آخر 10 مشاركات
تنظيف كنب بالخبر (الكاتـب : صابرين المغربى - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          588-المساومة -ديانا هاميلتون -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          سيدتي الجميلة ~ رواية زائرة ~ .. للكاتب الأكثر من مُبدع : أسمر كحيل * مكتملة * (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree429Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-07-20, 11:39 PM   #91

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الرابع والثلاثون


البدايات الجديدة
الفصل الرابع واالثلاثون

مر حوالى شهران كانت خلالهما بسمة تتردد على شريف بالمشفى خلسة كلما حانت لها الفرصة لزيارته وذلك بمساعدة والدته التى كانت على اتصال بها لتخبرها بالوقت الذى تستطيع فيه ان تأتى الى المشفى دون أن يدرى والده بأمر هذه المقابلات بينهما .. وكان شريف قد اتفق مع الطاقم المعالج له على ان يكتم أمر زيارات بسمة له عن ابيه خوفا من ردة فعله تجاهها ..

ارتفعت معنويات شريف يوما بعد يوم بسبب زيارات بسمة له ومكوثها معه بغرفته يحدثها وتحدثه وتعطيه الأمل فى الشفاء .. ادرك كلاهما خلال هذه الفترة ان فراقهما قد بات مستحيلا حتى وان ظلت حالة شريف هكذا بقية حياته .. فهما الحب الأول لبعضهما البعض .. وعندما يمر المحبون بمحنة ما كالتى يمر بها شريف وحبيبته بجواره .. فمن شأن هذه المحنة أن تقوى العاطفة بينهما أضعاف المرات عما اذا لم يمروا بمحنة ما ..
ولكن ليس دائما تأتى الرياح بما تشتهيه السفن .. ففى أحد الأيام فوجئت بسمة وهى بالجامعة أن أحد السعاة يستأذن الى الدخول الى احدى المحاضرات التى كانت تحضرها ثم اقترب من الدكتور الذى يلقى المحاضرة ليقول له شيئا بأذنه ثم ينصرف ..
وبعد أن خرج .. نادى الدكتور على اسمها .. فلما وقفت قال لها : الدكتور مجدى عاوزك بمكتبه بعد المحاضرة يا دكتورة بسمة ..

أحست بسمة بان قلبها كاد ان يتوقف مما سمعته للتو .. ولكنها أومأت ايماءة خفيفة وجلست تفكر فيما سيقوله لها أو يطلبه منها الدكتور مجدى .. والد شريف ..

ذهبت بسمة الى مكتب الدكتور مجدى بعد انتهاء المحاضرة .. طرقت باب مكتبه ويداها ترتعشان وقلبها يخفق بشدة وهى تحاول أن تتماسك من رعشة تكاد تنتابها ولو قليلا .. سمعت صوته من الداخل يدعوها للدخول .. فتحت الباب ببطئ ثم دخلت الى الحجرة ووقفت محلها بمجرد ان عبرت من باب مكتبه .. كان وقتها يتظاهر انه يحدث احدا بالتليفون .. ولا ينظراليها .. فظلت واقفة مكانها تنتظر ان ينهى مكالمته وينتبه اليها .. ولكنه أطال المحادثة فتارة يتكلم بهدوء ونارة يعلوا صوته موبخا من يتحدث اليه ..

مرت أربعة دقائق قبل أن يلتفت اليها .. كانت فيهم بسمة قد تجمدت مكانها من الذعر والقلق بسبب تصرفاته وما تتوقعه منه تجاهها .. وعندما التفت اليها رمقها بنظرة باردة ليس فيها ادنى درجة من الود .. ثم قال لها بتهكم والغضب يملأ عينيه : مين انتى .. وعايزة ايه ؟
تلعثمت بسمة وهى ترد : حضرتك اللى بعت لى الساعى وطلبت انى آجى مكتبك ..
مجدى ببرود وسخرية : أيوة .. أيوة .. انتى بسمة ..
بسمة : أيوة يا دكتور .. تأمر بشيء ؟

سكت مجدى طويلا وهو يغادر كرسى مكتبه ويتحرك فى اتجاهها ثم يقف قبل أن يصل إليها بخطوتين .. ويقول : شكلك مش بطال .. أقصد انك جميلة ..
بسمة وهى تبتسم ابتسامة إمتنان بسيطة .. وقد أراحها إطراؤه لها قليلا : متشكرة يا دكتور ..
مجدى بتحفز : أنا مبحبش حد يقاطعنى وأنا بتكلم .. فمن فضلك تسمعى اللى حقوله من غير ما تقاطعينى وبعدين تتكلمى اذا سمحت لك بالكلام أو التعليق على اللى حقوله .. لكن عموما أنا مش بجاملك .. انتى فعلا جميلة وملفتة للنظر .. غريبة انى مأخدش بالى منك مع إنى بدرس لك كتير ..

عاد الخوف والقلق ينتاب بسمة من جديد .. ولكنها أطرقت برأسها الى الأرض هلعا من تصرفاته فهو ينهرها ويثنى على جمالها فى وقت واحد ..

تكلم مجدى مجددا بعد أن أحرق اعصابها بدقيقة إلتزم فيها الصمت التام وهو ينظر اليها يتفحصها كأنه يراها للمرة الأولى أو يكتشف كائن غريب يريد أن يستكشفه : شوفى يا دكتورة بسمة .. انتى طبعا عارفة انى معارض موضوع جوازك من إبنى شريف .. زى ما أنا عارف انك على اتصال بيه لغاية دلوقتى .. وانك بتزوريه فى المشتشفى يوميا .. ومن ورايا .. بس أنا اللى سامح لكم بكده .. وده طبعا علشان مصلحة ابنى شريف .. لكن ده مش معناه انى حوافق فى يوم من الأيام على ارتباط ابنى بيكى وبعيلتك ..
عند هذه النقطة .. لم تستطع بسمة أن تتمالك نفسها وقالت بغضب : أنا مسمحلكش .... ولكنه قاطعها بشدة وبلهجة غاضبة وصوت مرتفع وهو يضرب بقبضة يمناه على سطح المكتب بشدة : انتى هنا مش علشان تسمحى أو ما تسمحيش .. انتى هنا علشان تسمعى وتنفذى اللى حطلبه منك .. والا عمرك ما حتسمعى حد يناديكى بكلمة دكتورة .. اللى ناديتك بيها من شوية .. ثم علا صوته أكثر وهو يقول : انتى فاهمة .. ومتنسيش انى قلت لك فى بداية كلامى معاكى انى محبش حد يقاطعنى وأنا بتكلم ..

سكت مجدى من جديد وهو يدور بالحجرة كالأسد الغاضب الجوعان قبل أن يلتهم فريسته .. فى حين كانت بسمة قد انهمرت دموعها على خديها بشدة وانتابتها رعشة فى جسدها جعلتها تهتز بشكل ملحوظ خوفا وهلعا وبغضا له .. فأخذت تنظر اليه وتتأمله .. فوجدته بالفعل شخص بغيض .. فوجهه يعلوه سوادا على جبهته وتحت عينيه ولطشا سوداء على جانبى وجهه .. وعينيه السوداوين الضيقتين والتكشيرة المطبوعة على ملامحه يزيدانه كآبة ويجعل من يتعامل معه ينفر منه حتى وان لم يتكلم مطلقا ..

مرت دقيقة أخرى وهو صامت .. فقط يدور فى الحجرة .. ثم قال لها وهو معطيا لها ظهره : شوفى يا دكتورة .. أنا حابب أنصحك نصيحة حتفيدك فى حياتك .. ومبدأ تمشى عليه حيريحك ويريح اللى حواليكى .. كل انسان فى الدنيا لازم يعرف حجمه فى الدنيا دى كويس ويلزمه .. علشان لو إتعداه حيتعب ويتعب اللى حواليه .. يعنى على سبيل المثال .. توافقينى انه مش من المنطق انى أنا الدكتور مجدى اللى مناسب الوزراء حييجى عليه يوم ويحط ايده فى ايد موظف ارشيف سابق فى مستشفى حكومى لمجرد ان ابنه بيتوهم أنه بيحب بنته .. أو حتى كان بيحبها بالفعل .. الدنيا يا دكتورة متمشيش أبدا بالشكل ده .. عارفة ليه ؟؟ .. علشان كفتين الميزان مش حيكونوا متساويين .. الفرق كبير بين الكفتين يا دكتورة .. ولا انتى ليكى رأى تانى ؟!!

كانت بسمة تستمع اليه وكل ذرة من ذرات جسدها تحترق وتريد أن تحرقه فى نفس الوقت .. لم تشعر باحساس البغض هذا الذى تشعر به فى تلك اللحظات لأى من البشر كما تشعر به تجاه هذا الرجل البغيض المغرور .. ولكنها تمالكت نفسها ولم تنفس عن غضبها مما يلفظ به من اهانات واحتقار لها ولأبيها .. ولكنها أيقنت فى تلك اللحظة أن أمر ارتباطها بشريف قد انتهى .. وأنها هى التى لا تريد أن ترتبط به .. ولن ترتبط به فى يوم من الأيام .. مهما كانت درجة حبها وعشقها له ..

عندما لم ترد بسمة ولم تعقب على ما قال أردف مجدى بنفس البرود واللامبالاة لمشاعرها : شريف لازم يرجع له بصره .. وانتى اللى حتساعديه زى ما بتعملى دلوقتى .. بس لازم تنفذى اللى حطلبه منك بالحرف الواحد .. لأنى شايف ان فيه تحسن .. بس مش سريع زى ما كنت متوقع .. لكن لو نفذتى اللى حطلبه منك .. أنا متأكد انه خلال أيام بسيطة حيرجع له نظره ..
كانت بسمة تستمع اليه ويدور بخلدها سيناريوهات كثيرة لما سيطلب منها تنفيذه .. ولكنها عقدت العزم بينها وبين نفسها أنها سوف تنفذ أى شيء يطلب منها .. فقط حتى يعود لشريف نظره .. ثم ليكن ما يكون بعد ذلك ..

تماسكت بسمة .. وكفت عن البكاء واستعادت نفسها القوية .. ووجدت نفسها فى لحظة لا تهاب هذا الرجل الذى لم ولن تكره أحدا فى حياتها كما كرهته .. فقالت بثبات : ايه المطلوب منى يا دكتور ؟
رد مجدى وقد انفرجت أساريره قليلا وشعر بنشوة الانتصار على فريسته الضعيفة : المطلوب أنا حبتديه مع شريف .. وانتى حتكملى الدور اللى بتقومى بيه دلوقتى زى ما هو .. بس بعد ما يرجع له نظره حتنفذى دور عكسه .. وعلشان مطولش عليكى .. أنا حتظاهر انى وافقت على ارتباطه بيكى .. بس حطلب منه اننا حنتقدم لطلب ايدك بعد ما يرجع له نظره .. لكن بعد ما ده يحصل .. انتى حتفضلى تأجلى فى طلب زيارتنا لأهلك .. وتبدئى تصعدى المشاكل معاه .. وبعدين تعترفى له انك مش موافقة على الارتباط بيه .. لأنك اكتشفتى انكم مختلفين وانك مش بتحبيه ..
كانت بسمة تستمع الى خطته الحقيرة وتفاصيها تمزقها من الداخل .. ولكنها لم يكن بيدها حيلة .. فهاهو ذلك الوحش قاسى القلب .. بل بلا قلب بالمرة .. عديم المشاعر يهينها أهانات لا تقبلها أبدا .. بل ويهددها بتحطيم مستقبلها .. ولكن لم يكن هذا الأمر الذى يهمها فهى تعرف قدر نفسها جيدا وترى أن ابيها هذا الرجل البسيط هو أعظم أب فى الدنيا .. ولم تكن تفكر بمستقبلها .. فهى كانت تؤمن بانه لو اجتمع العالم أجمع على ان يضرها بشيء فلن يضرها الا بما كتبه الله لها .. هى كانت لا تفكر سوى فى أن يسترد شريف بصره .. حتى لو تمزق قلبها وقلبه ..

تكلم مجدى مجددا وهو يتباهى بعرضه القادم : وطبعا اللى حتعمليه مش حيكون ببلاش .. أنا عارف انك متفوقة فى دفعتك .. بس زى ما انتى عارفة .. التفوق مش الشرط الأساسى انك تتعينى معيدة فى الجامعة .. أظن انتى فاهمانى .. بوضوح أكتر .. أنا أقدر اساعدك فى انك تتعينى معيدة .. حتى لو مكنتيش الأولى على الدفعة .. وكمان ممكن اضمن لك انك تشتغى فى احسن مستشفيات فى البلد بعد ما تخلصى دراستك .. واعتقد ده تمن وتعويض كويس بالنسبة لك ..
لم ترد بسمة .. حتى انها لم تستوعب عرضه جيدا ولم تلقى له بالا ..
تكلم مجدى يسألها : هه .. مقلتليش .. ايه رأيك فى الكلام اللى قلته يا دكتورة ..
بسمة فى ثبات وهى تنظر الى نافذة حجرته : موافقة يا دكتور .. تحب حضرتك نبتدى من امتى ..
مجدى وهو يبتسم ابتسامة صفراء مقتضبة : كنت متأكد من موافقتك .. زى ما كنت متأكد انك محبتهوش ولا قربتى منه غير علشان مصلحتك .. عموما ده مش موضوعنا .. أنا حبلغك قريب .. انتى حنبتدى بعد ما افاتح شريف ووالدته وابلغهم انى موافق على اتباطه بيكى .. سكت للحظة وهو يمد يده على مكتبه يلتقط ورقة وقلم ثم نظر اليها وهو يقول : بس يا ريت تكتبى لى رقم تليفونك فى الورقة دى لأن حيكون بينا كلام كتير فى الأيام اللى جاية .. وأنا مش عايز اتعبك واطلب منك انك تجيلى المكتب كل شوية .. وكمان مش عايزين نلفت نظر حد لعلاقتنا .. انتى عارفة كلام الناس .. وأنا بخاف على سمعتى .. وبرضه على سمعتك ..
التقطت بسمة الورقة والقلم من يده وهى تنظر اليه بقرف واشمئزاز ثم كتبت رقم تليفونها بعصبية واضحة وتحركت الى المكتب ووضعت الورقة والقلم بصوت مسموع له .. ثم قالت له وهى لا تزال تنظر الى النافذة .. فيه أوامر تانية يا دكتور ..
نظر اليها مجدى نظرته الأولى الباردة ثم رد بعد لحظات : لا .. ممكن تتفضلى انتى دلوقت .. وأنا حتصل بيكى ..

تحركت بسمة تجاه الباب سريعا وكانت قد اختنقت بالفعل وتريد أن تخرج من مكتبه باسرع ما يكون لعلها تستنشق هواءا نظيفا بعد أن شعرت بالغثيان من مقابلته .. ولكنها قبل أن تفتح الباب سمعته يقول لها من جديد : طبعا انتى مش فى حاجة انى أفكرك ان أى تلاعب أو عدم تنفيذ اللى طلبته منك ده معناه أن حالة شريف حتسوء اكتر .. وانك مش حتكونى طبيبة فى يوم من الأيام ..

لم تلتفت اليه بسمة وفتحت الباب وخرجت وهى تغلقة بشدة بحركة لا ارادية جعلته من صوت الباب ينتابه قليلا من الذعر ..

خرجت بسمة وقد عاودتها الدموع من جديد .. خرجت تسير فى اتجاه باب الجامعة باكية فى صمت .. لا تبالى بمن حولها .. ولا تعرف الى اين تتجه .. مشاعر كثيرة تتخبطها وتعصف بها .. حبها لشريف ورغبتها فى ان يكون لها .. حبه لها الذى من شدته فقد بصره بسبب موقف ابيه منه.. كرهها الشديد لوالده ورغبة الانتقام منه .. وفى المقابل حبها لخلود والدة شريف التى احتضنتها وعاملتها بطيبة وحنان .. مستقبلها المهدد فى حال أن عارضت ما يطلبه منها هذا البغيض .. وأولا وأخيرا أهانته لها ولأبيها الذى تحبه حبا كبيرا ..

مشيت كثيرا .. لا تعلم اى مكان سارت فيه أو اليه .. لم ترد على اتصالات كثيرة لانها ببساطة لم تنتبه لجرس الموبايل الذى كانت تحمله فى يدها .. أو لم تكن تستطيع أن ترد أو تتكلم مع أحد وهى فى حالتها تلك .. لقد كانت صدمتها كبيرة الى الحد الذى افقدها توازنها وهز ثقتها بنفسها كثيرا .. فهى لم تشعر بالقهر قط فى حياتها .. لكن اليوم قد ذاقت مرارته جملة واحدة .. كانت تعلم أن الدنيا بها أناس ظالمون .. ولكنها لم تكن تتصور أن مدى الظلم يمكنه أن يصل الى هذا الحد .. كانت تتسائل .. هل هؤلاء الناس المتجبرون فى الأرض من عينة الدكتور مجدى هم أناس بالفعل .. أم هم كائنات أخرى تقابلهم للمرة الأولى فى حياتها .. كيف لهم أن يتجبروا ويقهروا غيرهم بهذا الشكل .. كيف لهم أن يتدخلوا فى حياة غيرهم ويحكموا عليهم انهم اقل شئنا منهم لمجرد الفارق المادى بينهم.. بل ويتلاعبون بهم دون أن يعبئوا بأمرهم أو مستقبلهم .. ودون خوف من الله تعالى .. من أعطاهم الحق فى أن يعبثوا ويسخرون بأمور غيرهم الى هذا الحد.. وكيف للمستضعفين فى الأرض أمثالها أن يحموا أنفسهم منهم أو يدافعوا عن حقوقهم ..

سارت بسمة كثيرا حتى شعرت بالإعياء والتعب فجلست على كورنيش النيل تنظر الى صفحة الماء المنبسطة أمامها تفكر فيما يجب أن تفعله .. ولكنها بعد ساعات من التفكير لم تصل الى شيء .. نظرت حولها فاذا بالشمس قد غابت والظلام قد حل ربما منذ عدة ساعات .. فنظرت بيأس الى التليفون فى يدها .. ثم ضغطت على زر الفتح حتى تعلم الساعة ولكنه كان قد انتهى شحنه .. فسألت احدى الفتيات التى مرت أمامها عن الوقت فأخبرتها أن الساعة هى العشرة وعشر دقائق .. فزعت بسمة من الخوف والقلق على والديها .. فهم الآن بالتأكيد فى حالة من الهلع عليها .. فهى كان من المفترض أن تعود الى البيت منذ ساعات مضت .. أسرعت وأشارت الى أول تاكسى مر أمامها وركبت متجهة الى بيتها .. تذكرت شريف الذى لا بد وان يكون قد اتصل بها هو الآخر عشرات المرات .. وكم هو الآن فى قلق وخوف عليها ..
وصلت الى البيت وقد كانت الساعة تقترب من الحادية عشر .. طرقت الباب ثم همت لتفتح بالمفتاح .. ولكن والدها باغتها وفتح الباب بسرعة قبلها .. وما أن رآها تقف أمامه حتى احتضنها بشدة .. ثم جذبتها أمها من حضنه وهى تبكى لتحضنها هى الأخرى .. فما كان منها الا أن ظلت تردد وهى تبكى : أنا آسفة سامحونى ..
مرت لحظات قبل أن تجلس بسمة بين والديها .. وبعد أن هدأ ثلاثتهم سألها والدها : فيه ايه يا بسمة .. ايه اللى أخرك كل ده يا حبيبتى .. انتى كويسة .. حصل لك حاجة لا سمح الله .. طمنينى يا بنتى .. انتى بخير يا حبيبتى .. ؟
حسنة : اهدى شوية يا خميس خليها تاخد نفسها الأول وتستريح وبعدين تحكى لنا اللى حصل ..
خميس : حاضر .. حاضر يا أم بسمة .. أنا بس عايز اطمن عليها ..
ردت بسمة : اطمنوا .. أنا بخير .. مفيش حاجة .. كل الموضوع ان ظهر عندنا شغل فى الجامعة والموبايل فصل شحن وأنا محستش بيه .. معلش .. سامحونى انى اتسببت لكم فى القلق ده كله ..

خميس وهو يربت على كتفها ويمسح خديها بيديه : الحمد لله .. الحمد لله يا حبيبتى انك بخير .. ده أنا وأمك كنا حنموت من القلق والخوف عليكى .. خصوصا لما الست سلمى هى كمان اتصلت بينا تسأل عنك لما مردتيش عليها .. فضلنا بعدها نتصل بيكى على الموبايل بس انتى مكنتيش بتردى لحد بعد كد ما بقى بيدى رسالة انه بره الخدمة .. الحمد للله .. الحمد لله يا ربى انك بخير ..
حسنة : طيب انتى جعانة يا حبيبتى .. أقوم احضر لك حاجة تكليها .. انت شكلك تعبان .. حقوم اجيبلك حاجة تكليها ..
بسمة وهى تمسك بيدها : لا يا أمى أنا مش جعانة .. أنا بس تعبانة ومجهدة شوية ومحتاجة انى انام ..
خميس : أيوة يا حبيبتى .. بس طالما تعبانة بالشكل ده ومكلتيش حاجة برة .. على الأقل تشربى كباية عصير أو لبن قبل ماتنامى .. قومى يا حسنة دفى لها كباية لبن بالعسل تشربها قبل ما تنام ..
قامت حسنة مسرعة الى المطبخ .. فى حين وضعت بسمة رأسها على كتف ابيها الجالس بجوارها كانها تحاول ان تطمئن نفسها وتطمئنه فى نفس الوقت .. ضمها الى صدره بحنان وهو يمسح شعرها .. فشعرت بالدفأ والحنان يسرى فى جسدها وكادت أن تنام على كتفه لولا أن

دخلت حسنة بكوب اللبن وجلست الى جوارهما .. ناولت بسمة منها كوب اللبن فشربت نصفه .. ثم استأذنت للدخول الى غرفتها ..

خرجت من غرفتها بعد دقائق قليلة وتوجهت الى الحمام .. ثم توجهت الى غرفتها مرة أخرى .. وما أن وضعت رأسها على مخدتها حتى راحت فى ثوانى فى سبات عميق ..
استيقظت بسمة على آذان الفجر .. فتوضأت ثم صلت ركعتى سنة الفجر .. ثم صلاة الفجر وجلست على سجادة الصلاة فى حجرتها تدعوا الله كما اعتادت لنفسها ووالديها وشريف .. وبعد دقائق عاد خميس بعد أن صلى الفجر بالمسجد ودخل حجرته فوجد زوجته جالسة على سجادة الصلاة تدعوا هى الأخرى بعد ان انهت صلاتها ..
خميس : السلام عليكم يا أم بسمة ..
حسنة : وعليكم السلام يا خميس ..
خميس : اطمنتى على بسمة ..
حسنة : سمعتها وهى بتتوضا .. وبعدين دخلت اوضتها ..
خميس : طيب مش المفروض نطمن عليها ..
حسنة : أيوة يا خويا يا ريت.. والنبى أنا حاسة ان البنت دى حد عاطيها عين مش كويسة .. أنا الصبح لازم ابخرها قبل ما تروح كليتها .. سكتت قليلا تفكر ثم اردفت : أوعى يا أبو بسمة تكون حكيت لحد عن موضوع الفلوس اللى بقت معانا .. ولا تكونش بسمة حكت لصحابها فى الجامعة .. وهما يا حبة عينى اللى طسوها العين دى ..
خميس : وهو ده معقول يا حسنة .. لا طبعا مقلتش لحد أبدا عنها .. وبسمة بنتى عمرها ما تحكى حاجة زى دى لزملاتها ..

حسنة وهى تربت على فخذها فى حيرة : أمال يا خويا البنت مالها .. دى يا حبة عينى زى ما تكون اتبدلت فى ليلة وضحاها .. الفجر لما شوفتها وهى داخلة الحمام تتوضا كانت يا عين أمها ماشية مش دريانة باللى حواليها .. حتى مصبحتش على ويمكن مشافتنيش من أصله ..
خميس : استهدى بالله يا أم بسمة .. ان شاء الله تكون بخير .. تلاقيها تعبانة من شغل الكلية .. ما انتى عارفة اد ايه الدراسة بتاعتهم صعبة ومتعبة ..

خرجت بسمة من حجرتها والقت الصباح على والديها وهى تبتسم ابتسامة بسيطة .. كانت تشعر بمدى القلق الذى تسببت لهم به .. فأرادت أن تطمئنهم وتخفف من توترهم وقلقهم عليها .. رويدا .. رويدا عادت الى طبيعتها وبدأت تمازحهم وتضحك معهم كعادتها .. فهى قد اتخذت قرارها .. وعندما يتخذ المرء قرارا فهو قد قهر وتغلب على نصف متاعبه .. ويتبقى النصف الآخر من التعب فى تنفيذ ذلك القرار ..

كانت خلود والدة شريف قد طلبتها عدة مرات بالأمس من حجرة شريف بالمشفى والقلق كاد ان يفتك به من عدم ردها على اتصالات امه بها .. كما طلبتها سلمى مرتين لتطمئن عليها .. ووالدها قد طلبها اكثر من مرة بعد سألت عنها سلمى بالمنزل .. مرت الساعات حتى وصلت للثامنة صباحا ..

كانت أولى محاضراتها فى ذلك اليوم تبدأ فى الواحدة ظهرا .. وعندما أصبحت الساعة الثامنة والربع كانت تستعد للخروج من البيت .. كانت تريد أن تذهب الى مكان هادئ تجلس فيه مع نفسها قليلا تفكر فيما ستفعله من أجل شريف حتى يعود له نظره بأسرع ما يمكن وتنتهى من تلك الصفحة فى حياتها .. ولكنها وهى على باب الشقة رن جرس تليفونها .. نظرت اليه .. كانت خلود تطلبها .. ترددت بسمة فى البداية فى الرد .. ولكنها ردت فى النهاية : صباح الخير يا طنط ..
خلود : صباح الخير يا بسمة يا حبيبتى .. انتى فين .. قلقتينا عليكى .. من امبارح بتصل بيكى مبترديش .. وبعد كده تليفونك كان بره الخدمة .. شريف حيموت من القلق عليكى .. خدي كلميه .. أهو معاكى ..
وقبل أن تطلب بسمة من خلود أن لا تعطيها شريف لتكلمه .. كانت التليفون فى يد شريف الذى حادثها بلهفة : بسمة .. حبيبتى .. انتى كويسة .. مردتيش ليه على التليفون امبارح .. طمنينى يا عمرى .. انت بخير ..

كانت بسمة تستمع اليه وقلبها يتمزق من لوعة الحب الذى تكنه له والحب الجارف الذى يكنه لها والذى تعلم جيدا أنها سوف تنهيه بنفسها فى الأيام القليلة القادمة .. كانت تعلم أن هذا الحب قد أصيب بأبشع أنواع السرطان الذى يفتك به حاليا منذ أن فاتح شريف والده فى أمر الزواج منها .. ولم يبقى فى عمر هذا الحب سوى أياما معدودة ..
ردت بسمة والدموع تنهمر من عينيها بصوت حاولت فيه بقدر الامكان ان يكون معاكسا لما تمر به فى تلك اللحظات : شريف حبيبى .. اطمن .. أنا بخير .. وأدينى بكلمك أهو يا سيدى ..
شريف وقد هدأت لهفته قليلا بعد أن سمع صوتها : طيب ايه اللى حصل .. ليه مردتيش امبارح .. انا كنت حموت من الرعب عليكى ..
بسمة : حبيبى يا شريف .. صدقنى .. مفيش حاجة .. أنا كنت سايبة الموبايل على الصامت ومسمعتهوش لغاية ما فصل شحن .. ولما رجعت لقيت ماما تعبانة شوية فانشغلت بيها .. ومبصتش فى التليفون إلا لما جيت أنام .. كان الوقت اتأخر ومعرفتش اتصل بيك .. المهم يا حبيبى أنا بخير أطمن ..
شريف : طيب يا حبيبتى .. الحمد لله .. حتيجى امتى .. انتى وحشتينى اوى ..
بسمة :أنا حخلص محاضراتى الساعة اربعة .. لو كانت الظروف فى المستشفى تسمح حجيلك بعد المحاضرات ..
شريف : طيب يا بسمة .. أنا حخلى ماما تتصل بيكى أول ما نطمن ان بابا مش حيكون موجود بعد الساعة اربعة ..
بسمة : تمام يا حبيبى .. اشوفك النهاردة باذن الله .. باى باى ..
شريف : بسمة ..
بسمة : ايوة يا حبيبى ..
شريف بهيام : بحبك .. بحبك أوى يا أحلى حاجة فى حياتى ..
بسمة : وأنا يا شريف بحبك أوى .. أوى ..
شريف : مع السلامة يا قلبى ..
بسمة : مع السلامة يا حبيبى ..
أغلقت بسمة التليفون وظلت واقفة أمام باب الاسانسير شادرة ودموعها لم تجف بعد على خديها .. انتبهت بعد لحظات وضعطت على زر الاسانسير ليصعد بعد لحظات ..

هبط بها الاسانسير ليقف فى الدور الذى به شقة سلمى .. ليفتح باب الاسانسير وتطل عليها سلمى .. فنظرت اليها بسمة تقول شاردة : صباح الخير يا طنط ..
سلمى : صباح الخير يا بسمة .. ثم دخلت الى الاسانسير وهى تقول .. صباح الخير يا حبيبتى .. كنتى فين امبارح .. وليه مردتيش على تليفوناتى ..
بسمة وهى تنظر الى ارضية المصعد ثم تنظر امامها : آسفة يا طنط .. اعذرينى .. ظروفى مكنتش سامحة انى ارد على حد امبارح ..

نظرت اليها سلمى متعجبة من ردها .. هى بحكم علاقتهم تعلم عنها كل صغيرة وكبيرة .. وخصوصا موضوع علاقتها بشريف واحداثة الأخيرة .. بل وتفاصيل الاحداث اليومية بينهما وبين والدته .. فبسمة تحكى لها عن كل شيء يدور فى هذا الموضوع .. كما أصبحت سلمى تحكى لها عن علاقتها بنادر وما تمر به هى وأولادها وأحفادها وتفاصيل الحياة والمشاكل اليومية التى تمر بها منذ أن اكتشفت خيانة زوج ابنتها وزوجة ابنها .. كانتا صديقتين مقربتين لبعضهما البعض بشدة .. لذا .. لم يكن يمر يوما الا وتتحدثان فى أمور حياتهما ..
سلمى : مالك يا بسمة .. فيه ايه يا حبيبتى .. ليه بتردى بيأس بالشكل ده ؟
بسمة وقد امتلأت مقلتيها بالدموع مرة أخرى : آسفة يا طنط .. بس أنا مش كويسة خالص .. ثم ارتمت فى حضنها وهى تبكى بشدة .. فضمتها سلمى اليها وهى تقول : اهدى .. اهدى يا حبيبتى .. مالك فيكى ايه؟ .. لا حول ولا قوة الا بالله .. شريف كويس ..؟
أومأت بسمة وهى مازالت فى حضن سلمى التى ابعدتها برفق عن صدرها وهى تقول .. طيب ليه بقى كل العياط ده .. وبعدين أنا كلمت باباكى امبارح وكان كويس .. طيب ايه اللى مزعلك يا ستى ..

كان الاسانسير قد وصل الى الدور الأرضى منذ لحظات فانتبهت سلمى وفتحت باب المصعد وخرجتا منه فقالت بسمة : انا فيه كلام كتير أوى عايزة احكيهولك .. بس دلوقتى محتاجة اكون لوحدى شوية .. لو حضرتك ظروفك تسمح .. ممكن نتقابل بعد ما تخلصى المشوار اللى انتى رايحه له ..
سلمى : طيب يا حبيبتى .. أنا رايحة مدرسة ولاد جمال .. المشرفة طالبة ولى أمرهم .. سلوكهم مش مظبوط من ساعة وفاة امهم .. وزى ما انتى عارفة .. جمال قافل على نفسه ومش بيتكلم مع حد من ساعتها .. .. سكتت سلمى للحظات ثم اردفت : أنا حخلص مشوارى بسرعة واجيلك .. انتى حتكونى فين ؟
بسمة : بصراحة مش عارفة .. محتاجة اقعد فى مكان هادى أريح اعصابى شوية وافكر ..
سلمى : طيب .. تعالى معايا أوصلك .. أنا فى طريقى حفوت على الكورنيش حنزلك هناك تقعدى فى الكافيتريا اللى قعدنا فيها قبل كده وبعد ما أخلص حجيلك هناك .. اتفقنا ..
بسمة : اللى تشوفيه يا طنط ..

بعد دقائق قليلة كانت بسمة تركب السيارة بجوار سلمى التى تعمدت احترام رغبة بسمة فى الصمت والجلوس مع نفسها حتى يلتقيا فتعلم منها ما حدث .. وبعد دقائق أخرى وصلت السيارة الى الكافيتريا فترجلت بسمة من السيارة وهى ترسل قبلة حزينة فى الهواء لسلمى التى انطلقت بالسيارة فى طريقها لمدرسة احفادها ..

مرت ساعتين قبل ان يلتقيا من جديد .. كانت خلالهما بسمة قد حزمت أمرها بالفعل وقررت نهائيا انها لن ترتبط بشريف بسبب والده وغطرسته الفارغة .. ولكنها ضمنيا كانت تشعر ان كلامه اليها فيه بعض المنطق .. فالفارق بالفعل كبير وان كانت ترفض بشدة ان يهين ايا كان والدها الذى تعتز به ايما اعتزاز وتقدر لوالديها ما قدموه لها فى هذه الحياة .. فقد كانت تفكر فى والديها وشعورهما اذا تم هذا الارتباط .. كيف لهما ببساطتهما وفطرتهما النقية أن يتعاملا مع امثال الدكتور مجدى .. هذا المتغطرس المتكبر .. وكيف سيدخلون الى هذا المجتمع المختلف عنهم كليا بوجهائه ووزرائه .. كم كانت تشفق عليهم كلما شعرت بنظرة هذا المجتمع لهم .. وتتساءل .. هل يجب أن يدفع والديها ثمن حبها لشريف .. والاجابة انه ثمن باهظ بالفعل .. وحتى الملايين التى أصبحت ملكا لهم من مصطفى لن تستطيع ان تغير من والديها .. وهى لا تتمنى لهم هذا التغيير .. كما انها لن تغير نظرة أهل شريف لهم .. وان كانت امه تستثنى من هذا الأمر .. فهى قد اقتربت منها كثيرا
فى الفترة الأخيرة واحبت فيها تواضعها وطيبة قلبها .. ولكن هذا لا يشفع لها فى ان تحاول .. مجرد المحاولة فى ان تكون لشريف أو يكون لها بأى صورة من الصور ..

جلست سلمى أمام بسمة بعد عودتها من مدرسة أولاد جمال .. ساد الصمت للحظات التقطت فيه سلمى انفاسها قبل أن تسألها بسمة .. يا ترى ايه أخبار ولاد جمال فى المدرسة ..

خلعت سلمى نظارتها والهم يبدو واضحا على ملامحها .. ثم تنهدت وقالت : الولاد حالهم مش كويس أبدا يا بسمة .. شكاوى المدرسين والمشرفات فى الحضانة كتير بسبب العنف اللى اصبحوا فيه وعدم تنفيذ اوامرهم .. والمدارس اللى زى دى بيبقى لها حدود .. يعنى لو متصرفناش وحلينالهم مشاكلهم ممكن المدرسة متسمحلهمش يكملوا فيها علشان ميأثروش على الولاد التانيين فى المدرسة .. مش عارفة أعمل ايه .. خصوصا ان ابوهم مش مهتم بيهم ولا بنفسه .. حتى شغله سايبه ومش بيروح .. وتقريبا فى الشغل رموا طوبته خلاص .. أنا حاسة انى فى كابوس مش عارفة أعمل ايه .. علا وولادها وجوزها اللى اختفى وسايبها متعلقة لا هى متجوزة ولا مطلقة ومحدش عارف له طريق .. ومشاكلها هى وجمال وولاده بسبب مشاكلهم وعصبيتهم خصوصا لما بيختلفوا مع بعض بسبب الولاد .. حاسة انى عايشة فى مرستان مش بيتى وحياتى الهادية .. حتى نادر مش عارفة اعمل معاه ايه .. كل يوم والتانى يطلب منى اننا نتجوز واسيبهم يحلوا مشاكلهم بنفسهم .. بس قلبى مش مطاوعنى .. حاسة ان المشاكل مش بتنتهى وخايفة انى اقضى باقى حياتى فى الدوامة دى ..

اشفقت بسمة على حال سلمى .. وعلمت أن هناك من هو مصيبته أكبر بكثير من مصيبتها .. فشعرت ولو قليلا بالرضى بحالها .. وانها افضل حال من غيرها .. وتذكرت المقولة التى تقول " ان من رأى بلوى الناس .. تهون عليه بلواه" .. ربتت على كف سلمى وهى تنظر فى عينيها وتقول ببسمة صافية : معلش يا طنط .. انا عارفة ان اللى بتمرى بيه صعب .. بس زى ما ربنا تعالى قال " ان مع العسر يسرا" .. ان شاء الله كل ده ينتهى وترجعى لحياتك الهادية ..
سلمى وهى تتنهد مرة أخرى وتضع كفها الآخر على كف بسمة وتربت هى الأخرى عليه وتقول بأسى واضح : للأسف .. أنا عمرى حياتى ما كانت هادية .. الظاهر ان ده قدى ومكتوبى .. سيبك انتى منى يا حبيبتى .. وطمنينى عليكى ..
بسمة : معقول يا طنط سلمى .. بعد كل المشاكل اللى عندك دى عايزانى اشيلك همى ومشاكلى أنا كمان ..
سلمى وهى تضحك بسخرية : ياللا .. على رأى المثل .. ضربوا الأعور على عينة .. قولى قولى .. ولا يهمك .. صاحبتك اتعودت خلاص ..

ضحك الاثنان على تعليق سلمى .. ثم بدأت بسمة تحكى لها ما حدث من والد شريف وما مرت به خلال اليوم السابق حتى توصلت الى قرارها بالبعد عن شريف بعد ان يعود اليه نظره .. ليس خوفا من ابيه وبطشه بها .. ولكن حفاظا على كرامتها وكرامة والديها .. وكانت سلمى تستمع اليها فى غير دهشة .. فهى كانت تتوقع هذا الأمر أن يحدث .. بل كانت تنتظر متى يحدث ..

عندما انهت بسمة كلامها لم تعقب سلمى مباشرة على كلامها ولكنها التزمت الصمت .. لا تدرى لماذا تذكرت توفيق فجأة .. وتذكرت معه ما فعله ليفرق بينها وبين خالد فى الماضى فابتسمت بسخرية وهى تقول لنفسها ولكن بصوت مسموع : تتعدد الاسباب .. والموت واحد ..
بسمة : مش فاهمة .. تقصدى ايه ؟
سلمى : اقصد ان فى كل قصة حب جميلة لازم الشياطين يحوموا حواليها لغاية ما يفسدوها .. المهم .. انتى مقتنعة بالقرار اللى وصلتى له .. ؟
بسمة بحزم ولكن ممزوج بالحزن والحسرة : كل الاقتناع ..
سلمى : مقدرش اقولك غير ربنا يقويكى ويوفقك .. أنا كمان رأىى انك فعلا تصرفى نظر عن الموضوع ده .. لانك انتى الوحيدة اللى لو تم وارتبطتى بشريف حتتعبى وتعانى الأمرين من الراجل ده .. خصوصا ان مراته واضح انها طيبة ومتقدرش عليه .. وابنه بالرغم من حبه ليكى لكنه برضه واضح انه ميقدرش يقف ادامه .. والدليل انه لما خد الموضوع على اعصابه .. حصل له اللى حصل ..

