22-08-20, 10:03 PM | #82 | ||||
| البارت الثامن و العشرون ابتزاز 💔 " أين بابا ؟ " سألت ملك بصوت مغتاظ , دون أن تبرح مكانها لم يجب علي و لم يحرك ساكنا , و كررت ملك السؤال بنبرة أكثر غضبا " أنا أحدثك أين والدي ؟ أو أن هذه كذبة أخرى من أكاذيبك التي لا تنتهي ؟ عرفت أنه لم يكن علي أن أصدقك " ثم استدارت فورا للمغادرة , لم ترد أن تكون ألعوبة في يده يحركها كيفما يشاء نظر علي الى ساعته , ثم عاد للتحديق للخارج و أجاب بصوت هادئ " سيصل بعد نصف ساعة " كان علي يقف بكل اتزان , بقامته الفارهة واضعا يديه في جيبه , ملامحه الدقيقة متصلبة , مع نظرته الباردة التي تلقي الرعب في قلب ملك كلما رمقها بها , بسماع ما قاله توقفت ملك عند الباب , و استدارت و قد بدت الفرحة على ملامحها " فعلا ؟ يا الهي فقط نصف ساعة ؟ " لم يجبها علي هذه المرة , و اكتفى بالاستدارة ناحيتها و مراقبة ملامحها المسرورة , لم تنتبه ملك لنظراته , و استمرت بإبداء سعادتها بوصول والدها " جيد إذا سأرى كيف ستمنع والدي من اخراجي من هنا ؟ و كيف ستستمر بإقناع الكل بأكاذيبك ؟ " رد علي بابتسامة خفيفة مستهزئة , صارت ملك تعرفها كما تعرف تعابير وجهه المختلفة " تعجبني فعلا ثقتك بنفسك " و رد ملك كان سريعا و بتحد كبير " ثقتي في براءتي أكبر " هز علي رأسه بإعجاب زائف , صمت قليلا ثم سأل بجدية " طيب ما رأيك إذا في قطعة مخدرات أو قطعة سلاح ؟ " كان السؤال مبهما لم تفهم ملك منه شيئا , قطبت جبينها بتشوش و ظهرت حيرتها في عينيها , و قبل أن تسأله عن قصده , بادرها هو بوضع يده على لحيته و كأنه يفكر بجدية , ثم طرح السؤال مجددا بطريقة مختلفة " أو أقول لك أنا لا أحب الأمور المشبوهة , فما رأيك بمائة ألف يورو أو دولار مثلا ؟ " و ابتسم بخبث مجددا ارتجف قلب ملك فهي تخاف هذه الابتسامة الخبيثة , أكثر مما تخاف ملامح غضبه , و عادة تسبق أمرا مدمرا عبست ملك مجددا من الكلام المبهم , و سألت و قد فقدت صبرها " بم تهلوس أنت ؟ ما الذي تقصده ؟ " أكيد ما قاله هذا المجنون له علاقة بها , فهذا الرجل يقدس الكلمات كالذهب , لا يعقل أن يتفوه بالترهات في وقت حرج كهذا تقدم علي خطوتين إلى أمام المكتب بتأن , و أجابها بكل هدوء و هو يحدق في عينيها مباشرة " أقصد أنك يجب أن تحمدي الله , لأن قطعة الماس تلك أنا أملك صك ملكيتها , لكن والدك لن يكون محظوظا بقدرك للأسف " قال بنفس لهجة الاستهزاء التي تستفز ملك حد الجنون شحب وجهها فجأة و ارتجفت يداها , فكلام هذا المتسلط واضح , هو يهددها بأن يلفق لوالدها , قضية تهريب مثلما فعلها معها , و يبتزها للاعتراف بأمر لم تقم به انعقد لسانها و اتسعت عيناها , و هي لا تصدق أن هناك انسانا على وجه الأرض بهذه القسوة و الانحطاط , ملامح الخوف على وجه ملك , هو ما كان ينتظره علي منذ الأمس , و النتيجة أن والدها لا علم له بما فعلت , و هي الآن خائفة من أن يعرف بأمرها , و إلا ما كانت ارتعبت إلى هذا الحد , بالنسبة له هذا أفضل الاحتمالات , لأنه بإمكانه الآن ابتزازها و الضغط عليها , مقابل ألا يفضحها أمامه , لذلك أسرع باستغلال الموقف مجددا " تفضلي أنت تصحبك السلامة بإمكانك المغادرة , من الغد سألغي حظر السفر و تصبحين حرة , و لكن والدك سيبقى مكانك هنا " قال و هو يشير إلى الباب برأسه , و يظهر لا مبالاته بما تريد ملك فعله شعرت ملك بقشعريرة تسري في كل جسمها , و خوفها لم يكن من سراب , هي رأت بنفسها قدرة هذا الرجل على دس الدلائل و تغيير الحقائق , إذا قرر فعلا إيذاء والدها فلن يردعه شيء أبدا لم تدر ملك بنفسها إلا و هي تندفع ناحيته , رفعت يدها تريد صفعه على تسلطه , و تخليص كل الحقد الذي تحمله له منذ أيام لكن علي استبق الأمر , و أمسك برسغها قبل أن تلمس يدها خده , لم تولد بعد المرأة التي تصفعه , كانت قبضته مؤلمة لكنه لم يطل الأمر , حيث أبعدها عن وجهه مباشرة , و تراجع خطوة الى الخلف بابتسامة انتصار مستفزة تأجج بعدها غضب ملك بشدة , و حدقت اليه بألم و هي تفرك رسغها " tu es vraiment fou ; un malade mental cruel et sans pitié " ( أنت فعلا مجنون , مريض عقليا قاس و عديم الرحمة ) صرخت ملك في وجهه ثانية بحنق , و قد استنزفت كل ذرة عقل كانت تحتفظ بها لحد الآن , و رغم أن علي لا يتقن الفرنسية بطلاقة , إلا أنه فهم أنها تشتمه و بطريقة سيئة " صوني لسانك و تأدبي " رفع صوته مهددا و قد بدأ الغضب بالظهور على ملامحه , لكن ملك لا تتراجع و ترد الكلمة بمائة " أنا مؤدبة أكثر منك , على الأقل أنا لا أرفس كل من يأتي في طريقي مثل ثور هائج " " بدل مجادلتي بوقاحة , وفري حماسك هذا لإنقاذ والدك لاحقا " تراشق الاثنان بالكلمات و التهديدات , لكن لم يبد أن علي تأثر بما تقوله ملك , و إنما جديته في فعل ما هدد به بدت كبيرة جدا كانت ملك كمن يحارب النار بالبنزين , كلما هددته أو هاجمته زادت قسوته و حدة كلامه , استنفذت صبرها أخيرا و تقدمت منه فجأة , و قد تخلصت من خوفها منه أمسكت بياقة قميصه في حركة فاجأته , و الآن فقط انتبه الى حالتها , كانت ملك ترتدي سروال جينز أسود , و قميصا أبيض خفيف بأكمام قصيرة , مع حذاء رياضي مسطح بنفس اللون , يبدو جسمها ضئيلا بإمكانه سحقه بضمة واحدة و كعادتها لا تضع أية مساحيق