آخر 10 مشاركات
زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          [تحميل] من عقب يُتمها صرت أبوها،للكاتبة/ حروف خرساء "سعودية" ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          أمير ليلى -ج1 من سلسلة حكايا القلوب- للمبدعة: سُلافه الشرقاوي *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          307 - اذا كنت تجرؤ ! - كارول مورتيمر (الكاتـب : سيرينا - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree500Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-07-22, 11:10 PM   #11

دمعه سحاب

? العضوٌ??? » 364904
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 321
?  نُقآطِيْ » دمعه سحاب is on a distinguished road
افتراضي


السلام عليكم قرأت المقدمه شكلنا موعودين بروايه رائعه مبروك ❤

دمعه سحاب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-07-22, 09:23 PM   #12

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mon abdou مشاهدة المشاركة
كل عام وانتم بخير يارب
وانتِ بصحة وسلامة ❤❤❤


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دمعه سحاب مشاهدة المشاركة
السلام عليكم قرأت المقدمه شكلنا موعودين بروايه رائعه مبروك ❤

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إن شاء الله، بعون الله ثم دعمكم ❤❤❤
شكرا لك 🤍


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 11:20 PM   #13

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

قبل بدء الرواية
أرغب بالتنويه على عدة نقاط مهمة


1- إحدى الشخصيات الرئيسة أحداث قصتها مكملة لقصتها في روايتي السابقة ( قيلولة القمر ).
مع ذلك قراءة ( تحت الرماد ) لا تستدعي قراءة سابقتها.
المواقف المهمة لهذه الشخصية من الماضي ومن الرواية السابقة سيتم ذكرها باختصار لكن بطريقة واضحة جدا بإذن الله.


2- أحداث الرواية واقعة بين منطقتين جغرافيتين، إحداها عربية والأخرى أجنبية.. لذا سيكون هناك تنوع كبير بين الشخصيات، وعادات مختلفة تميز من بالغرب عن الذين في الشرق.
حتى وإن كانت تلك الشخصيات مسلمة وعربية.
إن كانت هناك شخصية غير ملتزمة من أي ناحية كانت، سواء دينية أو اجتماعية أو غير ذلك.. هذا لا يعني أنني أشجع تلك العادات أو هي عادية بالنسبة لي، مطلقا..
من قرأ لي أي رواية قبل هذه، سيعرف أنني أوضّح وجهة نظري، أو الصواب من الخطأ فيما يخص كل شخصية من شخصيات روايتي.
رغبتُ بتوضيح هذا في البداية حتى لا يكونُ هناك حكم مسبق، أو يأخذ أحدكم نظرة خاطئة عن الرواية وكاتبتها.

أميل للكتابة بشكل واقعي، وفي الواقع ليس هناك أشخاص منزهين تماما ولا يقعون في الخطأ.
والسبب الثاني، وصلتني بعض الرسائل من بعض الأخوات تخبرنني فيها أن كتابة مثل هذه الأشياء قد تنفر القارئات عني، بالرغم من انه لم يسبق لي أن تركت خطأ دون توضيح الصواب، ولم أكتب شيئا جريئا أو مخلا للآداب، أو تركتُ مشكلة وعقدة دون حل.
لذا.. اطمئنوا لن تروا ما لن يعجبكم بإذن الله.


أترككم مع الفصلين، الأول والثاني.



التعديل الأخير تم بواسطة MeEm.M ; 13-07-22 الساعة 11:54 PM
MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 11:23 PM   #14

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا حول ولا قوة الا بالله.


( الفصل الأول )

____



على سفوح أحد الجبال الخضراء، وفي القمة.. تقف وهي تفرد يديها كأنها تستقبل هذا الهواء المنعش والصافي، بل كأنها ترغب بدفن هذا الجمال الساحر بداخل صدرها.
حيث منظر الغروب الخيالي أمام عيناها، والسماء المتحولة لونها إلى البرتقالي.. وأمامها تحت الجبال.. الكثير من الغابات ذات مناظر تسرّ الناظرين.
انتبهت من شرودها على صوته العميق والدافئ:
- إيش رايك، المنظر يستحق كاعتذار حقيقي؟
نظرت إليه بطرف عينها، تكبت ابتسامتها من شعورها بالرضا، سألت:
- ليش جبتني هنا؟ وكيف تعرف هالمكان؟
جلس أوس مرتكزا بذراعيه على الأرض، ممددا قدميه وعينيه على منظر غروب الشمس:
- حسيت انك تبغين تهربين صدق، وأنك ما استمعتِ كفاية بسببي عشان كذا حبيت أوريك هالمنظر الساحر، هذا مكاني المفضل من صغري، إيش رايك؟
جلست هانا بنفس الطريقة التي جلس بها، تهزّ رأسها بإيجاب:
- مو سيء.
اكتفى أوس بابتسامة هادئة وهو يتأمل وجهها، قبل أن يجفل وشيء ما يسقط عليه.
رفع رأسه نحو مارثا التي أسقطت تلك الأشياء:
- أيها الخادم الوقح، من سمح لك بالجلوس مع السيدة وجعلي أخدمكما بمفردي؟
أمسك بكفها وجذبها حتى سقطت جالسة بجانبه.
أحاط جسدها الصغير بذراعه وأراح رأسها على كتفه:
- لا تفعلي شيئا الآن، فقط تأملي هذا المنظر معنا.
التفتت هانا بوجهها ناحيتهما، تبتسم ابتسامة تعبر عن ألمها.
تغبطهما بشدة!
تغبط علاقتهما الرائعة والتي لم تحظى بمثلها يوما قط، ولن تحظى بالتأكيد وقد رضيَت بهذه الحياة الغريبة والمتعبة.
- أنا جائعة.
قالتها وأخذت علبة بسكويت، فتحتها وأخذت تأكل.. قبل أن يمدّ إليها أوس كوب قهوة سريعة التحضير حضّرها للتو.
كانت قهوتها المفضّلة، أغمضت عيناها وهي تستنشق بخارها وتشمّ رائحتها الزكية.. لا تستمتع إلا إن فعلَت ذلك.
وتستلذّ بشرب تلك القهوة، لا يهمها كلام أصحاب المزاج الرائق الذين يعاملون قهوتهم السوداء وكأنه مشرب منزّل من الله، ليستمتع كل واحد بما يناسبه.
غابت الشمس أخيرا، وبدأ الظلام ينتشر.
نهضا من مكانهما وحملا أكياس الوجبات الخفيفة التي اشتراها أوس من متجر أسفل الجبل.
أما هانا فكانت شبه مغيبة عن الواقع وهي لا زالت تتأمل السماء، الذي صار يتغير لونه أكثر فأكثر حتى بات كلوحة فنية متحركة.

رفعت رأسها إليه حين وقف أمامها يتحدث بتردد بعد بضع دقائق:
- هيا هانا، نرجع البيت.
رفعت حاجبها باستغراب؛
- ليش؟ مو اتفقنا نشوي ونقعد لين الليل؟
حكّ رأسه بارتباك:
- ايه المفروض، بس.. اتصل يدور عليك.
اتسعت عيناها من الصدمة والمفاجأة وهي تنهض، تنظر إليه بغير تصديق وتبتلع ريقها:
- ليش؟ اليوم مو يومي أوس؟
أوس بضيق:
- أعتقد إيما مشغولة أو مو موجودة في البيت، كان قريب من عندنا عشان كذا قرر يجيك.. هيا هانا، لا نتأخر ويعصب.
تحرك أوس متجها إلى السيارة حيث تنتظرهما مارثا بعد أن رتبت كل شيء.
استدار مستغربا حين شعر بأنها لا تتبعه.
لا زالت واقفة في مكانها بالفعل.
آلمه قلبه وهو يرى تلك الملامح، ودون أن يشعر وجد نفسه يعود إليها.. سألها بحنية:
- ليش تكرهي جيته هالقد؟ آذاك؟
هزّت رأسها نفيا وقد انحدرت من عينها دمعة يتيمة، قائلة بالألمانية:
- لا، لكنني.. لا أطيق قربه أوس، أمقته بشدة.
لانت ملامحه وهو يشعر بقلبه يتحطم تماما وينكسر.
كل ما رغب به في تلك اللحظة أن يبعد تلك السحابة القاتمة من فوق رأسها، أن يمسح دموعها ويريح قلبها.
ولكنها لم تمنحه حتى فرصة التفكير حين ابتعدت عنه وهي ترفع سبابتها وتمسح الدمعة العالقة بطرف عينها.
ركبت السيارة وتبعها هو بصمت.
قاد السيارة مجددا.
وطوال الوقت كانت هي تلتزم الصمت وتتأمل الطريق بذهن شارد، بينما مارثا الثرثارة لم تصمت ثانية واحدة حتى وصلوا إلى القصر.

- مارثا دعي الأخريات يساعدنك في حمل الأكياس إلى غرفتي حالا، لا أريد لثيابي أن تتجعد.
- يا لها من مغرورة، تتغير فور أن يأتي السيد إلى المنزل، كأنها تريد اخبارنا غصبا وكل مرة أنها حظيت بالجائزة الكبرى!
قالتها بحنق بعد أن دخلت هانا إلى القصر، ليضربها أوس بخفة على رأسها قائلا بحدة:
- اصمتي مارثا ما هذا الكلام الفارغ؟ هذا عملك هنا وهي سيدة البيت رضيتِ أم أبيتِ.. يا لك من جاحدة، اشتريتِ للتو كل ما أردتِ وبمالها الخاص، كيف تجرئين على التحدث عنها هكذا!
أخفضت مارثا بصرها بإحراج، قبل أن تمدّ شفتيها ثم تتجه إلى مسكن العاملات.
أما هو فوقف مستندا بظهره إلى السيارة، وقد تعلقت عيناه بنافذة جناحها.. يتمنى من قلبه ألّا تضطر لفعل ما لا تحب!



أما هي…

فقد صعدت إلى جناحها المنفصل عن باقي أجزاء القصر بخطوات متثاقلة، تحاول جاهدة أن تجعل مظهرها طبيعيا.
تحاول أن تخفي آثار بكاءها حتى وإن كان خفيفا، فقد جعل وجهها محمرا للغاية!
وقفت أمام المرآة الموجودة قبل مدخل الجناح، مسحت وجهها بباطن كفيها بقوة ثم اصلحت شعرها القصير قبل أن ترسم ابتسامة واسعة مزيفة وهي تتقدم وتدخل.
ضاق صدرها، بل ضاقت بها الأرض وهي تراه أمام عيناها مباشرة.. عاري الصدر، يربط حول خصره فوطة قطنية.. يمسح بأخرى صغيرة شعره المبلل.
ابتلعت ريقها بتوتر وهي تخفض انظارها وتخلع حذائها، حين سألها:
- هل ذهبتِ للتسوق؟
- نعم، لم تخبرني بمجيئك لذا خرجتُ اليوم.
اقترب منها، ودون أي مقدمات أمسك بكتفيها برقة.. قبل أن يجذبها إلى صدره.. ثم يبدأ بتقبيلها:
- لحسن الحظ أن إيما ليست متفرغة من أجلي اليوم، وأنا اشتقتُ اليك كثيرا.. لذا قررتُ أن أستغل الفرصة ولا أضيعها.
ابتسمت هانا بتصنع وهي تبادله دون أدنى رغبة، بل مجاراة له ليس أكثر!
كل ما تعمّق هو أكثر، كل ما شعرت بالاشمئزاز.. كل ما كرهت نفسها أكثر.
إلا انها كانت مجبرة، حتى غابت عن الواقع وهي بين أحضان هذا الرجل الذي تبغضه بشدة!

