول فوق بشرتها، فتشعلها رغبة،
شبك أنامله بخصال شعرها الأسود الفحمي، يتأمّل ملامحها الفاتنة بعشق تام، يراها أجمل النساء على الإطلاق، زوجته، ملكه، له، كيانه، قلبه وروحه وكل ما يربطه بالحياة.
دنا من وجهها يقبل كل عين على حدى، تمتصُّ شفتيه حرارتهما.
إبتعد بعد برهة يفسح لها المجال لإستعادة أنفاسها، يرى أهدابها ترفرف بنعومة، تصارع رغبتها بإبقائهما مغمضتين، علّه يعود لتقبيلهما وبثّ ذلك الشعور المذهل بأوصالها.
« هل تعلمين» سألها بنبرة إخترقت أسماعها كسمفونية عذبة أذابت جليد غضبها وحزنها الذي إستهلك كل طاقتها للقتال،
فتحت عينيها ترمقه بإسترخاء تام، تشعر بأنّها تطفو فوق الغيوم الهشّة.
« أنت أجمل وأروع إمرأة رأتها عيناي» لثم وجنتها الهشّة بلطف مرسلاً شرارة بكامل أنحاء جسدها يشعر به يرتعش مقابل جسده
« فاتنة، ساحرة، وفريدة» لثم شفتيها ينهم منهما عشقه وإشتياقه
« وأنا كرجل، لا أرى سواك إمرأة» لثم عنقها بحرارة فجرّت أعماقها رغبة «ليس هناك من إمرأة قابلتها وتمكّنت من سرقة نظرة إعجاب منّي» رفع بصره اليها يشاهدها خاضعة تماماً لتعويذته
«أتعرفين لماذا؟»
هزّت برأسها ترمقه بأجفان متثاقلة، تغرز أظافرها بساعديه، جسدها يتوسّله أن لا يتوقف عن ما يفعله، وعقلها يخبرها بأنّها لن تخرج سليمة من هذا الفخ.

« لأنّك تسكنين هنا» أشار لعقله
« وهنا» أشار لعينيه
« وهنا» أشار لشفتيه
«وهنا» أشار لصدره
« لأنّك تسكنيني يا معذّبتي»

دفعها برفق كي تستلقي على السرير وإعتلاها، دافناً شفتيه بشفتيها، نهم منهما برفق يفسح المجال لأنامله بفك أزرار قميص منامتها الحريرية، أبعدها عن جسدها ينزل بشفتيه نحو عنقها، فنحرها، تجول أنامله فوق جسدها الهش الخاضع له كليّاً، مغيّبة العقل تماماً، تهفو للمسته التالية كما تهفو رئتيها لنفسها التالي، وتهفو شفتيها لقبلاته، كما يهفو قلبها لنبضته التالية.

إستسلمت له غافلة عن نيّته،
غافلة عن أنّه هذه المرّة سيتخطّى الحدود،
سيذهب بها الى عالمٍ لا عودة منه،
غافلة عن أنّه هذه المرّة سيدمغها، سيضع علامته عليها، سيضمن لنفسه بأنّها له، بأنّها بعد هذه الهمسات المغرية واللمسات المشتعلة، الغيوم الهشة والأزهار الوردية، ستكون له،
له،
قولاً وفعلاً،
جسداً وروحاً،
ولتجرؤ بعد ذلك على تهديده بالفراق.

منال سلامة 24-09-19 03:03 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

تسلم ايدك امولة على الفصل والاحداث التي بدات تتوضح وتكشف بداية ما حدث مع جنة ...

(إستسلمت له غافلة عن نيّته، غافلة عن أنّه هذه المرّة سيتخطّى الحدود، سيذهب بها الى عالمٍ لا عودة منه، )
يا خسارة من قارئ ومجود للقرآن لمنتهك عرض تحت مسمى الحب والاحتياج والاشتياق هاي اخرة طريق اصدقاء السوء والصحبة السيئة الانزلاق للهاوية ..
هدير اختها اعتقد ما كانت تعرف هيك راح يصير والا ما كانت امنت له الطريق وتركته جنة وحدها معه ..

للاسف عدن خان أمانة عمه في الحفاظ على ابنة عمه ..
لقد سقط وسقط الى الحضيض بعد ان زين له الشيطان عمله منذ البداية عندما قدم اول تنازل لتتوالى التنازلات وهذا ما كانت جنة متخوفة منه ..
كما برر لها حكاية الصورة التي شاهدتها ..
ما فعله عدن مع جنة صدمة حقيقية واضح انها كانت البداية لسحب جنة الى الوحل معه ..

مان انسان حقير واضح انه غيور يحقد على عدن اراد ان يسحب جنة لعالمه ان يفعل معها كما باقي الفتيات في ذلك المكان الا انها صدته وضربته تاركة اياه مشتعلا مما فعلت ..والله يستاااهل
ياريتها ضربت عدن ليفيق مما هو فيه ...

وصف رااائع لمشهد جنة وهي تدخل ذلك العالم المنفر ...
(دخلت تتلفّت حولها تتفقد المكان، تشاهد شباباً وصبايا جالسين حول طاولات أنيقة المظهر، المكان كله يدل على الفخامة والمال.
إرتسمت فوق شفتيها إبتسامة ساخرة، تفكّر، وهل الآن أصبح الفساد عنوان الثراء؟
هل يجب على كل ثري أو ثرية في هذا البلد أن تستغل ثرائها ببيع نفسها للعيون واللمسات؟
هل أصبح معيار التفرّع والسفور يرتبط بمعيار الثراء الذي يتمتع به الشخص؟)


تسلم ايدك امل ابدعتي في عرض احداث الفصل باسلوب مثير فيه الكثييير من التشويق لما حدث مع جنة ..

امل القادري 24-09-19 07:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة (المشاركة 14502341)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

تسلم ايدك امولة على الفصل والاحداث التي بدات تتوضح وتكشف بداية ما حدث مع جنة ...

(إستسلمت له غافلة عن نيّته، غافلة عن أنّه هذه المرّة سيتخطّى الحدود، سيذهب بها الى عالمٍ لا عودة منه، )
يا خسارة من قارئ ومجود للقرآن لمنتهك عرض تحت مسمى الحب والاحتياج والاشتياق هاي اخرة طريق اصدقاء السوء والصحبة السيئة الانزلاق للهاوية ..
هدير اختها اعتقد ما كانت تعرف هيك راح يصير والا ما كانت امنت له الطريق وتركته جنة وحدها معه ..

للاسف عدن خان أمانة عمه في الحفاظ على ابنة عمه ..
لقد سقط وسقط الى الحضيض بعد ان زين له الشيطان عمله منذ البداية عندما قدم اول تنازل لتتوالى التنازلات وهذا ما كانت جنة متخوفة منه ..
كما برر لها حكاية الصورة التي شاهدتها ..
ما فعله عدن مع جنة صدمة حقيقية واضح انها كانت البداية لسحب جنة الى الوحل معه ..

مان انسان حقير واضح انه غيور يحقد على عدن اراد ان يسحب جنة لعالمه ان يفعل معها كما باقي الفتيات في ذلك المكان الا انها صدته وضربته تاركة اياه مشتعلا مما فعلت ..والله يستاااهل
ياريتها ضربت عدن ليفيق مما هو فيه ...

وصف رااائع لمشهد جنة وهي تدخل ذلك العالم المنفر ...
(دخلت تتلفّت حولها تتفقد المكان، تشاهد شباباً وصبايا جالسين حول طاولات أنيقة المظهر، المكان كله يدل على الفخامة والمال.
إرتسمت فوق شفتيها إبتسامة ساخرة، تفكّر، وهل الآن أصبح الفساد عنوان الثراء؟
هل يجب على كل ثري أو ثرية في هذا البلد أن تستغل ثرائها ببيع نفسها للعيون واللمسات؟
هل أصبح معيار التفرّع والسفور يرتبط بمعيار الثراء الذي يتمتع به الشخص؟)


تسلم ايدك امل ابدعتي في عرض احداث الفصل باسلوب مثير فيه الكثييير من التشويق لما حدث مع جنة ..

عزيزتي منال
ما بتعرفي كم سعادتي وانا اقرأ ريفيوهاتك
مشاركاتك تفرحني جدا
وبالنسبة لعدن
عدن اخطأ وما عاد عارف حاله كيف بده يخرج من الخطيئة
وكرماله عم بيلاقي حاله بدل ما يصحح عم يخطئ اكثر واكثر
خاصة بعد ما صار عنده هاجز الخوف من فقدان جنة الي لاحقة تهدده عند كل منعطف
وما بدنا ننسى انه اثنينهن بعدهن بسن اقرب للمراهقة منه للنضوج
هي 18 وهو 21

Gigi.E Omar 24-09-19 11:16 PM

افهم كدا ان جنة كانت حامل من عدن 🤔🤦‍♀
بس عدن عشان يضمن جنة معاه يتجوزها !!
ايه التفكير دا !
الخوف من ردة فعل جنة و اللي هتعمله 🤔
و هو صادق في كلامه و انه هيسيب الفرقة ؟؟ 🤔

و ااه امان كانت نيته سليمة يعيني 🙄
دخلها النادي و كذب عليها عشان يهديها من ناحية عدن و تسيب عدن لهم 😑
هيقدر يسيطر على عدن تاني و يخليه يوقع العقد ؟؟

امل القادري 26-09-19 06:49 AM

صباح الخير
ناطرة أرئكم ومشاركاتكم
ناطرة دفعة إيجابية
جنّة عدن
الفصل السادس

ضمّت ركبتيها الى صدرها جالسة بأرض الحمّام، دفنت وجهها بذراعها تحاول كتم شهقاتها المريرة.

تشعر بأنّها تقف على سفح جرف، وبزلّة قدم ستهوي نحو الأسفل،
ستتهاوى مطوّلاً قبل أن يرتطم جسدها بقعره
ستتألم كثيراً
ستتعذّب كثيراً
ستموت في الثانية الف مرّة
ولكم من الثواني سيمر عليها قبل أن تتلفظ أنفاسها الأخيرة

ما أصعب أن يأتيك الغدر من مصدر أمانك
أن يتحوّل حبيبك بلحظة الى عدوّك
أن يصبح جبلك الصامد، رفاتا
أن تتحوّل جنّتك الغنّاء لجحيم تتلوّى بنيرانه

لقد غدر بها عدن
إغتال براءتها بخبث
نال منها هادماً درب الاّ عودة
ولكنّه بالمقابل خسر الكثير
خسر روحها وقلبها
خسر الهدف الأساسي الذي من أجله دمّرها
وخلف باب الحمّام كان يقف هو
مدركاً فذاحة ما أقدم على فعله
مدركاً أنّ ذلك العالم الملوّث الذي إنغمس فيه، طاله منه الدنس

كيف سوّلت له نفسه أن يقدم على أذية أعز ما يملك بهذا الوجود
كيف سوّلت له نفسه على تدمير روحه
تمزيق كيانه
إحراق وجدان رفيقة دربه وعمره

زفر زفرة طويلة يطرق على الباب بخفّة، يناديها بنبرة مهتزة، ضعيفة، نادمة، معتذرة.
وما نفع كل هؤلاء بعد وقوع الواقعة
« جنّة، أرجوك، كفّي عن تعذيب نفسك، إفتحي الباب ودعيني أطمئن عليك »
أجابته بشهقاتها المريرة، شهقات تخترق صدره كسهام نارية تشعل كل ما تطأه.

كوّر قبضته يلكم الباب بعنف يهتف « جنّة لقد شارفت هدير على العودة، وهاتفك يرن منذ أكثر من عشرة دقائق، إنّه عمّي، أخرجي قبل أن يفتضح أمرنا وعندها لن يفيدنا الندم، أخرجي الآن، أخرجي وأصرخي بوجهي، إضربيني، أنّبيني، إفعلي بي كل ما ترغبين به، ولكن لا تهربي منّي، أخرجي وواجهيني»

ولم يلبث أن قال ما قاله حتّى فُتح الباب وخرجت منه بإندفاع، قفزت عليه مسببة فقدانه توازنه، فحضن جسدها بعفوية يتراجع بإندفاع، يحاول التوازن كي لا يقع، ولكنّ محاولته باءت بالفشل، إذ وقع على ظهره وهي فوقه، شبكت أناملها بشعره تجذبه بعنف

« أكرهك، أكرهك» صرخت بقهر
لكمت صدره بقبضتيها بقوّة لم تكن تعلم بأنّها تملكها« أيّها الحقير، أيّها النذل، أيّها الخبيث» وإستمرت بتعنيفه، وهو بالرغم من الألم الذي تسبّبه له، الاّ أنّه لم يحاول صدّها أو منعها

« أيّها الغدّار»
وأنهت عبارتها بِعَضِّ كتفه، عضّته غارزة اسنانها بعضله، تشعر به يقاوم ضدّ أسنانها، وعندما شعرت بألم بفكّها، حررته عائدة لصفعه، صفعته صفعات متتالية وهي تتمتم « لن أسامحك أبداً، أبداً، على سرقة ليلة زفافنا منّي، لن أسامحك أبداً على أخذها منّي بهذه الطريقة، لن أسامحك»
وهمدت فوقه، دفنت وجهها بصدره تبكي وتنوح، بكت وبكت، وهو إكتفى بضمّها، لا يجد كلمة أو عبارة تعبّر عن مدى أسفه وندمه على ما أقدم على فعله بلحظة ضعف،
بلحظة غباء،
بلحظة خوف من أن يفقدها.
يتمنّى لو أن قدميه قد شُلّتا قبل أن أوصلتاه الى غرفتها وفعل ما فعله

جسدها ينتفض مقابل جسده
يرتعش
ينوح

« لقد، لقد سرقت حلمي منّي عدن، سرقت حلم فتاة بريئة، تقف ليلياً أمام المرآة ترتدي قطعاً من جهازها، تخجل من نظراتها لنفسها، تتخيلك أمامها، تتخيّل غزلك لها، إعجابك بها، إندفاعك نحوها، تتخيّل رومانسية تلك الليلة وما ستحمله من أثر طيّب، وذكريات لطيفة نعود اليها عند كل منعطف، نعود اليها عند كل مشاحنة.»

