02-09-20, 09:59 PM | #131 | ||||
| البارت الثامن و الثلاثون عشيقته الشقراء " هل آذيت رأسك ؟ هل تؤلم الى هذه الدرجة ؟ " قال علي بتوتر واضح , ثم تقدم أكثر و مد يده , محاولا الدنو منها و تفقد مكان الضربة , كردة فعل طبيعية منه , و قد علا القلق ملامحه , دون حتى أن يدرك ما يحاول فعله . جفلت ملك من حركته , و تراجعت خطوتين الى الخلف , كانت تقف تنظر اليه بحيرة , لم تفهم ان كان هذا الرجل يعاني انفصاما في الشخصية أو ماذا ؟ فقبل قليل كان يسخر منها و يشمت في ألمها , و الآن يقف مظهرا الاهتمام و يريد معاينة رأسها , شيء لم تتوقعه منه و لو بعد مائة سنة , كانت ضربات قلبها سريعة و وجهها تعلوه حمرة , ربما بسبب الغضب بررت ذلك لنفسها , فكل ما كانت تريده أن تأخذ كرسيا , و تضربه على رأسه حتى تشفي غليلها , و ترى ان كان هناك دماء حمراء تسري في عروقه كباقي البشر . لاحظ علي عدم استجابتها و هم بالاقتراب أكثر , معتقدا أن الضربة أثرت على تركيزها , لكن قبل أن يخطو مجددا ناحيتها أو يكمل كلامه , استدارت ملك فجأة و غادرت باتجاه غرفتها , قاطعة الموقف الغريب الذي أثار ارتباكها , تاركة علي واقفا وسط المطبخ , يده ممدودة في الهواء و هو يراقب الأرنب الهارب . مرر الرجل يده على شعره بتشوش , و قد عاد للابتسام مع نفسه مجددا كشخص أبله , لا يعرف بما يجب أن يفكر , و قد اكتشف للتو ما كان يقدم على فعله , برؤية فرارها منه هو لا يفهم فعلا كيف وصلا الى هذه المرحلة ؟ و لا كيف أقنع نفسه بكل تلك الافتراضات المجنونة و السخيفة منذ البداية ؟ لم يبدو أنه أخطأ قراءة المعطيات لأول مرة في حياته ؟ و هو يرى الآن هذه المرأة من منظور آخر تماما , و كأنها ليست الشابة التي عثر عليها في جناحه ذلك اليوم . كيف اختفى فجأة كل ذلك النفور و الاشمئزاز ؟ أو أن كلام كريم أثر عليه ؟ و أن هناك أمورا مخفية ستتضح مع مرور الوقت ؟ " ستكون ورطة كبيرة وقعت فيها يا علي , ان اتضح أن لا علاقة للعنيدة بكل ما اتهمتها به " تمتم علي بينه و بين نفسه , و حرك رأسه يمينا و شمالا , و كأنه يحاول التخلص من أية أفكار تؤزم صداعه , أخذ بعدها حبة الدواء على عجل , و عاد الى غرفته هو الآخر , صلى الفجر و خلد الى النوم . في الصباح الموالي , كانت ملك قد حصلت على كدمة سيئة على جبينها , و كانت فاطمة أول من سأل عن الاصابة , بمجرد أن لمحتها تدخل قاعة الأكل تحمل الصحون , في البداية هونت ملك من الأمر , بأنها مجرد اصابة عرضية , لكن اغتياظها تجدد حينما لمحت علي يدخل الغرفة , و يجلس مكانه بكل هدوء , و كأن لا علاقة له بما حصل معها لذلك غيرت رأيها و ردت على فاطمة , و قد رفعت صوتها ليسمعها " كان هناك عنكبوت في المطبخ , أفزعني و أدخلني في الحائط " طبعا علي يعلم أنها تقصده و تحاول استفزازه , أراد الضحك بداية بعدما تذكر فجأة منظرها الطريف ليلة البارحة , لكنه كبح نفسه و تظاهر بعدم الفهم , تفاديا لجدال حاد آخر معها في الصباح الباكر , و بدل ذلك رمقها بنظرة محذرة , فمن تكون هي حتى تصفه بالعنكبوت ؟ و ردت هي عليه بوجه عابس مع تكشيرة , جعلته يمسك أرنبة أنفه و يكتم أنفاسه , محاولا المحافظة على ملامحه الجدية و المحذرة , حتى لا ينفجر ضاحكا على تصابيها , فلا ينقصها هكذا الا أن تضرب رجلها في الأرض تذمرا , و تخرج له لسانها تماما كما يفعل الأطفال . قاطعت فاطمة نظراتهما القاتلة لبعضهما , و قد بدأت في التفكير بالتدابير اللازمة لتطهير المطبخ ، و أوشكت على الدخول في نوبة ذعر , قبل أن تصحح ملك كلامها , و تخبرها أنها تخيلت عنكبوتا و لم تره حقيقة , مما أشعر المرأة بالراحة , و لكن ذلك لم يمنع علي من الابتسام بسخرية من ارتباكها , مع نظرة شماتة في عينيه , لأنها سحبت كلامها كالجبانة . بعد الافطار غادرت رنا الى مدرستها , أما علي فقد قصد مكتبه , بعد أن استدعى فاطمة لأمر هام . كان علي لا يزال يتذكر , ما سمعه البارحة و أثار حفيظته , هو لم يتدخل ساعتها , لأنه كان يتوقع من ملك أن تثور في وجه ماري كما تفعل معه , و ترد الاتهام عن نفسها و تذهب للشكوى لفاطمة , أو على الأقل تخبره عن الموضوع , حينما التقته صدفة في المطبخ , لكنها فاجأته بردة فعلها , و موقفها المتجاهل و اللامبالي بما حصل , فلا يبدو أنها تصرخ الا في وجهه . بعد دخول فاطمة مباشرة بادرها " تلك الخادمة التي تدعى ماري , أعطها شهرا مقدما و اصرفيها , لا أريد رؤيتها في بيتي بعد الآن , و من الآن فصاعدا لا أريد لأية خادمة منهن , أن تدخل غرفتي أو تلمس أغراضي مفهوم ؟ " تفاجأت فاطمة للطلب الغريب , هي أكثر شخص يعرف علي و يحفظ تصرفاته , و هي تدرك جيدا أنه لا يتدخل في شؤون الخدم , مهما بلغت مشاكلهم هي المسؤولة الوحيدة عنهم , و لطالما كان راضيا عن طريقة تصرفها معهم , لم يعقب يوما على تعليماتها اضافة الى أنه لا يقطع رزق أحدهم الا لسبب وجيه , لذلك استغربت أمرا مفاجأ كهذا " لم سيدي ؟ هل فعلت أمرا أغضبك ؟ " لم تقصد فاطمة المراجعة على كلامه , بقدر ما أرادت معرفة السبب , لكن جواب علي كان مختصرا " يمكنك أن تقولي أنها فعلت شيئا أهانني " قال و هو يرمقها بنظرة مستهجنة , أثارت استغراب فاطمة و هي تتكهن عما حصل . لم يهضم علي كل الاتهامات التي سمعها من خادمته , و تلميحاتها الى وجود علاقة بينهما , حتى و ان كان رأي ملك به لا يهمه , لكنه لن يسمح لماري بنشر كذبة عنه كالتي قالتها " حاضر بني سأصرفها " ردت فاطمة بانصياع , فنظرة علي الجدية و الاستياء على ملامحه كان يشرح الكثير . أطرق علي رأسه و أضاف بنبرة متشنجة " فاطمة شيء آخر " " تفضل بني " صمت علي لدقائق كأنه يفكر في أمر جاد , و فاطمة تقف أمامه تنتظر بكل صبر , بعد أن رتب أفكاره بادرها " أفهمي الخادمات أن عليهن أن يتعاملن مع ملك بكل احترام , أية واحدة تتعدى حدودها معها أو تقل أدبها , تجمع أغراضها و ترحل دون نقاش " شعرت فاطمة بالدهشة و سألت نفسها " هل لرحيل ماري علاقة بملك ؟ ثم لم يتدخل علي بالأمر الآن ؟ ألم يخبرها سابقا أن تعاملها كالبقية دون محاباة ؟ لم اذا يقوم بطرد ماري بسببها , دون تحقيق في المشكلة ؟ " لم تستطع فاطمة منع نفسها من الاستفسار أخيرا " لكنك سيدي أخبرتني أن أعاملها كبقية الخدم , يكفي أنني أسمح لها بعدم ارتداء الزي , لا يمكنني أن أتدخل في كل جدالاتها مع الأخريات " نظر اليها علي بنظرة مستاءة أخرى , و قال بصوت شبه غاضب " يعني تعرفين أنهن يتحرشن بها , يوجهن لها الاهانات و يتنمرن عليها , دون أن تفعلي شيئا لردعهن ؟ " صمتت فاطمة لبعض الوقت و قد شعرت بالاحراج , ثم أجابت بصدق " احم حسنا بني , لا يمكنني منع المناوشات بينهن , أنا لا أتدخل الا اذا كبر الموضوع , خاصة أنهن من نفس الجنسية , و يتعصبن في بعض الأحيان لبعضهن , و ربما يشعرن بالغيرة , لأن ملك صغيرة في السن بالنسبة لهن و أكثر جمالا , و أنا لا يمكنني التحيز لأي طرف , لأنهن ستتمردن أنت تفهم " لطالما اختارت فاطمة خادمات , تعدين الثلاثين من عمرهن بملامح عادية , د فعا الى أية فضائح أو تجاوزات , قد تبدر من شابات طائشات أقل سنا , و بالتالي فالموجودات هنا أصغرهن تكبر ملك بعشر سنوات , و كون ملامحها طفولية تزيد الطين بلة , و تجعلهن يحقدن عليها رفع علي حاجبه باستنكار و أجابها بحدة " ما الذي يجري هنا فاطمة ؟ أنا هنا صاحب المنزل , لست ملزما بتقديم تقارير عن من أدخله بيتي لخادماتي , أفهميهن أنهن هنا لأنني أريد ذلك , و أقبل بتوظيفهن و دفع رواتبهن الخيالية , هل ستصبحن الآن الآمر الناهي هنا , و علي أن أرضخ لسخافاتهن ؟ " شعرت فاطمة بمزيد من الارتباك , فلأول مرة ينتقد علي طريقة ادارتها لمنزله , و حاولت الدفاع عن قراراتها , بقول ما كانت تخجل منه " بصراحة بني أنا لا يمكنني ايقاف حقدهن عليها , فملك تتلقى معاملة مختلفة هنا , خاصة أن وضعها مريب منذ وصولها , و أنت تعلم كيف دخلت .. " علت نظرة استهجان شديد وجه علي , و بدا أكثر غضبا من ذي قبل , و قد فهم مالذي تلمح له مربيته . و قال مقاطعا فاطمة التي بدأت تنتقد وضع ملك المبهم " ملك " قال و توقف فجأة ثم بلع ريقه و استرسل " ملك ... ... ملك زوجتي " قال بعد تردد للحظات بصوت هامس , لكنه لم يجد مهربا من الاعتراف بالعلاقة , فهذه الحقيقة الوحيدة التي يملكها , بغض النظر عن طريقة اتمام الموضوع , فالعقد موجود و هو وقع عليه بكل رضا , و في كامل قواه العقلية , لن يأتي الآن و ينكره , هو ليس جبانا الى هذه الدرجة , ملك زوجته و بالتالي فهي محسوبة عليه و تحت سقف بيته , اذا أسيئت معاملتها من طرف الخادمات , و حصل لها أي مكروه فهو المسؤول الوحيد , لن يسأل أحد عن تفاصيل العلاقة أو المبررات حينها , اضافة الى أنه يريد الضغط عليها , و لكنه ليس ظالما ليسلط عليها كل من في البيت , هو لا يحب خوض الحروب بالنيابة , حقه يأخذه بيده لا يستعمل أحدا هذه مبادؤه . " ماذا ؟ " صرخت فاطمة في وجهه دون ادراك , و قد شعرت بالصدمة لما قاله للتو " منذ متى ؟ " سألت مستخدمة صلاحيتها كأم ثانية له صمت علي لبرهة أخرى , قبل أن يجيبها بصدق و بنبرة أقل حدة , و هو يمسح جبينه بيده " منذ أتت الى هنا نحن متزوجين رسميا , و لكنها هنا لظروف خاصة جدا , و سترحل عن قريب كما أخبرتك سلفا , و لحين حدوث الأمر , لا أريد لأحد أن يمس شعرة من شعر رأسها , مفهوم ؟ " كانت نبرة التهديد واضحة في صوت علي , فالصفة التي تحملها ملك الآن , لا تمنحها حصانة ضد تحرش الخادمات فقط , و لكنها تكف ألسنتهن عن كل تلك الاتهامات , و الاشاعات التي تجمعها بعلي . كان كلام علي واضحا عن مكانة ملك , و لكن ما لا تفهمه فاطمة هو لماذا ؟ اذا كانت زوجته كما يقول فلم لا تشيع الأمر ؟ و تحصل هي على مكانتها كسيدة للبيت , لتعامل كملكة و تكون طلباتها أوامر ؟ و لم يسمح علي لها بالعمل كخادمة , أو أنها خادمة في الأساس ؟ مما تعرفه فاطمة عن الشاب الذي ربته , أن اعتزازه بنفسه يمنعه من الارتباط من مجرد خادمة , ثم هو لم يسبق له أن أحضر امرأة الى هذا البيت , فلم تكون أولهن بوضع مشبوه ؟ و ما قصة الظروف الخاصة التي يتكلم عنها ؟ كانت هناك الكثير من الأفكار تجول في رأس المرأة , لكنها لا يمكنها أن تسأل مباشرة , لأن علي لو كان يريد ايضاح التفاصيل , لأخبرها دون أن تسأل و اكتفت بالانصياع " حاضر بني " " و ما قلته سيبقى في هذا المكتب , ليست معلومات للاذاعة مفهوم ؟ " شدد علي على ضرورة ابقاء الأمر بينهما , لا يريد للخبر أن يتسرب " حاضر " انصرفت بعدها فاطمة و قد فهمت أن الوضع تغير , فزوجة صاحب المنزل تقيم الآن في رواق الخدم , طبعا لا يمكنها تغيير معاملتها مع ملك , بما أنه طلب ابقاء الأمر سريا , لكن بامكانها اجبار الخادمات على معاملتها باحترام . نفذت المرأة التعليمات مباشرة , و لم تعرف ملك شيئا عن سبب طرد ماري , لكنها شعرت براحة كبيرة , فقد كانت أكثر شخص يتحرش بها , حتى أنها كانت تؤلب الأخريات لازعاجها بسبب الغيرة . فاطمة من جهتها وجهت انذارا مستترا لهن , بخصوص طريقة تعاملهن معها , حتى أنها أشارت الى امكانية تدخل السيد بنفسه , في حالة تجاوزن حدودهن معها , هدأت الخادمات بعدها و التزمن بالتعليمات خوفا من طردهن , لكنها لم ترد أن تبقي أمر معرفتها بالعلاقة سرا عن ملك , لذلك تقربت منها في أول فرصة و سألتها " لم لم تقولي أنك زوجة السيد ؟ " قالت فاطمة بعتاب نظرت اليها ملك نظرة استنكار , و قد استغربت معرفتها بالأمر , فلم يبد أن الرجل المجنون مستعد لاشاعة الموضوع , لكن اجابتها كانت هادئة كعادتها " لست كذلك " قالت بصوت هامس لكن بلهجة منزعجة , و هي تلتهي بتنظيف الطاولة . تنهدت فاطمة بعمق , التزمت الصمت بعدها و حدثت نفسها " حسنا يبدو بأن هذا الزواج به علة ما , فلم يسبق أن رأت في حياتها علاقة كهذه , فالرجل يطلب معاملة زوجته كخادمة , و يتحدث بكل بساطة عن انفصال قريب , و هي تنكر علاقتها به نهائيا , و كأنه منبوذ أو ذميم , كان يمكن أن تتفهم الأمر , لو كان الرجل شخصا آخر غير علي , لكن هكذا الوضع غير قابل للتصديق " اكتفت فاطمة بأسئلتها الماضية و توقفت عن فضولها , أكيد سيظهر أصل القصة قريبا , فلا شيء يبقى سرا لوقت طويل . وجهت بعدها كلامها الى ملك مجددا " من الآن فصاعدا اذا أزعجتك أية واحدة منهن , أخبريني مباشرة " طبعا هي تعرف أنهن يحقدن عليها , و لكنها لا يمكنها التدخل ان لم تشتك ملك نفسها من الأمر " شكرا لكن لا داعي , بامكانهن قول ما تشأن أنا لا أهتم " قالت ملك بلا مبالاة " و لكن السيد يهتم " ردت فاطمة فورا فاجأ الجواب ملك و رفعت رأسها لفهم ما تحاول قوله " ماذا ؟ " تداركت فاطمة تسرعها و أضافت " لا لا شيء , أقصد أن السيد لا يحب المناوشات بين العاملات , لذلك أنا أتدخل بالأمر لتسويته " هزت ملك رأسها دون إضافة كلمة , و دون الخوض أكثر في أية تفاصيل أخرى , فهي لا تعلم بم تجيب , إن ألحت المرأة في السؤال . بعد رحيل ماري و التزام الخادمات , أصبحت حياة ملك أكثر هدوءا , تساعد فاطمة طوال الوقت , لا تخرج من المطبخ حينما يأتي ضيوف , لا تلج الطابق الثاني أبدا , و لا تعلم حتى ما يحتويه , تتحاشى الجدال مع الخادمات و التعامل مع رنا , و تغرق نفسها في الأعمال . علي من جهته لا يعترض طريقها , لا يكلمها و لا يعلق على شيء يخصها , ينفذ جانبه من الاتفاق بحذافيره , و قد بدأ يشعر بالاحباط من انتظار تراجعها عن العقد بينهما . . . . مر أسبوعان منذ وصول ملك الى هذا البيت المليء بالأسرار , و التي كانت تكتشفها تباعا , و لم تكن رنا آخر شخص تتعرف به , في احدى الأمسيات قبل موعد العشاء , و أثناء التهاء ملك كعادتها في المطبخ لمساعدة الأخريات , دخلت شابة شقراء بقامة هيفاء , نحيفة الخصر بملامح أجنبية جميلة , تمشي بدلال كبير كأنها عارضة أزياء , ببشرة وردية ناعمة , عينين زرقاوين كأنهما خرزتين , و شعر ذهبي اللون كأشعة الشمس , كانت ترتدي قميصا أبيضا شفافا , مع ياقة مفتوحة تظهر رقبتها الناصعة و أعلى صدرها , و سروال جينز ضيق يظهر تفاصيلها المثيرة , مع خف بسيط في قدميها دخلت الشابة و كأنها سقطت من السماء , و للحظات شردت ملك لرؤيتها و قد شعرت بالمفاجأة , اتجهت الشقراء الى الثلاجة , سكبت كأس عصير لنفسها , ثم وقفت قبالة النافذة , تجول بعينيها مراقبة الحديقة , و ترتشف شرابها على مهل . حدقت ملك اليها لثوان اضافية , قبل أن تشيح بنظرها سريعا , و تتابع ما كانت تفعله بشرود , بعد دقائق وضعت الشابة الكأس الفارغة على الحوض , و كلمت فاطمة بلغة عربية سيئة , مؤكدة فكرة ملك عن أنها أجنبية , بعد أن طلبت عدم ارسال عشاء الى غرفتها الليلة , و ردت عليها فاطمة بالايجاب بكل لطف " حاضر آنستي " همت الشقراء بالمغادرة , لكن قبل ذلك تفحصت ملك , من رأسها الى اخمص قدميها بنظرات غريبة , ثم استدارت دون قول كلمة واحدة , و غادرت متجهة الى الطابق الثاني . التعليق الوحيد الذي تبادر الى ذهن ملك حينها , هو أن هناك سكانا في الطابق الثاني , لا تعرف عنهم شيئا , فهيأة هذه المرأة و تصرفاتها , تقول أن المكان مألوف بالنسبة لها , تعامل الخادمات و فاطمة الروتيني معها , اضافة الى تعودها على الأغراض و الأماكن , يؤكد أنها تقيم هنا و ليس من فترة قريبة , و لكنها متأكدة أنها لم ترها منذ وصولها , اتضح أخيرا أمر الأكل الذي يحضر بعناية , و ينقل الى الطابق الثاني , واضح أنه من أجل هذه المراة , و هي التي اعتقدت أنها عادة غريبة أخرى للمجنون , تذكرت ملك فجأة الرجل , الذي التقته قبل يومين في الصالون , و عرف عن نفسه على أنه طبيب , هو الآخر صعد الى الطابق الثاني , و مكث لفترة قبل انصرافه , ربما استدعي يومها لمعاينة الشقراء ؟ " أي بيت أعيش فيه , لا أعرف حتى من يسكنه ؟ هل هذه واحدة من عشيقات المجنون ؟ " سألت ملك نفسها , و شعرت فجأة بالاشمئزاز و الغثيان بالتفكير في الأمر " كيف يعقل أن يبقي ذلك الرجل , على ابنته مع عشيقته تحت سقف واحد , يا الهي هذا الرجل مريض نفسي يحتاج علاجا " " أو أنها زوجته ؟ " فكرت ملك مجددا , و لكنها عادت و استبعدت الأمر " هي لا تأكل معهم على نفس الطاولة و لا تضع خاتما , كما أنها لا تعتني برنا فأكيد أنها ليست والدتها , أو ربما هي زوجة بعقد عرفي أو مزور مثلي ؟ لم اذا لا تناديها فاطمة سيدتي بدل آنستي ؟ و أين كانت طوال الفترة الماضية ؟ " كالعادة ألف سؤال و لا اجابة منطقية واحدة , صارت ملك تخاف الاستفسار عن الأمور , لأن الاجابات تكون مخيفة أحيانا , و لم تعرف لم يراودها شعور , بأنها واحدة من جواري ملك من العصور القديمة . " هل يعقل أن يكون هناك غيرهما في هذا المنزل ؟ ماذا لو كان هذا الرجل المتسلط المجنون , يمارس هواية جمع الخليلات ؟ " شعرت ملك بالقشعريرة من الفكرة , و لكنها شعرت ببعض الارتياح في نفس الوقت , فبوجود جمال كهذا في غرفته , ستكون هي في مأمن من أن يتعرض لها , أو أن يحاول شيئا معها . شعرت فاطمة بتساؤلات ملك في عينيها , و تغير ملامح وجهها بعد رؤية الشابة , و لم تكن تعلم ان كان علي قد أخبرها عن وجود سارة هنا , لكن كان واضحا تفاجؤها برؤيتها , أو ربما هي تشعر بالغيرة منها ؟ لم تكن فاطمة لتفكر هكذا , لو لم يخبرها علي أنها زوجته , و لم تعرف ان كان عليها قول شيء ما للايضاح , أو أنها قد تتعدى حدودها بفعل ذلك و عليها التزام الصمت . بعد تفكير عميق أدركت فاطمة , أن شيئا سيئا جدا حصل بين هذين الاثنين , جعل علاقتهما معقدة يملؤها النفور , و أوصلهما الى طريق مسدود , شعرت المرأة بحاجتهما للتحدث بهدوء , و حل الأمور العالقة بروية , فعلي رجل صبره قليل و غضبه سريع , و ملك تبدو فتاة عنيدة للغاية و لا تتراجع بسهولة , و هي تفعل أكثر ما يكرهه و هو تحديه في كل كلمة . بعد تفكير معمق قررت فاطمة أخذ خطوة تشجيعية , و ارسال ملك لخدمة الطاولة على العشاء , مستغلة تظاهرها بعدم معرفة طبيعة العلاقة بينهما , و أكيد علي لن يسمح بذلك , و قد يطلب منها أن تنظم الى الطاولة , و تعود المياه الى مجاريها و يتصالحان . كان تفكير فاطمة بسيطا كشخصيتها , و لم تعلم أن بين علي و ملك علاقة معقدة جدا , بدأت بسوء فهم و حقد دفين , و انتهت بعقد اجباري و اتفاق غريب , يعني لم تكن هناك مياه أصلا , حتى تعود الى مجاريها . " ملك دورك في خدمة الطاولة اليوم " أية تخمينات عمن تكون الشقراء ؟ أو كيف سيكون الوضع على العشاء ؟ 😘💞💞 ......... | ||||
02-09-20, 10:53 PM | #132 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 11 والزوار 3) ملك علي, Just give me a reason, الذيذ ميمو, zezeabedanaby, نجمة القطب, Alaa_lole, غير عن كل البشر, سوووما العسولة, روجا جيجي, um habiba, ملك اسامة Merciiiii 😘💞💞 | ||||
03-09-20, 08:43 PM | #133 | ||||