_____

السعودية - الرياض

كانت الحكاية مختلفة تماما من وجهة نظرها، هذا ما لا يعرفه ثائر.
تظن أنها تتعرض للظلم، بل متأكدة من ذلك.
أدركت أنه كان غاضبا منها حين غادر منزلهم وخرج.
ليتها تمكنت من إيقافه وشرح الأمر له، توضيح مقصدها.
لكنها لم تتمكن.. كما يحصل دائما.
تجلس على سريرها يغشاها الضيق، السرير الذي يواجه المرآة بالتمام.
حيث سقطت عيناها وظلت تتأمل وجهها، يدور في بالها ذات التساؤل.. هل يحبها ثائر فعلا، وإن كان يحبها فعلا فلِمَ؟ مالذي قد يدفعه لحب فتاة بشعة مثلها؟ أهي الشفقة فعلا كما يقولون!!
هل هي بشعة فعلا كما ترى نفسها؟
ام أنها جميلة، كما يخبرها هو على الدوام.. وكما يُخبرها الجميع؟
تكره شعرها الغجري الكثيف بلونه البني الداكن، لون بشرتها الحنطي، عيناها الملونتان.. والمختلفتان عن بعضهما، اليُمنى خضراء.. واليُسرى زرقاء، ثم بالتأكيد.. تُبغِض وبشدة..
جانب وجهها الأيمن، أبشع ما بها على الإطلاق.
بالرغم من كل هذا، لا زال يعاملها بلطف، لا زال يهتم بها كما لو أنه يحبها حدّ الموت، دون أن يصرّح بهذا الأمر بلسانه.
أخفضت أعيناها حيث هاتفها بحجرها، مترددة للغاية.. ترغب بالإتصال به.
إخباره بمكنون قلبها، مصارحته بالحقيقة.. حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى إفساد الأمر تماما، لن تمانع بعد الآن.
طالما أنه سيتفهمها، ولن يكرهها أكثر.
ازدردت ريقها مرارا وتكرارا تحاول تهدئة نفسها، ترفع قبضة يدها وتضرب بها أعلى صدرها حيث تشعر بالاختناق كما لو أنها متخمة وتعاني من عسر الهضم.
بينما هي لم تأكل شيئا منذ الصباح سوى بضع حبات من الكرز حين أتاها ثائر.
أغمضت عيناها وهي تضغط على زر الاتصال، تعضّ ظفر إبهامها بتوتر.
قبل أن تتسع تلك العينين بصدمة لمّا توقف الرنين ولم يجيب عليها!
تسارعت أنفاسها وهي تنهض، تسير بداخل الحجرة يمنة ويسرة وهي تعيد الإتصال وكأنما حلّت بها مصيبة عظمى!
دون أن تشعر أدمعت عيناها، وصارت تحرك شعرها ذات اليمين والشمال بتوتر وارتباك لا داعي لهما.
حتى سقطت على الأرض جالسة بعد أن اعادت الاتصال أكثر من 10 مرات ولم يجيب على الإطلاق.
استلقت على الأرض بوهن، تمسك بالهاتف بقوة.. وتغطي بذارعها اليمنى عيناها وهي تبكي بخوف.
قبل أن تغطّ في النوم وهي على وضعها.
وهناك، في نومها الغير مريح أبدا.. راودها حلم رائع للغاية.
حلم ودّت لو كان واقعا لا حلماً!
شعرت بأنها وإياه بداخل ذلك الحلم، تتوسد حضنه الدافئ.. ويده تربت على ظهرها، تمسح على شعرها بحنان ولطف بالغان، أنفاسه تمرّ عبرعنقها.
وترفع هي يدها تتمسك بقميصه من الخلف تقبض عليه بشدة حتى برزت عروقها الخضراء، تهمس بنبرة مليئة بالحزن، والرجاء:
- لا تتركني ثائر، لا تكرهني!

____

ألمانيا - الريف

تقف عند نافذة المطبخ، عيناها المشتعلتان والغاضبتان لا تبرحان أوس الذي ظلّ جالسا في مكانه مُذ أن صعدت هانا إلى حجرتها.
الغضب واضح جليّا بعينيه، الغضب والإحباط!
انتبهت من شرودها على صوت إحدى الفتيات العاملات معها:
- مارثا، أرى أنكم جلبتم الكثير.. أعني ما سنحتاجه لجلسة الشواء التي كنا نخطط لها من قبل، ما رأيك؟ هل نفعل ذلك الآن؟
مارثا بعد أن عادت تنظر إلى أوس:
- حسنا، سأتحدث إلى السيدة.
خرجت من المطبخ ووقفت أمام أوس، وغضبها يزداد حين رأت وجهه محمرا للغاية، متأثر بالجو البارد، ومن مشاعره أيضا بالتأكيد.
رفع رأسه مستغربا حين غطته بظلها، وتعجب أكثر من تعابير وجهها:
- ماذا هناك؟
- الفتيات يرغبن بالجلوس هنا والشواء، لدينا كل شيء.
- وما دخلي أنا؟ افعلن ما ترغبنَ به.
- حسنا، جهز كل شيء.. ونحن سنعدّ اللحم.

بدا أنه لم يستمع إليها، حين تعلقت عينيه بمن خرج من القصر وركب سيارته، ثم انطلق بها مبتعدا.
ازداد احمرار وجهه وهو ينهض ويتتبع السيار ة بعينيه بغضب.
الأحمق.. كيف له أن يفعل ذلك؟
يأتي متى ما أراد، ثم يغادر بعد أن يفعل ما يرغب به!
لا يحاول حتى أن يقرّب تلك المسكينة إليه، أن يجلس معها يتحدث إليها كأي زوجين!
صاحت به مارثا بغضب وهي تفهم نظراته تماما وما تعنيه:
- ألَن تعود إلى صوابك؟ أوس!
نظر إليها متعجبا ومجفلا من صراخها:
- ماذا تعنين؟
- ماذا أعني؟ حقا لا تعرف ماذا أعني؟ تخلص منها أوس، جميعها!
- تحدثي بوضوح مارثا لستُ صبورا كما تعلمين.
- مشاعرك المريضة، تخلص منها فورا.. كما تعلم، حياتنا ليست ملكنا، إن وضعتَ عينيك فيما ليس لك ستموت، وسألحقك أنا! هي أيضا ربما.
انصدم أوس تماما مما قالته.
متى علمت مارثا؟ وكيف؟ أم أن الأمر واضحا للغاية!
لم يعلم بمَ يرد عليها، ما جعل مارثا تكمل كلامها:
- حتى لو لم نكن بهذا الوضع، ولم تكن هي سيدتنا.. تعلم طبيعة علاقتنا بالفعل، وما سيحصل إن اكتشفت الحقيقة، هل لا زلتَ ترغب بالمواصلة؟ أجبني.
تنهد أوس بضيق وعيناه تتجهان نحو الباب الرئيسي مجددا:
- اذهبي، ساعدي الفتيات سأحضر المعدّات.
التفتت مارثا إلى حيث ينظر أوس، لتجد هانا وهي تتجه ناحيتهما.. تحيط جسدها النحيل بشال صوفي كبير.. تبتسم تلك الإبتسامة المستفزة، البريئة!
أدمعت عينا مارثا من شدة الغضب، وهي تبتعد عن أوس وتعود إلى المطبخ بخطواتها القوية والغاضبة.
سألت هانا حين وقفت أمام أوس وعيناها على مارثا:
- ما بها؟ هل تشاجرتما؟
أوس وعيناه تفحصان وجهها، يتحدث بلغته التي لا يرتاح بالحديث بها إلا معها:
- لا، تجادلنا شوي.
أكمل بعد أن تنهد مجددا:
- البنات يبغون يشوون اللحم اللي جبناه معانا، إيش رايك؟
- صدق؟ كويس لأني حسيت بإحباط لما اضطريت أرجع.. بساعدك.
تبعها بصمت، ثم بدآ بتحضير ما يلزم للشواء.. دون أن يفتح أي أحد منهما فمه بأي كلمة.
حتى خرجت الفتيات وجهزن الجلسة.
جلست معهم هانا، تستمع إلى أحاديثهم وتضحك معهم.. تشاركهم ببضع كلمات كما لو أنها لم تكن محبطة على الإطلاق.
لم تتحرك عينا أوس من عليها بالرغم من أنه كان بمفرده منشغلا بالشواء.
كما لم تتحرك عينا مارثا الغاضبة من عليه!
انتبهت هانا إلى أوس، تعجبت من تعابيره الغاضبة، حاجبيه المرفوعين ونظراته الحادة!
نهضت وهي تبتسم وتقترب منه:
- أساعدك؟
نظر إلى يدها الممتدة ناحيته وهي تطلب ما بيده.
ليرميه جانبا بغضب ثم يمسك بتلك الذراع الممتدة، يقول بصوت عالي:
- مارثا.. انتبهي للحم لديّ ما أقوله للسيدة.
لم يعطي أيّ منهما فرصة للحديث، لا هانا أو مارثا.
حين سحبها واتجه بها إلى أبعد ركن عن أنظار البنات.
نهضت مارثا مرغمة، تحارب الدموع بعينيها حتى لا تفضح أمر أوس أمام الفتيات.

سحبت هانا يدها بغضب بعد أن توقف:
- ما بك؟ مالذي فعلته للتو؟
أغمض أوس عيناه وهو يضع إحدى يديه على خصره، يرفع بالثانية شعره بنفاذ صبر:
- كيف تضحكين؟ ليش تضحكين أصلا؟
هانا بتعجب:
- وليش ما أضحك؟
- ليش تتظاهرين؟ إذا كنتِ زعلانة ليش تكتمين هالشيء في نفسك؟
- مين قال لك إني زعلانة؟ صحيح إني كنت متضايقة بس خلاص الحين ما فيني شيء.. لحظة، لا يكون تتصرف بهالطريقة عشان الكلام اللي قلته واحنا على الجبل؟
ابتسمت بسخرية وغير تصديق حين تأكدت من ذلك من نظراته الغاضبة:
- الواحد ما يتكلم حتى بالغلط قدامك عشان تمسك عليه؟ ترى ما كنت أقصد.. المكان كان عاجبني وما كنت حابة أرجع على أطول عشان كذا قلت اللي قلته، هل لازم تحاسبني على مجرد كلمة؟
أوس بعد هدوء وصمت قاتل:
- ما كانت مجرد كلمة هانا، اللي انقالت وعيونك مليانة دموع، والألم واضح بوجهك.. ما كانت مجرد كلمة حتى أتجاهلها، هانا.. انتِ مو مبسوطة، لاتحاولي تخدعينا، لا تخدعيني أنا على الأقل.
ابتلعت هانا ريقها بصعوبة وهي تبعد أنظارها عنه، تحاول اخفاء وجهها حتى يكفّ عن قراءتها.. وهي تقول بصوت منخفض:
- اجل اعتبر اني ما قلتها، تجاهلها لأني مبسوطة وماني بحاجة لتقييمك لحياتي.. وشفقتك عليّ.
ابتعدت بخطوات سريعة وعادت إلى الجلسة تحت أنظار مارثا التي لم تحيد عنها أبدا، حتى عاد أوس وسحب منها المِلقط حتى يكمل.
وهذه المرة لم يلتفت أبدا، حتى انتهى من شواء جميع اللحم ودخل دون أن يتناول لقمة واحدة.
وضحكات هانا العالية ترنّ بأذنه، تعذب فؤاده.. كونه يعلم أنها لا زالت تتظاهر وتدّعي، بل صارت تضحك أكثر كأنها ترغب باستفزازه أكثر!


