آخر 10 مشاركات
236 - خطايا بريئة - آن ميثر (الكاتـب : Fairey Angel - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          زوجة اليوناني المشتراه (7) للكاتبة: Helen Bianchin..*كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          216 - قيود من رماد - ليز فيلدينغ -أحلام جديدة (الكاتـب : monaaa - )           »          202- لن تعيده الاشواق - لي ويلكنسون (الكاتـب : Gege86 - )           »          343 - جزيرة الحب - جانيت هامبتون - م.د ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          246 - عروس تنتظر الدموع - جانيل دينسون (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          341 - خيانة حب - كاي هوجز - م.د** (الكاتـب : عنووود - )           »          18- الدوامة - شارلوت لامب (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree260Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-08-20, 05:43 PM   #181

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جميله سعيد مشاهدة المشاركة
واااااااااااااااو الفصل رائع مليان احداث
انتى فعلا رهيبه بتقدرى تعيشينى كل لحظة يفرحها و حزنها
بس مش مسمحاكى بعد ماعيطت علشان عمار طلع بيستهبل و مش اغم عليه و لا حاجة
طبعا زعلانه جدا علشان نوران النهارده انتى مخليانا كل فصل فى حال شويه نتعاطف مع عاصم و شويه مع نوران
انا شايفة أن جنى بتقسى على نفسها و بالتالى على اسعد
عجبنى جدا النهارده الأحداث بين أميرة و احمد كانت حياتهم فى أول القصة سلسة بشكل غريب لكن انتى قدرتى تمليها بشكل تحفففففغغة و حيبدأو يبقوا ثنائى مهم بنتابع أحداثه
نفسى تطمنينى على اينى بقى و تستقر و ترجع لجوزها و تحب ابنه انا كنت فى الاول متحيزالها جدا و شايفة أنها اتظلمت بس بعدما عرفت الحكاية و حب آدم ليها و أخلاق عز الدين الجميلة بقيت شايفة أنها لازمتعيد تفكيرها وتلم شمل أسرتها
و طبعا نهايه مثيرة جدا مخليانى عايزة بكرة ييحى بسرعة
تسلم ايديكى ♥♥♥♥
يا هلا يا جيجي
منوراني يا قلبي
ومبسوطة اوي بمتابعتك ورأيك
وان الفصول عجباكي
معلش سامحيني انك عيطتي حقك عليا
اطمني يا حبيبتي متقلقيش
مبسوطة اوي اوي برايك بجد ورؤيتك للاحداث
ومستنياكي دائما
الله يسلمك يا روحي ويسعد قلبك


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 06:08 PM   #182

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي







مساء الخير والسعادة على متابعين رواية حبيبتي السكر زيادة
يارب تكونوا بخير وصحة وسلامة
موعدنا اليومي مع فصل جديد من حبيبتي
يارب يعجبكم
منتظرة ارائكم وردودكم وتعليقاتكم