ساد الصمت بينهما دقائق .. كانت سلمى وبسمة خلالهما قد شردا فى شيء واحد .. وهو العلاقة التى تجمع بينهما وان كان فرق العمر بينهما كبير.. ففى عدة شهور قد توطدت علاقتهما وتطورت بشكل عجيب أثار دهشتهما .. فسلمى كانت فى البداية لا تحب بسمة بسبب غيرتها منها عندما كان مصطفى يمتدحها بشدة .. بل لعل بسمة هلى الفتيل الذى اشعل الخلافات بينها وبين مصطفى لتنتهى علاقة سلمى ومصطفى بالطلاق .. ولكن الظروف قد جمعت بينهما فى وقت كانت سلمى تحتاج فيه الى صديق بشدة ولم تجد سوى بسمة بجوارها فى ذلك الوقت .. ورويدا رويدا قويت العلاقة بينهما وتحولت من النقيض الى النقيض .. أصبحت بسمة من اقرب المقربين الى قلب سلمى .. بل أصبحت بمثابة مستشارتها فى ما يواجهها من مشاكل ومواقف تريد أن تتخذ فيها حلا أو قرارا .. أصبح الحب والود والاحترام هو ما يجمع بينهما ..

أما بالنسبة لبسمة .. فقد وجدت فى سلمى الكثير .. فعلاوة على انها قد اثبتت لها طيبة القلب والأصل الطيب عندما وقفت بجوارها فى اشد الظروف صعوبة يوم اتهام والدها بمقتل مصطفى ويوم لم تعارض وصية مصطفى ولم تحقد عليها ولا على والدها عندما أوصى لهما مصطفى بتعويض بوليصة التأمين الكبير .. بل على العكس شاركتهما المفاجأة الجميلة وقد بدا عليها السعادة وهى ترى السعادة فى عيونهم .. كم هى انسانة رائعة .. وسلمى أيضا أصبحت لها أقرب المقربين بعد والديها .. ولكن الفرق بينها وبين والديها هو أن سلمى تتمتع بنفس المستوى الثقافى الذى تتمتع به بسمة .. فهى من نفس الطبقة العلمية والمستوى الاجتماعى الذى تعيش بسمة فى وسطه .. هى تفهم مشاعرها ومتطلباتها ورغباتها فى الحياة .. هى لا تخجل من أن تحكى لها أدق تفاصيل مشاعرها نحو شريف .. ولكنها لا تستطيع أن تبوح بتلك المشاعر لوالدتها المرأة البسيطة التى سوف تخاف عليها ولن تقدر قدرتها على معالجة أمور الحب والعشق .. كما أنها من بيئة وثقافة لا تعترف بالحب وعلاقاته قبل الزواج .. كما أن والدها بحكم نشأته وبحكم شرقيته لا يسمح بمثل هذه العلاقات .. لذا كانت سلمى هى ملاذها فى هذا الأمر .. كما أن سلمى المرأة الخمسينية هى اعمق فى التفكير والحكمة والخبرة من زميلات بسمة .. لذا كانت تشعر معها بالأمان فى أن تبوح لها بكل أسرارها دون خوف أو قلق ..

تنبهت بسمة من شرودها فى لحظة كانت تتأمل فيها وجه سلمى الشارد وقد لاحظت للمرة الأول كم تتمتع سلمى بوجه جميل بالرغم من عمرها الكاذب .. فهى لا تبدو أبدا فى الخمسينات من عمرها .. فمن يراها يعتقد أنها على مشارف الآربعين من العمر أو تعدته بقليل .. ربما كان السبب يكمن فى سلام عجيب يكسو وجهها فى معظم الأحيان بالرغم من الظروف الصعبة التى مرت بها طوال حياتها والمشاكل التى تعيشها بسبب أولادها الآن..
ابتسمت بسمة و قالت : طنط سلمى .. انتى جميلة أوى .. ثم سكتت قليلا واردفت والدموع تتلألأ فى مقلتيها من جديد .. أنا عارفة انى بتعبك معايا .. بس أنا اليومين دول محتاجة انى اكون جنبك علشان تقوينى ومتسمحليش انى اضعف وارجع عن قرارى أبدا ..
سلمى : أنا جنبك يا حبيبتى .. متقلقيش .. أنا برضه محتاجاكى تكونى قريبة منى .. على الأقل تهونى على اللى بمر بيه ..

تماسكت ايديهما بشدة ثم قامت بسمة من مكانها ووقفت خلف سلمى وهى جالسة ثم احتضنت رأسها فى صدرها كانها تستمد منها وتعطيها القوة ..
--------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-20, 08:36 PM   #92

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الخامس والثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الخامس والثلاثون

عاد أمير الى وحدته مهموما حزينا من فقدان حبه فى اجازته السابقة والتى كان فى بدايتها فرحا سعيدا يمنى نفسه بأمانى الاعتراف بحبه لرغد .. عاقد العزم على أن يخبر رغد أو حتى يلمح لها عما يجيش بصدره وما يكن لها فى قلبه من حب ومشاعر جميلة .. و فى منامه ويقظته يحلم بالقرب منها بعد ان اعترفت هى الأخرى بحبها له .. ولكنه لم يكتب له هذا .. فبمجرد أن ساوره الشك بأن قلبها معلق بسواه تحطمت مشاعره على صخرة ما ظن .. وبات يوقن انها الحقيقة .. فما الذى يدعوها لزيارة أيمن بالمشفى يوم الجراحة .. وأيضا بعد يومين من الجراحة وجد نفسه يراقبها دون أن يستطيع أن يمنع نفسه من ذلك فأكتشف فى الأيام القليلة التى قضاها بالاسكندرية قبل ان تنتهى اجازته انها كانت تزور أيمن بالمشفى يوميا .. بل وتقضى هناك الساعات ..

تأكد أمير من أن رغد غارقة فى حب أيمن .. فرجع الى وحدته محطما حائرا .. يتمنى أن يمضى الشهران المتبقيان فى عمر تجنيده فيعود الى الاسكندرية ويغمر ساعات يومه بالعمل .. والعمل فقط لعله يخفف عنه وطئة ما يشعر به من ألم ولوعة .. فهو قد أيقن أن العمل هو السبيل الوحيد للنسيان ولو خلال الساعات التى يقضيها مشغولا بما يعمل .. أما ما يتبقى له فى اليوم بدون عمل .. فيدعوا الله أن يعينه على طيفها الذى لا يبرحه خلال تلك الساعات مسببا له اللوعة وعصرة القلب المؤلمة ..

كان يقضى يومه بالوحدة خلال الشهرين يحاول أن يشغل نفسه مع زملاء التجنيد على قدر ما يستطيع حتى يسدل الليل ستائره على الوحدة .. ويجد نفسه وحيدا ليزوره طيف رغد الذى لا يبتعد عنه ويظل يدفعه عن مخيلته طوال النهار .. ولكنه يصبح فريسة سهلة له طوال الليل .. عندما ينام الجميع ويظل هو يغالب النوم .. والنوم يصارعه ويغلبه .. فلا يهنأ بالنوم وخيالها مخبأ بين مقلتيه وجفونه .. تارة ينسى حبها لغيره ويتخيل انها تبادله الحب فيسعد .. واخرى يتذكر حبها لأيمن فتشتعل بداخله نار الغيرة من جديد .. ليظل يتقلب فى فراشه يعانده النوم ..

مر شهر قبل أن يتلقى أمير مكالمة من المكالمات القليلة التى يتلقاها بوحدته .. ففى الغالب يتصل به احد والديه .. وقلما يتصل به أشرف أو غادة ..

نظر أمير الى الموبايل القديم البدائى الذى يحتفظ بمثله معظم المجندون ويخبئونه من قاداتهم حتى لا يتعرضون للجزاء .. فوجود موبايل هو أمر ممنوع على المجندين .. لذا يحملون مثل هذا الموبايل الذى يفتقد الى التكنولوجيا المتطورة .. فهو لاستقبال المكالمات فقط .. وليس به تكنولوجيا أخذ الصور أو ماشابه .. فهو أمر ممنوع فى الجيش .. كان معظم الضباط والقادة يعلمون بأمر وجود مثل تلك الومبايلات مع امجندين .. ولكنهم فى كثير من الأحيان كانوا يغضون ابصارهم عن هذا الأمر حتى لا يضيقوا عليهم اكثر من اللازم .. ولكنهم ربما يستخدم بعضهم هذا الأمر لمصلحتهم فى بعض الاحيان او لتكدير احد الجنود عند الحاجة لذلك .. نظر امير الى الموبايل ليرى من المتصل به وكانت الساعة تقترب من الرابعة عصرا .. تعجب أمير عندما نظر الى شاشة التليفون عندما علم أن المتصل هو سارة .. سكرتيرة والده .. رد أمير على مكالمتها فى هدوء وقد كان قلقا قليلا من أن تحمل له خبرا سيئا عن والده أو شيئا من هذا القبيل : ألو ..
سارة بتردد : ألو .. أزيك يا استاذ أمير .. أنا سارة ..
أمير : أيوة يا آنسة سارة .. أنا عارف انه انتى .. أنا مسجل رقمك .. انتى نسيتى ولا ايه ؟
سارة بنفس التلعثم : لا أبدا .. أنا بس أفتكرت انك ممكن تكون نسيتنى .. أصل بقى لنا شهر متكلمناش فأكيد نسيت الصوت ..
أمير مبتسما : لا يا ستى منستكيش ولا حاجة .. بس طمنينى الأول .. بابا بخير ؟
سارة : الباشمهندس خالد بخير يا استاذ أمير .. اطمن .. أنا .. أنا بصراحة اللى حبيت أطمن عليك وعلى أحوالك .. واسألك لو حابب تعرف أخبار الشغل واللى الزملا وصلوله فى المشاريع اللى تابعتها فى البرنامج التدريبى قبل ما تسافر ..

كان موضوع الشغل والبرنامج التدريبى حجة لا بأس بها حتى تستطيع سارة أن تسمع صوت أمير وتطمئن عليه .. فهى طوال الأيام السابقة ومنذ أن سافر الى وحدته وهى تجاهد نفسها حتى لا تأخذ الخطوة التى أخذتها اليوم وتقوم بالاتصال به .. ولكنها اليوم لم تستطيع كبح جماحها .. فقد غلبها الشوق لرؤيته أو حتى سماع صوته بعد أن سيطر حبه على قلبها.. منذ أن رأته لأول مرة فى الشركة ..

رد عليها أمير وقد شعر ببعض السعادة فى ان يجد أحدا يشغله ولو قليلا عن التفكير فى رغد والذى يسيطر عليه ليل نهار بشكل عجيب : والله فيكى الخير يا آنسة سارة .. عارفة .. أنا كنت محتاج المكالمة دى أوى علشان احس أنى فى دنيا غير الدنيا اللى أنا عايشها هنا .. طبعا حابب انى أعرف أخبار الشغل ايه وكمان أخبارك انتى ..
لم يدرى أمير لما قال جملته الأخيرة .. ربما قالها ليرفع عنها الحرج الذى احسه من نبرتها .. أو ليشجعها على ان تتصل به مرات أخرى .. ولكنه ندم بعد أن تلفظ بها .. فقد شعر بتسرع فى أن ينطبق بمثل هذه الأحاديث مع سارة .. فهو يدرك أنه يمر بمرحلة صعبة من عدم التوازن والاستقرار العاطفى .. لذا خشى أن يورط نفسه أو يورط سارة فى مثل تلك الأمور .. فيكون بذلك قد ارتكب خطئا كبيرا فى حق سارة وحق نفسه .. تمنى لو أنه لم ينطق بهذه الجملة .. ولكنه تدارك بسرعة واردف يتردد وتلعثم .. أقصد أخبارك ايه فى الشغل .. وكمان أخبار طنط جميلة واخبار حملها ..
شعرت سارة بحس الأنثى الذكية ما يدور بخلد أمير فانتهزت الفرصة وقالت بخبث ودلال : يهمك انك تعرف أخبارى ؟ .. مفتكرش .. لأنه لو كان يهمك كنت فكرت تتصل بيه .. ولا ايه يا أمير باشا ؟
أمير مجاملا : طبعا يهمنى .. هو انتى مش الليدر بتاعى فى التدريب..
سارة بسعادة : ياه .. الليدر مرة واحدة .. العفو يا استاذ أمير .. انت طبعا الليدر بعد الباشمهندس خالد .. وكلنا فى خدمتك .. عموما أنا وطنط جميلة بخير .. قريب أنا كمان حبقى طنط سارة ..
أمير : لا .. مش فاهم .. تقصدى ايه بانك حتبقى طنط سارة ..
سارة مبتسمة بسعادة : أبدا .. طنط جميلة حتولد قريب ان شاء الله .. وطبعا المولود حينادينى طنط .. شوفت بقى يا أمير .. أقصد يا استاذ أمير أنا كبرت اد ايه ..
أمير : أولا .. طول ما احنا بعيد عن الشغل ممكن تنادينى باسمى كده حاف .. من غير ألقاب .. ثانيا .. حكاية انك كبرتى دى .. انتى شايفاها حاجة حلوة ولا وحشة .. ؟
سارة : بصراحة مش عارفة .. انت رأيك ايه ..؟
أمير : رأييى انك متشغليش بالك بموضوع العمر ده .. وتعيشى حياتك وتستمتعى بيها على اد ما تقدرى .. أنا شخصيا من الناس اللى بيعتقد بان العمر مش بيتقاس بالسنين ..وبعدين انتى محسسانى انك عندك خمسين سنة .. يا بنتى انتى لسة فى بداية العمر .. ها بقى .. ايه اخبار الشغل يا طنط سارة ..؟
ضحكت سارة ضحكة عالية شعر خلالها أمير بشيء من السعادة تغمره ولكنه لم يلق لها بالا ثم قالت بشيء من الجد : شوف يا استاذ أمير .. احنا دلوقتى فى الشغل والمعاملة رسمى ..
أمير : طبعا يا آنسة سارة .. اتفضلى حضرتك ادينى الربورت عن احوال المشاريع ..

أخذت سارة بعد ضحكة بسيطة فى سرد ما وصل له كل مشروع من مشاريع الشركة التى كان أمير قد أخذ عنهم فكرة خلال ايام التدريب القليلة التى قضاها بالشركة .. وكان أمير يستمع اليها فى جد ويسجل فى عقله الموقف .. ثم أخذ الكلام بينهما مجرى آخر .. فتارة يتكلمون بجد فيعلم كل منهم عن الآخر شيء جديد .. وتارة يأخذ مجرى الهزل فيسر كل منهم بخفة ظل الآخر ..

انتهت المكالمة بينهما والتى امتدت لأكثر من الثلاثون دقيقة .. مرت ولم يشعر كل منهما بطول المدة وقد وعدته سارة بأن تعاود الاتصال به كلما حانت لها الفرصة لذلك .. كما وعدها هو أيضا بنفس الشيء ....

انتهت المكالمة بينهما فعليا .. ولكنها لم تنتهى عند سارة .. فقد جلست شاردة فى شرفة غرفتها تنظر الى الأفق .. تتذكر كل كلمة .. بل كل حرف وهمسة ولمزة حدثت بينهما .. كانت تشعر بسعادة غمرت كيانها بالكامل .. شعرت انها فوق بساط من السعادة يطير بها الى حيث يقبع أميرها .. تتخيله .. تتخيل القرب منه والنظر فى عينيه .. تتساءل عن سر حزن عينيه الجميلتين .. تود لو أن تسأله فى المرة القادمة عن سر حزن معشوقتيها .. لعلها تستطيع ان تبدل حزن عينيه بسعادتها التى تشعر بها ليل نهار بعد ان عشقته وعشقت عينيه .. شردت سارة وهى تضع رأسها على جدار الشرفة وراحت فى ثبات خفيف .. رأت فيه أمير أمامها يبتسم .. وقد زال عن عينيه الحزن فاقتربت منه واقترب منها ليضمها الي صدره فى حنان حتى شعرت بسعادة غمرت جسدها ونشوة هزتها بشدة .. لتستيقظ بعد لحظات على صوت خالتها تنادى عليها : سارة .. يا سارة .. انتى فين يا حبيبتى ؟
ردت سارة وهى تستشيط غيظا .. فقد ايقظتها من حلم جميل .. ودت لو ظلت تحياه ما بقى من عمرها ..

جلس أمير بعد حديثه مع سارة يتذكر بعضا من القفشات التى حدثت بينهما .. وكلما تذكر واحدة ابتسم .. استطاعت سارة بمكالمتها له ان تخرجه طوال مدة المكالمة من التفكير فى رغد ومن اللوعة واعتصار القلب الذى يشعر به طوال اليوم جراء الحب من طرف واحد ومن الغيرة و اليأس الذى ينتابه طوال الوقت من ان تحدث المعجزة وتبادله رغد حبا بحب ..
بعد دقائق معدودة .. عاد أمير الى التفكير فى رغد .. ليعود الى الألم ولوعة القلب ..
مر خمسة أيام كان أمير ينتظر فيهم اتصال من سارة .. لعله يقضى معها دقائق ينسى فيها حبه لرغد .. يتقلب معها بين الحديث عن الشغل واخباره وبين مزاحهما ومعرفة اخبارها .. ومعرفة المزيد عن حياتها وشخصيتها .. ولكن للأسف لم تتصل به .. لذا ظل فى اليوم السادس ينظر الى الموبايل من وقت لآخر كما كان يفعل منذ يومين ولكن مر هذا اليوم أيضا ولم يتلقى منها اتصالا ..
فى اليوم التالى كان أمير مشغول بطوابير وتدريبات الصباح فى الوحدة .. وبعد أن انهى تدريباته أمسك بالموبايل يتفحصه .. لعل أحدا قد يكون قام بالاتصال به .. ولكنه للأسف كان الأمر كالأيام السابقة .. ظل مترددا لعدة دقائق .. وفى النهاية وجد نفسه يطلب رقم سارة ..
ردت عليه بعد عدة دقات جرس .. كان فى نهايتهم على وشك ان يغلق الخط خجلا مما قام به .. ولكنها ردت فى اللحظة الأخير : ألو .. اهلا استاذ أمير ..
أمير بخجل ولهفة نوعا ما : أهلا يا سارة ..
سارة : لا .. لا .. طنط سارة من فضلك ..
أمير : تعجب أمير للوهلة الأولى .. ولكنه أدرك أن خالتها جميلة قد ولدت .. فقال بسرور : مبروك يا طنط سارة .. وحمد الله على سلامة طنط جميلة .. طمنينى عليها .. هى بخير ..؟
سارة مبتهجة من اتصال أمير بها : الحمد لله يا أمير .. هى بخير .. وجابت لنا أمير تانى ..
أمير : جابت ولد ..؟
سارة : أيوة وسمته أمير ..
أمير : معقول .. !! وياترى هى اللى كانت عايزة تسميه أمير ولا ..
فهمت سارة ما يرمى اليه أمير بسؤاله فأحمر وجهها خجلا وهى تقول : ولا .. سكتت قليلا ثم اردفت .. ياترى ده يضايقك ..
أمير بسعادة : بالعكس .. ده يسعدنى أوى ..
سارة بخفوت وسرحان البنات : طيب .. الحمد لله ..
أمير : يبقى أكيد موضوع الولادة هو اللى خلاكى مشغولة عنى ومتتصليش الكام يوم اللى فاتوا ..

مرة أخرى ندم أمير على ان قال لها ذلك .. فما كان يجب ان يقول لها "مشغولة عنى" .. ولكن فى الجانب الآخر كانت سارة سعيدة بما سمعته منه للتو فردت بتلقائية لم تعمل لها حساب : أنا مش ممكن انشغل عنك أبدا .. بس زى ما انت عارف مفيش غيرى عايش مع طنط .. بعد ما انكل محمد جوزها سافر لشغله .. أنا كنت حكلمك تانى يوم ما اتكلمنا .. وفعلا مسكت التليفون علشان اطلبك بس سمعتها بتنادى على بصوت على وبتقولى اللحقينى يا سارة الظاهر انى بولد .. وفعلا .. يدوب وصلنا المستشفى وبعد ساعة شرف أمير الصغير ..

انتبه أمير جيدا لجملتها الأولى عندما قالت له انها لا تنشغل عنه أبدا .. شعر أن الأمر بينهما يتطور بسرعة و يتعدى حدود الزمالة أو حتى الصداقة .. خاف عليها وعلى مشاعرها قبل أن يخاف على نفسه .. لم يكن أمير أنانيا .. لقد شعر بميل سارة اليه .. لذا خشى أن يتركها تنجرف مع مشاعرها تجاهه أكثر من ذلك .. فهو بالرغم من انه يشعر معها بارتياح ويشعر بسعادة وهو يتكلم معها .. الا أنه يعلم جيدا أن قلبه لا يزال معلقا بغيرها .. فقرر أن لا يتركها تسترسل معه أكثر من ذلك فقال : طيب .. تمام يا سارة .. عموما .. أنا حبيت اطمن عليكى واعرف منك أخبار الشغل ..

لم تنتبه سارة الى لهجته الجادة نوعا ما .. هى فقط كانت تفكر فى جملته الأولى عندما قال انه رغب فى الاطمئنان عليها .. فردت عليه : أنا لسة بقولك انى مشغولة مع طنط جميلة .. يعنى أنا فى اجازة .. للأسف معنديش أى ابديت للمشروعات واللى وصلت له .. بس أوعدك انى اول ما انزل الشغل .. وده غالبا بعد يومين أو تلاتة بالكتير حعرف التطورات واتصل بيك ابلغك ..
أمير : أوكى يا سارة .. معلش .. أنا مضطر اسيبك دلوقتى علشان ورايا شوية حاجات لازم اعملها دلوقتى ..
سارة وهى تمثل دور الجندى : تمام يا فندم .. ثم ضحكت ضحكة خفيفة وهى تقول .. باى باى يا أمير ..
أمير : باى باى يا سارة ..

مرت فترة تجنيد أمير .. كان خلالها يمنع نفسه من الاتصال بسارة التى كانت تداوم على الاتصال به من وقت لآخر .. كانت تحاول أن تتقرب منه وكان يعاملها بذوق وتحفظ حتى شعرت سارة بذلك .. شعرت أنه لم يعد يعاملها كما كان يعاملها فى بداية تعارفهما .. ادركت انه قد تغير فجأة .. فهو لم يعد يمزح معها كما كان يفعل .. شعرت بتحفظه تجاهها .. فآثرت الابتعاد وعدم الاتصال به قبل عودته النهائية من التجنيد بعشرة أيام ..
أوقفت سارة الاتصال بأمير .. كان قلبها يعتصر حزنا على حبه الوليد فى قلبها ولم تتاح له فرصة الخروج الى النور .. عاشت تلك الأيام فى ظروف عاطفية صعبة للغاية .. حتى جاء اليوم الموعود .. اليوم الذى جاء فيه أمير الى الشركة بعد ثلاثة ايام من عودته الى الاسكندرية ..

دخل أمير الى مكتبها .. كانت جالسة تنظر الى جهاز الكمبيوتر تكتب بعض الرسائل كلفها بها والده .. لم تنتبه سارة اليه حين دخل .. فقد كانت مشغولة بعملها .. فظل ينظر اليها يتأملها .. يتأمل أناملها البيضاء الرفيعة وهى تكتب على الكيبورد كأنها عازفة بيانو .. تعزف لحنا جميلا .. خصلات من شعرها البنى تنزل على عينيها البنيتين فتزيحه بلطف ليعاود النزول مرة أخرى لتزيحه مرة أخرى فيظهر له وجهها المستدير وخدها الأبيض المشوب بحمرة طبيعية .. ليقول فى نفسه .. كم انت جميلة يا سارة .. وصوت يهتف بداخله .. وحشتينى .. يا ترى ليه بطلتى تتصلى بى الاسبوعين اللى فاتوا ..

فى هذه اللحظة انهت سارة ما كانت تكتبه فطبعته واستدارت لتأخذ الطباعة فلاحظت أحدا واقفا عند بداية الحجرة .. رفعت عينيها لتفاجأ به متكئا على الحائط بجوار باب الحجرة ينظر اليها مبتسما ..
سارة وقد تسارعت دقات قلبها يشدة وازداد احمرار وجهها من تلك المفاجأة السارة ولكنها تمالكت نفسها وقالت بهدوء وابتسامى بسيطة : استاذ أمير .. حمد الله على السلامة .. حضرتك هنا من امتى ..؟
لاحظ أمير الطريقة الرسمية التى تعامله بها سارة والابتسامة المقتضبة على وجهها فقال لها : الله يسلمك يا سارة .. أنا وصلت من شوية .. بس محبتش اشغلك عن الكتابة .. قلت اسيبك لغاية ما تخلصى اللى بتعمليه ..
سارة بنفس الطريقة الجادة : الباشمهندس خالد فى مكتبه لو تحب تدخل له ..
أمير : أكيد حدخل له .. بس بعد ما أعرف ايه سبب المعاملة الرسمية أوى دى يا طنط سارة ..
ارتبكت سارة قليلا ولكنها تداركت اضطرابها واجابت بابتسامة مقتضبة أخرى : لا أبدا .. بس احنا فى الشغل .. والمفروض اننا اتفقنا فى الشغل المعاملة تكون رسمى ..
أمير : أفهم من كده اننا فى غير الشغل حنتعامل بدون رسمية ..
سارة : اللى تشوفه حضرتك ..
أمير : لا واضح انه مش حينفع الكلام معاكى دلوقتى .. نتكلم فى أول بريك لبرنامج اليوم .. وعلى فكرة .. أنا وحشنى جدا مج النسكافيه بتاعك .. تقدرى تقولى انى جاى النهاردة مخصوص علشانه ..

شعرت سارة بسعادة تغمرها من جديد .. تبدد الكثير من حزن الأيام السابقة .. شعرت أن أمير قد عاد كما كان معها .. ولكن لا تزال ترى لمسة الحزن تكسو عينيه بالرغم من انه يحاول أن يكون لطيفا معها .. فردت عليه : بس كده .. من عنيا .. ان شاء الله تشرب من ايدى احسن مج نسكافيه ..
أمير : اتفقنا .. ممكن تبلغى المهندس خالد انى وصلت .. لو ينفع ادخل له دلوقتى ..
سارة وهى ترفع سماعة التليفون : أكيد ..ثانية واحدة .. باشمهندس خالد .. الاستاذ أمير وصل .. لو تحب حضرتك يدخل دلوقتى .. ثم وضعت السماعة وهى تشاور له بيدها بلطف وتقول : اتفضل يا استاذ أمير .. السيد الوالد فى انتظارك ..
أمير ممازحا وهو متسع العينين يحذرها بوشوشة : اسمه االباشمهندس خالد يا آنسة سارة .. والدى دى فى البيت .. مش فى الشغل ..
ابتسمت سارة وهى تضع يدها على فمها وابتسم أمير الذى توجه الى حجرة مكتب والده فاطرق الباب ثم دخل الى الحجرة بعد أن سمع والده يقول .. اتفضل ..

جلس أمير قرابة النصف ساعة مع والده يتحدثون بحرفية فى أمور تعيينه بالشركة .. بدأ فيها والده بتحديد المرتب الأولى لأمير فى فترة التدريب ثم أوضح له انه سوف يجلس اليوم مع مدير الموارد البشرية الذى سيحدد معه التدرج الوظيفى له وبرامج التدريب الادارية التى يجب عليه اجتيازها .. والأمور المالية والمميزات الوظيفية له فى كل مرحلة من مراحل عمله بالشركة .. كان والده ماهرا جدا فى أن يفصل بين كونه أبا له ورئيسه المباشر فى العمل .. لذا كان يتعامل معه بطريقة رسمية جدا فى العمل .. ثم أخذ يشرح له بعض أمور العمل ودوره فى المرحلة القادمة ..

انتهى الكلام بين أمير وخالد فرفع خالد سماعة التليفون وطلب سارة التى دخلت الى المكتب بعد لحظات فطلب منها أن تبدأ جولتها مع أمير فسرت لذلك ولكنه اردف سريعا وطلب منها ان تتركه فى مقابلته مع المهندس سعيد الذى سيقابله للمرة الأولى وتعود هى لمكتبها لانهاء بعض الأعمال فاغتمت قليلا .. ولكنها فى النهاية لا تملك سوى تنفيذ ما طلبه منها ..

خرجت سارة مع أمير لمقابلة المهندس سعيد فاستوقفها أمير فى الطريق وقال لها .. هو البريك أمتى ؟
سارة : البريك الأول بعد اجتماعك مع المهندس سعيد ..
أمير : خلاص .. يبقى نتقابل فى البوفيه علشان مج النسكافيه اللى وعدتينى بيه .. اتفقنا ..
سارة وهى تبتسم خجلا : اتفقنا ..
مر الوقت بعد أن قضى أمير ساعتين مع المهندس سعيد المسئول عن دراسة وتجهيز عطاءات المشروعات الجديدة حيث تعرف منه أمير على الجانب المادى والمحاسبى للعطاءات وكان قد حضر معهما الاجتماع المدير المالى للشركة .. وقد دون أمير خلال الاجتماع جميع الملاحظات الخاصة بشأن العطاءات .. ثم توجه فى عجالة الى البوفيه وطلب سارة على الموبايل وابلغها انه فى انتظارها بالبوفيه ..
بعد دقائق قليلة حضرت سارة الى البوفيه فرحب بها مرة أخرى وبدأت فى عمل النسكافيه ثم قدمته اليه .. فارتشف أمير من المج ثم أغمض عينيه كأنه يستمتع بمذاق النسكافيه وكانت سارة تنظر اليه فى سعادة بالغة .. ولكنها لاحظت شروده بعد لحظات قليلة ورأت مرة أخرى الحزن فى عينيه فقالت : ايه .. رحت فين يا أمير ؟
نظر اليها أمير وهو مازال شاردا فقال : أبدا .. معاكى .. كنتى بتقولى حاجة ؟
سارة بسخرية : واضح جدا انك معايا .. على فكرة أنا مقلتش حاجة .. شوفت بقى انك شارد ومش معايا ..
سكت أمير ولم يعلق ونظر الى الأفق البعيد لا يجد مايقوله بعد ان عاوده الشوق الى رغد .. فبادرت سارة قائلة : ياترى ممكن اسألك سؤال شخصى شوية ؟
تنبه أمير الى سؤالها فنظر اليها نظرة لا تدل على شيء ثم قال : طبعا يا سارة اسألى ..
سألته سارة بتردد : ليه ساعات بتكون مبتسم ومرة واحدة بتسكت وتسرح وبيظهر على ملامحك وبالأخص عنيك حزن عميق .. ؟
نظر اليها أمير الذى كان يخشى مثل هذه النوعية من الأسئلة .. فهو يريد أن يتكلم .. ولكنه يخاف من أن يترك العنان لنفسه ويتكلم عما يجيش به صدره فيفتضح أمر حبه لأى أحد وخاصة لسارة التى يحرص كل الحرص على أن لا يجرحها أو يصدمها فى مشاعرها التى يعلم جيدا انها له .. لم يجد ما يجيبه بها فقالت له سارة : أنا آسفة .. الظاهر انى مش المفروض أرفع الكلفة بينا للدرجة دى ..
رد أمير : لا يا سارة متتأسفيش .. أنا بس مش عارف أجاوب على سؤالك .. أو بمعنى أصح متردد انى أجاوبك على سؤالك ..
سارة بتعجب : ياه للدرجة دى سؤالى صعب ..
أمير وقد كسا الحزن عينيه بشدة : أيوة يا سارة صعب .. والأصعب هو لو بدأت أجاوبك عليه .. يا ترى لسة عايزة تسمعى الاجابة ..؟
سارة وقد مسها بعضا من حزنه وانتابها خوفا لا تعرف سببه : تقدر تقول انى مصرة وبتمنى تجاوبنى ..
أمير : ليه يا سارة .. ؟ ليه عايزانى اجاوبك .. ؟
سارة : يا ترى ممكن أجاوبك على سؤالك بعد ما اسمع اجابتك على سؤالى ..
أمير : حجاوبك يا سارة .. بس مش دلوقتى .. لا الوقت ولا المكان ينفع .. ياترى لو طلبت منك اننا نتقابل بعد الشغل .. يا ترى توافقى ..
أومأت سارة بالموافقة .. أنهى أمير النسكافيه ثم استأذنها الى استكمال برنامج تدريبه بعد أن اتفق معها أمير على ان يتناولا الغداء سويا فى نفس المطعم بعد العمل ..


داومت رغد على زيارة أيمن منذ أن اجرى الجراحة الى أن خرج معافا من المشفى .. ظلت تتردد عليه قرابة الاسبوعين كانت خلالهما قد توضطدت العلاقة بينها وبينه وابيه الذى كان أيضا لا يبارج المشفى وظل مرافقا لولده ليل نهار .. ولكنه كان يترك لرغد وأيمن فسحة من الوقت يقضياه سويا بعد أن علم من أيمن كم بات يحب رغد وكيف امتلكت قلبه ومشاعره وأصبحت له كل شيء فى حياته ..
كان الأمر جليا لحسين والد أيمن أن حبهما حب كبير فهو يرى هذا فى عيونهما كما يراه فى خوفهما على بعضهما البعض .. لذا أحب حسين رغد بقدر حبها لابنه .. وأصبح يعاملها كما لو كانت ابنته .. وليست زوجة ابنه المستقبلية ..

كانت رنيم وأشرف على علم بمدى ما وصلت له العلاقة بين أيمن ورغد .. وبالرغم من خوف رغد على اختها من هذه العلاقة التى تطورت تطورا سريعا .. الا انها لم تستطع أبدا أن تثنيها عن تصرفاتها وقربها الشديد والغير محسوب من أيمن ووالده .. فسلمت فى النهاية أمرها الى الله .. راجية أن لا يدمى القدر قلب اختها فى يوم من الأيام ..
وبالرغم من حزن أشرف على حال أخيه الذى أحب رغد من طرف واحد .. الا انه كان سعيدا أن يرى صديقه وأخت زوجته يعيشون قصة حب جميلة .. ويتمنى لأمير أن يجد من تبادله حبا يليق به وبقلبه الطيب ويهيم بها كما يهيم أيمن برغد ..

كان على أيمن بعد أن أطمئن الى خلو جسده من آثار الأورام تماما .. كان عليه أن يعاود الكشف كل ثلاثة شهور حتى يطمئن من عدم عودة الورم اليه .. ثم بعد ذلك كل ستة أشهر .. فكل عام .. تلك كانت نصائح الأطباء اليه .. لذا كان أيمن لا يزال يعيش فى قلق من وقت لآخر من معاودة الورم الى جسده .. لذا .. لم آثر أن لا يطلب من رغد الزواج .. وهى أيضا فى الفترة الأولى لم تكن تفكر فى هذا الأمر .. هى كانت مستمتعة فى الوجود الى جواره وحسب .. كان هذا يكفيها فى الوقت الحالى .. ولكن بعد أن خرج من المشفى وأصبح يمارس حياته الطبيعية .. كانا يلتقيان يوميا فى النادى يقضيان معظم الوقت سويا .. ولذا .. بات من الطبيعى ان تتساءل رغد .. لماذا لم يطلب منها أيمن الارتباط الرسمى الى الآن .. لماذا لم يطلب منها الى الآن أن يتعرف على والديها تمهيدا لطلب يدها .. أليس هذا هو التطور الطبيعى لعلاقتهما التى ولدت كبيرة وبحب عظيم .. !!

فى احد الأيام .. جلست رغد أمام أيمن فى النادى .. كانت شاردة .. تنظر الى اللاشيء .. تفكر فيما باتت تفكر فيه بالفترة الأخيرة .. لاحظ أيمن شرودها .. ولكنه لم يسألها عن السبب.. هو كان على يقين أنها تفكر فى عدم طلبه للزواج منها أو حتى مفاتحتها أو التلميح لها برغبته فى الارتباط بها الى الآن ..
مرت دقائق قبل أن تنظر رغد الى أيمن ثم قالت بتردد : أيمن .. هو ايه الخطوة اللى المفروض نعملها الفترة الجاية ؟
أيمن متظاهرا انه لم يفهم سؤالها : تقصدى ايه يا حبيبتى ؟
رغد بخجل : أقصد علاقتنا ..
أيمن محاورا : انتى شايفة ايه ؟ علاقتنا والحمد لله بخير .. ايه اللى ناقصها؟
رغد : أيوة يا أيمن .. علاقتنا بخير .. بس .... سكتت قليلا قبل أن تقول : هو انت فعلا بتحبنى بجد؟
أيمن متعجبا : ايه السؤال الغريب ده يا حبيبتى .. !! .. طبعا بحبك وبموت فيكى .. انتى اجمل شيء فى حياتى ..
شعرت رغد بسعادة من رده فتشجعت وقالت : طيب .. طالما انى اجمل شيء فى حياتك .. ليه لغاية دلوقتى علاقتنا مخدتش الشكل الرسمى .. ليه مش بتفكر انك تطلبنى ..
أيمن بتلعثم : قصدك نتجوز ؟
رغد بلوم : وياترى انت مش شايف ان دى الخطوة الطبيعية بين أى اتنين بيحبوا بعض .. خصوصا لو مكنش فيه مانع يمنع ارتباطهم ..
ادار أيمن وجهه .. تمنى لو كان يستطيع أن يتخذ هذا القرار .. ما كان وضعها فى هذا الموقف قط .. ما جعلها تنطق بها أبدا .. كم تمنى لو تفهمه وتتفهم اسبابه ومخاوفه دون ان تسأله .. أن تصبر عليه عام أو عامين حتى يتأكد من أن المرض لن يعاوده مرة أخرى .. وأن الموت لن يأخذه منها ويتركها حزينة عليه .. تتألم بقية عمرها .. فهو يدرك جيدا أنها تبادله حبا كبيرا ..

لم يجد بدا من أن يجيبها على تساؤل عينيها قبل أن يجيب على سؤال نطقت به شفتيها .. فقال : رغد .. أنا بحبك وانتى عارفة ومتأكدة من ده كويس.. بس من غير ما تطلبى منى تفسير ياريت نأجل الكلام فى الموضوع ده شوية ..

نظرت اليه رغد نظرة حيرة وعدم فهم لما يقول .. ولكنها آثرت بعد قليل أن لا تسترسل فى الحديث عن أمر الارتباط أكثر من ذلك حفاظا على كرامتها التى قد شعرت فى الدقائق السابقة انها قد تعجلت واهدرت جزء منها عندما فاتحته فى موضوع الارتباط .. بعد أن تمنت لو انه هو الذى يسعى اليه دون ان تتكلف عناء طلبه منه ..

وبدوره لم يستطع أيمن أن ينظر ايها أو أن تتلاقى عيونهم فربما قرأت فى عينيه مدى الألم الذى يعيشه والذى يسببه لها .. ليس من السهل عليه أن يفتح لها قلبه ويبوح بمخاوفه .. لا يريد أن يحملها ولو جزء بسيط مما يتحمله من خوف وقلق يعانيه ليل نهار من أن يعاوده السرطان .. والحزن الأكبر من نفسه التى اختبرها بعد الجراحة .. لقد ظن أن إيمانه ناقص .. وان توبته لم تكن صادقة .. كان يظن ذلك .. وبشدة .. ينظر دائما الى ماضيه ويشعر ان الله لم يغفر له .. فكان اكثر ما يؤلمه ان يكون الله لم يتقبله أو أن يأسه كان أكبر من أن يصدق ان رحمة الله تعالى أكبر من جميع ذنوبه وذنوب الخلق جميعا ..