______



ألمانيا - المنتجع



وجه كأنه البدر في تمامه، يلفّه حجاب ورديّ اللون.. جعل بياضها الناصع يبرز أكثر وينير وجهها!
ابتسامة رائعة للغاية، وعينان باسمتان كذلك.. لا يستطيع وصف جمالها.
كل تلك الأشياء جعلت نبضات قلبه تتوقف حين اقتربت ووضعت صينية الطعام أمامه ثم تحدثت بصوت هادئ ساحر:
- لا بدّ من أنك جائع، سمعت أن طعام المنتجع لا يروقك كثيرا لذا تضطر للذهاب إلى وسط المدينة لتأكل، أحببتُ أن أذيقك طعامنا الخاص ربما تغيرّ رأيك وتوفر مال وقود السيارة.
أكملت وهي تضحك بخجل:
- ليس من الذوق أن نجعل ضيفنا يتكبد كل هذا العناء بينما نستطيع ضيافته جيدا.
احمرّ وجهها خجلا من صمته، عيناه المتسعتان والمصوبّتان عليها، فمه الفاغر بذهول تام.
انتبه إلى نفسه وتنحنح وهو يعدّل جلسته على المقعد وهزّ رأسه ببلاهة.. قبل أن يسأل:
- من انتِ؟
- ابنة المتوفاة سعاد رحمها الله، اسمي لينا.
تأملها مجددا وهو يذكر الله بداخله.
حينها أكملت هي:
- أرغب بالإعتذار نيابة عن أختي، رأيتها تصرخ بك قبل قليل.. اعذرها لطفا، فهي ليست بحال جيدة مُذ أن توفت والدتي، فهي الكبرى بيننا، بين ليلة وضحاها أصبحت مسؤولة عنا جميعا، وعن هذا المنتجع الكبير.
- ألا تتحدثين العربية؟ أجد صعوبة في فهم ما تقولين.
تأففت لينا ونفخت الهواء من فمها بعفوية:
- تكلمت كثير بدون فايدة!
ضحك وهو يهزّ رأسه:
- قاعدة تدخلين مليون كلمة ألمانية وكم كلمة انجليزية ومتوقعة اني بفهمك! بس ما عليك فهمت المضمون، تعتذرين عن أختك! خليها هي تعتذر بنفسها.
لينا بإحباط:
- أرجوك لا تكون كذا، انت ما تعرف بإيش قاعدة تمر هي، أو كلنا..
قاطعها:
- ما هو عذر حتى تكون وقحة مع شخص غريب، أو بالأصح.. صاحب المكان اللي ساكنة وقاعدة تشتغل فيه! قطعت مشوار من الرياض لهنا تارك وراي حياتي، عشان أسمح لها تكلمني بهالطريقة كأني آذيتها!
استغربت لينا من اندفاعه بتلك الطريقة، لم تتوقع ذلك.. إلا انها تفهمته:
- معك حق، و..... بخليك تاكل.
ابتعدت مغادرة بخطوات سريعة دون أن تترك له الفرصة قول شيء آخر.
تتبعها هو بعينيه، والذهول لا زال يتملكه.
كيف لشقيقتين أن تكونا مختلفتين إلى هذا الحد!
الأولى في قمة الوقاحة، والثانية في قمة الأدب!
أيضا.. كيف لبشرية مثلها مثله أن تكون بهذا الجمال؟ سبحان من خلقها.








يتبع..



التعديل الأخير تم بواسطة MeEm.M ; 13-07-22 الساعة 11:52 PM
MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-22, 11:51 PM   #15

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

دخلت لينا إلى المنزل وخلعت حجابها والضيق يجتاح صدرها.
دلفت بعد ذلك إلى المطبخ على الفور وبدأت تحضّر طعام شقيقاتها.
ميرا التي خرجت للإشراف على الموظفين وستعود متعبة وجائعة بالتأكيد، والصغيرة ليا التي ترفض تناول الطعام منذ اليوم الذي توفت به والدتهم.
حين انتهت جلست على المقعد ورفعت هاتفها تتصل بميرا، أجابت الأخرى قائلة انها لن تأكل.
نهضت وهي تتأفف، حسبت حسابها بالفعل، هل كانت ستموت إن أخبرتها باكرا؟
فتحت باب حجرة الصغيرة بعد أن طرقت عليه بلطف، وأدخلت رأسها مسبقا:
- هل تسمحين لي بالدخول؟ ليا؟
لم تجِبها، بل ظلّـت على وضعها تتأمل السقف بصمت، بعينين خاويتين فارغتين.
وكأنها لم تسمع شيئا.
اقتربت منها لينا وجلست على طرف السرير، زفرت أنفاسها بضيق.
هذه الفتاة الصغيرة المهووسة بالإعتناء ببشرتها، ولم ترَ بها يوما أي شائبة.. صارت شاحبة وجافة للغاية، تحيط بعينيها الهالات التي لم تتوقع يوما أن تكون بها!
حتى شفتيها تبدو متيبسة!
ليا لا تتحدث العربية مطلقا، بعكسها هي وشقيقاتها اللاتي تكبرنها.
كونها الوحيدة التي ولدت على هذه الأرض الغريبة.
- حتى متى ستظلين على هذه الحال؟ ألن تنهضي وتأكلي شيء؟
- أكلت لوح شوكولاتة وجدته في خزانتي.
- مرّت أربع أيام بالفعل، هل اكتفيتِ به فقط؟ ستموتين إن استمررتِ على هذا الحال.
- دعيني أموت، ماذا هناك لأعيش من أجله على أي حال!
لينا بانزعاج:
- استغفري ربك ليا، ما هذا الكلام؟ انهضي حالا وتناولي الطعام معي، بضع ملاعق فقط.. أرجوك.
- اتركيني لينا، لا أريد.
نهضت لينا بغضب:
- يكفي عناد ليا، لما تفعلين بي هذا؟ هل ستعود أمي إن عاندتني وامتنعتِ عن الطعام؟ هل تتوقعين إن أمي ستكون راضية ومرتاحة في قبرها إن فعلتِ هذا؟
نهضت الأخرى بغضب يفوق غضب لينا بكثير وصاحت بها:
- اصمتي.. تتحدثين وكأنك تعلمين مالذي ترغب به أمي ومالذي سيريحها، إن رغِبَتْ براحتي فعلا لم تفضّل الموت علينا.
اتسعت عينا لينا بصدمة وتعجب مما تفوهت به ليا:!
- ليا، ماذا تقولين؟ هل أنتِ بكامل قواكِ العقلية؟
- نعم، أنا بكامل قواي.......
قاطعتها لينا بحدة:
- إياكِ أن تكملي، أنتِ لستِ طفلة تجهلين حقيقة أن الموت قضاء وقدر، يكفي أحاديث لا فائدة منها، انهضي وتناولي الطعام.
التزمت ليا الصمت لبضع ثوانِ قبل أن تقول وهي تبتسم بسخرية:
- لمَ لا تصبحين مثل ميرا وتتركيني وحسب؟ أخبرتني أن أموت وألحق بأمي لأنها لن تكون قادرة على تحمل مسؤوليتي، لا تريد أن تهتم بي كمافعلت أمي.
خنقتها العبرة وهي تبعد أنظارها عن وجه ليا الحزين جدا، والتي أكملت بنبرة مليئة بالألم والحزن:
- أنا خائفة لينا، لا أعلم كيف سأستمر بالعيش بدون أمي، سأموت فعلا.
- وأين أنا؟
- أنتِ لن تهتمي بي، ستنشغلين بدراستك مجددا.. سأُترك بمفردي هنا مع ميرا.
- ميرا أختك الكبرى ليست وحش، لن تؤذيك.....
- طلبت مني أن أموت إن رغبتُ بذلك، حتى انها خرجت منذ الصباح لتعمل.. عبدة المال تلك....
- ميرا أيضا تعاني مثلك، هي أيضا تفتقد والدتي.. لذا بالتأكيد لم تقصد ما قالت.
وقفت ليا غاضبة، ودفعت لينا حتى أخرجتها من الحجرة:
- انتِ لن تفهمي شيئا على أي حال، لن تتفهمي وضعي لا أنتِ ولا ميرا، كلتاكما تملكان قلوبا متحجرة، كيف لما تذرفا حتى دمعة واحدة! اغربي عن وجهي، سأموت حالا.

أغلقت الباب ثم أقفلته بالمفتاح على الفور.
صارت لينا تطرقه بقوة خوفا من أن تؤذي تلك الحمقاء نفسها، لكن محاولاتها باءت بالفشل.
استسلمت وعادت إلى المطبخ متعبة ومرهقة، جلست على مقعدها تمرر عيناها على الطعام تعض شفاهها تحاول منع نفسها عن البكاء.
ليا محقة، لن تتمكن من فهمها أبدا، حتى وإن حاولت بكل ما لديها من جهد.
الأوقات التي قضتها هي مع والدتها قليلة جدا، ولا تُقارن بما عاشته ليا معها، أو حتى ميرا.
إلا ان ذلك لا يعني انها ليست حزينة، أو انها لم تبكي!
بل على العكس تماما، تشعر بفؤادها يتمزق وقلبها يموت ببطء.
الألم أكبر من قدرتها على التحمل، لكن عيناها تأبى البكاء.. تأبى إخراج خزان الدموع المحبوسة بداخلها.
في البداية، لم تبكي حتى تتمكن من مواساة ميرا التي كانت برفقتها هي ووالدتها في المستشفى، وما إن سمعت النبأ من الطبيب حتى انهارت على الفور وأحدثت ضجة هناك.
وحين عادت إلى المنزل منعت نفسها مجددا من أجل ليا، حتى تجد تلك الصغيرة من تبكي على كتفه براحة.
ولكن الصدمة أن ميرا أيضا لم تبكي، بل تحولت إلى كائن آخر.. لفّت حول نفسها قشرا صلبا، وحصنا منيعا.
منعت الضعف أن يتسلل إليها، ومنها!
فأصبح حبيسا بداخلها.. وربما اتخذت الهجوم والتحدث بقسوة أسلوبا جديدا لتحمي نفسها بعد أن تُركت وحيدة أمام كل هذه المسؤولية التي ربما لن يتمكن حتى الرجال من تحملها بمفرده!

_______

صباح كئيب آخر.. تشعر فيه بالفراش تحتها خشن للغاية، كاد يصبح ذات أشواك تنخر عظامها وتخدش جلدها الرقيق.
السماء الواضحة جدا من النافذة الواسعة، تراها رمادية.
كل شيء حولها بلا لون، بلا حياة.
لا تعلم منذ متى بدأت تفقد كل تلك الأشياء، منذ متى أصبحت تسير في الأرجاء بلا هدى.
حتى وجدته، فأصبح الأمر أهون عليها بكثير.
ذلك الذي يقف على الشرفة مستندا بذراعيه على الحديد، يشرب قهوته الصباحية، يتأمل الشارع الذي يضج بالسيارات، والأرصفة المليئة بالمارة،إضافة إلى بعض الطاولات العشوائية أمام المتاجر.
يبدو مستمتعا للغاية، تعرفه جيدا.. تعلم أنه يحاول الاستمتاع بكل شيء في الحياة.
بما في ذلك.. زوجته الأخرى!
حتى هذه اللحظة، تشعر بنار تحرق صدرها.
كيف تمكن من فعل ذلك بها؟
تعلم أنها كانت مخطئة حين خرجت من المنزل دون اذنه، وله الحق.. كل الحق في ان يغضب بعد اتصل بها مرارا ولم يتمكن من الوصول إليها.
لكن ما ليس من حقه، أن يذهب إلى زوجته الثانية، ثم يعود إليها حاملا في جسده الكثير من عبقها، كأنه يتعمد إغاظتها!
رفعت جسدها الثقيل وهي تشعر بالوهن في كل أجزاء جسدها، وقدميها متصلبتين بسبب نومها الطويل.
نزلت من السرير واتجهت نحوه بخطوات بطيئة، ترفع شعرها الأمامي ثم تقترب منه، بعد أن جاهدت لترسم ابتسامة باهتة.. تقف بالقرب منه، تتحدث بنبرة اتضح بها العتاب والغضب، رغما عنها:!
- متى عدت؟ انتظرتك طويلا.
عدم اجابته على الفور جعلها تتأكد من انه يبحث عن أي كلمة يجرحها بها، ارتشف شيئا من قهوته ثم أجاب بنبرة فاترة للغاية:
- هل كان الإنتظار هو الصعب؟ أم عدم اجابتي على اتصالاتك؟
- بل رائحة ثوبك الذي وضعته بجانبي.. وشممتها حين استيقظت.

