11-09-20, 11:37 PM | #181 | |||||
| اقتباس:
تحليلك جميل و مميز جعلني أتأكد ان ما أريد ايصاله من تفاصيل و مشاعر يصل بحذافيره 💞💞💞💞💖💖💖 بالنسبة لعلي كلما زاد احتكاكه بها و صدامه معها كلما غرق اكثر دون ان يدري حينما سيستفيق اؤكد لك ان حاله سيشفق عليها الارض و السماء 😉 لا يزال الكثير من المفاجآت لأنني بدأت للتو ❤️ لا تبخلو علي بانتقاداتكم 💖💖💖💖 | |||||
12-09-20, 10:11 PM | #182 | ||||
| البارت السابع و الأربعون أنا هنا معك 💞 " ابنتي اذا كان الألم سيئا , أستدعي طبيبا أو نذهب الى المستشفى ؟ " استغرب علي لما سمعه و توقفت خطواته عند المدخل , فهو لم يلاحظ أنها مريضة أصلا . ابتسمت لها ملك بتعب و ردت بصوت خافت " لا خالة فاطمة , سيسخرون منا ان ذهبنا الى المستشفى بسبب أمر بسيط كهذا , لا تقلقي هذا ألم شهري معتاد , سآخذ حبة دواء و أستلقي سيزول بعد قليل , أنا متعودة لا تقلقي " رغم أنها حاولت طمأنة المرأة القلقة على حالها , الا أن الألم كان أقوى من العادة , بسبب فترات التوتر التي تعرضت لها مؤخرا , لكنها لا تحب الشكوى . وافقتها المرأة على مضض " حسنا ابنتي اذهبي و ارتاحي في غرفتك , سأغلي لك بعض الأعشاب , و أحضر لك كأس ماء دافيء " " شكرا فاطمة " رفع علي حاجبيه , و كأن مصباحا أنار في رأسه " يا الهي هل هي تقصد آلام الدورة ؟ " ضرب على رأسه بيده و قال بصوت هامس " تبا يعني هي مشت كل تلك المسافة , عملت في المحل و دخلت عراكا معي لساعة , و أنا حتى لم ألاحظ , أنها تعاني ألما سيئا في بطنها , يا الهي أنا حقا أحمق " قال مخاطبا نفسه و قد أدرك الآن فقط , أن ردات فعلها كانت أقل حدة بسبب ذلك عادة هي ترغو و تزبد في وجهه , و تتحداه دون تردد لكنها بدت هادئة جدا قبل قليل . تنهد علي بعمق , فهو لم يعد يعلم فيم تفكر هذه العنيدة , و لم تحب لعب دور المرأة الخارقة أمامه ؟ كان بامكانها تجنيب نفسها , كل ذلك الجدال بقول أنها مريضة , و هو كان سيؤجل الأمر الى وقت لاحق . عاد علي الى مكتبه قبل أن تلاحظه احداهما , و قد أصبح شعوره بالاستياء أكبر , و كأنه على وشك الاختناق , هو لا يعلم لم يشعر بالذنب كلما رأى وجه ملك , و الأمر يصبح أسوء مع الوقت , و بعد كل صدام بينهما , لم يحدث ذلك معه يوما , فهو عادة لا يراجع شيئا يفعله , و دائما يكون مرتاح البال مهما كانت النتائج , لكن ما يحصل مع العنيدة موضوع آخر , رغم أنها تستفزه في كل مرة , لكن بمجرد أن يتطور النقاش بينهما , حتى يراوده احساس مزعج بالضعف , و كأن عينيها ترسلان خناجر تدمي قلبه بمجرد دخوله من الباب حتى تجدد غضبه , حينما لمح المال المتناثر على الأرضية , و على الجانب بطاقة شخصية لجان , دسها وسط الأوراق دون انتباهه " ذلك المتهور منحها بطاقته , حتى بعد أن أخبرته أنها زوجتي " كز علي على أسنانه غيظا , ثم أخذها بعد ذلك و دسها في جيبه , قد يكون وعد ملك أن لا يتعرض له , ان لم تعد الى هناك ثانية , و لكنه سيحرص على أن يعرف حدوده ذلك المتملق . " صباح الخير " أخرج علي من شروده صوت سارة , التي كانت تقف بباب المكتب , منذ متى لا فكرة لديه استدار علي ناحيتها بوجه متجهم , و زاد استياؤه برؤية ما تلبسه , كانت ترتدي شورتا قصيرا من الجينز , و بلوزة ضيقة بلون أسود و تلعب بشعرها , حدجها علي بنظرة زجر لكنه لم يعلق , و عاد لجمع أغراضه استعدادا للذهاب الى العمل . أمام تجاهل الرجل لها تنحنحت سارة و تكلمت فيما تريد " أحتاجك في موضوع هام " قالت بنبرة رقيقة مصطنعة , لكن علي قاطعها مباشرة بصوت حازم " اسألي فاطمة أي شيء تريدينه , لست متفرغا لأمور خاصة " أخذ بعدها حقيبته و غادر على عجالة , دون حتى أن ينظر ناحيتها . وقفت سارة بباب المكتب , ترافق الرجل الذي تركها و رحل بعينيها الساخطتين , و ضربت رجلها بحنق على الأرض " لي أنا لا يملك دقيقتين , و تلك المتسولة يلاحقها منذ ساعتين , سنرى كيف ستصمد أمامي تلك المدعية " تمتمت بينها و بين نفسها بغضب , و قصدت المطبخ لتفطر . بمجرد خروج علي من البيت , فتح له الحارس باب السيارة , لكنه وقف جانبا و أخرج بطاقة جان , كان ينوي أن يطلب من كريم أن يؤدبه و يضايقه , لكنه تراجع بعدما تذكر ملامح ملك المتألمة لأنه هددها بايذائه " استغفر الله العظيم " مسح علي على شعره بتوتر , و بدل ذلك أعادها الى جيبه , ثم أخذ هاتفه و اتصل على مدير المستشفى " أرسل طبيبا الى بيتي , لا لا انتظر أرسل طبيبة نسائية متمكنة لمعاينة زوجتي " هو كان يريد جرها الى المستشفى بهوسه , لكنه يعلم أنها لن توافق و ستشعر بالحرج , و قد تلقي بنفسها من السيارة هروبا منه , لذلك فاستدعاء طبيبة الى هنا أفضل بكثير . استمر علي في أفكاره حتى بعد ركوبه السيارة , و استغرب كريم الهدوء و الصمت من طرفه , هو اعتقد أنه سيستمر في الثوران و الغضب كعادته , لكنه فاجأه لذلك سأل بهدوء " هل السيدة بخير ؟ " هز علي رأسه و أجابه " بخير كانت تريد العمل كنادلة و أنا أوقفت الأمر " تعمد علي شرح الموضوع , لأنه لا يريد لكريم أن يسيء الفهم , خاصة أن الحالة التي خرجا بها من المحل , كانت توحي بأن أمرا مريبا قد حصل هناك , لذلك أوضح الصورة , فهو لا يريد شبهات تدور حول ملك . بعد دقائق سأل كريم مجددا " هل السيدة في حاجة لعمل ؟ " " تقول بأنها تريد مدخولا لا علاقة له بي " أجاب علي بصراحة ثم استدار و حدق الى كريم قليلا و أضاف " تقول أنها تقرف من مالي " قالها علي بمرارة غريبة و كأن الامر يزعجه , لكنه يعلم بأن كريم صديقه , و هو يعرف الكثير من التفاصيل بالفعل , و عادة هو لا يمنع نفسه من البوح أمامه . كريم بدوره التقط هذه التعابير , لكنه فضل عدم التعليق بسبب طبعه البعيد عن الفضول , لكن دهشته زادت حينما أدرك أن علي , مستاء من نفسه أكثر مما هو مستاء من ملك , حتى أنه يجلس يبرر فعلتها و يشرح أسبابها , تساءل كريم بينه و بين نفسه عما يحدث حقيقة , ليتأثر علي بما تفكر به , أو تقوله تلك المرأة عنه ؟ المرأة التي من المفترض أنها عدوة له و أن بينهما ضغينة ؟ و منذ متى يلقي هذا الرجل الصخرة بالا لما يفكر به الآخرون ؟ ناهيك عن كون الطرف الآخر ملك ؟ استمر بعدها الرجلان في الجلوس , بصمت مطبق طوال الطريق . في المطبخ كانت ملك تجلس بهدوء الى الطاولة , منتظرة أن يجهز شراب الأعشاب الذي وعدتها به فاطمة , رغم أنها ألحت عليها للذهاب الى غرفتها , الا أنها فضلت البقاء قليلا حتى يبدأ الدواء مفعوله , لكن مزاجها تغير بمجرد أن رأت سارة تلج المطبخ , و ترمقها بنظرة الكره التي لا تفهم معناها , حدقت ملك الى ما تلبس , و انتابها شعور بالغثيان و قد انقلبت معدتها فجأة " خالة فاطمة سأقصد غرفتي " قالت ملك بتعب و نهضت من على الطاولة مغادرة , متجاهلة أنظار الشقراء المشمئزة , التي اتجهت الى الثلاجة و أخرجت علبة العصير . بمجرد أن اختفت ملك من المطبخ , خاطبت فاطمة سارة بلهجة محذرة " ما هذه الملابس سارة ؟ ألم أنبهك مائة مرة أن تتستري حينما تنزلين الى هنا ؟ أو تريدينني أن أفتح هذا الموضوع مع علي شخصيا ؟ " مطت الشقراء شفتيها و أجابتها ببعض التعالي " علي غادر بالفعل و قد رأى ما أرتديه و لم يعلق , ثم لا أراك تنتقدين ملابس تلك المرأة " قالت بتذمر واضح مشيرة الى ملك , لكن فاطمة نهرتها بشدة " اسمعيني جيدا لأنني سأقول هذا الأمر لآخر مرة , أولا اسمه سيد علي عليك احترامه , ثانيا ملك ليست أية امرأة هي زوجته , حتى لو تجولت بملابس داخلية لا شأن لك بها , ثالثا هي لا تحتاج الانتقاد , لأنها ترتدي ملابس محترمة بالفعل , و ليس الأزياء المكشوفة التي تستعملينها , و كون ابني لم يعلق على شيء , فلأنه يثق بأنني أتحكم في الوضع جيدا " رمقتها سارة بنظرة منزعجة , لكنها لم ترد بكلمة واحدة , لأن فاطمة أوضحت مكانتها بتسمية علي بابنها , هذه الأخيرة شعرت بالرضا لأنها أفحمتها و أضافت " آخر مرة أراك تتجولين هكذا مفهوم ؟ " هزت سارة رأسها مجبرة و استرسلت فاطمة " و آخر مرة تضعين نفسك في مقارنة مع زوجة السيد , و الا لن أخبرك عن مدى صلاحياتي و مقدرتي لاخراجك من هنا , و أمر أخير لا تعتقدي أنني لا أعرف بما يدور حولي , أنا عجوز صحيح لكنني لست غبية " بمجرد أن أنهت فاطمة كلماتها الزاجرة , ألقت سارة الكأس داخل الحوض , و عادت متذمرة الى الطابق الثاني . بالوصول الى غرفتها آوت ملك الى فراشها , و هي تعاني من صداع أضيف الى ألم بطنها , استلقت على بطنها منتظرة , أن تهدأ التقلصات قليلا بسبب الدواء , كان جسمها منهكا لكن عقلها لا يتوقف عن التحليل هي لا تستطيع التعود أبدا , على ما يفعله أو يقوله ذلك الرجل , لا تفهم لم يلاحقها و يحشر أنفه في كل أمورها , و لم يصر على ربطها به بتلك الصفة البغيضة , هي لم تتمن يوما أن يختفي أحد من حياتها , كما تتمنى أن تفتح عينيها , على عالم خال من انسان اسمه " علي " كل شيء فيه يستفزها , تكره رؤية وجهه , سماع صوته , رائحة عطره , تسلطه قسوة قلبه , و تلك البسمة الساخرة التي تظهر على طرف فمه , كلما حصل على مراده في السيطرة عليها كرجل مهووس . هي فعلا مشوشة لم لا يدعها و شأنها ؟ لم يعلق على تصرفاتها و ينسى نفسه ؟ هو الذي يحتفظ بعشيقته الشقراء , تحت سقف واحد مع ابنته الوحيدة . هي تشعر بالقرف كلما رأت وجهها , تلك الشابة التي تتجول في البيت , من وقت الى آخر بملابسها الفاضحة , لا تعلم حتى متى تأتي و متى تغادر , أو ان كانت تغادر أصلا , فيما يبدو أنها تقيم في الطابق الثاني , المكان الذي يبدو مثل مغارة علي بابا , التي تطلق أناسا جددا في كل مرة بدل الكنوز , المريح في الأمر أن النفور متبادل , فتلك الشقراء كلما رأتها , رمقتها بنظرة غريبة حاقدة و كأن بينهما ثأرا , و كأنها على وشك أن تنقض عليها و تشد شعرها , لولا أن ملك تتجاهلها و تغادر المطبخ , كلما دخلت تلك المرأة الى هناك كما حصل قبل قليل , فآخر شيء تريده صداما مع المجنون دفاعا عن عشيقته . تلاعبت الأفكار بعقل ملك , قبل أن يتسلل النعاس الى جفونها , على أمل أن تفتحهما مجددا , و تكتشف أن كل ما يحصل معها مجرد كابوس سيء . لكن الأمر لم يدم مطولا , فقد دقت فاطمة الباب , و دخلت تحمل معها كوب شراب الأعشاب , ترافقها امرأة غريبة تضع نظارات و تحمل حقيبة كبيرة عقدت ملك حاجبيها , و تساءلت بعينيها عمن تكون الزائرة . التي ألقت التحية و جلست مقابلها على الكرسي , تحت أنظارها المستغربة تنحنحت فاطمة في حرج و أشارت لها " احم هذه دكتورة طلبها علي لمعاينتك " "...." شعرت ملك بالصدمة , و لم تستوعب ما قالته فاطمة للحظات , هذه الأخيرة كانت تشير لها بعينيها , حتى تدع الطبيبة تقوم بعملها قاطعت المرأة وصلة التحديق المصدوم بينهما , بأن أشارت الى ملك " تمددي سيدتي و ارفعي قميصك " الآن فقط انتبهت ملك أن الحقيبة , هي جهاز أشعة فحص نسائي متنقل "...." " يا الهي فاطمة هل أخبرته أمرا محرجا كهذا ؟ " احتجت ملك متجاهلة نظرات الطبيبة , و سارعت فاطمة للانكار " أبدا ابنتي لم أجن لأوصل له أمرا كهذا , لو أردت لطلبتها بنفسي لكن لا أعرف كيف علم " " يا الهي هذا الرجل يعاني جنون العظمة , و هوس من النوع المستعصي , من يرسل في طلب طبيب من أجل ألام الدورة ؟ " تمتمت ملك بسخط , و عادت تحدق في الطبيبة , التي عدلت نظاراتها و أجابتها " قد لا تكون مجرد آلام دورة سيدتي , السيد قال أنك زوجته لذلك قد يكون أمرا جادا , كتكيس مبايض أو حمل خارج الرحم , هو يريد أن يطمئن " "...." احتقن وجه ملك مما قالته و انعقد لسانها , و هي لا تعرف بما ترد , و الطبيبة تنظر اليها بجدية تامة , فيما فاطمة تجاهد لحبس ضحكتها لكنها سرعان ما وجدت صوتها و ردت بتلعثم " أنا لا يمكن أن أكون كذلك , خالة فاطمة أخبريها أن تخرج من هنا " احتجت ملك بطريقة صبيانية على هذا الاتهام , لم يخبروها أثناء الدراسة , أنها يمكن أن تحمل بمجرد الجدال مع أحدهم , فهذا كل ما تفعله مع علي منذ وصولها الى هنا . " أرجوك سيدتي اذا عدت دون فحصك قد أفصل من المستشفى , تعاوني لو سمحت و دعيني أكمل عملي , لأرسل التقرير الى السيد فهو بانتظاره " أمام اصرار الطبيبة على اكمال مهمتها , تفاديا لتلقي التوبيخ من المتسلط , غطت ملك وجهها بيديها في حرج شديد , استلقت على ظهرها و تركتها تجري لها تصويرا . أرادت أن تطردها لكنها أشفقت عليها , لأنها تعرف أنها محقة في تخوفها من انتقام المجنون , الذي تسبب في زيادة تشنجاتها ثم أرسل الطبيبة لمعالجتها . و ها هي تتأكد يوما بعد آخر , أن هذا الرجل يحتاج فحصا عقليا , و أن يتلقى علاجا نفسيا مكثفا . أنهت الطبيبة الفحص , و كتبت على بعض المسكنات الملائمة , ثم غادرت مع أحد السائقين . لزمت ملك بعد ذلك فراشها , و بعد النوم لساعات استيقظت على صوت الباب يفتح , كانت رنا تحمل كراسة الحساب في يد , و علبة شوكولا كرشوة في اليد الأخرى . رغم أن فاطمة ردعتها عن ازعاج ملك , الا أنها غافلتها و تسللت الى غرفتها , هي تحاول أن تحل الواجب منذ وصولها , و لكنها عجزت عن فعل ذلك , فقد تعودت مؤخرا على مساعدة ملك لها . بقيت الطفلة واقفة أمام الباب , منتظرة الموافقة للدخول بملامح متوسلة , و لم تطل ملك الأمر , و سرعان ما ابتسمت و أشارت لها بالاقتراب , ابتسمت رنا بدورها بسعادة غامرة , و ركضت نحوها تمد يدها بالشكولا , التي أخذتها ملك سريعا بلهفة , بسبب اشتهائها في هذا الوقت من الشهر " تريدين رشوتي هاه ؟ لو تراك فاطمة ستعاقبك " طأطأت الطفلة رأسها و قد شعرت بالخجل , لكن ملك مدت يدها احتضنتها و أجلستها قربها " أرني ماذا لديك ؟ " بعد حل الواجب بدأت رنا تخبرها , عما حصل معها في المدرسة , خاصة عما يخص بعض الأطفال الذين يزعجونها , لكنها كانت تشير بسرعة , و في كل مرة كانت ملك تستوقفها لتفهم ما تقوله , و حينما يتعذر عليها تفتح احدى الكتب , التي أخذتها من مكتبة علي لتعليم الاشارات , قبل أسبوع كانت قد طلبت من فاطمة , أن ترافقها لأخذها كما اشترط علي , رغم أن فاطمة استغربت الأمر , فلا أحد يستعمل ما في المكتبة حتى رنا , الا أنها لم تشك في صدق ملك , و سمحت لها بأخذ ما تريد . منذ ذلك الوقت بدأت ملك في تعلم الاشارات بجد , و حفظت الكثير منها بمساعدة رنا التي أصبحت أكثر سعادة , لأنها وجدت من يتحدث اليها دون الحاجة للكتابة . في الشركة شعر علي ببعض الطمأنينة , بعدما اتصلوا به من المستشفى , و أرسلوا له تقريرا كتابيا مفصلا من الطبيبة , و كالعادة هو يجد تفسيرا لكل فعل غير منطقي , يقوم به مؤخرا يخص ملك " حسنا لا أريدها أن تموت في بيتي , علي التأكد أنها لا تعاني من أمر خطير أو معد قد يقتل أحدنا " أي تبرير مقبول عدا أن يعترف أنه كان قلقا على حالها . . . . مر يومين منذ حادثة المطعم , و ملك تتفادى الالتقاء بعلي , أو حتى النظر الى وجهه , بسبب غضبها مما حصل من جهة , و شعورها بالاحراج من جهة أخرى , حتى هو لم يكن يحاول التواصل معها أو ازعاجها , لكن في اليوم الثالث , فوجئت بفاطمة تخبرها أنه ينتظرها بعد الفطور , اعتقدت بداية أنه جدال اخر , لكن علي فاجأها بمجرد الدخول الى الصالون " جهزي نفسك , لديك موعد مع قاضي التحقيق في العاشرة " شعرت ملك بالارتباك و ارتجفت يداها , يعني بعد ساعتين ستكون أمام قاضي التحقيق , و هذا المتسلط لم يخبرها الا الآن قبل أن يهم علي بالانصراف استوقفته متسائلة " من أجل ماذا ؟ " نظر اليها علي مستغربا " من أجل قضية التهريب , أنت في الخارج بسبب الكفالة , و لكن هناك قضية يجب البت فيها , هذا أمر لا يمكن تفاديه " حدقت اليه ملك بامتعاض , و عينيها تتهمانه أنه هو السبب , لكنه أشاح بوجهه سريعا و أضاف " سنمر على المحامي ليرافقك الى هناك , و يناقش معك التفاصيل " قال ببروده المعتاد و غادر الى سيارته لانتظارها . لم تجد ملك مفرا من الذهاب , سارعت و غيرت ملابسها , كعادتها لم تحتج الى الكثير من الوقت , حملت حقيبتها و غادرت ناحية السيارة , و كما حصل قبل يومين , جلست الى جانب علي دون قول كلمة , و قاد ابراهيم باتجاه مكتب المحامي . كانت ملك تحاول أن تظهر أنها هادئة , و لكنها في الحقيقة كانت ترتجف من الداخل , لم تجلس يوما أمام قاض , و ما حصل سابقا في قسم الشرطة , ترك انطباعا سيئا لديها . أغمضت عينيها و أخذت نفسا عميقا , كم تتمنى لو كانت والدتها الآن هنا لتحتضنها , و تخبرها أن كل شيء سيكون بخير , و أنها ستكون هناك دائما من أجلها , و لكنها بمجرد أن تفتح عينيها , تجد نفسها الى جانب هذا الجبل الجليدي عديم الاحساس , الذي تسبب في كل هذه الفوضى , و الآن يأتي بكل وقاحة , و يطلب منها أن تكمل اللعبة السخيفة التي بدأها . " ماذا لو لم يصدق القاضي ما ستقوله ؟ هل ستذهب مباشرة الى السجن ؟ المحامي سابقا قال بأن الحكم قد يكون ثقيلا , في حال ثبوت التهمة عليها , هل يعني أنها ستفترق عن والديها لسنوات ؟ دون حتى فرصة أخيرة لتوديعهما ؟ هل سيضيع مستقبلها هكذا بكل بساطة ؟ " كانت ألف فكرة تدور في عقل ملك , و توصلها حد الانهيار و الجنون . في الجانب الآخر كان علي يجلس , يعمل على حاسوبه متظاهرا بالبرود و اللامبالاة , لكنه في الحقيقة كان قلقا جدا من هذا الموعد , و الأسوء أن توتر ملك يصل اليه , هو حاول سابقا الغاء الأمر , لكن المحامي أخبره أنها لا يمكنها تفويت اللقاء بأية طريقة , و أن أي خطأ أو تضارب في الأقوال , قد تكون نتائجه سيئة و تنتهي بها في السجن . و لكنه أكد على أنها بامكانها الحصول على البراءة , بعد المحاكمة ان هي اتبعت تعليماته بدقة . المشكلة أن علي لم يدرك أن هذا الأمر يوتر أعصابه الا الآن , ربما لأنه يعرف أن ملك , لم تقم فعلا بأي شيء تستحق عليه السجن , على الأقل فيما يخص تهمة التهريب . هو حتى لا يدري منذ متى أصبح يشفق عليها , و يصر على مرافقتها الى هناك , رغم أنه يحاول ان يظهر العكس في كل مناسبة . توقفت السيارة أمام مكتب المحامي , لكن ملك لم تحرك ساكنا , كانت شاردة في كل تلك الأفكار السيئة , و لم تنتبه الا بعد أن ناداها علي أكثر من مرة " ملك ملك " استفاقت على صوته رفعت رأسها ناحيته , و حدقت اليه بعينين تائهتين و دامعتين , رغم أنها حاولت أن تخفي , خوفها و حزنها الا أنها لم تفلح " نعم " أجابته بصوت مهزوز هزت حالتها قلب علي لكنه اكتفى بتنبيهها " وصلنا الى مكتب المحامي , يجب أن تنزلي " جالت بنظرها في الأرجاء ثم هزت رأسها بالايجاب , فتحت باب السيارة و نزلت بهدوء , لم تتوقع أن يرافقها علي , لكنه نزل بعدها مباشرة , و دخل معها الى مكتب المحامي . جلس الثلاثة لساعة من الزمان , أفهمها المحامي خلالها كل ما يجب أن تقوله , بدءا بزواجها من علي دون موافقة والديها , ثم حملها غير المتوقع , خلافهما و تعبها نفسيا , وصولا الى ظروف القبض عليها , و أكد على ضرورة الاصرار , على عدم قصدها أخذ القطعة معها . كانت ملك تكتفي بهز رأسها , موافقة على كلام المحامي , دون تعليق محاولة كل جهدها التركيز , و كان علي يكتفي بالجلوس , الى جانبها بكل هدوء يراقب ردات فعلها . رغم أنها كانت تحاول اخفاء توترها , الا أنه يعلم أن خلف ستار العناد و الشجاعة الذي تحاول ابداءه , هي خائفة جدا و ترتعش من الداخل , و لكنه لا يعرف ما الذي يجب عليه فعله لتخفيف الأمر , أو حتى ان كان عليه التصرف أصلا , فما حصل قد حصل , و لا فائدة الآن من مناقشة الأسباب , الأهم ايجاد حل مرض يجنبها الذهاب الى السجن , و لأنه يدرك الى أية درجة , هي لا تتحمله و لا تطيق ما يقوله , قرر التزام الصمت كأفضل الحلول . " هل أنت متوترة سيدتي ؟ " سأل المحامي باهتمام حينما رأى شحوبها " أجل قليلا " أجابت ملك بملامح متصلبة دون ابتسامتها المعتادة , و هي تشبك أصابعها بتوتر واضح . و حاول متر عطية طمأنتها " لا داعي للتوتر سيدتي , سأكون معك " " أعلم شكرا , أنا فقط لست معتادة على هذا الكم من الكذب " قالت بكل صدق و نظرت الى علي لثانيتين , قبل أن تشيح بوجهها مجددا , كانت تلك نظرة اتهام أخرى , و لم يجد علي الا أن يضم قبضته تعبيرا عن استيائه , دون أن يوجه لها أية ملاحظة , فهو لا يريد أن يزيد من توترها . " أكيد أكيد , لكن هذا محتم حتى أستطيع تبرئتك " قال المحامي محاولا تلطيف الجو . طبعا هو لا يعرف الكثير عن تفاصيل العلاقة بينهما , و لا يشعر حتى بالفضول لمعرفة ذلك , المهم بالنسبة له ان تكون القصة مقنعة , لاخراج موكلته من التهمة , دون التدخل في الحياة الشخصية , لواحد من أهم رجال الأعمال في البلد . بعد التأكد من استيعاب ملك لكل التفاصيل , غادر الثلاثة من أجل الموعد , ركن ابراهيم السيارة أمام المبنى , ترددت ملك قبل أن تمد يدها المرتجفة لتفتح الباب , و قد كانت تقرأ بعض الآيات لتهدئة نفسها , لكنها فوجئت بعلي الذي كان صامتا طوال الوقت , يمسك ذراعها في آخر لحظة و يشدها ناحيته , استدارت ملك و نظرت اليه باستغراب , تردد علي قليلا محدقا بعمق في عينيها , قبل أن يخبرها بصوت هامس " أعدك أنه لن يحصل لك شيء , أنا هنا معك " كان وعدا واضحا بالحماية و المؤازرة , و من نظرته الجدية بدا جليا قدرته على فعل ذلك . زاد استغرابها أكثر بما قاله , قطبت جبينها و تمعنت في ملامحه المتوترة , و هي لا تفهم سبب اهتمامه المفاجئ , لكنها عادت و رجحت أن أمر دخولها الى السجن , قد يسيء اليه تماما كما يسيء اليها بما أنه يقول أنها زوجته , اذا كان قد شعر بالسخط , حينما اكتشف أنها تريد العمل كنادلة , فأكيد سيشعر بالرعب , ان خرجت فضيحة اتهامها بالتهريب , في النهاية هي لن تتوقع منه , أن يقف الى جانبها بسبب الشفقة , و لن تصدق أنه يتعاطف معها . لذلك هزت رأسها بهدوء دون أن ترد عليه , و سحبت ذراعها من يده , ثم نزلت باتجاه مبنى النيابة يرافقها المحامي . في السيارة بقي علي جالسا مكانه , يراقب ملك و هي تصعد الدرج بخطوات صغيرة , و تختفي داخل المبنى المهيب هو لم يعرف لم قال ما قاله , ما الذي دهاه اليوم و في الأيام السابقة ؟ أصبح قوله لكلمات و ارتكابه لأفعال , يتم دون حساب مسبق , و كأنه فقد السيطرة على قراراته . منذ بدأت مشكلة ملك , و كأن أحدا آخر دخل عقله , و أصبح يتلاعب بمواقفه و ردات فعله , لكنه قبل لحظات , شعر فجأة برغبة كبيرة , في تهدئتها و منحها الثقة , أرادها أن تتأكد أن أحدهم هنا ليحميها مهما حصل , ربما لأنه يشعر أساسا بالذنب لتوريطها في كل هذا . هو لم يرغب بقتل أحدهم يوما , كما يرغب الآن في خنق مارك , بسبب توصيته الغبية تلك , و لكنه لا يمكنه أن يلوم الا نفسه , لأنه وافقه على هذا التلاعب و الاحتيال . لم يتخيل علي يوما أن يصل به الأمر , الى احتجاز أحدهم و تهديده بهذه الطريقة , حتى و ان كان متورطا في أمور أفضع , و لكن فات أوان التحسر , الآن عليه أن يضمن ألا تسوء الأمور أكثر , و هو لن يسمح لها بالذهاب الى السجن مهما حدث . " هل نغادر سيدي " قطع صوت ابراهيم حبل أفكاره و شروده " لا سننتظر هنا " رد عليه بنبرة مستاءة بقي بعدها الرجلان في السيارة منتظرين , رغم أن المحامي قال أنه سيوصل ملك بعد انتهاء التحقيق , و أن لا شيء بامكان علي فعله بالبقاء هنا , الا أنه لم يستطع الذهاب هكذا بكل بساطة , و ترك ملك وحدها تتحمل نتائج ما حصل . هو حتى ناقش المحامي , في امكانية حضوره في الداخل لكنه أقنعه بالعكس , لأنه لن يستطيع الدخول معها على أي حال , و لأنهم سيجدون الصحافة في وجوههم , بمجرد أن يغادروا و تلك مغامرة غير مستحبة . مرت ثلاث ساعات طويلة , قبل أن تنهي ملك ما جاءت من أجله , أجابت على كل الأسئلة , تماما كما أوصى المحامي , رغم أن لا شيء فيها حقيقي , الا أنها مجبرة على ذلك , اذا أرادت الخروج من هنا و العودة الى بلدها . وقفت بعدها مع المحامي أمام المبنى , يتبادلان أطراف الحديث , حيث أثنى على تعاونها و ذكائها , و طمأنها أنه سيبذل جهده , للحصول على البراءة أثناء المحاكمة . و لكن أمل ملك خاب , حينما أخبرها أن لا فكرة لديه عن موعد برمجتها , و أن الأمر قد يطول , لأنه متعلق بكثافة القضايا و عمل القضاة . أثناء ذلك كان علي يراقب المشهد , من داخل سيارته خلف النافذة المظللة , أطلق نفسا طويلا لم يكن يدرك أنه يحبسه الى الآن , و مرر يديه على وجهه , حيث بدأ يشعر ببعض الارتياح , أشار بعدها الى ابراهيم " لنعد الى الشركة " بعد أن أنهت ملك حوارها مع المحامي , شكرته مجددا قبل أن تجد سيارة مع سائقها في انتظارها , أرسلها كريم من الشركة , رغم أن المحامي كان قد أخبر علي , أنه سيوصلها بنفسه بعد الاستجواب , لكنه رفض لا يريد أن يدين لأي أحد بمعروف . " متر عطية سأقول هذا الكلام مرة واحدة , ملك لن تذهب الى أي مكان , يخص هذه القضية ثانية جد حلا " كلم علي المحامي بعد مغادرته مباشرة , هو لا يريد أن يتكرر توتر هذا الصباح مجددا . و طمأنه الرجل بدوره " لا تقلق سيدي , أعتقد أن القاضي اكتفى بتحقيق اليوم , و سترسل القضية مباشرة الى المحكمة , بالنسبة للمحاكمة لا تقلق , حضورها ليس محتما , سأحضر أوراقا تقول أنها متعبة نفسيا , لا تشغل بالك بالموضوع " عاد علي الى عمله و قد شعر بارتياح أكبر , و عادت ملك أدراجها الى البيت , كانت هي الأخرى قد استرخت قليلا , حتى و ان كان الاتفاق مع علي يستمر لأشهر أخرى , لكن مجرد تبرئتها و استعادتها لجواز سفرها , سيشعرها الأمر بالأمان و الحرية اللذين تفتقدهما . كانت ملك غارقة في أفكارها , و لم تنتبه الى المفاجأة التي كانت بانتظارها , بمجرد أن فتحت باب البيت و دخلت الصالون , حتى اتسعت عيناها دهشة , و صرخت بحماس شديد " سامي " . القصة مازالت طويلة , الكثير من المفاجآت و الشخصيات راح تظهر لاحقا , لكن أعدكم انكم راح تستمتعوا تماما كما أنا مستمتعة بمرافقتكم 😉 💞💞😘 ............ | ||||