أما بالنسبة لرغد فقد ظنت أن لم يعد يحبها .. أو ربما لم يحبها من الأساس ولكن حالة الضعف واليأس التى مر بها منذ أن علم بمرضه الى أن نجحت جراحته جعلته فى حاجة لمن يعطيه الأمل فخدع نفسه بحبها لأيام معدودة حتى زالت محنته فاكتشف انه لا يحبها.. نعم .. هذا هو التفسير المنطقى لغموضه وعدم رغبته فى الارتباط بها .. ولعله فى الأيام المقبلة سوف يتغير أكثر وأكثر حتى يستطيع أن يقول لها فى يوم قريب .. أنا لم أعد أحبك يا رغد .. علاقتنا لابد أن تنتهى ..
كانت نفسها والشيطان يتلاعبون بها فى الدقائق المعدودة التى قضاها أيمن فى صمت لا ينظر اليها .. لذا شعرت بمهانة كبيرة صورتها لها النفس والشيطان .. فقالت له فى هدوء : أيمن .. ممكن نمشى .. ؟
انتبه أيمن لطلبها فنظر اليها وهو يقول : ليه يا حبيبتى .. احنا لسة واصلين .. انتى تعبانة ولا حاجة ؟
رغد : أيوة .. حاسبة انى تعبانة شوية .. ياريت نمشى .. محتاجة استريح شوية ..
أيمن باهفة وقلق : حبيبتى .. تحبى نروح لدكتور ؟
رغد : لا يا أيمن .. الموضوع بسيط مش مستاهل .. أنا حريح فى البت شوية وحبقى كويسة ..
غادرت رغد وايمن بسيارته وبعد دقائق من الصمت فى السيارة .. كل منهم مشغول بتفكيره فى الآخر وما يعتقده عنه وعن فكره به .. وعندما همت رغد بمغادرة السيارة سألها أيمن : حتصل بيكى اطمن عليكى ..
رغد : مفيش داعى .. أنا حبقى كويسة ..
تعجب أيمن من ردها ولكنه قال : حشوفك بكرة ..؟
رغد : مش عارفة .. خلينا على تليفون .. حبقى اكلمك ..
شعر أيمن بخيبة أمل من ردها .. ولكنه كان يعلم انه ربما تسبب لها فى خيبة أمل أكبر من كونها تغضب منه قليلا .. فرد بيأس: طيب يا حبيبتى .. كلمينى بعد ما تستريحى وتبقى كويسة .. حستنى تليفونك ..
أومأت له رغد برأسها وترجلت من السيارة متجهة الى الشارع الذى يقطن به بيتها ..

دخلت رغد الى البيت فوجدت رنيم قد اتت لزيارة والديها .. فهى منذ ان علمت بالحمل كانت تشعر احيانا بالتعب المعتاد للحوامل فى بداية الحمل خصوصا انه أول حمل لها .. لذا كانت فى حاجة ان تكون بجوار والدتها أو بجوار أمينة .. فكانت فى هذه الفترة تقضى معظم ايامها عند أى منهما ..

ابتسمت رنيم عند رؤيتها لأختها .. كانت تعلم أنها تقضى معظم وقتها خارج البيت مع أيمن .. فاقتربت رغد من اختها وطبعت قبلتين على خديها وجلست جوارها فى سكون .. ثم سألتها : انتى ليه قاعدة لوحدك .. فين ماما ؟
رنيم : فى المطبخ بتجهز الغدا .. ثم نظرت بتمعن الى ملامح رغد فلاحظت أن الحزن يكسوا عينيها فقالت لها : مالك يارغد .. فيه حاجة شغلاكى ..؟ .. انتى كويسة مع أيمن ؟
رغد بتنهيدة حارقة : لا ابدا مفيش .. كله كويس ..
رنيم : هو فين اللى كويس ده .. انتى مش شايفة شكلك ..
رغد : صدقينى مفيش .. مجرد شوية اجهاد .. حاسة أنى محتاجة انى استريح شوية ..
رنيم : طيب يا حبيبتى .. قومى ريحى فى أوضتك .. بس لنا قاعدة بعد الغدا .. أنا مش حمشى الا لما اعرف مالك وفيكى ايه ..
قامت رغد بدون ان تعلق على كلام رنيم .. وكأنها توافقها الرأى بأن هناك شيء ما غير طبيعى تمر به ..

مرت قرابة الساعتين قضتهما رغد مستلقية فى سريرها تنظر الى سقف الحجرة تفكر فى أمر أيمن .. وما زالت تتلاعب بها الطنون والشكوك فى تصرفاته .. لم تنتبه الا بعد ان سمعت خبطات بسيطة على باب حجرتها ثم فتح الباب لتقول لها رنيم : رغد حبيبتى .. ياللا الغدا جاهز ..
ردت رغد وهى مازالت تنظر الى سقف الحجرة : اتغدوا انتم انا ماليش نفس ..

اقتربت منهارنيم لتلاحظ مقلتيها قد امتلأت بالدموع وعلى وشك ان تنساب على خديها فقالت فى لهفة : ايه ده .. انتى بتبكى .. معقول .. مالك يا حبيبتى .. ؟ ثم سمعا امهما تنادى عليهما وتدعوهم الى الغداء فمسحت رغد عينيها وقامت وهى تقول لرنيم : أنا عارفة انى مش حخلص لو متغدتش .. ياللا يا رنيم .. ياللا يا حبيتى ..

خرجتا من الغرفة وجلستا لتناول الغداء .. لم تكن رغد تلك الفتاة المرحة خفيفة الظل التى دائما ما تبادر بالمزح مع افراد اسرتها .. خصوصا فى وجود رنيم .. كانت واحدة أخرى .. ساكنة ووجهها الحزين ينم عن ألم تعانيه من شيء ما .. لاحظ والدها ذلك فقال مازحا : ايه يا رغد .. ما اسكت الله لك حسا ..
لم تنتبه رغد لما قاله والدها .. فقد كانت فى شرود عن عالمهم .. فأعاد الكلام وقال .. ياه .. دى الحكاية بجد بقى .. مالك يا رغد ؟ انتى فيه حاجة مزعلاكى أو شاغلة بالك يا حبيبتى ..؟
رغد محاولة رسم ابتسامة على شفتيها المهتزتين : لا ابدا .. انا بخير .. بس سرحت شوية فى واحدة صحبتى ..
ردت امها بتهكم كعادتها فى الرد على معظم كلام رغد : ومالها صحبتك ان شاء الله علشان تسرحى فيها بالشكل ده؟
رغد : أبدا .. بتحب واحد اوى .. وهو كمان بيحبها .. وبقى لهم فترة مع بعض الأمور بينهم كويسة جدا .. بس لغاية دلوقتى مافاتحهاش فى انه عايز يطلب ايدها ..
بالطبع فهمت رنيم ان من تتكلم عنه رغد هو قصتها مع أيمن .. فقالت : طيب ما تفاتحه هى وتفهم ليه هو مطلبش منها انه يتقدم لأهلها لغية دلوقتى .. أكيد حتلاقى عنده سبب مقنع طالما انه بيحبها زى ما بتقولى ..
رغد : هى بصراحة فاتحته وسألته .. بس للأسف مقدرتش توصل معاه لشيء أو تعرف سبب امتناعه عن طلب ايدها .. تفتكروا تتصرف ازاى فى الموضوع ده ؟
والدها .. وقت خمن للحظة أن من رغد تتكلم عن نفسها : تبعد عنه فترة .. لو كان بيحبها فعلا وميقدرش يستغنى عنها حيصارحها بأسبابه اللى منعاه من انه يطلبها رسمى من أهلها ..
رغد وكأن رأى والدها قد وافق رأيها فابتسمت وهى تقول : أنا رأييى من رأيك يا بابا .. ونصحتها بكده ..
والدتها بسخرية وقد خمنت هى الأخرى نفس تخمين زوجها : بس يا ريت تقدر فعلا تعمل كده وتبعد عنه لغاية ما تعرف ميته .. حاكم فيه بنات خايبة بتضحك على نفسها وفى النهاية بتبهدل كرامتها وكرامة أهلها على شباب ما يستهلش دوفرهم .. يا ريت يا بنتى تنصحيها وتخليكى جنبها وتمنعيها من انها تعمل حاجة تندم عليها بعد كده ..
أومأت رغد برأسها وقد عقدت العزم على أن تأخذ بنصيحة والديها .. ثم استطاعت أن تطمئن الجميع على حالها .. فقد عادت فى لحظات لسابق عهدها من مزاح وقفشات تعود والديها ورنيم عليها .. هى كذلك رغد .. عندما تصل لقرار فى أمور حياتها .. تبدأ فى تنفيذه على الفور وتحيا حياتها الطبيعية وكأن شيئا لم يكن ..

انهي الجميع طعامهم ودخل أحمد وزوجته الى حجرتيهما لتنفرد رنيم برغد .. وتقول لها : طبعا صحبتك المزعومة هو انتى ؟
رغد : أيوة يا رنيم .. وبدون ما نفتح الموضوع .. أنا خلاص قررت انى ابعد عن أيمن لغاية ما أعرف هو فعلا بيحبنى وعايزنى ولا كانت فترة محنته هى اللى قربته منى ولما انتهت انتهى معاها شعور الحب عنده ..
رنيم : شوفى يا رغد .. أنا مش حتكلم كتير فى الموضوع ده .. انا مقتنعة بالقرار اللى انتى وصلتيله ومش خايفة عليكى انك تضعفى ومتنفذيهوش لانك اختى وعارفاكى كويس .. بس احساسى ان ايمن بيحبك فعلا وعنده اسبابه اللى منعاه انه يتقدم لك .. لو تحبى .. أنا ممكن أطلب من اشرف يفاتحه فى الموضوع ويفهم منه ايه هى الاسباب دى ..
رغد مقاطعة بحزم : لا يا رنيم اوعى تعملى كده .. أنا عايزة الموضوع يكون بينى وبين أيمن وبس .. ودى فرصتى علشان اختبر حبه ليا .. يا ريت تكونى فاهمانى .. أنا صحيح حتعذب شوية وأنا بمنع نفسى منه .. بس اعتقد ده لمصلحتنا ومصلحة علاقتنا ..
رنيم مازحة : ما شاء الله .. ايه يا بنت العقل والحكمة اللى نزلوا عليكى مرة واحدة .. ؟
رغد : من بعض ما عندكم ..
مرت دقائق معدودة لتسمع رغد تليفونها يرن بحجرتها .. فدخلت الى حجرتها ونظرت الى شاشة التليفون لتجد أن أيمن يهاتفها ..
للحظة كادت ان تضعف وترد عليه .. ولكنه انتبهت الى قرارها وتركت التليفون يرن ولم ترد عليه ..

عاود أيمن لاتصال بها مرات عديدة .. ولكنه لم يتلقى منها ردا .. كادت الظنون واليأس أن تفتك به .. ولكن لم يكن بيده حيلة .. فقرر أن يعاود الانصال بها بعد فترة .. وبالرغم من انه كان يمكنه أن يتصل بأشرف ليطمئن عليها .. الا انه فى هذه المرة آثر أن لا يقحم أحدا بينهما .. حتى وان كان من اقرب المقربين كأشرف .. فهو يعلم ان أشرف لن يتركه حتى يعلم بحقيقة ما حدث بينهما وما يجول بخاطره من مخاوف مرضه ..

مر يومان لم ترد فيهما رغد على تليفونات أيمن .. ثم قررت أن ترد عليه ..
لم يصدق أيمن أنها قد فعلت .. كان على وشك أن يفقد الأمل فى ان تحدثه مرة أخرى .. هو كان يعلم من خلال حديثه اليومى مع أشرف أنه لم يصبها مكروها .. والا كان قد علم .. ولكنه لم يكن يتوقع أن تكون رغد بهذه القسوة وهى تعلم مدى حبه لها وكم تعذب وهى لا ترد على تليفوناته ليسمع صوتها ..
أيمن بلهفة : رغد .. حبيبتى .. انتى بخير .. طمنينى عليكى .. أنا كنت بموت واننتى مبترديش على تليفوناتى .. فيه ايه .. أرجوكى فهمينى .......
رغد وقد دق قلبها بشدة من كلماته ولهفته الواضحة عليها : اهدى .. اهدى يا أيمن أنا بخير ..
أيمن بصوت مرتفع نسبيا كانه يريد أن ينهرها على ما فعلت به : طيب ليه مكنتيش بتردى على تليفوناتى .. أنا متعودتش منك القسوة دى .. ثم لان صوته وهو يقول : فيه ايه يا حبيبتى .. ارجوكى قوليلى ..
رغد بثبات : مفيش يا أيمن .. كل الحكاية انى كنت محتاجة اختلى بنفسى شوية ..
أيمن بتعجب : تختلى بنفسك .. قصدك ايه .. مش فاهم ..
رغد : كنت محتاجة افكر واراجع حساباتى شوية ..
أيمن : حساباتك .. اى حسابات .. ومع مين ..
رغد بتردد : اراجع اللى بينا يا أيمن .. وايه آخرته .. وكمان اديك فرصة انت كمان تراجع حساباتك وتتأكد اذا كان اللى بتحس بيه نحيتى ده حب حقيقى ولا مجرد نزوة انتهت بعد ما عملت العملية وخفيت ..
أيمن منفعلا : استنى .. استنى .. ارجوكى متكمليش .. أنا مش مصدق اللى بسمعه منك .. انتى ازاى تفكرى بالشكل ده .. ازاى تشكى فى حبى ليكى .. .. سكت قليلا ثم اردف .. كل ده علشان قلت لك بلاش نتكلم فى موضوع ارتباطنا دلوقتى ومتسألنيش عن الاسباب .. سكت للحظة يلتقط فيها انفاسه ويهدأ قليلا من انفعاله .. ياه .. للدرجة دى .. للدرجة دى يا رغد انتى بعيدة عن انك تفهمينى من غير ما اتكلم .. للدرجة دى معرفتيش ليه أنا قلت لك اللى قلته بخصوص ارتباطنا الرسمى .. كان نفسى تكونى فاهمانى من غير ما تجبرينى انى اشرح لك مخاوفى من ان السرطان يرجع لى من تانى .. أنا كل اللى طلبته شوية وقت مش اكتر .. شوية وقت أطمن ان المرض مش حيرجع لى تانى وياخدنى منك واسيبك تتعذبى من بعدى ..

كانت رغد تستمع الى كلماته وقد انفطر قلبها ودموعها خاصة وهو يتكلم عن المرض بهذا الخوف والهلع .. كم تلوم نفسها فى تلك اللحظة على تسرعها والحكم على حبه لها .. كم تلوم نفسها انها بالرغم من حبها الكبير له لم تستطع ان تفهم مخاوفه تلك .. لم تمهله الوقت الكافى حتى يستعيد نفسه والثقة بها .. لم تقف بجانبه كما يجب ..
ساد الصمت للحظات حتى ردت رغد بخفوت وهى تبكى : حبيبى أنا آسفة .. أرجوك سامحنى ..
أيمن متألما مما دار بينهم ومن أن تصل علاقتهم لما وصلت اليه : حبيبتى متتأسفين وارجوكى متبكيش .. انتى دموعك عندى أغلى من حياتى .. وانتى عندك حق .. مش المفروض انى اطلب منك شيء صعب .. زى انك تفهمى أو حتى تقدى مخاوفى ..
رغد وهى مازالت تنشج من البكاء : متقولش كده .. انت اللى حياتك بالنسبة لى هى انفاسى اللى بتنفسها .. وأرجوك متفكرش فى اللى انت بتفكر فيه .. ان شاء الله ربنا حيبعد عنك أى شيء سيء .. أنا يا أيمن مقدرش أعيش من غيرك ثانية واحدة .. وعلشان كده .. أنا مصممة اننا نتجوز وفى أقرب وقت .. حتى لو عشت معاك يوم واحد حيكون بالنسبة لى عمر بحاله ..
أيمن : حبيبتى .. زى ما انتى عارفة .. الشهر الجاى ميعاد التحاليل علشان نطمن .. ممكن نأجل الكلام ده دلوقتى لغاية ما نشوف نتيجة أول تحاليل .. وصدقينى .. أنا نفسى فى اننا يجمعنا بيت واحد النهاردة قبل بكرا .. بس أنا مش حسمح لك انك تعيشى معايا آلام مرضى من جديد ..
رغد : تانى يا أيمن .. تانى عايز تحسسنى انى مش قريبة منك زى ما انت قريب منى .. أرجوك خلينا نتجوز فورا .. أنا قابلة بكل شيء واى شيء طالما حنكون مع بعض .. ارجوك يا أيمن خلينى قريبة منك ..
سكت أيمن طويلا .. تمنت رغد لو نطقها فى النهاية .. تمنت لو وافق على طلبها .. ولكنه تكلم فى النهاية : ادينى فرصة يا رغد لغاية ما نشوف نتيجة أول تحليل .. أرجوكى ده الطلب الوحيد اللى ممكن أطلبه منك دلوقتى .. وصدقينى .. لو النتيجة طلعت سلبية .. مش حتردد لحظة فى اننا نتجوز .. بس خلينى اطمن من أول تحليل ..
رغد بيأس : حاضر يا أيمن .. حاضر يا حبيبى .. بس أنا عندى طلب واحد ..
أيمن : ايه هو يا حبيبتى ..؟
رغد عايزاك تفكر وترد على نفسك .. لو أنا اللى مكانك .. يا ترى شعورك كان حيبقى ايه .. وكنت حتتصرف ازاى .. ولو حسيت للحظة واحدة ان رغبتك ساعتها حتكون زى رغبتى وانك حتكون حابب اننا نرتبط فورا .. فارجوك متتردتش اننا نتجوز النهاردة قبل بكرا .. اوعدنى .. اوعدنى يا أيمن انك حتفكر .. وصدقنى أنا فى اى حال مش حضغط عليك تانى أبدا .. علشان أنا لا قدر الله لو اى نتيجة طلعت موقفى مش حيتغير ورغبتى حتفضل زى ما هى فى انى عايزة نكون سوا .. عارف ليه يا أيمن .. لأن انت كل حياتى .. انت الهوا اللى بتنفسه فى الدنيا دى ..

انهى أيمن المكالمة مع رغد بعد أن تواعدا أن لا يظن احدهما بالآخر بعد اليوم اى ظن قد يفسد ما بينهما .. تواعدا ان يكونا لبعضهما البعض حتى يفرق بينهما الموت .. أما ما هو دون الموت فلن يفرق بينهما ابدا ما عاشاعلى وجه هذه الأرض ..

جلست رغد شاردة فوق سريرها تفكر فيما فعلت بأيمن وبنفسها حينما تركت نفسها للظنون تتلاعب بها .. كانت تفكر فى أن ليس من حق المرء أن يبنى قراراته على ظنون فدائما ما نراه ظاهرا لنا فى أمور الآخرين انما يختبئ خلفه حقائق لا نعلم ماهيتها أو اسبابها الحقيقية .. فما يظهر لنا على السطح دائما هو نصف الحقيقة .. اما الأعماق التى لا تظهر لنا فتحتوى على حقائق أكثر وأكبر .. لذا .. يجب علينا أن نجاهد ونغوص فى اعماق الآخرين حتى نعلم الحقيقة الكاملة ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-20, 09:19 PM   #93

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل السادس و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل السادس والثلاثون

أوفى خالد بوعده لأمينة .. فبعد أن عاد أمير من التجنيد نهائيا .. قضى شهرا فى التدريب اليومى بالشركة والمواقع المختلفة وحضر عدة اجتماعات مع والده ومديرى الأقسام تعلم خلالها الكثير والكثير عن العمل وكيفية ادارته .. ثم جاء اليوم الذى فاجئ فيه خالد أمينة بميعاد السفر الى فرنسا ليقضوا اسبوعين فى أحد ضواحى باريس .. حيث الريف الفرنسى والهدوء والاسترخاء بعد عناء أيام عصيبة قضاها كل منهم .. ثم الرجوع الى الاسكندرية قبل اصطحاب غادة وأمير والتوجه الى العمرة التى وعدهم بها منذ ثلاثة أشهر كان فيها ينتظر انهاء غادة لعامها الدراسى وانهاء أمير لفترة تجنيده ..

كانت الأسرة بأكملها فى غاية السعادة .. ولم يعكر صفو هذه السعادة سوى انهم لن يصطحبوا أشرف ورنيم معهم حيث كانت رنيم مازالت فى شهور الحمل الأولى ..

استيقظت غادة ذات صباح بعد أن سافر والديها الى باريس .. كانت أم سعيد قد أحضرت لها ولأمير الفطور .. فتناول أمير فطوره وذهب الى العمل .. وجلست غادة لتناول فطورها فى حوالى الساعة العاشرة .. كانت ام سعيد تتحرك حولها تنظف البيت بتثاقل على غير عادتها وقد ظهر عليها الهم والانشغال الذى لاحظته غادة بسهولة فقالت لها : مالك يا أم سعيد .. ؟ شكلك النهاردة فيه حاجة متغيرة .. لو تعبانة ممكن تروحى النهاردة تستريحى .. ومتقلقيش أنا حعرف اتصرف فى الغدا .. عموما .. احنا مش محتاجين غدا النهاردة .. أمير زى ما انتى عارفة معظم الوقت بيتغدى فى الشغل وبيرجع المسا .. وأنا خارجة بعد شوية مع صحابى ..
أم سعيد : لا يا ست غادة .. أنا كويسة مفيش حاجة .. وبعدين أنا مش ممكن اسيبك ولا الاستاذ أمير .. انتم وصية ست الحبايب .. أنا حمشى فى ميعادى بعد ما اخلص لكم الغدا .. على الأقل الاستاذ أمير يلاقى حاجة يتعشى بيها .. تحبى أعمل لك النسكافيه ؟
غادة : ماشى يا أم سعيد .. أن عموما خلصت الفطار .. ممكن تجيبى لى النسكافيه فى التراس ؟
أم سعيد : حاضر يا ست غادة .. حالا النسكافيه حيكون عندك ..

جلست غادة فى التراس تنظر الى البحر الفسيح أمامها .. ولا تدرى لماذا سرحت فجأة بخيالها مرة أخرى فى علاقتها بحسام .. ربما هو الفراغ والوحدة التى تعيشها تلك الأيام .. فكلاهما العدو اللدود للنفس اللذان يجبرانها على تذكر أمور ليس هناك طائلا من تذكرها سوى خيبة الأمل والندم .. فتبسمت ساخرة من نفسها .. وفى هذه الاثناء دخلت أم سعيد وهى تحمل صينية عليها مج النسكافيه وكوب من الماء وهى تقول : اتفضلى يا ستى .. أحلى مج نسكافيه لاحلى غادة فى الدنيا ..
ابتسمت لها غادة وهى تتناول مج النسكافيه من الصينية وترتشف منه رشفة بسيطة ثم قالت : الله يا أم سعيد .. تسلم ايدك .. هو صحيح يا أم سعيد .. هو انتى اسمك ايه .. ؟
أم سعيد وهى تبتسم : اسمى صفيه ..
غادة فى فضول : وسعيد ده ابنك الكبير .. مش كده ؟
أم سعيد : سعيد ده أول ماشافت عينى .. وأحن واحد فى ولادى .. ربنا يوفقه يارب .. النهاردة نتيجته .. ادعى له يا ست غادة ان ربنا ينجحه ..
غادة : هو فى سنة كام ؟
أم سعيد : السنة دى آخر سنة له فى كلية الهندسة .. ربنا يجبرك يا حبيبى ويكافئك على اد مجهودك وتعبك ..
غادة بتعجب : معقول .. معقول يا أم سعيد انتى ابنك حيتخرج السنة دى من الهندسة .. !!
أم سعيد : أيوة يا ست غادة .. وعندى كمان أمل فى سنة تانية فى كلية التجارة وايمان ثانوية عامة السنة دى وكريم فى أولى ثانوى ..
غادة بتعجب : ماشاء الله يا أم سعيد .. ربنا يقويكى .. ده انتى بطلة والله ..
أم سعيد : تسلمى يا ست غادة ويسعدك ربنا وأشوفك اكبر دكتورة باذن الله ..
غادة : لا يا ستى .. أنا عايزة ابقى مهندسة زى بابا ..
أم سعيد : يارب يا ست غادة .. ربنا ينولك اللى فى بالك ..

فى هذه الاثناء رن تليفون ام سعيد القديم البسيط .. فنظرت الى الشاشة فاذا به سعيد يتصل بها .. فأخذت ترتعش ولم تتمكن من الرد عليه خوفا مما تحمله نتيجتة من اخبار .. لذا دفعت بتليفونها البسيط الى غادة وهى تقول برعشة : والنبى يا غادة يا بنتى .. ده سعيد ابنى .. والنبى ردى عليه واعرفى النتيجة .. أنا مش قادرة اتلم على اعصابى ..

ابتسمت غادة وهى تلتقط منها التليفون مشفقة على حالتها .. فتحت الخط وقبل أن تقول آلو سمعت سعيد يقول بحماس ولهفة : أمى .. نجحت يا أمى .. نجحت يا حبيبتى .. جيد جدا .. افرحى يا أمى .. افرحى .. ربنا عوض تعبك وصبرك يا ست الكل ..
ارتسمت على وجه غادة ابتسامة عريضة وهى تقول لأم سعيد والتليفون مازال على اذنها : نجح يا أم سعيد .. سعيد نجح وجاب جيد جدا كمان .. ألف مبروك .. ثم سمعت سعيد يقول فى الجهة الأخرى : ألو .. مين معايا ..؟!
لم ترد عليه ولكنها نظرت الى أم سعيد لتناولها التليفون فوجدتها ساجدة فى مكانها تبكى وهى تشكر الله وتحمده على هذا الخبر الجميل .. فاضطرت غادة ان ترد على سعيد فى تردد : ألو .. أنا غادة .. مبروك يا باشمهندس .. مامتك حتكلمك .. بس هى من الفرحة سجدت تشكر ربنا ..
سعيد فى خجل : الله يبارك فيكى يا آنسة غادة .. متشكر جدا .. وعقبالك ..
غادة فى خجل واضطراب لا تعلم سببه : متشكرة .. يا باشمهندس ..
لم يشعر سعيد فى تلك اللحظات سوى بانجذاب عجيب لصوت غادة .. فهى كانت ذات صوت مميز بالفعل يحمل أنوثة ورقة غير عادية ..

انهت ام سعيد سجودها وقامت لتتناول التليفون من غادة وهى تقول بفرحة : مبروك .. مبروك يا حبيبى .. الحمد لله .. الحمد لله يا ربى .. نفسى أشوفك دلوقتى يا سعيد وأخدك فى حضنى ..
سعيد : أنا حاجيلك يا أمى .. حالا حكون عندك ..
أم سعيد : لا يا حبيبى متتعبش نفسك .. أنا لسة ورايا شغل .. روح انت البيت وأنا حخلص واحصلك ..
تدخلت غادة : مفيش داعى يا أم سعيد .. انتى ممكن تروحى دلوقتى .. زى ما قلت لك انا حتصرف ..
ردت أم سعيد : بجد يا ست غادة .. يعنى مش حتزعلى لو روحت دلوقتى؟
غادة : لا يا أم سعيد .. انتى من حقك تفرحى بنجاح سعيد .. ياللا جهزى نفسك على ما سعيد يوصل وتروحى معاه .. كلية الهندسة قريبة مننا ..
تكلمت أم سعيد مرة أخرى مع ابنها فقالت : خلاص يا سعيد .. عدى عليا يا حبيبى .. أنا حروح معاك ..
سعيد : حالا حكون عندك يا أمى ..
أم سعيد بلهفة ورجاء : سعيد .. خلى بالك على روحك يا حبيبى .. وخلى بالك من الشوارع والعربيات ..
سعيد : متقلقيش يا حبيبتى ..

اغلقت ام سعيد الخط واحتضنت غادة بشدة وهى تبكى وتقول : الحمد لله .. الحمد لله .. وشك حلو علينا يا غادة يا بنتى .. ربنا يجبرك ويسعدك يا رب ..
ربتت غادة على ظهر أم سعيد فى حنان وهى تقول : مبروك يا أم سعيد .. أنا داخلة ألبس علشان أخرج .. وبالمرة تنزلى على سكتى ..

دخلت غادة الى حجرتها وارتدت ملابس الخروج فأصبحت كالعادة .. الفراشة ذات الألوان الخفيفة المبهجة .. بجيبتها الطويلة البيضاء ذات الورود الزهرية الصغيرة والبلوزة السيمون الواسعة .. وكان شعرها المنسدل على كتفيها والذى شبكت اطرافه من الاجناب خلف اذنيها يجعلها تبدو كأميرة من العصور الوسطى ..

كان سعيد يقف اسفل العمارة ينتظر والدته ينظر الى درجات السلم فى لهفة ثم ينظر الى بلكونات المبنى وقد امتلكته أمنية ان يرى غادة ولو من بعيد .. ولكنه فوجئ بتلك الفراشة تخرج من باب الاسانسير وخلفها أمه .. كانت تتهادى وهى تنزل درجات السلم بين المصعد ومخرج العمارة .. شعرها يهتز فوق كتفيها مأمورا ككتلة واحدة كلما تحركت رأسها ولو حركة بسيطة والهواء فى مدخل العمارة يتلاعب بملابسها فبدت كنجمة من نجمات غلاف المجلات العالمية .. فخطفت قلبه أيما خطفة .. وراح يتمنى أمنيات ليس لها علاقة بواقعه وواقعها ..
أما غادة فانتبهت لوجود ذلك الشاب الطويل .. طاغى الوسامة واقفا شاردا فى خطواتها وهى تنزل السلم تتهادى كموج البحر .. يرتدى بنطالا من الجينس زهيد الثمن ولكن وسامته جعلته يبدو غالى الثمن .. يرتدى فوقه قميصا سماوى اللون محكما على جسده فيضفى عليه رجولة وجاذبية من طابع خاص .. وشعره الحليق أسود اللون وشديد النعومة قد مشطه الى الخلف فأظهر جبينه الأبيض بعينيه الضيقتين وحاجبيه الكثين اللذان يكادا أن يتقابلا .. وانفه الفارسى الرفيع الذى يعلو شاربا أسودا مرسوما بطريقة تظهر جمال فيه ذات الشفة العليا الرفيعة والسفلية الغليظة جعلوا منه نجما سينمائيا من نجوم الستينات ..

انتابت غادة رجفة بسيطة كاد أن يشعر بها سعيد .. ولكنها تداركت نفسها بسرعة عندما وجدت أم سعيد تجرى الي ذلك الوسيم أمامها وتحتضنه بشدة وهى تقول باكية : ألف مبروك يا حبيبى .. الحمد لله .. اشكرك يارب .. أشكرك يا رب ..
كان سعيد يحضن أمه فى حنان أثار شجون غادة فجعل عينيها تمتلئان بدموع الموقف خصوصا عندما انحنى سعيد على يد أمه يقبل يدها وهى تربت على رأسه بحنان ..
مرت لحظات قبل أن يتوجه سعيد بنظره الى غادة وهو يمد لها يده يسلم عليها وهو يقول : آنسة غادة .. مش كده ..

مدت غادة يدها اليه فى تردد وهى تقول : اهلا يا باشمهندس .. مبروك مرة تانية ..
سعيد وقد شعر بسعادة بالغة وذلك الاحساس الجميل فى القلب عندما لامست يده يدها : متشكر ..
ظلت يدها فى يده للحظات وقد تلاقت اعينهما واحست غادة هى الأخرى بنفس الاحساس الجميل فى القلب وكأن سهم الحب قد اصاب كليهما فى نفس اللحظة ..
لم يقطع لحظتهما الجميلة الا أم سعيد وهى تقول : متشكرين يا ست غادة .. ربنا يخليكى ليا يا حبيبتى .. بكرة ان شاء الله حكون عندك من تمانية الصبح .. تحبى اجيب لك حاجة وانا جاية ..
انتبهت غادة بعد أن كانت شاردة فى ملامح هذا الفارس الجميل وكأنها كانت تريد أن تحفظها عن ظهر قلب .. فهى لا تدرى هل سيكتب لها القدر أن تراه مرة أخرى أم لا .. فقالت وهى تخرج من هذا العالم الجميل : هه .. لا .. لا أنا مش محتاجة حاجة .. ولو حابة انك متجيش بكرة مفيش مشكلة .. أنا وامير حنعرف نتصرف ..
أم سعيد بعتاب : يا خبر .. لا طبعا حاجى .. مش كفاية انى مشيت بدرى النهاردة .. طب ده أنا هاين عليا اطلع تانى واعمل لكم الغدا .. ما انا اطمنيت على سعيد الحمد لله ..
غادة وهى تنظر بحرج الى سعيد ثم تنظر الى أمه : لا .. مفيش داعى .. روحى مع الباشمهندس علشان تحتفلوا بيه .. وأشوفك بكرة ان شاء الله ..

كان سعيد لا يزال شاردا فى جمال هذه الفراشة التى قد أخذت عقله وقلبه منذ أن سمع صوتها فى التليفون ولكنه لم يكن يتوقع أن تكون بهذا الجمال .. ويتعجب كيف لها أن تمتلك صوتا وشكلا جميلين فى نفس الوقت .. ففى الغالب تمتلك الانثى احداهما فقط .. أما أن تمتلك الاثنين .. فهذا شيء يفوق تصوره وأمنياته .. ولكنها بصرف النظر عن جمال الصوت والشكل فهناك شيء ثالث قد شد قلبه اليها .. ترى هل ستمنحه الأيام فرصة أن يكتشف يوما ذلك الشيء أم ستكون هذه المرة الأولى والأخيرة التى يرى فيها هذا الملاك الجميل ؟؟!!
قاطعت امه ذلك الحلم الجميل الذى يحياه للحظات معدودة وهى تقول .. ياللا يا سعيد .. ياللا يا حبيبى علشان منعطلش الست غادة أكتر من كده ..
رد سعيد ومازال نظره معلقا بغادة التى هى الأخرى تعلق نظرها به فقال: هه .. آه .. ياللا يا أمى .. احنا حنركب من هنا اى ميكروباس رايح سيدى بشر .. ثم توجه الى غادة وهو ينظر فى عينيها بشدة وهيام وهو يمد يده لها مرة أخرى ويقول : أشوفك بخير يا آنسة غادة .. ومتشكر على كل شيء ..
مدت غادة اليه يدها من جديد وتمنت أن لا يترك يدها أبدا وهى تقول : مع السلامة يا باشمهندس ..
ثم توجهت الى أم سعيد ومازال ممسكا بيدها وهى تقول : مع السلامة يا ست صفية ..
ابتسمت صفية الى غادت ابتسامة امتنان وهى ترد عليها : الله يسلمك يا حبيبتى .. خدى بالك من نفسك ..

اضطر سعيد فى النهاية أن يترك يد غادة عندما جذبته والدته برفق ليتحركا بعيدا عن غادة وهو يعاود النظر اليها من وقت لآخر حتى لاحظ سيارة فارهة تقف أمامها لتفتح الباب الخلفى وتركب السيارة وهى مازالت تنظر اليه .. لينطلق بها السائق العجوز حتى يختفى كل منهم عن الآخر ..

ظلت غادة شاردة فى السيارة وهى متجهة الى النادى تفكر فى ذلك الوسيم الذى خطف قلبها فى لحظة .. فتارة تفكر فيه وأخرى تفكر فى أمه .. كيف لتلك المرأة البسيطة المكافحة أن تنجب وتنشئ رجلا مثل سعيد .. هو ليس وسيم وحسب .. هو ايضا لبق ويتمتع بثقة فى النفس قلما يمتلكها من ينشأ فى مثل ظروفه .. فهو لم يظهر عليه ولو للحظة انه يخجل من كون أمه تعمل خادمة فى البيوت .. وهذا دليل كافى على ثقته بنفسه واعتزازه بأمه التى يحبها ويقدرها ويقدر صنيعها معه ومع اخوته بشدة .. كان اعجاب غادة بأم سعيد قد زاد أضعافا عن ذى قبل عندما كانت تستمع الى امها وهى تبدى اعجابها بتلك المرأة .. فها هى قد عاشت لحظات بينها وبين ابنها قد اثبتت لها كم هى امرأة رائعة .. بل وانجبت وربت شابا رائعا تشعر به غادة الآن انه هو فارس احلامها ..

وصلت غادة الى النادى فشكرت السائق وأخبرته انه لا داعى ان ينتظرها وانها سوف تعود بمفردها الى البيت .. لم تتوجه الى صديقاتها مباشرة فى المكان الذين قد تعودوا على أن يتقابلوا فيه .. فذهبت الى تراك النادى لتنعم بتمشية بمفردها .. بل لتتمتع باسترجاع وتذكر ماحدث منذ دقائق بينها وبين سعيد .. وبعد أن استرجعت ماحدث مرارا وتكرار .. وفى كل مرة تبتسم أو تضحك على كل كلمة قالها وكل نظرة حظيت بها منه .. شردت فى جمال ورجولة وجهه وجسده وشعرت أن روحه قد شملتها فاحست بقشعريرة لذيذة وان كان هو بعيد عنها .. بعد ما حدث كل ذلك علمت أن ما كانت تشعر به مع حسام لم يكن حبا بالمرة ... ادركت انها لم تكن تحبه .. بل كانت تحب حبه لها واطراؤه لجمالها وشخصيتها .. أما ما تشعر به الآن تجاه سعيد هو شعور آخر لم تشعر به من قبل تجاه اى رجل آخر .. هى لا تنتظر منه اطراءا أو غزلا ومدحا فى جمالها وشخصيتها .. هى فقط تشعر بسعادة تغمر قلبها حين تتذكره .. بل هو لا يغيب عن مخيلتها لحظة منذ التقيا حتى تنساه ثم تتذكره .. هو أصبح بداخلها .. نعم بداخلها يسرى فى دمائها وكلما وصل الى قلبها خلال الشراين شعرت به وبلذة حبه عند وصول قطرات الدم التى يسبح خلالها الى قلبها ..

بعد حوالى الساعة تقابلت غادة وصديقاتها .. قضت معهم الوقت وهى فى عالم غير العالم ثم عادث بعد ساعتين الى البيت .. كانت من سعادتها تحمل شحنة ايجابية عالية .. فكرت فى عمل شيء ايجابى فلم تجد سوى أن تدخل المطبخ وتحاول تجهيز غداءا لها و لاخيها .. وبالفعل تفحصت الموجود بالثلاجة وقررت عمل صنف من الدجاج كانت قد شاهدت طريقة عمله على اليوتيوب .. وبعد ان انهت الطبخ واطمئنت انها قد ابدعت فى عملها اتصلت بأمير و أخبرته بأن يأتى لتناول الغداء معها .. ولكنه حاول أن يعتذر .. فقد كان على موعد مع سارة على الغداء سويا ..
لم تتقبل غادة اعتذاره واخبرته انها هى من صنعت له الطعام اليوم .. فلم يجد بدا من أن يوافق على طلبها .. واعتذر لسارة عن الموعد بعد أن أخبرها بما حدث من غادة .. فتقبلت سارة الموضوع ببساطة وهى تبتسم بل وشجعته على ان يتناول الغداء مع غادة لانها المرة الأولى التى تصنع فيها الطعام بيدها ..

