|
مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟ | |||
جيد جداً | 85 | 88.54% | |
جيد | 11 | 11.46% | |
سيء | 0 | 0% | |
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
25-10-21, 04:30 PM | #63 | |||||
| اقتباس:
شكرا على جهودك | |||||
25-10-21, 04:31 PM | #64 | |||||
| اقتباس:
| |||||
27-10-21, 08:43 PM | #66 | ||||
نجم روايتي
| مرحبا مساء الخير حبيبة قلبي ملكة الذوق انت نوارة صدقا سعيدة جدا بتواجدك معنا وبادعو لك بالتوفيق في حياتك ودراستك والشكر لكاتبتنا الجميلة مجمعة الصحبة الطيبة وكل قارئات الرواية الفاضلات بارك الله فيهم اجمعين أدام الله المودة والمحبة | ||||
28-10-21, 11:21 AM | #67 | ||||||
| اقتباس:
الي الشرف انه تزيّن روايتي قارئة مثلك تمتلك روح حلوة , رقيقة وراقية ...وجودك كنز لكل كاتبة تقع عيناك على روايتها ...ما شاء الله عنك ...الله يسعدك ويعطيكِ على قد ما كلماتك بتلامس القلب ...دمتِ ذخرا لنا ايتها الجميلة | ||||||
30-10-21, 12:04 AM | #68 | |||||
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الفصل الخامس طويل نوعا ما ...لذا سأقوم بتنزيله على يومين ....بعد قليل القسم الأول وغدا القسم الثاني ان شاء الله(سأحاول خلال النهار ).....اعذروني وأتمنى أن ينال اعجابكم | |||||
30-10-21, 12:39 AM | #69 | |||||
| الفصل الخامس ج1 ((يامن إبراهيم الهاشمي)) " انا لا أعلم كيف تتحملين العيش مع ذلك الخائن تحت سقفٍ واحد؟؟" سألت السيدة (ايمان) بامتعاض صديقتها التي زارتها بعد أيام من رحيل ابنة شقيقتها الى كندا....فهي الآن منزعجة , تختنق , ولا ترغب بالبقاء في قصر العنكبوت لتقابل قاطنيه ,وزهرة فؤادها ليست موجودة.... " تحملتُ من أجل ألمى فقط كل تلك المدة وها هو أبعدها في النهاية عني !!....كم اشتاق لصغيرتي!!....كانت هي الأوكسجين في ذلك القصر اللعين , اما الآن اختنق من دونها " ردت عليها بضيقٍ شديدٍ يظهر على ملامح وجهها الذي اختفت بشاشته مع اختفاء (ألمى)... " وكيف تقضين وقتك الآن ؟ فأنت تعلمين لم استطع الاطمئنان عليك الفترة السابقة بسبب سفري " قالت السيدة (ايمان) بقلق على حال صديقتها التي تعلم عنها كم هي مرتبطة بابنة اختها وتعلم انها الان تمر بفراغ كبير .... " أقضيه في غرفتي بين قراءة القران وذكرياتي مع الصور .....اتسوّق قليلا ثم اعود الى ذلك القبر المسمّى بقصر " انهت اجابتها لتسارع الأخرى باقتراحها تحاول اقناعها بهدوء : " ما رأيك بالانتقال لشقتي لنسكن سوياً ؟ّ! ..لا حاجة لبقائك هناك حالياً!" " لا ..انا انتظر الوقت المناسب , وانت تفهمين ما اقصد !!" ردت رافضة , واثقة باختيارها....فتابعت صديقتها بتحقيقها كالعادة : " ما هي خطواتك القادمة اذاً ؟" شردت السيدة(فاتن) قليلاً قبل ان تجيب بحيرةٍ: " لم افكر بعد!!...اترك كل شيء للزمن فهو كفيل بأخذ حقي " صمتت... ثم أضافت : " لكن ما انا متأكدة منه انه عليّ زيارة المخيم الذي بتّ اشعر بالراحة والسكينة به عندما أكون بين هؤلاء الناس البسطاء , أبناء بلادي الذين يعيدوني بكرمهم واخلاقهم وأصالتهم الى عبق الماضي وحياتي في الوطن.." تحمست السيدة(ايمان) وقالت : " متى سنزوره سوياً ؟! ..لديّ مقال جديد وربما زيارتي له ستساعدني بإيصال الفكرة التي اريدها بشكل واقعي اكثر.." نظرت لها صامتة, فتلك هي صديقتها التي لا تفوّت شيئا دون ان تستغله في عملها ....ليس طمعاً ونيل نقاط وترقيات ...انما هكذا هي الصحفية الثائرة , الغيورة على وضع بلادها الأم وأبناء شعبها ... تبسمت وهمست مجيبة: " حسناً.....سأخبرك عند ذهابي " ~~~~~~~~~~~~~~~~ بفضل الله لقد اجتزتُ امتحاناتي بيدٍ مكسورة وحصلت على علامات مرتفعة.....كانت تمر الأيام في المخيم بنفس الوتيرة... , اتابع عملي وأحضّر لدراستي للسنة المقبلة خلال العطلة الصيفية ...والسيد (ماجد) يزورنا من حين لآخر وحتى جلب لنا هاتفاً ليتواصل معنا ولنتواصل مع اقربائنا في الوطن للاطمئنان عليهم...اما السيدة(فاتن) وصديقتها الصحفية(ايمان) أصبحت زيارتهما للمخيم بشكل اسبوعي بعد أن أنشأتا علاقة مع أمي وخالتي و(ام سلمى)... أزلتُ الجبيرة بعد شهر من وضعها ....توالت الأيام ومرّ ما يقارب الشهران... في احدى الليالي الحارة , أصبتُ بالأرق!! الحشرات تزعجني ولا نسمة هواء تكرّمت علينا بزيارة .... الا يكفي اننا ننام داخل خيمة , حالنا كحال خضروات مزروعة في دفيئة !؟..تململتُ مكاني ....عدلتُ جلستي ...تأملتُ النائمين , أشعر بالغبطة اتجاههم ...يا الله هل الناموس التصق بي أنا فقط ليفض مضجعي وحرارة الجو لازمتني !؟...نظرتُ للمشاغبة التي تشخر وتفتح فمها كالقتيلة , تنام تفرد أطرافها الأربعة , تريحهما لتستمر بقفزاتها في اليوم التالي ...وضعتُ يدي على فمي اكبت ضحكتي , انها لا تشعر بشيء من شدة التعب وكأن احداً يجبرها على حركاتها البهلوانية وثرثرتها التي لا تنتهي ...دنوت منها بهدوء وعدّلت مخدتها ...اقتربت للذي كان يتململ مكانه يبتسم ببراءة وهو مغمض العينين...يبدو انه يشاهد حلماً جميلاً ...انه محظوظ أكبر طموحاته رشفات من الحليب!! ...انحنيت أقبّل جبينه واستنشق رائحته التي أعشقها ...فللرُضع رائحة تميزهم عن باقي البشر!! انتصبتُ واقفاً ...خارجاً لأتمشى في الخلاء , أُسامر النجوم وأكلّم القمر... كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل....بعد ان زفرت انفاسي السلبية وابدلتها بالإيجابية , عدتُ أدراجي الى خيمتي واخرجتُ من صندوقي الصغير الأمانة..!! لا أعلم لمَ ما زلت محتفظاً بها رغم مرور ثلاثة اشهر ؟!...كان بإمكاني إعطائها للسيدة (فاتن)..لكني احتكرتها لنفسي الى ان اعيدها بيدي لصاحبتها اذا شاء الله لنا اللقاء.... في كل ليلة بعد خلود عائلتي للنوم أُخرجها..... أصبح هذا روتيني الجديد...امسكها بيدي أتأملها من الخارج...يغلي الدم في عروقي لأنها تعيدني لضربات الحراس لي...أشد بقبضتي عليها وانا استشعر مكان الألم...أصكّ على اسناني وتبرز عروقي...أنظر الى ذراعي وأحبس الدموع في عينيّ.....وفجأة يختفي كل هذا بعد أن افتحها محدقاً في سماء عينيها اللتين تحلّقان بي إلى عالمٍ جميلٍ , هادئٍ كسحابة في الربيع , لطيفٍ مثل نسمة الصباح , دافئٍ كحضن الأم , عذبٍ كقطعة حلوى ....عالم صافي خالي من المتاعب..... ما هو هذا الشعور ؟! ...لم أجربه من قبل....لكنه لذيذ بنكهة الأناناس , بريء , نقي لا يتخلله أي شائبة , كصحيفة لمولود جديد!!.....العالم يدّعي الانتقال من بلدٍ الى آخر لجوء!!..وأنا ايقنت ان النظر لعينيها الزرقاوين , النجلاءين هو اللجوء !!......وأخيراً غفلتُ ....وأنا لاجئ في سمائها.... " هادي...هادي ...الله يرضى عليك...استيقظ يا بنيّ " همسات نبض الحياة لتيقظني لصلاة الفجر..... نهضت اشعر بالدوار من قلة النوم ...قررت الصلاة في خيمتنا ...لم أقوَ على الوصول للمصلّى ...كان قد عاد منذ شهر الشيخ للإمامة بعد أن تعافى .....لا اعرف كيف انهيت صلاتي وارتميت على فراشي كالمخبول ...ثم اتسعت عيناي بعد ان تذكرت أنني لم أعِد الأمانة , العقد الذهبي ذا القلب الى مكانه !!...فزَزْتُ من مكاني مرتبكاً وبدأت بالتفتيش عنه ...قلبت فراشي ..رفعت وسادتي...يا الله انا متأكد أني نمت وهو بيدي!!....اين اختفى؟...بينما انا منهمكاً في بحثي جاثياً على ركبتيّ , رأيته يتأرجح أمامي...رفعتُ نظري وإذ به بيد أمي!!..هممتُ لإلتقاطه فأخفته خلف ظهرها ...