الفصل الخامس عشر
بعد خمسة أيام
صباح ومسا شي ما بينتسى .. تركت الحب وأخذت الأسى
شو بَدي دُور لشو عم بدور على غيرو
في ناس كتير لكن بيصير ما في غيرو
صباح ومسا شي ما بينتسى .. تركت الحب وأخذت الأسى
يجلس أمام طاولة الطعام يرمق شقيقه الهادئ نوعا ما ، يستمع إلى أغنية حزينة من أغاني فيروز ذات التأثير العميق ، والتي تترك أثرا كبيرا على روح عمر كما يرى ويشعر أيضا ، فأخيه ليس على ما يرام منذ أول الأسبوع ، فملامحه تنم عن أمر عالق به يفكر فيه بعمق ويحلله فيلجئ كعادته إلى انطواء دائم وصمت طويل حتى يجد حل لمشكلته ، لقد حاول الحديث معه أكثر من مرة ولكن عمر يراوغ و يتعمد الصمت والابتعاد عنه وكأنه لا يريد أن يقص له عم يحدث معه !!
سحب نفسا عميقا حينما استدار إليه أخيه يضع أمامه قدح القهوة وبعض من الأطباق تحتوي على طعام ليبدأ في تناول طعامه بهدوء وهو يحتسي بعض من القهوة ليهمهم عبد الرحمن بهدوء : هل توقفت عن ضر نفسك باحتساء المزيد من الشاي بلبن ؟
توقف عمر عن مضغ الطعام ليهمهم بلا مبالاة بعد أن ابتلع ما بجوفه : بل لم أنم الليلة الماضية كما ينبغي ففكرت أن احتساء القوة سيساعدني على الاستيقاظ والتركيز .
رمقه عبد الرحمن قليلا بتساؤل تجاهله عمر وهو يسأله بهدوء وبإنجليزيه تغلبت على عربيته : هل تريد أن أقطع إليك الخبز أو البيض أو أساعدك في تناول طعامك ؟
ابتسم عبد الرحمن ليحرك كفه الأيسر متناولا طعامه بهدوء ويجيب بإنجليزية سليمة : بل أنا بخير تماما .
زم عمر شفتيه وابتلع بعضا من القهوة وملامحه تشي بالانزعاج ليسحب عبد الرحمن الكوب من كفه هامسا : اصنع لنفسك قدح من الشاي بلبن وادر أغنية حماسية لفيروز غن معها ثم إذهب وتحدث معها يا عمر ، لا تكابر .
رمش عمر بعينيه ليهمس بعد وقت قصير مبدلا مجرى الحديث : هل لازال أبي يخاصمك ؟
رجف جفني عبد الرحمن ليهمهم بصوت خشن : أنا امنحه كل الوقت الذي يريد معاقبتي به فأنا أستحق عقابه .
تنهد عمر بقوة واقر بحديث واقعي اكثر من تساؤل : أمي أيضا غاضبة منك ولا تتحدث معك .
أومأ عبد الرحمن براسه : ألا ترى أننا نجلس بمفردنا يا عمر ، إنهما مستيقظان ولكنهما يمعنان في عقابي فلا يأتيان لتناول الفطور معنا حتى اتفهم رسالتهما جيدا همهم عمر إليه : الموقف كان صعبا يا عبد الرحمن لا تنكر هذا ، أنت أتيت بكتف مخلوع ورأس مشجوج وملابس مقطعة ، ملامحك شاحبة والفزع يطل من عينيك وكأنك طفل صغير شرد عن عائلته .
جمدت حدقتيه وهو ينظر للأمام حدقتيه تموجان بلقطات سريعة لما حدث ليهمس أخيرا بصوت أجش : أعلم أنهما محقان ولكني لا أعلم ما الذي علي فعله ؟
تنفس عمر بقوة : امنحهما الوقت ، هتف متابعا بعدما نهض واقفا– بالمناسبة أمي أعدت لك كعك الشوفان وأخبرتني أن تأخذه معك إلى العمل .
اتبع عمر بمرح : كانت ضائقة من أمر العمل هذا ولكن ...
زفر عبد الرحمن بقوة وهو يكمل حديث أخيه : لا تعلم ماذا تفعل بي .
ابتسم عمر : أنت عنيد جدا يا عبده ، عنيد ومخبول أيضا .
ضحك عبد الرحمن : وأنت مكابر واحمق يا تؤامي العزيز .
زفر عمر بقوة لينهض عبد الرحمن بدوره يساعد أخيه في لملمة الأطباق وترتيب الطاولة فيهتف به عمر : توقف عن ارهاق ذراعك السليمة يا عبد الرحمن .
جاوره واقفا ليرفع رأسه قليلا فينظر إلى وجه اخيه : وأنت توقف عن إرهاق قلبك اذهب إلى زوجتك وتحدث معها ، أنت تريد ذلك وهي تنتظر منك ذلك ، ربت على كتف أخيه وتابع - اذهب إليها ، فهي مستحيل أن تأت اليك .
رمش عمر قبل أن يهتف بصوت مختنق : هيا لأوصلك لعملك قبل أن أذهب إلى عملي .
أومأ عبد الرحمن براسه ليجذب اشياءه قبل أن يهتف بأخيه : استمع إلى فيروزك فهي تهتف بحل مشكلتك
عبس عمر بعدم فهم لينصت إلى فيروز التي تنهي اغنيتها بصوت ملائكي مردده
صباح ومسا شي ما بينتسى .. تركت الحب وأخذت الأسى
لعلّ وعسى إترك هالأسى .. ويرجع لي حبي صباح ومسا
بس إنت .. إنت وبس
صباح ومسا / فيروز
رفع عمر حاجبه متسائلا ليدندن عبد الرحمن بصوت رخيم مع صوت فيروز : بس أنت وبس .. بس أنت وبس ، حرك حاجبيه وهو يتبع – أنها هي وفقط يا عمور .
ضحك عمر بخفة ليدفع أخيه بخشونة فيتأوه عبد الرحمن وهو يزم شفتيه بسخط : ذراعي يا أحمق .
__ أوه ، هتف عمر وهو يرفع كفيه ليغمغم وهو يتفقد حالة أخيه – المعذرة لقد ..
زفر عبد الرحمن بقوة وهو يشير إليه بانه بخير : هيا بنا يا شقيق .
أومأ عمر برأسه ليشير إليه أن يتقدمه وهو يجذب اشياءه لينظر إلى هاتفه الفارغ من أي رسائل أو اتصالات تخصها وكأنها تمعن في خصامه وتخبره بهدوء أن غيابه عنها لا يؤثر بها على الإطلاق .
اطبق فكيه وعيناه تلمع بضيق قبل أن يتبع أخيه وهو يحاول الحفاظ على هدوءه واستعادة تركيزه بعيدا عن خيالها الذي يخيم عليه .
***
يدور حول نفسه بحديقة القصر ، يقرأ بعضا من الأشياء فوق جهازه اللوحي قبل أن يغمض عينيه مراجعا ما استذكره من قبل ليصدح صوت والدته هاتفة : أدهم تعال لتتناول القهوة التي طلبتها .
أشار إليها براسه موافقا وملامحه تنضح بالتوتر ليهتف أبيه الذي اقترب منه : صباح الخير .
تمتم بصوت مختنق : صباح الخير يا أبي .
عبس وائل وهو يتفقد ملامحه ليربت على كتفه : أنت بخير ؟
فرك كفيه بعد أن وضع جهازه اللوحي فوق الطاولة : أنا بخير ، فقط متوتر قليلا ، فاللغة العربية ليست مادتي المفضلة .
ابتسم وائل بتشجيع وربت على كتفه مشجعا : لا تقلق ، ستكون الأمور بخير .
جذبته فاطمة اليها لتضمه بحنان وتربت على ظهره : لا تقلق يا حبيبي .
ابتسم وائل ليهمهم بغيرة مفتعله : ماذا تريد أكثر من هذا يا فتى ؟ تقضي ليلتك في حضن والدتك التي تركتني وبقيت معك الليلة الماضية بأكملها تدللك ولم تكتفي بعد من تدليلك .
ضحك أدهم بخفة ليهمس : اعتذر يا أبي لأني سرقت منك حوريتك البارحة .
ابتسم وائل ليهتف بحنو وهو يربت على كفه : أسرق كل شيء ولكن كن بخير يا أدهم .
ابتسم أدهم بتأثر لينهض فيحتضن ابيه ، ربت وائل على ظهره بقوة : جاهد لأجل أن تنل حلمك يا أدهم .
اومأ برأسه ايجابا : سأفعل إن شاء الله .
صدح صوتها من خلفهما : أووه صباح الخير ، هلا احتضتموني معكما ؟
ضحك وائل بخفة لينهض أدهم واقفا يهتف بمرح : بل لنا الشرف يا جميلة .
أشار إليها أن تقترب منهم ليضمها أدهم إليه فتقبل وجنته متمنية له التوفيق قبل أن تنحني فيضمها والدها مقبلا : هيا اجلسي لتتناولي الفطور معنا .
استجابت بعد أن منحت والدتها تحية الصباح فيهتف أدهم وهو ينهض : سأذهب أنا حتى لا اتأخر ، سأقابل علي الدين ومازن لنحصل على مراجعة أخيرة قبل الامتحان.
نهضت فاطمة لتقبله وتضمه إليها بحنان : وفقك الله يا حبيبي ، سأدعو لك .
ابتسم ليودعه وائل مشجعا قبل أن ترفع نوران ابهاميها وتهتف به : تشجع يا فتى ستنال علامة كاملة أنا اثق بك .
اشار اليهم و أتجه نحو السيارة التي تنتظره لتعود فاطمة وهي تتنهد بقوة فيجذبها وائل إليه وهو جالس يضمها من خصرها إليه ليحدثها بهدوء مربتا على ظهرها وهي واقفة بجواره : اهدئي سيكون بخير ، وكما قالت ابنتك سينال علامة كاملة بإذن الله .
زفرت بقوة : بإذن الله
تنهدت بقوة وهي تجلس بالكرسي المجاور له لتكح بخفة قبل أن تتحدث بهدوء : بالمناسبة من الجيد أنكما هنا سويا ، فانا منذ أيام أريد الحديث مع أي منكما ولا استطيع أن اجدكما ، وكأنكما تتبخران من حولي .
سألت بنزق : العمل يسرقكما مني وأنا اشعر بالوحدة .
تبادلت نوران مع أبيها النظرات المتسائلة فاسبل اهدابه مانعا ابتسامته ليربت على كف فاطمة : اهدئي يا حبيبتي ، جميعنا من حولك .
تشنجت فاطمة لتهتف بضيق مفتعل التقطه بسهوله : لا ، لستم هنا ، أشعر أني بمفردي ، أنت بعملك كالعادة ، أميرة مختفية وكلما تحدثت إليها تحججت بشيء لا أفهمه ورفضت المجيء ، أدهم منشغل باختباراته ، وأنت ..
عضت نوران شفتها برقة مانعة نفسها من الضحك وخاصة بعد أن أومأ لها ابيها بعينيه أن تهادن والدتها : أنت تمضين وقتك بأكمله خارج المنزل .
تمتمت نوران برقة : اعتذر عن تقصيري يا مامي ولكن لا تغضبي سأعوضك بأن نذهب سويا في يوم خاص بالفتيات .
مطت فاطمة شفتيها بتفكير لتهمهم بعد وهله : لا ، أريدك أن تعوضيني بشكل أخر .
عبست نوران باهتمام وهي تنظر إلى أبيها بتساؤل والذي نظر بدوره في ترقب إلى زوجته التي ابتسمت برقة : هناك من يريد مقابلتك وأنا أريدك أن تقابليه .
عبست نوران ليسأل وائل باهتمام : من تقصدين ؟
داعبت فاطمة أطراف خصلاتها : أتذكر جمال ؟
ضيق عينيه لتهتف : أبيه يكون ابن عم والدي ، تابعت بجدية حينما لم يدرك عمن تتحدث – جمال الخشاب ، لقد التقينا به هو وعائلته في التجمع الأخير الذي اقامته منال للعائلة .