وصل أمير المنزل عند الغروب .. كانت غادة تتضور جوعا ولكنها رغبت بشدة فى ان تتناول الغداء مع أخيها .. لا تعلم لماذا رغبت فى ان ترى كل من تحب وكل من هو قريب لقلبها .. ودت لو ان والديها كانا بجوارها .. ودت لو أن تحتضنهما ويحتضناها .. ودت لو أن تحتضن الدنيا بأكملها ..

استقبلت غادة أمير بسعادة بالغة وكانه عاد للتو من سفر طويل .. كانت تتحرك حوله كالفراشة أو العصفور الذى يغرد بعد ان فك اسره من قفص كان مغلقا عليه لفترة طويلة .

تعجب أمير من تصرفاتها التى لم يعتادها من قبل خصوصا فى الفترة الأخيرة بعد أن عانت من علاقتها بحسام .. فسألها متعجبا : يا ترى ايه سر السعادة اللى أنا شايفها فى عنيكى دى .. وايه سر النشاط اللى دب فيكى وخلاكى تدخلى المطبخ وتطبخى بنفسك يا غدغود ؟
غادة بابتسامة عريضة : أبدا .. صحيت النهاردة حسيت انى عايزة اعمل فيها ست بيت فطلبت من أم سعيد انها تاخد باقى اليوم اجازة علشان عندها مناسبة سعيدة .. فقلت ادوقك الغدا من ايدى النهاردة .. بس يا رب يعجبك ..
أمير ساخرا : ربنا يستر .. غدا !! .. ومن غادة اللى أول مرة تطبخ .. طيب أنا ذنبى ايه؟
تدللت غادة وهى تقول : طيب ايه رأيك انك حتاكل صوابعك من جمال طبيخى .. بس متتعودش على كده .. دى مرة ومش حتتكرر .. ياللا قدامى .. السفرة جاهزة ..
أمير : ماشى .. بس متزقيش .. أنا حروح الحمام أغسل ايدى كويس .. علشان لو حصل تسمم يبقى عارفين سببه ..
تظاهرت غادة بالغضب وهى تخرج له لسانها تغيظه كالأطفال ..

بعد دقائق قليلة اقترب أمير من مائدة الطعام فاطلق صافرة اعجاب على التنسيق الجميل للمائدة والاصناف الشهية التى يراها .. ثم جلسا سويا يتناولا الطعام .. وبعد عدة لقيمات تعجب أمير بالفعل من الطعم اللذيذ للأصناف التى قامت غادة بطهيها .. وأخذ يأكل بنهم ..

لاحظت غادة طريقته فى تناول الطعام والسعادة والرضا الواضحين على وجهه فأحست بالسعادة والاطراء على مهارتها فى الطهى .. فقالت : يعنى ماقلتليش رأيك فى الأكل .. ها .. بعرف أطبخ .. ولا ....؟
أمير وهو مازال يتناول الطعام بنهم : بتعرفى ؟!! ده انتى طلعتى شيف ممتاز .. أنا بقول سيبك من موضوع الدراسة ده بلاها تضييع وقت واتجهى لموضوع الطبخ ده يا بنتى .. والله حتكسبى دهب ..
كانت السعادة تغمرها وهى تستمع لهذا الاطراء وتتمنى لو أن سعيد مكان أمير وترى السعادة فى عينيه وهو يتناول طعامها اللذيذ .. فقالت : اخجلتم تواضعنا ..
ساد الصمت قليلا ثم سألها أمير : لكن ايه بقى حكاية المناسبة السعيدة عند أم سعيد ؟
ابتسمت غادة وهى تذكر سعيد : النهاردة كانت نتيجة سعيد ابنها .. اصله نجح واتخرج من الهندسة .. ثم وجدت نفسها تحكى له عن ما حدث .. ولكنها لم تتطرق الى اعجابها وشعورها تجاه سعيد ..

كان أمير يستمع اليها وهو يتناول طعامه فلم يلاحظ كم السعادة التى كانت تتحدث بها عن سعيد .. ولو كان قد انتبه قليلا لعلم ببساطة مدى اعجاب غادة به ..
أمير : والله برافو على ام سعيد دى .. ست مكافحة بصحيح .. بالرغم من حالتها البسيطة قدرت توصل بأبنها لكلية الهندسة وكمان يتخرج منها بتقدير جيد جدا .. برافو عليها ..
سكت قليلا ثم اردف .. طيب ايه رأيك لو كلمنا بابا يشغل ابنها عندنا فى الشركة .. أكيد حتنبسط أوى ..؟
لمعت عين غادة بشدة واستحسنت الفكرة وهى تقول : والله فكرة كويسة جدا يا أمير .. هى فعلا تستحق مننا ده .. وبعدين واضح ان سعيد شاب مجتهد وطموح وهو كمان يستحق اننا نساعده ..
هنا انتبه أمير لبريق عينى غادة وهى تتكلم بهذا الحماس والسعادة عن سعيد .. فانتابه بعض الشك ولكنه لم يتوقف عند هذا الأمر كثيرا ..

كان أمير قد انهى طعامه وجلسا سويا هو وغادة يتحدثان عن العمرة التى قد اشتاقوا كثيرا لها .. يستعيدون ذكرياتهم الجميلة لجميع رحلات العمرة التى ذهبوا اليها مع اسرتهم منذ ان كانوا اطفالا صغارا .. حتى رن تليفون أمير فنظر الى شاشة التليفون وابتسم عنما عرف ان سارة هى من تطلبه فقال لغادة وهو ما يزال ينظر الى تليفونه مبتسما : أنا حدخل اوضتى اريح شوية وارد على المكالمة دى .. دى مكالمة من الشغل ..
نظرت اليه غادة بتعجب من ابتسامته حين علم من الطالب فراودها الشك فى ان امير له علاقة لا يريد لأحد ان يعلم بها والا لماذا يتكلم فى أمور العمل فى غرفته ولا يريد ان يسمع احد تلك المكالمة ..
تركها أمير ودخل الى غرفته وهو يتكلم مع سارة التى تطورت علاقتها به كثيرا .. فأصبح كلاهما لا يدخل الى فراشه الا بعد مكالمة قبل النوم يتحدثان فيها عن كل شيء وأى شيء ..
استطاعت سارة ان تجذبه اليها .. أو على الأقل تشغله بها .. ولكنها لم تستطع أن تدخل الى قلبه كما دخلته رغد التى والى الآن لا يزال قلبه متيما بها .. لذا لم يضحك على نفسه أو على سارة ويسمح لنفسه أن يبادل سارة حبا يراه فى عينيها وتصرفاتها معه ويدخل فى علاقة عاطفية جديدة معها او مع غيرها قبل أن ينتهى حب رغد من قلبه تماما ..
ولكن المكالمة تلك المرة قد حملت له مفاجأة لم يتوقعها ابدا .. او على الأقل فى الوقت الحالى .. فبعد دقائق قليلة من المزاح والجد بينهما ساد الصمت بينهما للحظات .. لتقول سارة فى نهايتها بتردد : أمير .. فيه سؤال عايزة اسأله .. بس بصراحة مترددة من فترة انى اسأله ..
أمير بمزاح : بعد كل الأسئلة والاجابات اللى سألناها وجاوبنا عليها لسة فى سؤال مترددة انك تسأليه ..!! اسألى من غير تردد ياستى .. ده احنا خلاص بقينا كتاب مفتوح لبعض ..
سارة : تفتكر ؟!! أقصد تفتكر اننا كده فعلا ؟
أمير : على الأقل من نحيتى .. أنا حاسس أنى أصبحت كتاب مفتوح من كتر ما اتكلمنا مع بعض ..
سارة بتلعثم : بس انت مش كده خالص .. فيه حاجات كتير لسة معرفهاش عنك ..
أمير : زى ايه مثلا؟
سارة : فيه مناطق الانسان مبيسمحش لحد يقرب منها .. وخايفة انى لو قربت منها بالنسبة لك تضايق ؟
أمير : هو احنا حنقضيها ألغاز النهاردة ولا ايه !!
سارة : لا .. حقيقى أنا بتكلم جد .. يا ترى هو أنا مسموح لى انى اتكلم معاك فى أى موضوع ..
أمير : سارة .. أنا مش عارف انتى عايزة توصلى لايه ؟ .. لو فيه سؤال مباشر يا ريت تسأليه على طول من غير تردد ولا خوف .. ولو أنا حسيت انه خط أحمر .. صدقينى حقولك بصراحة وبدون خجل .. ويا ريت انتى كمان تتعاملى مع اسئلتى على الاساس ده .. بمعنى انك لو عندك خطوط حمرا فى أى شيء يخص حياتك متتردديش ان تقوليلى انها خطوط حمراا بالنسبة بالك ومتجاوبيش على اى سؤال انتى مش حابة حد يقرب من منطقته .. .. لأن أكيد كل واحد فى مناطق أو مواضيع فى حياته مبيحبش يتكلم عنها ..
سارة بانوثة : بس بالنسبة لك مفيش فى حياتى منطقة أو موضوع خط أحمر ..
أمير : والله دى ثقة اعتز بيها..
سارة : بس دى مش ثقة وبس .. دى حاجة أكبر من الثقة ..
شعر أمير ان الكلام بينهما على وشك أن يتطرق لمكان لم يكن على استعداد أن يخطوا اليه فى الوقت الحالى ولكنه لم يستطع أن يجرح مشاعرها التى باتت جليه له اكثر من أى وقت مضى .. وفى نفس الوقت لم يرغب أن تبدأ هى وتعرض حبها عليه وهو ليس مستعد الى الآن لهذا الأمر .. كان يشعر بأنه بذلك سوف يقلل من كبرياء أنوثتها .. لذا بادر هو بالكلام وقال : سارة .. فيه موضوع كنت حابب اتكلم فيه معاكى من مدة .. بس بصراحة كنت متردد ..
سارة باهتمام : موضوع ايه ..؟ وليه متردد .. ما احنا بنتكلم فى كل حاجة من أول ما عرفنا بعض ..
أمير : أيوة فعلا .. بس هو بصراحة موضوع خاص جدا بالنسبة لى .. وانتى أول شخص حتكلم معاه بخصوصه ..
سارة وهى تحاول أن تمزح لتخفف من حدة توتره التى باتت واضحة على صوته ونبرته : واو .. أنا كده ححس انى سبيشيل بالنسبة لك ..
أمير : انتى فعلا سبيشيل بالنسبة لى يا سارة .. علشان كده حابب انك تعرفى عنى حاجات كتير ..
كاد قلب سارة ان يخرج من صدرها يطير محلقا فى دنيا السعادة وهى تسمع من أمير هذه الجملة .. فهذا قد اعطاها الأمل فى انه يبادلها نفس شعورها .. لذا قالت بخفوت المتلهف الى سماعه اكثر واكثر : سمعاك يا أمير ..ونفسى فعلا اعرف عنك كل حاجة ..
أمير بعد صمت دام لحظات يبحث عن بداية للقنبلة التى قد تزلزل كيانها .. يبحث كيف يقول كلمات تخفف من حدة الصدمة التى سوف تتلقاها سارة فقال بتلعثم : أنا فيه واحدة فى حياتى ..
ساد الصمت من جديد .. كان وقع جملة أمير على سارة كمن تلقى رصاصة فى قلبه المحلق فى سماء السعادة ليهوى من برج سعادته الى ارض الواقع الأليم .. لكنها حاولت التظاهر بعدم الصدمة .. فنظرت الى السقف والدموع تملأ مقلتيها فاغمضتها فى الم لتنساب دمعتين حارقتين على خديها وقالت وهى تجاهد نفسها لكى لا يكتشف ما تمر به فى تلك اللحظة : بجد .. معلومة جديدة على خالص .. وياترى مين سعيدة الحظ دى اللى قدرت تشبك قلبك ؟
أمير وهو يعلم جيدا بالحالة التى تمر بها سارة فى تلك اللحظات وانها تحاول جاهدة أن لاتظهر آلام يعلم سببها جيدا : مش مهم هى مين .. المهم حقيقة العلاقة اللى بينى وبينها ..
سارة : مش فاهمة .. ممكن توضح شوية..
أمير : هو من الآخر .. حب من طرف واحد ..
سارة وقد انبعث فى قلبها الأمل من جديد : وطبعا الطرف ده هو انت ..
أمير بتنهيدة حارقة مملوءة باليأس : أيوة يا سارة .. هو أنا ..
سارة : طيب ليه الموضوع مش واخد مساره الطبيعى .. ليه الطرف التانى مش بيبادلك نفس الشعور ؟ .. ياترى لانك مش عارف توصلها مشاعرك .. ولا انت فعلا عرفتها وهى الى معندهاش نفس المشاعر اللى عندك ليها .. ولا فيه اسباب تانية انا مقدرتش أخمنها ؟ ..
أمير ومازال لديه رغبة أن يخبرها بكل شيء : ابدا يا ستى .. الحكاية انى مكلمتهاش عن شعورى نحيتها .. واكتشفت بعد كده انها بتحب واحد تانى ..
ازداد الأمل لدى سارة .. ابتسم قلبها من جديد ولكنها فى تلك اللحظة لم تكن تهتم بان يحبها أمير بقدر ما كانت تهتم بأن يخرج من كبوته تلك .. أحست ان دورها القادم فى حياته هو كيف تساعده فى أن ينسى ذلك الحب الذى لا أمل فيه حتى وان لم يكن فى النهاية من نصيبها ..

سارة هى فتاة ذات مشاعر مرهفة وأنوثة تتمتع بالذكاء المفرط واللياقة فى فهم الناس واللباقة فى معاملة الآخرين .. نشأت وحيدة فكان الكتاب هو صديقها الوحيد فى الحياة .. كانت تقرأ ولا زالت تقرأ الكثير من الكتب بجميع انواعها واتجهاتها .. تعشق قراءة الروايات الواقعية الهادفة متعددة الموضوعات والتى تعرض نماذج المجتمعات على مر الأزمان وفى كافة البلاد .. استطاعت رغم عمرها الصغير أن يكون لها عقل راجح فى فهم الأمور وايجاد السبل لحل المشاكل .. قرأت كثيرا عن مشاكل الحب ومنها مشاكل مماثلة لما يمر به أمير .. "الحب من طرف واحد" .. كانت تعلم انه حب محكوم عليه بالفشل من بدايته ولكنه قد يخلف مشاكل وآلام كبيرة لصاحبه قد تمتد معه وتصاحبه بقية العمر .. ولكنها تعلم ايضا ان الحالات التى تظل حبيسة هذا الحب هى حالات قليلة جدا .. لذا كان عندها أمل كبير ان تقف بجوار امير حتى تخرجه من هذا المأزق.. لذا لم تسترسل كثيرا فى الوقت الحالى ولم تضغط عليه او تفتح جروحا يعانيها حبيبها فقالت فى هدوء : أنا متشكرة جدا يا أمير ..
أمير : بتشكرينى على ايه يا سارة
سارة : شكرا على ثقتك اللى خلتك تقوللى موضوع مهم بالنسبة لك زى ده ..
أمير بحنان : ما أنا لسة قايلك يا سارة انك سبيشيل عندى ..
سارة بأنوثة وخفوت : بجد يا أمير؟ .. بجد أن مميزة عندك ؟
أمير بنفس النبرة : بجد يا سارة .. أنا حاسس انك قريبة أوى منى ..
خافت سارة ان يسترسل أمير أكثر فى موضوع حبه لمجهولة من طرف واحد فيفسد عليها اللحظات الجميلة التى تعيشها فقالت : ياه يا أمير .. كفاية على الكلمتين الحلوين دول النهاردة .. أشوفك بكرة .. ولينا كلام كتير لما تعوض لى عزومة الغدا اللى لغيناها النهاردة..
أمير : تمام يا ستى .. أشوفك بكرة ان شاء الله .. تصبحى على خير ..
---------------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-20, 07:11 PM   #94

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل السابع و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل السابع والثلاثون

أصبح جمال بعد موت سمر يفضل الوحدة .. يتعمد الابتعاد عن البشر .. لا يتعامل سوى مع والدته وابنائه .. وساعده على ذلك أن علا قد غادرت بيت امها وآثرت هى الأخرى ان تبقى فى بيتها وبجوار عملها حتى تجنب نفسها وتجنب أخيها ان يتذكرا الخيانة السوداء التى تعرضا لها من ازواجهم ..

انتظرت علا ظهور ياسر حتى تصفى حسابها وحساب اخيها معه .. لكنه اختفى ولم يعد أحد يعلم عنه شيئا .. ترك شقته بالزمالك الى وجهة مجهولة للجميع ..

أما جمال فقد استقال من عمله واصبح يقيم ببيت أمه ليل نهار يرعى اطفاله وحسب .. لا يخرج من البيت الا للضرورة القصوى ولا يريد أن يحتك أو يرى أحد .. انطوى على نفسه وعاش محطما بين حبه لسمر وكرهه لها بعد خيانتها ..

طلبت سلمى من بسمة فى هذا الصباح أن تأتى اليها لتجلس مع أولاد جمال بعد ان علمت انها ليست مرتبطة بشيء فى هذا اليوم .. فبالأمس هاتفها نادر الذى قد نفذ صبره وأصر على ان يلتقى بها على الغداء لحسم أمر زواجه منها بعد أن تأخرت عليه فى الرد طويلا بسبب احداث أولادها الأخيرة.. فوافقت سلمى على مقابلته حتى تنهى ما بينهما وتعتذر له عن قبول الزواج منه فى تلك الظروف التى تمر بها .. ولكن فى نفس الوقت كانت مربية أولاد جمال قد طلبت اجازة لمدة ثلاثة أيام لتعب امها .. وكان جمال قد بدأ عملا جديدا بعد أن ألحت عليه سلمى كثيرا واقنعته ان الشيء الوحيد الذى سوف يخرجه من كبوته هو العمل ..

وصلت بسمة الى شقة سلمى فى تمام الواحدة ظهرا .. جلست معها سلمى قليلا قبل ذهابها لموعد نادر تحدثها فى قرارها فى رفض عرض نادر فى الزواج منها .. ولكن بسمة اقنعتها بأن لا تتسرع فى اتخاذ قرار مثل هذا .. وأن تطلب منه بعض الوقت حتى تنتهى الظروف التى تمر بها .. واخبرتها ان طلبها هذا سوف يكون بمثابة اختبار لمدى وصدق حبه لها .. فإن وافق وصبر فهذا يعنى انه يحبها بالفعل وانه فى هذه الحالة يستحق ان توافق على طلبه ..

شعرت سلمى بمدى صواب رأى بسمة فوافقت على ان تفعل ذلك .. فهى لن تخسر شيء .. ولكنها فى النهاية قد تكون كسبت رجلا يحبها بالفعل ويسعدها بقية عمرها ..

ذهبت سلمى الى موعدها وتركت بسمة مع اولاد جمال اللذان قد تعرفت عليهم من قبل وتعاملت معهم عن بعد ولم تتعمق فى التعامل معهم .. لكن اليوم فالأمر مختلف .. فهى سوف تكون معهما بمفردها .. وهى تعلم عنهم تقريبا كل شيء من سلمى .. وتعلم مدى تأثرهم بما حدث لأمهم .. وكيف أثر هذا على سلوكياتهم تجاه من حولهم وبالأخص الغرباء مثلها ..فعلمت انها فى اختبار صعب لم تمر به من قبل .. ولكنها كانت تعلم كيف تتصرف معهم .. فقررت أن لا تتطفل عليهم ولا تحاول أن تقتحم عليهم حياتهم .. عليها أن تجذبهم اليها بطريقتها الخاصة .. فهى تعلم مدى الفضول الفطرى الأطفال.. فتركتهم ينظرون اليها نظراتهم الغامضة .. واتجهت الى البلاى ستيشن وكأنهم غير موجودين .. أو كأنها لا تهتم بهم .. وبدأت تلعب ألعابا يحبها الأطفال وبعد دقائق بدأ الطفلين ينظرون الى بعضهم البعض ثم ينظرون اليها متعجبين .. من تلك التى تلعب بألعابهم ولا تحاول أن تتقرب منهم كما يفعل غيرها ..؟!!

بعد قليل لاحظت بسمة ان ياسين بدأ يتحرك من مقعده بجوار أخته ملك ليتجه على استحياء اليها ويقف بالقرب منها يراقب ما تفعله .. ثم بدأت ملك هى الأخرى تفعل بالمثل .. ووقف الاثنان يراقباها فى فضول .. فقالت بسمة بصوت مسموع : ياه اللعبة دى حلوة أوى .. بس ياخسارة .. لو فيه حد هنا بيعرف يلعبها كانت حتبقى ممتعة أكتر ..
أخيرا نطق ياسين فى حماس وقال بطريقة الأطفال : أنا بعرف ألعبها ..

التفتت اليه بسمة تنظر اليه وهى تقول : بجد .. ؟!! ليومئ لها ياسين برأسه وهو يقترب منها اكثر على استحياء .. ثم تقول بعده ملك بحروفها المتكسرة وكلماتها الغير مرتبة : وأنا كمان بعرف ألعبها ..

ابتسمت لهما بسمة وهى تلتفت اليهم وتعطى ظهرها للعبة وهى تقول بحماس الأطفال : طيب ايه رأيكم ألعب أنا وياسين الأول .. واللى يغلب يلعب مع ملك .. ؟
رد الطفلان فى صوت واحد : ماشى ..
ردت بسمة وهى تغلق عينيها قليلا : بس مش الأول نتعرف على بعض .. ولا ايه ..أنا اسمى بسمة ..
ردت ملك : أنا اسمى ملك .. ورد يا سين : وأنا اسمى ياسين ..
مدت اليهم بسمة يدها تصافح كل منهم وهى تقول .. تمام .. احنا من دلوقتى حنبقى صحاب : اتفقنا !!
كرر الطفلان كلمتها بطريقتهما .. وقد بدأو يتحرروا من تحفظهم تجاهها : اتفقنا ..

مرت أكثر من ساعتين والثلاثة فى لعب وضحك يتنقلون من لعبة على البلاى ستيشن الى لعبة الغميضة وألعاب مسلية أخرى يتعلمونها منها لأول مرة .. كانت تدخلهم عالما جديدا من السعادة والمرح .. فاستطاعت أن تقربهم منها بشدة .. ثم وعدتهم بأن تروى لهم قصة بعد أن يتناولوا الغداء الذى جهزته لهم جدتهم قبل أن تغادر .. ولكن بسمة كانت بارعة كعادتها فى ان تقرب أى احد منها حتى الاطفال .. فطلبت منهم أن يشاركوها فى اعداد الطعام على السفرة .. فهى تعلم ان الأعمال اليدوية التى يقوم بها الكبار هى من الاشياء التى يحب معظم الصغار أن يقلدوهم فيها ويتحمسون لفعلها ..

نام الصغيرين عندما كانت تحكى لهم بسمة حكايتها التى وعدتهم بها .. ولم تشعر بنفسها وقد غفت بجوارهما .. ليمر الوقت وقد غطت فى النوم دون ان تدرى ..

فى هذه الأثناء عاد جمال من عمله .. دخل الى البيت فلم يجد أولاده بانتظاره كعادتهم .. فدخل الى حجرة والدته فلم يجدها ولم يجدهم .. فذهب الى الغرفة التى خصصتها سلمى لحفيديها .. ففوجئ بالمشهد الذى رآه .. فقد رأى ياسين وملك نائمين وبسمة التى قد رآها من قبل ولكنه لم يكن قد تعرف عليها أو كانت لديه رغبة أن يفعل الى الآن .. نائمة هى الأخرى بينهما وقد احتضنا كلا الطفلين بسمة بذراعيهما ..

ابتسم جمال .. ربما للمرة الأولى منذ اكتشافه لخيانة سمر ووفاتها .. ظل للحظات يشاهد هذا المشهد الجميل ثم خرج الى صالة البيت وجلس على احدى المقاعد واضعا وجهه بين كفيه يسترجع حياته السابقة .. ثم يسترجع هذا المشهد العجيب الذى شاهده منذ لحظات .. فتارة يكسو وجهه الحزن والأسى .. وأخرى يبتسم ويشعر بشء من السعادة ....

كان شاردا يفكر فيمن تكون هذه الفتاة التى تنام كالملائكة بين طفليه .. بينما عادت سلمى وتنبه على صوت الباب يفتح ثم يغلق فى هدوء .. وعندما رأته سلمى جالسا يحلق فيها ألقت علية التحية : مساء الخير يا حبيبى .. انت رجعت بدرى ليه النهاردة ..
جمال : أبدا .. كنت فى اجتماع مع المدير فى شركة بالقرب من هنا .. ولما عرف انى ساكن قريب من مكان الاجتماع قالى انه مفيش داعى ارجع للشركة وسمح لى انى اروح ..
سلمى : خير ما فعل .. ثم تلفتت يمينا ويسارا وهى تسأل .. امال بسمة والولاد فين .. ؟
شاور لها جمال تجاه حجرة الأولاد وهو يحاول ان يخفى ابتسامة سعادة غائبة عنه منذ زمن.. كأنه لا يريد أن يتكلم بصوت عالى حتى لا يوقظهم من نومهم .. فقد كان مشهدهم جميل للغاية جعل جمال يشعر بكم الحنان الذى يتمتع به اولاده فى تلك اللحظات .. فرغب أن يطول الأمر حتى ينعمون من هذا الحنان الذى حرموا منه بموت أمهم بالرغم من انه لم يشاهدها ولو مرة واحدة تفعل ما تفعله تلك الفتاة معهم .. ولكن تظل الأم هى الأم .. فمن الواضح انها كانت تحكى لهم حكاية شيقة جعلتها هى وأولاده يغطون فى النوم بهذه الطريقة .. ترى من تلك الفتاة ذات الجمال الهادئ .. من الواضح انها قريبة من امه .. شكلها ليس بشكل خادمة أو مربية أولاد .. ولكنه رآها عدة مرات مع أمه .. ظل التساؤل فى وجدان جمال يريد ان يعلم من هى وقبل أن يسأل امه عنها تركته و اتجهت الى الحجرة لتفاجى بنفس المشهد الجميل الذى شاهده جمال منذ قليل .. فابتسمت وعادت الى جمال وهى تقول : مش ممكن يا بسمة .. انتى فيكى سحر عجيب بيجذب ليكى كل اللى يعرفك.. حتى الأطفال .. ربنا يسعدك ..

علم جمال الآن اسمها .. "بسمة" .. ولكنه لم يتذكر اسمها والذى سمعه من الاستاذ نادر من قبل .. بل انه فى خضم الاحداث الأخيرة التى مر بها منذ اكتشافه لخيانة سمر .. مرورا بموتها قد نسى موضوع فلوس التعويض برمته ونسى خميس وابنته . وقبل أن يسأل سلمى عنها .. قالت سلمى وهى تتجه الى حجرتها : أنا حدخل أغير هدومى يا جمال قبل ما بسمة والأولاد يصحوا ..

دخلت سلمى الى حجرتها .. جلست أمام مرآتها وقبل أن تفكر فى لقاءها مع نادر ومضت فى عقلها فكرة وأمنية .. فكرت سلمى فى بسمة وجمال .. تمنت لو أن تكون بسمة من نصيب ابنها .. نعم هى فكرة رائعة .. بسمة هى من تناسب جمال .. ولن يجد زوجة مثلها .. فهى لم تقابل فتاة بطول عمرها فى مثل أخلاقها ولا ذكائها وحضورها .. أما عن حنانها ورجاحة عقلها .. فحدث ولا حرج .. ولكن هل يقبل أى منهما الفكرة .. فجمال مازال غارقا فى احزانه وفقدان الثقة فى النساء بعد تجربة خيانة زوجته له .. وبسمة قلبها مشغول .. بل متيم بغيره .. ثم انها شابة وجميلة وستصبح طبيبة .. فهل ترضى بأرمل لديه طفلان ؟؟!!
تطورت الفكرة الى تخطيط ..فصارت تحدث نفسها .. نعم .. لابد أن أخطط بينهما .. من الغد لابد أن أبدأ فى هذا ..

تذكرت سلمى بعد قليل نادر ولقائها معه .. قابلته فى نفس المكان الذى تقابلا فيه من قبل وتناولا العشاء سويا .. لم تشعر نفس الشعور الذى شعرت به آنذاك .. ربما لأن لليل والموسيقى سحرهما وشجونهما .. لكنها على كل حال شعرت بالحرية والانطلاق الذى حرمت منه طيلة الشهور السابقة بعد أن خف الضغط العصبى الذى كانت تتعرض له ..

حينما دخلت عليه فى المطعم العائم .. كان شاردا ينظر الى صفحة مياه النيل الممتدة أمامه .. اقتربت منه وقالت بابتسامة هادئة : مساء الخير يا استاذ نادر ..

انتبه نادر على صوتها الرخيم فنظر اليها مبتسما .. وكان منذ قليل يفكر فى انه لابد ان يبدى لها غضبا بسبب تجاهلها له طوال الفترة السابقة .. ولكنه بمجرد أن تطلع اليها خدعه قلبه وخانته جوارحه ونسى كل شيء وابتسم لها وهو يقف مادا اليها يده يصافحها قائلا : أهلا يا سلمى .. وحشتينى .. اتفضلى استريحى .. وابعد مقعدها قليلا عن الطاولة بشياكة الجنتلمان .. لتجلس عليه سلمى فى رقة بالغة وهى تقول : ميرسى ..

ظل نادر ينظر الى سلمى يتأملها .. فبالرغم من شحوب وجهها والاجهاد البادى عليها .. الا انه يراها جميلة .. بل ان شحوبها هذا زاد انوثتها ضعفا .. وكم هو ضعيف أما النساء الضعيفات .. فما باله بمن يحبها .. ما بال ان يرى سلمى هى المرأة الضعيفة تجلس أمامه بعد طول انتظاره لها ..
بادر نادر يقول فى شوق ولهفة : وحشتينى يا سلمى ..

لم تجد سلمى كلمات ترد بها على مجاملته الرقيقة لها .. تتساءل فى نفسها .. هل حقا يحبها نادر؟ .. نظرت اليه نظرة سريعة ثم نظرت الى الطاولة فى خجل وهى تقول : بجد ..؟!!
نادر : ياه ياسلمى .. لسة بتسألى .. سكت قليلا ثم اردف بلهجة عتاب على استفسارها هذا : ايوة بجد .. بجد يا سلمى .. عارفة ليه .. علشان انا اكتشفت انى بحبك اكتر ما كنت متخيل .. وكل يوم بيمر وانتى بعيد عنى بحس ان قلبى بيتعصر جوايا من الشوق واللهفة لليوم اللى تقوليلى انك موافقة على جوازنا .. واليوم اللى يجمعنا بيت واحد ..

كانت سلمى تستمع اليه وكل كلمة من كلامه تضعف من عزيمتها فى ان تطلب منه ان يعطيها وقتا كما اتفقت مع بسمة .. فكم هو رجل رائع ومناسب لها .. يعرف كيف يعامل النساء .. يقول لها كلاما يشعرها بأنوثتها التى كادت ان تنساها منذ زمن بعيد .. انه يحيى فيها مشاعر جميلة تحبها كل امرأة .. فكيف تصده أو حتى تتدلل عليه أكثر من ذلك ..

سكت نادر فى انتظار ردها بعد ان قال لها كلاما أذاب مشاعرها .. انهاه بسؤالها وهو ينظر فى عينيها : ياترى يا سلمى مأنش الأوان انك تبلى ريقى وتوافقى على اننا نتجوز ..؟

ردت سلمى فى استسلام تام : آن .. آن الأوان يا نادر .. أنا عن نفسى موافقة .. ثم سكتت للحظات واكملت باضطراب .. بس ادينى فرصة أمهد لجمال وعلا .. أنا عارفة انهم فى النهاية مش حيعترضوا .. علشان كده بقولك أطمن .. قريب جدا حيتم الموضوع باذن الله ..
انفرجت اسارير نادر من السعادة وقال بابتسامة عريضة : بجد .. بجد يا سلمى ؟
سلمى : بجد يا نادر ..
نادر وهو يضع يده على كفها الذى كان قابعا فوق الطاولة يتمنى لمسة من يديه : وأنا أوعدك انك عمرك ما حتندمى على قرارك ده .. وانى حعمل كل اللى فى وسعى انك تكونى اسعد انسانة فى الدنيا ..

انتابت سلمى رعشة من كلامه وهو يلامس يدها .. فسحبت يدها من اسفل يده فى خجل بالرغم من انها كانت تتمنى لو أن تظل يدها فى حضن يده اكثر من ذلك ..

مضى الوقت وهما يتحدثان فى أمور شتى .. فتارة تحدثه عن أحوال علا وجمال واحفادها .. وتارة يغازلها من جديد أو يحدثها عن ابنته ومشاكل سن المراهقة وكم يتمنى أن تستطيع أن تنجح سلمى فيما فشل هو فيه من احتواء تلك الفتاة المتمردة ..
كان أمر ابنة نادر يقلق سلمى قليلا .. ولكنها فى قرارة نفسها كانت تريد خوض هذه التجربة .. وتتمنى أن تنجح فى حياتها الجديدة مع نادر وابنته ..

غادرا المطعم على وعد أن تفاتح سلمى ابنائها فى موضوع زواجها .. وعلى ان يبدأ هو يمهد لابنته نفس الأمر ..
انتبهت سلمى عندما سمعت طرقا خفيفا على باب حجرتها فقالت : مين ؟
جمال : أنا يا ماما .. ممكن ادخل ..
سلمى : حبيبى .. عشر دقايق وحجيلك ..

قامت سلمى واستبدلت ملابسها وخرجت الى جمال .. الذى كان ينتظرها فى توتر وقلق واضح على ملامحه ومشيته فى صالة البيت .. فقالت له سلمى : خير يا جمال .. انت لسة فى الصالة .. تحب احضر لك الغدا ..
جمال فى تلعثم : قبل الغدا .. قوليلى .. مين البنت اللى فى الأوضة مع الولاد ..
سلمى : دى بسمة يا حبيبى .. بسمة بنت عم خميس اللى كان بيراعى بابا الله يرحمه ..

تذكر جمال للتو .. تذكر من تكون بسمة ومن يكون والدها .. ولكنه لم يتطرق بذهنه الى حقده القديم عليهم .. هو تقريبا نسى هذا الأمر .. فما حدث له جعله لا يفكر ولا يهتم بأمر المال ..

خافت سلمى أن يتبادر الى ذهنه أمر المال من جديد .. فبادرت وقالت : على فكرة يا جمال .. بسمة مش بس بنت عم خميس جارنا اللى وقف مع باباك فى محنته .. بسمة قريبة قوى من قلبى .. ومهمة جدا بالنسبة لى ..علاوة على انها مش شوية .. أقصد انها طالبة فى كلية الطب .. فأتمنى انك متضايقهاش بأى شكل من الاشكال ..
جمال : ليه بتقولى الكلام ده .. دى حتى شكلها رقيق أوى .. وواضح انها عرفت تتعامل مع ياسين وملك ..
سلمى : أبدا .. بس أنا خفت تسيء معاملتها بسبب موضوع الفلوس اللى بابا وصى لهم بيها ..
جمال : على فكرة يا أمى .. أنا مخطرش على بالى الموضوع ده من اساسه .. وصدقينى .. أنا نسيته تماما ومعدتش افكر فيه .. هو مش كفاية الدرس اللى اخدته فى حياتى .. سكت قليلا وقد اكتسى وجهه بالحزن وهو يقول : أنا الدنيا علمتنى حاجات كتير فى الكام شهر اللى فاتوا .. سنين عمرى كلها مقدرتش تعلمهالى .. اطمنى يا أمى .. أنا مش ممكن اضايقها أبدا ..
سلمى : ميرسى يا حبيبى .. ربنا يابنى يعوضك خير انت واختك .. وبسمة كمان ياربى ..
جمال : بس قوليلى .. انتى خرجتى كده وسيبتى الولاد مع بسمة .. ياترى كنتى فين .. ؟

اضطربت سلمى قليلا ولكنها قبل ان تجيب سمعت صوتا قادما من حجرة الأولاد ولاحظت بسمة تخرج من الحجرة وهى تحمل ملك .. فقالت لها : بسمة حبيبتى .. تعالى .. تعالى أعرفك بجمال ابنى ..
اقتربت بسمة منهما وهى تحمل ملك التى كانت تحاوط رقبتها وتلقى برأسها على كتفها وهى لاتزال بين النوم واليقظة .. فقالت بسمة : السلام عليكم ..
ردت سلمى وجمال فى صوت واحد : وعليكم السلام .. واكملت سلمى .. تعالى يا حبيبتى اقعدى .. ملك تقيلة على ايدك .. فبادر جمال ومد يده يتلقى ابنته منها ولكن ملك ابعدت يده عنها وهى تحكم يدها الأخرى على رقبه بسمة متشبثة بها بشدة ..

نظر اليهما جمال وهو يبتسم وقلبه تغمره سعادة لا يعرف لها سببا وهو يقول : كده يا ملوك .. بعتى بابى بالسرعة دى .. ثم نظر الى بسمة نظرة خاصة وهو يقول .. بس عموما أنا عاذرك ..
احمر وجه بسمة من الخجل من اطراء جمال لها الغير مباشر وتعقد لسانها ولم تستطع ان تعلق على ما قال ..

حاولت سلمى ان تخفف من الموقف ومن الاضطراب الواضح على بسمة وفى نفس الوقت تبدأ خطتها الخاصة بهم .. فقالت : ايه رأيكم تقعدوا انتم تتعرفوا على بعض بطريقتكم وأنا حدخل المطبخ أحضر لكم الغدا بسرعة ..ثم تركتهم واسرعت الى المطبخ قبل أن تعتذر بسمة عن المكوث معهم اكثر من ذلك ..
وجدت بسمة نفسها وجها لوجه تقف أمام جمال الذى دعاها الى الجلوس : اتفضلى استريحى يا بسمة .. انتى شايلة ملك من بدرى .. اكيد تعبتك هى واخوها ..
بسمة فى تلعثم : أبدا حضرتك .. دول زى العسل ومسليين جدا ..
جمال : وليه بقى الرسميات دى .. ما أنا لسة قايلك يا بسمة من غير حضرتك ولا حاجة .. ولا انتى من النوع اللى بيحب الألقاب والكلام ده .. على فكرة .. احنا تقريبا نعتبر من جيل واحد .. يعنى ممكن تنادينى جمال كده حاف من غير ألقاب ..
ردت بسمة بخفة دمها المعهودة : أوكى يا جيمى ..
جمال وهو يضحك .. وقد مضى عليه كم طويل من الوقت لم يضحك فيه ولو مرة واحدة : أيوة كده .. أهو ده الكلام ..

مرت دقائق قليلة كان فيها جمال هو الذى يتكلم .. لا يدرى من أين جاء بكم هذا الكلام ولماذا كان يقوله .. فقد حدثها عن عمله الجديد .. وعن أولاده وسلوكياتهم التى يعانى منها هو وجدتهم منذ وفاة أمهم .. وكانت بسمة تستمع اليه وتجاريه فى الكلام الذى تعرفه وسمعته من قبل عن طريق امه.. ولكن كان فكرها مع شريف الذى يجب أن تذهب اليه فى ذلك الوقت .. فانتهزت فرصة استيقاظ ياسين وحضوره اليهم فى صالة البيت يبكى لأنه قام من النوم ولم يجد أحدا بجواره .. فأسرعت اليه بسمة تحتضنه وتضمه اليها ثم قالت تعالى يا حبيبى نشرب ميه من المطبخ ونشوف تيته بتعمل ايه ..