قلت وأنا اداري خجلي : " اوه امي انني ابحث عنه !!" سألتني بتعجب , فهي رأته في عنقها يوم زيارتها لمخيمنا : " ماذا يفعل عقد ابنة عاصي بحوزتك ؟" أجبتها بهدوء : " لقد وقع منها في ذلك اليوم واحتفظت به لأعيده لها " قالت بجدية: " دعني اعطيه لخالتها ولا شأن لك بهذا " قلت بحزم : " أنا وجدته وأنا اعيده لصاحبته فقط...اذا أراد الله " ردت مستنكرة : " أين ستراها بنيّ؟؟...رسم لها والدها طريقاً طويلاً ولا اظن انها ستأتي الى هنا مرةً أخرى " قلت مصمماً على أخذه: " ربما تأتي!!...وان لم تفعلها سأفكر حينها كيف أتصرف به " أخذته منها بصعوبة...خبأته مكانه واستودعته الله..... × × × أسابيع أخرى تحسب من أعمارنا ولا تغيير او اضافات....أقبل علينا الخريف يحمل شذى التراب بعد هطول اول قطرات المطر عليه....رائحة لا ابدّلها حتى بأفخم عطور باريس!!...تنعشني , تشعرني بالخفة كأني ولدتُ من جديد من غير هموم.....هذه فرصة لا أفوتها ابداً , فتوجهتُ الى الوادي القريب من المخيم لأجمع أريج الخريف في أنفاسي ......كنتُ سابحاً في عالمي , هائماً في هذا العبير فوصلني صوت يناديني ولم يكن إلّا السيد(ماجد) بعد ان ارشدته امي الى مكاني.... تصافحنا , تبادلنا التحيات وتجولنا معاً....شعرتُ ان بداخله كلاماً لا يعلم كيف يبدأ به, فقلت فاتحاً المجال: " تفضل سيد ماجد..قل ما عندك " ارتسمت بسمة تظهر ثناياه البيضاء وسط سمرة بشرته وقال : " انت كما قال عنك اخي سليم ...نسخة عن والدك رحمه الله " سالت بتعجب : " كيف؟..ماذا تقصد؟" أجاب: " اخذت شكله , شجاعته , عزة نفسه وزد على ذلك فراستك ونباهتك ...حفظك الله لأهلك ولوطنك " قلت بسخرية: " وطني؟؟...اين وطني؟؟" ضربني بخفة أعلى ظهري معتزاً هاتفاً : " وطنك ينتظرك أيها البطل" صمت برهةً وتابع: " جئتُ لأخبرك بوصية والدك عنك لعمك سليم " توقفت مكاني مندهشاً وقلت : " وصية والدي؟؟...ماهي؟؟" يا الله كم اشتاق لكلماته , توجيهاته لي , صوته الحنون , لمساته الدافئة ...هل ابي اختصني بوصية؟؟...حبيبي أبا هادي ..تكفيني الان وصيّة بلا روح تعود اليك لأشعر بك بيننا.... " وصّاه للاهتمام بك , ان يدعمك , يوجهك للسير على خطاه بالنضال والكفاح والثورة من اجل الوطن ..." رفعتُ نظري للسماء مبتسماً , عائداً لأمنياتي ...ثم تنحنحت مجمداً تقاسيم وجهي محدقا به : " لطالما تمنيتُ أن امشي على نهج والدي وكنتُ مستعداً لذلك.." ابتلعت غصة في حلقي واردفت: " لكن كُتب لنا طريقاً اخراً لا نعلم نهايته " قال بجدية قاطبا حاجبيه: " أي طريق اخر يا هادي ؟...ماذا تقول ؟" أجبت بقنوط : "انت ترى الحال الذي وصلنا اليه , ماذا كنا وكيف أصبحنا !!...نحن في ارض غير ارضنا وسماء غير سمائنا ...كيف سنكافح وأميال كثيرة تفصلنا عن وطننا ؟" تبسّم في ثقة وربّت على كتفي بقوةٍ قائلاً: " لا عليك...كل شيء مخطط له , حتى قبل وفاة والدك ولكن بتعديل بسيط وهو الأهم لتواجدكم هنا...لذلك عندما تتم الثامنة عشر ستبدأ بالتدريب العسكري لتتقدم وتصبح لاحقاً قائداً للثورة كما كان والدك " كوّر قبضته امام فمه يسعل ليستجمع صوته الذي كاد يهرب...تردد قليلا ثم أضاف : " ستبدأ اول خطاك من هذا المكان لتنتقم من بائعي الوطن.... وقتلة والدك " " ماذا تقول؟!...أبي مات شهيداً بمواجهات الحرب , مثله مثل أي جندي او ثائر !" " مات مقتولاً غدراً ولا علاقة لأرض المعركة" اتسعت عيناي على آخرها...تعرّق جبيني...ارتجفت أوصالي.....تعثرت أنفاسي... ألقاها لتصل كسهام تخترق فؤادي...... لقد أصابني في مقتل... حاولت أن استجمع بقايا روحي ....نفثت لهيباً من احشائي وقلت بصوت غاضب: " هل هم موجودون في هذه البلد؟؟" أجاب بصوت ثابت : "نعم وسننتظر الوقت المناسب لضرب الهدف.....المهم ان تتحلّى في الصبر وتتبع تعليماتنا" سألت بتشكك ودمائي تغلي: " الهذا السبب نزحنا الى هذه البلدة تحديداً؟؟" قال: " بالطبع...هكذا سيكون اسهل علينا " تنهد وأضاف: " اريد منك انهاء ثانويتك بتفوق ليتسنّى لك الالتحاق بأكبر جامعة لإدارة الأعمال في هذه البلد.." قلت رافضاً باستياء: " لم جامعة إدارة الاعمال؟...لا احبها ...اريد دراسة الهندسة!!" " لأن الهدف الرئيسي هو رجل أعمال مخضرم , وهكذا تدخل بينهم بسهولة !!...ولا يحصل ذلك الّا بلفت انتباههم بنجاحاتك وتفوقك لينجذبوا اليك" شردت قليلاً ثم سألت بنبرة احتقار : " اذاً أخبرني من هم اولئك الاوغاد؟!" أجاب ببرود: " لا استطيع اخبارك بأي معلومة عنهم قبل اتمامك الثامنة عشر عاماً اذا أراد الله.....اما الان عليك ان تكون حكيماً , متحكماً في ردود افعالك من غير تهوّر مهما واجهت من إساءة..." صمت وأشار بعينيه الى ذراعي واردف: " انت رأيت نتيجة انفعالاتك أين اوصلتك....التريث احد أسباب النجاح للوصول الى هدفنا من غير زلة......اريدك أيضا الانتباه لطعامك , صحتك ...الابتعاد عمّا يؤذي جسدك وابدأ بممارسة الرياضة من جديد...." تبسم وأضاف: " اخبرني السيد سليم عن الكؤوس التي حزتها في مجالات مختلفة من الرياضة مثل السباحة , ركوب الخيل وغيرها..." لقد اعادني الى أحب الأوقات عندي في حياتي الماضية....اخذني الحنين الى هناك فقلت مبتسماً بنشوة : " كنت ارغب ايضاً بدخول نادي الرماية بأنواعها ... وبحكم سني رفضوني...لكن لا يهم ففي النهاية ابي رحمه الله علمني ذلك " × × × تلاحقت الأيام لتكتب لنا سنة وشهور من بعد الهجرة....دراستي على قدمٍ وساق ...وعملي كمدرس لمن تحت جيلي ما زال على حاله ....قمتُ بإنشاء جمعية صغيرة بمساعدة السيد ( ماجد) وبدعم مادي من السيد ( سليم الأسمر ) لإعمار المخيم رويداً رويداً......رممنا عن طريقها خط المجاري , فتحنا خطاً للمياه يستعمل بأوقات معينة , اقتنينا غرفة حديدية مجهزة بتكييف ومعدات طبية مع ممرضة وطبيب بنصف وظيفة لتكون بمثابة عيادة عاجلة لسكان المخيم ....الفضل من بعد الله يعود للسيد (سليم).... قُبيْل شهر حزيران , زارتنا السيدة (فاتن) لتعتذر عن موعدها لهذه السنة بسبب اضطرارها للسفر لزيارة ابنة شقيقتها في كندا ... ~~~~~~~~~~~~~~~~ " لا اصدق لا اصدق ...هذه أجمل مفاجأة " هتفت بها ( ألمى) مندفعة لحضن التي تنتظرها جالسة على احدى الارائك , بعد عودتها من مدرستها...لم تخبرها السيدة(فاتن) بزيارتها وارادت مفاجأتها والاستمتاع بفرحتها صوتاً وصورة لتعيد الحياة لقلبها..... أجلستها في حضنها وكأنها ما زالت ابنة سنتان ..تحاوط خصرها .....تمسد على شعرها وتقربه لأنفها , تستنشق رائحتها التي اشتاقتها ...مسكت يدها اليمنى ..نظرت لآثار الحرق...قربتها لشفتيها تقبّلها وهمست لها بحنان : " كيف حالك صغيرتي؟ وكيف تسير امورك ؟ " استدارت تعانق عنقها ..زمت شفتيها بدلال وهمست مجيبة : " طبعا اشتاق لكم ولغرفتي ولخالتي سهيلة ....لكني بدأت اعتاد على هنا ...لولا وجود صلاح لضجرت ....يهتم بي كثيرا ...نحل الواجبات معاً واغلب المرات نتناول طعامنا سويا....يا الهي , افكر لو كنا لوحدنا انا وكرم ماذا كان سيحصل ..؟" نهضت من حضنها ...انحنت تخرج دفترا من حقيبتها وقالت بحماس : " انظري خالتي ماذا كتبت لي المعلمة ....دائماً تملأ دفاتري بعبارات تعزيز وتطلب من زملائي ان يقتدوا بي " تبسمت لها ورفعت كفها تتحسس وجنتها البيضاء وقالت بفخر : " انت تستحقين هذا واكثر , أنا اثق بتفوقك عزيزتي " بعد تناول الغداء سوياً ....جلستا في غرفة المعيشة ....فقالت السيدة(فاتن): " الن تقومي بحل واجباتك ؟" كانت تجلس على الاريكة تحني ساقاً تحتها وتلوح بالآخر ...