شعرت بحرارة أعلى رأسها وهي تحاول مقاومة الدموع ومنعها من النزول، حين سأل وهو يلتفت إليها رافعا أحد حاجبيه:
- هل ستلومينني على ذلك؟ أنتِ غير معقولة.
- لن ألومك، ولكنني لن أسامحك إن فعلت ذلك مجددا.. ليس وكأنني حاولتُ منعك عنها، ولكن ليلة أمس، كانت ليلتي أنا، كيف تمكنت من الذهاب إليها والبقاء برفقتها طوال الليل؟
وضع كوب قهوته جانبا وأمسك بكتفيها وهو ينظر إليها بحدة:
- عدت، عدتُ إلى المنزل مساء الأمس وأنا مرهق ومتعب من العمل، ولكنني لم أجدك، كان المنزل فارغا كما هو العادة في تلك الفترة، أنتِ تعلمين مايعني لي المنزل الفارغ إيما.
أكمل بنبرة خافتة:
- لم تجيبي على اتصالاتي، ماذا كان عليّ أن أفعل؟
أبعدت أنظارها عنه وهي تشعر بشيء من تأنيب الضمير:
- تنتظرني أكثر، لم أكن لأتركك بمفردك أبدا.. نعم أعترف انني أخطأت حين خرجت دون أخبرك، أخطأت مجددا حين تجاهلت اتصالاتك.. مع ذلك لم يكن عليك الذهاب إليها.
تنهد مارك وهو يبعد يديه عنها ثم يدخل إلى الحجرة:
- الكلام معك لن يفيد، سأذهب إلى العمل.
أغمضت عيناها بضيق وهي تجلس على أحد المقاعد، تشعر بألم في قلبها.
لم يسألها أين كانت، ومالذي فعلته في الخارج، مالذي أجبرها على الخروج!
يبدو أن كل تلك الأشياء لم تعد مهمة بالنسبة إليه.
ويبدو أنها هي بحد ذاتها لم تعد مهمة!
كل هذا بدأ بعد أن ظهرت مشكلة غير متوقعة في حياتهما.. فتغيرت تماما، انقلبت رأسا على عقب!
تلك الحادثة أظهرت أكثر جوانبها ضعفا، وأكثر جوانبه سوادا!

_____


الرياض..

أمضى سنة كاملة في عمله كـ ( محقق ) بالفعل.
كان متحمسا منذ البداية، فارط النشاط.. أنجز بعض الأعمال التي تستحق الإشادة.
وحاز على استحسان من هم أكبر منه في النيابة العامة.
بالرغم من ذلك، لا يشعر أنه راضيا عن نفسه وآداءه على الإطلاق.
بل بالأصح، ليس راضيا لأنه لم يتمكن من فعل ما التحق بهذه الوظيفة من أجله.. لم يجد مبتغاه!
بذل الكثير من الجهد، إلا انه فشل حتى في إيجاد خط واحد قد يقوده إلى الحقيقة المجهولة والضائعة منذ سنوات طويلة.
يدخل إلى المنزل بصمت على غير العادة، وعلى وجهه أمارات الإحباط والضيق.
يرمي نفسه على الأريكة ويغمض عيناه بتعب، هل يستسلم؟ هل عليه ذلك!
ماذا ان انتهى به المطاف بإهلاك نفسه؟ أو وجد الطريق مسدودا ومغلقا!
يفتح عيناه على صوت شقيقته حين سألت متعجبة:
- متى جيت؟ غريبة ما سمعت صوتك.
اعتدل بجلسته وهو يبتسم لها وكأنه ليس ذلك الذي كاد الضيق أن يقتله:
- توّي، لسه بدري خفت تكونون نايمين ما حبيت أزعجكم.
أمعنت فيه النظر قبل أن تجلس على الأريكة بجانبه تهز رأسها نفيا:
- لا هذا مو وجه واحد مو حاب يزعجنا، إيش فيك؟
ضحك منها ومن نفسه لأنه لا يستطيع الإنكار، ولا يستطيع اخفاء أي شيء عنها مهما حاول:
- كيف دايم تعرفين إنه فيني شيء لما يكون فيني شيء فعلا.
مسحت على يده وهي تبتسم:
- كيف ما أعرف كبرت قدام عيوني وكنت أقرب لي حتى من نفسي.
هزّ رأسه بفهم واحباطه يزداد بعد سماع كلامها، لذا تحدث بصراحة:
- أبغى أنقل لمنطقة ثانية أمان، اشتغلت هنا بما يكفي.. وما توصلت لشيء.
اتسعت عينيها للحظات تحاول استيعاب ما سمعت، قبل أن يضحك هو مجددا ويربت على كفها:
- ما يحتاج تقولين شيء، لأني اكتفيت.. كل اللي أبغاه انك تتركيني أروح بسلام.
أغمضت أمان عيناها بعجز.. لم يكن عليه أن ينطق بتلك العبارة أصلا، لأنها عاجزة بالفعل وليست قادرة على التفوه بأي شيء.
لذا هزّت راسها ببطء:
- روح.

نهض مسعود على الفور واتجه إلى حجرته:
- بنام شوي، صحيني على آذان الظهر.
دخل وأغلق الباب خلفه، لم يتمكن من وضع عينيه على عينيها، بل لم يتمكن حتى من الالتفات نحوها.
هو خير من يعرفها، خير من يعرف بأنها مشتتة تماما، وغير قادرة على تحديد شعورها.
هل هي سعيدة لأنه قرر ومنذ زمن بعيد أن يسخر حياته من أجلها هي وأطفالها؟ وأنه سيفعل المستحيل ليجد ترف ويعيدها إليها؟
أم أنها حزينة لأنها ستضطر لوداعه؟ وتجبر نفسها على تقبل ابتعاده عنها حتى يتمكن من مساعدتها على لمّ شملها بصغيرتها المفقودة!
هو نفسه لا يرغب بالابتعاد لكنه مجبر، للأسف.
أمان بمثابة أم بالنسبة له، لم يبتعد عنها قط.. لم يترك جانبها على الإطلاق، لم يغيب عنها أكثر من أسبوع.
كيف سيتحمل؟
يرمي بثقل جسده على السرير واهنا حائرا، بل تائها!
يأمل ويتمنى من كل قلبه أن يتمكن من فعل الصواب، وأن تكون محطته التالية هي الأخيرة.. يكون الدرب القادم هو المؤدي إلى ترف.
نهض يجبر نفسه على الحركة يشعر بجسده ثقيل بسبب عمله لوقت طويل.
بالكاد تمكن من الاستحمام وارتداء ثيابه قبل أن يرمي جسده على السرير مجددا مغمضا عيناه باستسلام للنوم، إلا ان ابنة شقيقه الأكبر ( مساعد) والتي تبلغ من العمر 13 سنة كان لديها رأيا آخر.
اذ اتصلت به عبر تطبيق المكالمات المرئية لتتحدث والدته اليه.
لم يتمكن من منع نفسه من الإجابة، بالرغم من انه يعرف ما سيواجه إن أجاب!
لم يخطيء ظنه، ما إن رأت وجهه حتى صاحت به غاضبة:
- يا عديم الرحمة، ما تقول عندي أم اتصل فيها أتطمن عليها.
ضحك وهو يمسح وجهه يحاول طرد النعاس:
- مو هذا اللي المفروض أسمعه من أم طردت ولدها من بيتها.
شهقت صفية ( والدته ) بصدمة:
- متى طردتك؟
- أجل وش تسمين اللي سويتيه؟ بغيتِ زوجة مساعد تاخذ راحتها في البيت عشان كذا أرسلتيني مع أمان لبيتها، لو مو طردة وش أجل؟ إلى الآن موقادر أصدق إنك فضلتِ راحة بنت الناس عليّ.
رقّت عينا صفية التي انصدمت مما سمعت وهي تشعر بتأنيب الضمير على حين غرّة:
- صدق؟ زعلت من هالشيء؟ ما كنت أدري لا.........
قاطعها بلطف:
- لا يمه أمزح معك، لو ما اخترت أجي معاها بنفسي ما كان أحد يقدر يخرجني من البيت.
صفية بغضب:
- ياللي ما تستحي، شلون تتجرأ تعور قلبي؟
- كنت بسكتك لأنك كبرتِ وصرتِ ثرثارة.
- صدق انك ما تستحي.
ضحك مسعود بوهن وهو يشعر أنه غير قادر على مقاومة النوم أكثر:
- اعتقيني يمه بنام.
تثاءب واستلقى على جنبه ممسكا بالهاتف، لا يريد الإغلاق قبل ان تغلق أمه، ونام دون أن يشعر.
بينما صفية تتأمله من الجهة الأخرى وهي تبتسم بحنان على منظره.
لم يتغير أبدا، منذ أن كان طفلا كانت هذه عادته.
يلعب ويدرس أو يفعل ما يريد حتى يصبح مرهقا تماما، دون أن يسمح لنفسه بأخذ قسط من الراحة.. وفي اللحظة الأخيرة يفقد القدرة على المقاومة وينام كالأموات.

________

كم مرّ من الوقت! منذ أن بدأت زوجة أحد أخوانها بتمليس شعرها الخشن، ولم تنتهي حتى الآن!
رفعت عيناها إلى الأخرى عبر المرآة تشعر بالإحراج:
- خلاص أنا بكمل، أكيد تعبتِ من شعري.
هزّت الأخرى رأسها نفيا:
- ما عليك بكمل، ما راح انكر اني تعبت بس عادي.
ضحكت سيلين:
- حرام عليك بتحسسيني بالذنب.
- حسّي بالذنب بس اتركيني أسوي شعرك، أدري انه يتعبك تحت العباية.
تنهدت بضيق وهي توميء برأسها:
- صح يتعبني كثير، وأنا أصلا رايحة بالغصب.. تكفين قولي لمؤيد يرجعنا بدري.
- ما راح أقول له، تبغين نرجع بدري عشانك بس؟ احنا نبغى ننبسط.
- ما يصير تتركوني في البيت طيب؟
- لا، حاولي تتعودي من الحين سيلين، ماحد يبغاكِ تتعبين بعد الزواج، تعرفين عائلة ثائر قد إيش كبيرة، التهرب من التجمعات ما راح يفيدك أبدا.. عشان كذا خالتي مصرة تطلعك هالمرة.
تعجبت سيلين للغاية ولم تصدق ما سمعت:
- أمي! أمي تبغاني أتعود عشان أهل ثائر!
هزّت الأخرى رأسها بصمت ثم قالت:
- صحيح انها كانت زعلانة في البداية ولا زالت تبين لك هالشيء، بس هذا ما يعني انها راح تكون زعلانة للأبد، أو على الأقل وهي تشوفك مبسوطةمعاه.
- بس برضو، تصرفاتها معي تثبت العكس، إيش اللي المفروض أصدقه الحين.
اكتفت زوجة أخيها بالصمت لأنها لا تملك ما تقوله لتواسي سيلين، لذا سألت الأخرى بلهفة:
- صحيح جواهر، في أحد جا هنا أمس؟
ابتسمت جواهر بمكر:
- مين؟ مين تقصدين؟
سيلين وهي تحكّ شعرها بإحراج:
- أقصد.. أتذكر إني نمت على الأرض، لما صحيت لقيت نفسي على السرير.
هزّت جواهر كتفيها:
- ما أدري، يمكن واحد من اخوانك ولا أبوك.
زمّت سيلين شفتيها باحباط، إذا كان حلما بالفعل وليس واقع!