و لا أي عطر , و ترفع شعرها الذهبي ذيل حصان , فرق الطول بينهما كان أكثر من عشرين سنتيمترا , لكن ذلك لم يمنعها من تحديه , حتى أنها كانت تقف على رؤوس أصابعها لتقترب من وجهه , ضاربة عرض الحائط كل جبروته و غطرسته ارتبك علي في البداية , فقد فاجأته بردة فعلها , لكنه كان أكثر هدوءا من المرات السابقة , زادت حيرته بالنظر إلى عينيها العسليتين الكبيرتين , اللتين كانتا تحدقان به بكل تحد , كان هناك شيء غريب بهما , كان هناك لمعة براءة و كأنهما عيني طفلة , ربما لم يسبق له في حياته , أن رأى عينين أكثر نقاء من هاتين العينين , رغم الغضب البادي فيهما , إلا أنه لم يغط على هذا الصفاء , لا يمكن للمرء المحدق بهما إلا الشعور بالسلام و السكينة تجتاح روحه , " تبا " همس علي بسخط بينه و بين نفسه " رائحة الياسمين اللعينة تلك كالمرتين السابقتين " و بلع ريقه محاولا السيطرة على ردة فعله استمر الأمر بعدها لثوان , قبل أن يسمع صوتها تهدده بجدية " إذا تجرأت و آذيت والدي , و الله أقسم سأقتلك بيدي هاتين " لم يحرك علي ساكنا و كأنه لم يسمع شيئا , كان تائها و كأنه وقع تحت تأثير تنويم مغناطيسي , و لم يستفق إلا على صوت المرأة , التي استقبلت ملك قبل قليل , تقف عند الباب مذهولة من المنظر , فعلي يقف بكل هدوء و دون حراك أمام هاته الشابة , التي تلتصق بوجهه و هي تمسكه من ياقته و كأنها تتعلق به , أي زلزال ضرب هذا المكتب , لتنقلب الأمور رأسا على عقب , و يسمح السيد لامرأة أن تقترب منه الى هذه الدرجة , كانت حيرتها واضحة في عينيها اللتين كانتا تنتقلان بينهما بفضول , و لكنها لم تعلق و اكتفت بقول ما جاءت لأجله " سيدي وصل ضيوفك " ثم انصرفت مباشرة انتبه علي أخيرا إلى الوضع المريب الذي كانا فيه , و أبعد يدي ملك بعنف عن قميصه , فخطت خطوتين إلى الوراء و كادت تقع على الأرض , لولا أنها ارتكزت على الكرسي خلفها لحفظ توازنها حاول الرجل إخفاء ارتباكه , و أشاح بوجهه ناحية مكتبه للحظات " لا يجب أن تتأثر بهذه المرأة فهي ممثلة مدعية " قال محدثا نفسه ككل مرة يتواجهان , و يشعر أنه على وشك ان يضعف أمامها , أخذ بعدها نفسا عميقا , ثم خطا ناحية الباب و توقف أمامه , و دون أن يستدير قال آخر ما فكر فيه " أمامك عشرة دقائق , اما أن تخرجي من هذا الباب لتقولي ما أريد سماعه , أو اعتبري أن والدك في السجن " خرج بعدها مباشرة , تاركا ملك تحت الصدمة , عقلها مشوش و قلبها يدق بجنون , واضح أن الضيوف الذين تكلمت عنهم تلك المرأة هم والدها و آخرون , و هذا الرجل يقول بأن لديها عشرة دقائق , فقط عشرة دقائق , و هي حتى لا تعرف بما يريدها أن تعترف , تسمرت ملك مكانها و بدأت يداها بالارتجاف , و الدموع بالتجمع في عينيها , لكنها منعت نفسها من البكاء , خشية أن تثير قلق والدها إن رآها باكية , لكنها كانت تدعو بألم شديد , أن يتوقف الزمن عند هذه اللحظة . بخروجه من المكتب وقعت عينا علي على الضيوف الواقفين في مدخل الصالون , كانوا ثلاثة رجال أحدهم عبد الحفيظ هو يعرفه , سبق و أن رآه و كلمه , رجل ستيني يبدو والدها , فعينيه صورة طبق الأصل عن عيني ملك , و الشاب الآخر في مثل سنه , أشقر طويل القامة بعينين زرقاوين , يضع نظارات طبية و يبدو أجنبيا و الرجلان تبدو عليهما الأبهة و الفخامة , رغم تعب السفر الواضح على وجهيهما " هل هذا شقيقها ؟ " سأل علي نفسه لكنه لم يشغل باله به كثيرا , مشكلته كلها مع والد تلك المحتالة , سلم بعدها على ضيوفه و أشار لهم بالجلوس , و طلب من فاطمة تقديم ضيافتهم , ثم جلس هو الآخر مقابلهم " أين ابنتي ؟ " سأل والدها دون تحفظ , و هو يرمق علي بنظرات قاتلة , ابتسم علي واضعا رجلا على رجل و أجابه " ستحضر بعد قليل " و رد عليه نظراته بأخرى أكثر حدة قاطع عبد الحفيظ الجو المكهرب بين الرجلين , و قال محاولا تلطيف الأمور " هذا السيد عز الدين والد السيدة ملك " عرف عنه باحترام " و هذا السيد علي الشراد " لم يبال والدها كثيرا بالتعريف فما يشغل باله أمر آخر " هل ابنتي تقيم هنا ؟ " " نعم " أجاب علي بكل بساطة , فيم تغيرت ملامح الأب للامتعاض " ألم تقل أنها تقيم في بيت آمن تحت مسؤوليتكم , ما الذي تفعله مع غرباء هنا ؟ " سأل عبد الحفيظ بصوت مستاء , لكنه لم ينتظر أن يجيبه , و سارع الى طرح سؤال آخر " هل يمكن أن أعرف ما علاقتك بابنتي ؟ " ابتسم علي بطرف فمه مجددا , و حاول كسب بعض الوقت " لنتكلم بعد أن تحضر ملك " قال اسمها بكل هدوء , و كأنه يعرفها منذ دهر , مثيرا سخط والدها أكثر في هذا الوقت أحضرت فاطمة القهوة و وضعتها أمامهم و أشار علي بيده ليدعوهم لتناولها , ساد بعدها المكان صمت شديد , في انتظار قدوم ملك . . . داخل المكتب كانت ملك على وشك فقدان عقلها , لكن بعد انقضاء الدقائق العشر , كانت قد اتخذت قرارها و حزمت أمرها , هي ليس لديها شيء تعطيه لهذا الرجل , و لكنها أيضا لن تسمح له بإيذاء والدها . خرجت من المكتب بتأن , و قد بدا وجهها شاحبا و متعبا , بمجرد دخولها الصالون لمحها والدها أولا , نهض من مكانه و اتجه ناحيتها مباشرة , و أخذها في حضنه بلهفة كبيرة " حبيبتي اشتقت إليك , كيف حال ملاكي ؟ " بادلته ملك الحضن بقوة أكبر , و غرست رأسها في صدره , محاولة السيطرة على مشاعرها , لكن دموعها خانتها " بخير بابا و أنت ؟ " أمسك بوجهها الصغير بين يديه ليراقب ملامحها , مسح الدموع التي تساقطت من عينيها و ابتسم " أصبحت بخير بعدما رأيتك " كان المشهد مؤثرا و لم يقو علي على التعليق بشيء , بعد مرور لحظات انتبهت ملك الى تواجد سامي , تقدمت منه مبتسمة دون أن تطلق يد والدها " مرحبا سامي كيف حالك ؟ " ابتسم الشاب بهدوء و مد يده ليسلم عليها " بخير ملك و أنت كيف حالك ؟ أقلقتنا عليك أيتها المشاغبة " كان علي يراقب ما يحدث من تفاعل بين ضيوفه , لا يبدو أن ملك تمثل الآن , فمشاعرها ناحية والدها تبدو صادقة , و فرصته الآن كبيرة لاستغلال الموضوع " ماذا ملك ألن تخبري والدك عن سبب وجودك هنا ؟ " قالها بلهجة تهديد واضحة طبعا هو قصد أن تعترف بما أخذته , لتتمكن من المغادرة مع والدها , لكن كلماته قطعت عليها لحظة الحنان التي كانت تستمتع بها , و تذكرت فجأة واقعها المرير و وجود هذا البغيض فيه دب الذعر مجددا في قلبها و استدارت ناحيته , لكن هذه المرة كانت هناك نظرة متوسلة في عينيها , أشعرته بالذهول و الصدمة ألم تكن هذه المرأة تتحداه قبل قليل , حتى أنها هددت بقتله ؟ كانت حينها غاضبة حانقة لكنها الآن متوسلة " أرجوك لا تقل شيئا " هذا ما كانت تقوله عيناها , لم يفهم علي ما الذي تخطط له ملك الآن , و لم هذا التحول المفاجئ في تصرفها , و لكنه فاجأ نفسه بالانصياع لمطلبها , و التزم الصمت نزولا عند رغبتها , رغم أنه لم يرضخ يوما في حياته , إلا أن هاته التوسلات الصامتة , تجعله يجثو على ركبتيه و يتنازل . استمر علي في التحديق إلى عينيها , و عقله يحاول إيجاد تبرير لما يحصل , دون أن يدري أن ما ستقدم عليه هاته العنيدة سيغير حياته جذريا . قطع والدها النظرات المتبادلة بينهما " ملك هل نغادر ؟ " أغمضت ملك عينيها بشدة , أخذت أنفاسا متقطعة , و دون أن تستدير لتواجه والدها , انطلق صوتها الذي بدا ضعيفا , لكن كلماتها كانت قوية " آسفة بابا , لا أستطيع الرحيل معك " 💞💞😘 ....... | ||||
23-08-20, 09:25 PM | #83 | ||||
| البارت التاسع و العشرون أنا هنا مع زوجي 💔 " آسفة بابا , لا أستطيع الرحيل معك " استغرب والدها ما قالته و هي تعطيه ظهرها , أمسك بمرفقها و أدارها لتقابله " لماذا ؟ أنا أتيت لاصطحابك , السيد عبد الحفيظ شرح لي الموضوع , سنبقى سويا الى أن تحل المشكلة " طأطأت ملك رأسها لا تقو على رؤية عيني والدها , شحب وجهها أكثر و قالت ما لم يتوقعه أحد " أنا هنا مع زوجي و في بيتي , لن أستطيع الذهاب معك و تركه " صدمت كلماتها الجميع حتى علي و كريم , الذي يقف عند المدخل يراقب الوضع , طوال الأيام الماضية , كان علي يضغط عليها بكل قوته , لتستسلم و تعيد ما أخذته , و حينما سمع بخبر قدوم والدها , استغل الفرصة و حاول ابتزازها , و مقايضة سلامته بحاسوبه , حينما أتت الى هنا توقع أمرا من اثنين , اما أن تبكي و تصرخ كما فعلت سابقا و تنكر علاقتها به , حينها قرر أن يصر على ما قاله , و لن يسمح لها بالرحيل أبدا و قد يزج بها في السجن , و اما أن تخاف و تعيد ما أخذته , و هو مستعد أن يسمح لهما بالمغادرة فورا . لكن ما قالته الآن أخلط كل حساباته , لم تعترف هذه العنيدة الآن بما كانت تنكره سابقا بإصرار ؟ أو أنها غيرت رأيها , و هي الآن تريد هذه المكانة حقيقة ؟ و تطمع أن تنال لقب زوجته ؟ فأي امرأة لا تغريها هذه الصفة ؟ تسلل الشك و الخوف الى قلب علي , و كأن السحر انقلب على الساحر , لم يعرف ما عليه قوله أو فعله في لحظة كهذه , هو لم يحسب حساب أمر كهذا , و لكنه قرر أن يشاهد ما الذي ستقدم عليه هذه المرأة الى النهاية , فهو لا يمكنه انكار هذا الأمر , بعدما كان يصر عليه لأيام . بدت الدهشة على وجه والدها هو الآخر , هو يعرف ابنته جيدا , و ما قالته قبل قليل لا يمكنه تصديقه , مد يده و رفع وجهها ناحيته , لرؤية عينيها محاولا السيطرة على غضبه " أعيدي ما قلته " قال بنبرة حازمة و هو يحاول تبين الصدق في كلماتها بلعت ملك ريقها و أخذت نفسا عميقا , ثم أصرت على ما قالته قبل لحظات " قلت أنني هنا مع زوجي في بيتي , لا داعي لقلقك علي , بإمكانك العودة الآن " استمر والدها في الجدال لا يريد تصديق أذنيه " أنت تمزحين صح ؟ أو أن هذا الرجل يهددك بأمر ما ؟ " و أشار الى علي الذي يقف خلفها بملامح مصدومة بنظرة قاتلة و مهددة , لكن ملك سارعت لتشتيت انتباهه عنه , لا تريده أن يعلق معه " هذه الحقيقة بابا , ليس هناك أي تهديد , هذا زوجي و سأبقى معه " شحب وجه والدها أمام تكرارها ما قالته , لو أخبره العالم كله هذه الكلمات ما صدقه , لكن ملك لم تكذب عليه يوما في حياتها , لم تخف شيئا عنه يوما حتى أبسط الأمور , لطالما كانت الابنة المطيعة المهذبة , التي يحسده عليها كل الناس , حتى في مراهقتها لم تكن طائشة أو متهورة , علاقتها بالرجال كانت دائما في حدود الصداقة و الزمالة , حتى أنه أصبح مؤخرا يفكر جديا , في تقديم رجل مناسب من معارفه لأنها لم تكن تفكر بالارتباط بأحد في المستقبل القريب , و هو يريد رؤية أحفاده في أقرب وقت , كما أن زوجته أكثر لهفة منه , لكن أن تقف الآن أمامه , و تقول أنها متزوجة و دون علمه , فهذا ما لم يفكر فيه و لو في أسوء كوابيسه . . . . سابقا في المكتب