شهقت من جديد، تحاول تحرير نفسها من بين ذراعيه، ففعل يفسح لها المجال بالإبتعاد، إبتعدت تستند الى الجدار خلفها، تعيد ضمّ ركبتيها الى صدرها، رمقت الأرض قبالتها تمسح أنفها من أثر الدموع الغزيرة التي ما تزال تنهمر.

« غادر، غادر» قالت بنبرة تابثة بالرغم من ذلك الصدع الحديث العهد بقلبها.
زحف عدن اليها، جلس قبالتها يتأمّلها بعينين دامعتين، يتمنى لو أنّه قادر على إعادة الزمن، قادر على تغيير ما حدث.
شبك أنامله بخصال شعره المبعثرة يزفر نفساً مشتعلاً، عصر قبضته يقاوم عدم الوصول بها اليها« أنا، أنا أعلم بأنّي أخطأت، أخطأت بما فعلته، وأعلم بأنّ كلمة أسف أو أعتذر لن تصلح ما حصل، ولكن صدّقيني، صدّقيني عندما أقول بأنّي فعلت ما فعلته خوفاً من أن أفقدك، لأنّي أعشقك، لأنّي سأموت من دونك، بأنّ حياتي لن يكون لها هدف أو معنى إذ لم تكون لك ومن أجلك، جنّة، أنا أحبّك، وأنت في نهاية المطاف زوجتي، نحن لم نقترف خطأً بما حصل، أنت زوجتي أمام الله.»

رفعت بصرها المشتعل اليه تجلده بسياط الغضب الذي يتجمّع بمقلتيها كعاصفة هادرة،
رفعت سبّابتها بوجهه هادرة به من بين أسنانها« أنا خطيبتك، خطيبتك أمام عائلتي وعائلتك وأهل قريتنا، أمام زملائي بالجامعة وزملائك، أنا خطيبتك ولست زوجتك، وإيّاك، إيّاك وأن تظن بأنّ ما حصل اليوم سيمنعني عن تركك في حال لعبت بذيلك معي، أو وجدتك غير أهلٍ لإتمام هذه الخطبة، هل فهمت؟»

وقفت من مكانها تشير له نحو السلالم تخبره« إرحل، غادر، وإيّاك أن تحاول لمسي بعد الآن، أنت ممنوع من لمسي أو إمساك كفّي حتّى الى أجل غير مسمّى»

أخبرته ودخلت غرفتها صافقة الباب خلفها، أسرعت نحو السرير، تجرّده من الملاءة والأغطية والوسائد وكل ما يحمل أثره، حملتهم وخرجت بهم نحو غرفة الغسيل، شذرته بدربها هاتفة به« لا أريد رؤيتك هنا عندما أعود»

مسح على صفحة وجهه يراقب قفاها يبتعد، تنهّد بعمق قلقاً من فكرة تركها وحدها، خاصّة وهي بتلك الحالة، حالة هو وضعها فيها، ويستحق الجلد من أجلها.

ولكنّه في نهاية المطاف قرر أن يغادر من الباب الخلفي عندما سمع جرس الباب الأمامي يُقرع، لا بدّ أنّها والدته، أتت كي تطمئن عليها، بناءً على طلب والدها، الذي غادر الى العمل وهو قلقاً عليها.

*************************************

صادف أن اليوم التالي كان يوم عطلة نهاية الأسبوع، تركت سريرها عند الفجر، بعد أن حاولت أن تحث عينيها المنهكتين على النوم طوال الليل دون جدوى، دخلت الحمّام، توضّأت وصلّت ورفعت كفّيها تتضرّع الى الله، تطلب منه أن يستر عليها، أن يغفر لها ولعدن، أن يعيد عدن الى الصراط المستقيم، أن تكون حادثة البارحة هي خاتمة أحزانهما، تضرّعت وبكت وإستغفرت ومن ثمّ غفت فوق سجادة الصلاة، ينال منها التعب والإرهاق قبل أن تعي.

وفي الحديقة كان عدن يقف تحت نافذتها، يراقب كل حركة بداخل غرفتها، يجلد نفسه وروحه على ما أقدم على فعله بها، نادماً حزيناً، تغمره الكآبة، كلماتها المحطّمة ما تزال تتردد بأذنيه،

-لقد سرقت حلمي البريئ، سرقت فرحتي بليلة زفافنا.

زفر بلوعة يمسح على صفحة وجهه عازماً على قطع كل صلاته بأمان وفرقته، بأسرع وقت.
« صباح الخير يا بني» أتى صوت والده من خلفه
« صباح النور أبي» ترك مقعده يشاهد والده يلف عبائته فوق ثيابه « أذاهب لصلاة الفجر؟» سأله
« نعم، هل أنت أتي؟» سأله والده وهو لم يتردد للحظة باللّحاق به.
نعم فاليبدأ نهاره بصلاة الفجر جماعة بمسجد القرية، ومن بعدها يذهب الى أمان.

***********************************

أتى المساء وعدن ما يزال لم يعد للمنزل، وهي بالرغم من غضبها الاّ أن غيابه بدأ يلعب على وترها الحسّاس، خائفة من يكون قد عاد الى أمان،
من أن يكون قد خدعها وكذب عليها بمسألة تركهم، خاصّة بعد أن ضمن لنفسه أنّها من المستحيل أن تتركه.

قبضت على صدرها تشعر بألم عظيم يغتالها، تنبؤها روحها بقدوم مصيبة،
أمّ أنّها فقدت ثقتها كليّاً بعدن؟
فقدت تفاؤلها، فأصبحت تتوقّع الأسوأ،
تتوقّع الأسوأ وتنتظر قدومه.
وهذا بالتحديد ما إستغلّه المُرسل، عندما قرر لعب ورقته الأخيرة معهما......

طنّ هاتفها قبل غياب الشمس بدقائق معدودة، يحمل معه فاجعة
فاجعة ستغيّر خارطة تاريخهما
ستمزّق كيان العائلتين
ستحرق طفولتهما
وصباهما
وذكرياتهما
وتحوّلها الى هشيم

فتحت هاتفها تحدّق بالشاشة بصدمة إعتلت ملامحها
بقلب يتقافز بين جنباتها
بروح تتملّع وتتمزق
بأعصاب تهتز منهارة

وفي ذات تلك اللحظة رأته يركن سيّارته أمام المنزل، فأسرعت اليه،
تفور غضباً وحقداً وكرهاً أعمى بصيرتها
حافية القدمين قطعت الحديقة تلاقيه دخل البواّبة الحديدية

وهو بكل شوق لاقاها
غافلاً عن كل ما يعتمل بجوفها

وصلت اليه صارخة به ملئ حنجرتها
غير عابئة لمن يصل اليه صوتها
صرخت بكل قهر الدنيا
تموج بطيّات الغدر والخيبة

وصلت اليه تدفعه بقبضتيها، فإرتدّ جسده على إثر ضرباتها الواهنة تصيح به بنبرة ممزقة عاجزة، فقدت كل مقوّمات القتال والمقاومة
« أكرهك عدن، أكرهك لدرجة أنّي قادرة على قتلك بيدي هاتين» تمسّكت بتلابيب قميصه تهزه بعنف، شعرها يتحرّر من تحت حجابها، مقلتيها مشتعلتين غضباً وأسنانها تصك ببعضها تحاول كبح جماح لسانها السليط.

« أتمنى لو أن زوجة عمّي لم تنجبك لهذه الحياة، لو أنّك لم تكن إبن عمّي، لو أنّي لم أقع بعشقك منذ طفولتي، لأنّك لا تستحق، لا تستحق »
صرخت بهيستيرية تطلق سراحه يترنّح جسده فإستند الى حاجب البوّابة الحديدية، يحاول فهم سبب غضبها هذا، لماذا هذا الغضب وهذه القسوة بالكلام، فهو لم يقترف أي خطأ يستحق عليه ثورتها هذه.

« ماذا حصل لك جنّة، ما هذا الجنون بحق السماء؟»
« أيّها النذل، الفاسق، أنت تستحق أن تتلوّى بنيران جهّنم على أفعالك المشينة، يا عار العائلة بأكملها»
قبض على ساعديها يهتف بها بنبرة محذّرة« ما بك، ما أصابك، إهدئي قبل أن تفضحينا»

طلب منها قلقاً من يصل صراخها الى والده وعمّه الّلذان يتبعانه.
« أفضحك» بصقت العبارة بسخرية مردفة« ومن أخبرك بأنّي لن أفضحك، سأفضحك، سأفضح خداعك ومكرك، وسفورك، سأفضحك أيّها السكير، الزنديق، الزاني، سأخبر عمّي بكل فضائحك، سأخبره عن كل أفعالك القبيحة وكذبك وخداعك له، عن سهراتك الماجنة، بين كؤوس الخمر والنساء العارية والموسيقى الصاخبة التي تعج بشياطين الأرض، سأخبره» صرخت تنتفض بين ذراعيه وهو يحاول إسكاتها، يحاول مداراة الأمر قبل أن يصل لمسامع والده وعمّه.

وهي إستمرت بالصراخ عالياً.
فضحته
فضحت سرّه
لقد سترته وهو يخطئ
وفضحته بعد أن تاب وعاد الى ربّه
فضحت سرّه بأقبح الطرق
فضحته ودمّرته وسلخت جلده عن لحمه
جنّة جنت عليه بأقسى طريقة ممكنة.

وعندما قدم والدها وعمّها لم تسكت
لم ترصخ لتوسلات عدن الصامتة أن تستر عليه
أن تعفيه من غضب فات أوانه
من عقاب على خطئ تاب عنه

وقفت بين عمّها الملكوم ووالدها المذهول منها
إذ بحياته لم يرى إبنته على هذه الحالة
بحياته لم يتوقّع أن يسمع منها ما سمعه
إتهاماتها
حرقتها
إنكسارها
ثورتها

أخبرتهم عن كل شيئ
غناء عدن
سهراته الماجنة
النساء العاريات
المشروبات الروحية

ووثّقت كلامها بالصور
فتحت هاتفها ووضعته بوجه عمّها المصدوم والملكوم
الذي يشاهد إبنه البار
ربيب يديه
حافظ القرآن
وقد هوى بهوّة مظلمة تحت قبضت الشيطان

وعدن الصدمة ربطت لسانه
لا يستوعب عقله وقلبه
لقد وشت به
فضحته
دمّرت صورته المثالية
لقد رمته تحت إطارات شاحنة تسير بسرعة هائلة وتركته لمصيره

وبكل هدوء
أعاد كامل الهاتف الى إبنة أخيه، ووجّه إنتباهه كاملاً الى إبنه الصامت كليّاً
ملامحه شاحبة
وعقله يموج بأسئلة لا يجد لها أجوبة
أين أخطأ معه ؟
أين قصّر بحقه؟
ما الذي أخطأ فيه كي يقوده لفعل ما فعله؟
وهو من قضى عمره يعمل بكد كي لا يحرمه من شيئ وهو وإخوته، حرم نفسه من الكثير كي يجمع الأموال التي يحتاجها لجامعته، جامعة لم يرضى الاّ أن تكون الأفضل على الإطلاق، وبالرغم من أن أقساطها تفوق قدراته الماديّة، الاّ أنّه لم يبخل عليه بها، بإعتبار أنّه يصنع له مستقبلاً أفضل
يستثمر به

وبنهاية المطاف هكذا يكافئه!
بمرغ سمعته بالوحل!
يدوس بكعب حذائه على كل ما أنشأه عليه !
يقع أسيراً لمغريات الشيطان!

وبكل هدوء، وبخطوات بطيئة متهالكة، إقترب منه
وصل اليه رافضاً فك لِحام نظراتهما
يرمقه بخيبة تفيض حزنا وقهراً، على إبن وضع فيه كل أماله وفخره،
فظلّ الطريق أشد ظلالة.

