19-08-20, 09:23 PM | #71 | ||||
| البارت الرابع و العشرون قضية طلاق بعد أن أغلقت والدة ملك الخط , انتابها شعور سيء ظل معها الى أن عاد زوجها , بمجرد أن جلس الى جانبها على الأريكة بادرته " عزيزي كلمت ملك قالت أن الأمر لم يحل بعد , لكن صوتها لم يعجبني " نظر اليها زوجها بعتاب " ألست أنت من ضغط عليها للذهاب ؟ دعيها و شأنها اذا , بمجرد أن تجد حجزا ستعود ملك ليست طفلة , ثم هي في دبي و ليست في النيجر " تنهدت والدتها و لكن الحيرة لم تغادر ملامحها " أجل و لكن قلبي يقول بأن ابنتي غير مرتاحة تبدو باكية و حزينة , أتعلم قالت أن ممثل السفارة معها لحل الامر لكن لا جديد في الموضوع " كان عز الدين بصدد النهوض للاغتسال و الصلاة , حينما قالت زوجته هذه الجملة , لكنه وقف مكانه و سأل نفسه باستغراب " منذ متى تتدخل السفارة في أمر تافه كهذا ؟ " صمت قليلا يفكر ثم أضاف " و اذا كانت السفارة قد تدخلت , لم لم يحل الأمر اذا لحد الآن ؟ " بدا الامر غريبا بالنسبة له , عقبت والدتها و قد زاد قلقها " هذا ما أعنيه ملك ذكية و متعودة على السفر وحدها , لا أدري لم تبدو كأنها مكتئبة و تعاني من بقائها هناك بطريقة مبالغ فيها " " هل تحدثت اليها عبر الكاميرا ؟ هل رأيت وجهها ؟ " نفت والدتها مباشرة " لا لم أفعل عادة هي من تتصل باستعمال الكاميرا , حينما يكون المكان مناسبا , و أنا أدعها على راحتها " فكر والدها لبعض اللحظات ثم قرر الاتصال بها بنفسه , زوجته حساسة جدا اتجاه ابنتها و قد تكون مجرد أوهام عادة هو لا يطيل الكلام معها حينما تكون مسافرة , لا يريدها أن تشعر بأنها مراقبة , لطالما أعطاها مساحة لتعتمد على نفسها و تصبح أكثر قوة و ثقة بالنفس , و لطالما لام زوجته على مراقبة كل تحركاتها , بالنسبة له تربيتهما الصالحة لها هي أحسن رقيب , و ثقته بابنته تفوق كل تقدير , اتصل بها عز الدين بالكاميرا عبر الفايبر و ردت ملك سريعا , كان الاتصال مقتضبا لأنها كانت داخل سيارة , أخبرته أنها تقلها الى مكان اقامتها الجديد الى أن تجد رحلة للعودة , لكن دون أن تخبره أين تذهب أو مع من , و رغم أن الاتصال لم يدم أكثر من ثلاث دقائق , الا أن توجس والدها من وضعية ابنته بعد اغلاق الخط , كان أسوء بكثير مما حاولت والدتها ايصاله , لم تكن مجرد هواجس فارغة كانت ملك تبدو مرتبكة , تتردد للرد على أسئلته البسيطة , و تحاول تفادي النظر اليه مباشرة في الكاميرا , ملامحها متصلبة ابتسامتها مصطنعة , و كأنها تجبر نفسها على اظهارها و عيناها اللتان تبدوان باكيتين , رغم أنها حاولت اخفاء الأمر , بالكذب أنها لم تنل قسطا كافيا من الراحة , الا أن تمثيلها لم يمر عليه , هذه ابنته التي رباها و يحفظها كما يحفظ اسمه , هو لا يعلم ما الذي يجري معها بالضبط , لكن ما هو متأكد منه أنها ليست بخير , و أنها تخفي أمرا مريبا , سرح الرجل قليلا بتفكيره قبل أن تتدخل زوجته " ها حبيبي ما رأيك ؟ " أخذ عز الدين نفسا عميقا و ابتسم , و قد قرر ألا يزيد توتر زوجته " أعتقد أنها منزعجة من بقائها هناك لا أكثر , أنت اهدئي و لا تشعريها بقلقك , قد يكون مجرد أوهام , و أنا سأجد طريقة لحل الموضوع " ربت على يديها قليلا و طبع قبلة على جبينها , قام بعدها مباشرة دخل مكتبه أخرج هاتفه و اتصل على صديقه دون تأخير " مرحبا عبد الحميد كيف حالك ؟ " " هاي مرحبا أيها الجزار , لم أسمع صوتك منذ مدة , كيف حالك أيها الشرير ؟ " ضحك عز الدين بهدوء ثم أجابه " بخير فقط مشغول مع العيادة كما تعلم , لا أجد حتى وقتا للاسترخاء " " كيف حال عدراء و ملك هل زوجتها ؟ " و ضحك بصوت عال " طبعا لا ليس من دون حضورك " بعد تبادل الكثير من الأخبار و المعلومات , اقترح الرجل على الخط " ما رأيك اذا أن نلتقي و نخرج للصيد , لم نفعل ذلك منذ زمن و ابني مشتاق لرؤيتك " " أكيد عبدو لنجهز للموضوع لاحقا , لكنني في الحقيقة اتصلت الآن , بسبب حاجتي لتدخلك في أمر طارئ " " بالتأكيد عز الدين أنت أخي أطلب ما تشاء " شعر الرجل بالقلق لم يسبق أن طلب منه صديقه خدمة أبدا , هما صديقين مقربين منذ سنوات طويلة , منذ أن كان عبد الحميد يعمل في السفارة الجزائرية في فرنسا , و تعرف اليه لأنه من قام باجراء عملية ناجحة لابنه , الذي ولد بتشوه خلقي في القلب , و رغم انشغال عز الدين بعيادته و عائلته , و نقل عبد الحميد ليصبح من أهم الدبلوماسيين العاملين في وزارة الخارجية في الحكومة الجزائرية , الا أن علاقتهما لا تزال قوية كالسابق , يميزها الكثير من الاحترام و الود بين العائلتين لذلك فكر عز الدين في اللجوء اليه لحل مشكلة ملك , لما للرجل من علاقات كثيرة على الصعيد الدولي , بعد أن أخبر صديقه بالتفاصيل , طمأنه عبد الحميد أن بامكانه تحري الأمر و ايجاد حل سريعا , و طلب اعطاءه بعض الوقت للتصرف , ارتاح بال عز الدين و عدراء قليلا , الا أنهما لم يتمكنا من النوم تلك الليلة , و هما لا يعرفان بم تمر ابنتهما الآن في غربتها , أما عبد الحميد فقد كان عند وعده , و قام باجراء بعض الاتصالات , حتى وصل الى مسؤول رفيع في طيران الامارات , ليسأل عن امكانية ايجاد حل ملائم , و الرجل وعده أن يتصل به لاحقا لافادته بالمعلومات. . . . بعد أن غادرا المستشفى في سيارة عبد الحفيظ , و تلقي ملك مكالمة والدها و التي لم تزدها الا استياءا , بسبب كذبها عليه و اخفائها الحقيقة , اتجها ناحية الشواطئ و بالتحديد الى شاطئ الجميرا الفخم بكل مناظره الخلابة , بعد ساعة و نصف من القيادة , توقفت السيارة أمام بيت شاطئي من طابقين مقابل البحر مباشرة في المدخل شرفة كبيرة فيها كراسي طويلة , و طاولة مقابل حمام سباحة خاص , داخل المنزل كان الديكور فاتنا , مع أرضية خشبية تضفي دفئا على المكان , معظم الجدران استبدلت بنوافذ زجاجية كبيرة , مع ستائر بيضاء شفافة , مما يوحي للجالس داخل المنزل أنه على الشاطئ مباشرة , أما الأثاث فكان بطراز يشابه شرق آسيا , و كل شيء باللون الأبيض الفاخر المنزل كله و كأنه تم تحويله مباشرة من احدى جزر المالديف , راحة و هدوء يمنحان الشعور بالأمان و الطمأنينة , النسيم عليل و الأرجاء هادئة , رغم ذلك لم يكن يغطي على شعور ملك بالحزن , بعد كل ما مرت به , دخل عبد الحفيظ أولا ثم دعاها الى الدخول , بعد أن فتح لهم أحد الحراس الباب و انصرف كان هناك صالون مع مطبخ في الطابق الأرضي , أما الطابق الأول فكان يتكون من غرفتي نوم " تفضلي ابنتي ستبقين هنا