13-09-20, 09:10 PM | #186 | ||||
| البارت الثامن و الأربعون فرصة أخيرة 💔 " سامي " صرخت ملك بغبطة عارمة , و ركضت ناحية الرجل و احتضنته بشدة , و لم تستطع منع الدموع التي بدأت في النزول , و كأن قناع التظاهر بالقوة الذي تضعه منذ الصباح قد انهار فجأة , و وجدت فرصتها أخيرا لاخراج كل همومها المكبوتة , بادلها سامي الحضن و هو يربت على رأسها , و ارتسمت على وجهه علامات الارتياح لرؤيتها بخير . استغرقت ملك عشرة دقائق , لتتراجع و تحدق في وجه الرجل الذي اشتاقت لرؤيته كثيرا , فيما أمسك هو بوجهها بين يديه و سألها باهتمام بالغ " كيف حالك أنجل ؟ " هزت ملك رأسها بابتسامة كبيرة محاولة اخفاء حزنها " بخير بخير سامي و أنت ؟ " " أنا أيضا بخير , اشتقت لك كثيرا , تبدين و كأنك فقدت بعض الوزن " سأل و قد بدا القلق على ملامحه , لكن ملك سارعت لتغيير الموضوع و تشتيت انتباهه " لا تهتم أنا بخير , ثم أنت من أصبحت أكثر بدانة , هيا لنجلس " قالت مشيرة الى أكثر أمر يزعجه , لكنه فاجأها بأنه بدأ بالضحك بصوت عال , قبل أن يسمح لها بجره ناحية الأرائك , جلس الاثنان على أريكتين متجاورتين " لا يبدو بأنك اشتقت الي " قال سامي متذمرا مدعيا الغضب لكن ملك سارعت لنفي الأمر " كيف تقول ذلك سامي ؟ أكيد اشتقت لكم جميعا " " ألهذا لم تكلفي نفسك عناء الاتصال و السؤال طوال هذه المدة ؟ " قال سامي معاتبا مقاطعتها غير المبررة له لكن ما لا يعرفه أن ملك منذ فقدت هاتفها , لم تعد تملك أي رقم من أرقام معارفها , غير رقم المستشفى و الجمعية , و اللذين حصلت عليهما من الانترنت , اتصلت بضع مرات في البداية , و لكن لا أحد من والديها , أجاب على اتصالاتها أو أعاد مهاتفتها , لذلك استسلمت بعد أن أدركت , أنهما غاضبين جدا منها و لا يريدان محادثتها , كما أنها ليس لديها ما تقوله لهما , فقررت أن تعطيهما بعض الوقت لتقبل الوضع , خاصة أنها لم تكن تنوي أن تخبرهما بالحقيقة . " فقدت هاتفي , سرق مني منذ بعض الوقت , و لا أملك أي رقم " أجابت ملك بكل بساطة و تفاجأ سامي للأمر " أنا آسف لم أكن أعلم " " لا بأس حاولت الوصول لبابا و ماما و حتى لك , لكن في كل مرة كانت الاجابة أن لا أحد منكم هناك , لذلك اعتقدت أنكم لا ترغبون في التحدث معي " شرحت ملك بصوت ملئ بالمرارة تحرك سامي قليلا الى الأمام , و ملامح الاستنكار بادية على وجهه , أمسك يديها بين يديه و تحدث بهدوء " لا تقولي هذا أنا فعلا آسف , و لكننا كنا في حالة طوارئ طوال شهر " " ما الذي تعنيه ؟ " شعرت ملك فجأة بالخوف من كلامه , و حدقت ناحيته بترقب و قد راودها شعور سيء تنهد سامي و عدل نظارته , و قد بدا عليه أنه يحاول اختيار كلماته " بعد أن خرج عم عز الدين من هنا ذلك اليوم , كان غاضبا جدا و لم يقل كلمة واحدة , اعتقدت بداية أنه يتماسك جيدا , لكن بعد انطلاق الرحلة بساعات شعر بتوعك , حاولت التحكم في الوضع , لكن حالته ساءت جدا , و أصيب بجلطة على مستوى القلب , و اضطررنا الى استدعاء سيارة اسعاف , الى أرضية المطار لنقله بمجرد أن حطت الطائرة " وضعت ملك يدها على فمها , لتكتم بكاءها و تخفي خوفها الشديد , و قد شعرت بأنها على وشك الاصابة بأزمة قلبية و سارع سامي لطمأنتها " لا تفزعي أجرينا له عملية قسطرة استعجالية ثانية , و ظل في الانعاش لأسبوعين , بسبب بعض المضاعفات , صحيح كانت أوقاتا عصيبة جدا , لكنه استطاع الصمود و مرت على خير , والدتك كانت تلازمه طوال الوقت , و أنا كنت أحاول ادارة المستشفى أثناء هذه الأزمة , لذلك أعطيت تعليمات ألا يوصلوني بأحد , إلا إذا كان لديه علاقة مباشرة بسير العمل , معتقدا أنك ستتصلين على هاتفي مباشرة اذا احتجت شيئا , لذلك أعتقد أن لا أحد أعلمني باتصالاتك " " و كيف حاله الآن ؟ " سألت ملك بصوت مرتجف و عينين دامعتين , و حاول سامي طمأنتها " مستقرة الحمد لله , لكننا نحاول ابقاءه بعيدا عن أي توتر أو قلق " تنهدت ملك بارتياح و تمتمت " الحمد لله " صمتت بعدها قليلا ثم أضافت " و ماما ؟ " سألت ملك عن ردة فعل والدتها بتأمل , و أجاب سامي بعد تفكير بسيط " لم تتقبل الموضوع في البداية , و أصرت على أن تأتي الى هنا بنفسها و تتحرى الأمر , قالت بأن ما سمعته مستحيل و لا يصدق , و لكن حالة والدك الحرجة حالت دون مجيئها آنذاك " تنهد سامي و أكمل " لكنها حتى بعد نقله الى غرفة عادية و تماثله للشفاء , لم تستطع فتح الموضوع معه , خشية أن يتوتر و تنتكس حالته مجددا , لذلك قررت أن تأتي لرؤيتك , دون إعلامه بمجرد أن تتأكد أنه بخير " بلعت ملك ريقها و توتر تنفسها , و قد اعتقدت أن والدتها هنا مع سامي , ربما هي فقط لا تريد أن تدخل بيت علي لأنها غاضبة منها , لكن سامي سرعان ما خيب أملها و أضاف " لكن والدك اكتشف الأمر بطريقة ما , غضب بشدة و أخبرها أنه تبرأ منك , و أنها إذا خرجت من باب البيت , فليس عليها أن تعود مجددا لأنه سيطلقها " شهقت ملك بسبب ما قاله فهو صادم بكل المقاييس , هي تعلم أكثر من أي شخص طبيعة العلاقة بين والديها , و كيف عانيا قبل أن يتزوجا , و تهديد والدها بأمر كهذا , يدل على غضبه الشديد منها , مما زاد حرقة قلبها و حسرتها , على الحال الذي وصلت اليه بسبب جنون أحدهم . بلعت ملك غصة في حلقها " و كيف أتيت إذا ؟ " " والدتك لم تتوقف عن القلق للحظة , و أرادت مني الاطمئنان عليك شخصيا , لذلك أخبرته أنني بصدد حضور مؤتمر طبي في جنيف , و في الحقيقة اضطررت للذهاب إلى هناك , قبل المجيء إلى هنا حتى لا يكتشف الأمر , تعرفين مدى علاقاته , و قدرته على اكتشاف الأمور " قال سامي وهو يشعر بالاحراج من الكذب على والدها هزت ملك رأسها مجددا , و نظرت إليه بامتنان كبير " شكرا جزيلا لك سامي , أنا أقدر كثيرا ما تفعله من أجلي " " أيتها الفتاة الحمقاء , ليس هناك شكر و امتنان بيننا , تعرفين بأن بإمكاني فعل الكثير من أجلك , تعلمين كم أحبك " قال و هو يربت على رأسها كما تعود دائما ابتسمت ملك له بعناء " شكرا " صمت الإثنان لدقائق لتتمالك ملك نفسها , قبل أن يكملا الحديث , حيث سألته عن أحوال المقربين , و عن الأحداث التي حصلت بعد رحيلها , محاولة تشتيت انتباهها عما قاله سامي في البداية . بعد مرور ساعة , كانا قد تكلما في كل المواضيع المتاحة , و لم يبق أمام سامي إلا أن يقول ما جاء من أجله " ملك عزيزتي لم لا تعودين معي ؟ فقط زيارة لوقت قصير بعدها يمكنك العودة إلى هنا , أعدك أنني سأحرص على مرافقتك ذهابا و ايابا , ثم أنا متأكد أن والدك سيراجع قراره , إن رآك سعيدة مع الرجل الذي اخترته " هزت ملك رأسها بالرفض مباشرة " لا أستطيع " و لم تضف كلمة واحدة , لأن المشكلة تحتاج كتابا لشرحها , ثم هي لا تضمن ألا يثور سامي , و يتواجه مع علي أو يتصل فورا ليخبر والديها بالوضع . في المقابل صمت سامي دون أن يصر أكثر , لكن ملك طالبت بأمر آخر " هل يمكن أن أكلم ماما ؟ " " أكيد " أخرج سامي هاتفه فورا , و طلب رقم عدراء ثم مرره إلى ملك . أمسكت ملك الهاتف بيد مرتجفة , كانت رنات الانتظار و كأنها تدق منذ دهر , و كأنها العد التنازلي لخروج روحها , بعد عدة ثوان فتح الخط , و سمعت صوت والدتها الحنون الدافئ , الذي افتقدته منذ وصلت إلى هنا " ألو " فتحت ملك فمها للرد , لكن الكلمات علقت في حلقها , و كأنها فقدت صوتها و أصيبت بالخرس " ألو سامي ؟ " سمعت ملك صوت والدتها مجددا , و قررت الرد عليها هذه المرة " ألو ماما ؟ " أجابت ملك أخيرا بعناء , ثم ساد صمت المكالمة لدقيقتين , و كأن والدتها كانت تفكر فيما عليها قوله لها , قبل أن تتحدث مجددا " هل مازلت تتذكرين أن لديك أما ؟ " قالت عدراء معاتبة بصوت مستاء " أنا آسفة ماما " ردت ملك بصوت شبه باك هامس , فلم تجد ما ترد به غير هذا . لكن والدتها كانت أكثر قسوة , و استمرت في عتابها دون تردد " فعلا ؟ هذا كل ما لديك لتقوليه لي بعد كل ما حصل , آسفة ؟ و ماذا تفعل هذه الكلمة في رأيك ؟ تعالج ألم خيبة أملنا فيك , أو تعيد لوالدك صحته و عافيته ؟ أو ربما تخرس الأصوات الشامتة , التي تشكك في صحة تربيتك ؟ " كانت دموع ملك قد عادت للانهمار مجددا , فهي تدرك جيدا أن والدتها , لديها كل الحق لتكون غاضبة منها , و لكنها هي أيضا مغلوبة على أمرها , و ليس بوسعها فعل شيء حاليا لترضيتها . " الأمر ليس كما تعتقدين ماما " اكتفت بنفي الاتهامات عنها بصوت متألم , لكن والدتها استرسلت في كلامها القاسي " فعلا ؟ أخبريني إذا ما الحقيقة ؟ ألم تتزوجي دون علمنا ؟ ألم تختاري رجلا لم يفكر حتى في المجيء , و تقديم نفسه و طلب يدك لحفظ كرامتك , كما يفعل الرجال المحترمين ؟ هل هذا هو الرجل الذي يستحق , أن تضحي بكل شيء للبقاء معه ؟ " أسئلة منطقية أخرى لا إجابة لدى ملك عنها , مهما حاولت اختلاق الأعذار , في النهاية هي لا يمكنها أن تخبر والدتها , أن الأمر برمته مجرد لعبة مجنونة هي ضحيتها الرئيسية , إذا أخبرتها بأمر القضية , و الشرك الذي وقعت فيه , هي متأكدة أن والدها لن يبقى ساكنا , سيأتي على أول طائرة لمواجهة علي و إخراجها من هنا , و ذلك الرجل عديم الرحمة , يمكن أن يتسبب له بأزمة قلبية أخرى , قد تودي بحياته هذه المرة . هي أصلا قررت أن تقبل بكل هذا الوضع البائس , حتى لا ينتقل الصراع الذي بينها و بين علي إلى والديها , و الآن و قد أخبرها المحامي أنها ستنال البراءة قريبا , لم يعد هناك معنى لاثارتها الموضوع مجددا , فقد تتأزم الأمور و يرفض المجنون تركها ترحل , هي تعلم مدى تسلطه و عناده , و لا تتحمل نتائج تحديه . أمام صمت ملك المطبق , أدركت والدتها أنها لن تقول كلمة لتبرير ما حصل , و قررت التصرف بحزم كعادتها " اسمعيني جيدا يا ابنة قلبي , أنا سأكون أما لمرة أخرى , و سأعطيك فرصة جديدة أخيرة , لاستعادة مكانتك كابنة لنا , عودي مع سامي اليوم , و أنا أعدك أن أتوسط لدى والدك لمسامحتك , و سنحاول أن ننسى ما حصل , و لا يهم أن تصطحبي ذلك الرجل , فنحن لا نرغب في لقاء لص سرق فرحتنا , و لا يشرفنا حتى التعرف عليه " صمتت المرأة قليلا و أخذت نفسا عميقا , ثم أضافت بصوت متأثر أما إذا قررت البقاء هناك الآن , فلا تكلفي نفسك عناء العودة لاحقا , لأن والديك سيكونان قد توفيا بالنسبة لك " كانت كلمات عدراء كخنجر غرسته في قلب ملك , التي اشتد بكاؤها و لم تجد ما تقوله غير كلمة واحدة " آسفة " كررتها عدة مرات بهمس , و كأنها أصيبت بهستيريا حادة انقطع بعدها الخط مباشرة , دون فرصة أخرى للنقاش , و قد حصلت ملك على آخر مقايضة مقبولة , من وجهة نظر المرأة التي أنجبتها , ضمت ملك الهاتف بين يديها , اسندت رأسها عليه و دخلت في وصلة نحيب شديدة , لم يملك سامي الذي آلمه الموقف هو الآخر , إلا أن يتحرك ناحيتها و يربت على ظهرها , محاولا التخفيف من حزنها بقول كلمات مواساة , هو يدرك جيدا أنها لن تغير في الوضع شيئا . هو أكثر شخص يعرف مدى تعلقها بهما , مما جعله يرجح أن مشاعر ملك لعلي , أقوى بكثير من حزنها لفراق والديها , و إلا ما كانت اختارت البقاء معه , بدل تلبية أمنية والدتها بالعودة . فقدت ملك الشعور بالمكان و الزمان , و هي بصدد التحسر على ما قالته والدتها , كانت تبكي دون انقطاع , و هي تتعلق بقميص سامي الذي كان يحاول تهدئتها , و لم ينتبه أحد من الاثنين الى علي , الذي كان يقف بباب الصالون واضعا يده في جيبه . فاطمة كانت قد اتصلت به منذ ساعة , و أخبرته أن ضيفا وصل يريد رؤية ملك , و هو رجح من وصفها له أن يكون صاحب المطعم , دون أن يطلب تفاصيل إضافية , أو يصدر أية تعليمات خاصة , و استمر فيما كان يفعله . هو سبق و أن حذرها من التعاطي معه , و هي يجب أن تعرف ما عليها فعله دون تدخل من طرفه , علي لا يريد أن يجعلها تعتقد أنه مهووس بها , أو يخيل لها أنه يغار عليها مثلا , لذلك عليها أن تفهم أن الأمر متعلق فقط , بمصلحته وضعه الاجتماعي و مظهره أمام الناس لا أكثر , لذلك توقع أن تكون ملك عاقلة , و تصرفه بهدوء دون إثارة مشاكل , لكنه تفاجأ حينما عاود الاتصال , و أخبرته فاطمة أن الرجل لم يرحل , بل يجلس في الصالون غارقا في حديثه مع ملك , و زادت مفاجأته حينما أخبرته , أنه نفس الرجل الذي جاء مع والدها للزيارة مسبقا , و أنها لم تتذكره إلا لاحقا , بما أنها لم تره إلا لمرة واحدة , لبضع دقائق حينما استقبلتهما على الباب . استبد الفضول بقلب علي , لذلك قرر المجيء و تحري الأمر ، و لكنه فوجيء بمنظر الخطيب السابق , يواسي ملك التي تبكي بحرقة بطريقة حميمية , أو هذا ما صوره له عقله , و هو متأكد بأن ذلك بسبب فراقهما . شعر علي بالاستياء " لم كلما وقعت عيناي على هذه المرأة مؤخرا , وجدت أحدهم يحتضنها و يمسك يديها , و كأنها مدهونة بالغراء ؟ بالكاد تخلصت من ذلك الأشقر , ليخرج لي أشقر آخر أكثر استفزازا , يبدو أنها تجتذب أصحاب العيون الملونة هذه العنيدة " تمتم علي متذكرا جان الذي أفهمه بطريقته الخاصة , من يكون و أنه ليس عليه اعتراض طريق ملك مجددا . " أحم , أحم " سعل علي بخفة منبها الشخصين الذين يجلسان في عالمهما الخاص , و تسبب في افتراقهما فورا , نهض سامي من مكانه بتأن , و حدق ناحية علي بعينيه الزرقاوين , بنظرة متفحصة خلف النظارات الطبية , تقدم علي بعدها ناحيته بخطى متباطئة , و مد يده للترحيب بالضيف بكل لباقة " مساء الخير " و رد سامي بهدوئه المعتاد بعدما مد يده هو الآخر " مساء الخير " أما ملك فقد كانت تشيح بوجهها , إلى الجهة الأخرى لا تريد رؤية وجه علي , و لا تريده أن يرى ألمها و بؤسها , ساد صمت المكان لثوان , لم يتبادل الرجلين غير النظرات الباردة , قبل أن يقطعه سامي بصوته الدافئ " حسنا أنجل علي المغادرة , طائرتي بعد ساعتين " هزت ملك رأسها دون قول كلمة , و قطب علي حاجبيه لسماع الاسم , الذي ناداها به هذا المتأنق , لكن سامي لم يبال بردة فعله التي لم تفته , بل مد يده و مسح على رأس ملك مجددا , ثم طبع قبلة خفيفة على شعرها كما تعود دائما , تحت أنظار علي المستنكرة , كان سامي و كأنه يبحث عن اجابة لسؤال يحيره , بخصوص هذا الثنائي الغريب , فهو لا يعرف ما الذي يدور بينهما , و لكن شيء ما ينبؤه أن هذا الزواج به خطب ما , و إلا ما كانت ملك جفلت لسماع صوت علي , و تفادت النظر إلى وجهه و كأنها تحقد عليه , ألا يجب أن يكون هو سندها في لحظات حزنها ؟ ألا يجب أن ترتمي في حضن زوجها بدلا عنه ؟ لكنه سرعان ما استبعد ذلك ، حينما رأى ملامح علي التي تنم عن اهتمام كبير من جهة , و لأنه يعرف كم أن ملك عنيدة , و أن لا أحد يستطيع إجبارها على شيء لا تريده من جهة أخرى . و قد تكون ردة فعلها هذه ، بسبب حزنها على والديها فقط . " اعتن بنفسك و اتصلي بي إذا احتجت أي شيء , الى اللقاء أتمنى أن أراك قريبا " خاطبها سامي ثم دس في يدها بطاقته الخاصة , التي تحمل كل أرقامه . " واو الأسبوع العالمي لإلقاء البطاقات " تمتم علي بسخرية و مسح على شعره , و قد استفزه ما فعله الرجل أمام عينيه استدار بعدها سامي ناحية علي و استأذن " عن اذنك سيدي , سررت للقائك " هز علي رأسه بالتحية دون رد , و قد اكتفى بالصمت و التحديق , إلى الرجل الذي غادر سريعا . " واضح أنه أتى لاستعادة ما كان يخصه , و ملك لم تعطه ردا شافيا و لم تشرح شيئا , و الا ما كان رحل هكذا بكل بساطة " قال بينه و بين نفسه و قبل أن يوجه كلمة واحدة لملك , كانت قد غادرت هي الأخرى إلى غرفتها , دون منحه فرصة للسؤال عما حدث بينهما . بقي علي واقفا لبعض الوقت وحده وسط الصالون , قبل أن يتوجه إلى مكتبه , لم يعد هناك فائدة من العودة إلى الشركة فقد تأخر الوقت , لذلك قرر أن ينهي بعض أعماله هنا , أغرق علي نفسه بالأوراق التي أمامه , و لكنها لم تلهه عما رآه قبل قليل , و لم تنسه شعوره بالاستياء . رغم أنه حاول تذكير نفسه أن ملك لم تغشه , هي أخبرته منذ أول يوم , أنها مرتبطة بأحدهم و أنهما كانا على وشك الزواج , و أنها متأكدة من أنه سيتفهم الأمر , إن هي أخبرته الحقيقة لاحقا , و ما مجيؤه اليوم إلى هنا , إلا دليل آخر على قوة العلاقة بينهما , و استمرار تأمله في استعادتها في حياته , كيف لا و هو كان يعاملها بكل حنان , تلك القبلة على رأسها التي يطبعها كلما رآها , و دموعها الغزيرة التي حاولت اخفاءها دون جدوى , اضافة الى أن الحزن في عيني الاثنين كان قاتلا . لكن لم لم تخبره إذا ؟ إن كانت تثق فيه و في مشاعره هكذا , لم لم تطلب منه المساعدة لاخراجها من هنا ؟ أو أنها تحاول حمايته من مواجهة معه ؟ ألهذه الدرجة هي تحبه , و تخاف عليه من أن يؤذيه ؟ تنهد علي و قطب جبينه , هناك شيء ما يزعجه في كل ما يحصل , هو يدرك جيدا أن ليس من حقه الاستياء , لأنه هو من دخل بين هذين الاثنين و بعثر حياتيهما , هو من اقتحم العلاقة و أفسد خططهما بالارتباط . و لكن الحقيقة أنه مستاء جدا , ليس فقط منهما و لكن من نفسه , هو مستاء بسبب انزعاجه لما رآه , لم يجب أن يؤثر فيه ما يحصل , و كأن أمر تلك المرأة يهمه ؟ لم يشعر أن أحدهم خانه ؟ رغم أن ملك لم تكن تخصه يوما , و في وقت ما لم يكن يعني موتها من حياتها له شيئا . حاول علي طرد كل تلك الأفكار الدخيلة من رأسه , و إقناع نفسه أن لا تأثير لما يحصل عليه , و لكنه في أعماق عقله , يعلم أن أمرا ما لا يعلم ماهيته بعد , بدأ بالتسلل إلى أحاسيسه و يشوش تركيزه , و أن عليه التخلص منه , قبل أن يسيطر عليه و يتحول إلى هوس , بامرأة لا يجمعه بها شيء , لأنها ستؤول الى تدميره في النهاية دون فرصة للسعادة . طبعا علي يدرك مشكلة التملك التي يعاني منها منذ الصغر , فأي شيء يسمى على اسمه هو ملكه , إلى أن يقرر الاستغناء عنه , و حتى بعد ذلك لا يحق لأحد أخذه منه , أو حتى التفكير فيه و النظر ناحيته . و لكن ما حصل خلال الفترة الماضية فاجأه هو نفسه , بداية مما حدث بالمطعم , و النقاش الحاد حول صاحب المطعم , مرورا بالزيارة الى مكتب المحامي , ثم مكتب القاضي و اصراره على مرافقتها و انتظارها , وصولا الى مجيئه راكضا قبل قليل , لأنه علم أن ذلك الرجل هنا , مدعيا أنه أنهى عمله و عاد الى بيته , رغم أن الفضول كان يتآكله . هذا ليس هو ليس تصرفه , و لا طريقة نظرته و تحليله للأمور , لطالما عرف برصانته لا مبالاته , و برودة تعامله مع من حوله , فلم يصبح الأمر مخالفا للعادة حينما يتعلق بملك ؟ نفس السؤال الأحمق الذي يلح عليه منذ مدة علي يدرك جيدا أن استمرار ما يحصل و تكرره , سيصبح عبئا نفسيا عليه , و لن يجر معه إلا الخراب , لذلك من الأفضل تجاهل هذه المرأة , و اعتبارها غير موجودة في حياته , الى أن يحين موعد رحيلها من هنا , و بالتالي وعد نفسه أن ما حدث خلال الأيام الماضية لن يتكرر أبدا , و أنه لن يضع نفسه أبدا في منزلة المهتم من الآن فصاعدا , هو لن يسمح أبدا لتلك المرأة أن تفقده صوابه . أعرف أن البارت قصير نسبيا , لكنني أمر بفترة صعبة حاليا على الصعيد النفسي , و أحاول جهدي للتركيز و نشر فصول بنفس مستوى الفصول الماضية أعتمد على تفهمكم و متابعتكم الجميلة 💞💞 😘💞💞 ....... | ||||
14-09-20, 09:35 PM | #189 | ||||
| البارت التاسع و الأربعون مكالمة هامة 💞 بعد العشاء استأنف علي عمله بكل جدية , بعدما قام بتصفية ذهنه , و اتخذ حزمة من القرارات الهامة , التي تخص ابتعاده عن كل ما يخص ملك , و عدم التعرض لها مهما بلغت متاعبها , كان غارقا بين أوراقه , حتى أنه لم يلاحظ فاطمة , و هي تضع قهوته أمامه على المكتب , و لم يقطع انشغاله سوى صوت هاتفه , انزعج بداية لكنه عاد ابتسم بمجرد أن رأى اسم المتصل , و سرعان ما فتح الخط و بادر بالكلام . " هاي مرحبا علياء كيف حالك ؟ " صدرت ضحكة خافتة رقيقة جدا من الطرف الآخر , و بدأت المرأة مباشرة بالعتاب و القاء اللوم " مرحبا حبيبي كيف حالك ؟ اعتقدت أنك نسيت أن لديك أختا " نهض علي من مكانه مباشرة , و غادر المكتب بخطوات متباطئة باتجاه غرفته , و هو يفك ربطة عنقه و أزرار قميصه العلوية , هو يعلم أن شقيقته حينما تتصل , لا ينتهي الأمر قبل ساعة على الأقل . " لم تقولين ذلك و أنت الأخرى لا تسألين ؟ " حاول رد عتابها عليها لكنها شاكسته كعادتها " حسنا ها أنا أسأل , كيف حالك أيها الرجل الحديدي ؟ " ردت علياء بشغبها المعهود أجاب علي باقتضاب على أسئلة شقيقته بخصوص أخباره , متجنبا ذكر أمر ملك , و كل الفوضى التي نجمت عنها استمر الحديث مطولا عن أخبار العائلة و العمل و الأولاد , و كالعادة لا تتوقف علياء عن الثرثرة بخصوص مغامراتها في غربتها , و طبعا زوجها المسكين هو محور الحديث , كان علي يستمع بكل صبر , الى أن صمتت لدقيقة قبل أن تفاجئه " أخي هل تزوجت ؟ " قالت بصوت هامس و كأنها مترددة لسؤاله كان علي قد دخل غرفته و استقر على طرف سريره , صمت هو الآخر لبضع ثوان قبل أن يرد بسؤال " اتصلت بك امي اذا ؟ " خمن علي مباشرة , فلا أحد غير والدته قادر على ايصال الأمر الى علياء , لكنه شعر بالتوتر لذكر الأمر , و قد بدا واضحا أن عليه الخضوع لاستجواب بعد لحظات " اذا فالأمر صحيح ؟ " استمرت علياء بأسئلتها بنبرة استغراب , و كان رد علي مختصرا كعادته " أممم , لم تخبريني كيف عرفت بالموضوع ؟ " " اتصلت أمي قبل أيام لاخباري , و لكنني أرجأت الاستفسار عن الأمر , بما أنك كنت مسافرا و لم أرد ازعاجك , اضافة الى أنني لم أصدق ما سمعته " " مالذي قالته بالضبط ؟ " كان علي فضوليا بشأن رأي والدته فيما يحصل , و ان كانت صدقت ما قاله أو أن لديها شكوكها . تريثت علياء قبل أن تجيب , متأملة في الحصول على تكذيب أو نفي من طرف شقيقها " في الحقيقة لم تقل الكثير , عدا عن أنها قامت بزيارة مع عمتي سعاد الى بيتك , و أنها رأت شابة هناك أخبرتها أنها زوجتك , و أنكما تزوجتما لظروف خاصة , و سترحل قريبا فقط هذا " التزم علي الصمت فاستمرت علياء في عتابها , و قد بدا الاستياء في صوتها , فشقيقها هو أقرب انسان الى قلبها , و لم تتوقع منه اتخاذ خطوة مهمة كهذه , دون حتى أن يفكر في اخبارها " هل يعني هذا أنك تزوجت فعلا , دون حتى أن تخبر شقيقتك الوحيدة ؟ " بلع علي ريقه و دلك جبينه لتخفيف توتره , ثم قرر أن يخبر علياء ما لم يجرؤ أن يقوله أمام أحد , فالأمر لا يتعلق بتجاهلها , بقدر ما يتعلق بعدم معرفته , ما الذي يجب عليه قوله لها ؟ لكنه بعد دقيقتين أخذ نفسا عميقا , و رد أخيرا على أخته المحتارة " حسنا علياء سأخبرك التفاصيل , و لكن عديني ألا تبوحي بكلمة واحدة , و لا حتى لزوجك أرجوك " دب القلق في قلب علياء , لما قاله أخوها فقد بدا جادا جدا , و سارعت لاعطائة كلمتها , فلطالما كانت بئر أسراره " أكيد أخي لديك وعدي " بدأ بعدها علي في سرد الوقائع مجردة , منذ أول مرة التقى فيها ملك الى اليوم , دون أن يغفل أي تفصيل , احتفاظه بالأمر بينه و بين نفسه , طوال هذا الوقت جعله على وشك الانفجار , كان الموضوع يقوده الى الجنون , دون وجود مستشار موثوق , و هو الآن بحاجة ماسة الى شخص يبوح له , و هاقد واتته الفرصة التي يدعو ألا يندم عليها , هو فكر سابقا أن يفضفض لأحدهم , و كان كريم اختياره الأفضل , فهو يعرف الكثير من التفاصيل بالفعل , كما أنه صديقه الكتوم , الا أنه لا يستطيع مناقشة شيء حساس كهذا معه , بسبب قلة كلامه و شخصيته الباردة من جهة , كما أنه شعر أنه منحاز لصف ملك , منذ يوم التقرير من جهة أخرى , خاصة أنه عارض منذ البداية خطة مارك , بطريقة واضحة و حازمة لكنه لم يستمع له , و هو يعلم ان هو فتح معه الموضوع ثانية , سيكرر ما قاله دون تردد , فهو مثل المدفع و صراحته مؤلمة في أوقات كثيرة , و قد يلومه و يزيد من استيائه . أما والدته و الآخرون فهم اختيار سيء جدا , لأن البلد كلها ستسمع بالخبر بعد ساعتين , و سيكون اسمه على صفحات الجرائد في اليوم الموالي , لذلك فعلياء هي أفضل اختيار , فهي توأم روحه و لا تخشى شيئا , لقول رأيها في وجهه بكل صراحة , لكنها صدمته بردة فعلها التي لم يتوقعها , فبمجرد أن أنهى ما أراد قوله , حتى صرخت من الطرف الآخر " يا الهي أخي , ما الذي دهاك ؟ أنت تقريبا تختطف هذه المرأة في بيتك " قرص علي بين عينيه بتعب و تنهد , فهذا ما كان يخشاه منذ البداية , لذلك أخفى المشكلة عنها , هو أكثر من يدرك تعصبها لكل ما يخص المرأة و حقوقها " أرجوك علياء ليس عليك قولها , بهذه الطريقة الفظة في وجهي , فأنا أصلا أشعر بالاستياء الشديد من الوضع , ثم ليس و كأنني أربطها داخل قفص في قبو بيتي " قال بتأفف واضح , و استلقى على السرير خلفه بانهاك , و كأنه أزاح حملا ثقيلا من على كتفيه , حينما قال كل ما قاله . هدأت أخته من روعها قليلا , ثم أضافت بصوت عاتب " آسفة أخي و لكن هذه الحقيقة لا يمكنك انكارها , و لا يمكنني تزيينها حتى لا تنزعج " " أعلم علياء أنا أفهمك , و لكن الأمر ليس سيئا كما تتصورين " سارع علي للاعتراض مما أربك شقيقته أكثر " كيف ذلك ؟ لم أفهم " " يعني أنا لم أعد أتعرض لها , أو أضغط عليها بسبب كل ما حصل بيننا " تصريح آخر مبهم جعلها تستفسر أكثر " هل تقصد أنها لم تعد متهمة ؟ " " حسنا لم تعد كذلك بنسبة ثمانين بالمائة " اعترف علي بما يفكر فيه منذ مدة , مما شوش تفكير علياء " حسنا جيد لم تبقها هناك اذا ؟ لم لا تدعها ترحل الآن , و تتأكد لاحقا من براءتها الفعلية ؟ " و سارع علي للتوضيح " لأنها هنا بسبب اتفاق بيننا , و ليس لديها مكان تذهب اليه " بعدها سرد علي بصراحة بالغة , تفاصيل الاتفاق و قضية التهريب و حجز جواز السفر , لكن كل ذلك لم يخفف من استياء أخته بل زاده , و لم تتردد للومه بشدة ظاهرة " يا الهي علي هل جننت , أي اتفاق استعبادي هذا ؟ منذ متى تبتز امرأة لتبقى معك ؟ " انزعج علي لسوء فهم شقيقته , لو كانت شخصا آخر لكانت ردة فعله سيئة , و لكن علياء لطالما كانت الشخص الوحيد , الذي يشير الى أخطائه و يعاتبه دون خوف . " أرجوك علياء لا تجعلي الأمر يبدو هكذا , أنا فقط اضطررت لفعل هذا لحمايتها و حماية نفسي , فهي لا تملك مالا , لدرجة أنها ذهبت للعمل كنادلة , قبل أيام من أجل راتب متواضع , و ليس لديها جواز سفر أو أية أوراق ثبوتية , و لا تقبل أن تأخذ شيئا مني , لأنها تحتقرني و تقرف من مالي , لذلك اذا سمحت لها بالمغادرة , فأنا لا أعلم أي عمل أحمق ستقدم عليه , هذه المرأة متمردة بجنون علياء , حتى أنني أخشى أن أغفل عنها , فتتسبب في كارثة بتهورها , و الواقع يقول أن بيني و بينها عقد زواج , حتى و ان كان غير حقيقي , و لم توافق عليه لكنه موجود , و هناك بعض الأشخاص يعلمون بشأنه بالفعل , ان هي خرجت من هنا و وقعت في ورطة , فأنا من سأفقد ماء وجهي , و لن أستطيع انكار العلاقة مهما حصل , و آخر شيء أحتاجه هو فضيحة في حياتي الشخصية , تكفيني الشائعات التي تصدر كل يوم " قال علي بصوت يائس , كل تبريراته في نفس واحد , علها تقنع أخته اللحوحة صمتت علياء قليلا و كأنها تفكر بعمق , لدرجة أنه اعتقد أنها ستترك الموضوع نهائيا و لكنها فاجأته " يعني هي ذهبت للعمل كنادلة , و رفضت أن تأخذ منك مالا ؟ " قطب علي جبينه و أجابها " أجل حتى أنني علقت مع صاحب المطعم , الذي كان واضحا أنه معجب بها كثيرا " " فعلا ؟ يعني هي لم تمد يدها لك , و لم تأخذ شيئا ثمينا من المنزل لبيعه و الاستفادة منه ؟ لكنها كلفت نفسها عناء البحث , عن عمل متواضع هكذا , و هي في الأساس طبيبة , فقط لأنها تقرف من مالك ؟ " علياء تعرف أن علي ليس رجلا بخيلا , و أكيد هو عرض عليها الكثير , حتى و ان كان يعاديها , اضافة الى أن أقل تحفة في بيته تساوي ثروة , لذلك بدت متفاجئة جدا لتصرفها . " اممم , لا أدري هذا ما حصل " رد علي بتذمر و هو لا يفهم , أين تريد أخته الثرثارة الوصول بتحليلها , و التي سرعان ما انفجرت في أذنه , مثل قنبلة صوتية و أجفله صوتها " بالله عليك علي ألا يعني لك هذا شيئا ؟ و ما زلت تقول أنك تشك بها ؟ أرجوك أخي منذ متى أصبحت أعمى البصيرة هكذا ؟ هذا التصرف لا علاقة له بلصة طماعة " "...." ( أهذا كل ما علق في ذهنها , من الخطبة العصماء التي ألقيتها قبل قليل ؟ ) صدم علي من تعليقها و لكنه لم يزجرها , فهي على حق بطريقة ما " حسنا أنا أدرك هذا الآن " و قال بلهجة متراجعة , و هو يحك رقبته باحراج أرادت علياء الاطمئنان أكثر " و هل ستبقيها هناك اذا الى أن تنتهي السنة ؟ " و سارع علي للنفي " لا أكيد لن أفعل , بمجرد أن تحصل على البراءة , في قضية التهريب و تستعيد جواز سفرها , سأدعها ترحل لا نية لي في احتجازها أكثر , و المحامي قال أن البراءة مضمونة , لكن القضية ستأخذ بعض الوقت للبت فيها , لكنني لن أخبرها حاليا , لا أريدها أن تتمرد و تزعجني في كل لحظة " هدأت علياء قليلا و قد أدركت أن علي يدرك سوء ما فعل و يبادر لتصحيحه " طيب أخي هل ستبقيها في منزلك , الى أن يحين موعد رحيلها ؟ " " أعتقد ذلك فلا خيار آخر لدي , هي لن تقبل أن أوفر لها مكانا تبقى فيه , قد أضطر لربطها في احدى الشقق , لكنها لن تذهب بارادتها , فأنا لم أرى في حياتي أكثر عنادا منها , تفقدني صوابي في أحيان كثيرة , اضافة الى أنها تنفذ الاتفاق الذي بيننا بمنتهى الجدية , و كأن بيتي تنقصه خادمات " استمر علي في تذمره غير الاعتيادي , و الذي لاحظته شقيقته لكنها لم تعلق " أعتقد أنها شخص مثير للاهتمام " قالت و كأنها معجبة بالأمر ثم أضافت " و ما علاقتها بسكان المنزل هناك ؟ " فكر علي قليلا قبل أن يجيب " حسنا كانت الخادمات في البداية تتنمرن عليها , لكنها تتفاهم الآن معهن بشكل تام , و لا تسأليني لماذا لأنني لا أعرف , أما فاطمة فهي تشكل معها فريقا ضدي , تحولت من مربيتي الى عرابتها , المرأة التي لم تعلق يوما على تصرفاتي , تنهرني و تؤنبني كلما تجادلنا و غضبت , و تتهمني أنني أحزنها و أسيء معاملتها , صدقيني علياء فاطمة تتحول بشكل غريب , كلما نادتها " خالة فاطمة " بصوتها الرقيق ذاك , و الأخرى تناديها ابنتي صراحة , و لا فكرة لدي كيف تفعل ذلك و تسيطر عليها , و قد بدأت أشعر أنني أتعرض لمؤامرة , هنا في بيتي من طرفهما " ضحكت علياء بصوت عال , لكنها سرعان ما تمالكت نفسها , حينما نهرها علي و استرسلت " حسنا و ماذا فعلت بشأن مريم و رنا ؟ هي تعيش معهما تحت سقف واحد " أغمض علي عينيه و أجاب بصوت هادئ , و قد اختفى تذمره الصبياني , الذي لا يظهره الا أمام شقيقته " لم تلتق مريم بعد , و قد لا تفعل أبدا قبل رحيلها , أما رنا فهي المشكلة " " ماذا أخي ؟ لا تقل لي بأنها تسيء معاملة الطفلة " قالت علياء بلهجة قلقة , و تنهد علي من أعماق قلبه قبل أن يجيب " ليتها تفكر في فعلها لألقيها في الشارع و أريح بالي , المشكلة أن ما يحدث هو العكس , فعلاقتها برنا جيدة بل ممتازة , الطفلة تحبها جدا تلتصق بها كجرو صغير , تراجع معها تلعب معها , ترافقها طوال اليوم و كأنهما توأم سيامي , حتى أنها تنام في حضنها تخيلي " تفاجأت علياء التي تعرف ظروف ابنته جيدا من المعلومة " فعلا ؟ غريب هذا الأمر " و أكد علي استغرابها " أجل هذا ما اعتقده أنا أيضا , في البداية كنت خائفا جدا , من أن يتحول حقدها علي الى رنا , و قمت بمراقبتها بطريقة مشددة , و لكنها .." توقف علي للحظات و هو يفكر فيما عليه قوله , بعدما استرجع بعض المواقف التي حصلت معها بخصوص ابنته , و استكمل بصدق " حسنا أعترف أنها خيبت ظني بشدة , و أصبحتا مقربتين جدا في وقت قياسي , لم يحصل حتى مع طبيبتها النفسية , الغريب في الوضع أن فاطمة أخبرتني , أنها تراجع معها تصرفاتها , و تؤنبها من وقت الى آخر , و تصحح لها بلطف لدرجة أنها أصبحت تأكل , كل ما يوضع أمامها بكل هدوء دون تأفف , و تنفذ الكلام دون اعتراض , يعني هي فعلت في أسابيع ما عجزت عنه في سنوات " اعترف علي بالوضع بكل وضوح " أخي أصبحت الآن فضولية جدا للتعرف عليها " قالت علياء مع بهجة في صوتها و فضول واضح الا أن علي أضاف بقلق كبير " لكنني خائف جدا علياء , من أن يكون الأمر مجرد فخ منها , يعني تجعل الطفلة تتعلق بها , ثم تكسر قلبها انتقاما مني , في بعض الأحيان أخشى أن لا تتحمل رنا الفراق بينهما لاحقا , أنت تعلمين كم هي حساسة للعلاقات , و لكن لم تفلح كل المساعي لابعادها عن ملك , أنا أعترف " لكن علياء نهرته " يا الهي أخي لم تفكيرك سوداوي هكذا ؟ توقف عن وسوستك هذه ستقتلك يوما ما , من كل ما قلته لا أعتقد أن نية ملك , هذا اسمها صحيح ؟ " " اممم " " جميل جدا بالمناسبة , لا أعتقد أن نيتها سيئة اتجاه رنا , ثم من يسيء لطفلة مثل الملاك ؟ اضافة الى أنك قلت أنها طبيبة أطفال , أكيد هذا سبب اجادتها للتعامل مع ابنتك , أما بالنسبة لألم الفراق فلا حل له الا اذا ... " فتح علي عينيه و رفع حاجبه و قاطعها بتوجس , فهو يعرف جنون شقيقته " الا اذا ماذا ؟ " قال علي بلهجة مستغربة , و أجابت أخته ببهجة ممزوجة بسخرية " الا اذا قررت ابقاءها هناك للأبد , و تحويل الزواج الى أمر حقيقي , حينها لن تحزن .." قاطعها علي مستهجنا و قد علا صوته " أرجوك علياء لا تقولي أمورا مستحيلة الحدوث " و سارعت علياء للاصرار و جس نبضه " لماذا ألم تقل أنك لم تعد تشك بها ؟ و أن كل ما تظهره ينم عن شخصية جيدة ؟ ثم ألا تستحق رنا أن تحصل على شخص تحبه كزوجة لك ؟ و أنا أعتقد أن ملك أفضل اختيار " " لا لا لا توقفي أرجوك , بيني و بين تلك المرأة لا يمكن أن يصبح زواجا حقيقيا أبدا , يا الهي مستحيل " قال علي باعتراض شديد و قد عاد للجلوس مكانه متحفزا , قاطعا الطريق على هلوسات أخته , و لكنها مشاغبة عنيدة كالعادة " لم تقول ذلك بكل اصرار ؟ أنا لا أرى أي مانع , خاصة أن أمي لم تعد تتدخل في هذا الموضوع , أنتما تجاوزا كل الجنون الذي حصل في البداية , و ستكون حياتكما مستقرة أنا متأكدة " " بلى علياء الموانع كثيرة , أولها أنها لديها بالفعل شخصا تحبه " قال علي بمرارة متذكرا سامي " و ما أدراك ؟ " استغربت علياء من معرفة أخيها بالأمر , ألم يقل أن العلاقة بينهما سيئة جدا ؟ فكيف توصل الى أمر شخصي جدا هكذا ؟ و أجابها علي بكل بساطة , مع امتعاض ظاهر في صوته " لأنه كان هنا منذ ساعات في الصالون , يحتضنها و يخبرها أنه يحبها , و كانت هي تبكي بحرقة لافتراقهما " حزنت علياء فجأة و تغير مزاجها " أوه أخي أنت قاسي القلب , كيف أمكنك التفريق بين شخصين يحبان بعضهما ؟ " أدار علي عينيه بتذمر و زفر بحنق , فقد بدأت علياء العاطفية دروسها , و لكن أخته سرعان ما استعادت حماسها المجنون " و لو , لا أعتقد أن علاقتهما قوية كفاية , و الا كانت أخبرته بما حصل بينكما " " حتى و ان افترضنا ذلك أيتها اللحوحة , يبقى الأمر مستحيلا بيننا , لأنها ليست نوعي المفضل على الاطلاق " قال علي و هو لا يعرف ان كان يحاول اقناع أخته , أو اقناع نفسه بصوت عال " من أية ناحية ؟ " تنهد علي مجددا و أجاب " من كل النواحي علياء , من كل النواحي الجسدية و العقلية و الاجتماعية و الثقافية , ملك شابة نحيفة صغيرة الجسم , بوجه طفولي و ملامح شقراء , ترتدي مثل الأطفال أو طالبات الثانوية , لا تبدو كشابات هذه الأيام , نشأت في بيئة مختلفة تماما , نحن تقريبا لا نلتقي في أية نقطة , هي عنيدة جدا متمردة جدا و لسانها سليط , لا تسمع كلام أحد و ترد الكلمة بمائة , و بعض كلماتها أقسى من الخناجر , يا الهي لا يمكنني تخيل نفسي معها ليوم واحد , و ليس لسنوات قد أفقد عقلي , و أهم من كل هذا أنها تكرهني و تحقد علي , ستقتل نفسها ان لمحت مجرد تلميح للموضوع " كان علي يبدو مرعوبا من الفكرة , مما جعل علياء تضحك بصوت مرتفع , حتى سالت الدموع من عينيها , و لم تتمالك نفسها هذه المرة الا بعناء " أوه أخي الحمد لله , أخيرا وجدت ندا لك , يجيد استفزازك و تكسير ذلك الجبل الجليدي , و سيأخذ بثأر كل امرأة عذبت قلبها ببرودك , أنا أفكر فعلا في المجيء خصيصا لتهنئتها و اهدائها وساما " و استمرت بالضحك و كأنها وجدت أخيرا أمرا يسليها " توقفي علياء أنا لست أمزح , أنا أتحدث بكل جدية , ثم لنتوقف عن التحدث عنها , فقد أخذت منا الكثير من الوقت , و لا داعي لأذكرك بعدم قول شيء أمام أمي , لا أريد صداعا آخر أرجوك " " حسنا حسنا أخي , لا داعي للقلق أنا سألتزم الصمت التام , حتى تدعوني الى حفلة العرس " و عادت للضحك مرة أخرى " تعلمين أنك مملة , تصبحين على خير و لا تتصلي مجددا " " تصبح على خير عزيزي " و قبل ان يقفل علي الخط , قررت أن تضيف شيئا أخيرا " أخي أنا جادة الآن أرجوك لا تظلمها , أنت أيضا لديك ابنة ضع رنا مكانها , و تذكر أنه كما تدين تدان " " تصبحين على خير ليلي " قالها علي مدعيا الانزعاج و أغلق الخط مباشرة , قاطعا على شقيقته ثرثرتها التي لا تنتهي , ألقى بعدها الهاتف على السرير خلفه , و اتجه الى الحمام لأخذ دش , و قد شعر ببعض الراحة , بعد أن أفضى ما بداخله لشخص يثق فيه. بعد انتهاء مكالمتها مع علي , اتصلت علياء بوالدتها لتعطيها آخر التفاصيل " و ماذا قال شقيقك ؟ " سألت صفية بكل فضول " لا شيء أمي تماما كما أخبرك , هما متزوجين فقط على الورق لظروف خاصة " " ألم يخبرك ما هي , أو متى ترحل ؟ " أصرت المرأة و هي متأكدة أن علي لا يخفي شيئا عن علياء , لكنها استمرت في الانكار تنفيذا لوعدها " لا أمي تعرفين أن علي كتوم جدا , لكنني شخصيا أعتقد أن هذه المرأة , ستبقى معه الى آخر عمره , هذا احساسي الذي ينبؤني به قلبي " ما قاله علي ترك انطباعا جيدا لدى علياء , كل تلك المواقف و التصرفات , تقول أنه معجب بشخصيتها و أخلاقها , رغم نفيه الشديد للأمر , هي حتى لمست لمحة غيرة في حديثه عن حبيبها , شيء لن يشعر به شقيقها متحجر القلب , الا اذا كان هناك مشاعر خاصة . تنهدت صفية بعمق من الطرف الآخر " ان شاء الله , أتمنى فعلا أن يكون احساسك صحيحا و تفك عقده , سيريح قلبي و يطمئن بالي " " لا تقلقي أمي أنا متأكدة أن هناك خيرا كثيرا في هذا الأمر , فعلي يستحق الكثير من السعادة بعد كل ما عاناه , أنت فقط لا تضغطي عليهما و لا تحاولي التدخل , و لا تدعي عمتي سعاد تفعل " . . . . في الطرف الآخر , كانت ملك تحاول تناسي مرارة قلبها , فالمكالمة مع والدتها قبل قليل , قضت على كل أمل لها , في الحصول على مغفرة والديها , و عليها الآن أن تنتظر حتى تعود الى بيتها , لتشرح الأمر هذا ان استطاعت , فهي لا تعرف ما يجب أن تقوله , لأن ما يحصل لا يصدقه العقل . بكت لأكثر من ثلاث ساعات , و كعادتها فوتت العشاء بسبب مزاجها السيء , و بدأت معدتها تؤلمها آخر الليل , لكن شهيتها لا تطاوعها , فقررت التوجه للمطبخ من أجل كأس عصير . أثناء وقوفها هناك وصلت الى مسامعها صوت أغنية وردة " وحشتوني " أغنية لطالما سمعت كلماتها و ترنمت بألحانها , و لكنها أدركت الآن فقط أن معانيها , مؤلمة و موجعة للقلب بطريقة قاتلة , و كأنها تسمعها لأول مرة , تصف شوقها و تحلل مشاعرها , و دون ادراك منها بدأت الدموع , التي توقفت قبل قليل بالانهمار مجددا , بكل صمت على وجنتيها , غص حلقها و تيبست يدها على الكأس , و رغم أن الخادمة التي كانت تنظف الأواني , نادت على اسمها أكثر من مرة , بعدما لاحظت تغير ملامحها و دموعها , الا أنها لم ترد عليها , فما كان منها الا أن تهرع لتخبر فاطمة " ما بك ابنتي , هل أنت بخير ؟ " سألت المرأة بكل حنان , و هي تربت على ظهرها , هزت ملك رأسها بالنفي , و بدأت فاطمة بالانزعاج , و قد اعتقدت أن الألم عاد مجددا " هل زاد الألم ؟ " هزت ملك رأسها مجددا دون كلمة , و لكن بالايجاب هذه المرة " أين أخبريني ؟ " أشارت ملك الى قلبها بدل بطنها , و استدارت ناحية فاطمة القلقة , و قد أدركت الآن فقط أنها تبكي , حدقت اليها بعينين حزينتين , و قالت بصوت هامس و كأنها تحدث نفسها " اتضح أن السنة وقت طويل جدا , و الأيام لا تمر سريعا " طبعا فاطمة لا تعلم بتفاصيل الاتفاق بين الاثنين , و لكنها ليست غبية حتى لا تدرك أن ملك تبقى هنا رغما عنها , و أنها تتوق للعودة الى أهلها و بلدها , و لكنها لا تجد ما تقوله أو تفعله , غير احتضانها و تهدئة حزنها , و أي شيء أفضل من اعارتها , صدرها الأمومي الدافئ لتبكي عليه . استمرت ملك بالبكاء لبعض الوقت , و قد أدركت الآن فقط , أن السنة وقت طويل جدا لتحمله , و رغم كل ما حدث لم يمر الا أسابيع قليلة . هي في البداية اتخذت هذا الخيار , كحل وحيد و مخرج ملائم , للورطة التي وقعت فيها , صحيح أن الخيار الآخر مستحيل , فهي لا تقبل أن تكون زوجة لذلك الرجل , عقلها و قلبها لا يقبلان الأمر , لكن الثمن الذي تدفعه غال جدا , أكثر مما تتحمل و لا يمكنها ألا تتألم , و الأفكار السوداوية تعصف برأسها بعد مرور السنة هل ستقبل عائلتها عودتها , هل سيصدقون ان هي قالت الحقيقة ؟ و حتى و ان فعلوا , كيف سينظرون اليها ؟ ما الذي يفكر الآن فيه أصدقاؤها و أقاربها ؟ و ماذا بخصوص دراستها و مستقبلها ؟ لولا أنها تعلم جيدا مقدرة علي على ايذاء أحبائها , ان هي غادرت لما بقيت هنا لحظة واحدة لكن هل هناك من سيقدر هذه التضحية ؟ هي امرأة مؤمنة و لطالما اعتقدت أن ما يحصل في حياتها , هو لسبب ما و من أجل شيء ما , و لكنها لا تستطيع استيعاب ما يحصل الآن , هي لا تجد تفسيرا لمعاناتها و ألمها مهما فكرت , ربما أملها الوحيد أن يرق قلب ذلك المجنون المتسلط و يطلق سراحها , و لكن الأمر بعيد المنال , كل يوم يمر يجعلها تشك في امكانية رحيلها , حتى بعد انقضاء السنة , ففي النهاية لا شيء يجبر علي , على الوفاء بوعده ان رفض ذلك . الكثير من الأفكار السوداء و التساؤلات , و احساس قاتل بالضياع أفرغتها ملك في دموعها , التي ذرفتها في حضن فاطمة , و التي وقفت هناك بكل صمت تحتضنها , دون أن تسأل أي شيء منتظرة أن تهدأ . بعد أن تمالكت ملك نفسها , اصطحبتها فاطمة الى غرفتها , و لم تغادر الا بعد أن تأكدت أنها آوت الى فراشها و أغمضت عينيها . أثناء ذلك كانت ملك تشعر بالحرج الشديد , بسبب اظهار ضعفها أمام الآخرين , هي لم تفعل ذلك يوما , لكنها بكت منذ وصلت الى هذا البيت , أكثر مما فعلت في حياتها كلها , و كلما وعدت نفسها ألا تبكي مجددا , كلما وجدت الدموع طريقها الى عينيها , بعد كل صدام مع علي يذكرها بالمأزق الذي تعيشه , و هي فعلا لا تجد سبيلا للسيطرة على الأمر , فهذا الرجل يجيد ايلامها كما لم يفعل انسان قبلا . اكتشفنا في هذا الفصل جزءا من حياة علي ألا و هي شقيقته , و ستتكشف الكثير من الأسرار لاحقا 😉 💞💞😘 .............. | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|