وبكفٍّ تهتز صفعه صفعة دوت أرجاء المكان
صفعة خطفت شهقة من بين شفاه جنّة التي أدركت للتو فذاحة ما أقدمت على فعله
بَرَدَ غضبها وعاد اليها عقلها
وأدركت فضاعة ما أقدمت على البوح به

« يا خيبتي بك، يا إبني وفخري، يا خيبتي على ما أنشأتك عليك طفلاً ومراهقاً، على وعد نفسي بالجنّة مكافأة عليك، على كل قرشٍ حرّمته على أهلك من أجل تأمين أقساط جامعتك، جامعتك التي إمتصّت دمّي حتى الرمق الأخير، وأنا لا أجرؤ على التذمر كي لا أكسر بخاطرك وأجعلك تشعر بالدونية»
« أبي أنا..» حاول التبرير
وأسكته بصفعة ثانية هادراً به« أغرب عن وجهي، لا أريد رؤيتك، لا أتحمّل رؤيتك، أو سماع صوتك، إرحل، أنت من اليوم ليس لك مكاناً هنا، هذا منزل طاهر، طاهر وشريف، ولا مكان فيه لعبدة الشياطين، إرحل»
« وحّد الله يا كامل» هتف عماد يحاول تهدئة النفوس، بالرغم من أنّه يستنكر كل ما سمعه ورأته عينيه، لا يصدّق أن إبن أخيه البار الذي إختاره زوجاً لإبنته، يتحوّل بين ليلة وضحاها الى زاني وفاسق بوثائق منتشرة عبر الوسائل الإجتماعية.

« وقبل أن تغادر، إرمي يمين الطلاق على إبنة عمّك، أنا من المستحيل أن أرغب لها بزوج مثلك، أيّها الفاسق الزاني»
« لا» شهقت جنّة
وهو التفت اليها يرمقها بعينين غائمتين،
يشعر بالأرض تنهار من تحته،
بلهب نيران جهّنم تتطاول بأذرعتها اليه،
تحاول جذبه الى قعرها وإحراق روحه قبل جسده.
لقد دمّرته جنّة
دمّره شكّها وضنّها
دمّرته وهو في أكثر أوقاته ضعفاً وبحاجة لدعمها

هزّ رأسه رافضاً أمر والده« لا، جنّة زوجتي، وأنا أرفض تطليقها»
« أنا من المستحيل أن أقبل بإتمام زواجك بإبنتي بعد الذي علمناه عنك، ورأينا دليله بأعيننا» علّق عماد، إذ نعم، إنّه يؤيد أخيه بهذه المسألة، فهو من المستحيل أن يقبل بإتمام هذا الزواج بعد الآن « أنا زوّجت إبني لإبن أخي البار بأهله، حافظ القرآن الكريم، المرتّل والمجوّد، الذي لا يقطع أو يؤخر أوقات صلاته لأي سبب، مصدر فخر العائلة، الرجل الذي سيحمي إبنتي ويصون شرفها، وليس المغنّي والزنديق، الزاني وزائر الملاهي الليلية»
« طلّقها» هدر به والده يهجم عليه، يشعر بالرغبة الجامحة بتطويق كفّيه حول عنقه وسحب أنفاسه منه، فسارع عماد اليه يمنعه عنه، يحاول تهدئته.

تراجع عدن بضع خطوات متعثّرة، يحاول تفادي قبضة والده هاتفاً بنبرة متحشرجة« لا، لن أفعل، أرجوكما، لا تجبراني على تطليقها، لقد تبت، تبت وأعدكما بأنّي سأعود لسابق عهدي، لقد تركت الغناء أقسم لكم»

لقد كان عند أمان صباحاً، ذهب اليه يخبره بأنّه ينسحب من الفرقة،
والأخير فقد رشده عندما أخبره يصرخ ويصيح ويهدد، ومن ثمّ غيّر إستراتجيته، يحاول إغرائه بالمال، بأنّ يضاعف حصّته مقابل كل أغنية وحفلة يقيمونها، ولكن عدن بقي مصرّاً على رأيه،
قطع علاقته به كليّاً، يسأله أن لا يحاول الإتصال به لأي سبب من الأسباب.
ومن ثمّ عرج على محل والده وعمّه وبقي هناك معهم يساعدهم في نقل البضائع وتوزيعها، كما كان يفعل سابقاً، ولكم شعر بالراحة النفسية حينها.
كأنّ الجبل الذي كان جاثماً فوق ظهره يتصدّع ويتفتت مع كل ذرّة عرق يذرفها بعمله تحت إمرة والده، وبكل ركعة خشوع صلاّها خلف عمّه
شعورٌ إشتاق اليه، وأدرك قيمته الفعلية بعد أن فقده ومن ثمّ عاد اليه،
الشعور برضى الله وأمانه.

« ستطلّقها» صاح به والده« هذا سيكون عقابك على خداعك لنا لكل هذا الوقت، ظنّاً منك أنّني غبي، غافل، وأنّك ستتمكن من المضي بالإنغماس بوحولك وتنديس شرف العائلة دون أن يصل لنا الخبر، لقد سوّدت وجوهنا، ومرغت سمعتنا بالطين أيّها العاق، لقد كسرت خاطري وظهري وبصري أمام الناس، كيف سأبرر لأهل القرية صورك وفيديوهاتك السافرة والماجنة المنتشرة على وسائل التواصل، السهلة الوصول اليها؟ ماذا سأخبرهم، عندما يسألوني عن ولدي المهندس الذي كان يؤمُّ بهم أيّام الجمعة؟ هل أخبرهم بأنّه تحوّل الى مغنّي تحوم حوله الراقصات العاريات؟»

بصق بوجهه يقاوم قبضة أخيه، يحاول الوصول اليه هادراً به «ستطلق جنّة وتغادر هذا المنزل، لأنّه لا مكان لك بيننا بعد الآن، هل فهمت؟»

«لن أفعل، لن أفعل الاّ إذ هي طلبت ذلك» قال يتوسّلها بنظراته أن لا تتخلى عنه، إنّها ورقته الأخيرة، جنّة هي الخيط الغليظ الذي ما يزال يربطه بدينه وعقيدته ومنشأه، إذ تخلّت عنه سيهوي دون رادع،
سيهوي بجحر الشيطان دون أن يجد من ينقذه منه.

إنكمشت جنّة على نفسها، تجول بنظرها المضطرب بين الجميع، والدها الذي عقد حاجبيه هاتفاً بها بإستنكار« أنت عقابك سيأتي لاحقاً، لا تظنّي بأنّي سأسكت على صمتك عن قبائحه لكل هذا الوقت، والله وحده العالم، لو أنّك لم تكتشفي خيانته لربما كنت ستستمرين بالتستر عليه الى أحل غير مسمّى» هتف بها عماد، لا يصدّق تأثير عدن عليها، لا يصدّق بأنّها قبلت على التستر عليه لكل هذا الوقت، قبض على أخيه يمنعه عن مهاجمة إبنه هادراً بها بنبرة أجفلتها« أسأليه أن يطلّقك، وإذ قررت الصمت، سأغضب عليك الى يوم الدين»

هزّت برأسها يغمرها العجز.
وماذا كانت تتوقّع أنّه سيحصل بعد أن تفضحه أمام أهلها؟
يا لك من غبية!
يا لك من بلهاء!
والآن ماذا ستفعلين؟
عادت بنظرها الى عدن.
تشاهد إنكساره بكل معالم جسده
ماذا فعلت به؟
« جنّة» صاح بها والدها، أجفلها
شهقت تكتم شهقتها بكفّها المرتعش هاتفة بنبرة متهدّجة « ط، طلّقني»

**************************************

الى نفسي العزيزة

أغمضِ عيناي روحك وتنفسي الحياة
تنشّقي الطاقة والقوّة والصلابة
تنشّقي الشجاعة التي تحتاجين كي تتخلي عن الماضي والمضي قدماً
والآن إزفري الآمك وخيباتك،
بأسك وأحزانك التي تثقل صدرك بالهمِّ والشجن
فقط تنفّسي.

شهقت بعمق تنتفض من غيبوبتها، تتلفّت حولها بضياع، تشعر بالإختناق، فأتت ردّة فعلها العفوية بجذب أنبوب الغذاء من فمها تسعل بشدّة.
دارت بنظرها المشوّش تسمع طنيناً قوياً تعلو وتيرته تدريجياً.
حاولت الإعتدال بجلستها تشاهد عدداً من الممرضات يدخلن عليها الغرفة، فعاد جسدها يتهاوى فوق السرير مستسلمة لوهنها.

«إهدئي، إهدئي، الحمدلله على سلامتك» قال الطبيب يتفقد مؤشّراتها الحيوية تلين ملامحه بعطف.
« هل بإمكانك إطلاعي على إسمك؟» سألها يراها تهيم وسط ذكرياتها
إنفرجت شفتيها هامّة بالرد على سؤاله فخرج صوتها على هيئة بحّة خافتة، تنحنحت تجرّب من جديد فخرج جافّاً متحشرجاً« جنّة، أدعى جنّة عقيل»
إبتسم برفق « كم عمرك؟»
« تسعة عشر» تنحنحت من جديد
« في أي عام نحن»

عقدت حاجبيها مستغربة سؤاله تحاول الإعتدال من جديد لتعود وتهمد بسبب الألم الذي ضربها دفعة واحدة، تأوّهت تحاول إفلات يدها من يده، فقبض على كفّها يمنعها، يعيد سؤاله« في أي عام نحن جنّة»
« عام 2019، ولكن ماذا يحصل لي، لماذا أنا هنا؟»

« لقد تعرضتي لحادث سيّارة وأصبت خلاله إصابة بليغة» أجابها الطبيب مردفاً« ما هو آخر شيئ تذكرينه جنّة؟»
« آه، أذكر...» وصمتت ضائعة وسط ذكرياتها،
ما هي آخر ذكرى لها؟

لاحظ الطبيب إضطراب ملامحها« لا تقلقي، من الطبيعي أن تشعري بالتشوّش، ستعود لك كل ذكرياتك تدريجياً، المهم أنّك عدتي لوعيك أخيراً، كنّا قد بدأنا نقلق عليك مؤخراً»
أخبرها يربّت على ذراعها، نزع الكمّامة عن فمه كاشفاً عن إبتسامته الوديعة، لقّن الممرضات واجباتهن وما عليهن القيام به ومن ثمّ عاد اليها قائلاً.
« سننقلك الى غرفة عادية الآن، وإذ كنت فتاة مطيعة لربما تغادرين بغضون أيّام»

أخبرها يراها تصارع جاهدة، علّها تتذكر شيئاً من أحداث الحادث المزعوم الذي أوصلها الى هنا، ولكنّها عادت بذكريات مبعثرة مشوّشة لم تفهم منها شيئ.

« إرتاحي الآن، ولا تفكّري بذلك الأمر، أعدك بأنّ كل شيئ سيكون على ما يرام»
حادثها بنبرة هادئة يشير للمرضة أن تحقنها بمهدئ للأعصاب يشاهدها تحاول مقاومة نعاسها دون جدوى.

بقي فوق رأسها يراقبها لبرهة عاجز عن نزع نظره عنها، رقيقة ولطيفة وكنزٌ من كنوز الدنيا.
خسارة ما حصل لها.
وخسارة ما فعلوه بها.
وليلطف بها الله من هول القادم.

غادر الغرفة ينتشل هاتفه من جعبته وإتصل مباشرة بثائر.

لقد مرّ على غيبوبتها 40 يوماً، وها هي عادت اليهم من جديد بعد أن كانوا قد بدؤوا بفقدان الأمل بها.
ولكن يبدو أن مريضته مناضلة تأبى الإستسلام بسهولة.

« الو، نعم، سيّد ثائر، لقد إستيقظت أخيراً، من الأفضل أن تأتي حالاً، نعم، ستحتاج لوجودك عندما تستيقظ من أثر حقنة المهدئ التي أعطيتها إيّاه، إنّها خائفة، وبكل تأكيد ستحتاج لوجود أحد من أفراد عائلتها عندما تستعيد وعدها»

أقفل ثائر الهاتف قابضاً عليه بعنف، شرد يفكّر بخطوته القادمة.
لقد عادت جنّة من غيبوبتها، والآن حان وقت الجد، عليه أن يخبر عمّه بالمستجدات.

عليه أن يعلم بأنّ إبنته التي قام بدفنها منذ أربعين يوماً قد عادت للحياة.
إنّه يعلم بأنّ عمّه بالرغم من كل ما فعله، وبالرغم من كل ما حصل، ما يزال هناك جزءٌ منه يحنّ لصغيرته، يشتاقها، يحبّها وعاجز عن التوقف عن التفكير بها.

إنّه يلاحظ ذلك من نظراته المتساءلة في كل مرّة يلتقي به، يعمد على فتح أحاديث جانبية ينتظر منه أن يخبره عن أحوال جنّة .
ولكن ثائر يؤثر الصمت، يدّعي الغباء، يريده أن يسأله عنها دون مراوغة، يسأل عن إبنته التي ظلمها دون أن يعطيها فرصة الدفاع عن نفسها، حكم عليها بالإعدام قبل إستجوابها.

حتّى المجرم يحق له بالدفاع عن نفسه قبل إصدار الحكم عليها، ولكنّ عمه حكم عليها بالإعدام غيابياً، وهذا كان بحد ذاته من أقصى درجات الظلم بحق الأنثى في المجتمعات العربية التي ما تزال في أغلب الأحيان ترضخ لقانون العادات والتقاليد وتُبَدَّيهِ عن قانون الحرام والحلال.

زفر بحرارة يمسح على صفحة وجهه بضيق، التفت عندما شعر بحركة قادمة من خلفه يشاهد زوجته سحر تفتح باب الشرفة الزجاجي وتخرج اليه.
إقتربت منه تسند ذراعيها الى السياج المنخفض تتأمّل الأراضي الزراعية الممتدة خلف منزلهما.