عبس وائل وهو يرمقها بجدية فأردفت بهدوء وهي ترمق ابنتها بطرف عينها : على ما يبدو أنه ابنه أعجب بنوران .
اتسعت عينا وائل برفض فتتبع هي سريعا بثرثرة اتقنتها وهي تشير إليه بعينيها أن ينتظر ولا يعترض : زوجة جمال هاتفتني أكثر من مرة وأنا راوغتها ولكن هذه المرة لم أستطع ، لقد دعت نفسها عندنا على العشاء.
صمتت بهدوء مدروس لتهتف بابنتها التي تنظر إليها بذهول والرفض يخيم بحدقتيها : وبالطبع يريدون رؤيتك يا نوران ، إنه يشبه تقدم رسمي لخطبتك يا عزيزتي .
نهضت نوران واقفة في غضب : تقدم رسمي لا أعلم عنه شيء ، كيف وافقت على استقبالهم يا أماه ؟
تمتمت فاطمة بهدوء : فقط اهدئي واستمعي إلي .
صاحت نوران : لا ، لقد تحدثت معي منذ ما يقارب الشهر وأنا أخبرتك أني لا أريد الزواج الآن ، فما الذي تغير لتأتي لي بعريس وتفرضيه علي ؟
تبرمت فاطمة : لم افرضه عليك أنا اطلب منك مقابلته ، ثم هو يريدك منذ أشهر وحاول ملاقاتك أكثر من مرة ولكن لم يفلح .
هتف وائل باستياء : حاول ملاقاتها ؟
كحت فاطمة بخفة وهي تبعد نظرها عنه : نعم لقد اتى إلى الجمعية أكثر من مرة ، وحاول ملاقاتنا في النادي أيضا ، كنت اشعر به ولكنه مهذب للغاية فلم يعبر لي عن رغبته صراحة .
هتفت نوران بعصبية : مهذب أو وقح ، لا علاقة لي بالأمر .
همت بالانصراف لتهتف فاطمة بحدة : توقفي يا فتاة ، ولا تغادري أبدا وأنا أتحدث إليك ، استدارت نوران إليها يعتلي الاستنكار ملامحها وعيناها الواسعة تشي بالضيق فتكمل فاطمة بحديث عقلاني - أنا اكرر لك أني لا أجبرك على الزواج منه بل كل ما اردته أن تقابليه ، لعل وعسى يلاقي إعجابك .
رفعت نوران حاجبيها باستنكار، فهمهمت فاطمة بمكر : أنه وسيم .. طويل ..جذاب ويعمل بالخارجية ، سيصبح سفير كأبيه وجدك رحمة الله عليه .
اتسعت عينا نوران بعدم تصديق لتنظر إلى أبيها بتساؤل مستنكر تحثه على رفض ما تفعله امها ، فيزم شفتيه مؤثرا الصمت لتتبع فاطمة بهدوء وهي تنظر إلى عمق عينيها : أتعلمين انت تذكريني بنفسي حينما تقدم لي أبيك فرفضته بنفس طريقتك تقريبا حينما أخبرتني عنه خالتك ،
انفرجت ملامح نوران بذهول وخاصة حينما اتبعت فاطمة بعفوية : لقد صرحت –حينها - بجدية أني لا أطيقه .
التفت إليها وائل بحدة لتبتسم برقة وتتجاهل غضب زوجها : ولكن منال اقنعتني بأن لا ضرر من ملاقاته والتعرف عليه ، وخاصة أني لم أكن مرتبطة عاطفيا بأحدهم ، راقبت حدقتي ابنتها اللتين اهتزتا قبل أن تتبع برقة وهي تنظر إلى وائل تلامس كفه برقة – لم أتخيل أبدا أنه سيصبح نصفي الأخر .
زمت نوران شفتيها لتكتف ساعديها برفض فتتابع فاطمة وهي ترفع رأسها إليها : فقط قابليه يا ابنتي لن تخسري شيئا .
طرفت بعينها لتهز رأسها بتشنج غير مفهوم قبل أن تندفع مغادرة المكان بأكمله راقبتها إلى أن ابتعدت لتعود بعينيها إلى زوجها الذي سأل بجدية : ماذا يحدث يا فاطمة ؟ هل أنت جادة بأمر عريس نوران ؟
نظرت فاطمة إلى عمق عينيه لتهتف بجدية : بل أكثر من جادة ، دعها تقابله يا وائل بل وادعم الأمر أيضا ، أريد أن أرى ابنتي سعيدة .
تأملها وائل قليلا ليسألها بجدية : هل حدث شيئا أنا لا أعرفه بدل رأيك ؟
رمشت فاطمة بعينيها قبل أن تسحب نفسا عميقا زفرته ببطء : سأخبرك .
***
تحركت ببطء في مطبخ بيتهم تعد بعض من القهوة وتنظر إلى الساعة التي تمر ببطء شديد لتبتسم بعفوية حينما شعرت بساعديه القويين يضماها إليه ويقبل رأسها : صباح الخير ، استيقظت مبكرا يا اختاه .
تنفست بعمق لتهمهم وهي تخفي أنها لا تستطيع النوم منذ تلك الليلة البعيدة التي اغضبته بها فرحل : لأجلك يا حبيبي ، أنت بخير أليس كذلك ؟
تنفس بعمق ليمأ برأسه إيجاباً فتساله بحنو : هل أعد لك الإفطار ؟
أشار برأسه نافيا : سأكتفي ببعض القهوة من يديك .
ابتلعت غصة مكومة بحلقها وهي تنظر إلى القهوة التي وضعتها على النار بالطريقة القديمة التي تعلمتها من والدته ، تنفست بعمق وهي تحاول أن تخفي اشتياقها إليه بداخلها فلا يظهر على ملامحها لتنتبه على صوت مازن الذي جاورها يرمقها بتفحص : جنى ؟
نظرت إليه وهي ترسم ابتسامة عفوية ليهمهم بجدية : القهوة ستفسد .
أغلقت الموقد بسرعة لتجذب فنجانها وتصب القهوة به : ساعد لك واحدة أخرى بدلا من تلك .
تمسك بها وهز رأسه نافيا : بل سأشرب تلك فلا تشغلي رأسك ، رمقها بطرف عينه وهو يرتشف بعضا من القهوة – أنت لست متوترة لأجلي أليس كذلك ؟
ابتسمت في وجهه وربتت على وجنتيه وهمست له : لا ، فأنا أثق بك ولكن عليك أن تركز جيدا ولا تخف ستكون علاماتك أكثر من جيدة .
ابتسم مازن ليهمس بتساؤل : ما بالك يا جانو ؟ اشعر بأنك لست على طبيعتك ، هل أنت بخير ؟
ابتسمت : بكل خير طالما أنت بخير ، فقط ركز في اختبارك اليوم ولا تشغل رأسك باي شيء أخر .
زفر بعمق ليتأملها قليلا قبل أن يما برأسه موافقا ، سألته : هل لازلت مصر على عدم تناول الطعام؟
ابتسم وتناول ما تبقى في كوبه من القهوة : نعم مصر حينما اعود سأؤكل ولكن الآن لا أريد ، زفر مرة أخرى لينظر إلى ساعته - سأذهب أنا ، موعد الحافلة حان .
تحركت نحوه لتضمه إلى صدرها تقرأ المعوذتين والفاتحة وهي تربت على ظهره لتقبل وجنته : وفقك الله .
تحرك ليغادر فيقابل أبيه الواقف ينظر إليهما وعيناه تومض بشجن ليضمه إلى صدره يربت على ظهره بقوة : تشجع ولا تخف .
ضحك مازن وحك رأسه : أنا بخير ، أراكما على خير .
اتبعته بخطوات متعجلة لتهتف إليه : لا إله إلا الله
رد وهو يلوح لها قبل أن يستقل الحافلة الجالس بها ابن عمته : محمد رسول الله
لوحت لعلي الدين الذي لوح لها بكفه من خلال شباك الحافلة ، لتتمتم بأدعية كثيرة وهي تضع كفها فوق قلبها المنتفض بتوتر لأجل أخيها
راقبت الحافلة إلى أن اختفت عن نظرها لتعود إلى المطبخ تسال ابيها بهدوء :هل أعد لك طعام الإفطار يا أبي ؟
ابتسم أحمد بحنو وجلس فوق أحد مقاعد الطاولة الصغيرة الموضوعة بركن المطبخ : نعم ولكن بشرط .
انتبهت إليه ليكمل بهدوء : سنفطر سويا دون حجج أو أعذار كعادتك الأيام الماضية.
ازدردت لعابها ببطء لتمأ برأسها وهي تبدأ بإعداد الفطور فينهض أحمد بدوره ليساعدها ويعتني بها دون حديث ، يمازحها برقة ويربت على كتفها أو ظهرها بعطف ، وهي تحاول وتجاهد ألا تلتجئ إليه ، تقاوم دموعها وحنينها لحضن أبيها ، تريد حمايته .. مشورته .. رأيه ولكنها تخجل أن تخبره .. تخاف أن تقص له.. تحارب نفسها حتى لا تعترف لروحها – قبل الآخرين - بمشاعرها نحو من تركها وابتعد بسبب سوء تصرفها ومعاملتها معه .
لامسها أحمد بهدوء ليضغط على طرف كتفها بحنو فيرتعد جسدها رغم عنها فتترك ما بكفيها وتتجه لأبيها تحتضنه بقوة وتجهش في بكاء مرير .. بكاء اختزنته لخمس أيام ماضية .. بكاء أوقفته منذ أن عرفت أنه غادر ليذهب إلى عمله فخافت أن تبكيه حتى لا يكون بكاءها فأل سيء عليه ، فتوقفت عن البكاء حتى لا تسبب له ضررا أو يصيبه شيء ، توقفت عيناها عن البكاء ولكن قلبها استمر في النزف والقهر والضيم وهي تتصل به كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم فتستمع الى صوت السيدة البغيض وهي تخبرها أن من تحاول الإتصال به غير متوفر لإجابتها في الوقت الحالي ، فتضع هاتفها جوارها وتشعر بخواء يعتري روحها ، تنظر للأمام بشرود إلى أن يسقط عقلها في غفوة قصيرة تنتهي مع الشروق فتنهض بآلية لتمارس مهامها الحياتية !!
ربت أحمد على ظهرها وهو يهدئها بكلمات حانية ليدفعها بلطف أن تسير معه للخارج ليحتل بها أول أريكة يجلسها بجواره ويحتضنها بحنو ويقبل جبينها إلى أن هدأ بكاءها وتوقفت انتفاضتها ، همس بجدية وهو يجلسها باعتدال لينظر إلى صفحة وجهها : ما بالك يا حبيبة بابا ؟ لماذا تبكين بهذه الطريقة ؟
تمتمت بصوت مختنق : لا شيء أنا فقط خائفة .
رمقها بهدوء : مما يا حبيبتي ؟
تمتمت بتلعثم سريع وهي تمسح وجهها بكفيها وتسيطر على اختلاجات روحها : خائفة على مازن ، أشعر بالتوتر والارهاق ، والعمل مع اختبارات مازن ضغطتني عصبيا قليلا لذا انفجرت في البكاء كالمجانين .
ابتسم برقة ليربت على رأسها ويضمها ثانية لحضنه : لا تخافي يا حبيبتي ، أخيك سيكون بخير ، وإذا كان العمل يرهقك سأقدم لك اجازة اليوم ، أخرجي من جو العمل الخانق والبيت المزعج ، اتفقي مع بنات عمك وصديقاتك واخرجن للتنزه .
صمت قليلا ليهتف بأريحية وعيناه تنظر إليها بتفحص : أو اذهبي لزيارة خالتك ليلى ويمنى واقضي معهم وقت الظهيرة .
اهتزت رأسها دون وعي بنفي صدح من صوتها : لا أريد الذهاب هناك .
رفع حاجبه بتعجب ليتساءل : لماذا هل حدث شيء ما ازعجك هناك ؟
ارتعشا جفنيها : لا ولكن يمنى ليست متواجدة ، بل في هذا الوقت تكون بالعمل ولا أريد مضايقة خالتي ليلى .