تمسك بضع خصلات تلفها على سبابتها بدلال وقالت بثقة: " سأذهب الى مكتبتي بعد قليل لأحلها ...اريد ان اجلس معك قبل ان تدخلي لترتاحي " " احضريها الى هنا" ردت بثقة اكبر : " لا خالتي سأحلها على مكتبتي لا استطيع فعلها هنا " قالت ترفع احد حاجبيها باستغراب : " منذ متى ؟؟....طوال عمرك تتركين مكتبتك وتستلقين حتى على الأرض لتقومي بحلها , ماذا تغير ؟" عدلت جلستها وهتفت بشموخ : " منذ ان اتيت الى هنا ...هكذا يعلمونا لنليق بمكانتنا ومجتمعنا الراقي وان لا نتشبه بعامة الشعب الفوضويين ....لكل شيء قوانين وحدود ويجب الانضباط بها...." كانت قد فرحت السيدة (فاتن) لو كان هذا النظام نابع من ارادتها ...لكنها بدت مستاءة لأنه بدأ ينجح بغرس مبادئه العنصرية كما أراد , المكونة من غرور وتكبّر على الاخرين ... في المساء اجتمعتا مجدداً على مائدة العشاء ....تنحنحت (ألمى) وهي تلعب بشوكتها داخل طبقها المفضل المعكرونة الإيطالية ,دون ان تنظر لخالتها وهمست بتردد : " خالتي..." " نعم حبيبتي..." " ما هي اخبار المخيم ومن فيه ؟" تبسمت وردت : " بخير ..كل شيء كما تركتيه ..." " وهادي؟؟...هل يتذكرني ؟! " اجابت بهدوء : " هو بأفضل حال يستمر في حياته ....ما بك مهتمة ؟" توهجت وجنتيها باللون الوردي واجابت : " اشعر انني اشتاق لهم ....صحيح انه كان يوماً واحداً لكنه اغناني عن شهور من الوحدة.....لم أرَ بطيبتهم ولطافتهم ...حياتهم جميلة..." " أتحسدينهم صغيرتي على حياتهم وهم متشردون في خيم وانت تنعمين بكافة وسائل الراحة ؟؟" " أنفاسهم دافئة ...تعطي السكينة...تنبض بالحياة....اما انا جدران بيتي باردة , كئيبة بلا روح .." " لا تفكري كثيراً صغيرتي ...انسي الماضي والتفتي الى حياتك.." زفرت أنفاسها...رفعت رأسها محدقة بها وقالت : " خالتي الم تجدي عقدي الذهبي ؟؟....اكاد اجن لا اعلم اين اضعته ؟" ردت بحزن : " لا صغيرتي...ليعوضك الله بغيره...يبدو ان لا نصيب لك به " × × × كانت تستلقي على الأريكة تتوسد فخد خالتها التي تداعب شعرها وتشاهدان فيلماً أجنبياً ....انتبهت ان الساعة أوشكت على التاسعة ...عدلت جلستها ..نفضت رأسها تبعد الخصلات العالقة على وجهها ...دنت تقبّل وجنة خالتها وقالت: " حان وقت النوم خالتي ...تصبحين على خير " أعادت لها القبلة مبتسمة هامسة بحنان : " وأنت من أهل الخير صغيرتي " دخلت غرفتها ...خلعت خفيها ثم جلست على السرير ..مدت يدها تشعل المصباح الكهربائي الثابت على المنضدة بجانبه وفتحت الدرج تخرج قلم الرصاص برقة الذي لم تستعمله حفاظاً عليه.....استلقت وهي تتأمله مبتسمة وكأنه قطة لطيفة ...اطفأت النور واحتضنته بقرب صدرها حتى نامت ...لقد أصبح هذا احدى شعائرها قبل النوم من يوم زيارتها للمخيم..!! ~~~~~~~~~~~~~~ دقات قلبي تتسارع وكأنها في سباق !! لا أعلم ان كانت بسبب الذكرى المؤلمة مع الحراس ام لسبب آخر !!...لم استطع التحديد ...... انها سنة أخرى مرت علينا على أرض الشتات ...أصبحت في السابعة عشر وأربعة شهور ....المخيم يضج في التحضيرات السنوية لاستقبال سيدة هذا اليوم , السادس من حزيران.....كانت امي خارج الخيمة تجمعُ منتوجاتها , ترتبها في صندوق وأخي الشقي (شادي ) الذي بدأ يتحفنا بإبداعاته في فن التخريب والمشاكسة , ها هو يمارس هواياته ويبعثر لها الأغراض...دنوت منهما , قبلت راسها وحملت الصغير على اكتافي هامساً بتفاؤل : " صباح الخير يا أجمل ام " ردت بابتسامتها التي لا تفارق محيّاها : " صباح السعادة عزيزي هادي.....ما سر استيقاظك باكراً؟؟" اكتفيت راداً بابتسامة ثم قلت : " امي!....هل ستأتي السيدة فاتن وحدها ؟!" سألت بمكر: " منذ متى تهتم بالسيدة فاتن وزياراتها ؟!" أجبت منفعلاً كاشفاً دواخلي : " لا اهتم بها ولا بغيرها , اريد فقط إعادة الأمانة التي اثقلتني " غمزتني ضاحكة وقالت ساخرة : " مممم.....الأمانة اذاً!!" تلون وجهي بالحمرة رغماً عني ...تركتها عائداً الى الداخل اشتم نفسي " أيها الغبي لمَ تفضح نفسك ؟!" هل بالفعل انا مثقل من الأمانة وهي التي تحملني فوق السحاب في سمائها أم انني كنتُ اريد التأكد من عدم قدومها لتكون حجّة لاحتفاظي بها مجدداً بعد ان اعتدت عليها وأصبحت احد طقوسي قبل النوم ..؟!! ~~~~~~~~~~~~~ تتأفف ..تنظر لساعة يدها...لقد تأخرت السيدة (سهيلة)....كانت تنتظرها للاهتمام بـ(ألمى) التي جاءت قبل يومين لأول مرة بعد سنتين من سفرها ..... دلفت الى غرفة خالتها , تحوم حولها كالفراشة فوق ازهار الربيع بخفتها وجمالها , ولما رأتها تستعد للخروج من مظهر لباسها, سألت بحماس : " الى اين سنذهب خالتي؟" أدارت وجهها نحوها مبتسمة وهي تضبط حجابها الرماديّ , تثبته بمشابك خاصة وهمست برقة : " انا سأذهب ...انت ستبقين برفقة خالتك سهيلة " بدلت ملامحها للاستياء بعد ان انطفأ حماسها وقالت بصوت حزين تصطنعه متعمدة لتلعب بمشاعرها : " هل اهون عليكِ وأنا مسجونة بين الجدران ....أبي وزوجته وكرم سافروا بالأمس...ماذا سافعل وحدي مع خالتي سهيلة؟!...سأشعر بالملل" ردت بعدم اهتمام لما قالت لأنها تحفظ حركاتها : " هيا معي لنتناول الفطار من غير دلال" بينما هما منسجمتان بالمائدة الملوكية مما تشتهي الأنفس ...رن هاتف السيدة(فاتن) وكان اتصال من السيدة(سهيلة) لتعتذر عن قدومها للقصر بسبب مرضها المفاجئ.... أغلقت الهاتف تتنهد شاردة في حيرة...تمتمت تنظر لصغيرتها : " يا الله.. ماذا سأفعل بك ألمى؟...لن تأتي سهيلة " أعاد وجهها نضارته بسبب حماسها هاتفة : " خذيني معك أينما تذهبين!" حدّقت بها بصمت لثواني...نهضت بهدوء هامسة : " سأجري اتصالاً وأعود حالاً.." بعد دقائق عادت الى غرفة الطعام تطلب منها مضطرة : " هيا اصعدي وبدّلي ملابسك قبل ان نتأخر عن المخيم " " ماذاا؟؟! المخيم ؟؟!...وأبي؟؟" تساءلت مصدومة, كالبلهاء لا تعلم هل تضحك فرحاً ام تقلق خوفاً من ردة فعل والدها.....فأجابتها على الفور بجدية: " أنا مضطرة لاصطحابك ووافق والدك على مضض لأنه لا يملك الوقت ليناقشني...لكن كعادته شرطه بمرافقة الحراس!!" قفزت تهتف من غير وعي , دون ان تخجل : " هيـــه هيـــه ...أنا متشوقة لرؤية هادي .." خبُتَ حماسها وتمتمت قائلة : " لو كنت أعلم لحاولت حفظ احدى السور لأفاجئه " قالت لها خالتها بحزم : " لا صغيرتي....لا نريد مشاكل!!...ابقي بجانبي فقط...انت الآن كبرتِ وأصبحت بالعاشرة واكثر وهو فتى غريبٌ عنكِ" نكست رأسها للأسفل مستاءة , هامسة بنبرة حزينة جريئة : " لمَ خالتي؟!...تمنيتُ ان يكون أخي او صديقي...لم أرتح لأحدٍ كما شعرت بجواره وبين أحضانه....به شيءٌ مميز , مختلف عن الجميع " ردت عليها بإصرار آمرة : " يكفي ...هذا عيب ألمى...انسي الماضي واستمعي لكلامي.....هيا بدلي ملابسك لننطلق " ~~~~~~~~~~~~~ كانوا جميعهم متأكدين ان تلك السنة هي المرة الأولى والأخيرة التي تأتي بها السيدة الصغيرة الى المخيم ...أما انا قدماي أخذاني الى هذا المكان.....شعرت اني مُسيّر دون معرفة السبب ...راودتني تساؤلات كثيرة...هل يا ترى ستأتي مجدداً؟؟ هل تغيرت ؟؟ هل تبدلت السماء في عينيها من النهار الى الليل ؟؟ هل تذكرنا ام كنا كغبار عابر في طريقها؟؟....في البداية كنتُ أحسبها كشقيقتي او كـ(سلمى)...لكني كل يوم اكتشف أنني أغرق في سحر عينيها ...لا نوايا خبيثة او مشبوهة ...حاشى لله...انما بهما سر يزيد من وجيب قلبي !! والى الآن لم استطع أن احدد مكانتها عندي..!!... انتهت حملة التحقيقات في عقلي عند سماعي أبواب المركبات تطرق..... السيدة (فاتن) تترجل من سيارتها بكامل اناقتها وبشاشة وجهها!!...