الى أن نحل المشكلة " قال عبد الحفيظ و هو يساعدها في ادخال أمتعتها , نظرت اليه ملك بامتنان " شكرا سيدي و لكن هذا البيت يبدو مكلفا " واضح أن المكان ذو مستوى عال و سياحي من الطراز الأول , و الليلة هنا تكلف ثروة بالتأكيد , رد عبد الحفيظ بابتسامته المميزة " لا تقلقي ابنتي المنزل تابع للسفارة , بامكانك البقاء هنا قدر ما تشائين مجانا " شعرت ملك بالارتياح بعدما قاله , و بدأت تجول بعينيها محاولة استكشاف المكان . بعد اطمئنانه على حالها قرر عبد الحفيظ الانصراف , بعد أن منحها بطاقة عمله التي دون على ظهرها رقمه الخاص , و طلب منها أن تتصل به , في أي وقت اذا احتاجت أي شيء و تواعدا على اللقاء غدا أمام مكتب المحامي جوزيف , و أعطاها عنوان المكتب بعد أن عرض عليها المجيء لاصطحابها , لكنها فضلت ان تأخذ تاكسي من هنا بدل اتعابه , و شكرته كثيرا على وقوفه بجانبها . بعد أن رحل الرجل , صعدت ملك الى الطابق الأول , كانت الغرفة التي تقابل غرفتها موصدة بالمفتاح , و لم تحاول ملك فتحها و الدخول اليها , حيث رجحت أنها تحوي أغراضا خاصة بالسفارة , دخلت بعدها الى غرفتها أخذت دشا و غيرت ملابسها , أثناء ذلك كانت السماء قد أظلمت و حل الليل , نزلت بعدها الى الصالون , و استلقت على الاريكة واضعة غطاءا خفيفا عليها , لم تأكل شيئا منذ البارحة , الا أنها لم تكن جائعة , فرغم الأبهة التي تحيط بها , الا أنها لم تملك الا أن تشعر بمرارة الغربة التي تحتل قلبها , لم تستطع ملك منع نفسها من تذكر كل ما حدث منذ أمس بكل تفاصيله , خاصة صدامها الأخير مع المجنون في غرفة المستشفى رغم تحليلاتها و محاولة استيعابها , الا أنها تصل في كل مرة الى طريق مسدود , و نفس السؤال يتكرر " لم يحدث معي كل هذا ؟ " و لا اجابة شافية واحدة ، كل ما هي متأكدة منه أنها تحقد على ذلك الرجل و تبغضه , كما لم يحدث في حياتها يوما , و اذا كانت تتمنى شيئا الآن , هو أن تغمض عينيها و تفتحهما لتجده اختفى من حياتها . استمر انشغال فكر ملك الى الرابعة صباحا , و لم تتوقف الا بعد أن غالبها النعاس , فغفت على الأريكة دون ادراك , و لم تستفق الا و أشعة الشمس الدافئة تداعب وجهها , فتحت ملك عينيها و قد أدركت أنها قضت الليلة هنا , كانت الأريكة وثيرة , لكن الوضعية التي نامت بها جعلتها تشعر بتشنج في رقبتها و ظهرها , كانت الساعة تشير الى السابعة صباحا في هاتفها , لم تنم ملك كفاية لكن كان عليها أن تخرج , حتى لا تفوت موعد المحامي , مدت يديها فوق رأسها , و حركت جسمها ببعض الحركات الخفيفة , حتى تتخلص من التشنجات , ثم قامت غيرت ملابسها و صنعت قهوة لفطورها , اتصلت بوالدتها لدقائق معدودة حتى تطمئن بالها , و بعد انتهاء المكالمة كانت قد حزمت أمرها , في اخبار والديها بالحقيقة كاملة , بعد العودة من مكتب المحامي , اذا لم يظهر أي انفراج قريب في أزمتها , لا يمكنها الاستمرار في الكذب عليهما أكثر حملت بعدها حقيبة يدها , و استدعت تاكسي ليقلها الى وسط المدينة بالوصول الى العنوان الذي حصلت عليه البارحة , دخلت ملك البناية التي كانت كلها عبارة عن مكاتب و مقرات لشركات متنوعة , تقدمت الى أمام المصاعد , حيث كان هناك الكثير من الناس في صف الانتظار فهذا وقت الذروة , انتظرت ملك دورها و صعدت الى الطابق الواحد و العشرين , كان المصعد يتوقف في كل طابق تقريبا , حيث يدخل و يخرج منه الكثيرون مع اكتظاظ بالداخل , لكن الأمر كان سريعا , بالوصول الى مكتب المحامي , انتظرت ملك في القاعة الى أن حضر عبد الحفيظ كما وعدها , و دخلا سويا لمقابلة المحامي جلس بعدها الثلاثة مطولا و دخلوا في نقاش حاد " متر أريد معرفة الطريقة التي أستطيع بها استعادة جواز سفري و المغادرة " سبق و أن سمعت ملك الكثير عن هذا الموضوع , و لكنها الآن تريد مناقشته بهدوء بعيدا عن الضغوط التي عانت منها ظهرت ملامح قلة حيلة على وجه المحامي " سيدتي الغاء قرار الحظر يجب أن يتم بعد تنازل زوجك عن طلبه " انزعجت ملك مما قاله و سارعت للنفي " متر أخبرتك أنه ليس زوجي , و لا أعرف عنه شيئا " نظر الرجلان الى بعضهما بصمت , ثم رد جوزيف بمراعاة " حسنا سيدتي حتى و لو قلت ذلك , لكن الوثائق التي لديه حقيقية , و أنت بنفسك أكدت أن امضاءك على العقد حقيقي " " لكنني لا أعرف فعلا كيف وصل الى هناك " كررت ملك نفيها للعلاقة و هي تضع وجهها بين يديها أضاف المحامي بكل موضوعية , بعدما تردد لبعض الوقت " دعونا لا نتكلم عن معرفتك به من عدمها , هناك عقد حقيقي يقول بأنك زوجته , اذا أردنا الحصول على الغاء للحظر , اما أن نجعله يتراجع عنه أو نرفع عليه قضية طلاق " . . . . . . . . . . البارت الخامس و العشرون حظ عاثر 💔 لم تستسغ ملك الاقتراح , فكيف تتطلق من رجل , لا تعترف أساسا أنها زوجته و عبس وجهها بشدة لاحظ المحامي الأمر فأضاف لطمأنتها "سيدتي أنا فقط أحاول مناقشة الحلول الممكنة , و الطلاق هو آخرها و أصعبها على الأرجح " هزت ملك رأسها و ضبطت أعصابها , و استمرت في الاصغاء لما يقوله المحامي " و لكن حتى و إن ألغينا القرار و استعدت جواز سفرك , لا يمكنك المغادرة من هنا , لأنك مطلوبة على ذمة قضية محاولة التهريب , لم تبرئي منها تماما و أطلق سراحك بكفالة فقط , يعني لا يمكنك المغادرة إلا إذا صدر الحكم لصالحك , و إلا استوقفوك مجددا في المطار , و إذا حصل ذلك فلن يقبل طلب كفالة مجددا , لأنك ستكونين حينها قد خرقت القانون , و ستضطرين إلى المكوث في السجن إلى أن يفصل في القضية , القوانين صارمة في هذا الموضوع " قاطعته ملك " و لكنني لا أعرف كيف وصلت تلك القطعة إلى حقيبتي , أكيد هو من دسها لي , تلك خدعة منه " وافقها المحامي مباشرة " ربما أنت محقة سيدتي , و لكن حتى لو جاء ذلك الرجل الآن و اعترف بالأمر , و هذا شيء مستبعد , إلا أن ذلك لا يغير في القضية شيئا , و سنكون مجبرين على انتظار الفصل فيها , من طرف المحكمة و حصولك على البراءة " كان المحامي يحاول تحليل القضية , بعيدا عن اعتراف ملك بالزواج من عدمه , رغم شكه في الأمر في البداية , إلا أن كل تلك الأوراق تثبت حصول الزواج , إضافة إلى أنه كان شبه متأكد , أن علي من دس القطعة في حقيبتها لمنعها من المغادرة , لكن ذلك لم يكن ليغير أي شيء , فالكلام دون أدلة لا وزن له . شعرت ملك بالخوف لما قاله " و متى يحكم في القضية , يعني فرضا أنني استرجعت جواز سفري , متى يمكنني الحصول على الحكم بالبراءة ؟ " قطب المحامي جبينه " حسنا سيدتي لن أكذب عليك , يمكن أن تستمر القضية لشهور , قبل عقد أول جلسة في المحكمة , هذا يرجع إلى برنامج القضايا , لا يمكن لأحد التدخل به , نحن فقط ننتظر الاستدعاء للذهاب و الحضور " فزعت ملك مما قاله " شهور ؟ لكنني لا يمكنني البقاء هنا كل هذه المدة لدي عملي و دراستي , لدي عائلتي و حياتي , يا الهي لا يمكنني المكوث هنا " " آسف سيدتي , لكن هذا آخر ما يجب أن تقلقي بشأنه , التهمة ليست بسيطة , قد يصل الحكم فيها إلى عشرة سنوات , و القضاء عادة يأخذ وقته للفصل فيها " صمت المحامي قليلا و بعد تفكير بسيط أضاف " اسمعي سيدتي إذا أردت رأيي , فأنا أنصحك بأن ترتبي الأمور مع هذا الشخص الذي يقول بأنه زوجك , و ان تصلي إلى تسوية معه , أولا لأن ورقة الملكية التي بيده هي مفتاح براءتك , لن تكون ذات قيمة إن استمررت في إنكار الزواج , لأنك حينها لن تكوني مالكة للقطعة , و سيتأزم موقفنا في القضية , و ستثبت التهمة عليك لا محال ثانيا و هذا الأهم , ذلك الرجل له وزنه في المجتمع , و رجل أعمال بنفوذ رهيب , يعني سواء قضية الطلاق التي اقترحتها أو قضية التهريب , قد تتأجلان لسنوات بإشارة من أصبعه , المحامي الذي يستخدمه ثعلب معروف بألاعيبه , و يجيد استغلال الثغرات القانونية , بإمكانه توريطك تماما كما بإمكانه إخراجك ببراءة من أول جلسة " قال متر جوزيف بكل صدق ناصحا ملك بالتروي , و التوقف عن تحدي علي و إنكار العلاقة بينهما , لأنها ستكون الخاسر الوحيد في النهاية " سنوات ؟ " قالت ملك بكل دهشة , و لم تسمع حتى ما أضافه المحامي في الأخير , كانت كمن وقعت صاعقة على رأسه , هي اعتقدت أن الأمر سيأخذ بضعة أيام في أسوء تقدير , و لكن المحامي هنا يتكلم عن سنوات , و احتمال بالذهاب الفعلي إلى السجن , أي كابوس هذا الذي تعيشه ؟ فكرت ملك في حياتها عائلتها عملها مستقبلها , هل ستخسر كل هذا بسبب لعبة سخيفة , من مجنون لا تعرف هدفه مما فعله ؟ لاحظ الرجلان ارتباكها و حيرتها , فحاول المحامي تخفيف وطأة الأمر عليها فأضاف " سيدتي إذا أردت التحاور معه بكل هدوء , أنا مستعد لمرافقتك و اقتراح حلول في صالحك " نظرت اليه ملك بتشوش , فهي لم تكن تريد أن تكلم ذلك الرجل , و لا أن تتوسله للتراجع عما فعله , في آخر لقاء بينهما في المستشفى , بدا مصرا على ما فعله , و لم يبد حتى بعض الندم , بالعكس كان ينتظر انهيارها و اعترافها بما يريده و لكن المحامي الآن سد كل الطرق في وجهها , لم تعرف فيما تفكر و ماذا عليها أن تفعل ؟ بعد الحوار لأكثر من ساعتين , لم تحزم ملك أمرها بالتوجه إلى ذلك الرجل من عدمه , الآن فقط أدركت لم لم يظهر أمامها مجددا ؟ لم تركها ترحل من المستشفى بكل بساطة ؟ لأنه يعرف أنها هي من سيبحث عنه , و يتوسله للعفو عنها و تركها ترحل . لم يعد المحامي لديه الكثير ليقوله , في نهاية اللقاء وقفت ملك استعدادا للمغادرة , و سلمها جوزيف بطاقة عمله " تفضلي سيدتي , هذه معلوماتي اتصلي بي حينما تتوصلين إلى قرار , و أنا سأكون جاهزا للمساعدة " أخذت ملك البطاقة دون أية تعابير على وجهها و شكرت المحامي , يبدو أنها لا تحصل إلا على البطاقات , منذ وصولها إلى هذا المكان , حينما همت بالخروج فتحت حقيبة يدها , للبحث عن محفظتها و وضع البطاقة داخلها , فجأة توقفت عند المدخل شحب وجهها و شلت يدها " محفظتي لا أجدها " صرخت بفزع و بدأت بالبحث كالمجنونة دون جدوى , أفرغت بعدها حقيبتها كلها على مكتب السكرتيرة , التي كانت تساعدها في التفتيش , لكن لا أثر للمحفظة , كان واضحا أنها تعرضت للسرقة , فقدت ملك كل قوتها و جلست على الكرسي , فلم تعد رجلاها تحملانها , و بادر عبد الحفيظ بالسؤال " ابنتي ما الذي فقدته بالتحديد ؟ " نظرت إليه ملك بكل يأس و أجابت " محفظتي الخاصة بها بطاقة التسليف فيزا , مبلغ من المال و هاتفي كان معلقا في طرفها " سأل المحامي " متى استعملتها آخر مرة ؟ " أطرقت ملك رأسها تحاول التركيز " الكارت أول أمس حينما أقفلت حسابي في الفندق , و الهاتف صباحا اتصلت بوالدتي و بالسيد عبد الحفيظ " إذا فقد سرقت أثناء قدومها إلى هنا , انزعجت ملك بشدة " هل سوء حظها وصل الى هذه الدرجة ؟ " سألت نفسها و فجأة لمعت فكرة في رأسها " هل يعقل أن هذه مجرد سرقة عادية ؟ هي هنا منذ أيام لم تفقد شيئا , لم تتعرض للسرقة الآن بالذات ؟ هل لهذا الأمر أيضا علاقة بذلك الرجل ؟ " زاد الخوف في قلبها من هذا الاحتمال , لو كان صحيحا إذا فلا نية لهذا الرجل بالتوقف قريبا , كلما اعتقدت بأنه وصل حده و استنفذ خدعه , تظهر مصيبة تنسيها كل ما سبق , كيف أصبح حظها عاثرا فجأة , و لم يبدو بأنها تورطت مع رئيس مافيا أو زعيم عصابة ؟ الأسوء الآن ليس بطاقة ائتمانها , فهي تحتفظ ببعض السيولة في حقيبتها في المنزل , هي عادة لا تضع كل أموالها في مكان واحد تحسبا لحوادث كهذه لكن المشكلة في هاتفها , الذي يحوي كل أرقام عائلتها , هي لا تحفظ أي رقم غير رقمها , و الآن لا توجد أية وسيلة اتصال بوالديها لا يمكنها تخيل الرعب الذي سيعيشانه , إن لم يتمكنا من التواصل معها " لنذهب الى قسم الشرطة لنقدم شكوى , كلما كان أسرع كلما كانت فرصتنا في استعادة الأغراض أكبر " قال عبد الحفيظ و غادر مع ملك و المحامي متجهين إلى قسم الشرطة . . . . كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا , حينما تلقى عبد الحميد مكالمة من الشخص , الذي طلب منه التحري بخصوص الخطأ في حجز ملك لكن الرجل فاجأه " سيدي آسف لاخبارك بأن الحجز لم يلغى , و لكن السيدة احتجزت في المطار بسبب قرار حظر للسفر " طبعا الرجل دبلوماسي قديم , لا يعقل ألا يعرف ما تعنيه هاته الكلمة " و لكن كيف صدر هذا في حقها ؟ الشابة هناك منذ بضعة أيام فقط كيف حدث هذا ؟ " رد الرجل بكل احترافية " لا أدري سيدي لم يذكر السبب , لكن العاملين في مكتبنا في المطار , أكدوا لي أن السيدة أوقفت قبل يومين و هي بصدد التسجيل على رحلتها , و منعت من الصعود إلى الطائرة , لا علاقة لخطأ بالحجز بالموضوع " شكر عبد الحميد الرجل على خدمته و شعر بالسوء , هو يعرف ملك منذ كانت طفلة فهو مقرب من العائلة كلها , صحيح أنه لم يزرهم منذ مدة , لكن لا يعقل أن تتغير أخلاق الفتاة بين ليلة و ضحاها , ليصدر في حقها قرار حظر سفر , لم يرد عبد الحميد التسرع في الحكم , كما لم يرد إيصال الخبر سريعا إلى والدها , قبل أن يعرف ملابسات القصة كلها , بمجرد دخوله مكتبه إتصل بسفارة الجزائر في أبو ظبي , بعد تقديم نفسه طلب إفادته بمعلومات عن القضية , كان السكرتير العام من تحدث إليه , و الذي كان على اطلاع بالأمر من بدايته , و لكنه لم يخض في أية تفاصيل , بل أعطاه رقم عبد الحفيظ , بعد أن أخبره أنه يعمل في القنصلية في دبي , و أن السفارة كلفته بتولي الموضوع , و بالتالي فهو أفضل شخص سيفيده في القضية , بعد انهاء المكالمة مباشرة إتصل عبد الحميد بعبد الحفيظ , ليفهم ما الذي يجري بالضبط , أثناء ذلك كان هذا الأخير يرافق ملك و المحامي , في مركز الشرطة لتقديم شكوى السرقة و لكنه ما لبث أن غادر بسبب انشغاله , كان قد برمج الصبيحة لمرافقة ملك , ثم التفرغ لمسؤولياته بعد الظهر , لكن بما أن المسالة أصبحت قضية سرقة , فقد استأذن تاركا ملك مع المحامي و انصرف , في طريقه إلى مكتبه , تلقى اشعارا من السفارة باتصال من الجزائر , بعدها مباشرة إتصل به عبد الحميد " مرحبا أنا عبد الحميد تيجاني , دبلوماسي من وزارة الخارجية " قدم الرجل نفسه باختصار " و أنا عبد الحفيظ شايب , مسؤول من قنصلية الجزائر في دبي مرحبا " دخل عبد الحميد بعدها مباشرة في الموضوع " أنا أريد الاستفسار عن مشكلة ملك الصافي , السكرتير العام قال أنك المسؤول عنها " أخذ عبد الحفيظ نفسا عميقا و أجاب " أجل سيدي هل تعرفها ؟ " " ابنة صديق مقرب لي " تنهد عبد الحفيظ و هو يحاول ترتيب كلماته " في الحقيقة سيدي المسألة شائكة بعض الشيء " بعدها قص عليه كل ما حدث , منذ تكليفه بالاهتمام بقضيتها إلى هذه اللحظة , ما قاله صدم عبد الحميد , الذي بقي صامتا لمدة بعد انتهائه " غير معقول أكيد هناك التباس في مكان ما , هذه الشابة أنا أعرفها جيدا و أعرف تربيتها , أخلاقها حسنة لا يمكنها فعل ذلك " " لا أدري سيدي بما أجيبك , و لكن إذا كنت تتحدث عن الزواج دون علم والديها , فالأوراق التي قدمها الرجل الذي يقول أنه زوجها صحيحة , و قد تأكدت منها بنفسي , بعدما اتصلت بمسؤولين أصدقاء لي في المغرب , قاموا بالتحري عن الموضوع و لا لبس عليه , أما مشكلة التهريب فالمحامي يعتقد أنها من تدبير زوجها , لاجبارها على البقاء هنا و عدم العودة , بعدما يئس من إقناعها بذلك , لكن لا شيء مؤكد " لم يعرف عبد الحميد بما يجيبه " ألا يعقل أنه شرك من أحدهم ؟ " " لا أظن سيدي الرجل شخصية عامة مهمة , رجل أعمال ثري لا فائدة له من ادعاء الأمر , و إحداث شبهات حول اسمه , إضافة إلى أنه كان جد مهتم و متفهم معها , دفع مبلغا هاما من المال لإخراجها بكفالة , و أوكل القضية إلى افضل المحامين , رغم أنها أنكرت أية علاقة به , إلا أنه لا يدخر جهدا لتبرئة اسمها , أعتقد أنها تفعل ذلك بسبب حالتها النفسية , أو ربما بسبب خوفها من ردة فعل والديها " مسح عبد الحميد وجهه بيديه باستياء و استرسل " و ما الذي قاله المحامي ؟ " " صراحة لم يكن متفائلا , قد يطول الأمر لأشهر قبل الحصول على براءتها , إضافة أن الغاء القرار يتطلب تراجعا من زوجها و هذا الأخير يرفض فعل ذلك نهائيا , ليس قبل أن تضع مولودها و يطمئن على سلامته " شعر عبد الحميد بالدوار لكل ما سمعه , حينما اتصل به صديقه اعتقد أن الأمر بسيط , ينتهي باتصال هاتفي , لم يعلم أن قنبلة نووية في طريقها إلى الانفجار في وجهه , هو الآن فعلا لا يعرف كيف يوصل كل هذه المعلومات المفجعة إلى صديقه , إذا كان هو الشخص الغريب , و قد صدمه ما سمعه كيف سيكون رد فعل والدها ؟ " لم لم تعلم عائلتها لحد الآن ؟ " سأل معاتبا عبد الحفيظ الذي برر موقفه " اقترحت ذلك عليها و لكنها رفضت ، قالت إنها لا تريدهم أن يعلموا بالأمر حاليا , و أنا وافقت لأنها ليست قاصرا , كما أن الموضوع حساس " " و أين هي الآن ؟ " " في مكان آمن تحت مسؤولية السفارة , لا داعي للقلق سيدي " صمت عبد الحميد مجددا قبل أن يقول " سيد عبد الحفيظ , أنا سأبلغ والدها الآن لأنه قلق جدا بشأنها , و سأمرر له رقمك لأنني متأكد أنه سيريد الاطمئنان على ابنته , و على الأرجح سيأتي بنفسه لرؤيتها , و لكنني لن أقول كل التفاصيل التي أخبرتني بها حاليا , هو رجل مريض بالقلب و قد يصاب بنوبة , و أنا أتمنى عليك إن اتصل بك ألا تخبره كل ما أخبرتني إلا بترو " رد عبد الحفيظ بكل تفهم " لا مشكلة سيدي أنا في الخدمة إن أراد المجيء , فقط اتصل بي و أعلمني سأرافقه " بعد شكر عبد الحفيظ و توصيته على الاعتناء بملك , أغلق الخط و هو لا يزال تحت الصدمة من هول ما سمعه . بعد أن تردد لبعض الوقت ، قرر عبد الحميد أن يبلغ عز الدين , لأن تضييع الوقت لا معنى له , و هو مجبر في النهاية على إخباره , في هذه الأثناء كان عز الدين في مكتبه , يحاول دراسة ملف مريض , سيجري له عملية في الغد , بمجرد أن لمح رقم صديقه حتى سارع للرد " صباح الخير عبد الحميد كيف حالك ؟ " " صباح الخير عز الدين " قال بصوت محبط لطالما نعته صديقه بالجزار , مناداته بكل جدية بهذا الشكل منحته شعورا سيئا جدا " هل لديك أية أخبار عن وضعية ملك ؟ " سأل مباشرة دون مقدمات بعد تردد لدقائق أجاب صديقه " في الحقيقة الشخص الذي سألته , قال أن الأمر لا علاقة له بخطأ في الاجراءات , و لكن هناك قرار بمنع السفر يخص ملك , لذلك قاموا بتوقيفها قبل مغادرتها " بعد دخول والد ملك بكل ثقله على الخط ما هي توقعاتكم ؟ 💞💞😘 ........ | ||||
20-08-20, 08:09 PM | #73 | ||||
| البارت السادس و العشرون قرارات حاسمة " في الحقيقة الشخص الذي سألته , قال أن الأمر لا علاقة له بخطأ في الإجراءات , لكن هناك قرار بمنع السفر يخص ملك , لذلك قاموا بتوقيفها في المطار " بسماع ما قاله صديقه , وقف عز الدين من كرسيه , الذي دفعه بعنف الى الخلف الى أن ارتطم بالحائط " كيف منع سفر ؟ ما الذي فعلته ملك ليمنعوها من العودة الى هنا ؟ " ارتجف صوته و قد بدا توتره الشديد واضحا الآن فقط ندم عبد الحميد على ايصال الخبر بالهاتف , كان عليه أن يذهب بنفسه لرؤيته , أو يمهد له على الأقل " اهدأ عز الدين لو سمحت , المسؤول من السفارة أخبرني , أن رجلا يقول أنه زوجها هو من استصدر القرار " صرخ عز الدين عاليا هذه المرة , و قد انتابه الغضب مما سمعه " زوج من هذا ؟ ابنتي غير متزوجة " استدرك عبد الحميد الأمر محاولا تهدئة صديقه " و أنا قلت له ذلك , لكن لا أعلم قد يكون التباسا في الشخصيات أو تشابها في الأسماء , على العموم هناك الكثير من التفاصيل المبهمة عز , و اذا أردت رأيي أعتقد أن عليك الذهاب بنفسك , لفهم الموضوع و الاطمئنان على ملك " لم يجرؤ عبد الحميد أن يخبره كل ما قاله عبد الحفيظ , خاصة عن قضية التهريب , أمام ردة فعل صديقه القوية قرر التزام الصمت , خشية أن ينهار قبل أن يخرج حتى من مكتبه , و ما كان منه الا أن دعاه أن يذهب ليرى بنفسه , لأنه بكل الأحوال لن يصدق ما يقال عن ابنته . بعد أن أغلق عز الدين الخط , اتصل مباشرة على هاتف ملك لكنه كان مغلقا , أعاد الاتصال عدة مرات دون فائدة , قبل أن يتذكر أن عبد الحميد ذكر أمر سرقة أغراضها و من بينها الهاتف , زاد رعب عز الدين بسبب عدم مقدرته على التحدث مع ابنته , رغم أن صديقه طمأنه أنها تحت مسؤولية السفارة , الا أن الهلع تمكن من قلبه . وقف الأب المفجوع مكانه لدقائق , واضعا رأسه بين يديه يحاول ترتيب أفكاره , ثم خرج بعدها راكضا من مكتبه في الرواق اصطدم بسامي , جراح شاب من الذين يعملون في مشفاه و ذراعه اليمين , كان قد استدعاه مع جراح آخر للاجتماع في مكتبه , لمناقشة العملية الجراحية القادمة , لكنه فوجئ به يخرج راكضا من هناك , و يرتطم به دون ادراك , لدرجة أنه فقد توازنه و كاد يقع أرضا , حتى أنه أسقط مفاتيح سيارته من يده تعجب سامي لحالة معلمه , لم يره يوما بهذه الوضعية المضطربة " عمي ما الذي يجري ؟ لم أنت مستعجل هكذا ؟ و لم وجهك شاحب هل أنت بخير ؟ " دنا منه سريعا و وضع يده على كتفه , و هو يحاول الاطمئنان عليه لكن الرجل لم يكن بخير أبدا , كان صدره و يده اليسرى تؤلمه , منبئة عن نوبة قلبية وشيكة , اتكأ عز الدين على الحائط الى جانبه , و أخرج بعدها حبة دواء من جيبه وضعها تحت لسانه , ثم كلم سامي الذي كان يحاول أن يسنده بلهجة لاهثة " هل يمكن أن تقود سيارتي الى المنزل ؟ " كان واضحا أن هناك مشكلة كبيرة , فهو لم ير معلمه يوما بهذا التوتر , حتى في أسوء الأزمات لطالما كان رجلا هادئا و رصينا , و لطالما طغت حكمته على أية مصاعب , خلع سامي مئزره , التقط المفاتيح من الأرض و أجابه دون تردد " بالتأكيد لنذهب " غادر الاثنان باتجاه بيت ملك , كانت عدراء قد عادت لتوها من عيادتها , التي تجاور المنزل من أجل الغداء , استغربت كثيرا رؤية زوجها يعود في هذا الوقت , ليست عادته لطالما فوت موعد الطعام بسبب انشغاله " عزيزي كيف عدت الآن ؟ " سألت باستغراب متوجس , لكن زوجها لم يرد على سؤالها , و كل ما فعله أنه دخل الى مكتبه , أخرج جواز سفره و بدأ في جمع أغراضه كان عقله يفكر في ألف أمر , لدرجة أنه لم يسمع ما قالته زوجته دخل سامي بعده مباشرة , كان قد ركن السيارة و لحق به ليسلمه المفاتيح و يسأل عن حاله , لكنه فوجئ بعدراء تبادره " سامي بني ماذا هناك ؟ " طبعا أول ما خطر على بالها , أن هناك مشكلة كبيرة في العمل , لكن سامي لم يكن أفضل حالا منها " لا أدري سيدتي شيء ما حصل معه , كان وجهه سيئا و هو يغادر مكتبه , و طلب أن أقود به الى هنا , لم يكن قادرا حتى على التقاط أنفاسه " بقي سامي واقفا مكانه , لم يرد أن يغادر قبل أن يطمئن , فهذه بمثابة عائلته الثانية , و هو لن يدخر جهدا للمساعدة , شعرت عدراء هي الأخرى بالقلق , و لحقت بزوجها الى المكتب , لكنها أصيبت بالصدمة بمجرد أن رأت جواز سفره " عز هل أنت مسافر ؟ الى أين ؟ " حدق زوجها الى وجهها مليا , ثم توقف عن ما كان بصدد فعله , تردد للحظات قبل أن يجيبها بصوت محبط و خائف " أخبروني اليوم أن ملك تعاني من مشكلة كبيرة هناك في دبي , و علي الذهاب لاستعادتها " أصيبت عدراء هي الأخرى بالهلع , و سارعت الى حمل هاتفها للاتصال بابنتها , لكن كما قال زوجها لا إجابة " لا داعي للاتصال هي تعرضت للسرقة صباح اليوم و فقدت هاتفها " وضعت عدراء يدها على صدرها , و بدأت الدموع تتجمع في عينيها , فلطالما كانت امرأة حساسة " يا الهي هل يعني هذا أن ابنتي كانت تعاني طوال الوقت , و نحن لا علم لدينا ؟ " أخبرها زوجها بعد ذلك , بما قاله عبد الحميد على الهاتف , و رغم أنه كان يحاول تهدئتها الا أنه لم يفلح " سأذهب معك عز , أريد أن أرى ابنتي و احتضنها , لا تقل بأنك تصدق ما يقوله هذا الرجل , ملك نحن ربيناها لن تتزوج دون علمنا " دخلت المرأة في حالة هستيريا , امتزجت فيها دموعها مع اعتراضها , لا يمكنها تصديق ما يقولونه عن ابنتها , رغم حدسها السيء منذ أيام , الا أن هذا أمر أكثر من مرفوض و مستحيل بالنسبة لها أمسك زوجها بيديها و حاول تهدئتها مجددا " اهدئي عزيزتي , أنا أيضا أثق في ابنتنا فهي محترمة و خلوقة , لكنني لا أثق في بعض الأشخاص عديمي الضمير , الذين قد يستغلون طيبتها و بساطتها , ثم أنا اتفقت مع عبد الحميد , أن يسهل مسألة حصولي على التأشيرة , للدخول الى هناك في أقرب وقت , لا أريد أن أؤخر الأمر أكثر بذهابك معي , أنت ابق للاهتمام بالأمور هنا , ثم أنا لا أعلم متى أستطيع العودة , قد يطول الأمر لذلك لا يمكننا السفر سوية " قال محاولا اقناعها , لكنها كانت أكثر عنادا مما توقع " لا أنا أيضا أريد أن أرى ابنتي و اطمئن عليها " و بدأت بالبكاء بشدة , أخذها زوجها في حضنه يحاول تهدئة روعها " لا تقلقي عزيزتي سأعيدها معي مهما كلفني ذلك , و على العموم جهزي نفسك , اذا طال الأمر بإمكانك اللحاق بنا " في هذا الوقت كان سامي يقف عند باب المكتب , لم يستطع منع نفسه من التدخل , بعدما سمع بكاء عدراء , و لكنه لم يصدق ما قاله عز الدين , و لم يجد بدا من عرض المساعدة " أنا بإمكاني مرافقتك عمي " شعرت عدراء أخيرا ببعض السكينة , و قبل أن يرفض زوجها , سارعت هي الى محاولة اقناعه " أجل أرجوك سامي لا تدعه يذهب وحده بني " لكن زوجها عارض الأمر " لا لا داعي لازعاج نفسك سأكون بخير وحدي " لكن سامي أصر بشدة " ليس هناك أي ازعاج عمي , ملك مثل أختي و أنا قلق عليها بقدر قلقك لذلك سأرافقك , ثم أنت تبدو متعبا , أخشى أن تصاب بنوبة قلبية جديدة , على الأقل سأكون بجانبك " أصرت والدة ملك هي الأخرى , لا تريد مصيبتين في نفس التوقيت " أجل عز دع سامي يرافقك أرجوك , سأكون مطمئنة أكثر " قالت بنبرة متوسلة و سارع سامي لطمأنته " لا تقلق عمي أنا جواز سفري فرنسي , لا أحتاج طلب تأشيرة مسبقة , سأحصل عليها حين وصولي الى المطار , سأحضر أغراضي من البيت و أعود " لم يجد عز الدين بدا من الموافقة على العرض , فسامي سيكون أفضل مرافق , ليس فقط بسبب قربه من العائلة , لكن لأنه يحفظ تاريخه الطبي عن ظهر قلب , و هو بمثابة ملف طبي شخصي متنقل , لذلك لن يخشى شيئا