ضحك بخفة وهو يحاورها بهدوء: منذ متى خالتك ليلى تضايق من زيارة أحدهم ، إنها تحب الجميع ، واعنت خاصة لك مكانه لديها غير الجميع .
انسابت دموعها رغم عنها لتهمهم بصوت مرير ساخر : نعم لدي مكانه خاصة عندها .
عبس بترقب ليهتف بجدية : ماذا هنالك يا جنى ، أخبريني ، هل ضايقتك ليلى أو أحد أبناءها؟ تمتمت سريعا - لا يا أبي ، لم تفعل .
تفحصها قليلا ليهتف بجدية : هل اختفاء أسعد له علاقة برفضك الذهاب هناك ؟
رجف جفنيها لتهمهم بصوت مختنق : اختفاء أسعد ، إنه ليس مختفي إنه بعمله ، تابعت ونبرة أملها تخونها فتصدح بصوتها – أعاده الله سالما .
رمقها أبيها قليلا دون تعبير قبل أن يتحدث بجدية : سلمه الله ، حسنا اذهبي إلى عمتك إيمان ، حتى على الأقل تهدئي من روعها فهي ستفقد عقلها من الخوف على الشباب وكأنهم أول من خاضوا الاختبارات .
ضحكت برقة رغم عنها وهي تتذكر حالة عمتها اليومين الماضيين وخاصة أن مازن وأدهم كل منهما عادا لبيته للاستعداد لبدء الاختبارات فكانت تهاتفها كل ساعتين تطمئن أن مازن ملتزم بالاستذكار ومواعيد النوم فتطمئنها بضحكة رقيقة وحديث هادئ " لا تخافي يا عمتي إنه ملتزم "
فتصرخ عمتها بأذنها : ذكريني أن اكسر عنق أدهم فهو من أعلن عن رغبته في العودة للقصر حتي يستعد للاختبار ، لماذا لما يبقيا عندي حتى لا أهلع عليهما هكذا.
تضحك وتحدثها برقة : لا تخافي عليهما يا عمتي ، سيكونان بخير ، ثم أنت لا تستطيعي أن تغضبي من أدهم كيف ستكسرين عنقه بالله عليك ، أنك تعشقين الفتى المشاكس ومهما فعل تدللينه .
تتنهد عمتها بقوة وتهتف : إنه ابن الغالي ، ولكن سأكسر عنقه هذه المرة حتى لا يقلقني عليه هكذا ، لتردف بصراخ – أنا أريد صالحهم جميعا وخاصة هو إذا احتاج شيئا باللغة العربية ففاطمة لن تستطيع مساعدته .
تضحك جنى بخفة : لا تخافي حينها سيتصل بك ويلجئ لك .
اغتمت عيناها وهي تتذكر عمتها التي صمتت قليلا قبل أن تهمس بهدوء : وأنت متى ستلجئين لي لتقصي علي ما يؤرقك ؟
اختض جسدها بقوة وهي تتذكر أنها واربت حديثها وانهت الإتصال حتى لا تبوح لعمتها الأقرب اليها من نفسها بم يؤرق عقلها ويحزن قلبها همهمت بخفوت وهي تنهض واقفة تخبر أبيها بصوت مخنوق : لدي عمل اليوم لن أستطيع تركه ، سأذهب إليها يوما أخر .
راقبها أحمد قليلا فهي لم تفطن أنه قرا كل تعابيرها التي ماجت بين فرح وحزن إلى أن اغتمت بيأس وكأنها غريق كان يصارع أمواج حيرته ليستسلم أخيرا موقنا من غرقه فيتوقف عن المحاربة تاركا نفسه لموت محقق
أطبق فكيه بقوة واغمض عينيه قبل أن يزفر وينهض واقفا يتبعها ليطرق باب غرفتها ويهتف بها : ارتدي ملابسك سنذهب سويا .
استمع إلى موافقتها الخافتة قبل أن يلتقط هاتفه فيداعب شاشته قليلا ببعض الكلمات يرسلها لآخر يخبره بأنه يريد محادثته في أمر هام جدا .
***
تحرك بجسد مشدود وخطوات واسعة كعادته بعد أن أنهى تدريبه الصباحي ، يلتقط أنفاسه بوتيرة بطيئة نوعا ما ليسيطر على الغضب الذي يتدفق إلى أوردته بتتابع وكانه لا ينضب ، وكأن كم التدريبات التي فعلها منذ أن استيقظ لم تستطع التأثير في مخزون غضبه الذي يسيطر عليه خاصة اليوم فمنذ أن استيقظ فزعا بسبب حلما سيئا راوده بشأنها ، بل أن جسده انتفض جالسا وهو يبحث عنها من حوله يستمع الى نداءها المكرر باسمه في أذنيه وهي تئن برجاء آلم قلبه ،
يغمض عينيه وهو يستلقى فوق فراشه فيتراءى إليه وجهها الباكي ونظراتها المتوسلة تمزق جموده .. تبعثر ضيقه .. وتنسيه سبب غضبه ورحليه بعيدا عنها ، يلومه قلبه على بعاده .. إغلاقه كل الطرق أمامها فلا تقو على الاقتراب منه ثانية ، ليزمجر عقله بغضب شديد وكرامته تزأر برفض وهي تذكره بانها رفضته بأسوأ الطرق ، ويذكره قلبه بأنها ليست المرة الأولى فهي رفضته من قبل حينما استهزأت به.
أطبق فكيه وحلقه ينغزه بألم ، وصدأ جرحه القديم يطفو فيشعر بمذاقه الموجع بفمه وهو يتذكرها كيف وقفت أمامه المرة الماضية بكل بهاء تعلن أنه ليس أهلا لها .. ليس مناسبا .. وأنه غير جدير بها !!
انتفض جسده فيضم قبضتيه مسيطرا على جسده الغاضب بعنف و يستعيد ذكراه كاملة ، كيف عاد مشتاقا لها فراسلها كالمعتاد بينهما ليلاقيها بمكانها المفضل، يرتعشا جفنيه وهو يتذكر وجهها البهي .. جسدها الصغير الهش .. وابتسامتها المصطنعة ، عيناها كانت حزينة ونظراتها مشتتة ، ليعبس حينها بحنق وهو ينظر الى فستانها المكشوف والمختلف عم اعتاد منها منذ أن لمح لها عن غيرته فاستجابت بطواعية ودون نقاش والتزمت بقوانين هو من سطرها .
تجاهل فستانها المكشوف وهم بالحديث معها ، ليخبرها بمشاعره المخبئة لها بعد أن أخبر أباه صباحا بأنه يريد الارتباط بها ، تجاهل كل ما حدث بين شقيقته وابن عمها .. تجاهل غضبه .. نقمته .. ورغبته في الانتقام من عمار وأراد أن يقترن بها ، أراد أن يخبرها عن مدى هيامه .. حبه .. شوقه .. توقه .. ولهفته ، وقبل أن ينطق بحرف كانت تثرثر بغباء عن رغبة عمها بتزويجها من ابن خالته !!
عبس بعدم فهم وسألها : اعتقدت أن عاصم بمثابة اخيك فقط يا جنى .
حينها واجهته بحدقتيها الجامدتين لتردد بلا مبالاة : بالطبع ، لأنه لا يقوى على أن لا يكون سوى اخي .
ضيق عينيه باهتمام ليسأل بجدية : لماذا ؟
ضحكت بسخرية : لأني اكبره ، لقد جن عمي ، يريد من عاصم أن يتزوجني ، ألا يدري أنه يصغرني بعامين ، اتبعت بخفوت وصوت مليء بالشجن - وهل سأتزوج ممن كنت الاعبه وهو صغير ؟
حينها انتفض بغضب سكن مقلتيه ليهتف : ما علاقة أنك تكبريه بعامين أو حتى ثلاث بأنك ترفضين الزواج من عاصم ، الزواج غير مرتبط بفارق السن يا دكتورة.
رفعت عيناها تنظر إليه بسخرية واجابته باستهزاء : بأي شيء مرتبط إذًا يا حضرة الضابط ؟
هتف بضيق : بالانسجام .. التناغم .. التفاهم .. الحب .
القاها بصوت أجش فتوردت تلقائيا لتغمغم وهي تتحاشى النظر إليه : كل هذا لا يعني شيء أمام فارق السن ، والتقاليد التي تنص على أن الفتى لابد أن يكبر الفتاة بخمس سنوات على الأقل ليستطيع الزواج منها .
أطبق فكيه بغضب ليهمهم بتهور : الفتى يقو على الزواج من أي امرأة يريدها إذا بلغ الحُلُمّ يا دكتورة .
شهقت ووجهها يحتقن بقوة لتهمهم بحدة : ما هذا الحديث يا أسعد ؟نظر إليها من بين رموشه لتتابع بضيق - لماذا أناقشك أصلا ، أنت لن تعرف بالطبع ، ادراكك لن يؤهلك لأن تفهم ما أتحدث عنه ، بل إن عملك بالصحراء اثر على عقلك .
يلهث بقوة وهو ينتفض واقفا ، يدور من حوله ليقف بالمنتصف الخيمة يلتقط أنفاسه المتلاحقة ، يشعر بألم حاد يمزق أواصر قلبه فيحنى جسده ليتسند براحتيه على ركبتيه ، يتنفس بقوة وهو يشعر بعضلات جسده تئن .. تزار .. تصرخ أن يتوقف عن ايلام روحه بهذا الشكل ولكن عقله يعيد عليه صوتها فيشعر بأن جرحه منها لازال نازفا .. حارا .. موجعا ،
أغمض عينيه فيتردد صوتها مخترقا سمعه من جديد " أنت لا تعرف .. لازالت صغيرا لتدرك هذه الأمور"
حينها عبس بغضب وهو يبحث بعينيه عن الخطأ الذي حدث جعلها تتبدل هكذا لتتبع بغرور لا تملكه ولكنها لجأت إلى جيناتها كما يبدو فترفع رأسها بعنجهية وتختتم حديثها معه ببرود : لا تشغل رأسك بهذه الأمور فقط عد إلى عملك وسط الصحراء فيبدو أنك اصبحت تفهم لغة الخيول والجمال أكثر من البشر .
تصلب جسده وعروقه تنفر بغضب ملامحه تتشكل بقسوة وعيناه تستحيل الى حجري لا حياة فيهما ليتذكر اهانتها له هذه المرة والتي تعدت بها الحدود .. انكارها لمشاعرها وتردديها لحديثها الأحمق ، الذي تلجأ إليه كل مرة حتى تبعده عنها ، يريد تحطيم رأسها حتى تدرك بأنه يحبها وأنه لا يهتم .. لا يبالي .. لا يأبه ، وأنه فقط يريدها ولا يريد شيء أخر بعمره سواها .
زفر بقوة لينحني فجأة يرتكز على قبضتيه المضمومتين ويقم بتمرين الضغط المعتاد بدفعات متوالية سريعة وكأنه ينهك جسده وعقله في شيء فيبعدها عن تفكيره ويتخلص من وطأتها على روحه .
__ ألم تنتهي من التدريبات إلى الآن يا سيادة القائد ؟
توقف عن ممارسة تمرينه ليرفع رأسه عاليا قبل أن ينتفض واقفا وملامحه تتحول إلى النقيض وفرحة عيناه تتلألأ ليقترب من الأخر الواقف أمامه يستند على عكازه يضمه بقوة إلى صدره قبل أن يهتف به في صدمة : ما الذي أتى بك إلى هنا يا مغفل ؟
ضحك فادي بخفة ليهمهم : اشتقت إليك وإلى غلاظتك ، الن ترحب بي أولا ؟
رد أسعد بعفوية : مرحبا بك أنا فقط ، عبس أسعد وهو ينظر إلى ساقيه ليسأل - هل اصبحت بخير ؟
أومأ فادي برأسه : لازال هناك بعضا من أثار ولكني بخير تماما لن انضم إليكم في طابور الصباح هذا الإسبوع ولكن الطبيب أخبرني أني سأقوى على الحضور تدريجيا معكم .
تنهد أسعد براحة : حمد لله على سلامتك .
__ سلمك الله ، اتبع بغمزة شقية – بمناسبة الطبيب ، كيف حال طبيبتنا منقذة الأرواح ؟
اتبع بمرح : دينا وديانا ومرمر اوصوني بالسلام إليها ويوسف يرسل لها قبلاته .