تبعتاها قدمان صغيرتان , تنتعلان حذاءً ناصع البياض , وما ان وطأتا الأرض لتظهر (ألمى) بطلتها البهية وعينيها السماوية...ترتدي فستاناً من الحرير مرآة لسماءيها , وعلى خصرها النحيل شريط ابيض ...شعرها ازداد طولاً وغرتها تحفّ حاجبيها كما هي ...وبدا لي جليّاً ان ساقيها ازدادا طولا ايضا بضع سنتمترات .... أفواه فاغرة ....عيون جاحظة ...هي الحالة التي انتابت سكان المخيم بعد رؤيتهم تلك السيدة الصغيرة..... (دنيا وسلمى ) قفزتا فرحاً فما زالتا تذكرانها حتى بعد عامين على لقائهما ....أسرعتا نحوها لاستقبالها بعفوية وبراءة ولحقت بهما (سلوى) شقيقة (سلمى) التي أصبحت في السنة الثالثة من العمر....كنتُ أقف ممسكاً بالعقد الذهبي ,اراقب الاحداث عن قرب لكني احجب نفسي عنهم.....ملامح وجهها كانت اكثر براءة وتواضع , أما الآن تقف بعنفوان ,ترفع ذقنها بعلياء ولم تهتم للواتي وقفن امامها...كانت تنصب أنامل قدميها لترتفع اكثر ....تبحث عن شيء ابعد منها..... اقتربت منها الصغيرة (سلوى) لتلمس فستانها الناعم.....فهكذا الفتيات بمختلف الأعمار....الفساتين , الاكسسوارات , زينة الوجه هي اكثر ما تجذب انظارهن....مسكت الفستان ببراءتها تتحسسه , ومن غير قصد وطئت قدمها الملطخة بأوساخ المخيم حذاء ابنة الوزير وعلِقَ ما علق به...وبدون سابق انذار وبكل غرور وقسوة دفعتها الى الخلف لتسقط...ثم زفرت بتأفف واشمئزاز شاتمة بلغتها الجديدة : " idiot"(حمقاء) " insect"(حشرة) " ماذا فعلتِ يا هذه؟...هيا نظفيه فوراً " يبدو ان هذا التعليم العالي الذي تدرسه في الغرب!!... لسماعي بما تفوهت بحماقة ...اتقدت النيران في عروقي ...تحولت من هادئ الى ثائر....تبدلت نظراتي لها في الحال من اشتياق ولهفة الى احتقار ونفور.. وضعتُ العقد في جيبي ومشيتُ مسرعاً في خطواتي ممسكاً بالصغيرة قبل ان تنحني أمام سمو الملكة المغرورة ...رفعتْ رأسها عند ظهوري شامخاً امامها ...توسعت حدقتيها بهجةً وكأنها وجدت ضالتها وما كانت تبحث عنه قبل قليل...همست بخجل تتغنّج : " هااادي ..كنتُ ابحثُ عنك...أنا لم أنساك " ثم مدت يدها لتصافحني ....لكني تَرَكتُها معلّقة في حبال الهواء بعد ان أوليتها ظهري ساحباً الصغيرات معي دون أن أعيرها أي اهتمام لأشعرها بدناءة فعلتها .... هل ظنت أني سأسمح لها بإهانة صغيراتي تلك المدللة المغرورة؟؟!! اختفت ثلوج وجهها مع تحولها لجبل بركاني مشتعل بالحمرة ...جزّت اسنانها بكيد وشدت قبضتيها حتى كادت تتقطع اوتارها ....ضربت قدمها بالأرض وعادت أدراجها مُحرجة تتمنى ان تنشق الأرض وتبتلعها لتنتظر خالتها في السيارة حتى تنتهي من لقائها.... رافقتني الصغيرات الى طرف الساحة بالقرب من مركبات ضيوف المخيم.....جلستُ على حافة جدار وأجلست (سلوى) في حضني أطبطب عليها بحنان...اعطيتها هاتفي لتلعب به حتى تهدأ .....اوصيتهن بعدم الذل والخضوع لأي شخص مهما كان , فكلنا سواسية ولا فرق لعربيّ على أعجميّ الا بالتقوى.... وعدتهن بشراء فساتين جميلة لهن على العيد القريب....ثم اصطحبتهن للبقالة القريبة في جانب المخيم ..... كانت ( ألمى) تراقبنا وتنظر لنا ومُقلَتيها محتقنه بالدموع من خلف الزجاج الأسود لسيارتها ...الغيرة تنهش أحشائها بسبب اهتمامي بهن وتجاهلي لها.... انتهى لقاء السيدة(فاتن) وانصرفت بقافلتها دون أن أعيد الأمانة (العقد الذهبي) لصاحبتها, سمو الملكة...نكايةً بها !! ~~~~~~~~~~~~~~~ بعد دخولها القصر , ارتمت على الأريكة القريبة , تحدّق بالسقف , محبطة , حزينة ..لم تتخيل ان يكون اللقاء الذي توقعت ان تعود منه محلّقة بالسماء هو نفسه الذي أرداها الى قعر الأرض , حتى انها لم يؤنبها ضميرها على فعلتها المهينة وأظن انها ممتنة من تصرفها فهي تطبّق ما يعلمونها إياه من عنصرية وتفرقة بين الطبقات ... " لمَ عاملني هكذا ولم يهتم بي ؟" سألت خالتها الواقفة جانبها وهي تضع يدها على ياقة فستانها تعبث بها بتوتر دون ان تبعد نظرها عن السقف.... ردت عليها باستياء من تصرفاتها : " أنسيتِ تصرفك ألمى ؟...منذ متى تعاملين الناس بعنجهية وغرور ؟! أم ان والدك نجح بزرع مبادئه في شخصيتك كما يرغب.....ثم هذا ما كان يجب حدوثه , فأنا حذرتك من الابتعاد عني او الاقتراب من أي شخص كان" عدلت جلستها , تبعد غرتها عن جبينها بغلّ وقالت: " لم أفعل شيئاً خاطئاً ....ومادام الأمر كذلك سأستمر كما يريد أبي ففي كل الحالات لا خيارات لديّ وسأعيش منبوذة ....أو محرومة مما انا ارغب به واتمناه...." انتصبت بوقفتها وعيناها تقدح شرراً وهتفت بحقد طفولي : " بدأت اكره تلك الفتيات اللواتي يحظيْنَ برفقة ذلك الهادي ...لِمَ ليكن لهن وحدهن ؟!" تنهدت خالتها تهز رأسها رافضة كلماتها وهمست بضيق: " هداكِ الله يا صغيرتي" ثم تركتها قاصدة غرفتها..... جلست (ألمى) على طرف الأريكة تنظر للفراغ أمامها تفكر وبعد لحظات نهضت متجهة الى حاسوبها في غرفتها لمحادثة(صلاح) الذي باتَ صديقها المقرب منذ سفرهم الى كندا , فهي تثق به وتشكي له همومها وتخبره بكل شيء متعلق بها....لقد اصبح ملاذها في غربتها , يستمع لها بكل حب من غير ملل ويهتم بها بإخلاص.... × × × مكثت في قصر والدها اسبوعين فقط , رغم انها في إجازة لمدة شهرين ....لقد طلبت من والدها العودة الى كندا حيث هناك زملائها واصدقائها بعد ان شعرت انها سجينة القصر لا تفعل شيئاً يحمّسها للبقاء هنا.... ~~~~~~~~~~~~~~~ أشرقت شمس يوم جديد بعد سنه مضت , أتممتُ بها من العمر ثمانية عشر عاماً.....أنهيت خلالها ثانويتي بتفوق وبدأت الاستعداد للجامعة..... كنتُ جالساً على كرسي خارج الخيمة أعبث بهاتفي بعد ان انهيت محادثتي مع صديقي (سامي) الذي حصلتُ على رقمه في الآونة الأخيرة......فجأة وصلتني رسالة من السيد(ماجد) يطلب مني الالتقاء به بسرية عند الوادي القريب.... استأذنت والدتي مدّعياً التجول لشعوري بالضجر.....بعد ان وصلت حيث كان ينتظرني وتبادلنا التحيات....أخرج من سيارته صندوقا خشبياً صغيراً ومدّه نحوي قائلاً: " تفضل هذه الأمانة....لقد حان وقت استلامها " حدّقت بالصندوق ثم أعدت نظري اليه بتساؤل : " ما هذا ؟" جلس على صخرة طرف الوادي وبدأ يسرد لي حكايته ...كان قد استلمه من السيد(سليم الأسمر) بعد أسبوع من استشهاد والدي بعد التقائهم في الغرفة السرية في مرآب شركته والتي شهدت التقاء الثوار الأبطال لتخطيط عملياتهم الكبيرة والصغيرة ضد الخونة والأعداء على مرّ السنين..... " هذا يخصّ والدك رحمه الله....وضع به وصيته لك ومذكرة تحتوي على أسماء الخونة برموز مشفرة حرصاً ان وقعت بيد احد عن طريق الخطأ وكذلك السيد سليم وضع بالصندوق مفتاح الغرفة السرية وخارطة برموز ايضا ترشدك لجميع المخابئ السرية للأسلحة وغيرها ..." رمقته بنظرات فارغة مما سمعت فضحك وقال محركاً سبابته مازحاً بوَعيد: " لا تنكر معرفتك بفك الرموز...لقد اخبرني ان والدك علّمك كل هذا وانك بعبقريتك ستستطيع حلها دون أي مجهود " نهض من مكانه ينفض اثار الغبار عن بنطاله وقال : " الان الصندوق في امانتك....حافظ عليه كعائلتك ولا تخبر أحداً حتى امك بما دار بيننا" أخرج ورقة من جيبه وأردف : " خذ هذه.. ورقة القبول لجامعة (...) الرائدة في تعليم إدارة الأعمال بأعلى مستوى" اخذتها شاكرا اهتمامه وسألت: " متى سأبدأ؟" " في بداية أيار بإذن الله بالمجموعة الصيفية...سيكون فصلاً تمهيدياً....