دخلت الى المطبخ وهى تقول بصوت خافت : طنط سلمى .. أنا لازم امشى دلوقتى .. ميعاد شريف زى ما انتى عارفة ..
سلمى : طيب ممكن تتغدى معانا وبعدين تروحى ميعادك .. ولو انى عايزاكى تعوديه على بعدك شوية شوية ..
بسمة باسى وحزن : مقدرش يا طنط .. أنا بستنى الميعاد ده اكتر منه .. يمكن علشان أنا عارفة النهاية .. واننا حنفترق قريب .. فبحاول إنى اكون جنبه أطول وقت ممكن ..!!
اقتربت منها سلمى فاحتضنتها وهى تقول : يا حبيبتى يا بسمة .. أرجوكى متزعليش .. ان شاء الله ربنا حيعوضك انتى وشريف باللى يسعدوكم .. طيب يا بسمة .. روحى انتى ميعادك يا حبيبتى علشان متتأخريش .. وابقى كلمينى لما ترجعى علشان اقولك اللى حصل مع نادر ..
بسمة : أكيد يا حبيبتى .. يا للا باى .. ألقت تحيتها عليها وهى تناولها ياسين الذى كان متخذا وضع ملك معها منذ قليل ..

خرجت من المطبخ فلم تجد جمال فى صالة البيت فحمدت ربها كثيرا .. وفتحت باب الشقة فى هدوء وخرجت ..

خرج جمال بعد قليل من حجرته وهو يحمل ملك التى قد طلبت منه شيكولاتة فدخل الى حجرته يحضرها لها وعندما خرج وجد سلمى تضع الأطباق على السفرة وياسين يتبعها .. فقال لها : أمال فين بسمة ..؟
سلمى : بسمة استاذنت يا حبيبى .. عندها مشوار راحت تقضيه ..
جمال : طيب مش كانت تتغدى الأول ..
سلمى : خافت تتأخر على ميعادها ..
جمال : بس أنا حاسس فعلا انها قريبة منك أوى يا أمى .. يا ترى ايه السر ..
سلمى : ولا سر ولا حاجة .. هى بنت ممتازة .. وانا حبيتها زى هى ما حبيتى .. وهى الوحيدة اللى فضلت جنبى بعد وفاة مصطفى الله يرحمه .. ثم قالت بلوم : لأنى وقتها ملقتش حتى ولادى جنبى .. وكانوا مشغولين بتجهيز اجراءات الهجرة علشان يسيبوا امهم ويسافروا .. عرفت ليه بقى هى قريبة منى أوى ..
جمال وهو مطرقا برأسه الى الارض خجلا ثم يقترب من والدته فيحتضنها بالذراع الأخرى التى لا تحمل ملك : أنا آسف يا أمى .. حقك عليا ..
سلمى : ابدا يا حبيبى متتأسفش .. أنا مش زعلانة منكم .. انتم كنتم بتدوروا على الأحسن ليكم ولولادكم ..
جمال : لا يا أمى .. احنا كنا مجرد اتنين أنانيين عمرنا ما فكرنا غير فى نفسنا واللى احنا عايزينه وبس .. عمرنا ما فكرنا اد ايه احنا كنا جاحدين لفضلك وفضل بابا الله يرحمه .. علشان كده ربنا عاقبنا العقاب الشديد ده ..
سلمى : لا يا جمال متقولش كده يا حبيبى .. ده مش عقاب من ربنا .. اللى حصل ده فى النهاية خير لك ولأختك بدل ما كنتم تعيشوا طول عمركم مخدوعين .. وأى تجربة مؤلمة بيمر بيها الانسان اكيد بيتعلم منها ويستفيد كتير .. وزى ما بيقولوا الضربة اللى ما بتموتش بتقوى .. وان شاء الله تخرجوا انتم الاتنين من التجربة دى أقوى واحسن ليكم ولأولادكم ..
جمال : تفتكرى !! .. تفتكرى يا أمى حقدر اقف على رجلى من جديد وانسى اللى حصل ..
سلمى : يا ابنى الدنيا ما بتقفش .. الدنيا مستمرة مهما حصل فيها من احداث مؤلمة .. ومهما فقدنا فيها .. المهم يبقى عندنا الارادة والرغبة فى البدايات الجديدة .. انسى يا جمال اللى حصل .. وفكر فى ولادك ومستقبلهم ومستقبلك .. انت يابنى ادامك مشوار طويل معاهم .. لو مش حتكون قوى .. مين اللى ممكن يكمل معاهم المشوار غيرك ..
جمال : عندك حق يا أمى .. أنا لازم اكون أقوى من كده .. لازم أفكر فى مستقبل ياسين وملك .. لازم اربيهم على الاخلاق اللى ترضى ربنا واديهم من وقتى .. أنا حاسس انى أهملتهم فى الفترة اللى فاتت .. علشان كده سلوكياتهم اتغيرت للأسوأ .. بس صدقينى موضوع سلوكهم ده بدأ من زمان لأنى انا وأمهم أهملنا تربيتهم وانشغلنا بالشغل والخروج والسهر .. وسيبناهم للدادة هى اللى تربيهم .. أنا من هنا ورايح حكون لهم الأب والأم .. وربنا يعينى على تربيتهم وتقويم سلوكياتهم ..
سلمى : كلام جميل .. بس صدقنى يا جمال .. الراجل لوحده ميقدرش يقوم بدور الأب والأم فى نفس الوقت .. يمكن الأم تقدر . بس الراجل ميقدرش ..علشان كده انت لازم تتجوز ..
قاطعها جمال بلهجة وكأن عقرب قد لدغه : انتى بتقولى ايه يا أمى .. أنا بعد اللى حصل ده اثق فى واحدة تانية واتجوزها .. ده من رابع المستحيلات .. من رابع المستحيلات يا أمى ..
سلمى بهدوء : اهدى يا جمال واقعد واسمعنى كويس .. سكتت قليلا الى ان جلس جمال امامها وقد ترك ملك على الأرض تلعب امامهما مع أخيها ثم قالت : مش كل الستات يا ابنى زى سمر الله يرحمها ويغفر لها .. يا ما فيه ستات كويسة فى الدنيا مبتعملش الغلط .. لانها بتخاف ربنا .. ولو كل الستات زى سمر .. يبقى أمك واحدة منهم ..
جمال : انتى بتقولى ايه يا أمى .. ايش جاب لجاب ..
سلمى : متخليش اللى حصل يا ابنى يفقدك الثقة فى نفسك وفى الستات .. ولازم تعترف ان الاختيار من الأول كان غلط .. لا هى كانت من توبك ولا انت كنت من توبها .. وبعدين انت لسة صغير وفى أول شبابك .. يعنى مش معقول حتقضى بقية حياتك من غير ست .. وبرضه مش من الصح انك تعاشر ست فى الحرام لأن رغباتك كراجل حتقوى عليك شوية شوية مع الوقت .. والأهم من كل ده هو حاجة ولادك لأم بديلة ترعاهم وهمه لسه صغيرين بالشكل ده .. فكر يا جمال .. فكر يا حبيبى .. ثم اكملت بابتسامة : ولو وافقت أنا ياسيدى عندى لك ست الستات اللى اضمنها لك برقبتى ..

لم يرد عليها جمال ولم يسألها من هى .. فقد كانت كل ذرة فى عقله وجسده فى هذا الوقت ترفض الفكرة من الأساس ..

لاحظت سلمى سكونه ونظرته الغاضبة فعلمت انها قد أثارت ذكرياته القريبة بكل ما فيها من سوء يغضبه .. فقالت : ياللا يا حبيبى .. ابدأ غداك .. ومعلش اعذرنى النهاردة الغدا مش اد كده .. لأنى خرجت ..
انتبه جمال لمسألة خروجها فعاود سؤالها من جديد : صحيح هو انتى خرجتى لفين ؟
سلمى وهى مترددة .. هل تفاتحه الآن وهو فى غضبه من الذكريات التى اشتعلت فى وجدانه من جديد ؟!! أم تؤجل الاجابة لوقت آخر : خلص انت غداء على ما اعمل لك العصير وبعدين نقعد نتكلم .. فيه موضوع كنت حابة اكلمك فيه ..

انهى جمال غداؤه .. وكانت سلمى قد اعدت كوبين من العصير وجلست هى وحفيديها فى الانتريه فى انتظار قدوم جمال الذى اتى بعد دقائق معدودة وجلس معهما وهو يقول : خير يا أمى .. يا ترى ايه الموضوع اللى عايزة تكلمينى فيه ؟
سلمى وقد حاولت استجماع شجاعتها فالقت بالجملة مرة واحدة : باختصار .. وبدون مقدمات .. أنا حتجوز ..
أبعد جمال كوب العصير عن شفتيه بعد ان رشف نصف رشفته الأولى وهو يقول بتعجب : ايه .. بتقولى ايه .. تتجوزى .. ازاى .. يعنى ايه تتجوزى ..؟!! ايه الكلام الغريب اللى بسمعه منك ده ..
سلمى وقد بدأ الغضب والاضطراب يسيطر عليها : أيوة يا جمال حتجوز .. واعتقد انى مش حعمل حاجة حرام .. ودى حياتى .. زى ما انت واختك ليكم حياتكم اللى اخترتوها بنفسكم واخدتم قرارات كتيرة فى حياتكم احنا مكناش موافقين عليها وفى الآخر عملتم اللى انتم عاوزينه .. أنا كمان لى حياتى .. ومن حقى اقرر فيها اللى يريحنى طالما انه لا حرام ولا عيب ..
أيقن جمال انه لا فائدة من الاعتراض .. فمن الواضح ان امه قد اتخذت قرارها وانتهى الأمر .. فقال فى سخرية : ويا ترى مفكرتيش فى الناس واللى حيقولوه لما تتجوزى تانى فى السن ده ..
سلمى : على فكرة يا جمال .. أنا مش كبيرة أوى للدرجة دى .. والموضوع ده موضوع شخصى .. يعنى يخصنى أنا واللى حتجوزه وبس .. والناس اللى بتتكلم عنهم كتير منهم لو مكانى حيعملوا زى ما انا حعمل ..
جمال : طيب مفكرتيش فيه وفى ملك ويا سين .. مين حياخد باله مننا ..
سلمى : صدقنى يا جمال يا حبيبى .. لو أنا مش متأكدة ان الأفضل لك وليهم انك تتجوز ويكون لهم ام بديلة سنها قريب من سنهم .. صدقنى أنا كنت رفضت موضوع الجواز ده وعشت ليكم اراعيكم .. بس أنا عارفة انك فى يوم من الأيام مصيرك تتجوز .. حتى لو كنت رافض الفكرة دلوقتى .. الأحسن انك تتجوز وولادك لسة صغيرين بالشكل ده .. لأن كل تأخير فى الجواز حيعمل فجوة بينهم وبين اللى حتتجوزها .. لانهم ساعتها حيكونوا كبروا .. وساعتها حتكون بالنسبة لهم مرات أب مش أم بديلة ..

لم يجد جمال كلاما آخر يرد به على امه .. فقد ألجمته حجتها .. فسكت طويلا ثم قال بسخرية ملحوظة : ويا ترى مين سعيد الحظ اللى حيكون من نصيب أمى ؟
تجاوزت سلمى السخرية الواضحة فى سؤاله وقالت بثبات : الاستاذ نادر..
رد جمال بصوت عال نوعا ما : نادر .. نادر المحامى ؟!!
سلمى بغضب : أيوة .. واسمه انكل نادر .. ده فى مقام أبوك .. مينفعش تقول نادر كده من غير انكل .. زى ما انت متعود تناديه دايما .. وبعدين ايه عيبه نادر ..؟


تفاجأ جمال برد فعل امه وغضبها منه ومن لهجته فتدارك الأمر وقال : لا أبدا .. مفيش عيب ولا حاجة .. نادر .. اقصد انكل نادر طول عمره قريب مننا واعتقد انه انسان كويس .. بس حدود علمى انه عنده بنت فى سن المراهقة .. هو حضرتك عارفة الموضوع ده ولا لأ ..
سلمى : أكيد عارفة .. وحكى لى عنها .. ثم قالت وهى تبتسم .. وبعدين ما أنا كمان عندى شحطين ومخلفين كمان ..
جمال : هو صحيح ليه يا ماما بنته صغيرة اوى كده .. مش المفروض انه من سن بابا ..
سلمى : ده موضوع طويل يا حبيبى .. حبقى احكيهولك وقت تانى .. دلوقتى يا ريت اسمع منك كلمة مبروك .. وعن رضا .. وقوم ياللا غير هدومك واقعد مع ولادك شوية .. أنا حاسة انى عايزة ادخل اوضتى ارتاح شوية .. لسة عندى ماتش تانى مع اختك .. حروح ازورها بكرة علشان ابلغها وبالمرة اشوف اذا كان فيه اى اخبار من الندل جوزها اللى اختفى بالشكل ده وسايبها متعلقة لاهى متجوزة ولا مطلقة ..
لاحظت سلمى الغضب بدا واضحا على وجه جمال عند ذكر سيرة ياسر .. فقالت له: ياللا يا حبيبى .. قوم شوف الولاد لحسن شكلهم زهقان من قعدتهم كده لوحدهم ..
تحركت سلمى متجهة الى غرفتها فسمعت جمال يقول لها : مبروك يا أمى ..
ابتسمت له سلمى وخطت اليه خطوتين وارتمت على صدره فضمها اليه وهو يقول .. ربنا يسعدك يا حبيبتى ..

--------------------------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-20, 12:03 PM   #95

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعتذر عن قلة تعليقات لاني اصلا تواجدي اصبحقليل جدااا
تغيرات كثيره وابطال جدد يدخلون للروايه وكل فصل تتعمق بحياة وتفاصيل كل ثنائي

سير الاحداث منطقي ومقنع

عندي ملاحظه اتمنى ان لاتعجك
رتم الروايه اصبح بطيء جدا ... وكثرة الحوارات التي لاتؤثر بالاحداث
فلا تزال الاحداث مكانك سر دون اي تطور

وبدأت تبتعد بالتدريج عن الابطال الذي بدأت بهم

دخلت حكاية الدكتور والممرضه وتشعبت بها لحياتهم الخاصه ابنته المريضه بمتلازمة داون

وامير وحبه لرغد

ورغد وحبها لصديق اشرف

ثم امير وبداياته مع سكرتيرة الاب
واولاد سلمى وقصصهم

وبسمه والدكتور وابنه
والان تتجه بالاحداث الى ربط سلمى بجمال ولا ادري كيف يمكن لسلمى ان تقتنع بربط ابنها بوحده تحب ومتعلقه بزميلها وهي من مرت بتجربه مشابهة وعاشت حياة بارده

خصوصا ان بسمه لاتزال على علاقة بالزميل تريد ان تدخل بابنها وسط هذه العلاقه وايضا ماذنب شريف لتحرض سلمى على تركه بدل ان تلقن الاب درسا على جحوده وتكبره

الانفصال بين شريف وبسمه يعني انك نصرت الاب وافكاره



طول الفصل ايضا قصير جداا واصبح فصل اسبوعي

انا كقارئة اشعر اني انسى احداث اي ثنائي الى ان يصل له الدور كل كم فصل

كنت افضل ان تكن هذه القصص الجديده حكايات لروايات اخرى

وان تكون سلسلة متصله على ان تكون الاحداث منتهيه

ويمكن ان تكون روايات اخرى لشخصيات كانت ثانويه ورد اسمها ونتعرف على حكاياتهم باجزاء اخرى

اتمنى ان اكون قد وضحت رأيي بشكل صحيح

واتمنى ان تطيل الفصل اكثر بعد ان تشعبت الحكايات وان يكون اكثر من ثنائي موجود كل فصل

لاتنسى ان طول فصولك مخالفه للقانون الموجود مع القوانين

ان شاء الله الاسبوع القادم اعرف اخبار اجلال وامير واشرف ورنين الذي نسيت اين هما الان وهل لازالت رغد تراوح مكانها وساره وحبها من طرف واحد وباقي حكاية اولاد سلمى وبسمه وعائلة الدكتور


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 14-08-20, 07:26 PM   #96

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة um soso مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعتذر عن قلة تعليقات لاني اصلا تواجدي اصبحقليل جدااا
تغيرات كثيره وابطال جدد يدخلون للروايه وكل فصل تتعمق بحياة وتفاصيل كل ثنائي

سير الاحداث منطقي ومقنع

عندي ملاحظه اتمنى ان لاتعجك
رتم الروايه اصبح بطيء جدا ... وكثرة الحوارات التي لاتؤثر بالاحداث
فلا تزال الاحداث مكانك سر دون اي تطور

وبدأت تبتعد بالتدريج عن الابطال الذي بدأت بهم

دخلت حكاية الدكتور والممرضه وتشعبت بها لحياتهم الخاصه ابنته المريضه بمتلازمة داون

وامير وحبه لرغد

ورغد وحبها لصديق اشرف

ثم امير وبداياته مع سكرتيرة الاب
واولاد سلمى وقصصهم

وبسمه والدكتور وابنه
والان تتجه بالاحداث الى ربط سلمى بجمال ولا ادري كيف يمكن لسلمى ان تقتنع بربط ابنها بوحده تحب ومتعلقه بزميلها وهي من مرت بتجربه مشابهة وعاشت حياة بارده

خصوصا ان بسمه لاتزال على علاقة بالزميل تريد ان تدخل بابنها وسط هذه العلاقه وايضا ماذنب شريف لتحرض سلمى على تركه بدل ان تلقن الاب درسا على جحوده وتكبره

الانفصال بين شريف وبسمه يعني انك نصرت الاب وافكاره



طول الفصل ايضا قصير جداا واصبح فصل اسبوعي

انا كقارئة اشعر اني انسى احداث اي ثنائي الى ان يصل له الدور كل كم فصل

كنت افضل ان تكن هذه القصص الجديده حكايات لروايات اخرى

وان تكون سلسلة متصله على ان تكون الاحداث منتهيه

ويمكن ان تكون روايات اخرى لشخصيات كانت ثانويه ورد اسمها ونتعرف على حكاياتهم باجزاء اخرى

اتمنى ان اكون قد وضحت رأيي بشكل صحيح

واتمنى ان تطيل الفصل اكثر بعد ان تشعبت الحكايات وان يكون اكثر من ثنائي موجود كل فصل

لاتنسى ان طول فصولك مخالفه للقانون الموجود مع القوانين

ان شاء الله الاسبوع القادم اعرف اخبار اجلال وامير واشرف ورنين الذي نسيت اين هما الان وهل لازالت رغد تراوح مكانها وساره وحبها من طرف واحد وباقي حكاية اولاد سلمى وبسمه وعائلة الدكتور


السلام عليكم .. وعودا حميدا .. وشكرا على كل كلمة فى هذا النقد المنتظر ..
ارجو ان تصدقينى ان قلت لك اننى كنت انتظر هذا النقد منذ فترة .. بل كنت احتاج اليه ليؤيد رأى تردد بداخلى منذ عدة فصول ..
اوافقك الرأى فى جزئية تشعب الشخصيات والأحداث .. فعلا .. أشعر بذلك وقد كنت فى وقت من الأوقات أفكر فى هذا وكنت فى مفترق طرق من أن اكمل الرواية بهذه الطريقة أو أن اجعلها سلسلة تنتهى أولها بالشخصيات التى بدأت بها الرواية .. ولكن يبدو اننى قد اتخذت القرار الخاطئ .. أو بالأحرى القرار الصعب لى وعلى القراء .. ومن حق القارئ أن اعتذر له على هذا الخطأ ..

أما بالنسبة لقصر الفصول وانها تحتوى على احداث لشخص أو شخصين فقط فى الفصل الواحد .. فهذا أيضا يحتاج منى الى اعادة النظر .. ولكن أرجو المعذرة فالأحداث الشخصية والعامة التى يمر بها العالم قد تؤثر أحيانا على تركيزنا فيما نعمل أو على انتاجنا .. وقد يشمل هذا الانتاج الأدبى .. ولكن أعد بتدارك ذلك قريبا ..

قد أخالف رأيك فى أن الأحداث بطيئة والحوارات متكررة .. لكن قد يكون سبب الشعور بذلك هو تشعب الأحداث ووجود شخصيات جديدة .. واصدار فصول احيانا قصيرة كل أسبوع بعد أن كانت طويلة وتصدر مرتين بالأسبوع .. علاوة على أن الروايات الطويلة فى رأيئ يجب أن تكون فيها حوارات طويلة .. وحتى إن تكررت فهذا يخدم الرواية للدخول الى اعماق الشخصية ومعرفة دوافعها لتصرف ما .. كما أن وصف الشخصيات ووصف مشاعرهم فى موقف ما يوصل القارئ الى فهم طبعه ومكنون نفسه وذاته ويجعل القارئ يتفهمه ويعيش معه متعاطفا كان ام مختلفا .. ولكن لعلى لا أشعر بالتكرار وبطئ الأحداث لانى أنا الكاتب .. لذا أرجو اعطاء أمثلة من الرواية حدث فيها تكرار للحوارات أو الأحداث ..

والآن دعينى أجيب على النقد الآخر الخاص بالشخصيات والأحداث ..
بالنسبة لجلال والدكتور عبد القادر .. فقد انتهت قصتهما عند اكتشاف حمل اجلال .. على أن تستكمل فى رواية جديدة باذن الله .. وأعتقد هذا أفضل ..
بالنسبة لسلمى وامنيتها فى أن ترتبط بسمة وابنها .. فهذا شيئ طبيعى .. ويحدث فى الحقيقة .. فكل منا لديه القدر الخاص به من الأنانية .. حتى وان مر فى يوم ما بمثل هذه الظروف .. فنحن نعيش فى عالم مليئ بالمتناقضات والآنانية .. ثم انها أمنية تتحول تدريجيا الى رغبة .. قد تتحقق وقد لا تتحقق .. وربما كان فى حدوثها خير للجميع أو شر للبعض .. فى النهاية نحن لا نعيش فى المدينة الفاضلة .. ودعى الأحداث القادمة هى التى تجيب .. وسلمى لا تحرض بسمة على ترك شريف .. هى فقط وافقتها على الابتعاد عنه وهذا منطقى طبقا للفرق الاجتماعى الواسع بين العائلتين .. ثم جاءتها الفكرة عندما شعرت بحنان بسمة على اولاد جمال .. ثم تحولت امنيتها لرغبة حبا فى ابنها ومصلحته خصوصا بعد ان ادركت ان ارتباط بسمة وشريف اصبح من الصعب ان يتحقق .. لأسباب عديدة .. أهمها هو الاهانة التى تعرضت وتتعرض لها بسمة من ابو شريف .. ثم ان الواقع يقول انها اذا ارتبطت به رغم ارادة ابيه فهى الخاسرة الوحيدة هى واهلها فى تلك المعركة التى لا يجب ان تكون هى طرف فيها .. بل يجب على شريف وأمه خوض هذه الحرب مع ابيه وان يجنباها ما تلقى من ابيه من اهانة لها ولأسرتها وتهديده لمستقبلها .. فشريف هرب من مواجهة والده بالمرض وفقد بصره .. وأمه الى الآن لا حول لها ولا قوة أمام هذا الزوج المستبد وعديم الأصل .. وليس انفصال بسمة عن شريف هو انتصار الاب .. بل هو تحقيق ارادة الله فى خلقه .. و الدنيا ليست نهاية تحقيق العدل فهناك الآخرة حيث عند الله تلتقى الخصوم .. بل ربما اراد الله ان يرتبط شريف باخرى هى التى تستطيع ان تنتقم من والده لبسمة .. ثم من قال ان الخير لبسمة وشريف هو ان يكونوا زوجين فى النهاية .. الحياة ليست كذلك .. ومن خبرتى بالحياة والأحداث التى مررت بها ومرت بمن حولى تدل على ان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .. ليكتشف فى النهاية ان الرضا بقضاء الله واختياره لنا هو الخير .. وكننا لاندرك هذا فى البداية ولذا نبذل كل المحاولات لعلنا نحصل على ما نريد ..

الشخصيات التى بدأت بهم الرواية لا يزالون يذكرون فيها وتتواجد لهم احداث وحوارات .. فهاهى سلمى تعيش فى خضم الأحداث بين علاقتها بنادر المحامى وما يحدث لأولادها من جهة وما يحدث لبسمة من جهة أخرى .. وهاهى أمينة تنعم بحب وعطاء خالد بعد حرمان السنين .. وأمجد يعيش فترة تغيير كبيرة وتجربة حب أخرى فى حياته التى مرت فى حب امرأة واحدة كان ولا يزال ارتباطه بها مستحيلا .. وربما يكون لتوفيق احداث فى هذه الرواية أو رواية قادمة باذن الله ..

رغد لازالت تعيش فى حب ايمن وتعيش معه القلق على صحته وسنعرف قريبا ما حدث لهما .. وامير تدخل سارة قلبه رويدا رويدا .. وغادة وتجربة حب جديدة .. ولكنها صعبة وغير منطقية .. ولكن من قال أن للحب منطق .. لن يتقبل من حولها بسهولة هذا الحب .. ورنيم وحملها وكيف ستتغير حياتها بعد الانجاب .. وأولاد سلمى ومصير كل منهم .. الأحداث مازالت مستمرة ولكنها سوف تنتهى قريبا .. ربما لتبدأ روايات أخرى منبثقة من النهايات الحالية ..


مرة أخرى .. شكرا على النقد البناء .. وأرجو أن يستمر ...


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-08-20, 06:13 PM   #97

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل الثامن و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل الثامن والثلاثون

عقد امجد العزم على الزواج .. كان معجبا ولو قليلا بالمهندسة نهلة التى قابلها عدة مرات بالمكتب الفنى بشركة خالد .. بالطبع لم يصل اعجابه بها الى درجة الحب .. أو حتى قد اقترب منه .. ولكن جمالها وشخصيتها قد لفتت نظره اليها ..
نهلة من نفس طائفة أمجد .. عمرها تعدى الخامسة والثلاثين بشهور .. لم يسبق لها الزواج من قبل .. عاشت فى بداية حياتها العملية قصة حب انتهت بخطوبة لمهندس زميل لها بشركة خالد .. ولكنه وافته المنية اثر حادث سير قبل زواجه منها بشهور .. عاشت على ذكرى حبه سنوات ترفض ان تتزوج غيره حتى فاتها كما يقولون قطار الزواج ..
عندما عقد امجد العزم على ان يتعرف عليها بغية الزواج منها تكلم مع خالد وصارحه باعجابه بنهلة وطلب منه الرأى والمشورة .. وبالطبع شجعه خالد على على ان يتقرب منها ويتعرف عليها وحكى له قصتها منذ اتت بعد التخرج مباشرة الى شركة خالد تعمل كمهندسة تصميمات .. ولكنه حذره من قوة شخصيتها التى قد تعتبر الى حد ما شيء غير محبب لبعض الرجال .. كما انها تحب عملها الى حد كبير ولا يعتقد انها سوف تتخلى عنه بسهولة ..
رتب خالد اللقاء بينهما فى مكتبه بشكل عفوى .. فدعا نهلة الى مكتبه فى وجود أمجد ..
دخلت نهلة الى المكتب وهى تقول مبتسمة : صباح الخير يا باشمهندس .. الآنسة سارة بلغتنى ان حضرتك عايزنى .. تحت أمرك ..
كان أمجد جالسا على احد مقاعد الانتريه الخاص بمكتب خالد فى جانب من الحجرة فلم تلاحظ نهلة وجوده ..
رد خالد يشاور تجاه أمجد : باشمهندسة نهلة .. انتى طبعا اتقابلتى مع المهندس أمجد قبل كده ..
نظرت نهلة تجاه أمجد وهى تبتسم وتقول : ايوة طبعا يا فندم .. اتقابلنا فىى المراجعات الفنية لمشروع القرية السياحية بالساحل الشمالى .. أهلا بيك يا باشمهندس أمجد ..
وقف امجد واقترب من نهلة ومد يده للسلام عليها .. فمدت نهلة يدها لى استحياء لتسلم عليه ..
تكلم خالد : المهندس أمجد محتاج يستلفك ياستى عنده فى المكتب لمدة اسبوع .. عنده مشروع جديد ومحتاج خبرتك فى تدريب المهندسين الجداد .. أصله لسه معين مهندسين حديثى التخرج .. وانا بصراحة رشحتك للمهمة دى .. بس طبعا بعد موافقتك ..
نهلة بابتسامة : يا خبر يا باشمهندس .. حضرتك والباشمهندس أمجد تأمروا .. أنا تحت أمر الباشمهندس أمجد فى أى وقت .. بس حضرتك بالنسبة للمشروع اللى معايا .. يا ترى حنوقف الشغل فيه لحد ما المهمة تنتهى ولا حضرتك حتحوله لواحد من الزملا ..
خالد : أنا اتفقت مع المهندس عمر انه حيقوم بالشغل فيه .. انتى ممكن تقعدى معاه بكرة تشرحيله انتى وصلتى لفين .. وممكن تبتدى فى مكتب المهندس أمجد من بعد بكرة ..
نهلة : اللى تشوفه حضرتك .. أى أوامر تانية يا باشمهندس ؟
خالد : لا .. شكرا يا باشمهندسة .. تقدرى حضرتك تتفضلى ..
نهلة وقد استدرات لتخرج بعد أن قالت : بعد اذنكم .. ولكن استوقفها صوت أمجد وهو يقول : مهندسة نهلة .. فنظرت اليه ليقول بها بابتسامة صافية : أنا متشكر ..
ردت له نهلة الابتسامة وهى تقول : العفو يا باشمهندس .. أنا اللى متشكرة على ثقة حضراتكم في .. ثم خرجت فى هدوء ..
ظل أمجد ينظر الى الباب شاردا حتى تنبه على صوت خالد وهو يقول : ايه يا أمجد .. رحت فين ؟
أمجد : هه .. أنا معاك يا خالد ..
خالد : طيب ايه رأيك فى الترتيب ده يا عم ؟
أمجد : ممتاز .. ممتاز يا خالد .. ربنا ما يحرمنى منك ..
خالد : اعتقد ان اسبوع معاك فى المكتب كفاية انك تقرب من نهلة وتتعرف عليها كويس وتقرر يا سيدى ان كانت تناسبك ولا نشوف حد تانى ..
أمجد : مش بقولك ربنا ما يحرمنى منك .. ده انت اشتغلتلى خاطبة يا خلود .. والله لو عندى أخ مكنش حيقف جنبى ويساعدنى زى ما انت بتعمل ..
خالد : خاطبة ؟!! .. ماشى يا سيدى .. مقبولة منك .. عموما يا بخت من وفق راسين فى الحلال ..
ضحك الاثنان .. ثم هم أمجد ليغادر مكتب خالد ..
فى اليوم التالى طلب أمجد الشركة عن خالد .. وطلب أن يتكلم مع نهلة .. وبعد لحظات ردت نهلة : ألو ..
أمجد : صباح الخير يا باشمهندسة نهلة ..
نهلة : صباح الخير يا باشمهندس أمجد .. خير يا فندم .. فيه حاجة حضرتك .. احنا ميعادنا بكرة .. ولا حضرتك حابب تغير الميعاد ؟
أمجد : لا ابدا مفيش تغيير .. أنا بتصل بيكى علشان أأكد الميعاد واسألك لو تحبى ابعت لك عربية توصلك للشركة عندى ؟
نهلة : لا يا فندم مفيش داعى .. أنا عارفة مكان الشركة .. ومعايا عربيتى .. حضرتك متشغلش بالك بالأمور دى .. بكرة الصبح الساعة تمانية ونص حكون عند حضرتك باذن الله .. ولا حضرتك تحب قبل كده ؟
أمجد : لا .. لا .. تمانية ونص كويس جدا .. أنا متشكر جدا .. وفى انتظارك يا باشمهندسة ..
نهلة : العفو يا باشمهندس .. مع السلامة ..
أمجد : مع السلامة يا باشمهندسة ..
وصل أمجد الى شركته فى تمام التاسعة الا ربع .. لاحظ نهلة التى قد وصلت قبله بعشرون دقيقة .. كانت تنتظره عند موظفة الاستقبال التى تعرفها جيدا ولهما علاقة سطحية نشأت خلال المقابلات البسيطة بينهم ..
توجه أمجد اليهما وألقى تحية الصباح بابتسامة لنهلة التى بادلته التحية بابتسامة بسيطة ..
أمجد : مواعيد تمام يا باشمهندسة .. زى شغلك بالظبط ..
نهلة : ميرسى يا باشمهندس ..
أمجد : ممكن تتفضلى فى مكتبى .. خلينا فى الأول ناخد قهوتنا واحنا بنتكلم على المشروع .. والدور اللى حضرتك حتهتمى بيه فى تدريب المهندسين الجداد ..
نهلة : اللى تشوفه حضرتك ..
اتجه أمجد الى غرفة مكتبه .. كانت نهلة تمشى الى جواره .. وعندما وصل الى باب الغرفة فتحه وابتعد قليلا حتى تدخل نهلة أولا وهو يقول : اتفضلى يا باشمهندسة نهلة ..
دخلت نهلة الى الغرفة فأشار اليها أمجد لتجلس : اتفضلى استريحى .. تحبى تشربى ايه ..؟
نهلة بابتسامة : ميرسى .. أنا شربت نسكافيه قبل ما حضرتك توصل .. تحب حضرتك نبتدى ازاى ؟
أمجد وهو مضطرب يرتب بعض الأوراق على مكتبه : ومالك مستعجلة كده ليه .. عموما ياستى .. حنبتدى بعد نص ساعة .. أنا حابب فى الأول انك تتعرفى على المهندسين الجداد اللى حتكونى مسئولة عن تدريبهم على التصميم باستخدام برنامج الأوتوكاد .. المهندس خالد شكرلى جدا فى استخدامك للبرنامج ده بمهارة .. علشان كده احنا حنجتمع بيهم فى الأول نتعرف على امكانيات كل واحد فيهم ومدى معرفته بالبرنامج .. بس فى الحقيقة فيهم مهندس حيوصل متأخر شوية .. أصلة راجع من بلده فى الصعيد ..
سكت للحظات ثم قال : أنا حطلب قهوة .. لو تحبى يا نفين اطلب لك حاجة تشربيها واحنا بندردش سوا على ما يوصل كل المهندسين ..
نهلة وقد لفت انتباهها انه أخطأ فى اسمها .. ولكنها لم ترغب فى ان تشير أو تصحح له هذا الخطأ وأعتبرت الأمر خطأ غير مقصود .. وكثيرا ما يحدث بين البشر .. لذا ردت عليه بابتسامة بسيطة : مفيش مانع .. ممكن عصير ليمون لو سمحت ..
رفع امجد سماعة التليفون وهو يقول لها : أوى .. أوى .. ثم طلب من ساعى البوفيه احضار القهوة والليمون ..مرت ثوانى قبل أن يسألها : يا ترى يا باشمهندسة انتى مستريحة فى الشغل مع المهندس خالد ؟
نهلة : بصراحة جدا .. الباشمهندس خالد راجل ذوق جدا وبيفهم فى شغله كويس أوى .. وأكتر ما بيميزه أنه بيسمع آراء الناس اللى شغالة معاه ..
أمجد : بصراحة خالد طول عمره بتاع شغل وبيعرف يختار الناس اللى تشتغل معاه .. علشان كده ربنا كرمه بيكى .. أنا بسمع انك شاطرة أوى فى مجال التصميمات بالكمبيوتر وعندك أفكار مدهشة فى التصميم المعمارى ..
نهلة : ميرسى يا باشمهندس ..
أمجد : لا بجد يا نفين .. لو تسمحيلى اناديكى كده من غير ألقاب ..
قاطعته نهلة هذه المرة وهى تقول بضيق نوعا ما : اذا كان على الألقاب فأكيد معنديش مانع ان حضرتك تنادينى بإسمى مجرد .. بس مش اسم حد تانى ...
تنبه الى ردها ولهجتها الغاضبة : مش فاهم .. تقصدى ايه بحد تانى ..؟
أقصد ان مفيش مانع تنادينى بنهلة من غير باشمهندسة .. بس مش نفين !!
أمجد وقد شعر وكأن جردل من الماء المثلج قد انسكب عليه للتو .. ادرك انه لا محالة أخطأ ونادى نهلة باسم نيفين فقال متلعثما : آسف يا باشمهندسة نهلة .. الظاهر انى اخطأت بدون قصد ..
نهلة وهى تبتسم : مش قلنا حضرتك ممكن نشيل الألقاب .. ولو ان عندى فضول أعرف مين نيفين .. بس ده لو حضرتك معدكش مانع ..
تفاجئ أمجد بما قالت ولكنه تدارك الموقف السخيف الذى وضع نفسه فيه وقال : أبدا يا ستى .. نيفين دى واحدة قريبتى عندها مشاكل مع جوزها وولادها وكانت بتكلمنى طول الليل تشتكى لى منهم علشان كده الاسم معلق معايا شوية من امبارح .. متآخذنيش انى ناديتك باسمها ..
نهلة وهى تبتسم مرة أخرى : لامفيش داعى للأسف يا باشمهندس .. بتحصل كتير .. أنا شخصيا قعدت شهور بعد وفاة خطيبى تقدست روحه أنادى معظم الزملا باسمه .. قالتها وقد اكتسى وجهها بلمسة حزن واضحة ..

أمجد بأسف : قدس الله روحه .. سكت قليلا وكان على وشك ان يبدأ فى مواساتها .. ولكن قاطعه جرس تليفون المكتب الداخلى .. فالتقطه أمجد لتخبره السكرتيرة بأن جميع المهندسين قى حضروا بغرفة الاجتماعات .. فرد عليها أمجد : من فضلك بلغيهم انه عشر دقائق وحنبتدى الاجتماع ..
استغرق الاجتماع بين نهلة والمهندسين حوالى الساعتين .. حضر أمجد خلالهما حوالى ربع ساعة فقط ثم ترك نهلة لتشرح لهم خطة وموضوعات وبرامج التدريب ..
بعد الاجتماع اخبرت السكرتيرة نهلة بأن هناك حجرة خاصة اعدوها فيها مكتب لها .. قامت بتوصيلها الى تلك الغرفة ثم أخبرتها أن تذهب الى مكتب أمجد بعد أن ترتب مكتبها وتستريح قليلا بعد الاجتماع .. واخبرتها أن امجد ينتظرها فى مكتبه بعد ساعة من انتهاء الاجتماع ..
انتهى وقت الراحة فذهبت نهلة الى مكتب أمجد فاستقبلها بابتسامة عريضة مرحبا بها مرة أخرى ..
تكلما فى البداية عن الاجتماع وما تم فيه وعن رأى نهلة فى مستوى واستعداد المهندسين الذين ستقوم بتدريبهم .. ثم تكلموا عن جدول التدريب على البرامج خلال اسبوع تواجد نهلة معهم ..
ساد الصمت بينهما لحظات فتكلم أمجد : شوفى بقى يا نهلة .. احنا متعودين هنا فى الشركة اننا نعمل عشا جماعى للموظفين من وقت للتانى .. وبما انك تعتبرى موظفة معانا لمدة اسبوع .. فايه رأيك نعمل العشا ده اليومين دول ..
نهلة : اللى تشوفه يا باشمهندس
أمجد منتهزا فرصة موافقاتها : طيب ايه رأيك نعمل العشا ده بكرة ؟
نهلة بابتسامة مازحة : طيب مش لما تشوف نتايج للتدريب .. مش يمكن تغير رأيك فى موضوع العشا ده ..
أمجد : لا ياستى .. أنا مطمن جدا ان النتايج حتكون ممتازة .. لدرجة انى بفكر اعمل خيانة فى خالد واخطفك تشتغلى معانا هنا فى الشركة ..
نهلة : يا خبر يا باشمهندس .. لا لا .. كله الا خيانة المهندس خالد .. ده فضله كبير على اوى .. ومسمحش لحد انه يخونه ابدا ..
أمجد : وأنا كمان .. خالد عزيز علي أوى وعشرة عمرى .. ولو كان لى أخ مكنتش حبيته زيه ما بحبه.. اطمنى ..