كانت ملك قد فكرت , بأن هذا الرجل مقتنع بأنها أخذت شيئا منه , و هو لن يغير رأيه بسهولة , و ما حصل الأيام الماضية , أثبت قدرته على السيطرة على الأمور و قلب الحقائق لصالحه ان خرجت و اتهمته و أنكرت أمام والدها , سيصر هذا الأخير على اصطحابها , أكيد سيصدق براءتها و لن يسمح له بالاستمرار في تعذيبها , و النتيجة أنه سيدخل في صراع معه , و هو وحش لا يرحم , سينفذ تهديده و يرسله الى السجن دون شفقة , و والدها مريض بالقلب لن يتحمل , و سيموت قبل خروجهم من هنا . و ان خرجت و اعترفت و لو كذبا بما يريده , فهذا المتسلط لن يعتقها لاحقا مهما فعلت , إضافة الى أن اعترافا علنيا كهذا بالسرقة , قد يوقف قلب والدها في لحظة واحدة . فكرت ملك بأن الأوان قد فات بالنسبة لها , فبالاعتراف أو دونه هي لن تغادر قبل أشهر , ان لم يكن بتأثير من هذا المجنون , فسيكون بسبب قضية التهريب الملفقة , يعني الأمر بالنسبة لها سواء و النتيجة واحدة , حتى المحامي سبق و أن فصل في الوضع , لذلك فالأفضل أن تبعد والدها عن هذا المكان أولا , بدل أن يبقى هما الاثنان هنا دون جدوى , قررت ملك أن تتحمل مسؤولية ما يحدث وحدها بعيدا عن والديها , اذا كان هذا الرجل يريد مواجهة معها , فهي ستفعل أي شيء لكسبها , ستماطله الآن حتى يصبح والدها في أمان , و بعدها ستعرف كيف تتخلص من شركه , و تساومه بأي ثمن مقابل اطلاق سراحها , حتى و ان قايضته بحياتها , لكن ليس مقابل حياة والدها , هذا ثمن باهض لا تستطيع تحمل عبئه بقية حياتها , هو أجرى مؤخرا قسطرة دقيقة , بسبب انسداد في شرايين القلب , لن تسمح أن يصاب بنوبة قلبية أخرى قد تودي بحياته , بسبب لعبة سخيفة لا تعرف حتى سببها , لذلك اختارت أخف الضررين . برؤية ملامح ملك الجدية لم يكذب والدها ما قالته " اذا ما قاله هؤلاء عن زواجك دون علمي أنا و والدتك صحيح ؟ " كان عز الدين يدعو الله أن تكون مجرد مزحة بغيضة , هو ليس مستعدا أن يفقد ابنته الوحيدة هنا . لكن ملك هزت رأسها بالموافقة دون قول كلمة , فهي لم تعد تقو على الكلام أكثر مما فعلت , و قد تفضح نفسها ان ردت عليه , و الله وحده يعلم ألم قلبها الذي كان ينزف دما , و هي تدعو هذا الرجل الذي تكرهه حد الموت بزوجها و هذا القبر ببيتها . في هذه الأثناء انسحب عبد الحفيظ , لم يعد لوجوده ضرورة , فملك اعترفت أخيرا بزواجها من علي , و واضح أن والدها مستاء من الأمر و سيبدأ بتأنيبها , و هذه أمور عائلية لا يرغب أن يشهدها , مهمته انتهت و عليه المغادرة . أفلت والد ملك يده التي كانت تمسك بوجهها , و تراجع خطوة الى الوراء , و قد شعر بالدوار بسبب ما سمعه " لماذا ؟ " سأل بصوت هادئ , لكن ملك لم تجب بشيء , كانت دموعها تتساقط من عينيها , و تعض على شفتها السفلى محاولة تمالك نفسها و عدم النحيب أعاد والدها السؤال بنبرة أشد غضبا " لماذا أجيبي ؟ " صرخ فجأة في وجهها لم تفزع الصرخة ملك و سامي بقدر ما أفزعت علي , قبل قليل كان يظهر أن هذا الرجل هادئ و رصين جدا , لكنه فقد أعصابه الآن و ظهر توتره " آسفة بابا " لم تقل ملك أكثر من كلمتين زادت من سخط والدها , و علا صوته مجددا " علام أنت آسفة هاه ؟ ما الذي فعلناه أنا و والدتك لنستحق ابنة جاحدة تتزوج دون علمنا هاه ؟ فيما قصرنا معك تكلمي ؟ لو كنت أتيت الي و قلت بأنك تحبين هذا الرجل , و طلبت الارتباط به لم نكن لنمانع , كنت أيدت ابنتي الوحيدة في أي قرار تتخذه , و أنت تدركين هذا جيدا , فلم تخدعيننا بهذه الطريقة اذا ؟ " لم يملك عز الدين الا أن تثور ثائرته , فالابنة التي رباها و تعب على تنشئتها لسنوات , حبيبة قلبه و قطعة من روحه , تقف أمامه لتقول أنها تزوجت دون علمه , شعر بمرارة الخيانة و كأن أحدهم أطلق النار على قلبه , كان شعورا مخلوطا بالإهانة و الذل , فمهما كانت درجة انفتاحه يظل رجلا شرقيا , تهين أمور كهذه كرامته و اعتزازه بنفسه و تثير حفيظته " بابا أنا .. " تكلمت ملك مجددا تريد أن تشرح شيئا , لكنها لا تعرف ما تقول لتراضيه , و قد علقت الكلمات في حلقها , فهي لا يمكنها الآن التراجع عما أخبرته , و الا فالرجل الواقف وراءها سينفذ تهديده قاطعها والدها فجأة " لست والدك " صدمت الكلمة ملك لدرجة أوقفت دموعها مرة واحدة , و شخصت عيناها عن آخرها , صمت الرجل لبرهة و قد احتقن وجهه ثم أضاف " أنا لا أنجب ابنة تبيع نفسها و تخدع والديها , أنت اخترت هذا الرجل دون رضانا , و أنت من سيتحمل مسؤولية هذا الاختيار , سأعتبر أنني لم أنجب يوما , و اعتبري نفسك يتيمة منذ هذه اللحظة " كانت الكلمات مؤلمة لملك حد الموت , مثل رصاصة اخترقت قلبها و مزقته ألف قطعة , لم يزد والدها كلمة واحدة , استدار و خطا ناحية باب الفيلا للمغادرة , و ألم الخيبة واضح على ملامحه . سامي الذي كان تحت الصدمة , و لم يتدخل بحرف واحد منذ البداية , استدار هو الآخر ليلحق به , لكنه تردد في خطواته , و عاد أدراجه حيث تقف ملك , التي كانت تبكي دون توقف , وضع يده على خدها محاولا تهدئتها , و مسح دموعها ثم قال بنبرة حنونة " لا تحزني ملك أنت فتاة قوية , و أنا أثق في اختيارك , و لا تقلقي عمي سيكون بخير بعد فترة , تعرفين كم يحبك و لن يغير ذلك شيئا أبدا " هزت ملك رأسها و أمسكت بيد سامي التي يضعها على خدها " شكرا سامي اعتن به أرجوك " " أكيد دون أن تطلبي , أتمنى لك السعادة " و طبع قبلة خفيفة على جبينها , استأذن بعدها من علي و خرج مسرعا للحاق بعز الدين , الذي كان يجلس في سيارة الأجرة منتظرا للعودة الى المطار . كان علي يقف مكانه , دون أن يحرك ساكنا أو يصدر أي صوت , مكتفيا بمراقبة المشهد الباكي أمامه , كان مشوش التفكير لدرجة كبيرة , لم يفهم ما الذي حصل قبل قليل , و كيف تمكنت ملك من اقناع الآخرين , أنها زوجته فعلا في خطوة صادمة لم يتوقعها ؟ لم يصدق أنها أرسلتهم فعلا , ما اللعبة التي تلعبها الآن ؟ هو كان يتلاعب بأعصابها لا أكثر , لم يكن يفكر فعلا في أذية والدها , لن يستفيد شيئا من الأمر , فقد كان واضحا ألا علاقة له بما حصل و لكنها صدقته و جعلته يذهب من هنا دونها , و الرجل الآخر اذا كان شقيقها , فما ردة الفعل تلك أو أنه تربطهما علاقة أخرى ؟ كانت الكثير من الأسئلة تدور في فكر علي دون جواب واضح , هو لم يفهم لم لا يستطيع قراءة هذه المخلوقة , لطالما عرف بقدرته على تخمين أفعال من أمامه , و لكن ملك تدهشه في كل مرة , و لا يستطيع سبر أغوارها مهما حاول لم يفق علي من تفكيره , الا و ملك التي كانت تبكي بيأس الى جانبه , تنطلق مثل السهم لملاحقة سيارة والدها , هي لم ترد أن توقفه , لأنها تدرك أنها لا يمكنها مرافقته , و لا اصلاح الكذبة التي قالتها قبل قليل , و لكنها أرادت على الأقل أن تراه للمرة الأخيرة . لحق علي وراءها بخطى متباطئة , و وقف عند الباب مراقبا ملك التي تركض كالمجنونة خلف السيارة المغادرة , كان المطر قد أصبح أكثر غزارة , لكنها لم تبال بتبلل ملابسها و جسمها , و رغم اختفاء السيارة منذ وقت طويل , الا أنها لم تتوقف و لم تعد أدراجها ركضت ملك على طول الحديقة وصولا الى البوابة , أين تسمرت مكانها و هي تحدق الى آخر الشارع , ضاق نفسها فجأة و توقفت دموعها لثوان , قبل أن تصرخ صرخة مدوية اخترقت أذني علي " بابا " فقط كلمة واحدة و فقدت وعيها مباشرة , لتقع على الأرض دون حراك , و كأنها أصيبت بسكتة قلبية . حدق علي بذهن مشوش الى الجسد الملقى على التراب أمامه , اتسعت عيناه فجأة و كأنه استفاق أخيرا , أخرج يديه من جيبه و تحركت رجلاه , و لم يدر بنفسه الا و هو يركض تحت المطر باتجاه ملك , وقف علي على بعد خطوة منها , و قد انتابه خوف شديد " هل يعقل أنها ماتت ؟ " سأل نفسه باستياء و لم يفكر في غير ذلك , أمام المرأة المستلقية على وجهها في الوحل , دون أية اشارة للحياة كيف وصل الوضع الى هذه النقطة ؟ لم يبدو كمن فقد السيطرة على الأمر ؟ اقترب علي من ملك بحذر , انحنى عليها و أدارها ناحيته , ثم رفع رأسها عن الأرض و وضع أصبعه أمام أنفها , كان هناك نفس ضعيف يعني لم تكن ميتة " الحمد لله " ارتاح باله قليلا ربما لم يشفق عليها , بقدر ما خشي أن يموت أحد بسببه , هو لم يقتل أحدا يوما و لا حتى حيوانا , فكيف يتسبب في موت انسان رتب علي أفكاره بسرعة , ثم حملها دفعة واحدة بين يديه , و عاد مسرعا ناحية بيته , يالسخرية القدر أكثر امرأة يبغضها , هي ذاتها من يحملها في كل مرة بين ذراعيه , عند المدخل التقته فاطمة التي فاجأها المنظر , كان الاثنان غارقين بماء المطر , و الكثير من الوحل يلطخ ثيابهما التي التصقت بهما كان وجه ملك شديد الشحوب و فاقدة للوعي , و كان وجه علي شديد القلق و الاستياء . " استدعي دكتور جلال " وجه علي كلامه اليها قاطعا تأملها " حاضر سيدي " كان علي يفكر في أخذ ملك الى الطابق الثاني حيث غرف النوم , لكنه تراجع و طلب من فاطمة فتح احدى الغرف في رواق الخدم , رغم أن خدمه يقيمون فيها , الا أنها لا تقل فخامة عن باقي المنزل . كريم الذي كان في هذه اللحظة داخل السيارة في الخارج , في انتظار أخبار جديدة بعد مغادرة الضيوف , صعق هو الآخر بحالة ملك التي كان يحملها علي , فلحق به مباشرة لاستطلاع الأمر . في الغرفة وضع علي ملك على السرير , و أسند رأسها على الوسادة برفق , كانت تبدو و كأنها أسلمت روحها , لونها أكثر شحوبا عيناها مغمضتان و تنفسها ضعيف , تراجع بعدها ببطء و وقف عند باب الغرفة , لا يعلم ماذا عليه أن يفعل و لا كيف يتصرف , كان نفسه متسارعا , و يضع ظاهر يده الملطخة بالوحل على جبينه , يحاول تمالك نفسه و ترتيب أفكاره . لم ينتبه علي الا و قد دخلت فاطمة , تحمل مناشف نظيفة قميصا و ماءا دافئا , و شرعت في فتح أزرار قميص ملك , لتبديل ملابسها و تجفيف جسمها استدار علي مرة واحدة دون قول شيء , قصد غرفته مباشرة , خلع ملابسه المبتلة و وقف تحت الدش , بقي لوقت طويل لا يفعل شيئا , غير الوقوف هناك و الماء ينهمر على رأسه , كان خائب الظن بشدة , فلم تكن النتيجة التي توقعها و خطط لها مطولا , هو شبه متأكد أنها الفاعلة لم تستمر اذا بالمقاومة الى هذه الدرجة ؟ من أجل حماية من ؟ لا يعقل أن تتحمل كل ذلك الألم لفراق و الدها , و التسبب في نبذها من طرفه , فقط لأجل مكسب مادي رخيص " ما الخطأ في هذه المعادلة ؟ " سأل علي نفسه بحيرة كبيرة , لكنه لم يعرف أن معادلته غير صحيحة منذ البداية , لأن أساسها باتهام ملك خاطئ . 💔💔 ...... | ||||
23-08-20, 11:43 PM | #85 | |||||
| اقتباس:
لا تقلقي علي سيدفع ثمن ما فعله غاليا اغلى من مجرد عمل او مال 😉 حينما سانتهي منه سيفقد قلبه و روحه 🤫 بالنسبة للحاسوب اطمانك انا لا انسى التفاصيل 🤗🤗 | |||||
25-08-20, 08:58 PM | #86 | ||||
| البارت ثلاثون صندوق باندورا بعد ان أنهى الطبيب معاينة ملك , علق محاليل و خافض حرارة , و أعطى تعليمات لفاطمة بكيفية العناية بها , في طريقه الى الخروج التقى بعلي الذي غير ملابسه الى أخرى جديدة , و كان ينزل على الدرج باتجاه الصالون فوقف مكانه و بادره " مرحبا علي كيف حالك ؟ " " بخير شكرا " دكتور جلال صديق العائلة المقرب و طبيبها الخاص , لذلك يتعامل مع الجميع هنا بكثير من الحميمية " الشابة التي استدعيتني من أجلها حالتها مستقرة الآن , تعاني من اجهاد حاد و انخفاض في ضغط الدم و السكري , أعطيتها بعض المحاليل ستكون بخير قريبا " أعطاه تقرير الحالة سريعا نتيجة للضغط النفسي الشديد عليها طوال الأيام الماضية , لم تكن ملك تنام الا بضع ساعات , و كانت تستيقظ مرارا بسبب الكوابيس , كانت مشغولة بالتفكير في حل للمصيبة التي تمر بها , حتى أنها كانت تفوت مواعيد طعامها , و لا تأكل شيئا طوال اليوم , مما تسبب في انهيارها نفسيا و جسديا . لم يرد علي بكلمة على ما قاله الطبيب , بدا منشغلا بالبحث في هاتفه , لكن في الحقيقة هو كان يستمع بدقة لكل كلمة قالها أمام ردة فعله الباردة تلك زاد الفضول في قلب د . جلال فقرر أن يسأل " علي هل هذه المرأة خادمة ؟ " هو متعود على التردد على هذا البيت لسنوات لم يسبق أن رآها , إضافة الى أنها تقيم في غرف الخدم , فرجح أن تكون خادمة جديدة لكنه يعرف جيدا أن الخدم اذا مرضوا يرسلون الى المستشفى , لم يسبق أن استدعي طبيب من أجلهم , فمن تكون هذه الشابة اذا ؟ رفع علي رأسه و قد أدرك فضول الرجل و أجابه " هي ضيفة هنا " قال بكل برود و دون أية ملامح ظاهرة , لكن نظرته كانت معبرة جدا و كأنه يقول " هذا أمر لا يخصك فلا تتدخل " طبعا لم يستمر د . جلال في فضوله , هو يعرف أن الأسر الثرية تكون لديها عادة , حياة معقدة مع الكثير من الأسرار , لذلك لا يحبون المتطفلين , و هو لطالما كان كتوما بشأن مرضاه , و هذا ما أعطاه المكانة التي يحتلها الآن , فما كان منه الا التراجع و ترك الأمر , آخر شيء يريده مواجهة غضب علي " طيب إذا احتجتموني اتصلوا بي , أستأذن الآن " اختصر و غادر سريعا راقبه علي بنظرته الحادة حتى غادر الباب , ثم أشار الى المرأة التي تقف على مقربة منه " فاطمة " " نعم بني " نظر ناحيتها بجدية و أضاف " اعتني بها و لا تسمحي لها بالمغادرة " " حاضر " دون أن يلتفت ناحية غرفة ملك , و دون أن يلقي نظرة على حال المرأة التي دخلت غيبوبة بسببه , غادر علي المنزل بخطوات سريعة , يتبعه كريم متجهين الى المطار , هو يؤجل هذه الرحلة الى أوروبا منذ أيام , كان عليه الذهاب لتسوية مشكلة أرصدته البنكية و ممتلكاته هناك , هو كان يطمع أن يستعيد حاسوبه في أقرب وقت و يلغي الترتيب برمته , لكن لا يبدو بأن الأمر ممكنا الآن , فما كان عليه الا التحرك بأسرع وقت , حتى ينقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تظهر مفاجآت أخرى , كان علي متعبا بقدر ملك و لكنه يحاول التماسك , كان لديه شعورا سيئا جدا يطبق على صدره , و كأنه اقترف جريمة ما , لكنه كان يخفي ذلك ببراعة حتى عن كريم , فكيف له أن يراجع كل ما أقدم على فعله مؤخرا , و هو متأكد من سلامة موقفه ؟ . . . نامت ملك بسبب المهدئ لساعات , حينما فتحت عينيها كان الظلام يلف المكان , لم تحرك ساكنا و لم تتفوه بكلمة , كانت تستلقي على ذلك السرير كدمية دون روح , سوى من أنفاسها الضعيفة التي تثبت أنها لا تزال على قيد الحياة . برؤية فاطمة تأتي و تروح , أدركت أنها لم تغادر منزل ذلك الرجل , أو بالأحرى شركه الذي وقعت فيه , و لا تعلم متى ستغادره . لم تكن ترى الا كوابيس سيئة , تتمنى أن تستفيق لتجد نفسها في غرفتها , و أن يكون كل ما حصل مجرد كابوس سيء آخر , لكنها كانت تصطدم بالواقع كلما فتحت عينيها , و ما كان منها الا أن تستيقظ لتنام و تنام لتستيقظ . الواقع الوحيد المؤكد أنها أسيرة الآن لدى ذلك المجنون , و الله وحده يعرف ان كانت ستخرج من هنا حية أو لا , لم تكن ملك تبرح الفراش , كانت ترفض الأكل و الماء , و لا تتواصل بحرف واحد مع فاطمة , التي لم تكن تحثها هي الأخرى على الكلام , و لا أن تحاول ثنيها عن تصرفها الاستسلامي , كانت المرأة تهتم بها نزولا عند أوامر السيد و تراقبها بحذر , هذه حدودها التي تلزمها كمديرة لهذا المنزل , اتصلت مساءا بالطبيب و أعلمته أن المريضة ترفض الأكل , فأوصاها بتجديد المحاليل حتى لا تصاب بسوء تغذية و جفاف حاد , في انتظار عودة علي و مناقشة الموضوع معه . في اليوم التالي كان المنزل أكثر حيوية و ضوضاء , كانت هناك بعض الأصوات في الحديقة و الرواق , لكن لا أحد يلج غرفتها , لم تهتم ملك كثيرا , فهي الآن لا تريد الا أن تختفي من هنا , فيما يبدو أن هذا المجنون لا يسمح لها حتى بالموت . استمر الوضع لثلاثة أيام متتالية , لم تكن ملك تعيش الا على المحاليل , حتى أنها فقدت القدرة على الشعور بالجوع و العطش , بدا وجهها و كأنها هرمت عشرة سنوات , لا مبالاتها بما يحدث حولها , جعلها مثل تمثال لا يبرح مكانه . بمجرد أن سمعت مقبض الباب يتحرك , حتى