دعني اذهب الان لأرتب بعض الأمور..." سار خطوتين ..توقف صافعاً جبينه واستدار نحوي قائلاً: " اه تذكرت...في شهر آب ستذهب الى الحدود للمعسكر الخاص بنا لتتمرن مع جيش الثوار وايّاك ان تحدّث احداً بهذا.....وسيكون هذا نظامك على مدار اربع سنوات حتى تنهي جامعتك....سأخبرك لاحقاً بحجّة غيابك " احتضنتُ الصندوق بعد انصرافه وشرعت في تقبيله واشتمامه لابتلع نفحات من رائحة الغالي.... بعد عودتي لخيمتي خبأت الصندوق فأقبلت امي نحوي تسالني : " ماذا كان يريد السيد ماجد ؟..لقد رأيت سيارته على طرف المخيم " ابتلعت ارتباكي من سؤالها لأني لم اعتد على إخفاء شيء عنها واجبت : " لقد جلب لي ورقة القبول للجامعة " تزيّن وجهي بتباشير الانشراح وتابعت : " آه اماه ..انها ليست أي جامعة , انها جامعة(...) من اشهر جامعات إدارة الاعمال التي يرتادها وينتسب لها أناس مهمون ومن ارقى المجتمعات من شتّى بقاع الأرض" اتسعت عيناها متفاجئة وقالت : " إدارة الاعمال؟!......لطالما كان حلمك الهندسة !!" أجبتها متهرباً من نظراتها : " هذا المجال ناجح اكثر وقررت ان أكون مثل والدي رحمه الله.." تلألأت دموع الفرح في مقلتيها وضمتني الى صدرها وهمست بحنوٍ: " وفقك الله بني وسدد خطاك...انت كذلك مهم بل الأهم بينهم....لا تصغّر من شأنك...لا تنسَ انك ابن القائد محيي الدين الشامي مهما اختلف عليك الزمان والمكان.." حوطت وجنتيها بيديّ وقبّلت جبينها قائلاً بصوت واثق : " لا تخافي يا امي , مهما كبرت ومهما تبدّل حالي وحتى اذا وصلت الى قمم الجبال او لامست الشمس , سيبقى اسم والدي وساماً على صدري ينبض به قلبي ويجري به دمي..." استلقيت على فراشي الأرضي بعد ان تركتني امي ... أخرجت ورقة القبول لأتفحصها وأقرأ تفاصيلها.....ثم جحظت عيناي مصدوماً بالمكتوب عليها ..... ~~~~~~~~~~~~ " اخبريني حالاً ماذا قال ؟..كنتُ اودّ رؤية وجهه بعد قراءة مقالي " كانت تجلس ترتدي منامتها ....تتربع على اريكتها في شقتها ..تضحك .....تسأل صديقتها التي زارتها بعد ان نشرت مقالاً ساخراً بأسماء مستعارة لرجال اعمال وشخصيات سياسية تقصدها ومن ضمنهم(عاصي رضا) .....لقد قررت السيدة(فاتن) زيارتها لتخبرها بردة فعله وبما يجول في فكرها.... أطلقت ضحكات تمسك بطنها على ما كتب بالمقال....تحني جسدها ..ترفع سبابتها امام السيدة(ايمان) بتهديد ساخرة : " انت تلعبين بالنار فاحذري.....لن يصمت" هزت رأسها تنفض شعرها القصير واخرجت الربطة من معصمها تجمعه للأعلى بعد ان شعرت بالحرارة تحرقها من شدة الضحك وقالت : " لا اظن انه غبي لهذه الدرجة ...فان هاجمني سيكشف نفسه ويثبت صحة اقوالي " أسندت ظهرها لظهر الأريكة ...رفعت قدميها تريحهما على الطاولة أمامها ...فهكذا عندما تكون في بيت صديقتها تأخذ راحتها اكثر من المكان الذي تسكن فيه وقالت ضاحكة: " صحيح...لقد سمعته يهاتف المحامي الخاص به وطلب منه الّا يفعل شيئاً حيال الموضوع ويتجاهله..." وضعت كفها امام فمها تسعل من الضحك وأضافت: " لكنه يحترق من الداخل ووجهه يصدر الوان قوس الرحمن....لم يهنأ بطعامه ويلقي كل ما يعرقل طريقه....والافعى زوجته تتحايده خوفاً على نفسها " بعد فقرة القهقهات....حضّرت السيدة (ايمان) كأسين من الشاي مع كعك صنعته بيدها فهي ماهرة بذلك خلافاً لضيفتها...جلست بهدوء وسألت بجدية : " وانت ماذا ستفعلين ومتى ستتحركين؟؟" سرحت بالفراغ للحظات تجمع افكارها وقالت ما أتى في بالها منذ أيام: " أفكر بالاعتماد على الثوار في مسألتي....آن الأوان لنتصرف ونتقدم " سألتها بتعجب: " الثوار؟ كيف؟؟" ردت بهدوء حائرة : " خلال زياراتي المتعددة للمخيم , كنت التقي هناك برجل يدعى ماجد وعلمتُ لاحقا بطرقي الخاصة انه من الثوار!!...لكن ما يحيرني هو اهتمامه الشديد بعائلة ام هادي دون وجود صلة قرابة " ضحكت السيدة (ايمان ) بمكر وقالت: " ربما يهتم بالسيدة مريم " " أبداً...يعاملهم بأخوة واحترام ...انه رجلٌ متزوجٌ ولديه ولدين وملتزماً في دينه " أكملت ضاحكة: " الشرع حلل أربعة " اجابت بجدية: " لا صدقيني....اعتقد يخفي شيئاً او يحمل رسالة...هو رجل جدي وصارم وعندما ترينه تعتقدين انه يحمل جبالاً من المسؤوليات والهموم..." قالت السيدة(ايمان): " ممم....لمَ اذاً لا تواجهيه وتسألينه مباشرةً او حتى تستفسري عنه من عائشة ومريم " اجابت: " هو رجل ذكي ..لمَ سيثق بي بسهولة؟...يجب ان يكون معي سند قوي اعتمد عليه ليثق بي....وكذلك عائشة ومريم اراهما متكتمتين عن ماضيهما " هتفت السيدة(ايمان): " صورة لوالدك!!" تبسمت السيدة(فاتن)بارتياح وقالت : " نعم لقد أصبتِ...اشكرك..." مدت يدها تضعها على يد صديقتها تنظر لها بامتنان وأكملت: " لولاكِ لما خطر في بالي هذا الشيء" ~~~~~~~~~~~~ (يامن إبراهيم الهاشمي) لمن هذا الاسم ؟؟...تساءلت مستغرباً!!...يبدو ان السيد(ماجد) سلّمني ورقة ليست لي عن طريق الخطأ...تمتمت بهدوء محدثاً نفسي " آه سيد ماجد , لقد جلبت لي ورقة تابعة لشخص آخر...ستضطر للعودة هنا مجدداً" رفعت هاتفي اتصل به وبعد السلام قال : " خيرٌ ان شاء الله أيها الهادي ؟؟َ!!" قلت: " لقد اعطيتني ورقة لشخص اخر " ضحك بمكر وقال: " لا ..هذه لك ...فقط ابدلنا الاسم وتاريخ الميلاد " قلت بضيق ونبرة حادة: " لا اقبل بذلك ولن اتخلى عن اسمي واسم والدي" " اهدأ يا هادي...هذا جزء من الخطة ....لا تستطيع التنقل والانخراط بمجتمعهم باسم والدك الحقيقي ...فهو اشهر من نار على علم وهكذا سيكشف كل شيء " قلت مستنكراً: " ووالدتي ؟؟ ماذا سأقول لها ؟؟" أجاب: " سأشرح لها هذا بطريقتي لا تقلق!! المهم ان لا تذكر شيئاً من اتفاقنا حتى نقرر ذلك" قلت على مضض: " حسنا...كما تريد" انهيتُ المكالمة محدقا بالورقة من جديد بعد ان خمد حماسي بتغيير اسمي.... × × × حلّ الليل علينا والهدوء سيد الموقف في المخيم....انهم أناس يشقون بالنهار...يجاهدون للحصول على لقيمات للعيش بعزة وكرامة....امهات تعاني من صعوبة التربية في هذه الأوضاع والتأقلم مع هكذا مستوى معيشة تفتقر الى ادنى مقومات الحياة العصرية...كأن الزمن تقدم مع الجميع لينعموا بوسائل الراحة , اما نحن توقف بنا وحتى اعادنا للخلف يمنع عنا أي تطور....!! في خيمتنا الجميع نيام الّا انا جافاني!! كنت انتظر الوقت المناسب لفتح الصندوق ورؤية ما بداخله بكل لهفةٍ وشوق.... فتحته وسلّطت كاشف هاتفي على ورقة اخرجتها منه وإذ بها وصية والدي.... [[ بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ابني الغالي هادي, عندما تقرأ هذه الوصية اكون بإذن الله بين يديه... اوصيك عزيزي بتقوى الله والالتزام بتعاليم ديننا الحنيف مهما زينت لك الدنيا من الشهوات والفتن ..ثم اوصيك بالحفاظ على عائلتنا لأنك رجل البيت من بعدي.... أنا اعلم انها مسؤولية كبيرة وثقيلة على عاتقك , لكني على ثقة أنك آهِلاً لها , فأنا ربيت فيك الشجاعة, النخوة , الصبر وتحمل الصعاب... أما بعد.... الوطن ثم الوطن.....أنت تعلم نضالي وكفاحي من اجله لنظهر الحق فيه.....فتأتي أجيال وتذهب أخرى وشياطين الانس بيننا وعلينا محاربتها بالجهاد وإظهار الحق ونصرة المظلوم كما نحارب شياطين الجن بالقران والعبادات.... لذا اطلب منك اكمال طريقي باتّباع السيد (سليم الأسمر) اذا اكرمه الله بطول العمر ...ليرشدك الى هدفنا وهو الخائن الأكبر (عاصي رضا) بائع الوطن وشرفائه , مهما بلغ بك الحال ولو اضطررت لوضع يدك بيده.....