تنشّقت بعمق هامسة« سأشتاق للطبيعة هنا عندما نغادر الى أمريكا»
التفت اليها يرمقها بحاجبين معقودين« ومن أخبرك بأنّي سأغادر الى أمريكا، سحر»

التفتت اليه هي الآخرى تشعر بأنفاسه الدافئة تلفح بشرتها بلطف، إبتسمت إبتسامتها الفاتنة التي تجيد التلاعب بها وكسب ما تريد، تقول « لا تقول بأنّك بدّلت رأيك حبيبي، لقد وعدتني بأنّك ستسمح لي بالعودة لإكمال دراساتي العليا، أنا كسبت منحة ثائر، ولا أريد خسارتها»
ضيّق بها حدقتيه لا يصدّق بأنّها ما تزال تصرّ على قرار السفر ذاك، نعم لقد وعدها، ويذكر وعده ذاك جيّداً، ولكنّ يبدو أنّه بالرغم من ذكائها المفرط إستملكها الغباء أثناء تلك المحادثة، هل فقدت عقلها زوجته« هل أنت جادّة سحر، ما زلت تفكرين بمسألة الذهاب الى أمريكا بوضعنا هذا»
« أي وضع، أنت أخبر....»

« أخبرتك بأنّك إذ كنت تصرين على الذهاب فالتفعلي سحر، ولكن وحدك، هل فهمتي وحدك، أنا لن أترك عملي هنا كي أرافقك وأعمل جليسة أطفال للتوأم هناك»

« ولكن، ولكن» تمتمت تشعر بأنّ الأرض تنهار من تحتها، لقد ظنّت بأنّها تمكّنت من حلّ تلك المسألة معه، بأنّه إقتنع بأن يأتي معها.

« أنا لا يمكنني أن أذهب وحدي ثائر، لن أتمكن من أن أكافئ بين جامعتي والإهتمام بالتوأم»
رفع حاجبه يرمقها لبرهة بإستهجان، نخر ضاحكاً بسخرية« أظن بأنّنا سبق وناقشنا هذه المسألة بالتحديد سحر»
« نعم» أجابته تزدرد بلعابها، تدرك بأنّها أخطأت بفهم كلامه أثناء مناقشتهم للموضوع المرّة السابقة.

« نعم سحر» أجابها « عندما أخبرتك بأنّك عندما تقررين السفر أتركي أمر التوأم لي، لم يكن قصدي بأنّي سأسافر معك، بل قصدت بأنّي لن أمنعك من السفر لإكمال حلمك لنيل شهادة الدكتوراه، وأنا سأهتم بأمر التوأم هنا»

تغضّنت ملامحها، تشعر بأنفاسها تنسحب منها عنوة، هل هو جاد؟
سيتركها تذهب وحدها؟
إنّهما سنتين، سنتين ستعيش خلالهما بعيداً عن التوأم وعنه؟

وهل يظنّها غبيه؟
بأنّها لن تفهم مغزى تصرفاته تلك، يجعلها تعتقد بأنّه يضع القرار بيدها، ولكنّه بذات الوقت يضع أمامها عقبات بحجم الجبال، لا يريدها أن تتهمه بيوم من الأيام بأنّه وقف عقبة أمام حلمها، وبذات الوقت يكبّل ساقيها وذراعيها بسلاسل حديدية ذات أقفال صعبة الحل.

ولكنّها لن ترضخ له بسهولة، إذ كان هذا حلّه الوحيد ستقبل به، ستسافر من دونه ومن دون التوأم، سنتين وتعود، أو بإمكانها أن تستغل العطلة الصيفية بزيارتهم ومن ثم تعود لتكمل سنتها الثانية، لربما حينها يشفق على حالها ويرافقها، هذا إذ لم يشتاق اليها قبل ذلك ويقرر اللّحاق بها، إنّها تعلم ثائر جيّداً، لن يطيق فراقها.

هزّ برأسه تغمره الخيبة، إذ لآخر لحظة ظنّ بأنّها ستفضّل البقاء بقربه وقرب التوأم على تركهم لسنتين كاملتين لاهثة خلف حلمها، نعم، إنّه لا ينكر بأنّه حاول تصعيب الأمور عليها كيلا لا تفعل، ولكن يبدو أنها ستتبع حلمها مهما كان الثمن.

أولاها ظهره هارباً من نظراتها المتوسّلة بأنّ يتفهّم دوافعها، إذ بنهاية المطاف هو حقاً وعدها بأنّ لا يقف عقبة أمام إكمالها دراستها، ولكنّه أبداً لم يتخيّل بأن تنال منحة دراسية الى أمريكا.
أمريكا تلك لم تكن من ظمن معادلته أبداً.
لقد تزوجها وهي ما تزال سنة ثانية طب أسنان مقررين بأن لا ينجبا أطفالاً الاّ بعد تخرجها، ولكن شاء القدر أن تحمل بالتوأم، فوعدها بدعمها ومساعدتها عليهم، فكان بالرغم من عمله كصيدلي ينظّم أوقات عمله كي يكون حاضراً للإهتمام بالتوأم كأنّه هو الأم والأب خلال فترات إمتحاناتها وإنشغالها بالجامعة ينتظر تخرجها بفارغ الصبر.
وإذ بها تفاجئه بعد تخرجها بإكتسابها لمنحة دراسية في أمريكا مصرّة على إستغلالها.

تصلّب جسده عندما شعر بكفّها على كتفه تندس بظهره، القت برأسها الى كتفه هامسة بنبرة فاتنة« وهل يهون عليك فراقي لسنتين كاملتين، هل نسيت كيف كنت ستفقد صوابك عندما أخبرك والدي بأن لا نتزوج الاّ بعد أن أتخرج» طبعت قبلة دافئة على عنقه هامسة بأذنه« كنت ستفقد صوابك الى درجة وعدته بأنك ستدعمني وتقف جنبي الى أن أتخرج»
إستدار يواجهها مسبّباً تراجعها عنه بضع خطوات صغيرة، وقف بوجهها هاتفاً بها بضيق« ولقد وفيت بعهدي ووعدي سحر، دعمتك الى أن تخرجتي، وأخبرتك بأنّي لن أمنعك عن العمل »
« ولكنّك تعلم بأنّ فرصة ذهابي الى أمريكا لا تعوّض، وهناك الملايين يتمنونها» حاولت تبرير نفسها
« وأنا لا أمنعك من الذهاب، ولكني لن أرافقك، والتوأم سيبقى هنا معي، بإمكان والدتي أن تساعدني بالإهتمام بهم الى أن تعودي»

حدّقت به بمقلتين تهتزان يراودهما الدمع« هل هذا هو قرارك الأخير» سألته بصوت مخنوق
« نعم، قراري الأخير» أخبرها هارباً من نظرتها الكسيرة تلك، يشعر بها تحاول إختراق جدار عناده « وأتمنى لا تناقشيني فيه ثانية.»

« ولكنّي، لا، لا أريد الذهاب وأتركك غاضباً منّي» هتفت بإنفعال تحاول منع نفسها عن البكاء
رمقها مطوّلاً، حائراً بأمرها، وماذا تريد منه أن يفعل، يقبّل يديها ويخبرها بأنّها تفعل الصواب بخصوص عائلتها، بأنّه لن يغضب لأنّها فضّلت دراستها على عائلتها.

هزّ برأسه مستنكراً حالها، تجاوزها عائداً نحو الداخل، يضع حدّاً لهذا النقاش العقيم، إنتشل حقيبة سفر صغيرة يجهز فيها بعض الثياب إستعداداً للذهاب الى العاصمة ينوي أن يبقى هناك لفترة، بكل تأكيد لن يتمكن من ترك جنّة قبل أن يطمئن على حالها ووضعها، وعندما يعود حينها يخبر عمّه عن المستجدات التي يعلم بأنّه ينتظرها بفارغ الصبر،
بالرغم من مكابرته على السؤال عنها.

«ماذا تفعل؟ الى أين؟» سألته بقلب مقبوض
« أحتاج لأن أذهب الى العاصمة بداعي عمل مهم بخصوص شحنة أدوية للصيدلية» كذب عليها، إذ مؤخراً بدأت أسئلتها تتزايد بسبب نزوله الغير مبرر، إذ كان في بعض الأحيان لا يخبرها بذهابه، فيعمد على النزول والعودة في مواعيد العمل كي لا تنتبه لغيابه.

« ولكنّك، ولكنك لم تخبرني »
« لقد تلقيت الإتصال للتو، وكنت سأخبرك لولا فتحك لموضوع سفرك» أخبرها هارباً من مواجهتها، يشغل نفسه بتوضيب ثيابه.
« ولكن ما حاجتك للنوم هناك؟» سألته بنبرة قلقة، خائفة من أن يكون يسعى للإبتعاد.

« لا أعلم لكم من الوقت سأحتاج للإنتهاء من مهمتي، لذا أفضّل أن أكون مستعداً لأي شيئ»
« ثائر، لا أريدك أن تذهب وأنت غاضب منّي، أرجوك»

توقّف عن ما يفعله يلتفت اليها، فإستغلّت ذلك تتخذ بضع خطوات ناحيته، وقفت قبالته هامسة بنبرة مرتعشة تستجدي عطفه« أرجوك، لا أريدك أن تضعني أمام خيارين، إمّا أنت والتوأم وإمّا دراستي، أنا أحبّك وأحتاجك، وبذات الوقت بحاجة لتلك المنحة، إمنحني رضاك، أرجوك »

هرب من نظراتها المستجدية، عاجزاً عن منحها ما تريد، إستدار يوليها ظهره، يشغل نفسه بإغلاق الحقيبة، «سنتحدّث بالموضوع عندما أعود، إتفقنا»

ومأت له بالرغم من علمها بأنّه لا يراها وفسحت له المجال بتجاوزها لمغادرة الغرفة، وضع الحقيبة أرضاً ودخل الى غرفة التوأم.
إنّهما يلعبان، التفتا كلاهما عندما دخل عليهما يركضان نحوه، جثى أرضاً يحتضنهما، لثم رأسيهما يضمّهما الى صدره بحنان، هاذين الولدين هما كنزه وثروته وكل ما يملك، وإذ كان يتعب ويشقى فلأجلهما فقط، ولأجلهما فقط مستعد لفعل المستحيل.

يوسف وياسين، هدية السماء له.
« كيف حال بطلي» سألهما يحررهما من بين ذراعيه.
« العب معنا بابا» سأله ياسين
جلس شابكاً ساقيه يراهما يدفعان العابهما ناحيته لمشاركته إيّاهم، فتناول شاحنة يصدر صوتاً من بين شفتيه يقلّد صوت محرّكها والتوأم قلّداه ينغمسان بلعبته فرحين به.

وهي إتّكأت الى حاجب الباب تراقب توأمها الذي أكمل العامين منذ شهر مضى ووالدهما الذي لا تظن بأنّ هناك من هو أحن أو أطيب منه قلباً وروحاً.
إبتسمت بعفوية غارقة بمشاعرها الجيّاشة نحوه، تعشقه، تعشق تفهمه وطيبته وحنانه، تعشق مميزاته، وتجد نفسها تفيض حبّاً وعشقاً له، بحيث لا تزيدهما الأيّام سوى متانةً وعمقاً.

زهرة الغردينيا 27-09-19 11:12 AM

الطفل الذي كانت حامل بة جنة هو طفل عدن
وهى لم ترتكب جريمة
وما حدث كان ذنب عدن ...
لقد دمر حياتة ودمرها معة.
وهى فقدت جزء من ذاكرتها
ونسيت ما حدث معها....
تسلم ايدك ❤❤❤❤❤

امل القادري 30-09-19 09:06 PM

الفصل السابع
جنّة عدن

عادت وإستيقظت لتجد نفسها هذه المرّة بغرفة صغيرة مضيئة، وقد تحررت من كل الآلات والأسلاك التي كانت موصولة اليها.

فتحت عينيها تراقب سقف الغرفة بشرود، تشعر بتشنّج جميع أطرافها، عاجزة عن تحريكهم، كأنّها مكبّلة الجسد والروح.
ذرفت دمعة يتيمة تسترجع آخر ذكرى لها، في الحمّام، عندما إكتشفت أنّها حامل.
وبعفوية نزلت كفّها الى أسفل بطنها، إنّها تحمل طفل عدن، عدن الذي رحل ذلك اليوم بعد أن فضحت سرّه الى والده، وأجبروه على تطليقها،
طلّقها وغادر البلدة، ترك جامعته ودروسه، وغادر الى العاصمة.

تركها حامل، تحمل طفله بين أحشائها،
طفلاً لن تتمكن من مواراته، كما كانت تخطط لمواراة فعلتهما القبيحة عندما إختلى بها في غرفتها.
لذا وجدت نفسها مضطرّة للذهاب اليه، علّه يجد حلاًّ يمنع عنها الفضيحة.
إهتزت مقلتيها ترتعش شفتيها، تتذكر بأنّها كانت تخطط للذهاب اليه.
ولكن يبقى السؤال،
ماذا حدث بعد أن ذهبت اليه؟
لماذا لا تتذكر سوى مشاهد مشربكة لا تفهم منها شيئ؟
بكل تأكيد علم والدها بأمر تسللها من المنزل بعد أن صلّى العشاء ونام، كانت تخطط للذهاب الى العاصمة والعودة قبل طلوع الفجر، وبتلك الطريقة لا يلاحظ أحداً غيابها.
ومن كان يظن بأنّها ستتعرض لحادث سيّارة ولا تعود الى المنزل،
بأنّ أمرها سيفتضح.
بأنّ عقاب الله ينتظرها

هل علم والدها بأمر حملها؟
إنتفض قلبها بمضجعه، تضيق أنفاسها لمجرّد الفكرة
بكل تأكيد علم، بكل تأكيد إكتشف الأطبّاء بأمر حملها أخبروه.