أغمضت عينيها لتفادي التحدث مع تلك المرأة , فلا أحد غيرها يدخل هنا و يلقي نظرة عليها , لكنها بعد دقيقتين شعرت بيد صغيرة ناعمة أمسكت بأصابعها , و بأنفاس دافئة تداعب خدها , ظنت ملك أنه حلم آخر , فتحت عينيها المتعبتين ببطء , و تفاجأت لرؤية وجه دائري صغير مباشرة أمام وجهها , كانت فتاة صغيرة جميلة جدا , ببشرة بيضاء نقية جدا , عينين سوداوين واسعتين ترمشان بينما تحدقان بها بتركيز , و بشعر أسود طويل و مجعد بضفائر , ترتدي فستانا أبيض قصير من الدانتيل , و تبتسم مثل ملاك صغير . بعد أن حدقت تلك الطفلة بملك لثوان , بدأت بالمسح على وجهها و شعرها بيدها الصغيرة دون قول شيء , و كأنها تحاول التخفيف من معاناتها , شعرت ملك بدفء غريب يلمس قلبها , فما كان منها الا أن ابتسمت بألم و أغلقت عينيها مجددا " يا الهي حتى أنني أصبحت أرى هلاوس الآن " و غطت بعدها في النوم مجددا , و هي تهمس بينها و بين نفسها . . . . في اليوم الثالث كان علي قد أنهى أخيرا جولته بين سويسرا و لندن , لتغيير الأرقام السرية لأرصدته و ودائعه , و لمراجعة ممتلكاته و حساباته , استلقى ليلا على الأريكة في غرفة الفندق , و قد بدا متعبا لدرجة الانهاك , رغم ذلك فصورة ملك و هي ملقاة على الأرض ذلك اليوم دون حراك , لا تفارق مخيلته و كأنها تركت أثرا لا يزول , كان علي يشعر بضيق في صدره كلما تذكرها , و كان يستعيد تلك النظرة المتوسلة , التي رمقته بها قبل أن تفجر القنبلة في وجه الجميع , و التي تسببت في أرقه منذ تلك اللحظة و السؤال الوحيد الذي يراوده " لم فعلت ذلك ؟ " اتصل علي بالبيت ككل يوم لتلقي التقرير من فاطمة , و ككل يوم يستمع إلى قلة حيلتها في الاعتناء بملك , دون أن يعلق بكلمة أو يعطيها أي توجيه ثم يغلق الخط مباشرة . فيم هو غارق في تفكيره قاطعه كريم " علي كيف حالك ؟ " كان علي قد أصيب بصداع سيء مساءا , و لم يقو حتى على الخروج للعشاء , كما رفض توصيله الى جناحه " بخير أعاني صداعا فقط " أجاب كعادته باختصار صمت كريم قليلا ثم أضاف " التقرير الذي طلبته سابقا صار جاهزا " تذكر علي أخيرا التقرير الذي طلبه قبل أيام , بخصوص شخصية ملك الحقيقية و علاقاتها , لكنه تأخر حتى كاد ينساه " إذا كنت متعبا بإمكاننا تأجيله للغد " اقترح كريم بهدوء و أشار له علي بيده " لا بأس أنا أستمع ، لن يزعجني ما تقوله أكثر مما حدث " كان علي يتوقع الكثير من الأمور السيئة التي تدور حول هذه المرأة , و لن يفاجئه شيء في كل الأحوال . صمت كريم للحظات ثم جلس على الأريكة مقابل علي , فتح ملفا في يده و وضع فلاشة في لوحه الالكتروني , و وضعه على الطاولة أمامه , كان علي صامتا لا يعلق على شيء , يفرك جبهته بيده لتخفيف الصداع و يراقب حركة صديقه , بعدها بدأ كريم بالكلام بصوته الأجش " الاسم : ملك الصافي السن : ستة و عشرين سنة مولودة في باريس تحمل الجنسيتين الجزائرية و الفرنسية " قطب علي جبينه و قاطعه متسائلا " جنسية فرنسية ؟ و لكنها لم تكن تحمل غير جواز السفر الجزائري , لم تكن تحمل جواز سفر آخر " أجابه كريم " أجل سيدي لكنها تحمل الجنسية الفرنسية , تحصلت عليها تلقائيا بولادتها في فرنسا القانون هناك هكذا " ما قاله كريم كان الحقيقة , ملك تتنقل الى أوروبا و باقي دول العالم بجواز سفرها الفرنسي , لتجنب معاناة الحصول على فيزا , لكن حينما حجزت لها والدتها الى دبي , شعرت أنه من غير اللائق أن تمثل جمعية خيرية جزائرية بجواز سفر فرنسي , لذلك قامت بكل الإجراءات بجواز سفرها الأصلي ، و لم تجد ملك سببا لاصطحاب الآخر . استغرب علي جدا عدم لجوئها الى السفارة الفرنسية , بعد حدوث المشكلة بينهما , كانت ستكون مهمته أصعب بتدخل سفارتين . " التقرير يقول بأن لديها جواز سفر فرنسي ، تتنقل به عادة إلا حينما يتعلق الأمر بالدول العربية " هز علي رأسه و قد اعتقد أنها مجرد مفاجأة , لكنه لم يكن يعلم أنه فتح لتوه صندوق باندورا . استرسل كريم " الابنة الوحيدة لوالدين طبيبين " ثم فتح صورة على الشاشة لثنائي في الستينات من العمر , الرجل يحتضن المرأة من الخلف , يضع وجهه على كتفها , و خداهما متلاصقان يبدوان كعاشقين كانا يقفان أمام مدخل مستشفى , الرجل والدها هو يعرفه , و الأخرى والدتها على ما يبدو , فملامحها تشبه ملامح ملك كثيرا , كانا يرتديان مآزر طبية بيضاء , و يبتسمان بكل اشراق و بسعادة غامرة . أكمل كريم " الأب عز الدين الصافي , جراح قلب و شرايين برتبة بروفيسور , استكمل دراسته في تولوز بفرنسا , و استقر هناك لسنوات , تدرج في تعليمه الى أن أصبح رئيس قسم جراحة القلب و الشرايين هناك , و هذا المستشفى يعتبر من أفضل ثلاث مستشفيات , في هذا التخصص على مستوى البلد , لكنه استقال من منصبه , قبل زواجه من والدة الطبيبة مباشرة , و عاد الى الجزائر أين افتتح مشفاه الخاص " عيادة الملاك للجراحة " " توقف كريم لبرهة حتى يري علي صور للمشفى , ثم أكمل " صيتها ذائع في المغرب العربي و حتى في أوروبا , ليس بسبب الكفاءات التي تمتلكها , و نسبة نجاح العمليات التي وصلت الى مستوى ممتاز , يضاهي المستويات العالمية فحسب , و انما بسبب المساعدات التي تقدمها للمرضى المحتاجين و الحالات المستعصية , من تخفيضات و عمليات مجانية للكثيرين منهم , مستواه