تركتها جواهر بعد ان انتهت من شعرها، ووقفت هي أمام هاتفها تنظر إليه بمشاعر مضطربة وخاوية.
لم يتصل بها مجددا، لم يرسل شيء! انه غاضب بالفعل.
ولكن رغم ذلك، لن تستطيع تجاوز الأمر.. حتى وإن أغضبته متعمدة كان عليه الاتصال بها مجددا، خاصة وانها اتصلت به مرارا وتكرارا!
كيف يجرؤ على تجاهلها؟
أطلقت زفيرا من أعماق قلبها وهي تقبض على حقيبتها بقوة ثم تخرج من حجرتها دون أن تأخذ الهاتف.
تعلم تماما أنه سيتصل بها اليوم، لذا تركته متعمدة.. فليقلق عليها، وليشعر بما شعرت به هي.
هبطت درجات السلم بخطوات قوية غاضبة، وهي تشعر بالحرارة تتصاعد حتى جبينها.
حين وقفت أمام اخوتها المستعدين للخروج، ومدّ أحدهم يده ليأخذ حقيبتها.
إلا انها أجفلته لمّا سحبت الحقيبة بقوة وهي تصرخ غاضبة:
- طلبت منك تأخذها؟
ابتعد عنها بعينين متسعتين:
- الواحد ما يسوي معك خير!
ربت شقيقها الكبير على كتف الآخر:
- اتركها جاتها الحالة.
سيلين بغضب أكبر:
- اسكت.
هزّ رأسه باستسلام وهو يكتم ابتسامته حتى لا تغضب أكثر.
لم يسألها أحد عن سبب غضبها، فهي حساسة جدا، تغضب دائما بسبب وبدون سبب!
قد تثير غضبها أتفه الأشياء.
طوال طريق رحلتهم البرية، كانت صامتة.. تضع رأسها على النافذة تتأمل الطريق.
تستمع إلى أحاديث اخوتها ووالدتها دون أن تشاركهم.
عقلها كان شاردا، لا ينفكّ يفكر بثائر!
تشعر انها غاضبة منه تارة، ثم بالذنب تارة أخرى.
حتى وصلوا إلى وجهتهم أخيرا، وجلست بعيدة عن الجميع.. عدد بنات خالاتها وأخوالها كبير للغاية، ومن هم في سنها كُثر.
بالرغم من ذلك لا تمتلك صديقة واحدة، أو فتاة مقربة منها!
لا تعلم إن كان الخطأ منها هي أم منهم، العيب في شخصيتهم أم في شخصيتها!
ولكن هل يُعقل أن يكونوا جميعهم مخطئين وهي بمفردها محقة؟ بالتأكيد هي المخطئة، لذا سيتركها ثائر في أي لحظة!
حين راودتها هذه الفكرة ارتجفت أطرافها بخوف، وأغمضت عيناها بقوة.
لن تتحمل ذلك على الإطلاق، هو وحده من يتحملها، هو وحده من يتحمل تقلبات مزاجها، وأطباعها السيئة والحادة.
لذا عليها أن تبادر بمصالحته حتى وإن أخطأ بحقها، لمَ تركت الهاتف في المنزل؟ تندم على ذلك أشدّ الندم.


عادت أدراجها إلى جلسة النساء، وجلست بجانب جواهر، أكثر من ترتاح إليها.
ترددت كثيرا قبل أن تقرر طلب هاتف والدتها، لكنها قبل أن تتحدث تناهت إلى مسامعها بعض الأحاديث التي تدور بين خالاتها، كانوا يتحدثون عنها هي!
قالت احدى خالاتها سائلة والدتها:
- الحين سيلين راح تتزوج ثائر صدق؟ ظنيت انه السالفة راح تستمر كم شهر، بس الظاهر اني غلطانة.
أجابت والدتها بحدة:
- إيش قصدك؟ لا يكون تبغين بنتي تتطلق؟
- مسرع غيرتِ رايك، انتِ بنفسك كنتِ تبغينها تتطلق، وافقتِ عليه بس عشان تهدّيها لا تكون السالفة صارت صدقية وراح يتزوجون؟
يبدو أن والدتها ارتبكت، إذ أجابت بعد صمت قصير:
- ليش ما تصير صدقية إذا كانت مبسوطة معاه؟
الثانية بسخرية:
- إيش راح يصير على اتفاقك مع ثائر وأمه؟ تتوقعي انهم راح يهتمون بسعادة بنتك ويتركون هالمبلغ الكبير يروح من يدهم! ما وافقوا على سيلين إلا لأنك وعدتيه بالمال والمنصب.
شهقت جواهر بصدمة مما سمعت، لكن صدمتها كانت أكبر حين رأت سيلين التي لم تشعر بها منذ أن جلست.
وكانت الثانية مذهولة تماما ومصعوقة مما سمعت، لدرجة انها عجزت عن إبداء أي ردة فعل!

____



انتهى الفصل الأول


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 12:29 AM   #16

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم أدخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق.
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله.
لا إله الا الله.


( الفصل الثاني )
____

ألمانيا - الريف

- هل أنت مستاء؟
لم يُجبها، بل استمر بشذب الأشجار بتركيز عال، ما جعلها تعاود سؤاله:
- هل بالغتُ بغضبي مساء الأمس؟
- اسألي نفسك.
كانت لهجته جافة وتعابير وجهه جامدة، ما جعلها تشعر بالإحباط فعلا.
نقرت بأصبعها على ذراعه بلطف، متحدثة بلهجتهما الأصلية بما انها تلين قلبه بشكل غريب:
- لا تصير كذا أوس، تعرفني وتعرف مزاجي، ما كنت…….
قاطعها بلهجة صارمة:
- عليّ أن أنجز بعض الأعمال في المدينة، ان احتجتِ شيء من هناك أرسلي رسالة نصية.
أنهى عبارته وابتعد دون أن ينتظر ردها أن ألقى بالقاطع جانبا.
تنهدت بضيق، قبل أن تبتسم بمكر وتلحق به، ثم تركب بجانبه على السيارة.
نظر إليها متفاجئا:
- ماذا تفعلين؟
استمرت بالتحدث بلهجتهما وهي تبتسم ابتسامة واسعة جعلتها تبدو كحمقاء:
- بروح معك.
- لمَ؟ أخبرتكِ أن تكتبي لي طلباتك، لم أطلب منك المجيء معي.
هانا وهي تربط الحزام:
- سوق وانت ساكت، توديني وين ما بغيت أروح مو انت اللي المفروض آخذ اذنه.
أغمض أوس عيناه بقلة صبر:
- التزاماتي في المدينة كثيرة، سأقضي اليوم بطوله هناك، انزلي هانا.
تكتفت هانا كأنها لم تسمعه:
- امش بسرعة ميتة جوع ما أفطرت لسه.
أغمض أوس عيناه بقلة صبر ثم ربط حزام الأمان دون أن يتفوه بشيء آخر.
لا يرغب بقضاء اليوم معاها على الإطلاق، ليس لسبب واحد فقط.. بل لأسباب كثيرة.
إلا انه لم يتمكن من الرفض ومن معارضتها أكثر، تبدو عنيدة ومصممة للغاية.
لذا حرّك السيارة بهدوء يحاول أن يهديء من غضبه حتى يتمكن من التركيز.
جلوسها بجانبه يكفي ليجعل نبضات قلبه تتسارع بشكل جنوني، كيف وإن ظلّ متوترا بسبب غضبه! سيلقى حتفه بالتأكيد وهو برفقة هانا.

ابتسمت هانا بإحباط وهي ترى تعابيره تلك.
تعلم جيدا أنه مستاء للغاية، وأنه يرغب بإلقائها من النافذة الآن وحالا.
مع ذلك.. لم تتمكن من منع نفسها من اللحاق به.
جافاها النوم طوال الليل، كانت تفكر به.. لم تغادر صورته وهو غاضب منها ذهنها أبدا.
لا يهون عليها ضيقه.. تختنق إن مسّه سوء، كيف إن كانت هي سبب غضبه وإستياءه؟
لا أحد يعلم عن مكانته في قلبها، كم تحبه وتقدّره.. بل تعتبره كل حياتها.
أوس بمثابة شقيق، بل أكثر من ذلك.
تحدثت بهدوء بعد أن انتصفوا الطريق وشعرت به أهدأ من قبل:
- أتفهم أوس، سبب عصبيتك وزعلك أمس.
تنبهت كل حواسه، كان ينتظر ذلك.. ينتظرها تقول أي شيء عما حدث بالأمس.
بالرغم من أن ذلك يحرق قلبه ويحطمه بشكل موجع للغاية.
نظر إليها بطرف عينه يصطنع عدم اللامبالاة.
حينها أكملت:
- تبغاني أكون مبسوطة، ما ينغص عليّ شيء ولا يضايقني، وشيء مثل اللي قلته أنا على الجبل ما كان عادي بالنسبة لك أنا أدري.. فهمتني غلط أكيد.
تنهدت وهي تبتسم بألم:
- كل ما شفته أتذكرها، إيما.. تعرف طبيعة علاقتي معاها، أحس.. أحس بالذنب كل ما جاني، أشوف وجهها وأتخيلها جنبي، هالشيء... يتعبني كثير أوس.
- ما هو ذنبك، إنه زوجها تزوج عليها.
قالها بعد أن ظلّ صامتا لبعض الوقت وهو يشعر بالغيظ مما قالت.
- بس ذنبي إني ظليت على ذمته حتى الآن وأنا أعرف شعورها.
أوقف أوس السيارة جانبا بقوة، ليلتفت إليها غاضبا:
- وقفي تلومين نفسك على كل شيء هانا، مليت من هالشيء.
ارتجفت حدقتيها بتوتر من غضبه المفاجيء، لتنطق دون أن تدرك:
- آسفة.
- آسفة!!!
التفتت عنه وهي تبتلع ريقها بارتباك من منظر عينيه المحمرتين بشدة:
- ما ودك تخليني أفطر اليوم؟

ها هي مجددا.. تتهرب من الموقف بطريقة غبية جدا، وهو أيضا.. يسمح لها بذلك!
استعاذ من الشيطان وفرك وجهه بيديه بقوة ثم أكمل قيادته نحو المدينة التي اقترب منها.
ليسأل ببرود ما إن أبصر السوق:
- إيش تبين تاكلين؟
- نزلني عند أقرب مقهى، وروح شوف شغلك بتمشى في السوق على ما تخلص اللي عندك.
ترجلت بعد أن أوقف السيارة دون أن تنظر إليه مجددا، إلا انها أجفلت حين أوقفها وهو ينادي اسمها:
- هانا!
التفتت إليه ببطء، ليبتسم هو من شكلها اللطيف وهي تخشاه كأنه أخيها الكبير وليس خادما لديها!
- بإيش ناوية تفطرين وتتسوقين؟
رفعت عيناها إليه بتعجب، قبل أن تدرك أنها لم تجلب معاها حقيبتها، ليس معها أي مال.. حينها ابتسمت بغباء.
هزّ رأسها بيأس منها، قبل أن يخرج من جيبه بعض النقود الورقية ويناولها إياها:
- لا تنسي كم أخذتِ، عشان ترجعي لي أول ما نرجع.
ابتسمت له بامتنان وهي تهزّ رأسها إيجابا.