مر اليومان وقد بدأت نهلة التدريب العملى للمهندسين .. كانت تلتقى بأمجد من وقت لآخر يتكلمون عن أمور العمل والتدريب وعن أمور شخصية ولكنها سطحية نوعا ما .. حتى جاء موعد العشاء .. وقد اتفق أمجد معها ان يمر عليها بسيارته ليصطحبها الى مكان الفندق الذى به العشاء ..
حضر العديد من الموظفين التى جمعتهم طاولة كبيرة واحدة يتناولون العشاء ويتبادلون الأحاديث والنكات والقفشات فى ضحك وجو اسرى دافئ .. جلس أمجد على رأس الطاولة وكانت نهلة على يمينه وبالصدفة جلس كمال ابن نفين على شماله مواجها نهلة يتطلع اليها بصورة ملفته .. فهى وبالرغم انها قاربت من انهاء العقد الثالث لها الا انها كانت تتمتع بجمال ونضارة فتيات العشرينات .. كانت من النوع الذى لا يظهر عليها العمر .. جمالها هادئ وبسيط وكأنها بطلة لقصة رويت فى القرن السابع أو الثامن عشر .. رفيعة ذات قوام ممشوق بالرغم من طولها المعتدل بالنسبة للاناث وبشرة خمرية صافيه .. ذات عيون رمادية .. ليست بالواسعة ولكنها تتميز بالجاذبية لمن ينظر اليها .. يعلوها حاجبين بنفس لون شعرها ومرسومين بدقة .. واسفلهما أنف دقيق وشفاه لا هى بالدقيقة ولا بالغليظة ولكنها تليق بهذا الوجه الشاحب الجذاب الذى يخفى اسرار القرون الوسطى .. شعرها يميل الى اللون البندقى المنساب بسلاسة حتى أول كتفها .. كانت تبدوا فى هذا المساء مختلفة عما تعود الجميع أن يراها بالعمل .. فهى المرة الأولى التى يراها الجميع ترتدى فستانا يبرز انوثة ورقة اكثر مما تبدوا عليه اثناء العمل فى النهار..
لا ينكر أمجد بينه وبين نفسه انها لمست بداخله شيئا من الاعجاب انساه نيفين فى هذا المساء .. تماما وربما أكثر مما لمست ما بداخل كمال ابن نيفين الذى يجلس أمامها مباشرة ينظر اليها ويسرح فى جمالها الهادى العجيب .. فهو شاب فى مقتبل العمر .. رومانسى لدرجة كبيرة .. كان يضع بخياله طوال سنوات مراهقته والى الآن مواصفات للفتاة التى يحبها .. وكان من نصيب نهلة ان تنطبق عليها تلك المواصفات .. خفق لها قلبه لحظة ان شاهدها أول مرة باجتماع الشركة واستمر يخفق الى الآن كلما شاهدها أو تذكرها فى خلوته ..
لاحظ أمجد انه لن يستطيع ان يتكلم مع نهلة كما يحب فى وجود هذا الجمع من الزملاء والجميع يشاركهم الاحاديث .. فانتهز فرصة انتهاء العشاء وقال لها : تحبى نشرب حاجة فى التراس .. الفندق هنا عندهم تراس هايل حيعجبك اوى ..
اجابت نهلة ببساطة : مفيش مانع .. اللى تشوفه حضرتك ..
خرجا سويا الى التراس وعيون كمال تتبع خطوات نهلة .. تأبى أن تغيب عنه لحظة واحدة ..

عندما دخلت نهلة الى التراس أحست بنسيم عليل يأتى من الجهة الغربية للتراس محمل بروائح جميلة للورود المزروعة فى كل مكان حول التراس والتى تظهر ألوان عجيبة بسبب الأضواء المسلطة عليها مع وجود اصوات ساحرة للموسيقى المنبعثة من اركان التراس ممزوجة بصوت خرير الماء المتدفق بسلاسة من الشلالات الصناعية فى أركان التراس .. شعرت نهلة بانتعاش ورغبة فى الانطلاق والرقص على انغام الموسيقى التى مست مشاعرها فى تلك اللحظة .. فقالت : واو .. فعلا .. مكان رائع ياباشمهندس أمجد ..
أمجد بتنهيدة : ده بقى ياستى المكان المفضل لى لما أكون فى حالة تعب أو شجن .. أو لما أكون حابب آخد قرار مهم فى حياتى ..
نهلة بفضول الأنثى : وعلى كده بتيجى هنا كتير..؟
ابتسم أمجد من سؤالها فرد عليها : السؤال بالنسبة لك مش المفروض يكون كده .. المفروض تسألينى .. ايه اكتر سبب بيخليك تيجى هنا ..
ارتبكت نهلة من رده عليها .. وشعرت بمدى ذكاؤه وقراءته لأفكارها .. ولكنها تداركت الموقف وقالت ببساطة : عندك حق .. يا ترى ايه اكتر سبب بيخليك تيجى هنا ..
أمجد بتنهيدة أخرى : الوحدة .. قالها أمجد وهو ينظر الى عينيها التى ابتعدت عن مرمى عينيه وهى تقول فى نفسها .. نعم هى الوحدة التى تجعل امثالنا ممن ليس لهم رفيق يأتون لمثل هذه الأماكن ليتعذبوا فيها بمفردهم ..
لاحظ امجد شرودها ولمسة الحزن التى اكتسى بها وجهها .. فقال لها : أنا آسف الظاهر ان كلامى فكرك بحاجات ضايقتك ..
نهلة وهى تدارى دموعا ملأت مقلتيها : لا أبدا .. حضرتك مقولتش حاجة تضايق .. بس الظاهر ان جو التراس مع الموسيقى والنسيم الجميل ده أثاروا عندى شيء من الشجن ..
أمجد بتردد : ممكن أسألك سؤال شخصى ..
نهلة : تفاجأت نهلة من طلبه .. ولكنها لا تدرى لماذا لم تستطع ان ترفض طلبه ووهى بطبيعتها لا تسمح لأحد أن يتدخل فى أمورها الشخصية .. شعرت فى تلك اللحظة ان أمجد قريب منها وكأنه صديق قديم .. شعرت انها تريد أن تتكلم .. أن تخرج ما بداخلها .. ربما قد ساهم جو المكان الذى احتواهما أن يثير عندها حالة من الشجن التى يريد فيها الانسان أن يتكلم .. يبكى .. يخرج ما بداخله الى صديق قريب من قلبه .. فأومأت برأسها فى اشارة الى موافقتها على طلبه ..
لاحظ أمجد الدموع التى برقت فى مقلتيها فلم يتحكم فى مشاعره ولا فى نفسه وهو يقول : الظاهر انك كنتى بتحبيه أوى يا نهلة .. والا مكنتيش ...... ثم سكت وقد شعر أنه تخطى حدوده معها فقد كان على وشك ان يقول لها ويذكرها بأنها لم تتزوج الى الآن بسبب حبها لخطيبها المتوفى ..
لاحظت نهلة اضطرابه وسكوته المفاجئ فقالت وهى تبتسم بحزن وأسى : تقصد مكنتش قعدت من غير جواز لغاية دلوقتى .. قولها يا باشمهندس .. أنا سمعتها كتير قبل كده.. سكتت للحظات ثم قالت : بس أنا ممكن أجوابك لانى معنديش مشكلة فى الذكرى .. والموضوع مش بيضايقنى بالمرة .. سكتت مرة أخرى وهى تشعر بغصة فى حلقها .. ثم قالت : أنا فعلا كنت بحب ميلاد جدا .. وهو كمان حبنى يمكن اكتر من حبى له .. لما اتوفى فى الحادث كنت على وشك انى اتجن .. مكنتش متصورة انى اقدر اعيش من غيره .. لكن مرت الأيام والشهور والسنين .. وأدينى أهو لسة عايشة .. لا مت ولا اتجننت .. واتعلمت .. اتعلمت من تجربتى حاجات كتير .. أهمها ان الدنيا بتمشى .. مبتستناش حد يفوق من حزنه .. واللى بيعيش ويتقوقع على نفسه لما تحصل له مصيبة بيكون اختار لنفسه انه يتخلف عن الركب .. وبيلاقى نفسه وحيد .. وساعتها هو اللى بيخسر .. بيخسر كتير .. وادينى أهو .. مثال .. بعد ميلاد كنت برفض أى حد يتقدملى .. أو حتى يحاول يتقرب منى أو يساعدنى .. لغاية ما مر بى العمر .. واكتشفت بعد فوات الأوان انى كان ممكن احتفظ بذكراه فى قلبى .. وأعيش حياتى زى اى انسانة نفسها تكون اسرة ويكون عندها زوج وأولاد .. اكتشفت ان الحب الكبير مش شرط أساسى للجواز .. يكفى انك ترتبط بانسان طيب يحبك ويقدرك ويحترمك .. أما ذكرياتك مع أى حد تانى فى حياتك فدى ملكك ومحدش يقدر يقرب منها أو حتى يحس بوجودها طول ما انت مخبيها جواك .. اكتشفت انى خليت شجرة ميلاد تحجب عنى باقى الغابة .. استخبيت وراها من الناس اللى طلبوا الارتباط منى .. وحرمت نفسى من حاجات كتير مهمة فى الحياة .. زى الزوج والونيس والأولاد .. أنا لما برجع البيت واشوف أمى كل يوم وفى عنيها نظرات اللوم والشفقة بحس انى مش بس غلط فى حق نفسى .. أنا كمان غلطت فى حقها هى كمان .. ايه ذنبها وأنا بنتها الوحيدة انى احرمها من اللى كل أم بتتمناه لبنتها .. انها تشوفها عروسة متهنية فى بيتها .. تتطمن عليها وتشيل ولادها .. بحس أد ايه أنا كنت أنانية وأنا برفض عريس ورا التانى بدون سبب مقنع ..
كان أمجد يستمع اليها وهو يشعر بكل كلمة تقولها .. ربما فكر للحظات ان نهلة لاالت تحب خطيبها السابق فكيف له ان يرتبط بها ويتزوجها وقلبها مع آخر .. حتى وان كان ليس له وجود الآن .. ولكنه تذكر انه مثلها .. فهما وجهان لعملة واحدة .. كان يشعر أنها تحكى قصته هو ووالدته وهى تحكى له عن خطيبها وأمها وسلوكها عندما حال الموت بينها وبينه .. كان يتردد فى داخله فى هذه اللحظة جملة واحدة " تعددت الأسباب .. والموت واحد " .. شعر أمجد ان تلك أول نقطة التقاء بينهما ..
ساد الصمت بينهما طويلا ونهلة تنظر الى الأفق البعيد .. وأمجد ينظر اليها والنسيم يتلاعب بشعرها كما تتلاعب كلماتها بمشاعره ..
تمنى أمجد فى تلك اللحظة أن يضمها الى صدره يخفف عنها ما تعانيه .. وتخفف هى عنه ما يشعر به وما مر به منذ أن ارتمت مشاعره فى احضان مشاعر نيفين ..

لم يقطع عليهم تلك اللحظة الفريدة بينهما سوى كمال الذى ظل يراقبهما من بعيد ونيران الغيرة مشتعلة فى قلبه وهو يرى أمجد يخلوا بنهلة بعيدا عن الجميع فى مشهد أقرب للرومانسية .. لذا .. أقترب منهما وهو يقول : لو سمحت لى يا باشمهندس .. ممكن اسأل الباشمهندسة نهلة عن حاجة فى البرنامج اللى ابتدينا نتدرب عليه النهاردة ..
انتبه أمجد بتعجب وغضب الى من يتكلم وفيما يتكلم .. خصوصا أنه لا يحب أن يخلط وقت الترفيه بالعمل وشئونه .. ولكنه حين رأى ان المتكلم هو كمال اضطرب بشدة كأنه شاهد نيفين هى من تتكلم وتقطع خلوته مع نهلة .. شعر للوهلة الأولى بأنها قد جاءت لتكتشف خيانته لها .. ولكنه تدارك الأمر سريعا قبل أن ترد عليه نهلة وقال فى ابتسامة باردة : على فكرة يا باشمهندس كمال .. المفروض ان المهندس مينا كان يقول لك تعليمات الشركة عندنا .. واللى منها اننا منتكلمش فى أمور الشغل برة الشركة أو فى غير أوقات العمل .. علشان نعرف نستمتع باللحظات اللى بنعيشها بعيد عن الشغل .. واحنا زى ما انت شايف فى حقلة لموظفين الشركة يعنى المفروض بنغير جو .. ونتمتع بوقت الحفلة علشان نقدر نرجع لشغلنا بنشاط أكبر ..
كمال .. وقد شعر بالحرج الشديد : آسف يا باشمهندس .. فى الحقيقة .. المهندس مينا قاللى على التعليمات دى .. بس أنا اللى نسيتها .. أوعدك مش حتكرر تانى .. ثم هم بأن ينصررف .. ولكن شعرت نهلة بمدى الحرج والاحباط الذى اصابه من رد أمجد عليه فقالت فى ابتسامة جميلة : لو تسمح لى يا باشمهندس أمجد .. ممكن تعمل لى استثناء بالنسبة لتعليمات الشركة ..
أمجد وهو مازال غاضبا من فضول كمال .. أو ربما من وجوده معه بالشركة من الاساس .. فقد أصبح يسبب له انزعاج من نوع خاص .. فهو عندما يراه يتذكر نيفين .. يتذكر حبه لها .. تتقلب عليه أوجاع قلبه وحنينه لها وهو الذى فى حاجة ملحة لنسيانها ليستطيع أن يمضى بسلام فى قرار زواجه .. فرد عليها بوجه خالى من التعبير : استثناء وحيد يا باشمهندسة نهلة .. علشان خاطرك .. قول يا سيدى استفسارك .. وأنا رايح أشوف باقى الزملا .. ابقوا حصلونى بعد ما تجاوبيه يا نهلة ..

بالرغم من سعادة كمال بأنه سوف يختلى بنهلة ولو لدقائق بسيطة الا انه شعر بضيق شديد من ان يناديها أمجد باسمها مجردا هكذا .. ولكنه تغاضى عن ذلك بسرعة واقترب منها وأخذ يسألها عن بعض استخدامات البرنامج .. أما نهلة فقد كانت غاضبة نسبيا .. فقد أخرجها كمال بتطفله من حالة الشجن التى كانت تعيشها بعد أن بدأت تترك للقلب عنانه فى ان يخرج ما بداخله منذ زمن .. شعرت انها كانت بحاجة لأن تستفيض فى الحديث مع أمجد الذى وان كان يكبرها بحوالى عشرين عاما .. الا انه بالنسبة لها ولمن حوله لغز تريد ان تحله .. فهو أيضا لم يتزوج الى الآن بالرغم من انه يملك كل مقومات الزواج ومن أى امرأة يرغب .. فما الذى يا ترى يمنعه الى الآن ان يفعل ..
كان الحديث بين نهلة وكمال عاديا بالنسبة لها .. ولكنه لم يكن كذلك من جهة كمال الذى كان يتغزل فى مخيلته فى جمالها وهو يقف بالقرب منها بهذه الدرجة للمرة الأولى .. يعلم كمال ان نهلة اكبر منه سنا .. ولكنه لا يعلم انها تكبره بحوالى تسع سنوات وانها من طائفة غير طائفته.. هو لا يهتم بهذا الأمر .. حتى لوكانت تكبره بعشربن عاما .. ولم يفكر بمسألة الطوائف تلك .. أو بالأحرى تناساها فى الوقت الحالى .. كل ما يشعر به الآن هو سعادته بالقرب منها .. وأنها ليست مرتبطة .. بدليل ان أصابعها خالية من خاتم الخطبة أو الزواج ..
جاوبته نهلة على اسئلته .. حاول ان يطيل اللقاء بينهما بأسئلة أخرى ولكنها اعتذرت بلباقة وذوق شديدين للانضمام للمجموعة ..
انتهى العشاء .. وبدأ الجميع فى الانصراف .. وظل كمال كما هو منذ بداية وصول نهلة مع أمجد الى الفندق يراقبها اينما تكون ..
تعمد أمجد أن يظل حتى ينصرف الجميع .. وبالطبع كانت نهلة معه تنتظر لأنه هو من سيقلها للبيت بسيارته كما اقلها فى المجئ .. أنصرف الجميع ولكن ظل كمال ينتظر ..
شعر أمجد ونهلة بسخافة الموقف .. فاضطر أمجد الى ان ينهى الأمر فقال بسخرية : ايه يا باشمهندس كمال .. انت بايت هنا النهاردة ولا حتروح .. لو حابب نحجز لك غرفة .. كان نفسى أوصلك وأنا بوصل المهندسة نهلة .. بس اعتقد ان طريقكم مختلف ..
وقف كمال فى اضطراب شديد يفرك جبهته بيده من تأثير كلمات أمجد التى وجهها له أمام نهلة .. فقال بتلعثم : لا .. ابدا يا باشمهندس .. أنا فعلا كنت على وشك استأذن وأمشى .. نظر الى الارض من الحرج واعطاهم ظهره سريعا .. وهو يقول بنرفزة وغضب : تصبحوا على خير ..
لم يهتم أمجد به أو بغضبه الواضح .. ولكن قالت نهلة : احرجته يا باشمهندس ..
أمجد : فيه أمور فى الحياة يا نهلة لازم نتصرف فيها بطريقة قاسية شوية .. وكان لازم اتصرف مع كمال بالطريقة دى لأنه مزودها حبتين ..
نهلة : ده لمجرد انه خالف التعليمات واتكلم فى امور الشغل خارج نطاق الشغل؟
أمجد : مش بس كده .. تصرفاته النهاردة عليها علامات استفهام ..
نهلة بتعجب : مش فاهمة .. ممكن توضح اكتر ..
أمجد : بصى يا نهلة .. فيه نوع من الشباب فى سن كمال خياله بيسبب له وبيسبب للى حواليه مشاكل .. أنالفت نظرى شيء فى تصرفاته .. ولو مكنش الشيء ده يخصك أنا مكنتش قولته .. بس أنا حقولهولك من باب الاحتياط .. وياريت ظنى ميكونش فى محله ..
تعجبت نهلة أكثر وهى تسأله : يخصنى أنا ..؟؟!!
أمجد : أن لاحظت أن كمال مبيشلش عنيه من عليكى فى كل مكان .. حتى وانتى بعيدة عنه بيفضل يبص ناحيتك .. واعتقد ان موضوع انه عايز يسألك فى حاجة فى البرامج ده كان حجة علشان ينهى وقفتنا مع بعض .. ويقف هو معاكى ..
نهلة فى وجوم : غريبة .. بس المفروض انى اكبر منه بكتير .. ازاى يفكر بالشكل ده .. ؟؟!!
أمجد : وكمان هو من طايفة غير طايفتنا ..
نهلة وهى تضحك وتضع يدها على فمها : طيب هو متصور ايه ؟؟ معقول الكلام ده ؟؟!!
أمجد : مش بقولك ان الخيال ممكن يسبب مشاكل للى زيه واللى حواليه .. عموما متشغليش بالك بالموضوع ده .. بس أنا عايزك تحطى حد بطريقتك علشان ما يتماداش فى تصرفاته تجاهك ..
نهلة : لا .. بسيطة .. متقلقش .. ثم مازحته قائلة : هو حضرتك مش ناوى توصلنى .. ولا عامل حسابك انك بايت هنا .. ممكن اكلم لك الفندق يحجزوا لك غرفة .. وآخد أنا تاكسى .. مفيش مشكلة ..
ضحك أمجد من مزاحها .. وضحكت هى الأخرى .. فقال لها : لا يا ستى طبعا حوصلك .. ما أنا لسة قايل الكلام ده لأبو كمال .. فضحك الاثنان مرة أخرى وسارا نحو باب الفندق ليخرجا سويا الى السيارة ..
استقل أمجد السيارة وبجواره نهلة .. ظل صامتا لدقائق كان يفكر فيها فيما فعله كمال بمقاطعته خلوته مع نهلة وقد كان الحديث بينهما يسير فى الاتجاه الذى قد يقربها منه ويقربه منها .. كان فى تلك اللحظات يحقد عليه ايما حقد .. ولكنه وجد نفسه بعد لحظات أخرى يفكر فى نيفين .. وقد نسى تماما وجود نهلة بجواره .. عادت له ذكرياته من جديد .. عاد قلبه يشتاق اليها .. الى سمعاع صوتها .. الى محادثاتهم الطويلة بالتليفون .. يحكى لها ما مر به خلال يومه .. وتحكى له ما تمر هى به .. اشتاق أن ينام بعد سماع صوتها .. هى لم تحدثه منذ أن أخبرها بأمر قرار زواجه .. لا يستطيع هو أن يطلبها حتى لا يسبب لها المشاكل .. دائما هو من ينتظر اتصالاتها به .. حين تسمح ظروفها بذلك .. ولكنها لم تفعل .. هو فقط يريد أن يطمئن عليها .. كان يعيش تلك الأيام فى قلق شديد .. يتساءل عن احوالها .. يتمنى لويطلبها ويطمئن . ولكنه يخشى أن يفعل .. يتمنى لو يقرب كمال منه الى الدرجة التى تجعله يعرف اخبارها منه بطريقة غير مباشرة .. ولكنه يكبح جماح نفسه ويمنعها من أن يفعل هذا حتى يستطيع المضى قدما فى قرار زواجه .. يتمنى .. ويتمنى .. ولكنه لم يكن يملك ان يحقق اى من امنياته تلك ..
لم ينتبه أمجد الى وجود نهلة الى جواره الا عندما سمع صوتها يقول له : ياه .. للدرجة دى موضوع المهندس كمال مضايقك يا باشمهندس .. ؟
نظر اليها أمجد .. وهو يرد عليها : هه .. لا أبدا .. بس الظاهر انى سرحت شوية فى لمة الموظفين النهاردة .. بحس انهم بيكونوا سعدا بالتجمع اللى بنعمله من وقت للتانى .. بحس انهم اسرتى وبيهمنى أمر كل واحد فيهم .. سكت للحظات ثم سألها : يا ترى انبسطتى يا نهلة بالعشا واللمة دى ..
نهلة مبتسمة : أوى يا باشمهندس .. الفكرة فى حد ذاتها حلوة أوى .. لدرجة انى بفكر اقترح على المهندس خالد يطبقها فى الشركة عندنا ..
أمجد : ليه لأ .. وممكن كمان نخصص يوم الشركتين يجتمعوا فيه مع بعض ..
نهلة : والله فكرة حلوة .. على الأقل الجميع يتعرف على بعض .. وفرصة نشوف الزملا فى المكتب عند حضرتك من وقت للتانى ..
امجد : على فكرة يا نهلة احنا لسة مكملناش حديثنا اللى ابتديناه فى تراس الفندق .. الله يسامحه كمال قطع علينا حديثنا .. يا ترى لو طلبت منك اننا نكمله حتوافقى ؟
تعجبت نهلة من طلب أمجد .. ولكنها لم تظهر له ذلك .. فردت بابتسامة : ده من دواعى سرورى يا باشمهندس ..
انتهز أمجد الفرصة وقال لها بتردد : طيب ايه رأيك .. لو معندكيش مانع .. ممكن نكمله بكرا على الغدا .. فيه مطعم حلو أوى قريب من الشركة .. ممكن نتغدا بكرة سوا ونكمل كلامنا ..
لم تجد نهلة مفر من الموافقة على عزومته.. ربما لأنها كانت لديها نفس الرغبة فى معرفة المزيد عنه كما يفعل هو .. لذا قالت ببساطة : زى ما تحب حضرتك ..
وصلت السيارة أسفل منزل نهلة .. فقالت : متشكرة جدا يا باشمهندس على العشا وعلى التوصيل .. كان بودى اقول لحضرتك اتفضل .. بس للأسف مش حينفع .. لأنى عايشة لوحدى .. تصبح على خير ..
أمجد : لا شكر على واجب .. اتمنى لك ليلة سعيدة .. تصبحى على خير يا نهلة ..
وقفت نهلة امام منزلها تنظر الى سيارة أمجد التى انطلقت فى طريقها .. وهى تشعر بسعادة لا تعلم لها سبب الى الآن ..
حضرت نهلة فى اليوم التالى الى الشركة مبكرا قبل ميعاد التدريب بحوالى ساعة وتلك هى عادتها كى تقوم بتجهيز ومراجعة المادة العلمية للشرح والتدريب .. دخلت الى حجرة الاجتماعات المخصصة للتدريب ففوجئت بوجود كمال يجلس بالحجرة بمفرده .. فى البداية اصابها شيء من الفزع والدهشة لانها لم تتوقع ان يكون هناك احد بداخل الحجرة .. ولكنها تذكرت على الفور حديثها بالأمس مع أمجد عن كمال .. فعلمت ان كمال تقريبا مولعا بها وانه يتحين اى فرصة .. بل بدأ يختلق الفرص لينفرد بها ويتحدث معها .. فقررت ان تضع حدا ونهاية الى احلامه المستحيلة .. لذا بادرت نهلة فى ابتسامة وهدوء : صباح الخير يا باشمهندس ..
كمال وهو مصوب نظرة الولهان عليها : صباح الخير يا باشمهندسة نهلة ..
نهلة : على فكرة .. التدريب حيبتدى بعد ساعة .. انت جاى بدرى اوى ..
كمال : فعلا .. بس أنا قلت آجى بدرى شوية لو فيه حاجة ممكن اساعدك فيها ..
نهلة بشيء من الحزم : لا .. ميرسى .. الموضوع مش مستاهل مساعدة .. ممكن حضرتك تتفضل على مكتبك وتشرف مع باقى الزملا فى ميعاد التدريب ..
لم يتحرك كمال من مكانه وظل واقفا مكانه فى اضطراب وتردد .. يريد أن يقول شيئا ولكن يبدو انه خائف من ردة فعلها .. فبادرت نهلة : باشمهندس كمال .. حضرتك مسمعتنيش ..
كمال وقد ازداد اضطرابه فنظر الى الأرض ثم نظر اليها وهو يقول بتلعثم : سمعتك .. بس .. بس ..
نهلة وقد بدأ ينفذ صبرها : بس ايه .. ممكن حضرتك تتكلم لو فيه حاجة عايز تقولها .. ولو مفيش ممكن تتفضل على مكتبك علشان انا مش فاضية ..
كمال وقد بدأ العرق يتصبب على جبينه : بصراحة .. .. أنا .. أنا معجب بيكى من اول ما شفتك .. وحابب اتكلم معاكى.. بس مش حينفع هنا .. لو ممكن .. .......
قاطعته نهلة بحزم وغضب : لا .. لا.. عندك .. استنى .. طالما الموضوع فيه معجب .. و لو ممكن .. يبقى تتفضل فورا على مكتبك بدون كلمة واحدة .. وعلشان نقفل الموضوع ده واساعدك انك متفكرش فيه حتى فى خيالك .. فأنا اكبر منك تقريبا بتسع سنين .. وانه يكون فيه شيء بينا فده مستحيل .. على الأقل بالنسبة لى ..
كمال وهو يحاول ان يمتص غضبها لعلها تخفض من حدة صوتها حتى لا يسمع احد حوارهما : بس أنا ميهمنيش فرق السن بينا خالص ..
نهلة بحزم : بس أنا يهمنى يا سيدى .. وبعدين بصرف النظر عن فرق السن .. انت مسألتش نفسك هل ينفع اننا نتجوز انا وانت !!!
كمال : طيب وايه اللى حيمنع لو احنا تغاضينا عن فرق السن اللى انا فعلا مش حاطط له اى اعتبار .. لانك .. لانك .. أقصد.. لانى فعلا حبيتك .. وحاسس انى مقدرش اعيش من غيرك ..
ضحكت نهلة بسخرية واضحة ثم سكتت تتأمله واردفت : اسمع يا باشمهندس كمال .. انت زى اخويا الصغير وياريت تنسى موضوع الحب ده ولو لدقايق وتسمع لنصيحتى .. سكتت مرة أخرى ثم اكملت : انت شاب رائع فى بداية حياتك .. وزى ماهو واضح اد ايه انت ابن ناس وميسور الحال وجميل فى نفس الوقت واى بنت تتمناك .. بس فى نفس الوقت واضح كمان انك رومانسى جدا وعايش فى خيالك اكتر ما انت عايش فى الواقع .. حفترض انى وافقتك على مشاعرك فى انك ترتبط بى وانا اكبر منك بتسع سنين .. وحفترض ان اهلك كمان حسوا بيك وبمشاعرك وقدروها ووافقوا همه كمان .. وحفترض كمان انى انا وقعت فى حبك وببادلك نفس الشعور .. مع ان ده محصلش ومش ممكن يحصل ابدا .. حفترض كل ده .. لكن تبقى مشكلة واحدة صغيرة هى اللى حتخلى ارتباطنا مستحيل ..
نظر اليها كمال فى دهشة مما تقول : وهى لو مشكلة صغيرة أوى كده ازاى حتخلى الموضوع مستحيل ..
نهلة بابتسامة وهدوء : يا عم اهدى على نفسك شوية .. انا باتريق .. فين ذكاء المهندسين يا باشمهندس .. المشكلة مش صغيرة أبدا .. المشكلة كبيرة .. وكبيرة جدا .. أكبر من حب اى اتنين فى الدنيا ..
قاطعها كمال متأملا انه قد خمن المشكلة ووجد لها الحل : تقصدى مشكلة الولاد .. وإنك فى سن صعب انك تنجبى فيه .. دى برضه مش مشكلة بالنسبة لى .. لان الطب متقدم جدا دلوقتى وتقدرى حتى فى سن اكبر من سنك انك تنجبى .. وحتى لو ده محصلش فانا راضى بيكى فى اى وضع .. حتى لو مش حيكون عندى ولاد فى يوم من الأيام ..
كانت نهلة تستمع اليه وهى فى قمة اندهاشها منه ومما يقول .. تفكر فى هذا المسحور الذى سحره الحب فى يوم وليلة .. ألهذه الدرجة قد وقع فى حبها ؟؟!! .. ياله من أمر عجيب .. لا تصدق انه مثل هذا الحب وبهذه السرعة موجود فى الحياة الحقيقية .. أكيد هذا الشاب قد مسه سحر عجيب ..
انتبهت نهلة التى كانت تنظر اليه فى دهشة مما يقول ومن اصراره العجيب هذا على كلماته مرة أخرى : أنا يا نهلة فعلا حبيتك .. ومش متخيل حياتى من غيرك ..
لم تلتفت الى انه نداها باسمها مجردا .. كان كل ما يهمها فى تلك اللحظات ان تضع حدا لهذه المسألة فقالت بهدوء وبابتسامة بسيطة كأنها تكلم طفلا يحتاج الى الصبر فى المعاملة : اسمع يا باشمهندس كمال .. انت مخك راح لبعيد حبتين .. ومكنتش متصورة انك تفكر أو تتطرق لمواضيع زى اللى اتكلمت فيها بالشكل ده وانت يدوب ممرش عليك يومين من ساعة ماشفتنى .. بس علشان ننهى الموضوع ده . المشكلة ببساطة انك من طايفة مسيحية غير طايفتى .. يعنى جوازك منى مستحيل ..
وقع الخبر على كمال كالصاعقة .. فجلس مكانه على مقعد خلفه وقد هالته المفاجأة .. فهذا هو الشيء الوحيد الذى لم يكن فى الحسبان .. تذكر وهو صغير يختلس السمع بين والدته وأمها عندما كانت امه تتحدث مع جدته عن تعاستها فى زواجها ممن أحيت ولم يكن من طائفتها .. كانت الغيرة وقته تنهش قلبه الصغير وهو فتى غيور على والديه وعلى طائفته .. كان يتمنى لو علم من هو ذلك الدخيل الذى استطاع أن يقتحم قلب امه لهذه الدرجة التى جعلتها لا تنساه وتنسى حبه حتى بعد ان تزوجت غيره وانجبت منه .. يتخيل كم كانت تتعذب أمه وهى تعارض والدتها التى كانت تكيل لها اللوم والسباب على ضعفها وخيبة أملها فيها بحبها لآخر من غير طائفتها ..
جلس فى صمت مطرقا رأسه الى الأرض وهموم الدنيا تملأ قلبه الذى كان من لحظات ينبض بشدة بحب نهلة .. لا يعلم هل يعذر امه الآن ام ماذا .. طال سكوته .. فقالت له نهلة تحاول ان تهون عليه الأمر : أنا آسفة يا باشمهندس انى صدمتك فى مشاعرك .. كان لازم انى افوقك من اللى انت فيه .. بس متنساش برضه ان السبب بالنسبة لى مش موضوع اختلاف الطوايف وبس .. فيه حاجات كتير تمنع ارتباطى بيك .. اهمها انى معنديش نفس المشاعر تجاهك ..
لم يتكلم كمال كلمة واحدة . ولم ينظر اليها .. ولكنه تحرك من مكانه وبدأ يخطو خطوات نحو باب الحجرة ككهل طاعن فى العمر .. خرج ثم اغلق ورائه باب الحجرة بهدوء .. لم يخرج من باب الغرفة وحسب .. بل خرج من باب الشركة أيضا .. لا يدرى الى اين وجهته ..

مرت ثلاثة أيام ولم يعود كمال الى الشركة .. وقد علم أمجد من زملائه باستراحة الشركة انه عاد الى بلدته دون ان يعلموا السبب .. وظل أمجد فى انتظار اتصال منه أو من نيفين ليطمئن عليه .. فقد علم من نهلة مادار بينها وبين كمال .. وعلم ان مابه ليس سوى صدمة الحب الأول لشاب عاش مشاعر جميلة لمدة يومين فقط .. ثم قتل ها الحب قبل أن يجنى منه اى ثمار ..

فى نفس الوقت كانت المسافات والحوارات بين امجد ونهلة تقربهما من بعضهما البعض .. صارح خلالها أمجد نهلة بكل ما مر به فيه حياته .. وحبه لنيفين طوال سنوات عمره .. ولكنه لم يقول لها من هى التى احبها وما هى علاقتها بكمال ..

عادت نهلة الى عملها بشركة خالد .. بعد ان لامت نفسها كثيرا على ما حدث من ناحيتها تجاه كمال الذى تسببت له فى ان يترك عمله وتسببت له فى مثل هذه الصدمة وهو فى بداية حياته العملية .. ولكن ماكان يهون عليها هو أمجد الذى اقنعها ان ما فعلته هو الصواب .. اما ما حدث لكمال من تركه للشركة .. فهو قراره وعليه ان يتحمل نتيجة قراراته .. وايضا من الأفضل له ان يصحو من خياله واحلامه التى من المستحيل ان تتحقق ..
عادت نهلة بعد ان كانت العلاقة بينها وبين أمجد قد أخذت تقريبا الشكل الرسمى .. فقد تقدم أمجد لها رسميا لطلب يدها .. ليبدأ بداية جديدة فى حياته مع امرأة قد اختارها بعقله واختارته هى بعقلها قبل قلبها .. والذى كان قد بدأ ينبض من جديد لحب رجل آخر بعد سنوات عجاف من العيش على ذكرى خطيبها السابق ..
أما أمجد فكان قلبه لا يزال متـارجحا بين حبه لنيفين واعجابه القريب من درجة الحب لنهلة ..

----------------------------------------------------
فى اليوم التالى للمقابلة التى تمت بين غادة وسعيد .. استيقظت غادة مبكرا قبل وصول أم سعيد الذى ظلت تفكر به طوال الليل .. وكلما حاولت أن لا تفكر فيه أو تبعد طيفه عن خيالها .. فرض نفسه عليها المرة تلو الأخرى .. لتفشل كل محاولاتها فى عدم التفكير به .. لتبات ليلتها تحلم به حلم جميل ..
استيقظت وكلها اصرار على أن لا تتكلم مع أم سعيد عنه كمحاولة أخيرة مع نفسها لعلها لم تتعلق به بعد .. ولكنها وجدت نفسها بعد دقائق من وصول ام سعيد لا تتكلم سوى عن سعيد .. تريد ان تعلم عنه كل كبيرة وصغيرة .. لا تريد أن تسمع منها سوى تفاصيل حياته .. ماذا يحب .. ماذا يكره .. ماذا يتمنى .. ألف ماذا وكيف .. ؟؟؟ تعتقد وهى تسأل أن أم سعيد لن تلاحظ اهتمامها الواضح بولدها .. فكانت تحاول أن تسأل بطرق مختلفة و غير مباشرة .. ولولا ان أم سعيد قد قضت ليلتها وولدها يسألها نفس الأسئلة عن غادة .. ربما كانت ستمر عليها اسئلة غادة عن سعيد مرور الكرام .. ولكنها علمت بالأمس اهتمام سعيد الواضح بغادة .. وهذا ما جافى النوم عن عيونها طوال الليل .. وجعل الهم يجثو فوق صدرها لا يبارحه الى الآن .. واليوم أصبح الهم همين .. فها هى غادة تثبت لها انها تبادل سعيد نفس الشعور .. أصبح استفسارات سعيد وغادة كل عن الآخر ليست سوى حجارة ثقيلة تضغط على قلبها شيئا فشيئا .. تفكر فى تلك المصيبة التى حطت على رأسها بدون سابق انذار .. فها هو ابنها وهى الخادمة يحب بنت اسيادها .. بل وما زاد الطين بلة ان تبادله بنت الأسياد نفس المشاعر .. ربما لو كان الحب من طرف احداهما فقط لهان عليها الأمر .. واستطاعت أن تبعد بابنها عن حبه الوليد .. حتى وان كان على حساب عملها لدى أمينة الذى ظلت فيه منذ سنوات تتقاضى منه أجرا يدعمها فى تربية وتعليم أولادها و سعيد هو واحد منهم .. بل وتتعامل أفضل معاملة فى هذا البيت الكريم .. ومن ناحية أخرى تفكر فى موقفها أمام أهل بيت الكرم هذا .. فهل من الانصاف أن يكون جزائهم منها أن تتعلق ابنتهم بنت العز والأصول بابنها الذى تربى من فلوس خدمتها لهم .. وماذا ستقول عنها أمينة .. ان ابسط وأول تفكير سوف يخطر على بال أمينة وأهل البيت هو انها خططت لذلك .. وانها انسانة غير جديرة بثقتهم ورعايتهم لها .. ثم تعود وتتساءل ..كيف يستقيم هذا الأمر ؟ .. ومن يوافق عليه !! .. هى موقنة بانه ليس من المنطق أو المقبول أن تتساوى الكفتان أبدا .. كفة الأسياد والخدم .. كفة الأغنياء والفقراء ..