طرقٌ طفيف على الباب أخرجها من دوّامة أفكارها المربكة.
مالت برأسها تتفقد الداخل عليها.

إبتسمت بعفوية رغم الألم والحزن الساكن بين جنباتها.
«ثائر...» همست بنبرة متهدّجة تتلألأ مقلتيها بالدموع السخية.

« الحمدلله لله على سلامتك يا جنّة» همس يتوغل داخل الغرفة الصغيرة.

وقف بقرب سريرها مؤثراً الصمت، لا يجد كلاماً مناسباً لقوله بوضعها.
يراها تحاول رفع الشال عن كتفيها لستر شلاّلات شعرها الليلية، هاربة بنظراتها الواهنة منه، خجلة من مواجهته.
تبدو شاحبة هائمة، ضعيفة الجسد والروح.

جذب المقعد الوحيد الموجود بالغرفة وجلس بقرب سريرها.
رمقته بطرف عينها تلعب بحافّة شالها، وبعد صمت طويل سألته.
« أبي، هل، أين أبي، هل أتى، معك؟»

هزّ برأسه « لا، والدك لم يأتي معي»
حنت عنقها بإنكسار متمتمة« إنّه غاضب منّي اليس كذلك ؟»مسحت دمعها ليحل غيره مكانه تردف« لقد جلبت العار لوالدي وعائلتي، تسللت خارج المنزل دون علمه، غافلته وعصيته بالرغم من أوامره الصارمة التي أصدرها بعدم التواصل مع عدن بأيّ طريقة، وأنا» أولت أناملها الدقيقة كامل إنتباهها تشبكها ببعضها مردفة بنبرة مهتزة« لقد كنت مضطرة ثائر، كان يجب أن آتي اليه لمقابلته، كان يجب أن يعلم بمصابي، ويساعدني»

زفر ثائر بحرارة، يفكّر بكل الإحتمالات الأخرى التي كانت من الممكن أن تبدل مجريات كل ما حصل.
لو أنّها لجأت اليه بمرحلة من المراحل
لو أنها لجأت اليه يوم إكتشفت إنقياد عدن خلف تلك الشلّة الفاسقة
أو يوم قررت فضح أمره
أو يوم علمت بحملها
أو يوم قررت أن تأتي اليه لمواجهته
لو أنّها فقط لجأت اليه بمرحلة من تلك المراحل لكان تدارك الأمور قبل أن تأزّمت
لربما كان مصيرها إختلف
مصير عدن إختلف
مصيرهما معاً إختلف
ولكن يعود ويقول
هذا هو قدرهما
قدره وقدرها

زفر نفساً طويلاً يمسح على صفحة وجهه يسألها بنبرة هادئة، لا يريد أن يزيد من معاناتها.
« ماذا كنت تفعلين بسيّارة أمان؟»
رفعت جنّة بصرها اليه ترمقه بتساؤل « أمان، ولماذا سأكون بسيّارة أمان؟»
« عندما وقع الحادث كنت بسيّارة أمان، وبكل أسف، أمان لاقى حتفه بذلك الحادث، لذلك لم نستطع سؤاله عن سبب وجودك أنت معه بتلك الأثناء»

أغمضت عينيها تتذكر مشهداً مرعباً،
أضواء، أضواء مبهرة تقترب منها، تقترب بسرعة هائلة
وأمان يصرخ بها« ماذا تفعلين يا مجنونة»
دفعها بعيداً عنه، ولكنّها عادت اليه قبضت على مقود السيّارة وأجبرتها على الخروج من مسارها، وأمان عاد يصرخ بها« توقفي، ستقتلينا، ستقتيلنا»

صرخة مكتومة، هربت من حنجرتها، صدّتها بأناملها التي أطبقتها فوق شفتيها المرتعشتين، رفعت بصرها المضطرب الى ثائر تتمتم بصوت مخنوق«أنا، أنا من تسبّب بالحادث، لقد، لقد أجبرت السيّارة على الخروج عن مسارها»

كلامها صدم ثائر، الذي حدّق بها بذهول، معقود اللسان، لا يجد ما يقوله، ولكنّه سرعان ما لملم شتات نفسه يمسح على صفحة وجهه بإرهاق يسألها«وهل، هل تذكرين كيف وصلتي الى سيّارته؟ هل قابلت عدن، هل تمكنت من رؤيته وإخباره عن حملك؟» تلاحقت أسئلته يتذكر كلام الطبيب، بأنّها لربما ستعاني من فقدان ذاكرة مؤقت للأحداث الأخيرة التي سبقت الحادث، بسبب إصابة رأسها.
هزّت رأسها تضغط على جانبيه هامسة« لا أذكر، أرى الأحداث الأخيرة على شكل مشاهد متشربكة، كأنّها حلم متشابك لا أفهم أوّله من وسطه من آخره»
« حسناً، إهدئي، إهدئي، ليس من الضرورة أن تتذكري كل شيئ، ولكن، ولكن عندما يأتي المحقق لسؤالك عمّا حصل أريدك أن تخبريه بأنّك لا تذكرين شيئ، إتفقنا»
رفعت بصرها الغائم اليه تسأله بنبرة يشوبها الجزع« محقق؟»
« لا تقلقلي، هو فقط بحاجة لأخد أقوالك، ولكنّي لا أريدك أن تخبريه بشيئ حالياً، يجب أن تستعيدي كامل ذاكرتك أوّلاً ومن ثمّ بعد ذلك سنرى ماذا يمكننا أن نفعل»
ومأت له، تسأله بنبرة حرجة« وعدن، هل، هل علم بما حدث لي؟ فأنا، أنا سألت الممرضات عمّن كان يأتي لزيارتي أثناء غيبوبتي، فأخبروني بأنّك أنت الوحيد، الوحيد الذي كان يحضر أسبوعياً؟»

وقف ثائر عن المقعد يوليها ظهره،
مشى الى النافذة يتأمّل الحديقة الصغيرة خلف المستشفى
هل يخبرها بكل شيئ الآن وينتهي من الأمر؟
أم ينتظر؟
لقد أخبره الطبيب بأنّها لم تتوقّف عن طرح الأسئلة منذ إستيقظت، تسأل كل الأسئلة التي تحتاج أجوبة،
خائفة من والدها،
قلقة من ردّة فعله على ما أقدمت على فعله،
تسأل عن حال حملها؟
وما إذ تأثّر بالحادث؟
لماذا لم يأتي عدن لزيارتها؟

نصحه أن يجيب على كل تساؤلاتها، لا يكذب عليها، يعطيها ما تريد، خاصّة أنّها تتوقّع الأسوأ،
ولكن المصيبة، مهما كان الذي تتوقّعه، لن يعادل نقطة في بحر ما سيخبرها به.

إستدار عائداً اليها، جلس بقربها يلحظ نظراتها المترقبة، تنتظر ما بجعبته.
تحاول أن تحافظ على ثباتها وصلابتها بحضوره.
قلبها يعصف داخل صدرها،
مرتعبة، وتشعر بأنّها على حافّة الإنهيار ، تتوسّله بنظراتها أن يلقي على مسامعها ما بجعبته ويرحمها من قسوة الإنتظار.

مسح راحتيه ببنطاله يزفر زفرةً متحشرجة، أخذ نفساً عميقاً يفكر.
فهو الآن أمام خيارين
أحدهما وهو بأن يقوم بإلقائها بحفرة متشربكة ويساعدها للخروج منها، وعندما تخرج، يعود ويرميها بأخرى وأخرى، الى أن يصل بها الأمر أن تنضب عزيمتها مع مرور الوقت، تفقد رغبتها بالمناضلة والقتال فتستسلم للإحباط، وتفقد الأمل بهذه الحياة بشكل نهائي.

وأمّا الخيار الثاني، فهو أن يقوم بإلقائها ببئر عميق متشعّب، ومن ثمّ يعمل على مساعدتها ودعمها لكي تخرج منه،
ولكنّه بهذه الحالة سيضمن لها،
بأنّه ليس هناك المزيد من الحفر أمامها،
بأنّها ستخرج وتبدأ مرحلة جديدة من حياتها،
تترك الماضي خلفها وتعيش
تعيش بمقوّماتها الجديدة
بهدف جديد
وروح جديدة
وقلب جديد
وهذا ما سيعمد على دعمها لتحقيقه.

مسح على صفحة وجهه يحاول دفع الإجهاد عنه، مقرراً أنّ يخبرها بكل شيئ دون إستثناء، أن ينهال عليها بالحقائق كاملة دفعة واحدة، يرميها بذلك البئر العميق ويعدها بأنّها عندما تخرج منه، لن تصطدم بالمزيد من الحقائق والمصائب،
بأنّها عندما تخرج،
ستخرج قويّة مناضلة وناجية.

بدأ من البداية،
بدأ بإخبارها بكل ما حصل، منذ إكتشفوا بأمر الحادث، بأمر حملها، بإنكسار وخيبة والدها، بقراره الذي أخذه بلحظة غضب دميم، بأمر دفنها، وبأنّها الآن بإعتبار الجميع، دون إستثناء ومن ضمنهم عدن، ميّتة.
أخبرها مذهولاً من ثباتها
من صمتها
تسمعه بهدوء
لم تقاطعه أبداً

فقط دموعها لم تتوقف عن الإنهمار
تمسها لتحل أخرى محلّها
وعندما إنتهى

لم يسمع من شفتيها الاّ تمتمات فهم منها- الحمدلله
الحمدلله
ولم تتوقف عن تكرارها

فكل ما كان يجول بفكرها بتلك اللحظات
أنّها أخطأت وهذا عقابها الذي تستحق،
بأنّها لا تملك رفاهية التذمر أو العتاب،
أنّها راضية بعقاب الله لها،
وتحمده وتشكره
إذ بالرغم من كل شيئ لم يرضى أن يأخذها اليه وهي أثمة
أبقاها على قيد الحياة كي يعطيها فرصة ثانية
فرصة لطلب الغفران منه ومن والدها الحبيب.
والدها الذي لا تستطيع أن تلومه على ما فعله
إذ بنهاية المطاف عليه يفكّر بمصير هدير وهديل
بحيث لو أن خبر حملها تسرّب، أو خبر تسللها من المنزل خفية دون إعلامه لمقابلة عدن، لكانت هي وأخواتها سيصبحن علكة يلوكها كل لسان،
لكانت مرغت سمعة العائلة بالوحل، وكسرت عنفوان أختيها اللتان لا ذنب لهن بما أقدمت هي على فعله.
قبضت على صدرها علّها تحاول التخفيف من ذلك الألم الذي إغتالها بقسوة، تفكّر بالمسكين والدها
لقد كسرت ظهره وخيّبت ظنّه بها، خالفت كل تعاليمه التي عمل جاهداً على ترسيخها فيها منذ الصغر، صغّرته أمام أهل قريته، الذين كانوا جميعاً دون إستثناء يشيدون به وبتربيته لبناته الثلاث.
أخذت نفساً عميقاً تحتوي عبره مشاعرها الممزقة والمشتّتة،
تشعر بروحها تنوح حزناً
وقلبها يتصدّع الماً
وكيانها يتبعثر في كل إتجاه
كزوبعة تجرّدها من أحلامها وإبتساماتها وأفراحها
من حبّها وعشقها
لتتركها مجرّد هيكل أنثى لا يمت للأنوثة بشيئ

كرمشت الغطاء الأبيض الذي يستر جسدها تتأمّله بمقلتين غائمتين تأبى تحرير دمعهما
رافضة الإنهيار أمام ثائر
ترغب فقط بالإختلاء بنفسها.
تتمنى مغادرته،
وهو وقف من مكانه، يتأمّل ملامحها المتغضّنة بقلق،
صامتة وصمتها ويصرخ من أعماق روحها
يصرخ طلباً للنجدة
يصرخ طلباً للرحمة
علّ ذلك الإعصار يرحمها ويترك لها بدربه شيئاً ما من طفولتها وماضيها
شيئاً تتمسك به
يدعمها بالأمل
يؤكّد لها بأنّها شدّة وستزول بإذن الله
بحيث ليس هناك من عاصفة تدوم
ولكن يبقى هاجز خوفها العظيم من ما ستجده بعد إنقشاع تلك العاصفة المدمرة
إذ أن العواصف والأعاصير لا تخلّف سوى الدمار
مجرّد دمارٌ شامل وأنقاض غير قابلة للترميم بأي وسيلة

« جنّة، لا، لا أريدك أن تقلقي بشأن القادم، أنا لن أتخلى عنك، وبالنسبة لوالدك، أنا، أنا متأكد بأنّه نادم على القرار الذي أخذه بلحظة غضب، إنّه يتعذّب كثيراً»
التفتت اليه عندما ذكر والدها، تتوسّله بنظراتها الغائمة أن لا يتوقّف، يستمر، يقول المزيد وهو فهم طلبها يخبرها « والدك بالرغم من كل شيئ، يحبّك، وما يزال يهتم لأمرك، ما يزال يلاقيني بلهفة المشتاق كي يطمئن عليك، صحيح هو مجروح وحزين بسبب ما فعلته، ولكنّك بالرغم من كل شيئ أنت ما تزالين إبنته، فلذة كبده، حبيبته»
غصّت تشعر بحزنها يموج بجوفها،
غصّت تكبح جماح رغبتها بتوسّله أن يطلب منه أن يغفر لها، أن يسامحها، أن يأتي اليها أو يسمح لها بالذهاب اليه.
ولكنّها لجمت رغبتها تلك، خجلة من مجرّد الطلب،
تشعر بأنّها لا تستحق غفرانه ولا مسامحته
فهي خذلته، وأهانت كرامته، وعصت أوامره، ولطخّت سمعته
إنّها فتاة عاقّة، لا تستحق طلب الغفران.