اذا تأزمت حالة قلبه . بعدها غادر سامي سريعا , تاركا والدة ملك غارقة في الدموع , لا تعرف من تواسي نفسها أو زوجها . . . . في دبي كانت ملك قد قدمت الشكوى بخصوص السرقة , بعدما حصل صار الكل يعرفها هنا , فكيف لا يتذكر أحد الرجل المشهور الذي اقتحم القسم , و حملها مثل الأميرة للخروج من هنا البارحة بعدما فقدت وعيها , لكن لا يمكنهم إشاعة الأمر تجنبا للمشاكل , رغم أن نظراتهم الفضولية و تغامزهم كان واضحا . طبعا لم يتوقع المحامي , أن تجد الشرطة شيئا سريعا , فالهاتف مطفأ و البطاقة لم يستعملها أحد , لكن التحريات بدأت بطلب التسجيلات في البناية , التي فيها مكتب المحامي , و تمشيط التسجيلات للشارع , أثناء ذلك تقدم المحامي بطلب للحصول على وثيقة تبرز هويتها , بما أن جواز سفرها محجوز , فكان لزاما عليها أن تنتظر لحين صدورها , كان المحامي مشغولا جدا , و لولا أن ملك من طرف السفارة الجزائرية , لما كان هنا الى الآن , لديه مرافعة في المحكمة بعد ساعتين , لذلك استأذن هو الآخر للمغادرة , لكن قبل رحيله طمأن ملك " انتظري هنا سيدتي , قالوا بأنهم قد يحتاجون إعادة استجوابك بعد مراقبة التسجيلات , أنا لدي أمورا عالقة علي الانصراف , و اذا احتجت أي شيء اتصلي بي رقمي لديك " بعدها أخذ مبلغا من محفظته و ناولها إياه " خذي من أجل التاكسي " شعرت ملك بالحرج للموقف , لكنها لم تستطع رفض المال , لأنها فعلا لا تملك ما تعود به لبيت الشاطئ , و عبد الحفيظ الذي كان سيصحبها غادر هو الآخر , لكنها تذكرت أمرا آخر أكثر أهمية " شكرا لك متر , لكن لدي طلب أخير لو سمحت " " تفضلي " شعرت ملك بالحرج أكثر و قالت بتردد " هل يمكنني استخدام الانترنت على هاتفك ؟ " كانت ملك تفكر منذ الصباح , في كيفية تدبر أمر الاتصال على والديها لطمأنتهما , و تذكرت أن رقم مستشفى والدها , مدون في صفحته على الانترنت اتصلت مباشرة به و لكن عاملة الاستقبال , أخبرتها أن الدكتور غير موجود , و أنها لا تعلم متى يعود رغم أن ملك ألحت في طلب رقمه الخاص , الا أن العاملة رفضت اعطاءه لها , فقط لأنها قالت بأنها ابنته دون دليل , لا يمكنها تمرير رقم هاتف المدير الخاص لكل من يطلبه , لكنها وعدتها أن تخبره ان عاد أن ابنته اتصلت به . استغربت ملك تغيب والدها عن عيادته في هذا الوقت , الا أنها فكرت إمكانية استدعائه من أجل حالة مستعجلة في مكان آخر , لكن هذا الأخير كان مشغولا بالتحضير لسفره , و كان يرفض كل الاتصالات الواردة , في لحظات القلق تلك , حتى لو اتصلوا و أخبروه أن زلزالا ضرب المستشفى , و انهارت عن آخرها ما كان اهتم لشيء . لكنها ارتاحت قليلا لأنها تركت رسالة , و قررت أن تعاود الاتصال لاحقا من المنزل , كما أنها لم تنس أن تحصل على رقم عيادة والدتها و الجمعية من الانترنت , فمن الأفضل الاتصال على أكثر من مكان لضمان إيصال الرسالة , سارعت ملك لإعادة هاتف الرجل , الذي ضيعت وقته و الذي كان يبدو مستعجلا جدا , و شكرته مليا قبل أن تعود للجلوس مكانها داخل القسم . في المساء و بعد استكمال كل الاجراءات في قسم الشرطة , عادت ملك الى بيت الشاطئ الذي تقيم فيه منهكة , لم يصل التحقيق الى شيء , فالأماكن التي قصدتها كانت مزدحمة جدا , و رجحوا أن السرقة حصلت أثناء استخدامها المصعد في البناية , لكنهم وعدوها بالاتصال بها , في حالة حصولهم على أية معلومات . بمجرد أن اغتسلت و صلت , عاودت ملك الاتصال بوالدها , لكن تلقت نفس الجواب , فقد حاولت عاملة الاستقبال بكل جدية , الوصول اليه و لكنه غادر صباحا , و لم يعد على غير عادته , كما أن هاتفه غير متاح , لكن ملك تركت هذه المرة , رقم هاتف البيت الذي تبقى فيه , على أمل أن تسمع صوت والديها قريبا , اتصلت بعدها على عيادة والدتها و الجمعية , لكن الوقت كان متأخرا و خارج ساعات الدوام , و لم يرد أحد عليها . أرادت ملك الاتصال على عبد الحفيظ , لتطلب منه أن يساعدها في الحصول على رقم والدها الشخصي , و لكنها تراجعت فقد صارت تخجل من طلباتها الكثيرة له , فالرجل بدا منشغلا جدا صباحا , و لم يتوقف هاتفه عن الرنين للحظة واحدة , و هي تزيد أعباءه بمشاكلها التي لا تنتهي , لذلك قررت أن تمضي الليلة بهدوء , و تخرج صباحا لاقتناء هاتف جديد و شريحة , حيث بإمكانها الاتصال على صفحات والديها في الفايسبوك أو الانستغرام , المهم أن تتواصل معهما , و هي متأكدة أنهما سيتفهمان الوضع . قامت ملك بعدها بجرد حقيبتها , و أخرجت المبلغ الذي تركته هناك ألفي يورو , سيكفيها ان بقيت لمدة أطول , على الأقل لن تضطر أن تمد يدها لأحد , ثم يمكنها الاستنجاد بوالديها , هما لن يتخليا عنها أبدا , خرجت بعدها الى الشرفة و جلست قبالة الشاطئ , كانت تغرس رجليها في الرمال الناعمة و تحدق بتيه في الأفق البعيد , لأول مرة في حياتها تشعر بهذه الحيرة , و لا تدري ماذا يجب أن تفعل , لأول مرة تصل حد اليأس من إيجاد مخرج لمشاكلها , حدقت ملك الى السماء الصافية فوق رأسها , ثم أغلقت عينيها بشدة , و أخذت نفسا عميقا و قد تذكرت كلام المحامي , الذي وعدها بمرافقتها للتحاور مع علي رغم أنها أرادت رفع قضية عليه حينما كانت بالقسم , الا أنها تريثت بعد نقاشها معه , فالجميع يبدو في صفه , و هي ضاقت ذرعا بنظرة الآخرين اليها , و كأنها مجنونة كلما قالت أنها لا تعرفه , لن تجني شيئا من معاندته و الوقوف في وجهه , هو قال الكثير من الأكاذيب و لكن حبل الكذب قصير , ستجاريه الى أن تنكشف لعبته , لذلك حزمت أمرها بقبول عرض المحامي , للتحاور معه و دراسة ما يريده , فهي لحد الآن لا تعرف عما يدور كل هذا , ربما لو قال ما يبحث عنه أو وجده قد تنتهي مصائبها . تنهدت ملك بعمق و قد أدركت الآن فقط أنها في موقع ضعف , كلامها مقابل كل تلك الدلائل المختلقة , إضافة الى مكانة ذلك الرجل التي تعطيه الأفضلية , صحيح أنها لا تريد رؤية وجهه البغيض مجددا , الا أنها قررت قبول اقتراح التحاور , مادامت الطريقة الوحيدة التي قد تجنبها البقاء هنا لسنوات أخرى هي مستعدة لقبولها . شحنت ملك مرة أخرى طاقتها المعنوية , و اتخذت قرارا حاسما آخر , بإخبار والديها في أول اتصال بكل ما حدث , فالموضوع كبير و هي لا يمكنها الاستمرار في إخفاء الأمر عنهما , كما أنها واثقة في مقدرة والدها , على التدخل لإيجاد حلول لصالحها , لو كذبها العالم بأسره , فقط والديها من سيصدقانها و يشدان أزرها . 💞💞😘 ..... | ||||
21-08-20, 08:12 PM | #78 | ||||