ظلت أم سعيد تجاوب على اسئلة غادة باقتضاب واضح لعلها تلاحظ ضيق أم سعيد من الحديث فى هذا الموضوع .. ولكن غادة لم تكن لترتدع .. كانت تلف وتدور لا تتطلع الا لشيئ واحد .. وهو أن تقابل سعيد مرة أخرى .. ان يصله شعورها نحوه .. فاعجابها المفاجئ والسريع به وخطفة القلب التى حدثت لها منذ ان وقعت عينيها عليه قد أعمى بصرها وبصيرتها عن أمور كثيرة من شأنها أن تحول بينهما .. وتحيل حيانهما الى جحيم بسبب رفض الجميع لمشاعرهم تلك .. لم تدرك أو حتى تفكر لحظة واحدة فى الفرق الشاسع بينها وبينه .. أو بالأحرى بين العائلتين .. لم تفكر فى الرفض القاطع الذى سوف يقابل هذا الارتباط .. لم تفكر فى المشاكل التى سوف تقابلها هى وسعيد عاجلا أم آجلا .. جل همها فى هذا الوقت هو أن تستمر فى احساس السعادة التى تحياها ..
سألت غادة أم سعيد : ويا ترى المهندس سعيد قرر حيعمل ايه فى حياته اللى جاية بعد ما اخد البكالوريوس؟
أم سعيد : والله مش عارفة ياست غادة .. ده يادوب لسة امبارح خلص الجامعة .. بس هو ملوش جيش على اساس انه كبير الأسرة .. ربنا يسهل ويلاقى شغل كويس يقدر يبتدى بيه حياته ..
غادة بحماس : وليه يدور على شغل .. احنا حنروح بعيد ليه .. ما هو ممكن يشتغل مع بابا فى شركته ..
أم سعيد .. وبالرغم من ضيقها من حديث غادة .. الا انها للحظات نسيت هذا الضيق عندما تعلق الأمر بعمل ابنها .. فقد أضاءت لها غادة طريقا كان مظلما .. فهى لم تفكر من قبل ولم يخطر على بالها أمر عمل سعيد بشركة خالد .. وبالتأكيد لن يرفض لها خالد وأمينة مثل هذا المطلب البسيط : تفتكرى ان ده ممكن ياست غادة ؟
غادة بنفس الحماس : طبعا ممكن يا أم سعيد .. ده موضوع سهل خالص .. انتى عارفة بابا وكلنا بنعزك اد ايه .. ومش ممكن يرفض لك طلب بسيط زى ده .. وعلى فكرة .. أنا ممكن اكلم بابا فى الموضوع ده ..
ردت أم سعيد بسرعة مفاجئة وكأن عقربا قد لدغها : لا يا غادة يابنتى .. بلاش انتى تتكلمى فى موضوع زى ده .. ثم هدأت نبرتها قليلا واردفت : أقصد ميصحش انى اطلب الطلب عن طريقك .. سبينى الأول آخد رأى سعيد .. وبعدين أنا حتصرف بنفسى ..
غادة : ماشى .. بس لو احتاجتينى .. أنا معاكى .. انتى عارفة .. بابا مبيرفضليش أى طلب ..
أم سعيد وهى تهم باستكمال أعمال المطبخ لعلها تتخلص من اسئلة وتطفل غادة على حياة ابنها : طبعا أكيد يا ست غادة ..
دخلت غادة الى حجرتها تفكر فيما عرفته عن سعيد عن طريق امه .. والآن لا يشغل بالها سوى رؤيته مرة أخرى .. ولكن كيف ومتى .. لا تعلم ..
تذكرت انها خلال حديثها مع أم سعيد منذ لحظات انها ذكرت لها ان سعيد يعشق التمشية على البحر وقت الغروب فى منطقة معينةعلى كورنيش الاسكندرية ..
مر نهار اليوم وغادرت أم سعيد وقد قررت غادة أن تذهب الى حيث يعشق سعيد التمشية على البحر لعلها تقابله .. "صدفة" ..
وصلت الى المكان قبل غروب الشمس بحوالى الساعة .. كان يبدو خاليا من المارة سوى من بعض الشباب الذى يتريض بالجرى على رصيف البحر أو الأحبة أوكبار السن الذين يمارسون المشى للتمتع بجمال الطقس والاستفادة من المشى الذى يناسب اعمارهم ..
ظلت تتطلع الى وجود سعيد فى المكان ولم يكن يقلقها سوى وحدتها ونظرات من حولها إليها .. حل الظلام ولم تقابله وعادت الى البيت تجر اذيال اليأس وخيبة الأمل .. تمنت لو كانت تعلم مكان بيته .. فربما طافت حوله لعلها تراه .. تعلم انها لم تكن تفعل هذا أبدا .. ولكنها كانت مجرد امنية عاشقة ..

لم يستطع سعيد ان يذهب الى التمشية فى ذلك اليوم .. فعندما كان على وشك أن يبدأ هوايته التى يحبها كثيرا وصلت امه الى البيت والهم مازال جاثيا على صدرها لتراه ينهى ارتداء ملابس اعتاد ان يرتديها اثناء المشى فقالت له بضيق وغضب واضح : على فين يا سعيد ..؟
سعيد بتعجب بعد ان لاحظ تغير وجه ونبرة امه : ما انتى عارفة يا أمى .. أنا بحب أمشى فى الوقت ده .. ايه الجديد فى الموضوع ..؟ .. انتى فيه حاجة مزعلاكى يا امى ..؟
أم سعيد وهى تحاول أن تهذب من نبرتها العنيفة التى حدثته بها : لا يابنى .. مفيش حاجة .. يمكن تعبانة من المشوار شوية .. اصلى مشيت كتير لحد مالقيت ميكروباس فيه مكان فاضى علشان اركبه وارجع البيت ..
سعيد : خير يا أمى .. وليه تمشى أو تركبى ميكروباس .. ما انتى بتركبى الترام دايما .. مالك يا امى .. فيه حاجة مضيقاكى .. أنا حاسس من امبارح انك مش مبسوطة .. بعد ما كنتى طايرة من الفرح بنجاحى .. ثم اقترب منها وهو يضم كتفيها من الخلف ويقول بحنانه المعهود : قوليلىى يا حبيبتى .. ايه اللى حصل .. ايه اللى ضايقك ؟
أم سعيد وقد خنقتها العبرة وانسابت الدموع من عينيها : مفيش يا سعيد .. بس حاسة انى مخنوقة شوية .. عادى يا حبيبى .. الدنيا على ده وده .. متشغلش بالك .. ياللا روح انت اتمشى زى ما بتحب ..
سعيد بحزن ولهفة على حال امه : الله الله .. وليه البكا ده يا ام سعيد .. لا يا ستى .. أنا مش حتمشى النهاردة .. النهاردة اليوم يومك لحد ما تروح الخنقة اللى انتى حاسة بيها .. ثم ضمها بشدة الى صدره .. وهو يقبل جبهتها ..
أم سعيد : تسلم لى يا حبيبى .. بس صدقنى .. أنا كويسة .. شوية ضيق وحيروحوا لحالهم .. سكتت قليلا ثم قالت له : بس انت ليه نازل بدرى النهاردة .. انت كل يوم بتنزل قبل الغروب بحاجة بسيطة ..؟!
سعيد بتردد : أصلى النهاردة حغير اتجاه المشى .. حابب انى امشى ناحية السلسلة ومكتبة اسكندرية ..
انقبض قلب ام سعيد عند سماعها جملته الأخيرة .. فها هو سعيد يريد ان يذهب الى حيث تسكن غادة .. انها رسالة وتأكيد واضح على انه قد عقد العزم على ان يراها .. ما هذه المصائب التى تحط على رأسها منذ الأمس .. فهى لم تكد تفرح بنجاح ابنها وتخرجه من الجامعة بعد عناء وتعب السنين .. لتأتيها مشكلة مثل تلك لم تكن فى الحسبان .. فقالت فى نفسها .. سلم يارب سلم .. ثم نظرت له تبعث له بعينيها رسالة لوم لعله يقرأها ويرتدع عما ينوى .. فلما لاحظت اضطرابه .. قررت أن تتكلم معه وان تنهى هذا الموضوع قبل أن يكبر ولا تستطيع السيطرة عليه .. فأى لقاء بين سعيد وغادة من شأنه أن يشعل نارا لن يستطيع أحد أن يطفئها .. سكتت طويلا ثم قالت : بتردد وهدوء : قوللى يا سعيد .. انت غادة عجباك؟
تفاجأ سعيد واضطرب بشدة : كيف له أن يقع فى هذا الخطأ .. هو يعلم ذكاء أمه الفطرى .. كيف له ان يقول لها انه يرغب فى المشى ناحية بيت غادة بعد الحديث الطويل الذى فرضه عليها بالأمس عن غادة .. رد سعيد بمحاولة بمزاح لتبسيط الأمر وفى نفس الوقت جس النبض : ومين متعجبهوش بسكوتة حلوة ورقيقة زى غادة يا أمى؟ .. بصراحة هى تعجب الباشا .. باشا ايه .. دى تعجب الملك نفسه .. ثم ضحك ضحكة بسيطة ..
أم سعيد بحزم : ولد .. اتعدل .. متنساش انها بنت ست امينة .. والباشمهندس خالد ..
سعيد وهو مازال مبتسما : واحنا قلنا حاجة وحشة لا سمح الله يا ست الكل ..
سكتت أم سعيد طويلا .. مترددة .. لا تريد أن تصيب ابنها بخيبة الأمل .. وفى نفس الوقت لا تريد له ان يتمادى فى احلامه .. وفى النهاية سيصاب بخيبة أمل أكبر .. ولكن بجوار خيبة أمله تلك هناك ايضا خسارتها لعملها لدى امينة وخالد .. وكم هى خسارة كبيرة .. وفى النهاية قالت : اسمع يابنى .. يابخت من بكانى وبكى الناس علىي .. ولا من ضحكنى وضحك الناس على ..
سعيد بتعجب : مش فاهم يا أمى ايه لازمة المثل والكلام ده دلوقتى ..!!
أم سعيد : أقصد يعنى لو كان فى دماغك أو فى قلبك حاجة ناحية غادة .. فياريت تشيلها وتنساها يابنى من دلوقتى ..
سكت سعيد وكأن الطير قد حط على رأسه : فهم ما ترمى اليه أمه .. ولا يريد أن يسمع المزيد .. وصلته الرسالة كاملة تماما .. ولا يريدها أن تخوض أكثر فى أى تفاصيل اضافية من شأنها أن تجرحه وتذكره بما يريد طوال عمره أن ينساه ويتمنى انه لم يحدث فى حياته .. وهو عمل أمه ببيوت الناس ..
لاحظ سعيد ان والدته على وشك أن تسترسل فى هذا الأمر فرفع يده مشيرا اليه ان تتوقف والحزن يكسو وجهه وهو يقول لها : مفيش داعى تكملى يا أمى .. رسالتك وصلت .. ومتخفيش .. حتى لو كان فى قلبى حاجة حسيتها نحيتها .. أنا أعرف كويس اتحكم فى قلبى وفى مشاعرى .. متقلقيش يا أمى .. ثم هم بالوقوف وهو يقول : ممكن انزل بقى اتمشى شوية .. واطمنى .. طريقى مش حيتغير .. أنا حمشى فى نفس الطريق اللى بمشى فيه كل يوم ..
نظرت اليه أمه والحزن والأسى يملأ كيانها .. ثم قالت : طيب يا حبيبى .. ربنا معاك .. بس يا ريت ماتنساش تصلى المغرب فى المسجد القريب اللى جنبنا قبل ما تبدأ المشى .. وياريت ترجع بدرى علشان عيزاك فى موضوع كده قبل ما تنام ..
لم يرد سعيد واتجه الى باب الشقة وهو يومئ لها برأسه .. ثم خرج ليدخل المسجد بعد بضع خطوات من البيت ..
مرت دقائق قليلة ثم أذن للمغرب وانتهى سعيد من اداء صلاة الجماعة ثم جلس يسبح بعد الصلاة وانهى ركعتى سنة المغرب ولم يغادر بعدها المسجد .. فظل يدعو الله أن يخرجه من أزمته على خير وأن يصرف عنه ما يجثو على صدره من هم منذ ان فتحت له أمه عيونه على الحقيقة المرة .. ولكن لم يطاوعه لسانه فى ان يدعو الله أن يمحو حب غادة من قلبه أو ما يشعر به تجاهها ..
مر الوقت .. وانهى صلاة الجماعة فى المسجد الذى لم يبارحه .. ورجع الى البيت ليجد أم سعيد فى انتظاره وقد أحضرت له العشاء ..
حاول سعيد أن يظهر لأمه عكس ما يشعر به حت يطمئن قلبها فلبى دعوتها الى العشاء وجلس هو وأمه وأخوته يتناولون العشاء كالعادة .. وبعد العشاء طلبت أم سعيد من اخوته ان يذهبوا لحجرتهم ويتركوها هى وسعيد لحديث خاص بينهما ..
قالت أم سعيد : اسمع يا سعيد .. أنا عافة انك الحمد لله اصبحت مهندس اد الدنيا .. ودلوقتى لازم تشوف شغل يليق بيك يا حبيبى وتسيب شغل الورشة عند المهندس حسن .. هو لغاية كده كتر خيره .. وقف جنبك وعمل اللى عليه واكتر .. وانت كمان مقصرتش .. كنت بتروح الورشة كل ماكان وقتك بيسمح .. وطبعا انك تلاقى شغل بسهولة اليومين دول ده شيء مش سهل .. ايه رأيك لو اكلملك الست أمينة تكلم المهندس خالد وتشتغل عنده فى الشركة ..؟
تفاجأ سعيد من طلب أمه .. كيف لها ان تطلب منه من ساعات قليلة ان يبتعد عن غادة التى تعلم حقيقة مشاعره ناحيتها .. وفى نفس الوقت تريد منه ان يقبل ان يعمل لدى والدها فى الشركة ..
قرأت أم سعيد بعيونها من نظرات ابنها وبفطرتها ما يدور بخلده فقالت : انا عارفة انت بتفكر فى ايه .. بس ده موضوع وده موضوع تانى خالص .. يعنى يابنى الناس دول ناس محترمين أوى وولاد أصول ومش حيرفضوا لى طلب زى ده ابدا .. وده حيوفر عليك وقت ومجهود انك تدور على شغل عند ناس تانيين .. وياعالم حيتعاملوا معاك ازاى .. وحيدوك حقك ولا لأ .. أم بالنسبة لموضوع غادة .. فده حيبقى امتحان لك .. هو امتحان صعب .. بس أنا عارفة انك راجل من ضهر راجل وحتعرف تفرق فيه يا حبيبى بين الصح والغلط .. وبين حقيقة والخيال .. انتى فاهمنى يا سعيد ؟
سعيد وهو ينظر الى الأرض وقد استوعب وقبل قلبه قبل عقله كل ما قالته .. بل وفرح قلبه غصبا عنه أنه بعمله عند خالد ربما تكون هناك فرصة .. بل فرص أن يرى غادة أو يعلم أخبارها .. فقال لأمه : اللى تشوفيه يا أمى ..
فرحت أم سعيد برد ابنها وانفرجت اساريرها وشعرت أن الهم الذى كان يجثو على صدرها ويزداد مع الوقت قد بدأ فى أن ينصرف عنها شيئا فشيئا .. فردت : تسلم لى يا قلبى .. ربنا يكملك بعقلك يا حبيبى ..
دخل سعيد الى غرفته .. أو بالأحرى الغرفة التى يشاركه فيها كريم .. اخوه الصغير الذى كان يرتدى ملابسه اسعدادا للخروج اليومى مع اصحابه للجلوس معهم على المقهى أو قضاء الوقت الطويل فى لعب البلاى ستيشن حيث يصرف تقريبا كل ما يحصل عليه من عمله الصيفى فى السوبر ماركت .. وهو يعلم تمام العلم أن اسرته باكملها تعانى من سلوكه هذا ولا يستطيعون اثنائه عن هذه العادة السيئة ..
نظر اليه سعيد وهو يقول له : على فين ياكريم ؟
كريم بدون اهتمام : خارج مع صحابى ..
لم يكن لدى سعيد الرغبة والجهد على ان يتكلم مع اخيه فى نفس الموضوع الذى ضاق به ذرعا وهو فى كل مرة ينصحه ويطلب منه أن يكف عن مصاحبه هؤلاء الأصحاب خوفا عليه من ضرر قد يطوله من علاقته بهم .. فقال باقتضاب : بس يا ريت متتأخرش زى كل يوم .. حاول ترجع بدرى ..
كريم بنفس عدم الاهتمام : تمام يا باشا .. ححاول ..
خرج كريم وترك سعيد بمفرده فى الحجرة ممزقا بين قلبه وعقله .. كل منهم يجذبه فى اتجاه .. فجلس على طرف سريره المقابل لمرآة قديمة صغيرة معلقة على الحائط .. نظر لنفسه بالمرآة نظرة طويلة .. ثم اراد أن يختبأ من نفسه فوضع وجهه بين كفيه متكئا بكوعيه على ركبتيه .. فلم يرى بين جفونه المغمضتين سوى غادة وهى تتهادى بالأمس من على سلم منزلها .. حاول أن يبعد صورتها من مخيلته فازال كفيه من على وجهه وعينيه ولكنه رأها مرة أخرى وهو يمد يده اليها وتمد هى يدها اليه ويسلما على بعضهما البعض فتنتابه نفس الرعشة التى احسها عندما حدث ذلك فى الواقع بالأمس ..
لم يجد بدا من ان يترك لنفسه العنان ليفكر فى غادة دقائق معدودة حتى انتبه على جرس تليفونه احد أصحابه يطلب منه أن يلتقيا .. فوجدها فرصة ربما من خلالها يستطيع ان ينهى التفكير فى غادة ولو لساعات معدودة ..
تقابل مع صديقه .. مشيا طويلا على طريق البحر .. صديقه يتكلم .. وهو لا يسمع شيئا مما يقوله .. ثم غلبه الشوق لدرجة تذكر فيها أنه يحتفظ برقم تليفون منزل غادة على تليفونه .. كانت أمه قد اعطتها له تحسبا للظروف الطارئة .. فلم يشعر بنفسه الا وهو يقف ناظرا الى البحر فى الظلام الذى لا يشقه سوى بعض موجات البحر البيضاء .. ثم يخرج تليفونه من جيب بنطاله ويبحث على رقم التليفون ويطلبه .........

على الجانب الآخر .. عادت غادة الى البيت .. عادت حزينة انها لم تلتقى بسعيد كما ارادت .. دخلت الى البيت الذى خلا من البشر ومن جميع أفراد اسرتها .. شعرت بوحشة شديدة .. تمنت لو أن هناك احد من اسرتها ترتمى فى احضانه لعل قلبها يرتاح ولو قليلا .. تتساءل ما هذا الذى يحدث لها بين ليلة وضحاها .. هل يمكن لحب مهما عظم شأنه أن يولد ويكبر فى قلبها هكذا فجأة وحتى بدون مخاض ..؟؟!!
بكت .. بكت غادة وبشدة .. لتمر لحظات من البكاء .. لا تعرف لماذا تبكى .. حتى انتبهت على جرس تليفونها الذى التقطته تفحص رقم الطالب .. وعندما علمت انه من والديها فتحت الخط بسرعة وهى تحاول أن تكبت بكائها حتى لا يقلق والديها عليها .. فسمعت أمينة تقول لها : ألو .. غادة حبيبتى .. عاملة ايه ياروحى ..؟
غادة وقد غلبها البكاء الممزوج بالحنين لوالديها : مامى .. انتم راجعين امتى .. انتم وحشتونى أوى ..
أمينة : مالك يا حبيبتى .. بتبكى ليه .. انتى كويسة .. اخواتك فيهم حاجة ؟ ..
غادة : احنا بخير .. كلنا بخير .. بس انتم وحشتونى يا مامى ..
أمينة : آسفة .. آسفة يا حبيبتى .. احنا خلاص راجعين بعد تلات ايام .. صدقينى .. انتم كمان وحشتونا جدا .. عمرى ماحسافر من غيرك تانى أبدا يا قلبى ..
غادة : أنا اللى آسفة يا مامى .. خلاص .. أنا بقيت كويسة بعد ما سمعت صوتك .. طمنينى .. بابا كويس .. هو فين .. عايزة اسمع صوته ..
أمينة : بابا بخير يا روحى .. بس نزل يجيب شوية حاجات .. حخليه يطلبك أول ما يرجع ..
غادة : طيب يا مامى .. الحمد لله انى اطمن عليكم ..
أمينة : الحمد لله يا حبيبتى .. خدى بالك من نفسك ومن أخوكى يا غادة .. ولو عايزين أى حاجة من هنا كلمينا خلال اليومين الجايين .. أحنا طيارتنا حتون يوم الأربع وحنوصل اسكندرية الساعة تلاتة العصر ..
غادة : طيب يا مامى .. توصلوا بالسلامة ان شاء الله .. لا اله الا الله ..
أمينة : محمد رسول الله يا قلبى ..
أغلقت غادة الخط وهدأت قليلا بعد سماع صوت امها .. وظلت ساكنة فى مكانها بصالة البيت حوالى النصف ساعة شاردة فى أمرها هى وسعيد حتى رن جرس التليفون الأرضى والذى قلما يرن فى البيت .. فالجميع يستسهل فى هذه الأيام الاتصال عبر الموبايل .. ظنت للوهلة الأولى أن تليفونها قد انتهى شحنه وأن والدها حاول الاتصال بها عبر تليفونها ولما لم يستطيع ان يصل اليها .. طلبها على رقم المنزل .. سارعت لترد بلهفة .. ظلت تقول : ألو .. ألو .. ولكن أحدا لم يرد .. فقط سمعت انفاسا تتردد وتنهيدات تتسرب الى مسامعها .. فخبا صوتها وهى تردد .. ألو .. ألو .. مين معايا .. وهى تمنى نفسها أن يكون سعيد هو من يطلبها ..
لم تغلق غادة الخط .. واستمر الحال كما هو للحظات طويلة حتى سمعت صوتا على الجانب الآخر يقول بوضوح " سعيد .. أنا عمال اكلمك وانت مش معايا خالص .. انت بتكلم مين " .. ثم سمعت الخط يغلق فجأة ..
تسارعت دقات قلبها عند سماعها اسم سعيد .. الآن تأكدت من مشاعره التى فضحتها مكالمته التليفونية الصامتة لها وصديقة الذى كم تود أن تشكره على ماقدمه لها من اثبات ان سعيد يبادلها نفس المشاعر .. أو على الأقل قد اعجبته و مشغول بها ..
وضعت غادة سماعة التليفون بهدوء ومازال قلبها ينبض بشدة وأخذت تدور وتدور فى صالة البيت حتى ارتطمت بصدر أمير الذى دخل البيت منذ لحظات دون ان تشعر بوصوله والذى كان يقف يراقب تصرفاتها ودورانها متعجبا مما تفعل .. فقال لها : غادة حبيبتى .. سلامة عقلك .. انتى اتجنيتى من القاعدة لوحدك ولا حاجة ؟؟!!
ردت غادة بعد ان شهقت من فزعها عندما ارتطمت به : اخص عليك يا أمير خضيتنى ..
أمير : مالك يا بنتى .. بتلفى حوالين نفسك كده ليه زى الهبل ..
غادة : بس متقولش هبل لو سمحت .. مبسوطة ياسيدى .. فيها حاجة دى ..
أمير وهو يجلس : لا ياستى مفيهاش حاجة .. ربنا يبسطك كمان وكمان .. ثم اردف ممازحا يحاول أن يسخر منها .. وايه اللى باسطك ان شاء الله .. أوعى تقوليلى ان فارس احلامك حسام عاد من تانى ..
انقبض قلب غادة بشدة واحست باشمئزاز مما يقوله أمير فردت عليه باقتضاب : ايه السخافة دى يا امير .. ارجوك .. مش عايزاك تجيب سيرة البنى آدم ده مرة تانية لو سمحت ..
احس أمير بشدة غضبها فقال لها بجدية : بس .. بس .. متزعليش أوى كده .. أنا كنت بحاول أهزر معاكى .. أوعدك انى مش حفتح السيرة دى تانى ابدا .. بس قوليلى بجد ليه مبسوطة بالشكل ده ..
غادة وقد عادت اليها ابتسامتها من جديد : أبدا مامى كلمتنى من شوية وقالت لى انهم راجعين يوم الأربع باذن الله .. وحشونى أوى يا أمير ..
أمير : لا .. كده عندك حق .. هم فعلا وحشونى اوى أنا كمان . ان شاء الله يوصلوا باسلامة .. ايه رأيك بالمناسبة الحلوة دى نطلب دليفرى نتعشى سوا انا وانتى ..
غادة وقد اعجبتها الفكرة : والله فكرة .. أنا مكسلة احضر العشا .. وبعدين بصراحة مفيش احلى من اكل الشوارع ..
أمير : آه لو أمينة هانم تسمعك .. مكنتيش خلصتى منها ..
غادة : عندك حق .. أمينة هانم لا تسمح بأكل الشوارع بأى حال من الأحوال .. علشان كده فرصتنا اليومين اللى فاضلين قبل مايرجعوا بالسلامة ناكل كل اكلات الشوارع اللى بنحبها .. أطلب .. اطلب يا أبو الأمرا ..
-----------------------------------------------------


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 10:26 PM   #98

Mamdouh El Sayed

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية Mamdouh El Sayed

? العضوٌ??? » 461172
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 374
?  نُقآطِيْ » Mamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond reputeMamdouh El Sayed has a reputation beyond repute
افتراضي البدايات الجديدة - الفصل التاسع و الثلاثون

البدايات الجديدة
الفصل التاسع والثلاثون

اليوم هو يوم أجازة بالشركة .. تقابلت سارة مع أمير على الغداء.. جلسا سويا فى احدى كافيهات النادى .. تناولا فى البداية عصير برتقال حتى ميعاد الغداء .. تحدثا فى أمور عامة .. فتكلما عن مجتمع النادى الذى اختلف كثيرا عما كانوا صغارا .. فأمير عضو بالنادى منذ ولادته .. وسارة التحقت كعضوة بنفس النادى منذ انتقلت للعيش مع خالتها .. فجد سارة عضوة فى هذا النادى العريق منذ أن كانا شابا صغيرا ..

تفاجأ أمير بعضوية سارة فى نفس النادى وتعجب انهما لم يتقابلا من قبل فى النادى .. فأجابته سارة ان تواجدها بالنادى ليس من اولوياتها .. وانها تعشق القراءة .. لذا فوجودها بالبيت هو انسب لها حيث تقضى اوقاتا طويلة فى قراءة الكتب والرويات وهذا لا يستدعى ..

كانت سارة تتكلم وأمير يستمع اليها باهتمام .. ثم وجد نفسه يسرح فى جمال وجهها وطريقتها المميزة فى عندما تتكلم على طبيعتها .. بل وصوتها ذو الطابع الخاص والمميز .. فأخذ يرمى لها السؤال تلو الآخر حتى تستمر فى حديثها معه ويجد فرصة أطول يتأملها أكثر وأكثر ويتعرف عليها وعلى جوانب شخصيتها ..

لاحظت سارة انها هى التى تتكلم منذ ان إلتقيا .. فتوقفت فجأة عن الكلام وقالت له بنبرة تعجب وتساؤل : انت مش ملاحظ انى انا اللى بتكلم من ساعة ما اتقابلنا .. !! هو مش المفروض انك حتحكى لى عن حاجات تخصك ..
أمير بتنهيدة وهو يرجع للخلف الى ظهر المقعد : وليه مستعجلة أوى كده .. طيب مش نتغدى الأول ..
سارة بتلعثم: لا أبدا مش مستعجلة ولا حاجة .. بس حسيت انى عاملة زى الراديو المفتوح على الفاضى ومحدش بيسمعه .. قلت أغير المحطة ..
ابتسم أمير من تعليقها بضحكة خفيفة وقال : لا من فضلك متغيريش المحطة أنا كنت بسمع كل كلمة قولتيها .. تحبى أسمعلك ..
سارة : لا وعلى ايه .. أنا واثقة فى كلامك ..

مرت دقائق قليلة وهما على نفس الحال من المزاح والقفشات والضحك .. حتى قطع أمير ضحكة عالية كان يضحكها على تعليق سارة الأخير .. نظر بشدة متسع العينين فى اتجاه سارة ولكنه لم يكن ينظر اليها .. كان ينظر الى من هما خلفها آتيان تجاهه من بعيد وهما يتحدثان ينظر كل منهم للآخر بحب واعجاب شديدين ..

انتبهت سارة الى نظرة أمير الثاقبة والتى اكتسى فيها وجهه بتعبيرات غريبة .. ففيها الألم واضح قد كسى وجهه وفيها الشوق والحزن والرجاء .. وفيها أيضا شيء من الحقد على ما أو من يتطلع اليه .. إلتفتت سارة وهى جالسة تنظر خلفها لتشاهد بعض الناس .. منهم من يتحرك نحوهما ومنهم من يتحرك فى اتجاهات أخرى .. ثم لاحظت رغد وأيمن قد اقتربا منهما ولاحظ كل منهما الآخر فابتسمت باضطراب وشاورت بيدها لرغد بعد ان شاورت لها رغد فى البداية .. ثم رجعت بنظرها الى أمير الذى ازدات نظرته للثلاثة حدة وتعجبا وهى تقول : يا خبر .. أكيد تعرف رغد اخت مدام رنيم مرات الاستاذ أشرف ..

لم يرد عليها أمير وقد وصل أيمن ورغد الى طاولتهما مبتسمين لهما .. وقف كل من أمير وسارة لتحيتهما .. فبادر ايمن متهللا : معقول .. أمير باشا .. ايه الصدفة الحلوة دى .. فى حين اقتربت رغد من سارة وقبلا بعضهما البعض وهى تقول : سارة .. ازيك عاملة ايه .. بقالنا كتير متقابلناش ..
ردت سارة مضطربة على رغد : فعلا .. بقى لى كتير مشفتكيش .. كنت مشغولة الفترة اللى فاتت ..
نظر أمير اليهما بسخرية : ازيك يا أيمن .. أخبارك ايه .. ازيك يا رغد .. وازى بابا وماما ..
رغد : تمام الحمد لله كلنا بخير ..
أيمن : أنا تمام ..
رغد لسارة : قوليلى ياستى .. كنتى مشغولة فى ايه .. احنا كنا متواعدين نتكلم من آخر مرة اتقابلنا فى الشركة ..
سارة : أيوة فعلا .. بس ظروف ولادة طنط جميلة هى اللى شغلتنى عنك ..
رغد بابتسامة واسعة : معقول .. هى ولدت .. حمد الله على سلامتها .. ويا ترى جابت ايه .. أقصد ولد ولا بنت ..
سارة بتلعثم وتردد : ولد ..
رغد : ماشاء الله .. وياترى سميته ايه ؟
وقبل أن تتكلم سارة التى شعرت انها فى ورطة من هذا السؤال .. قاطعهما أمير بحدة وتحدى وهو يقترب من سارة ليقف ملاصقا لها : أمير .. سميته أمير يارغد .. ثم اتجه بالكلام الى أيمن : وانت عامل ايه دلوقتى يا أيمن .. وايه اخبار انكل حسين ايه .. لما شفته فى المستشفى يوم عمليتك كان قلقان عليك جدا .. سلم لى عليه كتير ..
أيمن مبتسما ومتفائلا : أنا تمام الحمد لله .. وعلى فكرة بابا حكى لى عن وقوفك معاه يوم العملية وبيشكر فيك جدا .. طمنى .. انت اللى عامل ايه .. سمعت انك خلصت الجيش وشغال مع الوالد .. ياترى مبسوط ..
فى حين ردت رغد على أمير بابتسامة مقتضية : الحمد لله .. كلنا بخير ..
رد أمير على أيمن باضطراب وتردد : يعنى .. ماشى الحال .. ما تتفضلوا تتغدوا معانا ..
نظر ايمن الى رغد ثم الى أمير وقال : لا .. مش حينفع .. اصلنا مستعجلين شوية .. على فكرة أنا ورغد حنتخطب قريب .. فى الحقيقة انتم أول ناس تعرفوا ..
أمير : وقد تسارعت دقات قلبه بشدة وأحمر وجهه بشكل ملحوظ وهو يقول بحنق : بجد .. مبروك .. احنا كمان .. أقصد سارة وأنا .. حنحصلكم قريب جدا ان شاء الله .. وعلى فكرة .. انتم برضه أول ناس تعرف الخبر ده ..
ايمن ورغد فى صوت واحد وابتسامات عريضة : مبروك ..
رغد : مبروك يا سارة .. مبروك يا أمير .. خبر حلو ..
لم ترد سارة .. ولم تعلق على ماقاله أمير للتو .. كانت فى تلك اللحظات لا تصدق ما سمعته من أمير منذ لحظات .. أيقنت أن الوضع غير طبيعى .. ظنت أن صاحبة الحب المفقود لدى أمير هى رغد .. نعم بالتأكيد هى .. والا ما الذى يدفعه للحديث معها بتلك الحدة والحنق .. وما الذى أجبره على أن يقول هذا الذى قاله بخصوص خطبتهما .. ؟!! .. هو بالتأكيد يريد أن يرد لها صفعة لن تشعر بها .. ولن تلقى لها بالا .. فمن الواضح انها تتعامل معه على انه قريب لها وحسب .. هى لا تشعر بأى مما يدور بخلده ولا بمشاعره التى يكنها لها .. هى غارقة فى حب أيمن ولا ترى سواه .. وهذا واضح من نظراتها اليه .. فهو كلما تكلم تراها تنظر اليه بانبهار .. عيناها لا تحيد عنه بالرغم من انها تتحدث مع الجميع .. من الواضح انها لا تشعر بسواه ابدا ..

استمر الكلام بين الأربعة للحظات أخرى ليستاذن بعدها أيمن ورغد معتذرين عن دعوة الغداء ..
جلس أمير شاردا ينظر للاشيء .. فى حين كانت سارة تستشيط غضبا من استغلاله لها بهذه الطريقة .. طال صمتهما .. كان هو شاردا فى حقده على رغد وأيمن .. فى حين كانت هى تبغض تصرفه وتكاد تبكى مما فعله لها ..
قطع شرودهما الجرسون حين بدأ فى احضار الغداء ..
لاحظت سارة انه لا يزال شاردا فى حين كانت تنتظر منه تفسيرا لما فعله وما قاله .. ولكنه لم يحرك ساكنا كانه لا يشعر بوجودها من الأصل .. لذا لم تجد سارة بدا من أن تقف وهى تقول : أنا ماشية ..

تنبه أمير الى كلمات سارة الغاضبة المقتضبة فالتفت اليه وأمسك بيدها وهى تخطو أول خطوة لتنصرف من أمامه وهو يقول لها راجيا : سارة .. ارجوكى استنى ..
ظلت سارة واقفة تعطيه ظهرها وقد امتلأت مقلتيها بدموع تأبى أن تستقر بداخلها .. فانسابت دمعتين على خديها وهو مازال ممسكا بيدها .. لا تعلم ماذا تقول او ماذا تفعل ..
أمير بتوسل : أرجوكى يا سارة ..
لم تجد سارة بدا ن ان تجلس .. فجلست بهدوء ولكن كل جوارحها تعلن عن غضب شديد .. فظلت تشيح بوجهها بعيدا عنه .. لا تريد ان تراه .. ولا أن يرى دموعها التى اطلقت لها العنان فانسابت بشدة معلنة على جرح كبير تسبب لها فيه ..

سكت أمير للحظات .. لا يدرى كيف يبدأ حديثه معها .. ولكنه تكلم فى النهاية وهو مطرق الرأس ينظر الى سطح الطاولة .. وهو يعتذر كطفل ارتكب حماقة فى حق والدته أو معلمته : أنا بعتذر عن اللى قلته .. مع انى عارف ان الاعتذار مش كفاية .. سكت قليلا وهى لا تزال على وضعها بالرغم من انها كبحت جماح دموعها ولم تعد تبكى .. ثم اكمل أمير : اعتقد انك عرفتى دلوقتى مين هى الطرف التانى فى موضوعى اللى اتكلمنا فيه قبل كده واللى كنا المفروض نتكلم فيه النهاردة ..
لم ترد سارة ولم تنظر اليه .. فقال لها راجيا مرة أخرى : أرجوكى يا سارة بصى لى .. فعادت اليها دموعها من جديد .. ولكن صوته ورجاؤه قد اضعفا مقاومتها للنظر اليه .. فنظرت اليه نظرة عطف ولوم فى نفس الوقت .. لم يشعر أمير سوى بقلبه يخفق لها بشدة وكأنه يراها لأول مرة .. كان مشهد دموعها المسابة على خديها واحمرار عينيها ووجهها قد اضافا الى شخصيتها ضعفا من نوع خاص .. هو القوة الخفية التى لا تعلم المرأة عنها شيء .. القوة التى تجعل الرجل يذوب فى إرضائها بشتى الطرق .. ليتحول الرجل الى كائن ضعيف للغاية أمام تلك القوة المستترة فى ضعف ودموع المرأة .. خاصة انها ليست دموع تماسيح .. مثل التى تفتعلها بعض النساء .. وتنطلى خدعتها على بعض الرجال .. فالدموع التى يراها الآن تنسكب من مقلتى سارة وهذا الوجه الشاحب الضعيف هى دموع صادقة .. لا يخطئها الرجل أبدا .. خصوصا اذا كان هو المتسبب لها .. لانها منبعثبة من القلب الى القلب مباشرة .. لم تمر على الجزء الخبيث من عقل المرأة كى تصبح دموع تماسيح ..

لم يشعر أمير سوى انه يريد أن يضمها اليه بشدة لعله ينجح فى ان يشفى هذا الجرح الذى تسبب لها فيه .. فاقترب بمقعده من مقعدها للدرجة التى لاتجعلى أحدا يلاحظ او يظن بهما ظنا سيئا .. ثم قال لها بصوت النادم : سارة .. لو قلت لك انى كنت اعمى طول الفترة اللى فاتت وفى اللحظة دى بس رجع لى نظرى .. يا ترى حتصدقينى .. ؟ .. سكت قليلا .. ثم أكمل : أنا عارف انك محتاجة وقت .. ويمكن وقت كبير علشان تصدقينى فى اللى حقوله .. سكت مرة أخرى ثم قل بتلعثم : أنا اللى حاسه نحيتك دلوقتى احساس أول مرة احسه نحيتك .. مش حقدر اقوله فى اللحظة دى لانى متأكد انك حتخديه على محمل تانى .. علشان كده .. اقبلى اعتذارى فى الوقت الحالى .. وخلينا نكمل يومنا عادى زى ما كنا ناويين .. مش طالب منك اكتر من كده .. وبأاكد لك انه حييجى الوقت .. ويمكن قريب جدا اللى حتصدقى فيه الكلام اللى خفت تأوليه بشكل تانى لو قلته فى اللحظة دى .. أنا عارف انى اتصرفت بصورة أنانية .. بس أوعدك ان ده عمره ما حيتكرر بينا أبدا ..

لم ترد عليه سارة .. ولكنها كانت تنظر اليه بعيون متحجرة فى مقلتيها وقد جفت دموعها ولم تعد بحاجة اليها .. فبالرغم من الجرح الذى تسبب لها فيه الا ان هناك جزء ما فى قلبها ينبض بالسعادة مما يقوله فى تلك اللحظات .. والفضول من أن تعلم القصة بأكملها حتى تستطيع أن تحكم على كلامه وتصارفاته .. ثم تنسيه من أحب .. فقد وعدت نفسها بذلك منذ ان عرفت بموضوع حبه من طرف واحد .. ففى النهاية .. هى لا تريد ان تخسره أبدا حتى وان جرحها جرح فى وقت لم يتمالك فيه نفسه لسبب أو لآخر .. فهى تحبه بشدة .. وعلى يقين انه سوف يبادلها نفس شعورها له فى يوم من الأيام .. وانها قادرة على ان تنسيه ما يشعر به تجاه واحدة أخرى .. لذا أومأت برأسها موافقة على نسيان ماحدث واستكمال اليوم معه .. ولكن بشيء من التحفظ والغضب منه ..
كان أمير فى قمة السعادة .. كمن انتشله أحد من بين أمواج متلاطمة كاد أن يغرق فيها .. وكان من انتشله هو سارة .. التى قال لها وهو يبتسم : ممكن الجميل .. طنط سارة .. تضحك ضحكتها الحلوة اللى عودتنى عليها من يوم ما عرفتها ..؟
ابتسمت سارة على استحياء وهى تقول له : ممكن أمير الغلس يسمح لى بانى اروح الحمام اظبط نفسى بعد ما باظ مكياجى بسببه ..
رد أمير مازحا : على كده المفروض انى آجى معاكى أصلح اللى بوظته بنفسى ..
لم ترد عليه سارة وهى تغادر الى الحمام وهى تخرج له لسانها علامة على انها ترفض مزحته وتغيظه فى نفس الوقت ..