جمدت ملامح أسعد ليعبس فادي في تعجب ليسأله بهدوء : ما بالك يا أسعد ؟ هل دكتور جنى بخير ؟
ابتسم أسعد ابتسامة لا حياة فيها : بل بكل خير .
تمتم فادي بجدية : شكلك لا يوحي بذلك .
زفر أسعد بقوة ليهم فادي بالتحدث وهو يجلس على أقرب أريكة ليرن هاتف أسعد بصوت رسالة قادمة فيتطلع إليها أسعد بجدية والعبوس يزداد فوق ملامحه ليتحرك إلى الخارج وهو يداعب شاشة الهاتف ليجيب على الرسالة بكلمات سريعة أعلنت عن غضبه بكل وضوح .
***
وقف فوق حوض مسبح الصالة المغطاة الكبير في النادي ينتظرها ، كما ينتظرها كل يوم وكل ليلة لتجيب ولكنها تتمعن في اللامبالاة والرفض ، فمنذ أخر مرة راسلها لم يتوقف عن مراسلتها يوميا ، يقص عليها أحداث يومه ويتمنى لها نوما هانئا كل ليلة ، وهي لم تجبه ولا مرة ، يرى أنها تقرا رسائله فيعلم أنها مهتمة ولكنها لا تجيب فيتأكد أن لازال الطريق أمامه طويل ، فيصبر نفسه ويتحكم في قلبه المندفع نحوها ولكن ما أخبرته به والدته البارحة اجبره على المجيء إليها الأن ليقف فوق رأسها يطبق فكيه بحدة وهو ينظر إلى سباحتها الاحترافية في هذا المسبح الغير خاص والمعرض بأي وقت أن يراها أحدهموهي تسبح كحورية بحر تجذب الأنظار إليها ، فيدير عينيه مترقبا لأي كائن قادم ليخرجها من حوض السباحة حتى لو بالقوة !!
رفعت رأسها من الماء لتزيح بقية قطرات المياه من فوق صفحة وجهها البهي ، تخلع نظارة السباحة قبل أن تتجه للسلم ، أسرع بخطواته ليمد لها المنشفة العريضة ويهمس بنبرة حادة وصوت خافت : احكميها حولك جيدا ولا تسبحي هنا مرة أخرى
رفت بعينيها وهي تنظر إليه مذهولة من وجوده أمامها.. تشعر بالهواء بات ثقيلا وذراته اصبحت مشبعة برائحة عطره الملكية النفاذة.. أدارات عيناها عليه لترفع حاجبيها باستهجان وهي تراه يرتدي بدلته كامله.. رابطة عنق وحذاء جلدي لامع راقها كثيرا.
لم تهتم ليده الممدودة لها ولا المنشفة التي يحملها بل تخطته بكبر وهي تخلع غطاء السباحة عن رأسها فينتثر شعرها المموج والكثيف كغابة يانعه أمام عينيه فيجف حلقه وهو يراها تتحرك تجاه مقعد طويل موضوع عليه اشيائها
هتف باسمها في حدة لتنظر إليه من فوق كتفها قبل أن تستدير إليه وترفع حاجبها باستفهام، اقترب منها في غضب وسألها : الم أخبرك من قبل أن تتوقفين عن السباحة هنا، ما فائدة المسبح الخاص بالنساء لتأت إلى هنا؟
أجابت بهدوء : مسبح السيدات في الصيانة ، والنادي الآن شبه فارغ
هدر بغضب : هذا لا يعطيك الحق أن تسبحي هنا
نفخت بقوة وهي تضع عليها مئزرها الخاص بسترة سباحتها : أنا أرتدي ملابس سباحة لائقة مكونة من شورت يصل إلى ركبتي
هتف بحدة وتحكمه بغضبه ينفلت من عقاله : وبالنسبة لذراعيك وصدرك العاريين
ابتسمت بمكر حدد ملامحها لتهمس بهدوء : لازلت صغيرة يا دكتور ولن ينتبه إلي أحدهم مهما فعلت.. أليس تلك كلماتك ؟
بهت وجهه وهو يشعر بالدماء تجف في عروقه لتغتم عيناها بقهر ولكنها تتبع بهدوء وهي تجفف خصلاتها : ثم ما شأنك أنت؟
اقترب منها بغضب شع من حركة جسده ليهتف وهو يقبض على ساعديها بعنف : أنت شأني يا يمنى فتوقفي عن تلك الحركات المائلة
نفضت ذراعيها بقوة لتنظر إلى عينيه بثبات: منذ متى يا عمار؟
__ منذ القدم وأنت تعلمين
رمشت بعينيها : ما أعلمه أني كنت صغيرة ولا اصلح لشيء
بح صوته : هل ستحاسبينني على هذا الأمر ثانية ؟
ابتسمت بتهكم : لم احاسبك أولا لأحاسبك ثانية ، ولكن بم أن حسابك ثقل فالحساب يجمع يا دكتور .
ارتجف فكه ليهمس بصوت مشبع بعمق عاطفته : لم تكوني صغيرة أبدا ولكن أنا من كان خائفا أن اتهم بخداعك.. تعلمين أن قلبي ملك لك
قسى صوتها لتهتف هازئة : لا.. لا أعلم ، كل ما أعلمه واتذكره دزينة الفتيات اللائي كن يدعون بصديقاتك وانت تقف بينهن تمثل دور الدون جوان
صاح بألم : لقد انتهى كل شيء منذ أن اعترفت لك بأنك تملكينني بالكامل ، فلا يهم من كن صديقاتي أو ما كنت أفعله من قبلك
رمشت بعينيها لتشيح ببصرها عنه : ماذا تريد يا عمار ولماذا أتيت ؟
حُشرجت أنفاسه ليهمس بألم : البارحة سمعت ماما تخبر بابا عن عريس متقدم لك، أهذا صحيح ؟
احتقنت وجنتاها بقوة لتهز رأسها بالإيجاب : إنه زميلي بالعمل وكان زميل دراستي أيضا .، اتبعت بتروي – أنت تعرفه ،
ومضت عيناه باهتمام فعضت طرف شفتها السفلي وهمست بتشدق : إنه السيد فراس.
هدر بغضب : لذا كان مهتم بك ، راقبته من بين رموشها في هدوء وابتسامة ماكرة تزين ثغرها ليسألها بحدة - وهل ستقابلينه؟
كتمت ابتسامتها بصعوبة فنيران غيرته انسكبت بسخاء من حدقتيه اللتين ماجتا بالأخضر العسلي في صفاء يجذب النظر لترفع رأسها بإيباء وترد بجدية : لا أرى ما يمنع من ذلك
هتف بحدة : يمنى
فأجابته بخبث : نعم
زفر بقوة ليتنهد بحيرة : ماذا غيرك؟
هزت كتفيها بلا مبالاة لتمط شفتيها بحركة طفولية فتعلقت عيناه رغم عنه بها : لم أعد تلك الصغيرة ابنة السادسة عشر، أصبحت صحفية لامعه على أعتاب سلم شهرتي
تمتم باختناق : لذا تريدين الارتباط بذاك الصحفي مدير التحرير
اسبلت اهدابها : هو من يريد الارتباط بي
_ وأنا ؟! رماها بألم وهو يقبض على ساعدها من جديد
فنظرت إليه وشابت نبراتها ألما : أنت تراني طفلة صغيرة لا اليق لك
جذبها إليه لترتطم بصدرة فتزكم انفها رائحته القوية وتحتك وجنتها بقماش قميصه الخفيف فتسمع دقات قلبه الهادرة بوضوح، رفعت رأسها إليه فهالها مشاعرة الجياشة المتدفقة من حدقتيه وهو يهمس بصوت أجش : يا ليتك ظللت طفلة ، احنى رأسه لها فما فصلهما إلا انفاسهما فيتبع - حتى منذ أن كنت طفلة وأنت تثيرين مشاعري لأقصاها كنت اعادي الجميع لأجلك واصالحهم أيضا من اجلك.. تضاربت مع شقيقي الوحيد مرارا وتكرارا من أجلك وتعرضت لإقصاءي من حياة أسعد لأجلك.. ماذا علي أن افعل لأجلك حتى تقبلين بي ؟
جف حلقها وهي تنظر إلى بحر عينيه الأهوج فتتعجب من مقدرتها على الإبحار فيه بسهولة ويسر ، همست بصوت ابح : لم ارفضك يوما لأقبل بك يا عمار كنت دائما وأبدا مرفأي الذي أرتاح عليه ولكنك انت من ابتعدت .. تركت .. وهجرت ، أنت من تخليت عن حقك الذي وهبته لك ، ابتعدت عنه بإيباء ورفعت رأسها امامه بشموخ - وأنا لن اسامحك أبدا على تخليك عني .
همس بخفوت وهو يدير عينيه على ملامحها : أنا أتوسل غفرانك .. واستجدي مسامحتك ، أكمل وهو يقربها منه ثانية - أنا أحبك يا يمنى ، احبك .
اظلمت عيناه برغبة واضحة في تقبيلها لتهمس بصوت خافت أمر : لا تفعل اهتزت حدقتيه برفض فتابعت بجدية - عمار
تأوه بخفوت وهو يقاوم رغبته : لو فقط أستطع نسيانها.. لو فقط يتوقف قلبي وعقلي وجسدي على المطالبة بأخرى مثلها ، فقط اسمحي لي ، ولا ترفضيني .
هزت رأسها نافية ليسحب نفسا عميقا مستنشقا رائحتها قبل أن يبتعد عنها قليلا متراجعا للخلف يشد جسده بإصرار ويهمس أمرا : لا تقابليه ، ولا تدفعيني لفعل متهور أحمق لن تقوي على رده ، سأفعل كل شيء لأضمن وجودك إلى جواري عذبيني كما شئت ولكن دون الخروج من مداري .
بللت شفتيها بطرف لسانها برقة اسرته فازدرد لعابه بحركة سريعة تجسدت في حركة حنجرته البارزة لتهمس بخفوت : لم ابق في مدارك يا عمار ، لقد تحررت وجناحي اصبحا قويان واستطعت الطيران .. فككت أسر قلبي وهربت ، ولن أعود ثانية .
ناظرها بغضب التمع بعينيه ليجيب بتهديد واضح : على راحتك يا ابنة الخيال ، سنرى من المحق فيم بيننا ، ولكن احفظي قواعد اللعبة جيدا ،
اقترب خطوه ليقف بتحدي أمامها : نحن نتصارع ، اتبع وهو يشير بوسطته وسبابته سويا – نحن الاثنان فقط ، أنا راضي بهكذا صراع ، أما إذا دخل طرف ثالث في المعادلة ، سأقلب الصراع إلى اجبار لا أريد أن اشعرك به
اقترب خطوة اخرى وعيناه تومض بحرقة : إجبار تعرفين جيدا أني أستطيع عليه فلا تدفعيني لهذا الأمر .
اطبقت فكيها لتتحداه بعينيها فيبتسم وهو يشعر بأن رسالته اثرت بها بقوة ليهمس بهدوء يهز رأسه بلباقة : عمت صباحا يا مهرة آل الجمال ، اتبع بإغاظة تعمدها – باعتبار ما سيكون .
تمتمت بتبرم خافت : بعينك .
توقف بعد أن هم بالانصراف ليسأل بجدية : ماذا قلت ؟
آثرت الصمت ورفعت حاجبها بتحدي غاضب فابتسم وتشدق : حسنا ، أراك على خير وإياك أن تسبحي هنا ثانية .
رفع حاجبيه ورأسه : سلام .
أطبقت فكيها وغضبها يتصاعد لذروته قبل أن تهمهم : سأريك النجوم بعز الظهر يا ابن الجمال ، لن اكون ابنة أبي إن ما دفعتك لتدور حول نفسك دون أن تفهم أو تعرف السبب ، لملمت اشيائها والغل يقطر من عينيها - تريد الصراع ، سيكون صراعا مدويا ، صراع أنا من أضع قوانينه واديره حسب ذائقتي الخاصة ولنرى من سيتأوه أولا ويتوسل المغفرة .
***





التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 27-08-20 الساعة 06:24 PM
سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 06:18 PM   #183

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي









تجلس بهدوء تحتسي بعض من القهوة المرة دون سكر وتجبر نفسها على تناول بعض البسكويت المالح حتى تستطيع ابتلاعه ، تحيا في صمت و حزن يلفها منذ ذاك النهار الذي غادر فيها غاضبا ، ليعد حينها فجر اليوم التالي فشعرت به رغم أنه لم يعود إلى غرفتهما ، واكتشفت بعدها أنه قضى وقته بالمكتب ، ومن حينها وهو يقضي لياليه بغرفة مكتبه ، يمتنع عن الحديث معها أو الجلوس معها أو مشاركتها الطعام ، وكأنه يعاقبها لأنها تجرأت وطالبت بأقل حقوقها


وردا على عقابه عاقبته هي الأخرى فمتنعت عن رؤيته ، بل طلبت من والدتها خادمة لتعينها في شئون المنزل فأصبحت تلك السيدة من تهتم بشؤونه ،هي من تضع له الطعام وهي من تعد له ملابسه وتستقبله حينما يصل لتخبره أن الهانم نائمة وتسأله إذا كان يريد شيئا ، لقد اعتزلته في إعلان تمرد تأخرت فيه كثيرا .