مرّت ساعات طويلة، قضتها بمفردها بعد أن استمتعت بفطورها وكوب القهوة، ثم مرّت على بعض الأسواق الشعبية في المدينة.
دون أن تأخذ أي شيء، منظر السوق بمفرده يكفي ليبعث فيها الراحة النفسية.
لم تنتبه طوال هذا الوقت إلى نفسها، أين تتجه وأين تذهب.. إلى أي مدى ابتعدت.
لم تتفق مع أوس على مكان يلتقيان به.. بما انها لم تنتبه انها لم تجلب الهاتف أيضا!
كانت الشمس قد انتصفت السماء بالفعل، وأصبح الجو دافئا.. حين شعرت بالتعب من سيرها طوال الوقت وجلست تضع يدها على جيبها تتحسه باحثة عن الهاتف.
نهضت بفزع مستمرة بالبحث بسرعة.
ارتبكت أكثر حين انتبهت أنها لا تتعرف على الموقع الذي هي به!
كان ذلك غريبا، أن تكون بهذا الخوف الشديد والعظيم وهي بهذا العمر.
إلا انها لم تتمكن من السيطرة على نفسها، لتسقط على المقعد الخشبي جالسة، دقات قلبها تتسارع.. وأطرافها ترتجف من شدة التوتر وهي خافضة رأسها تنظر إلى الأرض بضياع.
حتى شعرت بيد رقيقة على كتفها، وصوت أنثوي يسأل بنبرة حنونة:
- هل أنتِ بخير؟
التفتت تنظر إليها بلهفة حين شعرت بشيء من الأمان:
- أنا...........
توقفت الأحرف وحُبِس الكلام في فمها وهي ترى هذا الوجه المألوف.
وسقطت اليد الممتدة إليها.
النظرات الحنونة تغيرت لتصبح شديدة الغضب، وتبدلت تلك الملامح الهادئة إلى أخرى مظلمة بشدة.
أبعدت هانا أنظارها عنها بضيق.
كان من الأفضل لو أنها ظلّـت ضائعة وخائفة في مكانها طوال اليوم!
لم يكن أوس ليتركها على أي حال، كان سيجدها في أي لحظة، حتى وإن تأخر الوقت واظلمت الدنيا.
نعم تفضّل ذلك على مقابلة آخر إنسانة قد ترغب برؤيتها، إيما!
سألتها الأخرى بعد أن مرّ بعض الوقت:
- إيش تسوين هنا بوسط السوق؟
أجابت هانا دون أن تنظر إليها:
- إيش يسوي الواحد في السوق يعني؟
- الواضح إنك ضايعة، وما بيدك شيء.
هانا بنبرة حازمة:
- كملي طريقك لا تهتمي فيني.
ابتسمت إيما بسخرية:
- بس شكلك يترجاني أكون معك، ضايعة صح؟ وين أوس عنك؟
- ماني ضايعة، أرسلته يجيب لي شيء ووقفت أنتظره هنا.
- بس على ما أذكر إني شفته يخرج من السوق لوحده في الصباح.
هانا بقلة صبر:
- ممكن تتركيني في حالي وتمشين وما تسألين عن شيء ما يخصك!
أومأت إيما رأسها بإيجاب وهي تحاول كبت غضبها:
- تمام، خليني أسألك عن اللي يخصني أجل.. مين سمح لك تستقبلين زوجي بيوم ما هو يومك!
نظرت إليها هانا بتعجب وذهول.
هل هذا سؤال مناسب لتطرحه إمرأة بعمر إيما بوسط السوق.
لم تجِبها هانا، بل ظلّت صامتة تنظر إلى الأخرى بتعجب.
لتقترب إيما قائلة بحدة:
- أنا ما أحب أكرر كلامي أكثر من مرة يا هانا، أحذر مرة وحدة بس.. المرة الثانية أنفذ تهديدي فورا وبدون أي تردد، لكن للأسف، شيء بداخلي يطلب مني أستثنيك من هالشيء، لذلك انتبهي.. ما أبغى هالشيء يتكرر مرة ثانية.
هانا بابتسامة خالية من التعابير:
- أرجوك قولي هالكلام لزوجك، لأني مو ميتة عليه.. طالما انه موفر لي الحياة اللي أبغاها ومخليني أعيش برفاهية، فما أهتم بشيء من اللي في بالك.
كان من المفترض أن تشعر إيما بشيء من الراحة، كون الأخرى ليست مهتمة بالفوز بقلب زوجها على ما يبدو.
إلا ان فكرة استغلال فتاة حمقاء مثل هانا لزوجها، أغضبتها بشدة.. لذا تحدثت بعد أن ابتسمت بغير تصديق:
- إنتِ فعلا وحدة حقيرة وما تستحين على وجهك، بعد كل شيء سواه عشانك تتكلمين عنه بهالطريقة!
- ما تختلفين عني.

كانت هانا محقة هذه المرة، لم تتمكن إيما من الرد عليها.. كانت الحقيقة قوية وموجعة إلى الحد الذي جعلها تكتفي بالصمت!
ليس وكأنها مختلفة عن هانا، وأنها لم تستغل ذلك الرجل لمصلحتها الخاصة.
زفرت أنفاسها ثم وقفت باعتدال:
- لا تطولي وانتِ واقفة بالشارع، أدري إنك ضايعة ما في داعي تكابرين قدامي، اتصلي من جوالي لو جوالك مو معك.
أخفضت رأسها بإحراج، حين هزّت إيما رأسها بإستياء منها وهي تخرج هاتفها وتمده إليها:
- بزر انتِ؟ في أحد يضيع جواله وهو بهالعمر!
رمقتها هانا بحنق ثم طلبت رقم أوس.
أجاب الآخر على الفور، تحدثت إليه قليلا ثم أغلقت وهي تشعر بالإحباط الشديد:
- قال انه بعيد، راح يجيني بعد ساعتين.
ترددت إيما قليلا قبل أن تقول:
- تعالي عندي، ما عندي أحد أتغدى معه اليوم.
اتسعت عينا هانا بتعجب واستغراب، ما بال هذه الإنسانة؟ هل يعمل عقلها جيدا وكما ينبغي!
- لا تطالعي فيني كذا، ما أبغاك ترجعين البيت مريضة والشمس ضاربتك.. ثم يضطر مارك يقعد عندك حتى بيومي.
هزّت هانا رأسها بغير تصديق، ثم تبعتها بما انها لا تملك خيارا آخر!
أين ستذهب بمفردها في هذا الوقت؟
كان منزل إيما قريبا للغاية، لم تمضِ سوى عشر دقائق سيرا على الأقدام حين وصلوا أمام المنزل بالفعل.
دخلت هانا خلفها وهي تشعر بالتوتر والارتباك، كانت إيما تدرك ذلك بالفعل.. مع ذلك لم تفعل شيء.
طلبت منها الجلوس والانتظار في غرفة المعيشة، بينما دخلت هي إلى المطبخ لتعد الغداء.
أما هانا.. فقد كانت كمن يجلس على صفيح ساخن، تحترق بداخلها وجعا وألما.. ذكرياتها في هذا المنزل تأتيها واحدة تلو الأخرى، دون أن تملك أدنى حيلة لتهرب منها.

حتى انتهت إيما وخرجت إليها، حينها رفعت الأخرى عيناها المحمرتان والممتلئتان بالدموع.. تتأمل وجه من تقف أمامها بشموخ وإباء وكأنها لم تتأثر مطلقا بما فعلته هي.
بينما وجهها ومظهرها يقول شيئا آخر!
إيما تغيرت كثيرا! وجهها المشرق أصبح باهتا وذابلا، ليس به أي حياة!
بل أصبحت كأنها في الخمسين من عمرها بينما عمرها الحقيقي لم يتجاوز الثلاثون سنة بعد.
لينطق لسانها دون أن تشعر هي:
- أنا السبب؟

_______

الرياض.

لم تسمع ذلك، لم تجلس هناك معهم.
لم تكن موجودة هناك أصلا.
لذا كيف لها أن تفعل ذلك؟
كانت تتخيل بالطبع.
فكرت بثائر كثيرا، لدرجة انها انفصلت عن الواقع لتتخيل شيئا مجنونا وغير معقولا على الإطلاق.
لقد ظلمته وأخطأت بحقه.
حين أوشكت على تصديق أنه تزوج بها من أجل المال فقط!
هي مخطئة بالتأكيد!
لكن.. ليس بعد أن أتت إليها جواهر تحمل بيدها كوب عصيرها المفضل، وجلست بجانبها تسأل بقلق:
- إنتِ بخير؟
ابتسمت سيلين بارتباك وهي تحدق إليها باستغراب:
- طبعا بخير، ليش تسألين؟
نظرت إليها جواهر لبعض الوقت بصمت ثم قالت:
- أقصد اللي قالته خالتك أمس.
سيلين وهي تدّعي الاستغراب:
- خالتي؟ أي واحدة فيهم؟ إيش قالت؟
تعجبت جواهر للغاية، وصارت تنظر إليها بارتباك.
قبل أن تبتسم وتربت على كتف الأخرى:
- لا خلاص ولا شيء، لا تهتمي.
نهضت سيلين فجأة بعد أن وضعت الكوب على المنضدة:
- صح جواهر قولي لي إيش ألبس، بطلع مع ثائر اليوم.
يبدو أنها لم تسمع شيئا حقا، وإلا لما كانت بخير، أو متحمسة للخروج معه!
شعرت بالحزن الشديد عليها، ولكن ليس بيدها شيئا لتفعله.
سيلين تحب ثائر حقا، لا أحد يعلم عن مقدار ذلك الحب ممن حولها سواها هي.. كون سيلين لا تخبيء أي سر عن جواهر.
غير انها إن فعلت شيئا أو تجرأت على إخبار سيلين، لن تسلم من حماتها التي تعرفها جيدا.
ساعدتها جواهر على اختيار ملابسها ثم خرجت دون أن تفكر بالحديث عن الموضوع مجددا.

أما هي فجلست أمام المرآة بقلب ثقيل مهموم، ووجهٍ مسودّ من الهم.
جواهر أتت كي تطمئن عليها، يعني أنها لم تكن مخطئة.. وأنّ خالتها تحدثت عن ثائر بالفعل، كيف أنه وافق على الزواج منها من أجل المال والمنصب!
لم تشعر يوما بالحزن كما شعرت في هذه اللحظة، يكاد قلبها يتقطع إلى أشلاء.
بالرغم من انها هي من أرادته، وهي من كانت مصرة على الزواج منه والارتباط به في كل الأحوال والظروف.
حتى وإن كانت تلك الخواطر بداخل نفسها، ولم يطلع عليها أحد من قبل سوى الله.
لم تخبر بمكنون قلبها سوى جواهر.. ووالدتها!
لتتفاجأ به ذات يوم يتحدث إلى والدها طالبا يدها للزواج، وهي بالتأكيد.. لم ترفض، بل طارت فرحا وأخبرت أبيها أنها موافقة.
تتذكر نظرات والدتها المغضبة منها في تلك الفترة، وكيف أنها لم تظهر أي شيء يدل على سعادتها بخطوبة ابنتها الصغرى.
بل حدثت أشياء لم تكن بالحسبان.
دون سابق انذار، توافد إليهم ضيوف لم يشعروهم بمجيئهم.. بل دخلوا غاضبين وكأن أحد من عائلتها قد أكل حقهم أو ظلمهم بغير حق.
اخوة والدتها، أعمامها وعماتها.. أتوا ليمنعوا هذا الزواج!
يتسائلون ويسألون كيف انّ والديها فكرا حتى بالسماح لهذا الزواج أن يتم؟
كيف وافقا على تسليم ابنتهما لشخص معدم؟ مجرد موظف في شركة والدها!
حتى تلك الوظيفة حُظِيَ بها بسبب والده المتوفى والذي كان صديق والدها.
خلفيته وعائلته لا تناسب عائلتهم الكبيرة على الإطلاق، غير انه من قبيلة أخرى مختلفة عن قبيلتهم.
كيف تركوا كل الشبان الرائعين من أبناء عمومتها وأخوالها من الأطباء والمهندسين وذوات المناصب ورضوا بذلك المنتف؟
كانت في وضع صعب للغاية، لم تكن جريئة كفاية لترد عليهم.. غير انها كانت مستغربة من صمت والدتها طوال الوقت.
لا هي من كانت تدافع، ولا هي من كانت تبدي اعتراضها الملحوظ أصلا من تعابير وجهها!
كان والدها حازما بأمره، ثابتا في قراره.. من تمكن من جعلهم يعودون أدراجهم مطأطئي الرأس خجلين.. حين أخبرهم أنها ابنته هو، وهو حرّ تماما في تسليمها إلى يد من يرغب.
إلا انهم لم يلتزموا الصمت تماما إلا حين سألهم.. إن كانوا يقبلون بفتاة وجهها مشوه؟
آلمها ذلك بالرغم من انها الحقيقة، بنفس الوقت.. كانت سعيدة وفرِحة.
لم تطِل التفكير في أمر والدتها، ولكنها فعلت الآن بعد أن علمت عن سبب صمتها في ذلك الوقت!