رنّ هاتف ثائر بجعبته، إنتشله يتفقد المتصل.
الرقم غريب
أجاب على الإتصال بلهفة، يتمنى لو يكون الإتصال المنتظر
وعندما تحققت أمنيته توترت حاله.
ما عاد قادراً على الهمود
ودّع جنّة بوعد أن لا يغيب لأكثر من ساعتين
وهي إستقبلت مغادرته برحابة صدر
تحتاج فقط للإختلاء بنفسها
تحتاج فقط لفرصة لتنفيس عن مكنونات صدرها
وهذا ما فعلته بالتحديد
هو غادر
وهي بسطت كفّها فوق أسفل بطنها عاجزة عن إحتواء شهقاتها المقهورة
تبكي بحرقة
ترثي طفلها الذي لم يبصر النور
طفلٌ خسرته
ولن تتمكن من إنجاب غيره

تبكي حزنها وقهرها
وتنوح مصابها

دفنت وجهها بالوسادة
تحاول كتم شهقاتها

تشعر بأنّ حياتها إنتهت عند هذه النقطة
خسرت كل شيئ
عائلتها
سمعتها
شرفها
أمومتها
حب طفولتها
جامعتها
مستقبلها
لقد خسرت كل شيئ...........

*************************************


جلس ثائر في المقهى الذي إتفق على لقاء يزن فيه ينتظر قدومه،
وأخيراً تمكن من الوصول الى أحد أفراد فرقة جيڤارا، إذ أنّه يحاول التواصل مع عدن منذ أكثر من شهر، وباءت كل محاولاته بالفشل، إذ شركة التسجيلات رفضت إعطائه أي معلومات عن مكان إقامة أفراد الفرقة أو حتّى رقم هاتف أحد منهم، الى أن خطر على باله بترك تعليق على صفحة الإنستغرام يناشد الوصول لعدن بأي طريقة.
بحيث أن أخبار عدن إنقطعت كلياً عنه، وحتّى عن وسائل التواصل الإجتماعي، وهذا الأمر أقلقه جداً عليه.

«ثائر عقيل اليس كذلك؟» أتى السؤال من شاب بعمر عدن تقريباً
« يزن، زميل عدن» عرّف عن نفسه يسلّم عليه
« أهلاً، أهلاً يزن، تفضّل» سلّم عليه ثائر ودعاه للجلوس.
« أعتذر جدّاً على تأخري بالرد عليك، فأنا نادراً ما أتفقد الرسائل، والبارحة رأيتها بالصدفة» برّر يزن تشوب ملامحه أمارات الإرتباك مردفاً« بصراحة» وصمت لبرهة هارباً من نظرات ثائر المترقبّة « بصراحة أنا أحاول كنت أحاول الوصول الى أحد من عائلته منذ فترة، ولكنّي كنت أجهل بمن علي الإتصال»
كلامه ذلك زاد من قلق ثائر على أخيه فسأله
« كيف حال عدن، هل هو بخير؟»
رفع يزن بصره اليه يقول« عدن يحتاج للمساعدة الفورية، إنّه يمر بحالة عصيبة جداً، وإذ لم يجد من ينتشله من ما هو فيه ستخسرونه نهائياً»
« ماذا تقصد؟ تكلّم بشكل أوضح لو سمحت»
شغل يزن نفسه لبرهة بتفقد مفاتيح سيّارته، يقلّب فيه بشرود قبل أن قرّر البوح بالسر الذي حمله لأشهر عديدة، شعر به خلال تلك الأشهر كالجبل الجاثم فوق صدره.
زفر نفساً حامئاً يقول « سيّد ثائر، أخيك عدن بقي لآخر لحظة يحاول عدم الإنحراف، وبالرغم من أنّه كان يذهب معنا الى تلك الحفلات بصفته المغني الرئيسي، الاّ أنّه كان يرفض الإختلاط بالمدعويين، يرفض إقتراب النساء منه، يرفض رفضاً قاطعاً أن يتذوق أي نوع من المشروبات، وكان دائماً يتشاجر مع أمان وجهان بشأن تلك المسائل ويهددهم بأنّه سيتوقف عن الغناء ما إذ إستمروا بتصرفاتهم الشاذّة تلك، وكانوا هم دائماً يعدونه بأنّهم سيتصرفون بحرفية، يغنون وصلاتهم ومن ثم يغادرون دون الإختلاط بالمدعويين ولكنّهم كانوا يخالفون تلك الوعود حالما يحصلون على مبتغاهم.»
تململ ثائر بمقعده لا يرغب بمقاطعة يزن، ولكنّه لم يتمكن من إيقاف عقله عن إستهجان تصرفات أخيه، عدن إنحرف بمجرّد أنّه قرر الغناء والإختلاط مع أمان وشلّته، ولكنّه بذات الوقت لا يستطيع أن ينكر أن هذا الكلام أراحه بعض الشيئ، على الأقل أخيه حاول التمسّك ببعض من عقيدته، حاول أن لا ينغمس كليّاً بذلك العالم القبيح،
على الأقل هو لم ينحدر الى الجرف الأسفل من الخطيئة
وبقى مدركاً أن لكل حجم خطيئة هناك عقاب يماثل حجمها، عمقها وتشعّبها.

ويزن تابع حديثه بنبرة خجلة يشوبها الإعتذار« في ليلة من تلك الليالي قام أمان بدسّ نوع من المخذّر بكوبٍ من الماء كان قد طلبه عدن من النادل، وعندما فقد وعيه أدخله الى غرفة نوم وجرّده من ثيابه، وإتفّق مع إحدى الفتيات أن تخلع ثيابها وتنام بقربه، وقام بأخذ بعض الصور الفاضحة لهما عامداً على إبقاء هوية الفتاة مجهولة للناظرين»
« يا الله!» هتف ثائر بإستنكار، لا يتصوّر فضاعة أمان « ولماذا فعل ذلك؟ ما الذي دفع ذلك الملعون على فعل ذلك؟»
« كان هدف أمان من ذلك، أن يمسك شيئاً على عدن كي يجبره على توقيع عقد شركة الغناء الذي كان مصرّاً الأخير على عدم توقيعه، لقد إستغلّ نقطة ضعف عدن الذي كان دائماً يكرر على مسامعه بأنّه إذ وصل خبر لوالده بما يقوم به سيتبرّأ منه، سيطرده من المنزل ويحذفه من سجلّ العائلة»
« ذلك الخبيث» هتف ثائر بحرقة، يتمنى لو أن أمان ما يزال على قيد الحياة كي يلقّنه ما يستحق.
« أمان لعب ورقته تلك بطريقة بارعة، علم جيّداً بأنّ تلك الصور ستكون السلاح المدمر إذ وصلت لجنّة، وطالما أن أسباب رفض عدن هي عائلته وجنّة فاليجرّده منهم، وعندها سيجبره على العودة اليه، وهذا ما حصل حرفياً بكل أسف»
لكم ثائر الطاولة بقبضته يشعر بغضبه يموج بداخله، كيف حصل كل ذلك، كيف تخلّوا جميعاً عن عدن وقذفوه قذفاً الى جحر الشيطان الذي كان ينتظر قدومه بذراعين مفتوحين.
ما يزال يتذكّر ذلك اليوم، يوم إتصلت فيه والدته تخبره بأنّهم نقلوا والده الى المستشفى، وعندما وصل الى هناك أخبره بما فعله عدن.
لا يستطيع أن ينسى تلك اللحظة التي فتح فيها هاتفه وكتب إسم أخيه على جوجل وظهرت له تلك الفيديوهات على اليوتيوب، عالماً بأنّ وعكة والده الصحية كان هو السبب فيها، وبكل أسف، يومها ذهب اليه وتشاجر معه، وزاد من الطين بلة، هاجمه بشراسة يتّهمه بأنّه السبب بحالة والده وبأنّه إذ حصل له مكروه سيعود اليه ليقتله، وغادر.
جميعهم خذلوه
أنانيّتهم جعلتهم يرون خيبتهم وغضبهم ولا يرون ندمه وحزنه والمه
لم يروا معاناته
لم يروا توسّلاته الصامتة بأنّ لا يتخلّوا عنه
بأنّه لا ينكر زلّته ولكنّه ندم وتاب وإستغفر
ولكن بكل أسف
بدل أن يمدّوا له يد العون
قطعوا كل الحبال التي كان من الممكن أن تدعمه لإنتشال نفسه من بؤرته
وأوّلها وأمتنها كان جنّة
ومن ثمّ هو
ووالده
وعائلته
كلهم تخلّوا عنه.
مسح على صفحة وجهه يحاول جمع شتات نفسه يسأله
« كيف وصلت جنّة لسيّارة أمان»
هزّ يزن برأسه يقول « بالحقيقة، لا أعلم، وبكل أسف، أنا من أعطيتها عنوان الڤيلا، أخبرتها بحقيقة تلك الصور» قال يشيح بنظراته عنه، هارباً من نظرات ثائر الثائرة، يشعر به على وشك الإنقضاض عليه وتمزيقه، إزدرد بلعابه، هامساً بنبرة حرجة « لقد أخطأت، أخطأت عندما أخبرتها بحقيقة تلك الصور ولكنّي تغافلت عن إخبارها بأنّها كانت مكيدة مدبّرة من قبل أمان، لم أتجرأ على فضحه، ولكنّي تمنيت لو أنّها تأتي اليه، لأنّ حاله كان تعيساً من دونها، ذلك العالم لم يكن بعالمه، بدا ذلك واضحاً جداً، وأنا لم أتحمّل رؤيته يعافر ويجاهد كي يندمج به، عدن كان بحاجة ماسّة لمن ينتشله من عالم أمان وجهان.»
« وأنت، الا تحتاج لمن ينتشلك من ذلك العالم» سأله ثائر بنبرة ساخرة
ضحك يزن ببرودة يجيبه« أنا مجرّد عازف أروچ، يمكنهم إستبدالي بأي عازف آخر، ولكن عدن كان كنز الفرقة، من دونه لن يكون هناك فرقة»
« الم تكن بالڤيلا ليلتها؟»
« نعم كنت، ولكنّي لم أراها، لقد علمت لاحقاً بأنّها كانت بالڤيلا، عدن لا يذكر تفاصيل لقائهما، لقد كان ثملاً، وأنا متأكد بأنّ أمان بتلك الفترة كان ما يزال يدس له من تلك الحبوب المخذّرة التي تتركه بحالة مغيّبة، إنّه لا يذكر شيئاً عن لقائهما»
« هل تخبرني بأنّ عدن الآن مدمن وسكير؟»
« عدن الآن يتخبط وسط جدران وهمية، وفاة جنّة هدّته ومزّقت كيانه، وأنا تعبت من إخفاء ذلك السرّ عنه، بالحقيقة، أعترف بأنّي أخطأت بعدم البوح به له في حينها، ولكنّي أقسم لك، لم أكن أتوقع بأنّ دناءة أمان ستصل الى تلك الحدود، وستتسبب بدمار عدن بتلك الفضاعة، لقد أخبرت عدن بكل شيئ بعد أن علمت بوفاة جنّة، وعندها جنّ جنونه، قام بالتهجّم على جهان وضربه، وفض العقد الذي وقّعه مع شركة التسجيلات وغادر الفيلا، لقد، لقد خسر كل شيئ، لم يعد يملك شيئ»
تمتم ثائر يستغفر ربّه، لا يصدّق كم الكوارث التي مرّت بها العائلة بسبب هذه الشلّة الفاسقة وعلى رأسها الشيطان أمان.
ما كان يجب أن يترك عدن يضيع منهم بتلك الطريقة، كان يجب أن يجبر والده على عدم التخلّي عنه بالرغم من كل ما حصل.
كان يجب أن ينتشله من حفرته،
ولا أن يطمره فيها
زفر بضيق يسأله« وأين هو الآن؟»
« عندي، في منزلي»
وقف ثائر من مرقده هاتفاً بحزم« خذني اليه، الآن»
تبعه يزن يومئ له، ترتسم إبتسامة راضية فوق محياه « سآخذك اليه حالاً»

*********************************************

جلس على الشرفة يتأمّل التوأم وهما يلعبان بألعابهما بقربه، إبتسم بعفوية،
إبتسامة حزينة لم تصل لعينيه.
شرد يفكّر بجنّة وعدن
جنّة التي خرجت من المستشفى الى بيت غريب،
بيت زميلة له تدعى هبة، تعرّف عليها أيّام الجامعة وبقي على إتصال معها، تعمل صيدلانية في إحدى الصيدليات بمدينة قريبة من قريتهم،
بتلك الطريقة، ستكون قريبة منه ولن يضطر للسفر الى العاصمة كلما أراد الإطمئنان عليها.
هبة فتاة يتيمة الأب، وتعيش مع والدتها في شقّة متواضعة، لقد تحدّث اليها وشرح لها بعضاً من ضروف جنّة مع التحفّظ على البعض الحساس والخاص منها، وسألها ما إذ تقبل أن تستقبلها بمنزلها كزائرة بأُجرة، ولكنّ هبة رفضت الأجرة وإستقبلتها برحابة صدر هي ووالدتها المسنّة.
وعدن هو الآخر، أعطاه درساً أخلاقياً ودينياً على كل ما مرّ ويمر به، يحثّه على السعي لإصلاح نفسه، الخروج من الحالة التي هو فيها والعودة الى حياته.
بكل أسف، حال عدن معقّد أكثر من حال المسكينة جنّة، التي تعافر للمضي قدماً، لهفة لسماع خبرٍ طيّب عن والدها وأخواتها، يجدها بالرغم من كل ما مرّت به، قويّة صامدة، تنتظر فرج الله.