زفرت أنفاسها بحرقة قلبها وقاومت دموعها ببسالة حتى لا تبكي ، فهي ضاقت من البكاء .. ملت من الضعف .. واكتفت من الخنوع ، ولكن لا تعلم كيف عليها أن تتصرف ، لقد امتنعت عن زيارة عائلتها حتى لا تفطن والدتها لما يحدث معها ، أو تقابل والدها فيلتقط حزنها ليقلب العالم جحيم من حولها .


وحينها سينشأ صراع قوي بين أبيها وزوجها صراع سيتحتم عليها فيه خسارة أي منهما وهي لا تريد الخسارة ولكن الصراع سيجبرها على الاختيار وهي لا تقو على الاختيار ، ولا تقو على رؤية أبيها ينكل بزوجها مهما حدث ولن تستطع إنقاذه أيضا مهما توسلت أو ترجت والدها ، فهي تشعر بابيها ينتظر لحظة كهذه ليمنعها عنه ولو بالقوة ، وسيردد حينها أنه لا يستحقها بل لم يستحقها يوما


رجفا جفنيها وهي تفكر هل ابيها كان محق وهي مخطئة أم ما يحدث الآن هي مجرد كبوة سقطا فيها سويا


تنفست بعمق وهي تزيح طبق البسكويت من أمامها فتسالها السيدة التي تراقبها بنظرات حانية: أعد لك الفطور؟


هزت راسها نافية فتتنهد السيدة بقوة : انت لا تأكلين يا هانم ، أخاف أن تقعين أرضًا فلا اجد من ينجدنا سويا .


ابتسمت برقة : لا تخافين ، أنا بخير .


عضت السيدة شفتها لتهمهم : أتسمحين لي بالحديث؟


رفعت أميرة عينيها لها بتساؤل فهتفت السيدة بجدية : سأتحدث ورزقي على الله ، أحوال سيادتك وأحوال البيك لا تروق لأحد ، هل هناك خلاف بينكما ، فانت حزينة شاردة لا تأكلين ، وهو الأخر نكد المزاج .. عصبي لا يتناول سوى القهوة ويتصارع مع الأشياء حينما يعود


اخفضت أميرة جفنيها فاتبعت السيدة بجدية : إذا أردت نصيحتي ، أنتما الاثنان تحتاجان لحديث هادئ دون شجار وعليك أنت رأب الصدع ،


التمعت عينا أميرة برفض فهتفت السيدة بهدوء : أنت سيدة البيت ونقطة ارتكازه وأنت من تلم العش و تحاجي على العصفور حتى لا يطير ويلجئ لعش أخر غير عشها


اتسعت عينا أميرة بهلع فربتت السيدة على كفها بحنو : لا تغالي في غضبك يا سيدتي ، فالرجال طاقة تحملهم قليلة .


اهتزت عينا أميرة بحيرة فابتسمت الأخرى : هيا انهضي انعشي نفسك بحمام دافئ وارتدي شيء آخر غير اللون الأسود إلى أن أعد لك الفطور وحينما تؤكلين جيدا ستفكرين جيدا .


حثتها بحماس ضئيل : هيا يا سيدتي .


استجابت إليها لتنهض ببطء .. تخطو ببطء .. تتحرك ببطء وكأن طاقتها نضبت فتحاول البحث عنها بأي وسيلة .


ولدهشتها استجابت لنصيحة السيدة التي تفوقها عمرا لتنعش نفسها بحمام دافئ ذكرها بوجوده معها أخر يوم فشعرت بأسواط الاشتياق تجلد روحها ، فتوازي غضبها قوة انهكت روحها .


أنهت حمامها لترتدي مئزرها وتتحرك للخارج فتتوقف برهبة وهي تنظر إليه يجلس فوق حافة فراشهما ، يرتدي ملابسه الخاصة بالعمل ويضع شيئا بجواره .


رفع رأسه إليها فالتهمتها عينيه بتوق واضح وصريح لتحتقن خجلا وهي تضم طرفي المئزر المغلق على جسدها أكثر .


ابتسم ساخرا ليهمهم بصوت أبح : المعذرة لم أقصد أن اتطفل عليك لقد أتيت لأعطيك هذا .


تعلقت نظراتها بعينيه فارتجفا جفنيها وهي تتأمله بشوق .. تتفحص ملامحه بحزن وتراقب تغيرات ابتعادها عنه على صفحة وجهه ، عيناه المجهدتان .. جفونه المثقلة بقلة نوم ظاهره .. وجسده المرتخي بتعب ، روحه المعلقة بها تناشدها الصفح وقلبها يخفق بجنون يتوسلها القرب .


فاضت عيناها بحنو وهي تشعر بأن قلبها يجذبها إليه ، روحها تتلاقى بروحه فتقترب رغم عنها منه ، لا يهمها أي شيء ولم تنتبه لما أشار إليه في حديثه كل ما ردده قلبها عليها أنه أتى .. عاد لأجلها .. وينتظرها .


اقتربت إلى أن توقفت أمامه فعاد بظهره إلى الوراء قليلا حتى يستطيع النظر لها ويبق على اتصالهما البصري الأقوى من أي حديث يستطيعان إجراءه


تعالت أنفاسه خاصة حينما جلست فوق فخذيه لتتمسك بمقدمة قميصه تدفن رأسها في عنقه هامسة : اشتقت لك .


اختلج قلبه وانتفض بعشق ليحاوطها بذراعيه يضمها إلى صدره متنعما بقربها، يغمض عينيه مخفيا لهفته لها مسيطرا على شغفه لوصالها


رفعت رأسها لتحتضن وجهه بكفيها : أنا أحبك يا أحمد .. أحبك .


وكأنها أعطته إشارة لبدء الانطلاق ، فهدم تعقله سد شوقه لها ، ليلتهم شفتيها في قبلة قوية .. عميقة .. طويلة أنهكت رئتيها فدفعته للابتعاد .. للتوقف وهي تهمهم باسمه من بين شفتيه ، ليمنحها القليل من الأنفاس قبل أن يقبلها ثانية وهو يلامسها بتوق .. بشوق .. بشغف ويسحبها إلى دوامة رغبته القوية فتحاول الارتكاز والعوم حتى لا تغرق . ولكنه لم يمهلها الوقت ولم يمنحها الجهد للابتعاد ، بل تمسك ببقائها داخل اروقة جسده المشتاق لها .. سلب أنفاسها بشفتيه التائقتين لثغرها .. وهمس لقلبها المختلج النبضات بحبه لها ، دفعته ليبتعد .. حاولت السيطرة على كفيه ليتوقف فلا يجردها من مئزرها ولكنها فشلت لتصيح اخيرا من بين شفتيه وهي تحاول أن توقفه : لا يا أحمد ، توقف لم أقصد ذلك .


ليلتقط كلماتها بشفتيه متملكا انفاسها وهو يتخلص من ملابسه ليهمهم إليها وهو يقبل جانب عنقها : أحمد سيموت عطشا ، اتبع وهو يقبلها بقبلات متتالية - فقط امنحيه بعض من الارتواء يا أميرته .


...


البعض تحول لكل والكل لا ينتهى وعطشه لا يتبدد بل يتعاظم ويستفحل يبتلعه بالكامل فلا يجد وسيله لسد نهمه .. سد جوعه .. أو ارتواءه ، لقد نهل من عبقها كتائه .. شريد .. لم يسبق له أن ارتشف قطرة ماء من قبل ، والتهمها ببطء مفترس يعشق فريسته فلا يريد ايلامها ، وتوحد معها كنصفي الكون فكلما ابتعد أحدهما جذب الأخر له ، إلى أن شعر بالامتلاء .. التخمة .. والسكينة تداعبه حينما ضمها إلى صدره وقبض ذراعيه عليها موقفا سيل شوقه الذي لا ينضب .. لا يفنى بل يستحدث من عدم وكان طاقته تتجدد ذاتيا الى جوارها .


قبل جبينها وهمس بصوت اجش جراء لهاث أنفاسه : انت بخير ، هل أوجعتك ؟


ارتعش جفنيها لتهز رأسها نافية وهي تلتزم الصمت فيقبل رأسها ثانية : آسف لم استطع كبح جماح نفسي أن جفائك لي أطار النوم من عيني الخمس أيام الماضية .


داعب خصلاتها ليهمهم : لم أكن انوي أن الامسك إلا برغبتك الكاملة ولكن وجودك قريبة مني و بين ذراعي تهمسين بحبك لي فجر سد تعقلي ، أرجوك لا تغضبي ولا تستائي لقد أتيت في الأصل لأصالحك وامنحك جزء مما تريدين .