هي.. سيلين كانت منهارة تماما بعد الحادث اللي أصابها بذلك التشوه، وأوشكت على الهلاك بسبب حالتها النفسية التي كانت تتدهور يوما بعد يوم.
ربما فكرت والدتها في ان العلاج ربما يكمن في ثائر الذي لطالما أحبته ورغبت به زوجا لها!
إذا ماذا؟ هل ذهبت إليه وترجته لترتبط بإبنتها المسكينة؟ هل وعدته بالمال والمنصب فعلا؟
وهل قبل هو العرض من أجل ذلك؟
كانت تفكر بكل تلك الأشياء وتسترجع الأحداث بينما تتجهز بوجه متجهم حزين.
إلى أن انتهت واتصلت بثائر تخبره أنها بانتظاره.
نزلت وأخذت تنتظره في حديقة منزلهم، ترتدي عباءتها وتحمل حقيبتها في حجرها تجلس القرفصاء.. لا تتوقف الأفكار عن التدفق إلى ذهنها إطلاقا.
تارة تشعر بالغضب يتصاعد بداخلها وناره تحرق قلبها وتكويها، وتارة تشعر بالحزن الذي يعصر قلبها ويدميه.
حتى رنّ هاتفها منبها بوصول رسالة من ثائر يخبرها فيها أنه قد وصل.
خرجت بعد أن غطت وجهها، وركبت بجانبه بصمت.. حتى انها اجابته بهدوء ودون ان تنظر إليه لمّا سألها عن حالها.
استغرب هو ذلك، لطالما كانت تبادر بالسؤال عن حاله.. وتتحدث إليه بحماس، تعبر عن شوقها إليه حتى وان غاب عن عيناها لفترة قصيرة.

- كيف كانت الرحلة أمس؟
أجابت على سؤاله بسؤال غريب، بعد أن جاهدت نفسها وبصعوبة لتتمالك نفسها ولا تعبر عن غضبها أو حزنها:
- ثائر إيش تتذكر عن طفولتنا؟
نظر إليها بتعجب وهو يضحك:
- ليش تسألين هالسؤال فجأة؟
- فضول.
تنهد ثائر مفكرا:
- من وين أبدأ وإيش المفروض أقول؟ عن أي فترة ودك أتكلم بالضبط؟
- أي شيء.. اللي يجي في بالك، أو اللي تتذكره على وجه الخصوص.
بابتسامة هادئة أجاب ثائر:
- اسأليني إيش نسيت من طفولتنا، لأني أتذكر كل شيء.. كل المواقف اللي جمعتنا بالتفصيل، أتذكرها كأنها صارت أمس.
سيلين وهي تلتفت إليه:
- طيب.. تتذكر أول مرة شفتني فيها؟
هزّ رأسه إيجابا:
- إيه، كانت المرة الأولى اللي جيتينا فيها مع أبوك، ومعاكم أختك اللي أكبر منك.. كنتِ ماسكة ثوب أبوك طول الوقت وتتخبين وراه بفستانك الأحمر، وشعرك هذا اللي كان ينرفزني وكنت أشوفه منكوش، كان وجهك أحمر من الشمس، كل ما جبنا شيء تاكلوه رجعتِ تخبيتِ ورى أبوك رافضة تاكلين أو تلمسين شيء، وهالشيء نرفزني حيل، إلا انك فجأة فزيتِ من مكانك وركضتِ لبرة، لما شفتِ خواتي وبنات اخوي اللي بعمرك ورحتِ تلعبي معاهم.
كانت سيلين تنظر إليه فاغرة فمها بذهول، تلك التفاصيل لا تتذكرها هي أبدا، لكنه يحدثها بها ويرويها الموقف بطريقة تجعلها ترى المشهد وكأنه يحدث أمام عينيها، خاصة حين أكمل وهو يضحك:
- أتذكر اني لحقتك أشوف إيش السالفة، شفت خواتي يضحكون عليك وعلى شعرك المنكوش وعلى اسمك اللي كان فعلا غريب وما قد سمعناه.. فجأة ركضتِ عندي تشتكيني منهم كأني أخوك أو تعرفيني من زمان، تمسكتِ بثوبي مثل ما تمسكتِ بثوب أبوك، قبل لا تنفجرين من البكى لما أنا بعد ضحكت عليك مع خواتي.

أدمعت عينا سيلين وأبعدت وجهها عنه بسرعة حين خنقتها العبرة ولم ترغب أن يراها بتلك الحالة.
كيف يتذكر كل ذلك؟ بل كيف تجرأ أن يغدر بها ويفعل ما فعل وهو يتذكر كل تلك التفاصيل عنها؟
توقع منها ثائر أن تضحك، أو تبدي أي ردة فعل! ولكنها اكتفت بالسكوت! بل وأدارت وجهها عنه؟
- سيلين؟ فيك شيء؟
كانت هي ضائعة في تلك اللحظة، حائرة.. بين مشاعرها القوية جدا تجاهه، وبين غضبها منه وكرامتها.
حين سألته بنبرة فاترة وباردة، وهي لا تشعر بحالها وما تنطق:
- بكم وعدتكم أمي؟ وكم المدة اللي اتفقتوا عليها؟
رفع الآخر حاجباه متعجبا مما سمع:
- إيش قصدك؟ وعدتنا بإيش وأي مدة؟
صاحت سيلين بغضب وعيناها تذرفان الدموع:
- لما راحت تترجاك عشان تتزوجني! كم قالت تعطيك انت وأهلك؟ ومتى راح تطلقني؟
أوقف ثائر السيارة بقوة بعد أن كاد يفقد السيطرة على المحرك وهو مصعوق مما سمع، متعجب غاية التعجب!

____


يتبع..


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 12:55 AM   #17

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

في جهة أخرى من الرياض..
وفي إحدى القرى البعيدة عن المدينة.
حيث تلك المزرعة الغامضة، والمغلقة منذ سنوات طويلة.. تحديدا بعد أن تمّ التحقيق فيها عن جريمة قتل كانت ولا زالت غامضة.. منذ ما يقارب الـ15 سنة.
كل ما كان بها في ذلك اليوم، اختفى وكأنه لم يكن له وجود في هذه الدنيا.
العجوز التي قُتِلت، وهي جدّة ابنة اخته الكبرى أمان، وتلك الطفلة، ابنة اخته ( ترف ).. التي اختفت بطريقة غامضة ولم يسمعوا عنها أي خبر، وكأنما الأرض انشقت وابتلعتها.
ومنذ ذلك الحين، بعد رؤيته لحالة أخته المسكينة.. قطع على نفسه وعدا بأن يأتي بها من حيث ما كانت.
بالرغم من انه كان صغيرا لم يبلغ الخامسة عشر بعد، إلا انه كان واعيا وفاهما بالتأكيد.
من أجل ذلك.. تخصص في القانون وأصبح محققا.
لم تطأ قدمه مكان عمله إلا وباشر في التحقيق فورا، لم يدخر أي جهد.
حتى شعر بأنه يبحث في ذلك المكان دون فائدة، قرر الانتقال إلى هنا، في هذه القرية النائية، حيث موقع الجريمة!
ترجل من السيارة بعد أن أوقفها أمام المزرعة.. تأملها مليا وهي مقفلة ومحصنة تماما من الخارج.
كمنزل قديم مسكون.. تحيط بالمزرعة هالة غريبة وغامضة.
نفس الشعور الذي يراوده حين يزور أي مسرح من مسارح الجريمة، إلا انه كان أعظم هذه المرة.
هل لأن الجريمة الحاصلة هنا تخص شخصا يعرفه؟ أم لأنه أدرك أنه هذا هو الهدف الذي لطالما أراد أن يبلغه.. ولمّا وصله لم يعرف ماذا عليه أن يفعل بالضبط!
تتملكه حيرة عظيمة.
جعلته يعود إلى السيارة ويحركها مبتعدا عن ذلك الجو الخانق، متجها إلى المنطقة السكنية.
حين رأى المنازل التي لم تكن قديمة جدا ولا حديثة، شعر بالأمان، وتنهد براحة.
ثم فتح هاتفه ليتعقب الموقع الذي أرسله أحد زملائه في موقع عمله الجديد.
والذي توجد فيه بعض المنازل المتاحة للإيجار.

- أنا إيش قاعد أسوي هنا؟
قالها حين أبصر المكان،الفارغ نوعا ما إلا من بعض الصبية الذين يلعبون في الشارع، وبعض الرجال الجالسين في جلسة شعبية على عتبة أحد المنازل.
أوقف سيارته أمام أحد المباني العالية نوعا ما، وهبط يعدل ثيابه ينظر إلى اللافتات الموضوعة في الأعلى.
قبل أن يقرر إلى أيهم يذهب، خرجت فتاة من العدم وسارت أمامه بخطوات غاضبة بعد أن ابعدته عن طريقها بهمجية.. وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة.
مثلما ظهرت من العدم وبسرعة لم يدركها، اختفت!
دخلت إلى أحد المنازل المفتوح بابها وأغلقته بقوة حتى انه أصدر ضجيجا مزعجا.
عقد حاجبيه متعجبا وهو يحك ذراعه حيث أبعدته بقوة ألمته!
التفت حوله ينظر إلى الناس، فوجد الجميع منشغلا غير مباليا بما حصل للتو!
كانت هناك لافتة أعلى المنزل الذي دخلت إليه، ليخرج هاتفه من جيبه ويطلب الرقم المكتوب عليه!
أجابه صاحب الرقم على الفور، وأخبره مسعود أنه بالخارج.. ليخرج إليه الرجل في نفس الوقت، ويطلب منه الدخول إلى منزله ليتفقا على كل شيء.
دخل مسعود خلف الرجل، والذي أكرمه وضيفه وتحدث إليه ببشاشة وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد.
ما جعل مسعود يطلب منه أن يريه المنزل على الفور، بعد أن ارتاح إلى الرجل.
غير انه لا يرغب بالبحث لمدة أطول.. بسبب تعبه من السفر بالسيارة لساعات طويلة.
حمد الله كثيرا.. كان المنزل واسعا للغاية، نظيف ومرتب، لا يعيبه شيء.
لذا اتفق مع الرجل وانتهى من فوره، وعاد إلى سيارته ليخرج حقائبه.