عدن يلوم نفسه على كل ما حصل لجنّة،
يلوم نفسه على وفاتها
يلوم نفسه على ما آلت اليه حياته وحياة العائلة.
خاصّة بعد أن علم باللعبة الدنيئة التي لعبها عليهم أمان

في بادئ الأمر كان غاضباً جداً من جنّة
غاضباً من الطريقة الفجّة التي فضحته فيها أمام أهله
جاهلاً للسبب الرئيسي الذي دفعها للإنفجار مرّة واحدة بوجهه
وتدمير كل من حولها
ولكنّه بعد أن رأى تلك الصور

إنهارت كل دعائم غضبه منها
إنهار كيانه
وبدأت الصورة الشاملة تتوضّح أمامه
مدركاً أنّه السبب الأوّل والرئيسي لكل ما حصل للعائلة

وما أصعب أن تكون الجاني على نفسك وروحك وقلبك
ولا تجد من يواسيك ويطبطب عليك
والأقسى من ذلك كلّه، أنّه يظن بأنّ جنّة ماتت، ماتت وحيدة حزينة وغاضبة منه،
وبأنّه خسر فرصة إصلاح ما إقترفته يداه من فضاعات بحقّها،
بحق أعز وأغلى إنسانة بحياته.
عدن يتآكله الندم وعذاب الضمير
فنصحه بالعودة الى الله
طلب الغفران
لربما يحقق له معجزة يبرّد فيها له قلبه ويريحه
وهذا بالتحديد ما تركه عليه هو الآخر، في منزل أحد أقارب والدته بالعاصمة، تركه هناك فقط لريثما يصحى على نفسه ويعود للتفكير بمستقبله الذي هدره وأضاع منه فصلاً دراسياً كاملاً، بحيث عليه أن يجاهد هذه السنة كي يتخرّج بالموعد المحدد.
على عدن أن يمحور حزنه وغضبه ويصبّهما بمكانهما المناسب
الآ وهو بين الكتب الدراسية
والقرآن الكريم
وفوق سجّادة الصلاة
عليه أن يبرهن لنفسه قبل أي أحد
بأنّه يستحق فرصة جديدة
قبل أن يقوده اليها

****************************

وبالنسبة لوالده المنكوب الذي المرض هدّ حيله،
ووالدته التي الحزن سكن مقلتيها منذ غادر صغيرها الدار
وعمّه الذي يتآكله الندم وعاجز عن إيجاد وسيلة لتصحيح خطأه الفاذح.
جميعهم ينتظرون أخباراً عن ولديهما اللذين قذفوهما خارج حياتهم بلحظة غضب مسعورة
والآن بعد أن بردت جمراتهم عادوا لوعيهم مدركين فضاعة ما إقترفوه،
والده طرد عدن وتخلّى عنه بدل أن يتشبّث به ويحاول إعادته للصراط المستقيم،
وعمّه دفن جنّة دون أن يفسح لها مجالاً للتوبة والعودة عن خطئها.
وبدل أن يكون اليد الحانية التي ستطبطب عليها، كان السوط الذي جلدها بدون رحمة.

والآن جميعهم يدفع الثمن
جميعهم يتعذّب بسبب القرارات المتسرّعة التي أخذوها بلحظة غضب
وجميعهم يفتّش عن مخرج

وجميعهم نادم ويريد إستعادة ما فقده وبشدّة

ولكنّ ليس الآن
ليس قبل أن تعود الأمور الى نصابها
ليس قبل أن يعود
عدن عدن
وجنّة جنّة

ليس قبل أن يصبحا كلاهما مستعد لمواجهة الآخر
وليتحملوا جميعاً عواقب قراراتهم تلك.

تنهّد بعمق يدلف الى غرفة النوم، فتح درج المنضدة يفتّش عن مسكّناً لألم الرأس، يحتاج لجرعة مضاعفة كي توقف ذلك النبض الكهربائي الذي ينتشر بجمجمته.

فتح الدرج وفتّش فيه، فلم يجد ضالّته، فنادى سحر
« أحتاج لمسكّن الألم، أين هو؟»
« إنّه بدرج حاجياتي الخاصّة، إستعملته البارحة ونسيت أن أعيده» هتفت من المطبخ
ذهب الى خزانتها يفتّش بين حاجياتها الخاصّة، فتح الدرج الصغير يقلّب فيه، الى أن وقع بين يديه مشطاً غريباً، حمله يقرأ إسم الدواء عليه،
قرأه عدّة مرّات، قرأه يحاول أن يجد حرفاً واحداً مختلفاً، علّه لا يكون الدواء إيّاه.
وهي إنتبهت لزلّتها، تركت كل ما في يدها وأسرعت اليه هاتفة« ثائر، أنا سأحضره لك، دعني أحضره لك»
وصلت الى غرفة النوم تراه واقف أمام خزانتها يقلّب بالمشط بين يديه، ملامحه شاحبة كأنّه رأى الموت بعينيه.
رفع بصره المشتعل اليها رافعاً المشط بوجهها، لا يجد سؤالاً مناسباً يطرحه، إذ ما يزال يحاول تكذيب عينيه.
وهي تسمّرت مكانها، تشعر بأنّ الأرض تنهار من تحتها.
يا لغبائها!
كيف زلّت؟
كيف غفلت!
كيف نسيت أنّها وضعته هناك بيديها الإثنتين، بهدف إخفائه عنه؟

« ما هذا سحر؟» سألها بنبرة هادئة تنبّئ عن عاصفة هوجاء قادمة
إتّخذت بضع خطوات داخل الغرفة تشعر بذرات العرق تتجمع بين نهديها وعلى كفّيها، فتحت فمها تريد التبرير، ولكن كيف ستبرر، ماذا ستقول؟

وهل هناك كلاماً يقال بعد ما رآه؟

« ما هذا سحر» سألها من جديد« تكلّمي» صاح بها هذه المرّة
« دعني، دعني أشرح لك» تمتمت تشعر بساقيها ستخذلانها.
« إشرحي» هتف بغضب« إشرحي يا حضرة الدكتورة»

« أرجوك إفهمني، أ..»
« أفهمك» قاطعها بنبرة ساخرة« وهل قلت شيئاً حتّى الآن كي أفهمك؟»
إقترب منها يضع مشط الدواء بوجهها، نصب عينيها هادراً بها« هل أنت حامل؟»
ومأت له تفيض مقلتيها بالدموع
« ومنذ متى وأنت تتناولين هذه الأقراص، هل أجهضتي الطفل؟»
هزّت برأسها تحتضن جسدها المرتعش هامسة بنبرة مخنوقة« لم، لم أبدأ به بعد، أقسم لك، لقد، لقد كنت خائفة، خبر الحمل صدمني»
« صدمك» بصق بالكلمة يشعر بأنّ هناك بركاناً بجوفه يهدد بالإنفجار بأيّة لحظة « ماذا جرى لك كي يصل جبروتك الى هذا الحد، أن تتكبّري على نعمة الله وترفسيها بهذه الطريقة الاّ إنسانية»
« أنا لا يمكنني أن أحمل الآن، لا يمكنني» تمتمت بغصّة، تحتضن جسدها المرتعش بذراعيها، تشعر بالبرد القارس يضرب أوصالها، ثائر لن يغفر لها ما كانت تنتوي فعله، ولكنّها تقسم، بأنّها لم تتجرأ على المضي بنيّتها، خافت، خافت من عقاب الله.....
هزّ ثائر رأسه مستنكراً حالها، ما يزال لا يستوعب أنّ تلك المنحة الدراسية دفعتها للتجرّد من دينها وإقتراف هكذا خطيئة.
مسح على صفحة وجهه هاتفاً بنبرة مرهقة « قدّر الله، وشاء لك أن تحملي بالرغم من كل الإحتياطات التي نتّخذها» قال يفكّر بجنّة المسكينة، التي فقدت تلك النعمة الى الأبد، زفر بضيق مردفاً« وبدل أن تشكريه وتحمديه على تلك النعمة التي حُرم منها الكثيرون غيرك ومستعدون لدفع دمائهم ثمناً مقابلها، تتجبرين وتقررين قتل تلك الروح البريئة التي زُرعت بأحشائك، الست خائفة من عقاب الله، سحر؟»
« أنت لا تفهم ما أمرّ به ثائر» هتفت بعجز
« لا، أنا لا أفهم! أفهميني إذاً» صرخ بها يقذف الدواء بوجهها فضمّت نفسها تغمض عينيها، ظنّاً بأنّه سيضربها« تريدين إجهاض الطفل كي تذهبي الى أمريكا وتكملي دراساتك العليا، تريدين قتل طفلك كي لا يقف عائقاً بينك وبين تلك الشهادة الملعونة التي أفقدتك رشدك، أإلى هذا الحد وصلت معك سحر؟»

« ما كنت أعلم ماذا علي أن أفعل، إذ حملت الآن، سأخسر منحتي وفرصتي بشهادة الدكتوراه، فرصة سفري لن تأتي مرّة ثانية، أمّا الحمل فبإمكاني أن أحمل متى أريد وبالوقت المناسب»
حدّق بها بصدمة، لا يصدق ما تتفوّه به من مبرّرات واهنة ومثيرة للإشمئزاز،
حدّق بها لا يصدق بأنّ التي تقف أمامه هي زوجته التي توسّل والدها أن يزوجّه إيّاها،
التي كان يحاول فعل ما يفوق دوره كزوج ووالد فقط كي يرضيها ويحقق وعده لها بدعمها كي تتخرّج من الجامعة.
نخر ضاحكاً بقهر، يشبك أنامله بخصال شعره، يجذبه بعنف.
« وخططتي للتخلّص منه دون إعلامي، ظنّاً منك أنّي لن أكتشف الأمر، وكل شيئ سيكون على ما يرام، تقتلين طفلك، وتتركيني أنا والتوأم هنا، ننتظر عودتك الينا بفارغ الصبر، وتذهبين الى أمريكاً لتحقيق حلمك» صرّ على أسنانه يعتصر قبضتيه بعنف، يحاول لجم رغبته الملحة بالبدء بتكسير كل ما يحيط به، بتدمير هذا المنزل على رأسها.
لا يصدّق غبائه، أم طيبته التي دفعته لفعل المستحيل من أجلها، لعب دور الأب والأم للتوأم في أغلب الأحيان، فقط كي تكون حضرتها راضية، لينصدم الآن بحقيقة أنّها لا تراه وهو وأولاده الاّ مجرّد عائق يقفون أمام حلمها بنيل شهادة الدكتوراه، مستعدّة للتخلي عنه وعن أولادها ومنزلها وحتّى قتل روح ما تزال تتكوّن بأحشائها من أجل الوصول لمبتغاها.
أولاها ظهره يشعر بالإشمئزاز من مجرّد النظر اليها، لا يطيق رؤية صورة وجهها، مسح على صفحة وجهه لا يعلم ماذا عليه يفعل، كيف يتصرّف؟
إذ منذ قليل كان يلوم والده وعمّه على إتخاذهما قراراتهما بسرعة ودون تروّي وتفكير،
وها هو الآن،
يجد نفسه على وشك إقتراف ذات الفعل.
ولكنّه بذات الوقت واثق بأنّه القرار الصحيح الذي كان يجب أن يتخذه منذ فترة طويلة جداً.