| البارت التاسع و الثلاثون ليلة الفوضى 💞 " ملك دورك في خدمة الطاولة اليوم " قالت فاطمة بكل هدوء , و هي تنهي تحضير الشوربة هي لم تطلب منها القيام بالأمر سابقا , خشية أن تقدم خدمة سيئة و تثير غضب علي , و لكن بما عرفته مؤخرا فقد اختلف الوضع , امتعضت ملك قليلا بسبب ارسالها حيث علي , لكنها لم تعترض و قصدت غرفة الطعام مباشرة , قامت الخادمات برص أطباق السلطات و المقبلات , زجاجات العصائر و سلة الخبز , ثم وضعت القدور على الجانب , حتى يتسنى للمسؤول على الخدمة تقديم أكل الليلة . أشرفت فاطمة على التحضير كعادتها , و أشارت لملك الى مكان وقوفها , متمنية أن تلقى مبادرتها النجاح . بعد ترتيب الطاولة مع بقية الخادمات ، وقفت ملك مكانها منتظرة , و هي تحاول مواساة نفسها . بالنسبة لها هذا عمل كأي عمل آخر , فقد سبق لها أن تطوعت كثيرا في المخيمات التي تنقلت اليها , و قامت مع زملائها بعلاج المرضى , و الطبخ لهم و مساعدة العجزة , و حتى تحميم الأطفال اللاجئين من الأيتام , الذين كانوا يقضون وقتا طويلا في المستشفيات المتنقلة , و لهذا هي لا تعاف أي عمل , لا تتحسس أو تشعر بالاهانة , مهما كانت طبيعة الخدمة . إضافة الى أنها وافقت مسبقا على العمل كخادمة هنا , و هي تعرف أن هذا جزء مما سيطلب منها القيام به , لكن ما يربكها فعلا , هو تواجدها في مكان واحد مع المجنون . في الثامنة تماما دخل علي مع رنا إلى غرفة الطعام , و تفاجأ بوجود ملك تقف هناك , استاء في البداية و لام نفسه " يا إلهي نسيت أن أخبر فاطمة , ألا تخدم هذه العنيدة الطاولة " لكنه تظاهر بالتجاهل , و لم تظهر على ملامحه أية تغييرات , فهو لا يريد أن تشعر هذه المرأة بأي تعاطف معها من طرفه , و جلس مكانه بكل هدوء , متناولا المنديل من أمامه . أما ملك فقد شعرت بالتوتر , فهي تتفاداه طوال الأيام الماضية , لكنها الآن مضطرة للوقوف على مقربة منه , و الأمر يثير اشمئزازاها و خوفها , الشخص الوحيد الذي كان يشعر بالسعادة داخل الغرفة كانت رنا , فبمجرد أن رأت ملك حتى علت ابتسامة عريضة ثغرها , و قامت بتحيتها بيدها بكل ود , ثم جلست مكانها إلى يسار والدها . ردت ملك التحية برأسها و ابتسمت لها , فهي لا تجرؤ على التعامل مع الطفلة في وجود والدها , فقد يخنقها هذه المرة , لكن قلبها لا يطاوعها لتتجاهلها تماما , و هي تحدق ناحيتها بهذه النظرات الدافئة و المحبة . بدأت ملك بتقديم الطعام السلطة , ثم الحساء ثم المعكرونة و في الأخير التحلية , هذا ما طلبته فاطمة منها , و لكنها تنفذه بطريقتها هي الخاصة , تناول الاثنان بداية المقبلات و السلطة , و كانا يأكلان في صمت تام , الا من أصوات الأواني , و قد بدت ملك مندهشة , من اتقان رنا لاستعمال الشوكة و السكين , غيرها من الأطفال يمدون يدهم مباشرة الى الصحن دون انتظار , واضح أن المتسلط يفرض عليها ذلك , من يدري ربما يقوم بتجويعها ان رفضت الانصياع , و اتباع التعليمات العسكرية على الطاولة , كالمهووس الذي هو عليه , حدقت ملك الى الطفلة , متخيلة اياها تتضور جوعا , و رغبت في ضرب والدها بالقدر على رأسه , أمر صارت تتمناه كثيرا مؤخرا " أستغفر الله العظيم " تمتمت بينها و بين نفسها , الا أن علي سمعها فقد كانت تقف قربه , و اكتفى بارسال نظرة منبهة ناحيتها , دون أن يفهم لم تستغفر عند رأسه . بعد أن انتهى الرجل و ابنته , بدأت ملك بسكب الحساء في صحن رنا أولا , و قد كانت حريصة على انتقاء قطعة لحم , مكورة دون شحوم وضعتها أمامها " أكيد الطفلة ستحبها , و هي تحتاجها أكثر من هذا الثور الهائج " كلمت ملك نفسها مجددا فيما استمرت الطفلة في إرسال الابتسامات العذبة ناحيتها , تعبيرا عن سرورها تحت أنظار والدها , الذي لم يعلق على تركه تاليا في التقديم , و خرق ملك أحد أهم آداب الطاولة و هو البدء به أولا . " أكيد هي تفعل ذلك متعمدة لاثارة غضبي " همس لنفسه بامتعاض لكن لا بأس هو لن يفتح جدالا معها من أجل هذه التفاصيل , و اذا كانت تتعمد تجاهله فعليه معاملتها بالمثل . وقفت بعدها ملك عن يمينه استعدادا لملىء صحنه , محاولة السيطرة على أعصابها , فوجوده بقربها يوترها , و رائحة عطره تشعرها بالغثيان و تزيد الأمر سوءا , في لحظة ارتجفت يدها قليلا , و انزلقت ملعقة التقديم منها في صحنه , و طار بعض الحساء الساخن عليهما . علي و كردة فعل و دون ادراك منه , ابتعد بكرسيه الى الخلف , و أبعد ملك التي تقف بجانبه عن الطاولة , بوضع يده على بطنها و دفعها الى الوراء , بمجرد أن لامستها أصابعه أفزعها الأمر , و كأن تيارا كهربائيا مر على كامل جسمها , فقدت ملك السيطرة و ارتجفت يداها أكثر , و تركت القدر التي تحملها لتقع على الأرض , محدثة ضجة مدوية , ليتطاير ما بقي بها من حساء في كل الأرجاء , محدثا فوضى عارمة . شعر علي بارتباكها , لكنه لم يخف استياءه و نهرها " ما بك كدت تحرقيننا , ألا تجيدين سكب بعض الحساء ؟ " شعرت ملك بالاحراج و الانزعاج , و لكنها لم تتمكن من الرد عليه , و الصراخ في وجهه في وجود رنا , إضافة الى أنه بما فعله حال دون احتراقها . حضرت فاطمة بسبب الجلبة و صراخ علي , الذي عاد للجلوس مكانه مجددا ، محاولا تمالك نفسه و التحكم في استيائه , و تفاجأت لوقوف ملك جانبا , دون حراك و كأنها أصيبت بالشلل ، كان وجهها محتقنا و عينيها دامعتين بسبب إحراجها , هي اعتقدت أن علي سيدعوها للانظمام الى طاولة الطعام , لكن اتضح أن حساباتها كانت خاطئة , و أنها أرسلت اعصارا عصف بالمكان . شرعت فاطمة بتنظيف الطاولة , و جمع ما تساقط على الأرض دون تعليق , فجأة نطق علي بانزعاج " أسكبي لي معكرونة لا أريد حساء , لدي عمل كثير لأنهيه " أشارت فاطمة لملك بتنفيذ ما طلبه , هذه الأخيرة لم يخف توترها بعدما حدث بل ازداد , و لكنها سكبت ما طلبه دون حوادث هذه المرة , لا تريد حربا معه من أجل أمر تافه , و عادت للوقوف هناك إلى الجانب بصمت ، كالصنم منتظرة الأوامر . غادرت فاطمة بعد التنظيف , و علي الذي كان يبدو عليه الهدوء بدأ يتوتر هو الآخر , فقد توقع أن تغادر هذه المرأة بعدما حصل , لكنها تصر على البقاء تقف قريبة منه , يسمع صوت أنفاسها و همساتها لنفسها , و رائحة عطرها المميزة , تصل الى أنفه رغما عنه , رغم أنها لا تضع أية عطور , الا أن هذه الرائحة مميزة , تشبه صابون استحمام الأطفال برائحة الياسمين , تؤثر عليه بطريقة ما قد لا يعترف علي أمام أحد , و لكنه يعرف بينه و بين نفسه , أنه لا يحب وقوفها هناك , هو لا يحب إذلال أحد , ففي النهاية كان ذلك مجرد اتفاق غبي في لحظة مجنونة , فلا هذا عملها و لا مستواها , هو فقط كان يريدها أن تفهم , أن اختيارها العمل كخادمة , هو قرار سيء من الأساس , فقد تتوقف عن عنادها الغبي و تحديه الذي يمقته , لكن ما يحدث الآن مهين فعلا , و هو بدأ يزعجه الأمر بشدة . " غادري لا نريد شيئا " تكلم فجأة مشيرا لملك بالانصراف , لكنها كالعادة لا يسعها الا أن ترد عليه ككل مرة " ليس قبل أن تكملا , السيدة فاطمة قالت هذا " كان صوتها منخفضا و لكنه حازم , مما أزعج علي و كأنها تقول له " لم أطلب منك التدخل ، لا علاقة لك بالأمر , و لا داع لاهتمامك " بعد أن أشفق عليها و تنازل للمساعدة , هي تفهمه أنها لا تنفذ إلا أوامر فاطمة و كأنه نكرة . فجأة وضع علي الشوكة من يده , محدثا صوتا قويا و قد وصل حده , أخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على غضبه , ثم نهض من مكانه ساحبا الكرسي إلى الوراء و اتجه ناحيتها , أفزع الأمر ملك التي لم تفهم ردة فعله هذه , فهي لم تقل شيئا يستحق الغضب , و ما كان منها إلا أن تراجعت خطوتين إلى الوراء , و كأنها تفر منه و من هجومه عليها , لكنه لاحقها و بسبب فارق الطول بينهما , فقد اضطر علي الى أن ينحني اتجاهها , ليقول ما يريده بصوت غاضب " أنت لم تستمتعين بمعارضة كل ما أقوله ها ؟ لم أنت عنيدة هكذا , تحبين استفزازي صح ؟ " كان علي يتكلم بلهجة غاضبة و يدنو منها , و هي تتراجع الى الخلف , واضعة يدها اليمنى أمام وجهها , فقد شعرت للحظة أنه سيقوم بضربها , بسبب اهتياجه و الاستياء البادي على وجهه . ارتطمت ملك بالحائط خلفها و توقف انسحابها , و وقف علي بدوره أمامها واضعا يديه على خصره , و عينيه تطلقان شرارا , ساد بعدها صمت رهيب بين الاثنين للحظات , كانت ملامح ملك كطفل يتعرض للمضايقة و التنمر , عينيها العسليتين متسعتين عن آخرهما تحملان لمعة ندى , و تطبق شفتيها كأنها توشك على البكاء , شعر علي للحظة بأنه يريد أن يضحك , فهذا منظر رنا حينما تقوم بأمر سيء , و يقوم بتأنيبها و معاقبتها , لكنه كبح نفسه متوقعا منها ردا مستفزا كعادتها , لكن ما قالته لاحقا صدمه " انتبه لما تقوله , الطفلة تجلس إلى الطاولة , و هي تراقب كل ما تفعله " قالت ملك بصوت رقيق , و كانت أنفاسها الدافئة تلمس وجهه و هي تهمس أمامه . فجأة توقف علي كمن سكب على رأسه دلو ماء بارد , فعلا لقد نسي أمر رنا تماما , و هذه الأخيرة توقفت عن تناول طعامها , و هي الآن تحدق اتجاههما بفضول ، و تعلو وجهها نظرة مستغربة , شعر علي بالاحراج لتهوره بحضور ابنته , سعل مرتين برفق و حك رقبته , ثم عاد بهدوء إلى مكانه ، و قد اختفى كل غضبه , هو لا يعرف فعلا لم نفذ ما أشارت به ملك ؟ لكنه يعترف أن هذا هو الصواب , فليس عليه الدخول في نقاش حاد و صراخ أمام الطفلة , معطيا مثالا سيئا لها , خاصة أنه يفقد أعصابه كلما بدأت ملك بالرد عليه . هو يدرك أن ملك قدرت الموقف أفضل منه , لكنه لن يعترف بالأمر أبدا , فمن تكون هي حتى تعقب على تصرفاته أمام ابنته , و تملي عليه كيف يربيها ؟ ثم هي أكيد استخدمت رنا كذريعة لتلافي غضبه , و تحاول الظهور مظهر المراعية لصالح الطفلة . فكر علي بينه و بين نفسه , ثم استدعى بعدها فاطمة و أمرها " اصرفيها " مشيرا إلى ملك ثم نظر إليها بتحذير " لا أريدها أن تخدم الطاولة مجددا " أشارت فاطمة الى ملك بالانصراف , فيم اعتقدت أنه منزعج بسبب سوء الخدمة , بعد الفوضى التي خلفتها هناك , و لكن الحقيقة أن ما يزعجه , هو كل تلك المفاجآت في تصرفاتها , و التي تخيب ظنه السيء كل مرة , هي تلك المشاعر المتضاربة في عقله , و التي لا يجرؤ على إخراجها للعلن . فهو لم يعد يعلم بما يشعر , حينما تقترب هذه المرأة منه أو تتعامل معه , إنه مزيج من غضب حقد استياء شفقة , و أمر آخر لا يعرف ماهيته , كل ما يعرفه أن قلبه يرتجف , كلما حدق في عينيها , و يفقد السيطرة على تصرفاته , بمجرد أن تبدأ بالتحدث بصوتها الرقيق ذاك , و كأنها تلقي عليه تعويذة , أو ربما ملامحها البريئة تلك ما يؤثر على عقله هو ليس متأكدا , المهم أن هذه ليست المرة الأولى التي يحدث بها هذا الأمر , و لكنه تكرر كثيرا لدرجة أن أصبح يزعجه . هل هو شعور بالذنب لما حصل أو أنه بداية شعور بالندم ؟ ربما لكن ذهنه مشوش جدا حاليا لإدراك الأمر . لكن الأكيد هو أن أكثر شيء يوتره في حياته , ألا يسيطر على المواقف , فكيف يكون شعوره حينما يفقد السيطرة , على ردات فعله و أحاسيسه أمامها ؟ عادت ملك الى المطبخ غاضبة هي الأخرى و متأففة " ماذا يعتقد نفسه هذا الأبله ؟ إذا لم يعجبه عملي , لم لا يستخدم يديه و يخدم نفسه ؟ مجنون أحمق متسلط " و عادت لغسل الصحون و تنظيف المطبخ , تحت أنظار فاطمة التي ندمت , لأنها فكرت في وضعهما في مكان واحد , استمر بعدها تذمرها الى أن عادت إلى غرفتها , فهو المكان الوحيد الذي تضمن أنها لن تلمح فيه وجهه المستفز . بعد ساعتين كانت ملك قد أنهت يومها , غيرت ملابسها و اندست في فراشها استعدادا للنوم , و كان علي كالعادة منشغلا في مكتبه , أمام حاسوبه مع كومة الملفات ، التي يصطحبها يوميا من الشركة , و فنجان قهوته في يده محاولا التركيز , و كالعادة في هذا الوقت هدوء تام يلف البيت , لا يسمع إلا صرير الحشرات القادم من الحديقة , فجأة علت صرخة مفزعة , دوت في أرجاء المنزل , كانت قادمة من غرفة الغسيل في رواق الخدم , ركض الجميع إلى هناك , و كانت ملك أول الواصلين , بما أن غرفتها مقابلة في الرواق و الأقرب , ثم تبعتها فاطمة و باقي الخادمات , داخل الغرفة كانت رنا تقف أمام المكواة , تبكي بفزع و تمسك يدها اليمنى , التي يعلوها حرق واضح على مستوى الكف , كانت الخادمة ياو قبل دقائق تكوي الشراشف , تركت المكواة و قصدت الحمام , و رنا الفضولية تسللت كعادتها إلى هناك للعب , و أحرقت يدها بعدما حاولت تقليد ياو في كي الملابس . كان الموقف صاخبا جدا , رنا تبكي بحرقة تمسك يدها المصابة , و لا تسمح لأحد بالاقتراب منها , فاطمة تصرخ في وجه ياو و تؤنبها بسبب اهمالها , و باقي الخادمات يعلقن دون توقف , وحدها ملك من لم تفقد تركيزها , و كانت ردة فعلها سريعة و آلية , دنت من رنا بتأن و احتضنتها لتهدئها , دون أن تلمس يدها لأن فعل ذلك يؤلمها , قادتها بعد ذلك باتجاه المطبخ , بحثا عن بعض قطع الثلج , فأهم شيء الآن تقديم الاسعافات الأولية . أثناء ذلك وصل علي أخيرا , حيث كان يبحث عن مصدر الجلبة لم يتوقع أن رنا التي وضعها بنفسه في سريرها , قد تسللت بعدما غادر و هي من تسبب بالمشكلة . كان قلقا جدا لكنه بمجرد أن لمح الحرق في يدها , حتى جن جنونه و صرخ في وجه الجميع " ما الذي حصل ؟ " كان صوته مخيفا جدا مما جعل الخادمات يجفلن لسماعه لكن ملك تجاهلت غضبه , و تجاوزته متجهة إلى المطبخ , فهذا ليس وقت الشرح , ثم أن بكاء ياو الذي احتد خلفها يقول الكثير , لحقها بعدها الكل الى هناك , حيث أخرجت ملك مكعبات الثلج سريعا من الثلاجة , و أفرغتها في اناء به ماء , ثم غمست يد رنا بداخله , لتخفيف الألم و حدة الحرق , توجهت بعدها إلى فاطمة " أحضري مرهما للحروق بسرعة " ارتبكت فاطمة بسماع الطلب " لا أدري ان كان هناك واحد في البيت , لا أتذكر أنني اشتريته سابقا , سأبحث في صيدلية الحمام " و غادرت مهرولة أما علي فقد دخل المطبخ , متجها ناحية ملك مستمرا في صراخه " ما الذي حصل ؟ كيف احترقت يد ابنتي ؟ ليجبني أحدكم " تضاعف خوف رنا و زاد ذعرها , بسبب صراخ والدها , هو أكيد سيعاقبها الآن , و أصبح بكاؤها أكثر حدة لدرجة تثير الشفقة , و ملك كعادتها لا تمسك لسانها , تموت اختناقا ان لم ترد عليه , رمقته بداية بنظرة محذرة ثم أجابت " هل يمكن أن تتوقف عن الصراخ , ألا ترى أنك تخيفها أكثر ؟ يكفي أن الحرق يؤلمها بشدة , احترقت يدها في المكواة , الأمر واضح لا يحتاج إلى شرح " و عادت لما كانت تفعله , بتغيير الماء الى آخر جديد و أكثر برودة , ممسكة بيد رنا داخل الاناء ، و محاولة التخفيف من ذعرها علي "....." الخادمات "....." صمت علي و قد فاجأته طريقة كلامها معه مجددا لم يبدو و كأن الطفلة ابنتها هي و هو من قام باحراقها ؟ الخادمات الواقفات هناك أيضا اندهشن للأمر " فكيف تجرؤ ملك أن تكلم سيد البيت بهذه النبرة ؟ أليست مجرد خادمة ؟ " و الأكثر إثارة للدهشة أنه لم يرد عليها بكلمة , و هي تنهره كطفل صغير , و اكتفى بأن رمقها بنظرة مستغربة , و لكنهن طبعا لن يجرؤن على التعليق في حضوره , و اكتفين بتبادل نظرات متسائلة بينهن . تجاهل علي تعليق ملك , اقترب من رنا و نزل إلى مستواها , واضعا يده على رأسها , و سألها بكل هدوء و هو يمسح على شعرها " هل تؤلم ؟ " ملك "....." هي الآن من تشعر بالصدمة ، فالتنين الغاضب هدأ فجأة . كانت هناك نبرة حنان في صوته , استغربت ملك لسماعها , لطالما رأت أن هذا الرجل قاسي القلب و متحجر المشاعر , كيف يعقل أن يتحول فجأة إلى أب حنون أمام رنا ؟ هذه الأخيرة هدأت قليلا و أشارت برأسها " نعم " دون أن تتوقف دموعها عن النزول , مما أشعر علي بالشفقة عليها , و استمر يحاول مواساتها بطريقة مؤثرة . في هذه الأثناء عادت فاطمة ، و حدثت ملك بقلة حيلة " لم أجد مرهما للحروق في أي مكان , قلت لك أننا لم نحتجه مسبقا " فكرت ملك قليلا ثم بادرتها " احضري معجون أسنان " نظر إليها علي مستغربا " ماذا ستفعلين بمعجون الأسنان ؟ " أجابت ملك دون أن تنظر إليه , و قد كانت بصدد معاينة يد الطفلة المصابة " هذا حرق من الدرجة الأولى , ليس هناك وذمات أو تسلخات , فقط احمرار سطحي للجلد , المعجون سيمتص الحرارة و يخفف حدة الألم , إلى أن نشتري مرهما للحروق " ظهرت ملامح الاستياء فجأة على وجه علي " هل أنت مجنونة ؟ لا تضعي شيئا على يد ابنتي , لنذهب إلى المستشفى " نهرها بشدة و غادر المطبخ ناحية مكتبه , بحثا عن مفاتيح سيارته و هاتفه . طبعا ملك لم تهتم يوما لما يقوله لم ستفعل الآن ؟ أخذت العلبة سريعا من يد فاطمة و أشارت لرنا " رنا حبيبي سأضع عليها بعض المعجون ، لن تؤلم بعد ذلك أعدك , اتفقنا ؟ " هزت الطفلة رأسها موافقة بتردد , و هي تحدق اليها بعينين متألمتين , و بدأت بعدها ملك بدهن المعجون على يدها , و هي تنفخ عليها برفق . بعدها بدقائق عاد علي يحمل مفاتيحه , أثناء ذلك كانت رنا قد توقفت عن البكاء الهستيري , فلا يبدو بأن الحرق يؤلم كما كان قبل قليل , و لكن ذلك لم يمنعه من زجر ملك , بعدما رأى أنها نفذت ما طلب منها عدم فعله " هل وضعت المعجون فعلا ؟ ألم أمنعك ؟ هيا اغسليه فورا " " لن أفعل قلت بأنه مفيد " قالت ذلك ساحبة يد الطفلة ناحيتها لتمنعه من غسلها , جن جنون علي أكثر , لا شيء يستفزه أكثر من شخص يتحداه , خصوصا حينما يتعلق الأمر بابنته تراجعت الخادمات قليلا بوجوه شاحبة , فهن يخشين غضب السيد , و لكن ما يثير حيرتهن أن من يصرخ في وجهها , ترد عليه دون خوف و تنظر مباشرة إلى عينيه ألا يبدو الأمر غريبا ؟ تحول لون وجه علي إلى الأسود , و أصبحت نبرته مرعبة و هو يهدد " إذا حصل شيء ليد ابنتي سأقطع يدك " قال ذلك و هو يفتك يد رنا من يد ملك عنوة , و عينيه تطلقان حمما نارية صمتت ملك قليلا دون حراك , و نظرت إليه نظرة متألمة ثم قالت بكل تأثر " لم يعتقد الجميع هنا بأنني مجرمة ؟ " كانت نبرتها حزينة جدا ، فهي لم تكن تفعل شيئا , إلا محاولة المساعدة بنية طيبة , لطالما قامت بأمور مماثلة لمرات كثيرة , هذا عملها و تخصصها لسنوات فلم يعتقد هذا الرجل أنها تحاول ايذاء ابنته ؟ ألا يجب أن يشكرها مثلا , بدل أن يثور في وجهها و يهددها ؟ علي الذي وصلته الرسالة , لم يزد حرفا عما قاله , فما قالته ملك لجم لسانه , للمرة الثانية هذه الليلة تفحمه بتعليقها ، الذي أشعره بالاستياء هو الآخر ، لكن ملامحه لم تظهر أي تأثر , و اكتفى باشاحة نظره ناحية رنا , بعد ثوان حمل ابنته بين ذراعيه , و اتجه إلى سيارته تتبعه فاطمة قاصدين المستشفى . في هذه الأثناء دخلت الشقراء إلى المطبخ , متسائلة عن الضوضاء , لكنها أتت متأخرة فاتها العرض , كانت ترتدي قميص نوم ، أسود حريري يصل إلى ركبتيها ، و تسدل شعرها الذهبي على كتفيها ، حدقت للحظات ناحية ملك كالمرة الماضية , و عادت أدراجها بعدما فهمت ما جرى . بدأت بعد ذلك ياو بالبكاء مجددا , فعلي سيطردها بالتأكيد , هو يتهاون في أي شيء , إلا في سلامة ابنته . التفت بها باقي الخادمات لمواساتها , أما ملك فلم تجد ما تفعله و غادرت إلى غرفتها , رغم استيائها من تصرف علي , إلا أنها كانت قلقة على حال رنا , و لم تتمكن من النوم ليلتها . 💞💞😘 ........ | ||||
04-09-20, 02:00 AM | #136 | |||||||||
| اقتباس:
| |||||||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|