جلس أمير بعد أن غادرت سارة .. يفكر فيما حدث .. لم يكن يفكر فيما عرف بشأن ارتباط ايمن ورغد الرسمى الوشيك .. فقد استسلم للأمر وانتهت كل امانيه فيها .. وهذا أمر أصبح حتمى وعليه أن يسلم به .. ولكنه كان يفكر فى حقيقة مشاعره تجاه سارة .. كان فى حالة من الغضب من نفسه أنه فعل بها ما فعله .. كان يتساءل لما خفق لها قلبه بشدة هكذا عندما شاهدها تبكى بسببه .. هذ هذا نوع من الشفقة وتأنيب الضمير أم أنه شيء آخر .. هو يؤمن بانه شيء آخر .. ربما يشعر به لأول مرة تجاهها .. ولكنه يعترف لنفسه فى نفس الوقت أن سارة مهمة .. بل مهمة له لدرجة كبيرة بالنسبة .. هو فى تلك اللحظات يريدها أن تعود بسرعة .. يريد أن يحكى لها كل شيء .. وأى شيء .. ليس عن حبه المفقود أو المزعوم فقط .. هو يريد أن تعرف عنه ويعرف عنها كل شيء .. والبداية هى ذلك الحب الذى كان من طرف واحد .. والآن تأكد من أنه لم يعد هناك أطرافا لهذا الحب .. فهناك طرفا لم يشعر به من الأساس .. وقد أصبح لا يشغله الآن فى لحظة أن رأى دموع سارة بوجهها الشاحب الحزين ..

عادت سارة بعد دقائق قليلة .. كان أمير خلالها قد طلب من الجرسون احضار طعاما آخر غير الذى برد بسبب ما حدث .. وصلت اليه لتلاحظ أن الطاولة قد خلت من الطعام فقالت ممازحة والصدمة واضحة على وجهها : واضح أن البداية حتكون مختلفة .. وأول القصيدة الجوع ..
ضحك أمير بشدة على تعليقها وقال لها بعفوية : حبيبتى متقلقيش .. أن طلبت غيره علشان الأولانى برد .. ثم انتبه الى ماقاله عندما شاهد الغضب فى عيونها من أن يناديها الآن بكلمة " حبيبتى " التى لو كان قالها سابقا لكانت شعرت بسعادة بالغة .. فرفع كلا يديه معتذرا .. والله ما أقصد .. صدقينى طلعت غصب عنى .. سامحينى يا طنط سارة ..

ضحكت سارة من تعليقه وطريقة اعتذاره بعد أن احست بصدقه .. فقالت : طنط سارة مسمحاك .. بس علشان طلبت أكل سخن غير اللى برد .. ثم ضحك الاثنان .. وهما ينظران فى عيون بعضهما البعض وسرحا للحظات .. لتتدارك سارة الموقف وتغيره عندما قالت : ياللا بقى .. ابتدى ..
أمير : لا .. قبل ما ابتدى .. عايز أعرف الأول .. انتى تعرفى رغد منين ..
سارة وهى تهز كتفها : أبدا يا سيدى .. الموضوع بسيط .. احنا اتعرفنا على بعض يوم فرح مدام رنيم اختها .. طنط جميلة كانت معزومة على الفرح . وطبعا أنا روحت معاها .. وحصل انى اتصدمت برغد غصب عنها وكانت ماسكة كباية عصير وقع منه شوية على فستانى .. بصراحة هى اعتذرت بشدة .. وكانت محرجة جدا من اللى حصل .. وصممت انها تروح معايا للحمام تنضف لى الفستان .. ومن هنا بدأت علاقتنا .. بعدها اتقابلنا فى النادى كام مرة ومن ساعتها واحنا صحاب ..
أمير بلؤم : أفهم من كده انك شوفتينى فى الفرح ..
سارة : أيون ..
أمير : يعنى لما اتقابلنا أول مرة فى الشركة مكانتش أول مرة ..
سارة : أيون ..
أمير بخبث يحاول أن يثير غيظها : بس أنا مخدش باللى منك خالص فى الفرح ..
سارة بخبث أكثر وعتاب فى نفس الوقت : طبيعى انك متخدش بالك منى أو من غيرى .. وانت مكنتش شايف غير رغد .. ومكنتش بتشيل عينك من عليها ..
أمير : ياه .. للدرجة دى كنت مفضوح ..
سارة : بصراحة شكلك كان مكشوف أوى ..
أمير : بس انتى ولا مرة من ساعة ما عرفنا بعض جبتى لى سيرة عن الموضوع ده ..
سارة : بصراحة أنا كنت نسيت الحكاية دى خالص .. خصوصا انى قعدت فترة طويلة مكنتش بشوفك فيها .. اقصد فترة الجيش .. سكتت سارة للحظات ثم قالت : ها .. أنا قلت كل اللى عندى .. يا ترى انت بقى عايز تقول ايه .. وحتعمل ايه فى موضوع رغد بعد ما خلاص حتتخطب لأيمن .. هو مش برضه اسمه أيمن ..؟
رد أمير بتنهيدة صغيرة : أيوة ياستى اسمه أيمن ..
لاحظت سارة الحزن الواضح على وجه أمير .. علمت انه لا يزال يحقد على أيمن .. فقالت له : اتمنى له الخير يا أمير .. ولرغد كمان .. هما ملهومش ذنب فى اللى انت فيه ..
أمير وهو ينظر مرة أخرى الى الطاولة .: وهو أنا املك ايه غير انى اتمنى السعادة للجميع.. خصوصا أيمن ..
سارة بتعجب : اشمعنى ايمن ؟
أمير : أيمن انسان طيب .. وعانى كتير من المرض .. وبعدين حقدى عليه حيفيدنى بايه أو حيغير ايه فى الموضوع ..
سارة : اى مرض ؟ أنا شايفاه ماشاء الله صحته كويسة ..
قص أمير على سارة قصة مرض أيمن وقصة تحوله من النقيض الى النقيض عندما علم بهذا المرض .. فتعاطفت معه كثيرا .. ثم قالت له : أفهم من كده ان لو أيمن مش موجود فى حياة رغد انك حتحاول ترتبط بيها ..

كان سؤال سارة واضح ومباشر ترمى به العديد من العصافير .. فهى فى المقام الأول تريد ان تعلم موقف أمير منها بعد ان ألقى منذ قليل قنبلة خطوبتها به .. واجابته سوف تحدد طبيعة مشاعره او علاقته بها ..
تريد أن تعرف عما وصلت اليه مشاعره تجاه رغد بعد أن تأكد من انها تحب .. بل تعشق غيره .. وهذا واضح من نظراتها وهيامها بأيمن فى كل لحظة جمعت بينهم وبين سارة وأمير ..
تريد أن تعلم هل ارتباط امير بها حقيقى أم هى كلمة القاها فى ساعة رد فعل على علمه بخطوبة ايمن ورغد ..
وفى النهاية تريد أن تقيس مدى حبها لأمير .. وهل يمكنها ان ترتبط به لهذه الطريقة الجارحة بعد ان أصبحت جميع الأوراق مكشوفة بينهما ..؟!!
علم أمير بفطنته الهدف من سؤال سارة .. سكت قليلا يفكر كيف يجاوب على هذا السؤال ثم جاوب على سؤالها بسؤال محاولا ان يخرج به من هذه الورطة : طيب لو انتى مكانى كنتى كنتى حتتصرفى ازاى ..؟
سارة : بس أنا مش مكانك .. ومش ممكن اكون مكانك فى يوم من الأيام ..
أمير : تفتكرى.. ؟!
سارة : تقصد ايه ؟
أمير : لا . ولا حاجة ..

صمت الاثنان كل منهم يفكر فيما يرمى اليه الآخر .. ولكنهما فى النهاية كان لك منهم هدف يختلف عن الآخر .. فهو .. يريد أن يكفر عن الخطأ الذى ارتكبه فى حقها اليوم ويرضيها بقدر ما يستطيع دون أن يجرحها مرة أخرى .. اما هى .. فبالرغم من جرحها الطازج الذى يحتاج لوقت طويل حتى يشفى .. الا انها هى الأخرى تريده لها .. بقلب لا يحوى سواها .. تريد أولا ان تخرجه من عذاب واضح على ملامحه منذ ان جمعت الظروب بينهما .. لذا فكرت فى سؤاله .. " تفتكرى ؟! " .. فادركت انها ما كان يجب ان تجيب بانها ليست ولن تكون مكانه لتجاوب على سؤالها اليه ؟ .. فهى فى النهاية بالفعل مكانه .. والا ماذا تسمى حبها له فى حين علمها بان قلبه مشغول بسواها ؟؟؟!!!! .. فادركت الآن انها يجب ان تجيب على نفسها اولا .. يجب أن تصارح نفسها بحقيقة الموقف .. فأمير قد حسم أمره .. شاء هذا او لم يشأ .. والآن عليها هى أن تحسم أمرها وتجيب على نفسها .. هل يمكنها تقبل هذا الوضع .. هل يمكنها الارتباط بأمير أو الاستمرار فى حبه بالرغم من يقينها انه يحب أخرى .. أو بالأحرى يحب رغد التى ليست بغريبة عنه ولا أيمن أيضا غريب عنه . فالأربعة سوف يتقابلون من وقت لآخر .. اثنان منهم لا يشعرون بشيء وينعمان بحبهما لبعضهما البعض .. وآخران يعلمون كل شيء .. وحبهما لبعض حب منقوص .. مجروح من قبل أن يبدأ .. تؤرقه الحقيقة التى يعرفانها جيدا ..

ادركت سارة حينها أن معرفة كل شيء ليست دائما بالشيء الجيد .. تمنت لو لم تعلم شيئا عن حب أمير لرغد .. تمنت لو تركت الأمر للأيام فهى كفيلة ان تنسى أمير حبه لرغد ..
طال الصمت بينهما .. الى أن حضر الطعام مرة أخرى .. فقال أمير : أنا حاسس انى جعان أوى .. ياترى ممكن نبتدى ناكل قبل ما يبرد مرة تانية .. لاننا لو طلبنا أكل مرة كمان حنغسل الصحون فى النهاية ..
ابتسمت سارة بسمة ابتسامة بسيطة وقالت : أنا كمان جعانة اوى .. بدأ كلاهما الطعام .. وتحدثا فى أمور شتى .. بداية من الطعام الذى أمامهما وما يحبه كل منهما من انواع الطعام الى ما يحب ويبغض كل منهما من ملبس وموسيقى وأغانى وكتب وأفلام ....

انتهى الطعام وعاد كل منهم شاردا .. يفكر .. ولكن سارة كانت تفكر فى السؤال الذى رده اليها أمير .. تريد اجابة على هذا السؤال لنفسها قبل كل تجيبه لأمير .. ثم قالت فجأة : أمير .. أنا حابة اجاوبك على سؤالك اللى فى الأصل كان سؤالى لك .. بس قبل ما اجاوبك أنا عايزة اعترف لك بشيء خبيته عنك .. ويمكن عن نفسى فترة طويلة ..
نظر اليها أمير فى دهشة .. فقد نسى تماما هذا السؤال .. وتساءل عن هذا الذى قد خبئته عنه سارة .. ولكنه لم يرد على ماقلت سوى بجملة واحدة : اتفضلى .. كلى آذان صاغية ..

نظرت سارة الى سطح الطاولة تستجمع قواها ثم نظرت الى أمير وقالت : أول مرة شوفتك فيها كانت فى فرح مدام رنيم .. انت الوحيد اللى لفتت انتباهى بالرغم ان الفرح كان مليان شباب ورجالة شيك ومميزين جدا .. كنت أيامها لسة مشتغلتش فى الشركة .. تقدر تقول انى اعجبت بيك .. وتمنيت انى اقرب منك وأعرفك اكتر .. ومرت أيام كتيرة كنت خلالها بجمع معلومات عنك من طنط جميلة وبعد كده من رغد .. وكنت حريصة جدا ان محدش فيهم يلاحظ اعجابى بيك .. ومع مرور الأيام تقدر تقول ان الاعجاب ده اتحول لحب .. حب من طرف واحد .. يعنى بالظبط زى اللى انت حبيته لرغد .. علشان كده أنا اكتر واحدة ممكن تجاوب على سؤالك ده .. بس اجابتى عليه لازم تكون مختلفة تماما عن اجابت انت عليه .. خصوصا بعد الموقف اللى حطيتنى فيه النهاردة ادام رغد وأيمن وقبلهم ادام نفسى .. سكتت مرة أخرى للحظات تنظر الى سطح الطاولة .. ثم رفعت رأسها تنظر الى عينيه بحدة ثم قالت : لو الكلمتين اللى قلتهم لأيمن ورغد بخصوص ارتباطنا انت جاد فيهم .. فأنا يا أمير برفض الارتباط بيك بالرغم انى حبيتك فعلا .. ويمكن لسة بحبك .. وكنت اتمنى ان اللى حصل النهاردة ده مكنش حصل .. لأنى كنت مستعدة افضل جنبك لغاية ما تتخلص من مشاعرك ناحية اللى حبيتها .. وساعتها يمكن أكون جديرة بحبك .. والارتباط بيك .. أنا يا أمير حقدم استقالتى من الشركة أول ما يرجع المهندس خالد بالسلامة .. حبعد عنك لانك ببساطة ضيعت الفرصة اللى كنت بتمناها معاك سواء ارتبطنا فى النهاية أو مارتبطناش ..

اتسعت عينى أمير وهو ينظر اليها غير مصدق ما يسمع منها .. ربما اسعده الجزء الأول من كلامها وهى تعترف بحبها له .. ولكنه لم يكن سعيدا بالمرة عندما سمع رغبتها فى الابتعاد عنه .. بل شعر بوخزة فى قلبه كالتى كثيرا ما شعر بها عندما كان يتذكر ان رغد لغيره .. هنا شعر أمير بأنه على وشك أن يفقد شيئا مهما فى حياته .. فقال بدون تفكير كأنه يحذرها ويرجوها فى نفس الوقت : اوعى .. اوعى ياسارة تعمليها ..
سارة : معدش ينفع يا أمير .. لازم نمر أنا وانت بالإختبار ده .. لازم نبعد علشان كل واحد فينا يدى فرصة لنفسه يفكر ويختار بعقله وقلبه سوا .. معدش ينفع انك تختارنى بعقلك لوحده .. أو تختارنى بسبب موقف أو رد فعل لموقف أنا مليش ذنب فيه .. ولا عاد ينفع اختار أنا بقلبى لوحده ..
ايقن أمير من نظراتها صدق كلماتها وتصميمها على قرارها فقال : طالما حنتكلم بالعقل .. تعالى ننسى موضوع الارتباط ده تماما وكأنى مقلتش اللى قلته فى وجود ايمن ورغد .. تعالى ننسى اللحظة الغبية دى .. خلينا نتعامل مع بعض زى ما كنا بنتعامل قبل اللحظة المشئومة دى .. بلاش .. بلاش ياسارة تسيبى الشركة .. أرجوكى ..
سارة : صدقنى يا أمير .. أنا عمرى ما فكرت اسيب الشركة .. بالعكس أنا بحب شغلى جدا مع المهندس خالد .. والشغل هو الشيء الوحيد اللى كنت بهرب فيه من تفكيرى فيك .. بس بعد اللى حصل النهاردة وبعد اعترافى بحبى لك .. أصبح الدوا الوحيد والعلاج لكل واحد فينا هو البعد .. واعتقد اجابتك العملية على سؤالى هى اللى ممكن تحدد حاجات كتير بينا ..
سكت أمير ولم يجيب .. فهى على حق فيما قالته ..
مر الوقت وهما فى صمت .. ثم ابتسمت سارة وهى تقول له : ميرسى يا أمير على الغدا .. وميرسى على الوقت الجميل اللى قضناه سوا .. تسمح لى امشى ..؟
نظر اليها أمير نظرة يحاول فيها ان يستجدى عطفها لتغير قرارها .. ولكنها قرأت ما بعينيه وقالت وهى تمد اليه يدها وهى تقول : أشوفك بخير دايما يا أمير ثم استدارت بعد أن سحبت يدها التى لم يتركها أمير بسهولة ومضت فى طريقها وهو ينظر الى بحسرة بالغة .......

عاد أمير الى البيت فى المساء بعد أن ظل بالنادى وحيدا لا يفكر سوى فيما حدث .. وفى النهاية اكتشف أنه لم يعد يفكر طوال هذا الوقت سوى بسارة التى فرض طيفها نفسه على مخيلته طوال الوقت يتذكر اللحظات التى مرت بينهما من أول يوم تقابلا فيه بالشركة وحتى هذا اليوم الذى تركته وقد قررت الابتعاد عنه ..

عاد حزينا .. وقف على باب الشقة يبحث عن المفتاح كى يفتح باب الشقة الساكنة الخالية من الحياة بعد أن هجرها والديه لقضاء أياما بفرنسا يعوض فيها خالد أمينة أياما عجاف خلت من العاطفة لها .. تذكر قصة حب ابيه لسلمى .. كيف بدأ .. وكيف انتهى .. ايقن أن حب اللهفة والشوق ليس دائما حبا ناجحا .. والقليل فقط من قصصه قد كتب له الاستمرار والحياة .. والكثير منه قد مات فى المهد أو بعد خطوات قليلة يمشيها محبوا هذا النوع سويا فى الحياة ..
ربما ما يشعر به تجاه سارة ليس حبا من هذا النوع .. ربما هو اعجاب فقط .. ولكنه على يقين بأنه يكن لها مشاعر طيبة لا يستطيع تحديدها الآن ..

كان وهو يفتح باب الشقة يشعر فى تلك اللحظات أن سارة شديدة الشبه فى كل شيء بأمينة .. لذا شعر بالحنين الى امه .. تمنى لو تكون بالبيت الآن يضع رأسه على فخذها تداعب شعره وتقتل كل الأفكار والتعب برأسه .. فوجد نفسه يقول " امتى حترجعى يا أمونة .. وحشتينى يا حبيبتى ".. ثم فتح باب الشقة ليفاجئ بغادة وهى تدور وتدور حول نفسها ثم ترتطم بصدره .. ليدور بينهم الحوار الذى فى نهايته قد اتفقا على طلب عشاء دليفرى ..

مرت حوالى النصف ساعة ليصل العشاء وتستلمه غادة حيث أن أمير كان بغرفته بعد أن أخذ حماما دافئا لعله يغسل عن عقله وقلبه قبل جسده متاعب يومه واحداثه .. خرج من حجرته وجلس يتناول العشاء هو وغادة التى كانت شاردة تفكر فى سعيد وقد عقدت العزم على أن تذهب غدا فى محاولة أخرى لمقابلته " صدفة " ..
تكلم أمير الغير معتاد على سكونها هكذا : ايه يا غادة .. ما اسكت الله لك حسا .. مش بعادة يعنى تسكتى كده ومترغيش على دماغى .. انتى عيانة ولا حاجة يا حبيبتى ..

انتبهت غادة من شرودها ولم تستوعب ما قاله أمير جيدا : هه .. بتقول حاجة يا أمير ؟
أمير : لا .. ده انتى مش معايا خالص .. بقولك ايه اللى شاغلك ومخليكى مبترغيش على دماغى زى عادتك ؟ .. ومتقوليليش انك بتفكرى فى بابا وماما .. علشان مش حصدقك ..
غادة وقد شعرت بورطة من سؤاله : تفتكر يا أمير ان شرط التكافؤ الاجتاعى لازم يتوفرر بين اى اتنين بيحبوا بعض وعايزين يتجوزوا ..؟
أمير بتعجب وقد لفت نظره سؤالها بشدة وشعر بشيء من القلق : السؤال ده بتسأليه فى العموم ولا وراه مفاجأة من مفاجآتك ؟
غادة بنظرة لوم وعتاب : متبقاش غلس يا أمير .. طبعا فى العموم .. هو كل كلمة منى حتعملها اسقاط على حياتى .. ما قلنا ننسى تجربة حسام المهببة دى لانها خلاص انتهت من حياتى ..
أمير مستفزا اياها : مقصدش يا ستى .. أنا بس عايز اطمن انك مدخلتيش نفسك فى قصة جديدة من قصصك اللى تودى فى داهية ..
غادة بغضب : وهو المواضيع دى الواحد هو اللى بيدخل نفسه فيها بمزاجه ولا هى اللى بتتفرض عليه ..؟
أمير وقد بأ القلق يساوره : مش بقولك .. شكلنا كده داخلين على قصة مهببة ..
غادة محذرة اياه بغضب شديد : أمير .. لو استمريت تكلمنى بالشكل ده حقوم امشى ومش حكمل حتى العشا ..
أمير محاولا تهدئتها : طيب .. بس بس .. متزعليش .. أنا حتكلم جد .. بس ده ميمنعش انى فعلا خايف وقلقان عليكى ..
غادة : لا ياسيدى متخفش .. أنا بسأل فى العموم .. واطمن .. مفيش حاجة تخصنى فى السؤال ده .. اتفضل بقى جاوبنى ..
أمير : شوفى .. أنا من وجهة نظرى ان التكافؤ الاجماعى مش شرط ضرورى فى الارتباط بين اى اتنين بيحبوا بعض .. بس الموضوع مش بالسهولة دى ..
غادة : مش فاهمة .. ممكن توضح ..
أمير : يعنى لو كان واحد من الطرفين دون المستوى الاجتماعى للتانى .. فلازم يبقى عنده الشيء اللى بيميزه بحيث يعوض ولو شوية الفرق فى المستوى الاجتماعى .. يعنى مثلا .. لو البنت هى اللى أقل فى المستوى الاجتماعى .. فلازم على الأقل تكون على خلق ودين كل اللى حواليها يشهد لها بيه .. ولو كان الولد هو اللى أقل فى المستوى الاجتماعى فيكون مثلا على خلق ومتفوق فى عمله ومستقبله بيبشر بالخير .. مش مهم انه يكون فقير .. لكن على الاقل يكون طموح وراجل يصون ويسعد اللى حيرتبط بيها ..

كانت غادة تريد أن تستفيض فى اسئلة من هذا القبيل مع أمير حتى تضمن انه موافق على ارتباط النقيضين .. لكنها خافت ان تجد نفسها فى النهاية تعترف له انها قد احبت سعيد ابن أم سعيد .. أو بمعنى ادق لم تريد أن تفسد على نفسها احساسها الوليد بحب سعيد وتدخل فى صراعات مع اسرتها التى فى الغالب لن توافق على هذا الارتباط الا بسبب واحد وهو أن أم سعيد تعمل خادمة لديهم .. فالمانع ليس سعيد فى حد ذاته .. ولكن المانع يكمن فى كون أم سعيد هى خادمتهم لسنوات طويلة ..

لاحظ أمير سكوت غادة وعدم تعليقها على ماقال فقال لها : ممكن أعرف بقى سبب سؤالك ؟
اضطرت غادة أن تخترع قصة لاحدى صديقتها التى احبت شابا فقيرا أمه تعمل فى البيوت حتى اتمت تعليمه وتخرج من احدى كليات القمة .. ويريد أن يرتبط بها بعد أن اعترف كل منهم بحبه لآخر .. ولكنها خائفة من عدم قبول أهلها ..
وبالرغم من ان غادة لم تصارح أمير بأن ام صديقتها تلك تعمل فى بيتها وليس بيوت الآخرين الا انه رد عليه بهدوء : انصحيها انها تصرف نظر عن الموضوع ده تماما لانها حتقابل رفض ومشاكل مع أهلها اللى اكيد حيرفضوه .. لاننا كشرقيين عاداتنا فى الموضوع ده مختلفة شوية .. ومحدش بيقبل بالوضع ده ..

كان رأى أمير صادم لغادة .. ولكنها تداركت نفسها ولم تظهر الحزن الذى أصاب قلبها .. فأنهت عشائها فى هدوء ثم قالت له وهى تبدى بسمة كاذبة على وجهها : تصبح على خير يا أمير .. أنا داخلة اوضتى .. حاسة انى عايزة انام بعد العشوة الحلوة دى ..
نظر اليها أمير وقد ساوره الشك فى انها تتكلم عن نفسها وان هناك قصة لغادة على اعتاب هذا البيت ربما تقلبه رأسا على عقب .. ولكنه قال لها مبتسما : وانتى من أهله يا غدغودة ..

دخلت غادة الى غرفتها مغتمة من رأى أمير .. كانت تتمنى لو اعطاها اجابة تطمئن قلبها ولو قليلا .. لكنها فى الوقت الحالى لا تفكر فى ارتباط رسمى من سعيد .. هى مازالت فى البداية معه .. حتى انهما لم يتقابلا مرة أخرى حتى يبوح كل منهم للآخر بما فى قلبه .. هى مازالت فى البداية وامامها سنة دراسية صعبة هى عنق الزجاجة فى مستقبل كل فتى وفتاة ..
فى محاولة لنسيان موضوع سعيد تذكرت كلامها السابق مع والديها بعد انتهاء ازمة علاقتها بحسام .. وكيف وعدتهم ان تهتم بمستقبلها الدراسى وحسب .. فاستقرت وعزمت على المضى قدما فى محاولة النسيان ..

جلست على مكتبها امام اللابتوب .. تتصفح الفيس بوك فى ملل .. ثم نظرت الى خانة البحث عن الأصدقاء .. وجدت نفسها تكتب اسم سعيد .. ثم ضغطت على زر البحث .. ليظهر لها العديد من النتائج .. ولكنها غادرت الصفحة بسرعة .. بل وغادرت اللابتوب والمكتب .. جلست فوق سريرها تتصفح مجلة للأزياء .. ولكنها تركتها بعد دقيقة واحدة لتعود الى مكتبها والى اللابتوب من جديد .. ثم وهى مسلوبة الارادة .. اخذت تبحث عن سعيد مرة أخرى .. ظلت تبحث حتى تفاجأت بصورته .. هو .. نعم انه هو .. لم تصدق نفسها .. ها هى صورته .. بل صوره جميعها امامها .. قضت ساعات تخترق صفحته على الفيس بوك .. تقرأ كل بوست وكل تعليق له .. تنظر بتمعن الى صوره .. كم ان هذا الفيس بوك رائع فى تلك اللحظات .. تكاد من سعادتها لو أمامها مخترعه حتى تشكره على هذا الاختراع العظيم الذى اتى لها بمن تحب وبكل شيء عنه ..
قرات له بوست يقول فيه "أهواك .. واتمنى لو انساك .. وانسى روحى وياك" .. كان قد نشر البوست منذ دقائق قليلة .. وبدون أ تدرى وجدت نفسها تعلق على البوست .. "لو كنت يوم انساك .. ايه افتكر تانى .. بالى وخيالى معاك .. وكل وجدانى" ..
كان قلب غادة فى تلك اللحظات يدق بسرعة كبيرة من شدة التوتر والخوف من نفسها .. والخوف عليه ومنه قبل أى شيى .. لذا .. لم تكد تمر سوى دقيقة واحدة لتزيل تعليقها .. لعله لم يقرأه أو لم يلاحظه أحد .. ولكنها فوجئت به بعد دقيقة أخرى يرسل لها طلب صداقة ..

اضطربت غادة بشدة .. لا تدرى ماذا تفعل .. هل تستمع لنداء القلب وتوافق على طلب الصداقة فتدخل التجربة للمرة الثانية وربما هى بذلك تخيب أمل والديها واسرتها بالكامل فيها .. وتون عهدها معهم .. أم تستمع لنداء العقل وتبتعد .. وهذا اسلم وافضل للجميع ..
لكن بالطبع النفس قد فعلت افاعيلها .. فصورت لها كم سيكون محبطا لو لم تقبل صداقته .. وكيف ستكسر قلبه بعد ان علمت انه مهتم بها حينما هاتفها على تليفون منزلها .. وحينما ارسل لها طلب الصداقة ..

فى النهاية اقنعت غادة نفسها بانه لا مانع من ا تقبل صداقته على الفيس بوك .. وهذا أكثر وآخر ما ستعطيه .. و لن يكون هناك بينهما شيء سوى تلك الصداقة .. وحسب .. ولكنها قررت ان تقبل صداقته فيما بعد .. متى .. هى نفسها لا تعلم .. فهى الآن خائفة من أن تبتعد عن الشاطئ اكثر من ذلك ..

فى اليوم التالى وصل أمير الى الشركة مبكرا .. كان كل همه ان يتقابل مع سارة يطمئن عليها بعد أن حاول أن يحادثها تليفونيا بالأمس قبل أن ينام ولكن تليفونها كان مغلقا .. وصل الى مكتبها فلم يجدها .. انتظر حوالى نصف ساعة بمكتبه ثم عاود الاتصال بها على رقم مكتبها الداخلى فلم ترد ايضا .. لم يجد بدا من أن يسأل عنها موظفة الاستقبال التى أخبرته انها قد اعتذرت تليفونيا هذا الصباح وانها فى اجازة حتى عودة المهندس خالد من سفره .. يعلم أمير ان خالد قد نصحها بأن تأخذ أجازتها السنوية خلال أيام سفره ولكنها لم تفعل حتى لا تحرم نفسها من مقابلة أمير كل يوم بالشركة ..
استقبل أمير خبر اجازتها بحزن شديد .. وأيقن أن سارة قد عقدت العزم على فعل ما أخبرته به بالأمس ..

حاول أن يستسلم للأمر الواقع ويلهى نفسه فى العمل ولكنه لم يستطع أن يركز فى العمل .. ظل طوال اليوم وطوال اليومين التاليين .. يفكر فى سارة .. فى البداية ظن انه قد فكر فيها من جهة التعاطف معها وما سببه لها .. ولكنه اكتشف بعد مرور يومين انه كان يتذكر كل المواقف التى مرت به مع سارة منذ ان قابلها للمرة الأولى بالشركة .. تذكر عندما صنعت له أول مج نسكافيه بيدها .. حتى انه قد تذكر طعمه وشعر به فى حلقه .. يتذكر يوم جاءته هو وابيه بالمطعم ليوقع لها اباه بعض الأوراق التى تحججت به حتى تراه .. وكيف مكثا سويا وماذا درا بينها بعد ان غادر ابيه وتركهما سويا .. يتذكر أوقات الراحة من التدريب وماذا فعلا فيها وفيما تحدثا .. يتذكر المكالمات التى كانت بينهما وهو فى وحدته بالجيش .. يتذكر كل شيء وأى شيء بينهما .. ثم يعيد التفكير فيه مرات ومرات .. شعر بالشوق اليها .. شعر بأن عدم وجودها فى حياته أمر صعب للغاية .. أيقن انه يحبها .. وكأنه لم يحب أحد قبلها .. أيقن أن مشاعره تجاه رغد لم تكن سوى اعجاب بفتاة حلوة ومرحة وخفيفة الظل .. فتاة لم يتحدث معها سوى مرات قليلة .. وفى كل مرة كانت الكلمات بينهما كلمات بسيطة لم ترقى الى حديث يعلم منه أو يختبر فيه حقيقة مشاعره تجاهها .. أما سارة فبالرغم من حداثة العلاقة بينهما الا انهم قد تحدثوا كثيرا سويا .. عرف كل منهم عن الآخر الكثير .. ربما لاترقى الى مستوى جمال رغد أو خفة ظلها .. ولكنه يشعر تجاهها بمشاعر خاصة جدا .. يشعر أنه يكون على سجيته معها وكأنها أمه وأخته وحبيبته فى نفس الوقت .. أما عن الجمال وخفة الظل .. فهما ليسا شرطا من شروط الحب .. فيكفيه أنها جميلة فقط وليست صارخة الجمال .. ويكفيه أنها أيضا لها خفة ظلها الخاصة بها وأنها على وعى وثقافة وثقة واعتزاز بالنفس يرقى بها الى مراتب الأميرات ..

وفى خضم ما كان يمر به طوال الثلاثة أيام التى غابت فيها عنه سارة.. لم يكن منه سوى أنه قد ظل يطلب رقمها على الموبايل طوال الأيام الثلاثة .. لكن للأسف كان مغلقا .. طلبها مرات عديدة ولكن دون جدوى .. وعندما يأس ان تفتح تليفونها فى اليوم الثالث ..طلب رقم موظفة الاستقبال الداخلى بالشركة وطلب منها أن تطلب سارة أو مدام جميلة خالتها على التليفون الأرضى لمنزلها ..
التقط سماعة التليفون بعد دقائق قليلة .. لتخبره بوجود مدام جميلة معها على الخط ..
أمير بتردد : مساء الخير يا مدام جميلة ..
جميلة بابتهاج : أهلا يا استاذ أمير .. ازيك .. وازى الباشمهندس خالد ومدام أمينة ..
أمير : بخير .. بخير حضرتك ..
جميلة : يا ترى حيرجعوا بالسلامة امتى ان شاء الله .. انا عرفت من سارة انهم سافروا ..
أمير : يوم الاربع ان شاء الله ..
جميلة .. بلغهم سلامى كتير يا استاذ أمير ..
أمير : يوصل ان شاء الله حضرتك .. وعلى فكرة .. مبروك على المولود .. أنا آسف انى ماباركتش لحضرتك قبل كده .. بس ظروف الشغل حضرتك عارفة .. ثم تلعثم وهو يقول : يا ترى سارة موجودة .. اصلى كنت عايز اسألها عن حاجة فى الشغل ..
جميلة : شكرا يا استاذ أمير .. وعلى فكرة احنا سميناه أمير على اسمك .. أصل انت والمهندس خالد والعيلة كلها غالين علينا أوى .. سارة موجودة .. دقيقة واحدة حتكون معاك ..
كانت سارة قريبة من خالتها وتسمع المحادثة بينها وبين أمير جيدا .. فاشارت اليها بان تبلغه بانها نائمة .. ولكن خالتها لم تمتثل الى طلبها ودفعت لها سماعة التليفون دفعا بعد أن قالت لأمير وهى تنظر الى سارة نظرة تحدى : سارة معاك اهى يا استاذ أمير ..

التقطت سارة سماعة التليفون على مضض وهى تنظر لخالتها شذرا .. ثم ابتعدت بها قليلا .. ولحسن الحظ فقد بكى أمير الصغير فى هذا الوقت كى تتكلم مع أمير الكبير براحتها : خير يا استاذ أمير .. فيه حاجة أقدر اساعد حضرتك بيها ..
أمير بضيق : شوفى .. أنا حتغاضى عن الطريقة الناشفة اللى بتكلمينى بيها دى علشان أنا عاذرك وحاسس بضيقك منى .. بس ده مش معناه انك تتعاملى رسمى أوى بالشكل ده .. واذا حبيتى نخليها رسمى .. فانت مش مسموح لك تغيبى عن الشركة الا باذن وموافقة رئيسك المباشر .. وبما ان المهندس خالد مش موجود .. ففى الحالة دى رئيسك المباشر هو أنا .. على اعتبار انى بنوب عنه فى غيابه ..
سارة وهى تكتم ضحكة كادت أن تفلت منها : بس حضرتك عارف انى قررت اقدم استقالتى بمجرد ما يرجع المهندس خالد بالسلامة .. يعنى خلال كام يوم مش حكون موجودة فى الشركة بالمرة ..
أمير : وعلى ايه تستنى لما يرجع المهندس خالد .. ما أنا قلت لك انى النائب بتاعه فى غيابه .. ممكن حضرتك تشرفى دلوقتى وتقدميلى استقالتك ..
سارة وقد شعرت بجدية طريقته فانقبض قلبها قليلا ولكن كرامتها ابت ان تهان فقالت : بجد .. طيب يا سيدى أنا ببلغك انى مستقيلة ..
أمير : لا يا آنسة تقديم الاستقالة له أصوله .. حضرتك تشرفى هنا وتقدميلى استقالة مكتوبة ..
سارة : وماله .. بكرة ان شاء الله حكون عند حضرتك باستقالتى ..
أمير : مفيش حاجة اسمها بكرة .. انتى تشرفى فى الشركة حالا .. والا ..
سارة : والا ايه يا استاذ أمير ؟؟!!
أمير وقد تغيرت نبرة صوته وطريقته تماما : والا حسيب أنا الشغل اللى فى ايدى وآجيلك يا سارة .. سكت للحظة ليتكلم بنعومة واستجداء : واركع ادامك وادام خالتك وكل الجيران وأقولك انى بحبك ومقدرش اعيش من غيرك ..
لم تصدق سارة اذنيها فقالت بهستيريا بين الضحك والبكاء : انت بتقول ايه يا مجنون ..
أمير : بقول اللى سمعتيه بالظبط ياطنط سارة .. ها .. حتيجى .. ولا آجى أنا ؟!
سارة برقة وانوثة : أمير ..
أمير : سارة .. صدقينى .. أنا الكام يوم اللى مروا دول فى غيابك لا كنت عارف اشتغل ولا آكل ولا أنام .. أنا فعلا حاسس انى مقدرش اعيش من غير وجودك فى حياتى ..
سارة وقد كان قلبها يرقص بداخل صدرها وهى تستمع الى اجمل كلمات سمعتها منه فى حياتها : طيب و....
أمير : لو قصدك رغد .. صدقينى مخطرتش على بالى من يوم ماكنا مع بعض ولو للحظة .. انتى الى كنت بفكر فيكى ليل نهار .. خيالك مافارقش جفونى طول الوقت ..
سارة وقد ذابت تماما م كلماته : يعنى انت يا أمير .......
أمير : أيوة ياسارة يعنى أنا كمان بحبك زى ما انتى حبتينى .. ويمكن أكتر كمان .. والمرة دى لو طلبت منك الارتباط .. حيكون لانى بحبك ومقدرش أعيش م غيرك .. مش لأى سبب تانى .. وأوعدك انى عمررى ماحخذلك ابدا .. وعمرك ما حتندمى على ارتباطنا فى يوم من الأيام ..


Mamdouh El Sayed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-08-20, 10:07 AM   #99

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

الحمد لله ان امير وعى على نفسه قبل ان تضيع سنوات من عمره

افضل ماحصل له هو ان علاقته بساره كانت مبنيه على الصراحه ومعرفتها كل الماضي ولم يغلط غلطة ابيه الذي تم كشفها بعد سنوات

غاده لااعرف ماذا اصفها لاتزال مراهقه وطالبة ثانويه وخرجت من تجربه كان فيها دروس كثيره ولكن فجأة اصبحت تحب ابن الخدامه

انا ضد هذا النوع من العلاقات والمصيبه انه ابن خادمتهم بالذات

واضح انه لايجذبها الا الرجال الاقل منها بالمستوى وليس الفرق بسيط بل فرق لايستهان به

لاادري كيف ستسير حكايتها مع سعيد




um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 31-08-20, 12:25 PM   #100

defne

? العضوٌ??? » 37300
?  التسِجيلٌ » Aug 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,246
?  نُقآطِيْ » defne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond reputedefne has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

defne غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:11 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.