رمق مشط الدواء بطرف عينه يسألها بنبرة جامدة« هل تناولت شيئاً من ذلك الدواء، هل هذا هو المشط الوحيد الذي تملكين؟»
ومأت برأسها بالرغم من إدراكها بأنّه لا يراها، خائفة جداً من عاقبة ما كانت تنوي فعله، كيف سوّلت لها نفسها على مجرّد التفكير بإجهاض طفلها؟
كيف وصلت الأمور معها الى هذا الحد المتدنّي من الإنسانية والأمومة؟
إستدار يواجهها هاتفاً« بكل أسف، أنت لم تتركي لي خياراً آخراً، بالماضي أنا من كنت دائماً أقدم التنازلات من أجل إستمرار هذه العائلة وسعادتها، لم أتذمّر يوماً من عدم إهتمامك بالتوأم كما يجب، عدم إهتمامك بأمور المنزل كما بجب، كنت دائماً أساعدك بطيبة خاطر، أعذرك من أجل إمتحاناتك ودراستك، وها أنا حققت وعدي لك سحر، دعمتك الى أن تخرّجتي من الجامعة وبنتيجة مشرّفة، والآن، أنا إكتفيت، إنتهى دوري، وحان دورك أنت، فكّري جيّداً وإختاري، إمّا عائلتك، وإمّا مِنحتك ومهنتك التي أبديت إستعداداً كاملاً لإقتراف جريمة من أجلها»
« ثائر...»
همست مصدومة من قراره، فرفع كفّه بوجهها يسكتها« بكل أسف، أنت لم تتركي مجالاً للنقاش سحر، أشكري ربّك بأنّي إكتشفت نيّتك قبل أن تشرعي فيها»
أغمض عينيه عاجز عن تصوّر ماذا كان سيفعل لو أنّه إكتشف ذلك بعد فعلتها، عصر قبضتيه يحاول لجم غضبه الذي يتصاعد بجوفه، أولاها ظهره يقول بنبرة مخنوقة« عندها ما كنت سأغفر لك أبداً، سحر، أبداً»

قال ما قاله وخرج من الغرفة الى الحديقة، نادى التوأم وغادر بهم المنزل.
وهي بقيت مكانها، مشلولة الأطراف، تشعر بجدران المنزل تضيّق الحصار عليها، تعصرها، تخنقها، تدرك للتو فذاحة ما كانت تنتوي فعله، تفكّر بالتوأم، بكم حبّها لهم، بلو أن الله عاقبها بأخذ أحدهما، أو كلاهما....
شهقت بلوعة يجتاحها خوفاً عظيماً من مجرّد فكرة فقدانهما، نزلت بكفّها الى أسفل بطنها تبسطه هناك، هامسة بنبرة مهتزة، متهدّجة بدموعها الخانقة«سامحني، أرجوك سامحني، لا أعلم ماذا أصابني كي أفكر بقتلك» رفعت بصرها الى السماء تتوسّل مغفرة الله، خائفة جداً من القادم.

**منى لطيفي (نصر الدين )** 30-09-19 11:12 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرات الفصول السابقة وكنت في انتظار هذا الفصل ..
القصة رغم قساوتها نالت إعجابي...
عدن وجنة ... جنة وعدن... في راي الخاص هما لا يليقان ببعضهما
هو يخرج منها أسوء ما فيها وهي تفعل نفس الشيء
احببت طرحك لقضية الشبهات وكونها بداية الجرف الذي
يهوي بهم إلى الحضيض.
ماحدث مع العائلة صعب لكنه خير لهم ليعي كل واحد من أخطائه
يظن الانسان انه قوي قادر امام الابتلاءات ليجد نفسه ضعيفا
امام رغباته وأطماعه وقد تسهل له نفسه المعصية دون وعي
في إنتظار القادم تحياتي لك

امل القادري 01-10-19 06:52 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** (المشاركة 14514763)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرات الفصول السابقة وكنت في انتظار هذا الفصل ..
القصة رغم قساوتها نالت إعجابي...
عدن وجنة ... جنة وعدن... في راي الخاص هما لا يليقان ببعضهما
هو يخرج منها أسوء ما فيها وهي تفعل نفس الشيء
احببت طرحك لقضية الشبهات وكونها بداية الجرف الذي
يهوي بهم إلى الحضيض.
ماحدث مع العائلة صعب لكنه خير لهم ليعي كل واحد من أخطائه
يظن الانسان انه قوي قادر امام الابتلاءات ليجد نفسه ضعيفا
امام رغباته وأطماعه وقد تسهل له نفسه المعصية دون وعي
في إنتظار القادم تحياتي لك

أستاذة منى ، لقد قرأت تعليقك بفرحة عارمة، لا أصدق بأنّ كاتبة رائعة ووقورة مثلك تقرأ لي ، وتترك تعليقاً يعبّر عن رأيها .
تشرفت بمتابعتك وسعدت جداً بتعليقك ورأيك حول الأحداث
لك مني أطيب تحية

امل القادري 01-10-19 06:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا (المشاركة 14507898)
الطفل الذي كانت حامل بة جنة هو طفل عدن
وهى لم ترتكب جريمة
وما حدث كان ذنب عدن ...
لقد دمر حياتة ودمرها معة.
وهى فقدت جزء من ذاكرتها
ونسيت ما حدث معها....
تسلم ايدك ❤❤❤❤❤

الله يسلمك يا رب
سعدت بمتابعتك وتعليقك 😘
وبالنسبة لجنّة وعدن
ممكن الي عم بيحصلهن هو إمتحان الهم
😉👌🏻

منال سلامة 01-10-19 10:58 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

فصل اكثر من راااااائع تسلم ايدك امولة ..

وضح كثييير مما حدث مع جنة وعدن ..
الطفل هو ابن عدن ..غير ان هناك جزء مفقود من ذاكرة جنة لما حدث معها ...
امان صديق السوء نال جزاه بعد ما فعل بعدن في سبيل توقيع عقد الشركة ..
هو السبب فيما حدث لعدن وجنة بدسه للحبوب المخدرة لعدن لمصلحته الشخصية ...
جنة تستمع لثائر وهو يخبرها بكل ما حدث منذ سماعهم للحادث ولا تتمتم الا بالحمد لله ...بعد ان خسرت والدها اختيها وتسببت في قهر والدها وجعله يتخذ قرار في لحظة غضب بهد ان صدم مما سمع ...

عدن سار في طريق الهلاك فلم يعد يفرق معه شيئا بعد ان تسبب بضياع جنة ...فانزلق للهاوية ..
واضح انه من في الصور مع عدن ممكن تكون جنة طالما كان فاقد للوعي وغير ظاهر لوجهها يمكن يكون امان دس لعا حبوب الهلوسة ايضا كما فعل مع عدن وجعله يغتصبها !!!!


عدن اخطأ عندما سلم نفسه لويوسة الشيطان ..وجنة اخطأت عندما سمحت لعدن ان يختلي فيها بغرفتها ..
الان الاثنين يدفعون الثمن ...
الافضل الانتظار والتمهيد ومعالجة عدن في البداية ثم يعرف ان جنة لا تزال حية ...بعد ان يفيق مما هو فيه ويعود لطريق الرشد والهداية ويبتعد عن طىيق الضلال والانحلال ..


اما سحر فهي ايضا انانية آثرت مصلحتها الشخصية على عائلتها ..تريد قتل النفس التي حرم الله قتلها بحجة دراستها وانه سيكون عائق امام طريق نجاحها ..هناك ناس يدفعون الغالي وال خيص في سبيل الحصول على ظفر طفل وهي جاحدة بنعمة الله عليها لا تعرف قيمتها
واضح ان ثائر انسان طيب وهي لا تستاهله ..

فصل اكثر من راااائع مشوق للقادم سلمت يمينك ..👏👏👏👏👍👍👍
بانتظار القادم ...❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹🌹

امل القادري 02-10-19 02:42 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة (المشاركة 14515540)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

فصل اكثر من راااااائع تسلم ايدك امولة ..

وضح كثييير مما حدث مع جنة وعدن ..
الطفل هو ابن عدن ..غير ان هناك جزء مفقود من ذاكرة جنة لما حدث معها ...
امان صديق السوء نال جزاه بعد ما فعل بعدن في سبيل توقيع عقد الشركة ..
هو السبب فيما حدث لعدن وجنة بدسه للحبوب المخدرة لعدن لمصلحته الشخصية ...
جنة تستمع لثائر وهو يخبرها بكل ما حدث منذ سماعهم للحادث ولا تتمتم الا بالحمد لله ...بعد ان خسرت والدها اختيها وتسببت في قهر والدها وجعله يتخذ قرار في لحظة غضب بهد ان صدم مما سمع ...

عدن سار في طريق الهلاك فلم يعد يفرق معه شيئا بعد ان تسبب بضياع جنة ...فانزلق للهاوية ..
واضح انه من في الصور مع عدن ممكن تكون جنة طالما كان فاقد للوعي وغير ظاهر لوجهها يمكن يكون امان دس لعا حبوب الهلوسة ايضا كما فعل مع عدن وجعله يغتصبها !!!!


عدن اخطأ عندما سلم نفسه لويوسة الشيطان ..وجنة اخطأت عندما سمحت لعدن ان يختلي فيها بغرفتها ..
الان الاثنين يدفعون الثمن ...
الافضل الانتظار والتمهيد ومعالجة عدن في البداية ثم يعرف ان جنة لا تزال حية ...بعد ان يفيق مما هو فيه ويعود لطريق الرشد والهداية ويبتعد عن طىيق الضلال والانحلال ..


اما سحر فهي ايضا انانية آثرت مصلحتها الشخصية على عائلتها ..تريد قتل النفس التي حرم الله قتلها بحجة دراستها وانه سيكون عائق امام طريق نجاحها ..هناك ناس يدفعون الغالي وال خيص في سبيل الحصول على ظفر طفل وهي جاحدة بنعمة الله عليها لا تعرف قيمتها
واضح ان ثائر انسان طيب وهي لا تستاهله ..

فصل اكثر من راااائع مشوق للقادم سلمت يمينك ..👏👏👏👏👍👍👍
بانتظار القادم ...❤❤❤❤🌹🌹🌹🌹🌹

عزيزتي منال
فرحت بقراءة تعليقك المفصّل عن أحداث الفصل ، وفرحت أكثر بأنّ أحداث الرواية نالت إعجابك
لك مني أطيب تحية 💕🌹

بنت سعاد38 02-10-19 07:47 PM

ابتلاء شديد وقع به عدن وجنة وكل الابطال فصل رائع متشوقة للقاء جنة وعدن

Gigi.E Omar 03-10-19 12:11 AM

جنة فاقت من الغيبوبة و عرفت بكل اللي حصلها ...عرفت انها فقدت ابنها و مش هتقدر تنجب و عرفت ان ابوها دفنها و هي عايشة ....
عجبني انها حمدت ربنا و هتستمر انها تكفر عن ذنوبها ...بس هترجع جنة تاني ازاي ؟؟؟ او ابوها هيرجعها تاني ازاي ؟؟!!!

عدن دمر كل حاااجة و كله بسبب الشيطان أمان !!! هيقدر عدن يرجع تاني و يصلح كل اللي كسره سواء لنفسه او لجنة !!

سحر ارتبكت خطأ و هتقتل طفلها عشان شهادتها !!!!
رد فعل ثائر معاها هيكون ايه ؟؟؟ و يا ترى هيوافق على سفرها و يتنازل بردو بعد ما عرف اللي كانت هتعمله ؟؟!!

تسلم ايدك يا قمري على الفصول و متحمسسة للجااي مع عدن و جنة 👏💖💖

DelicaTe BuTTerfLy 04-10-19 03:25 PM

ياويلي اية العذاب دة كلو اية ال كان رمانى اقرى دلوقتى بعز البرد عشن اقعد اعيط جنبهم 😭😭💔

جنة مقهوورة عليها اوى خسرت شئ عظيم امومتها 💔

يعنى حتى لو تصلح الوضع وتابت وابوهاةغفر لها ورجعها.

وحتى لو عدن تاب وفاق ورجع لصلاحة لكن تبقى هيا الخاسر الأكبر بدون ذنب 😭😭💔

الغلط مش مشترك البنت بريئة تغرر بيها من شيطان وعدن كان غبي رماها بعالمة الأسود وهيا ما بتفقة شئ

كرهت غدرة بيها جدا

قد ما وجعني قلبى على رثاؤة لها بقبرها وعلى المشاعر الجميلة ال بينهم قد ما مش قادرة اسامحة على جرحة ال عمله لها للابد


احساس قااهر ان يكون تربيتهم بمنتهى الصلاح دة وان يكون نهايتهم كدة

رساالة مهمة جدا بين السطور للاهل ان يكون عندهم القدرة على الاحتواء والاستيعاب وتقبل غلط اولادهم وانهم يحاولو ينشلوهم منة بدل ما يطردوهم من جنتهم

رغم كل التعب ال تعبوة العائلتين عشن يربو الولادبشكل ديني سليم لكنهم تعاملو بغشم وتعنت مع اولادهم

واخد يدفن بنتة بالحياة والتاني يرمي ابنة لاحضان الشيطان يكمل علية 💔💔مقدرة صدمتهم بس رد فعلهم سبب لانحدار الامور للاسوء

الشئ المروع ان جنة بنفسها ال سعت للخادث وتسببت لنفسها بالعقم 😭😭الشئ دة تاااعبنى نفسياااا ياريت يا امول ماكان قلمك قاسي كدة ودمرتى الموضوع بالشكل دة

تسلم ايديك منتظرة اشوف المعاالجة هيرموو ارواحهم ازاى...

ثاائر ❤ حبيت شخصيتة واتمنى يصلح حال زوجتة المجنونة

....

مبروك عودة السديم والفاها لينا ❤واحنا ال كسبانين وانت ماخسرتي ودووم كسبانة ومرتقية بقلمك


الساعة الآن 08:00 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.