سأترك لك مع وصيتي مذكرتي التي بها أسماء داعميه برموز مشفرة.... وأخيراً اسأل الله لك الخير وان يسدد خطاك ويوفقك لما يحبه ويرضاه.... احبكم ودمتم في رعاية الله.... (محيي الدين الشامي).......]] قرأتها وانا غارق في دموعي...لم اتمالك نفسي ...كنت استشعر نبرة صوته في كل كلمة وحرف...أراه شامخاً أمامي مرفوع الهامة , يرتدي لباس الثوّار وعهده(البندقية) على كتفه ...بدأت قراءتها بلهفة حتى كاد يتوقف قلبي عن خفقانه عندما وصلت الى ذلك الاسم الدخيل الذي شوّهَ كل المعاني الجميلة...اسم زلزل كياني ....توقفت جميع حواسي وعدت للتدقيق بحروفه...اقرأ من جديد علّني مخطئ!! لكن تأبى الحروف ان تتبدل وبقيت كما هي تدمغ بـِاسم (عاصي رضا) وصدى تأثيرها يبعثر أفكاري....يارب....هل الدنيا صغيرة بالفعل ليكون والد مَن لجأت لسمائها محلّقاً ومَن غيرت نغمات قلبي هو اكبر خائن للوطن.....هذا ولم اكن أعلم بعد ما بانتظاري!! أشرت لاسم السيد(ماجد) على الهاتف لاتصل به...اني اختنق واحترق... اشعر انني أتدلّى فوق فوهة بركان....اغلقته واعدته مجددا لجانبي فالوقت متأخر وسأنتظر للصباح بنفاذ صبري.... × × × انقضى الليل حاملاً أسراره وأتى النهار يوزع أنواره.....أصبحنا واصبح الملك لله... يوم جديد في مخيمنا الجميل....أصوات الباعة تصدح...ضحكات الصغار تنتشر في ارجائه تحمل معها آمالهم ليومهم هذا.... أما انا انظر الى عــقارب الساعة التي التصقت مكانها من غير حراك....اتأفف منزعجاً ...اريد ان اتصل والوقت مازال باكراً....كانت امي تحاول ايقاظ شقيقتي : " هيا يا دنيا ستتأخرين عن دروسك " تمتمت(دنيا)بكسل : " اتركيني امي قليلا ارجوك....فقط خمس دقائق " سحبت الغطاء عنها حانقة ,تقول لخالتي : " لقد سئمت من هذه الكسولة...تستنزف طاقتي من بداية اليوم ..لا ادري ماذا سأفعل بها ؟" قالت خالتي بمكر : " ليتولّى هادي ايقاظها " قفزت (دنيا) بفزع متوسلة وكأنها ليست هي من كانت مغمى عليها قبل قليل : " لا خالتي ارجوك...انت ايقظيني...امي.....شادي.....خالت? ? فاطمة....حتى عمي فتحي البقال....اي شخص ترغبين ولو من الشارع...الّا هادي " ضحكت خالتي وامي تحدّق بها بدهشة متسائلة : " ماذا يجري هنا ؟؟ انا لا افهم شيئاً" اجابت خالتي وهي تلقط أنفاسها من شدة الضحك : " الأسبوع الماضي عندما ذهبتِ باكراً لام سلمى..ارهقتني بإيقاظها وطلبت من هادي مساعدتي...فذهب الى الخارج ...احضر صرصوراً ووضعه على مخدتها وقال لها بهدوء ان تنظر لجانبها ففزعت وجهزت نفسها في لحظات..." ضحكتا معاً والمشاغبة تنظر اليهما بغيظ ثم تركتنا تجهّز نفسها.... طلبت مني امي مرافقتها لمركز البلد لشراء أغراض تحتاجها وملابس جديدة لي مناسبة للجامعة من المال الذي إذخرته من اعمالها اليدوية..... استأذنتها بتأجيل المشوار لبعد الظهيرة حتى انتهي من لقائي بالسيد(ماجد).. ~~~~~~~~~~~~~ " ما علاقة عاصي رضا بوالدي ؟" سألت الجالس امامي في مقهى توجهنا له لنتكلم براحة بعيدا عن المخيم.... أجابني بهدوء : " سأخبرك بكل ما حدث حتى استشهاد والدك....بشرط ان تتمالك نفسك ولا تثير شوشرة هنا ولا ان تتهور حتى لا تُؤثر على سير مخططنا" توهّج وجهي رهبةً مما سأسمعه وقلت مجبراً: " سأحاول ....لا اعدك" قال ببرود: " اذاً لا داعي لإخبارك" زفرت انفاسي المتقدة ...نهضت من مكاني قاصداً الحمام لأُطفئ بالماء البارد الجمرات المشتعلة في احشائي ولهيبها يصل للخارج ...عدت مجدداً أحاول السيطرة على اعصابي ... " اعدك....هيا اخبرني" رشف رشفة من فنجانه القهوة...اسند ظهره للخلف وحدثني بهدوء : "ذاك المدعو عاصي... من سنوات بعيدة.. ادخله مدير عمله عالم الثوار بسبب شجاعته وذكائه...التقى بوالدك وكوّنا كتيبة كبيرة تحت اشرافهما....بعد مدة قصيرة بدأ يظهر عليه الغنى مع ان عمله بسيط....ولم يعد يلتزم بالكتيبة مثلما كان متحمساً في البداية....مما جعل والدك يضعه بدائرة الاشتباه...راقبه بحذر ليكتشف انه يقبض مبالغ كبيرة مقابل تسريب معلومات عن الثوار ومخططاتهم......بدأت العداوة بينهما ولم يستطع احد الوصول اليه مباشرة لأنه كان تحت حماية الدولة...لا اعلم ان كان متزوجاً حينها ام لا , لكنه بفترة قصيرة اصبح وزير الخارجية.....والدك كان عنيداً ولم يستسلم واراد معرفة المزيد من الحقائق عنه....فاكتشف خلال بحثه بطرقه الخاصة انه قام بصفقات كبيرة خارجية ضد الثوار والدولة والوطن ولم يعد ينتمي لأيّ منها بعد ان وعده الطرف الآخر بتعيينه بمنصب اكبر مما يطمح فيه , على شرط الانتقال الى دولة أخرى حتى تهدأ أوضاع البلاد....استقال من منصبه ودخل عالم رجال الاعمال وهو ينتظر المنصب الكبير...وما لم يكن بالحسبان تهديد والدك له بكشف أوراقه امام كبار الدولة عندما يحصل على ادلة موثقة.....أعماه الجشع وأكله الرعب وقرر القضاء على والدك لأنه الوحيد الذي وقف امامه...هدده وحاول اغتياله مرات عديدة ولم ينجح....حتى جاء ذلك اليوم .....بعد ان أصيب زياد صديق والدك , ترك المجموعة وحمله ليعالجه في اقرب مستوصف ميداني....انهكه التعب وفقد صديقه وهما في طريقهما ...واذ بقناص محترف يتربص له متخفيّا بلباس الثوار ..ضربه ليصيب قلبه , ثم اقترب منه يخبره ان نهايته كانت على يد سيده عاصي رضا ....تركه ينزف واختفى.... مرّ عليه شاب وهو طباخ الثوار, صدفةً....الشاب الذي جاءكم بسلاحه ومصحفه....كان في أنفاسه الأخيرة واخبره والدك بصعوبة بأن عاصي من فعلها وطلب منه اعلام السيد سليم الأسمر بأي طريقة وايصال اغراضه لكم....ثم نطق الشهادتين وخرجت روحه الى بارئها.." انقطعت انفاسي من هول ما سمعت ....شعرت بالصداع...ضغطت على صدغيّ بيديّ ...بدأت افقد توازني...لا بد اني داخل كابوس...ما هذا الذي يقوله؟!....كادت عروقي تنفجر ...عيناي تخرج من مكانهما ....هو يتكلم وصورة ابي الجريح تظهر امامي ...يستنجد ....من يكون الكلب الحقير الذي تقاوى على اسدٍ منهك؟....هذا في كفة واسم ذلك الوغد النجس في كفة أخرى....آااه لو كان بين يديّ هذه اللحظة...لتفننت في قتله....طرقت الطاولة امامي في قبضتي واوداجي منتفخة...واخرجت من بين اسناني بنبرة حاقدة: " الوغد..اللعين....سأجعله يتمنى الموت ولا يجده " وضع يده على يدي التي لا اتحكم بارتجافها من شدة غيظي وقال: " كل شيء في اوانه يا هادي..سيأتي ذلك اليوم باذن الله وسننتقم منه اشد انتقام!!...ربما أسوأ من الموت.." انتظرنا ساعة أخرى حتى اهدأ وترتخي اعصابي قبل العودة للمخيم...غيّر السيد (ماجد) مجرى الحديث هاتفاً: " كيف هي استعداداتك للجامعة؟" اجبت بصوت محبط : " كنت متحمساً لولا ما اخبرتني به للتو.." قال: " إنسَ يا هادي انا اخبرتك لتتقدم لا للعودة الى الصفر.." قلت بضيق ناظرا لساعة هاتفي: " يجب ان اعود للمخيم....امي بانتظاري للذهاب لشراء ملابس تناسب الجامعة" تبسم ..ربت على كتفي وقال بصوت هادئ: " كل شيء جاهز وبانتظار انتقالك الى بيتك الجديد" سالت بتعجب من غير رغبة: " بيتي الجديد؟ والمخيم؟؟" أجاب بنبرة جادّة: " ستترك الماضي وراءك....سيبقى هادي في المخيم وتبدأ حياة جديدة باسم يامن إبراهيم الهاشمي للانتقام وبعدها العودة للوطن باسمك الحقيقي قائداً للثورة اذا أراد الله ذلك" قلت : "اين سيكون بيتي؟؟ وما وضع عائلتي ؟؟" قال: " عائلتك ستبقى مكانها وسنهتم بهم اكثر من السابق...لا تشغل بالك وفكر فقط بالمهمة...اما بيتك الجديد سأصطحبك عصراً لتتعرف عليه.." قلت باستياء: " لكن....لا استطيع ان أعيش في بيت مريح واهلي بالمخيم!!" أجاب مبتسماً: " لا تقلق ..