كبروفيسور جعله مقصد الكثير من الجامعات , المحلية و العالمية في تخصصه , تتعاقد معه لإلقاء محاضرات و الاشراف على دورات تدريبية للجراحين الشباب , و رغم أنه يعمل في المجال الخاص , الا أن ذلك لم يمنعه من تطوير طريقة جد مبتكرة , لجراحة احدى تشوهات القلب لدى حديثي الولادة , سجلت باسمه في الموسوعات الطبية الجراحية , كما أنه يستقبل الكثير من طلبة الطب من أجل التكوين و التدريب العملي , و التي تعد سابقة في البلاد , بما أن التعليم الطبي يقتصر هناك على المستشفيات الحكومية , علاقاته كثيرة و على مستو عال , رغم أن أصوله متواضعة , فوالده استشهد أثناء حرب تحريرهم , و فقد والدته في سن مبكرة , لذلك يمكن القول أنه انسان عصامي بامتياز , معروف بأخلاقه الحميدة و شخصيته الصارمة , و لا غبار على أي من نشاطاته " كانت ملامح علي المستغربة ظاهرة جدا , بلع ريقه بتوتر دون قول شيء , لذلك قرر كريم أن يكمل مفاجآته " أما والدتها عدراء بن الشيخ , من عائلة عريقة و اسم معروف جدا , أصولها من الشرق الجزائري , إضافة الى أصالتها فالعائلة معروفة بثرائها على مدى أجيال , و تجمع الكثير من المثقفين تحت هذا الاسم , والدها أي جد الطبيبة مصطفى بن الشيخ , من أوائل القضاة الجزائريين , كان مجاهدا و من كبار المناضلين أثناء الاستعمار , عين قاضيا بعد الاستقلال مباشرة , مشهور عنه الحزم و العدل , تقلد الكثير من المناصب , حتى أصبح رئيس المحكمة العليا هناك , ثم وزيرا للعدل لفترة قصيرة قبل تقاعده , و هو يعمل لحد الساعة مستشارا للقضايا الشائكة , رغم سنه الذي تجاوز الثمانين , إضافة الى جد الطبيبة , هناك الكثير من الساسة القضاة الأطباء و المثقفين ينتمون الى نفس الاسم , و كما قلت الثراء سمة العائلة المتوارثة . السيدة عدراء هي أيضا طبيبة متخصصة في طب النساء و التوليد , عملت لدى الحكومه في أحد المستشفيات الجامعية بالعاصمة , و تدرجت الى أن وصلت الى رتبة أستاذ مساعد , و لكنها استقالت هي الأخرى و فتحت عيادتها الخاصة , بالتوازي مع تأسيس " جمعية نسمات الربيع " لمرضى السرطان من النساء , و هي توسع نشاطها الآن للتكفل بمرضى آخرين " قاطعه علي الذي تذكر فجأة " تقصد الجمعية التي حضرنا حفلها تلك المرة ؟ " و أكد كريم ظنونه " أجل , و التقرير يقول أنها مؤسستها و رئيستها , إضافة الى أن ثلاثين بالمائة من تمويلها , يأتي من حساب السيدة الخاص , ناهيك عن تكفلها شخصيا و بالمجان بإجراء عمليات مريضاتها المحتاجات , و التعاون مع زوجها للتكفل بالحالات الحرجة في مستشفاه , حصلت على عدة شهادات تقدير في المحافل الدولية , و المؤسسات الاجتماعية التابعة للأمم المتحدة , خاصة تلك الناشطة في مجال حقوق المرأة , بسبب جديتها في خدمة المرضى , السيد عز الدين و زوجته محبوبين جدا في محيطهما , و ينالان الكثير من الاحترام و التقدير , و هما إضافة الى المجال الطبي و النشاط الخيري الاجتماعي , يستثمران الكثير في الشراكات التجارية و الxxxxية مع مؤسسات اقتصادية كبرى , يمتلكان فيلا على شاطئ البحر , في أرقى مناطق العاصمة الجزائرية , إضافة الى الكثير من الxxxxات و الأراضي الفلاحية و يمكن اعتبارهما ثريين " بلع علي ريقه و قد اندهش فعلا لما يقوله كريم , و لم يستطع السيطرة على فضوله و همس له " ثريين الى أية درجة ؟ " فكر كريم لثوان ثم مد يده و فتح صورة أولى على الشاشة " هذا منزل العائلة " كانت الفيلا التي تكلم عنها كريم قبل قليل على شاطئ البحر , و كانت ملك تقف قبالتها , ترتدي بدلة باللون الزيتوني و نظارات شمسية , و تحيطها الخضرة من كل جانب على مساحة شاسعة , و يمكن لعلي أن يخمن قيمتها بنظرة واحدة . ضغط كريم على صورة ثانية " هدية ابنتهما في عيد ميلادها الماضي , كانت سيارة رياضية ثمنها أكثر من مائة ألف يورو " حدق علي في الصورة بكل انتباه , هو يعرف هاته السيارة ACURA NSX , بما أنه يمتلك معرضا للسيارات كجزء من أحد استتثماراته , و هو يعرف ثمنها جيدا كانت ملك تقف الى جانب سيارتها الجديدة , ترتدي فستانا بسيطا و تبتسم بكل عذوبة , لأول مرة يرى علي ابتسامتها المشرقة , فقد كانا يتقاتلان طوال الوقت , و كانت ملامحها الجادة و الغاضبة هي أكثر ما رآه منها , حتى أنه بالكاد تعرف عليها في هذه الصورة . حك علي جبينه و قد شعر بالانزعاج مما سمعه و حدث نفسه " أكيد هي ابنة ضالة لوالدين صالحين " بدت المعلومات مفاجأة ان لم يقل صادمة , لم يتوقع علي أن يسمع ما سمعه , فقد كان يعتقد أن ملك من أسرة فقيرة أو معدمة مع أصول وضيعة , حتى تفكر في فعل ما فعلته مقابل المال , لكنه تذكر هيأة والدها و طريقة كلامه , و حدسه ينبئه أن هذا الكلام صحيح بنسبة كبيرة , لذلك لم يملك الا أن اعتدل في جلسته , و أشار بكل فضول لكريم " أكمل " البارتين الجايين مفاجآت بالجملة 😉😉 تفاعلكم يشجعني 💞 💞 واش رأيكم في البنوتة الحلوة اللي في بداية البارت 💞 شخصية جديدة راح تغير مجرى الأمور 💞💞😘 ..... | ||||
25-08-20, 10:54 PM | #90 | |||||
| اقتباس:
يعني انت نحسبك من فريق ملك ضد علي 🙄 لكن متأكدة لاحقا راح توقفي بالنص ما تعرفي تحبي علي و لا تكرهيه 😉😉 افكارك جميلة راح افكر فيها 💞💞💞 | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|