لم يجد الأمر غريبا أبدا، ولم يفكر.. كيف أنه في خلال نصف ساعة وجد المنزل المناسب له بل وقرر أن ينام به ويرتاح على الفور، إلا حين ظهرت أمامه الفتاة فجأة وقالت حين كان على وشك إنزال حقيبته من السيارة:
- مسرع!
التفت إليها متعجبا:
- وشو؟
- أقول توك جاي، وما تعبت نفسك حتى تدور على بيت ثاني يمكن يكون أريح لك وأحسن من هالبيت.
أجابها مسعود بتلقائية وهو يقفل باب حقيبة السيارة:
- اعجبني هذا أحسه مناسب ليش أدور على غيره؟
- عجيب.. شكلك أول مرة تستأجر بيت أو أول مرة تطلع من بيت اهلك! حتى ما كلفت نفسك تسأل ليش الرجال أجرك البيت بسرعة؟
عقد حاجبيه باستغراب:
- وانتِ ليش يهمك هالموضوع؟ أنا اللي بسكن فيه ولا انتِ؟
قالها وولاها ظهره مبتعدا، متجها ناحية المنزل.
ظنّ أنها ستتركه وتذهب بعد ذلك، إلا انها لحقته تحادثه بكل تلقائية وأريحية وكأنها تعرفه مسبقا:
- المفروض أنا اللي أسكن فيه.
التفت إليها متفاجئا مما قالت، ثم هزّ رأسه بلا مبالاة ودخل بعد أن رفع حقيبته الثقيلة عن العتبة.
حين التفت ليغلق الباب كانت لا تزل واقفة بمكانها، لم يرفع عينيه إلى وجهها مذ أن أتت لتتحدث إليه، ولم يفعل الآن.
كان الموقف بأكمله غريبا.
كيف لفتاة شابة أن تتحدث إليه هكذا وعلى مرأى من الجميع دون أن يستنكر أحد ذلك؟
لم يتمكن من منع نفسه من رفع رأسه هذه المرة وبصدمة لما قالت بكل جدية:
- البيت مسكون عشان كذا فاضي له دهر، كثير اللي سكنوا قبلك وتركوه خلال يومين.. ما سألت نفسك ليش الإيجار قليل مع انه البيت نظيف وحلو؟ وليش فاضي أصلا؟

ابتسم بسخرية وهو يتكتف مبعدا أنظاره عنها، حيث كانت ترتدي عباءة فضفاضة للغاية، ونقاب جعلها تبدوا كبيرة في السن بالرغم من ان صوتها يوحي بعكس ذلك.. تغطي عيناها بقماش آخر شفاف فوق النقاب:
- هذي أمور تخصني وأنا حر، حتى لو كان مسكون بقعد فيه ما أعتقد إنه هالشيء راح يضرك، وبعدين ما أعرف إنتِ ليش تتكلمي معي بهالطريقة كأنك تعرفيني.
- انت الملازم مسعود إبراهيم الــ **** توك ناقل لمركز منطقتنا وبكرة راح يكون أول يوم عمل لك.
أكملت حين نظر إليها متسعا حدقتيه بذهول:
- مشرفك يكون ابوي.
- إيش تبين مني الحين؟
قبل أن تجيبه الفتاة الغريبة، هدر بها شخص آخر من بعيد ثم أتاهما مهرولا، وهو صاحب المنزل:
- إليان! إيش قاعدة تسوين هنا؟ إيش قايلة للرجال؟
نظرت إليه الفتاة بحنق للحظات ثم ابتعدت تسير بغضب، حتى دخلت إلى المنزل الذي خرجت منه منذ قرابة الساعة.
التفت إليه الرجل محرجا وأمسك بكفه:
- لا تؤاخذني يا ولدي، أدري إنها قالت لك كلام غريب من انه البيت مسكون وغيره، ما تبغاني أأجر البيت لأي أحد لأنها تحب تجتمع فيه مع قريباتها.
- مو مشكلة.
قالها باقتضاب حتى يغادر الرجل.
إلا ان الآخر كان رأيه مختلف، حين دخل المنزل قائلا:
- بساعدك على التنظيف والترتيب.
تنهد مسعود بضيق وأغمض عيناه بقلة صبر.. يبدو أن يومه طويل بالفعل ولن ينتهي على خير.

______

أما هي..

فدخلت إلى المنزل والنار تحرق جوفها من شدة الغيظ والغضب.
لا تستطيع تحديد مشاعرها تجاه زوج عمتها الكبرى، هل تحبه أم تكرهه!
فهو طيب للغاية حد السذاجة، ساذج حد الغباء في أحيان كثير.
لذا وفي أحيان كثيرة يكون بلا حيلة، لا يتمكن من فعل شيء دون مشورة أعمامها.. بل حتى أولاد عمها.
هم من طلبوا منه أن يؤجر المنزل بأي طريقة كانت، وإلى أيّ كان.
لذا لم يصبر حتى تمكن من تسليم المفتاح إلى هذا الشخص الجديد هنا.
لم يستمع إليها هذه المرة مطلقا، لم يلتفت إلى رجائها.. لم تحركه دموعها.
بل فعلت، ولكنه خشيَ من أعمامها بالتأكيد.. والذين هم أخوة زوجته، لذا تظاهر بالقسوة وطردها من مجلسه.
تذكر كيف انها غضبت بالأمس حين سمعت من والدها بأن أحدهم سينتقل للعيش في ذلك البيت، وأنه أحد الذين سيعملون تحت إمرته.
والدها قرر ذلك قبل أن يصل هذا الغريب البغيض.
أبدَت ذلك الغضب أمامه، وصاحت وزمجرت دون أن يعيرها أحدهم اهتمامه.
فذهبت للنوم وهي مغتاظة، دون أن تأكل شيئا أو تشرب.
كررت فعلتها في الصباح، وضربت الأرض برجلها مرات لا تُحصى أمام جدتها.. اعتراضا على ما يحصل.
إلا ان أحدا لم يستمع إليها.
حتى خرجت والدتها من حجرتها غاضبة، وأسكتتها بضربة قوية على ظهرها، من شدتها تشعر بالحرارة في تلك البقعة حتى الآن.
حينها ارتدت عباءتها وهربت من المنزل، ساعة زمنية.. ذهبت فيها إلى عمتها ترجوها وترجو زوجها علّهم يستمعوا إليها، لكنهم لم يأبهوا بها أيضا!
جميعهم يعرفون سر تعلقها بذلك المنزل، وبدل أن يقفوا بصفها.. لم يدخروا جهدا في معارضتها والوقوف ضدها، بل وتوبيخها في أي فرصة.

مرّ اليوم بأكمله، وأسدل الليل ستاره.. وهي تقف على نافذة حجرتها مقفلة بابها منذ أن دخلت إليها.
لم تشرب شيئا، ولم تضع لقمة في فمها.. بالرغم من أن جدتها أتتها كل ساعة، ترجوها أن تكفّ عن هذا الجنون وتنزل.
غير انها أصرّت على موقفها وعنادها، تراقب المنزل.. تنتظر أن يخرج لكي تقنعه هو على الأقل.. فتنال مرادها!
لم يخرج الشاب، لم يبرح منزله.. لم تراه إلا حين خرج ليودع زوج عمتها في الساعة العاشرة صباحا.
والغريب أنه لم يخرج حتى لشراء الطعام، ولم تبصر أحد يوصل إليه شيئا يثبت أنه هناك شخصا في ذلك المنزل!
حتى سمعت صوت آذان فجر اليوم الثاني، فنهضت وتوضأت.. وصلّت ثم قرأت وردها وهي ترتدي عباءتها تجلس بكرسيها بالقرب من النافذة، علّها تبصره وهو خارج للصلاة أو عائد منها!
شعرت بالنعاس، لكنها لم تسمح له بالتغلب عليها.. وأخذت تنتظره بفارغ الصبر بعد أن انتهت من قراءة وردها.
إلا ان ما لفتها لمّا أنورت الدنيا كان شيئا مختلفا.. شخصا غريبا يتجه نحو المزرعة المهجورة!
ولم يكن ذلك الشخص إلا هو!

تنبهت حواسها واتسعت عيناها وطار النعاس وكأنها أبصرت فريستها بعد انتظار طويل.
ارتدت نقابها على عجل، ثم فتحت باب حجرتها ببطء دون أن تصدر أي صوت.. لتتسلل من المنزل هاربة بخطواتها الخفيفة والسريعة.
كان المكان قد فرِغ بعد أن عاد الجميع إلا منازلهم بعد صلاة الفجر، ولم يكن هناك سوى بعض كبار السن.
سلكت طريقا مختلفا نحو المزرعة لتبتعد عن أعين الجميع ولا يتمكن أحد من إيقافها، والفضول يقتلها عن سبب ذهاب ذلك الشخص إلى هناك!
استغرقت 10 دقائق تقريبا وهي تسير بخطوات سريعة أقرب للركض.. حتى وصلت المزرعة.
وهناك أبصرته.. يقف رافعا رأسه نحو المنزل الأبيض بداخل المزرعة، يدخل يديه بجيبي بنطاله الرياضي، يفكر مليا.. حتى انه لم يشعر بها ولم يسمع خطواتها حين اقتربت.
لتسأل بصوت منخفض لكيلا يفزع:
- إيش تسوي هنا؟
لكنه فزع بالفعل! وعقد حاجبيه بتعجب وغرابة.
فرك عينيه وهزّ رأسه ليتأكد مما رأى!
هذه نفس الفتاة التي كانت بالأمس! ما قصتها؟ من تكون ولمَ هي هنا؟ أم انها لحقت به!
- إنتِ إيش قاعدة تسوين؟ إيش جابك؟
- هذا حينا المفروض انت تجاوبني، كيف تعرف هالمزرعة؟
مسعود بعد أن نظر إليها لبعض الوقت، سأل بحذر:
- ليش؟ المفروض ما أعرفها؟
هزّت رأسها نفيا:
- لا، بس ماحد يجيها من أهل الحي.. كلهم يظنون انها مسكونة ويخافون يقربون منها، وانت جاي لوحدك بهالوقت؟
ابتسم بسخرية مجددا:
- وانتِ كل شيء عنك مسكون؟ أبشرك أمس في البيت ما صار فيني شيء، هذا أنا قدامك سالم وبعافيتي.
- طيب علمني وش جابك هنا؟
- علميني إنتِ وش سالفتك معي؟ كل شوي تطلعين لي وتقولين حاجات غريبة!
تجاهلت إليان سؤاله وقالت:
- تعرف إيش صار هنا قبل 15 سنة تقريبا!
التزم الصمت مسعود وهو ينظر إليها بدهشة، هل تعرف؟
اقترب منها بضع خطوات سائلا بفضول:
- تعرفين؟
إليان بقلة صبر:
- إنت ليش ترد عليّ بنفس أسئلتي!
- جاوبيني انتِ قبل، تعرفين إيش صار هنا؟ وأحد غيرك يعرف!
- طبيعي كل اللي بالحيّ يعرفون إيش صار بحيّهم، الغريب انه شخص جاي من بعيد بعد يدري.
أكملت بعد صمت قصير وبتردد:
- أنا شاهدة.. على كل اللي صار.

____


انتهى الفصل الثاني


اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

____


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 12:57 AM   #18

MeEm.M

كاتبة في منتدى القصص والروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية MeEm.M

? العضوٌ??? » 430513
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 347
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » MeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond reputeMeEm.M has a reputation beyond repute
افتراضي

قراءة ممتعة للجميع
لا تبخلوا عليّ بكتابة تعليقاتكم، توقعاتكم وآرائكم
وموعدنا مع الفصل الثالث الأربعاء القادم بإذن الله
حفظكم الله ورعاكم ❤❤


MeEm.M غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 10:01 PM   #19

ام محمد وديمه
 
الصورة الرمزية ام محمد وديمه

? العضوٌ??? » 432976
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 628
?  نُقآطِيْ » ام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond repute
افتراضي

عودا حميدا كل عام وانت بخير

ام محمد وديمه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 10:01 PM   #20

ام محمد وديمه
 
الصورة الرمزية ام محمد وديمه

? العضوٌ??? » 432976
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 628
?  نُقآطِيْ » ام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond reputeام محمد وديمه has a reputation beyond repute
افتراضي

ابداع اخر من ابداعاتك يا مبدعه

شكرا مروه


ام محمد وديمه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:48 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.