لفترة مؤقته فقط وبعدها ننقلهم لمكان مريح وآمن" × × × عدت الى المخيم لأرافق امي للتسوق واخبرتها ان ملابسي جاهزة من السيد(ماجد).... ~~~~~~~~~~~~ مواجهة السيد (ماجد) كان جلّ ما يشغل تفكيرها..... أخرجت من درج خزانتها البوم الصور الخاص بعائلتها.....انتقت صورتين لوالدها وهو في اول شبابه وأخرى في سن الستين....وضعتهما في حقيبتها وخرجت مع سائقها تقصد المخيم....التقت بخالتي (مريم) وطلبت منها رقمه بحجّة احتياجها لمساعدته بشؤون اللاجئين...... بعد عودتها الى القصر...دخلت غرفتها ودقّت رقمه متحدثة بخفوت: " مرحبا سيد ماجد ..انا فاتن صديقة السيدة عائشة والسيدة مريم.." ردّ باستغراب: " اهلا....هل من خدمة؟" اجابت بصراحة دون مقدمات: " اود الالتقاء بك لأمر هام...ان كنت متفرغاً" "خيرٌ ان شاء الله...ما هو هذا الامر يا ترى"...شرد قليلا محدثا نفسه قبل ان يجيب: " لا مشكلة...اين ومتى؟" قالت براحة بعد ان خافت من صدّه لها : " غداً , العاشرة صباحاً في مقهى الشروق مركز البلد.." قال باقتضاب: " حسناً سأكون بانتظارك" ~~~~~~~~~~~~ كان فكره مشوشاً...راودته الكثير من التساؤلات....رفع هاتفه يطلب صديقه علّه يوسع من افاق توقعاته...وبعد التحيات قال بصوت مندهش: " لو تعلم من هاتفتني!" اجابه السيد(سليم) متهكماً: " الملكة اليزابيث؟!" قال بجدية: " فاتن شقيقة زوجة عاصي رضا " سأل باعتراض.. مصدوماً: "مــــن؟؟....ماذا تريد ؟" أجاب بتيه : " لا علم لي...ارادت الالتقاء لأمر هام" هتف محذراً: " احذر...ربما شكّوا في شيء....اياك الوقوع في مصيدتهم!!" قال بثقة: " بالطبع ...ماذا تظنني؟!....سأذهب ان شاء الله وأرى بكل حذر" ~~~~~~~~~~~~ " هل سأسكن في بيت لوحدي ؟" سألت سؤالي وانا اتكئ على نافذة سيارته في طريقنا الى ذاك البيت..فأجاب مازحاً: " لم؟ هل تخاف من الوحدة ؟" عدلت جلستي ونظرت اليه قائلا بحيرة : " لم اقصد ذلك....لكني اشعر بالضياع وغير مرتاح بافتراقي عن اهلي " قال بلطف : " اخبرتك الّا تفكر بعائلتك واطمئن....وسترى عند وصولنا ان كنت لوحدك او لا " اعدت رأسي الى النافذة شارداً بمستقبلي المجهول وما ينتظرني في حياتي.... " أخيراً وصلنا..." استقمت بجلستي بعد كلماته ...أحرك رأسي بجميع الاتجاهات...استغرقت الطريق حوالي نصف ساعة من المخيم الى البيت الجديد...نزلت من السيارة ببطء اتأمل بانبهار الذي اراه امامي...همست مندهشاً: " ما شاء الله ....ماهذا القصر؟؟ وما هذه الحديقة؟؟ انه يشبه القصور في عالم الخيال!!" وقفتُ منتصباً متسائلاً بجدية: " لمَ أتينا الى هنا وأين البيت الذي سأسكن فيه ؟!" ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجهه وقال : " اتبعني الى الداخل وستعرف كل شيء " ولجنا الى جوف القصر العريق...تصميماته منتهى الفخامة...جلسنا على أريكة في بهوه ..كانت ملوكية ربما من زمن السلاطين!!.....دقائق قليلة والتفتّ الى مصدر الصوت الذي كسر الهدوء وهي خبطات قدمين قادمتين نحونا وإذ بها لرجلٍ ضخم البنية في بداية العقد الخامس...يبدو عليه القوة والصلابة لكن عينيه غارقتين في الحزن.....تصافحنا وجلس مقابلاً لنا...كان يتأملني بصمت للحظات....خطّ بسمة خفيفة تخفي ألمه هامساً: " واخيراً رايتك يا ابن محيي الدين " التفتّ للسيد (ماجد)..رمقته بتعجب واستغراب فضحك الرجل وقال : " لا تستغرب يا ابني...انا اعرفك جيداً منذ ان ولدت...لكن لم يشأ لنا القدر الالتقاء الى هذه اللحظة" قلت بتردد: "كـ....كيف تعرفني ومن انت؟" امسك السيد(ماجد) يدي يشد بقبضته عليها ليطمئنني هامسا بلطف: " اهدأ يا هادي...سيخبرك عمك إبراهيم بكل شيء!!" تنهد السيد(إبراهيم)..ارخى ذراعيه على ساقيه واسند ظهره للأريكة ثم قال بحنان وحنين: " انا صديق والدك من أيام الثانوية.....تفرقنا بعد ان قرر والدي الهجرة الى دولة مجاورة حيث يتواجد أخيه الكبير ووالدته لمساعدته بشركات العائلة.....افترقنا جسدياً لكنا استمرينا بالتواصل عن بعد عبر الهاتف والرسائل....اقنعته للقدوم عندنا لنلتحق بنفس الجامعة....عشنا معا اجمل أيام عمرنا....كنا نتشابه بنفس الميول والمبادئ...اسسنا انفسنا وفتحنا اول شركة لنا.... عاد والدك للبلاد والتحق بجيش الدولة لثلاث سنوات حتى حاز على ترقيات , بعدها تزوج والدتك وانا تزوجت ابنة عمي....زرنا بعضنا ونساءنا حوامل ...ترك والدك منصبه ثم انقطعنا عن الزيارات لانشغال كل منا بعمله وعائلته بعد ان اصبح لكل منا شركته الخاصة ..." صمت للحظات يبتلع ريقه ويلقط أنفاسه ثم استأنف: " عندما كان ابني في الخامسة من عمره ...اكتشفنا انه يعاني من فشل كلوي....كان يوما اسوداً في عمري...توقفت عن الحياة....أهملت صفقاتي...تألمت كثيرا حد الموت ...وقف والدك بجانبي وآزرني....اخرجني من حالتي ودفعني لأمضي قدماً بإعطائي امالا جميلة واننا سنجد له كلية تناسبه ويتعافى....حتى انه كان يترك اعماله ويقوم ببعض اعمالي من بعيد حماية لي من الإفلاس...مرت شهور ونحن نبحث من مشفى لآخر ولم نجد ما يناسبه , فخطف والدك نفسه لزيارتنا بعد ان أغلقت الأبواب في وجوهنا والوقت يداهمنا بسبب فصيلة دمه والتي تستقبل فقط متبرع من نفس الفصيلة........(O) .كان طبيب العائلة موكلاً بالبحث بالتفاصيل ولم نذكر يوماً نوع فصيلة دمه امام والدك....اقترح والدك ان نوسع نطاق بحثنا لبلاد مجاورة فأخذ معه نسخ من الملف الطبي وعاد ليستشير طبيباً في الوطن , تفاجأ انه نفس فصيلته وصمم على التبرع بكليته بعد ان اجرى عدة فحوصات ليتأكد من حالته الصحية.....نزلت كلماته بقراره هذا في اذني كالغريق الذي كان يلتقط اخر أنفاسه ليفارق الحياة وجاء من ينتشله ويسحبه الى بر الأمان في اللحظة الأخيرة..." تبسّم ومع بسمته فرّت دمعة امتنان من عينه وقال بصوت مخنوق: " كان والدك المنقذ لابني....لو فديته بحياتي لا اوفيه حقه " تأثرت بداية من حكايته لكن موقف ابي حملني من عالم الآلام الى عالم الآمال الجميلة...تنحنحت وسألت: " اين ابنك الان؟" أسبل عينيه ورد بنبرة حزينة: " كبر ابني امامي وهو بكامل الصحة حتى اتم الخامسة عشر عاماً...كنت وقتها في البلاد احارب مع والدك واصدقائنا الثوار..." قاطعته سائلاً: " هل كنت أيضا في صف الثوار؟؟" اومأ براسه مؤكدا وقال: " بعد ان نجحت عملية ابني انضممت لهم عندما رأيت شهامة والدك وانتصاراته في معاركه .....ويبقى الوطن وطني لو كنت بعيداً عنه.." تنهد يزفر أنفاسه وتابع : " اضطرت زوجتي للحاق بي مع ولديّ وقبل وصولهم المطار..." ابتلع غصة في حلقه وأكمل بصوت متحشرج: " تفجرت مركبتهم على يديّ جاسوس نذل يعمل لصالح الخونة....كان هذا بعد وفاة والدك بأسبوع.." ازدردت ريقي وقلت بصدمة : " كيف وصلوا لهم؟؟" صكّ على اسنانه وقال بقهر: " علموا انني ادعم الثوار ماديا وهددوني كثيرا لكني لم ابالي...وفي النهاية حققوا مرادهم الاوغاد.." اخفض رأسه وساد صمت رهيب ...كبح جماح نفسه واخرج صوته بصعوبة : "حتى اننا لم نستطع جمع اشلائهم" مسكين هذا الرجل كم عانى في حياته!!...من يرى مصائب غيره تهون عليه مصائبه!!....تعاطفت معه بسبب قصته وشعرت بالقرب منه لربما بسبب علاقته بأبي...نهضت من مكاني مقبلاً نحوه....جلست بجانبه لمواساته بعد رؤية الدموع التي كابد على اخفائها...ربتّ على كتفه برقة هامساً : " رحمهم الله يا عمي....شهداء بإذن الله...لا تحزن....هنيئاً لهم " التفت نحوي ...جاهد على رسم ابتسامة في زاوية فمه يجاملني برقيّ...