| البارت السابع و العشرون أين بابا ؟ في الجانب الآخر , كان علي ينتظر بكل اهتمام مراقبا ما يحصل , فالأخبار تصله أولا بأول من مكان إقامة ملك في بيت الشاطئ , من اهتمام عبد الحفيظ بها الى زيارتها للمحامي , وصولا لذهابها الى مركز الشرطة , مستغربا الهدوء الذي تعيشه , هي حتى تبقى لساعات جالسة أمام البحر تحدق للسماء , و كأنها في ساعة صفاء أو في عطلة هو في البداية اعتقد أنها ذهبت لتشتكي عليه و تتهمه مجددا , لكن الأشخاص الذين يراقبونها , قالوا أنها قضية سرقة دون تفاصيل أخرى , هو كان ينتظر أن تأتي اليه لتتفاوض معه , و تتوسله حتى يفرض شروطه , لكنه بدأ يفقد صبره تدريجيا , أمام عنادها و انكارها المتواصل . " ما الذي تخططين له الآن أيتها المحتالة ؟ " همس بينه و بين نفسه بغيظ , و هو يحاول التركيز على الأوراق أمامه دون جدوى , فتلك الملامح الطفولية المخادعة , قد سيطرت على تفكيره رغم ارادته . . . في المطار بقي عز الدين و سامي لوقت طويل , بعد الحجز على قائمة الانتظار , قبل الصعود الى الطائرة المتجهة الى إسطنبول , بسبب عدم وجود رحلة مباشرة الى دبي يومها , اختارا أن يستخدما تركيا كترانزيت للوصول الى هناك , صحيح أنهما سيأخذان ساعات أكثر لبلوغ وجهتهما , و لكن ستكون أفضل من انتظار رحلة الغد مساءا , هو لن يتحمل أكثر مما فعل بوصوله الى مطار إسطنبول , اتصل عز الدين بعبد الحفيظ , و أعلمه أنه سيصل بعد ساعات , لم يفتح معه أية مواضيع , و لم يسأله عن أي شيء , كل ما كان يريده هو رؤية ابنته بعينيه و الاطمئنان عليها , لن يصدق ما يقوله الآخرون حتى لو أقسموا أمامه , و من جهته كان عبد الحفيظ لبقا جدا , و وعده باصطحابه لرؤيتها فور وصوله فكر عبد الحفيظ مطولا بعد المكالمة , قبل أن يختار أن يعلم علي بقدوم صهره , هو يعلم كل التفاصيل منذ البداية , و حضر كل الانهيار الذي عانته ملك , و تخبطها بسبب عدم علم والديها بهذه العلاقة , بالنسبة له هما بالغين تزوجا و هما مسؤولين عن اختياراتهما , لكن سيكون من غير العادل أن يدعها تواجه الأمر وحدها مع والدها حالتها النفسية مضطربة , و قد تصبح أسوء ان شعرت أنها وحدها من يتحمل هذا العبء , يجب أن يتحمل علي كرجل جزئه من المسؤولية , و يوفر الحماية و العزوة لملك و جنينها أمام والدها , هذا أقل ما يمكنه فعله سيكون من الظلم أن تداس كرامتها بينهما , و لربما كان لقاء الرجلين فرصة لإيقاف الأكاذيب و الأسرار , و من يدري قد يقبل والدها بالرجل الذي اختارته و ينتهي عذابهما , بعد تردد كبير حمل عبد الحفيظ هاتفه و اتصل بعلي , هذا الأخير لم يتعرف على الرقم لكنه أجاب " ألو مساء الخير سيد علي , معك السيد عبد الحفيظ من السفارة الجزائرية " " مساء الخير " رد عليه بكل اقتضاب لم يعرف علي لم يتصل به الرجل الآن , و في هذا الوقت المتأخر , معلومات المراقبة لم تذكر أية تطورات , لكن عبد الحفيظ سرعان ما تكلم " في الحقيقة أردت أن أخبرك أن والد السيدة سيصل بعد ساعات , في الصباح الباكر قادما من تركيا , اذا أردت بإمكاننا ترتيب لقاء معه " لمعت عينا علي بحماس , فلم يتوقع أن يصل أحد من عائلتها بهذه السرعة , هو لا معلومة لديه عن حياتها الشخصية , لكن لا يمكنه الرفض الآن واضح أن الرجل يصدق أن ملك زوجته , و الا ما كلف نفسه عناء الاتصال لإخباره , لذلك قرر أن يستغل الأمر لصالحه " حسنا سيدي مرحبا به " " هل يمكن أن أعرف عن مكان مناسب يمكنكما اللقاء فيه ؟ " سأل الرجل مجددا فكر علي قليلا و أجاب بهدوئه المعتاد " أي مكان غير بيتي سيكون تقليلا من احترامه , لذلك أقترح أن تصحبه الى هنا صباح الغد " كان علي يدرك أن لقاء والد ملك , في أي مكان آخر سيكون مجازفة كبرى , هو لا يعلم ما علاقته بما يجري , و لا مدى معرفته بحقيقة ابنته , و قد يخرج الأمر عن السيطرة , و تحصل مفاجآت غير متوقعة , فلم يجد أنسب من بيته فالأسرار تدفن هنا دون أثر " في أية ساعة يصل ؟ " " في الثامنة صباحا " " حسنا أنا أنتظركم هنا " صمت عبد الحفيظ قليلا ثم سأل " و السيدة هل أعلمها ؟ " و سارع علي للاعتراض " لا داعي أنا سأخبرها بنفسي , و ستكون هنا في استقبال والدها " بعد أن أعطاه عنوان بيته الشخصي أنهى علي المكالمة , و بدأ في التفكير في طريقة تجعله يستفيد من هذه الزيارة , من يدري ربما وصول والدها في هذا الوقت بالتحديد في صالحه. كالليلة الفائتة جافى النوم جفون ملك , الى أن أشارت الساعة الى الرابعة فجرا , و لم تتمكن من الاغفاء الا بعد صلاة الفجر في الصباح الباكر استيقظت على صوت هاتف البيت الذي تقيم فيه , وقفت أمامه لدقائق مترددة في الرد , فقد يكون اتصالا للسفارة و ليس عليها تلقيه و لكنها تراجعت حينما تذكرت , أنها تركت رسالة برقم البيت لوالدها , أو ربما يكون السيد عبد الحفيظ أو المحامي لإعلامها بآخر التطورات , رن الهاتف مرة ثانية فأجابت ملك بسرعة هذه المرة " ألو ؟ " خاطبت المتصل بصوتها الناعم , و انتظرت أن تسمع صوت أحد والديها , لم تعلم أن مفاجأة غير سارة في طريقها اليها , في الطرف الآخر صمت الرجل قليلا , ثم انطلق صوته البارد " اذا أردت ألا يعرف والدك بأسوء طريقة عما فعلته فتعالي الآن الى .." و ذكر عنوانا في آخر الاتصال , ثم أغلق مباشرة دون منحها فرصة للاستيعاب أو طرح الأسئلة , جفلت ملك قليلا , و لم تفق الا مع صوت انقطاع الخط , لكنها لم تحتج أن تسأل من يكون المتصل , فهي تعرف هذه النبرة الباردة و المتسلطة , كيف لا و هي لا تسمع غيرها منذ أيام حتى في كوابيسها , لكن ما قاله شوش تفكيرها " ما علاقة والدي بهذا المجنون ؟ كيف وصل اليه ؟ هل اتصل به أو هو هنا فعلا ؟ " تبادر مائة سؤال الى ذهنها و لكنها لم تفهم شيئا , و المصيبة أنها اذا أرادت إجابات , يجب عليها أن تذهب حيث أمرها ذلك المعتوه المترصد أرادت ملك أن تتصل به ثانية , لكنها لا تعرف رقمه , ألقت السماعة جانبا و حملت حقيبتها , و خرجت كالمجنونة ناحية الشارع باحثة عن تاكسي , كان علي يراهن على اخافتها بقدوم والدها , هو في الحقيقة لا يعلم أي نوع من الرجال هو , و لا طبيعة علاقته بابنته , أو حتى مدى معرفته بما يحصل هنا , لكنه سيحاول الاستفادة من الموضوع قدر الإمكان , ان كان رجلا سيئا مثل ابنته , فمواجهتهما و الضغط عليهما قد تؤدي الى استسلامهما , و سيحرص على أن يتعفنا في السجن لسنوات أما اذا كان رجلا مستقيما , و لا فكرة لديه عن تصرفات ابنته , فسيكون من السهل ابتزازها بفضحها أمام والدها كل هذا سيعرفه عند وصولها الى هنا , لذلك خطط أن تكون أمامه قبل وصول الضيوف بمدة كافية , لجس نبضها و حبك خططه ببراعة . أعطت ملك السائق العنوان الذي ذكره علي على الهاتف فقد كان سهلا " تلال الامارات مع رقم البيت " في الطريق الى هناك , كانت شكوكها كثيرة و هواجسها أكثر , فقد تكون هذه خدعة أخرى من خدع المجنون , ليجبرها على الذهاب الى مكان , قد لا تعود منه ثانية و لكن لا خيار آخر أمامها , هي تعرف أكثر من غيرها حقيقة هذا الرجل , و مقدرته على تعذيب الآخرين نفسيا , لن تسمح له بإهانة والدها كما أهانها كما أنها لن تعطيه فرصة تشويه صورتها أمامه , كما شوهها أمام الآخرين , حتى لو كانت فرصة تواجد والدها هنا , لا تتعدى واحد بالألف هي لن تفوتها , لأنه الشخص الوحيد في هذا العالم الذي سيصدق ما تقوله , حتى لو وضعوا أمامه براهين الدنيا بأسرها , و بالتالي فهو أملها الوحيد للخروج من هنا , كانت ملك تدعو في قلبها , و مختلف المشاعر تلتهب داخل صدرها , قلق خوف غضب اشتياق و دموع على وشك الانهمار بالدخول الى المنطقة لاحت لها مساحات خضراء شاسعة على مرمى البصر , بيوت فخمة متناثرة هنا و هناك , ملاعب قولف و تنس , مولات و متنزهات كل مميزات الحياة المرفهة هنا , يبدو مكانا للأثرياء فقط , هي كانت تعتقد أن العنوان يقودها الى مكان مقفر , سيتم اختطافها فيه و لكنها تفاجأت بما رأته , رغم ذلك لم تهدأ أعصابها , بل زاد توترها بعدما توقف التاكسي أمام مدخل البيت الذي أعطته عنوانه , حاسبت ملك السائق و نزلت بسرعة , وقفت أمام البوابة الحديدية العملاقة , لا يزال الوقت مبكرا بالكاد تجاوزت الساعة السابعة صباحا كانت السماء مغطاة بالسحب , و كان هناك بعض زخات المطر , التي تتساقط من حين الى آخر , مع نسمة باردة توقظ كل حواسها , وقفت ملك تحدق الى البيت في الداخل بتوتر , كانت فيلا كبيرة جدا من طابقين بلون أبيض و ذهبي فخم , مع الكثير من النوافذ الزجاجية المظللة في كل جانب فناء كبير تتوسطه نافورة من الرخام , مع بركة يتدفق فيها الماء محدثا خريرا ناعما , تحط حمامات على جانبيها لالتقاط قطرات الماء طريق معبدة الى باب المنزل , مع أعمدة انارة على الجانبين , و الباقي أحواض من الزهور المتنوعة , و التي تعبق الأجواء برائحتها الزكية , رغم أن المنظر يسر الناظرين , الا أن ملك لم يشغل بالها الا أمر واحد " أين ذلك الرجل و ما علاقته بوالدها ؟ " . فيما هي غارقة في تفكيرها فتحت البوابة الكترونيا , ترددت ملك لبضع ثوان , قبل أن تأخذ نفسا عميقا و تخطو نحو الداخل بتأن و انتابها فجأة شعور سيء أن دخولها اليوم الى هنا سيغير مصيرها , و لن تعود بعدها الى حياتها الهادئة , لكنها لا يمكنها الا الاستمرار , دخلت ملك بحرص و بخطوات متأنية , مستغربة من وحشة المكان و كأنه خال من أي انسان , بوصولها أمام الباب دقت الجرس بتردد و بيد مرتجفة , بعد خمس دقائق فتحت لها امرأة ستينية , ببشرة سمراء و وجه تملؤه التجاعيد , كانت سيدة متوسطة الطول , ممتلئة الجسم لديها هيبة غريبة , بشعرها الأسود الذي تتخلله خصل بيضاء و ملابسها القيمة , كانت تضع وشاحا شفافا على رأسها و ترتدي عباءة , لا يبدو بأنها خادمة بسيطة , شعرت ملك ببعض الراحة , على الأقل هناك امرأة غيرها هنا , لن تكون وحدها مع ذلك الرجل , فيم هي مستغرقة في تهدئة نفسها , تفحصتها المرأة بتمعن من رأسها الى قدميها ثم قاطعتها بصوت هادئ " تفضلي " دخلت ملك بتردد و نظراتها تجول المكان بترقب شديد , أغلقت المرأة الباب و اقتادتها الى البهو ثم الى صالون فسيح , الديكور داخل المنزل لا يقل فخامة عن خارجه , بأرضية رخامية لامعة و الكثير من التحف و الأثاث الفخم , مع درج كبير يتوسط الصالون يقود الى الطابق الثاني , لكن البيت يبدو فعلا مهجورا لا أثر لأحد هنا بادراك الوضع تجدد خوف ملك , فرغم وجود هذه المرأة معهما , الا أن هذا الرجل متهور مما رأته منه , و لن يردعه أحد عن ايذائها اذا أراد , لكن ان كان والدها فعلا هنا فالأمر يستحق المجازفة , توقفت المرأة أمام باب جانبي , و دقت عليه مرتين برفق دون أن تقول كلمة واحدة " أدخل " سمعت ملك الصوت الذي يرعبها من الداخل , و لم تتمكن من السيطرة على خوفها , ارتجفت كل أوصالها و انقبض قلبها فتحت المرأة الباب و دون أن تخطو خطوة واحدة نحو الداخل , أعلنت عن قدوم الضيفة المنتظرة بكل احترام " سيدي السيدة هنا " قالتها بصوت هادئ و بعدها انسحبت مباشرة , تاركة ملك تقف مكانها . ألقت ملك نظرة سريعة على المكان الذي ستدخله بتوجس كانت غرفة فسيحة يتوسطها مكتب كبير نصف دائري , مع كرسي جلدي وثير خلفه , فوقه قرطاسية من الجلد و كمبيوتر , الحائط على الجهتين يحوي مكتبة هائلة مع الكثير من الكتب , أريكتين متقابلتين أمام المكتب , مع شاشة كبيرة معلقة على الحائط , و الكثير من التحف و اللوحات الفنية " لم يبدو بأن هذا الرجل يحب العيش داخل متحف كأنه تمثال شمعي ؟ " كان أول شيء تبادر الى ذهن ملك كل شيء كان مبهرا هنا , الأمر الوحيد السيء رائحة عطر ذلك الرجل التي تملأ المكان , لا يمكن لملك أن تنسى هذه الرائحة , رغم أنها عطر رجالي فخم برائحة العود , الا أنها كلما وصلت الى أنفها تذكرت كل ما مر بها حتى الآن , هي تتذكر جيدا ذلك اليوم في المستشفى , كانت الرائحة ملتصقة بثيابها و جسمها , و كأن هذا الرجل احتضنها , كانت ملك تشعر بالغثيان بالتفكير في الأمر , دون أن تعلم حقيقة أن علي من نقلها بين ذراعيه الى المستشفى , كان علي يقف أمام الشرفة المطلة على الحديقة معطيا ظهره لملك , واضح أنه كان يتابع حركاتها منذ لحظة وصولها الى هنا , رغم أن الوقت لا يزال مبكرا , الا أنه يقف هناك بكل أناقته , و كأن هذا الرجل لا ينام مثل باقي البشر , أو ربما هو مجرد انسان آلي دون قلب من يدري ؟ سألت ملك نفسها , أخذت بعدها نفسا عميقا , استجمعت سريعا شجاعتها و خطت الى الداخل خطوتين صغيرتين استمر علي في الوقوف مكانه دون حراك , و كأنه يتجاهلها مما زاد انزعاجها , أمام صمته المستفز , قررت أن تتكلم أولا فقد فقدت صبرها بالفعل , و أعصابها لم تعد تتحمل برود هذا الصخرة " أين بابا ؟ " . 💞💞😘 ........ | ||||
21-08-20, 09:20 PM | #80 | |||||
| اقتباس:
البارتين القادمين حاسمين 🤫 لكن مفاجآت بالجملة في البارتات التالية 💞 | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|