وضع يده على ساقي قائلاً بصوت خافت : " اسأل الله ان يجمعني بهم " بعد دقائق صمت أشبه بالحداد على مآسينا التي نتبارز بها...عدت الى مكاني وسألت موجها كلامي للذي بجانبي : " ما دوري انا الآن؟" قال السيد(ماجد): " ستكون يامن إبراهيم الهاشمي..." أشار للمقابل لنا وأكمل: " أي السيد إبراهيم هو والدك من هذه اللحظة " سكتّ للحظة ثم قلت بحيرة : " لي الشرف بذلك لكن....لكن ما الفرق ان كان هو احد الثوار مع والدي واسمه معروف للأعداء ايضاً؟؟...لم لا احمل اسم والدي؟!" تبسم السيد(إبراهيم) وأجابني: " اسمي الحقيقي إبراهيم الهلالي أبا احمد...هذا ما كنت أُعرف به....الاعداء ظنوا انني دخلت مصحة نفسية بعد حزني على فقدان عائلتي فوثّقت ذلك لصالحي بعد ان وضعت اسمي بشكل رسمي في احدى مصحات البلد التي كنت بها...وبعد أربعة اشهر بعت كل املاكي هناك وجئت الى هنا لتنفيذ خطتنا مع صديقنا السيد سليم الأسمر..." صمت وحرّك راسه بشكل دائري مضيفاً: " اشتريت هذا القصر من حوالي ثلاث سنوات تقريباً...غيرت هيأتي ...كنت اقرب للسمنة فاتبعت نظام غذائي ورياضي...حلقت شعري على الصفر واطلقت ذقني ..ثم دخلت عالم رجال الأعمال باسم (إبراهيم الهاشمي أبا يامن ) جاهدت وبمساعدة السيد سليم حتى لمع اسمي في عالمهم ووصل البلاد المجاورة بفضل الله.." أنهى كلامه ليكمل السيد(ماجد) في تعليماته لي : " خلال فترة دراستك ستمكث معه بصفتك ابنه ومن هنا سنوجهك اولاً بأول , انا والسيد إبراهيم بمساعدة السيد سليم الأسمر عن بعد.." قاطعته قائلاً: " وأمي كيف ستتقبل بعدي عنها ؟" قال: " سنعلمها انك تمكث عند صديق اعطاك اسمه لحمايتك ليس اكثر.." اتفقنا على بركة الله على العودة الى هذا القصر في الأول من أيار لأبدأ بدراستي التمهيدية ... ~~~~~~~~~~~ " اراكَ سبقتني وما زال الوقت باكراً...ام غلبك الفضول ؟؟" هتفت مازحة بعد ان وصلت المقهى المتفق عليه صباح اليوم التالي... مستقلّة سيارة اجرة تمويهاً لزوج شقيقتها خوفاً من مراقبته لها.... حاول ان يخفي حرجه من جملتها الصريحة المباغتة له: " كان لي مشوار قريب وانهيته باكراً....نعم تفضلي " سحبت كرسياً تجلس محاذية له وهمست بضعف: " انا احتاج مساعدتك وأتمنى ان تثق بي!!" قال بتعجب: " تفضلي ان كنت استطيع..." قالت ناظرة لباب المقهى: " اصبر قليلاً...انا انتظر شخصاً اخراً.." ارتبك السيد(ماجد) ...لقد قلق من ان يكون هذا الشخص هو (عاصي) وهذا ما لم يحسب حسابه....صحيح انه هو مخفي عن الأنظار وغير مشهور شكلياً واسمياً ويعمل بسرية تامة ولن يستطع التعرف عليه ان واجهه ....الا ان مجرد تفكيره بان يرى الوغد امامه شعر باضطراب معدته... بعد قليل وصل الشخص المنتظر....صوب نظره متفاجئاً وقال : " سيده ايــــمان ...ماذا تفعلين هنا ؟" شهقت السيدة (ايمان) بعينين متسعتين سائلة باندهاش: " أبا لؤي!!...هل انت السيد ماجد المقصود؟!" تبسم قائلا بمرح بعد ان زال حمل جبال من الارتباك الذي مر به قبل قليل: " طبعاً وهل يوجد غيري؟!" ثم حرّك لها الكرسي لتجلس....اما السيدة(فاتن) كانت تشاهد بصمت مستغربة , مصدومة...لقد طلبت من صديقتها مساندتها بهذه المسألة ولم يخطر في بالها ولو بقدر ذرة انهما متقاربان لدرجة وكأنهما تناولا عشاءهما معا بالأمس ...رمشت تطرد اندهاشها وسالت بتردد: " انتما!!...منذ متى تعرفان بعضكما؟" واكملت مازحة: " يبدو ان لا حاجة لي بينكما.." ضحكا معاً واجابت صديقتها: " هذا أبا لؤي بشحمه ولحمه الذي يأتيني بالمعلومات السرية التي انشرها فيما يخص الوطن , ابطاله وخائنيه.." وضعت يدها على كتف صديقتها ثم تابعت وهي تنظر للسيد(ماجد): " فاتن صديقتي المقربة التي لها افضال كثيرة بدعم صحيفتنا مادياً وايضاً تسرب لي معلومات مهمة بسرية " كانت صدمة السيد(ماجد) من احتلت هذا اللقاء...فلم يتوقع بتاتاً ان تكون الصحفية الثائرة صديقة لاحد افراد عائلة (عاصي رضا).... بعد ان استجمع أفكاره خارجاً من صدمته سال بفضول السيدة(فاتن): " ما هو الأمر الذي جلبتني له؟؟" شدّت على فكيها وقالت بحقد يظهر بحدقتيها المرتجفتين : " اريد الانتقام من عاصي رضا...." شعر انه يبتلع كرة مع ريقه من ذهوله بعد ما سمع من تصريح مباشر....لكنه تظاهر بالهدوء قائلاً: " وما شأني انا بذلك؟" قالت بثقة: " أنت من الثوار...وانا احتاج مساعدة الثوار لكرههم له وكرهه لهم " أشهرت سبابتها بمرح مردفة: " لا يمكنك الانكار بانك لست منهم.....انا جمعت بعض المعلومات عنك وتأكدت من علاقتك بهم..." أشارت لصديقتها وتابعت بانتصار: " وها هو دليلٌ آخر...صلتك بصديقتي الداعمة الكبرى إعلاميا للثوار وشؤون اللاجئين.." عدّل جلسته...تنحنح وقال بصوت أجش: " ما هو سبب الانتقام؟" قالت: " شيءٌ خاص...اتركه لي" هبّ السيد(ماجد) من مكانه دافعاً كرسيه للخلف مغتاظاً قائلاً بنبرة قاطعة: " انتهى اللقاء!!" تدّخلت السيدة(ايمان) هامسة: " ارجوك أبا لؤي...اصبر قليلاً.." ثم التفتت الى السيدة(فاتن) تمسك يدها مضيفة: " وأنت يا فاتن كوني على ثقة به ولا تخفي شيئاً ليتسنّى له مساعدتك.." قاطعها بلباقة: " عذراً سيدة ايمان , انا لا اساعد شخصاً لا اثق به , ولكسب ثقتي شرطي هو الصدق والوضوح من غير تعتيم!!" أخرجت الصورتين من حقيبتها ووضعتهما امامه من غير أن تهمس حرفاً.....مسكهما وحدقّ بهما للحظات محاولا البحث في ثنايا ذاكرته لمن تكون!! ...استقام بجلسته متأهباً وهتف ضارباً ذراع الكرسي بقبضته: " القائد ياسين النجار رحمه الله!!" ثبّت نظره على السيدة(فاتن) سائلا باستغراب: " من اين لك هذه؟؟ كيف وصلتِ اليها؟" ضحكت السيدة (ايمان) واجابت عنها مشيرة اليها: " هو والدها....فاتن ياسين صبحي النجار" تناول كأس ماء كان امامه وشربه برشفةٍ واحدة وهمس باضطراب وتشوش: " لحظة....لحظة....انا لم استوعب بعد!!...كيف ومتى؟.....آه يا الهي ..ضعت...هل هو الشخص الذي ساعد عاصي رضا وزوجّه ابنته؟!!....لكن!!....لا ..لان زوجته تحمل كنية أخرى؟َ!....كيف وهي من المفروض ان تكون شقيقتك؟" رسمت ابتسامة مجيبة لتبدد ضياعه: " اختي سجلت باسم خالي علي عبّاس , لأن اهلي عند ولادتها وهبوها له ولزوجته لتكون ابنتهما بسبب حرمانهما من الأطفال....لكن شاء القدر اعطائهم ابناً بعد سنتين وعند بلوغهما لحرمة بقائها مع ابن خالها , اضطر خالي لإعادتها لابي وبقيت بالأوراق الرسمية تحت اسمه اهمالاً.." كان يصغي لها بملامح مبهمة.....هم يعلمون ان رجلاً شهماً زوّج (عاصي) من ابنته لكن ما خفي عنهم ان يكون احد قادة الثورات سابقاً وقدوتهم في الماضي ...بينما هو في حالته هذه , تنحنحت السيدة(ايمان) مبتسمة هامسة: " خذ وقتك لتستوعب أبا لؤي...فالصدمة الحقيقية لم تأتي بعد!!" تنهد بعمق ....حكّ عنقه وهو يتأمل الصورتين أمامه...أعاد ظهره للوراء يعدّل جلسته وقال بصوت جهوري بعد ان غلبه الفضول اكثر بمعرفة خبايا وأسرار انتقامها : " اخبريني قصتك .." يتبع.... سبحان الله , الحمد لله , لا اله الا الله , الله اكبر التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 30-10-21 الساعة 11:40 PM | |||||
30-10-21, 02:28 AM | #70 | |||||||||||
نجم روايتي
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 4 والزوار 4) موضى و راكان, ألحان الربيع, Moon roro, Nana96 آه منك يا ألحان قطعتى الفصل فى جزء مهم و لسوف نظل معلقين للغد حتى نعرف الحكاية من بدايتها تسلمى يا جميلة | |||||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|