رمشت بعينيها ليتابع وهو يحتضن وجنتها براحته ينظر إلى عينيها : فقط في بادئ الأمر أحب أن أوضح لك أن وصالي الدائم لك هو طريقتي الوحيدة التي أستطيع التعبير بها عن مدى حبي .. شوقي .. لهفتي .. وسعادتي لوجودك إلى جواري ، لم أقصد أبدا أن اشعرك بأنك لا تصلحين لشيء أخر سوى الفراش بل انت تصلحين لكل شيء ولكن أنا أناني .. مجنون .. عاشق لك ، فلا اقو على التفريط بك أو منحك حرية الابتعاد عني .


تغضن جبينها باستياء وهي تنظر إليه بعتب فاتبع بعد أن منحها قبلة خاطفة : حينما كنت تتحدثين عن مهرجان الزهور أو عمل الديكور لم تصرحي بأريحية عن رغبتك في المشاركة بكل منهما وإلا لكنت أرغمت نفسي وفعلت لك ما أمرت به يا أميرة ، ولكن دوما كنت تتحدثين بطريقة مواربة فلا أصل أنا لما تريدين من الحوار سوى أنك تثرثرين لي باهتماماتك والتي لم أتفه منها أبدأ فلا تنكرين .


اخفضت رأسها ليحتضن ذقنها ويرفع رأسها له : ظننت أنها اشياء عادية ليست بتلك الأهمية التي اوضحتها لي سلفا ، لذا حينما شعرت بأهميتها عندك ، أتيت لأريك ماذا فعلت لأجلك .


نطقت أخيرا بهمهمة : ماذا فعلت ؟


ضحك ليبعد خصلاتها عن وجهها ويحتضنه بين راحتيه : تحدثت مع عاصم ومن الغد تستطيعين الاشتراك في ديكورات المشاريع التي تنهيها المؤسسة الآن ولكن دون الذهاب للمعاينة عاصم سيرسل لك ما يحتاجه من عمل عن طريق البريد الإلكتروني وأنت ستعملين وترسلين التصميمات معي ، ويمكنك زيارتنا في المؤسسة مرة أو مرتين شهريا .


تهلل وجهها بسعادة لتهتف دون تصديق : حقا ؟


أومأ برأسه إيجابا لتتعالى ضحكاتها بفرحة حقيقية غمرتها ليكمل : ولكن ما اتيت لأجله فعلا هو هذا .


ومضت عيناها بترقب ليأتي بمغلف وردي اللون ليلوح به أمام وجهها : هذا ما اخرني للمجيء لك ، أردت أن أكون صادقا بأفعالي أيضا حتى لا تشككين في اقوالي .


عبست وهي تنظر للمغلف بتساؤل : لقد اشتركت لك في مهرجان الزهور الذي سيقام في الربيع المقبل .


صرخت بفرحة حقيقية وهي تلتقط المغلف من كفه لتنظر إليه برهبه قبل أن تزيحه جانبا لتقفز وتجلس فوق ساقية بشكل عمودي تحتضن خصره بساقيها وتقبل وجنتيه وهي تصيح بفرحة حقيقية : أنا أحبك يا أحمد ، أحبك .


ضمها إلى صدره بقوة ليغمغم : لا تبتعدي عني ثانية يا أميرة ، أنا اذوي في بعدي عنك .


قبلت شفتيه برقة لتهمهم : وأنا لا اقوى على فراقك ، لهث بشوق التمع بعينيه فتابعت هامسة إليه برقة - أنا جائعة .


غمغم بصوت ابح وذراعيه تشتدان من حولها : فقط قليلا بعد .


لامست وجهه بأطراف اناملها لتغمض عينيه قاصدة قبل أن تقبل شفتيه وتهمس بمكر أنثوي لا تتعمده : قليلا فقط .


همهم بالإيجاب ولمساتها تشعل اوردته بتوق لتقبل طرف عنقه من الناحية الأخرى وتهمس بجوار أذنه : اخبرتك أنني جائعة ستبخل علي أن اسد نهمي أنا الأخرى .
تأوه بخفوت وهو يحتفظ بها داخل ذراعيه : بل أنا كلي ملك لك يا أميرتي .

***
يجلس فوق كرسي مكتبه يركز بصره على شاشة الحاسوب أمامه لينهي بعض التقارير المتعجلة ، يطبع بأصابع سريعة ليتحرك بطريقة خاطئة فيطبق فكيه كاتما تأوه كاد أن يشق الصمت من حوله ، ليلهث بتعب وعيناه تشرد للحظة فيتذكر أنه عاد من موت محقق لولا ستر من الله ، تمتم بالاستغفار سريعا وهو ينهت بألم وغضب سكن زرقاويتيه والذكرى تعاد تفصيليا على عقله ، كيف حاول الفرار منهم وخاصة وهم يحاولون الاصطدام به فيعرقلون سير حركته ، ليدور أخيرا بسيارته حينما اكتشف انه تم دفعه لطريق مغلق ليواجه السيارة التي تتبعه ، فكاد أن يصطدم بها دون أن يرف بعينيه وفي لحظة حاسمة انزلق بسيارته جانبا متجها نحو طريق جانبي التقطه بسرعة بديهة فيكتسب بعضا من الوقت قبل أن يعاودوا مطاردته من جديد وخاصة حينما خرج إلى الطريق السريع فيصطدموا بجانب سيارته اكثر من مرة إلى أن أصابوا السيارة بضرر فانفلتت عجلة القيادة من بين كفيه لتدور السيارة حول نفسها فيستغل هو الدوران السريع ليقفز من السيارة واقعا ليهرب مستغلا قدوم الشرطة الذي دفعهم للهرب .
اختلجت ملامحه وألم كتفه يعود من جديد فاصبح شاحب الملامح لينتبه من طوفان ذكراه إليها تقف خلف النافذة تشير إليه من الخارج ، تطلع من نافذة مكتبه يحدق إليها قليلا وكأنه يتأكد من وجودها أمامه ، فمنذ كان في بيت عائلتها وهو لم يرها ، لقد شعر بالقلق عليها لغيابها الخمس أيام الماضية ولكنه لم يستطع السؤال عنها أو الإتصال بها رغم أنه يملك رقم هاتفها ولكنه آثر الابتعاد كما تريد ولم يشأ أن تشعره بأنه يتطفل عليها .
ارتفع حاجبيه وهو يراها تتقدم من باب مكتبه تطرقه بخفة قبل أن تدلف إليه بهدوء ، تبتسم بلباقة وتهتف بعملية : صباح الخير يا باشمهندس .
تملكته الدهشة لثواني معدودة قبل أن ينهض واقفا بترحاب : صباح النور يا آنسة رقية ، أشار بيده - تفضلي ، ماذا تشربين ؟
تحركت بالفعل لتقف بمنتصف المكتب قبل أن تهمهم بخجل : لا داع لذلك ، لقد أتيت لأشكرك .
اعتلت الدهشة ملامحه ليغمغم بعدم فهم : علام ؟!
تمتمت وهي تتحاشى النظر إليه : على ما فعلته من اجلي ، عضت شفتها بخفة - واعتذر منك لقد كنت فظة قليلا معك ، ولكن من الواضح أنه تأثير الدواء .
تحكم في ضحكته التي سطعت بعينيه اللتين ماجتا بلون أزرق غني ليسأل بتفكه : هل انت بخير الآن ، أم لازلت تتناولين ذاك الدواء ؟
عبست بعدم فهم لتغمغم بعفوية وهي لا تدرك مقصده الفكاهي : لم اتناول ذاك الدواء مرة أخرى لقد عاتبني بابا عليه وأخبرني أن آثاره المخدرة اكثر من مادته العلاجية
غمغم بمرح : هذا يفسر كل شيء .
تمتمت وهي تنظر له بعدم فهم ليتابع بهدوء : لا داع للشكر فما فعلته واجب علي ، ولا داع للاعتذار أيضا فانت كنت متعبة ،
تنفس بعمق : الهام بالأمر أنك اصبحت بخير والحمد لله .
ابتسمت برقة : الحمد لله أنا بخير .
هتف بجدية : إذًا اجلسي لتشربي شيئا معي ،همت بالاعتراض ليهتف بلهجة متسلطة - لن أقبل الرفض .
ابتسمت بتردد ليردف : اعتبريه حلاوة رجوعك إلينا سالمة .
توردت وهي تخفض بصرها لتستجيب وهي تهتف : سأقبل بكوب من الشاي الأخضر .
التمع الإعجاب بعينيه ليهتف متبعا : وقطعة كيك الشوفان باللوز ، ستعجبك إنها إعداد نولا .
عبست بعدم فهم فضحك وهتف وهو يخرج علبة بلاستيكية فخمة من البراد الصغير ليضع بعض من قطع الكيك في طبق حراري ثم يزجه في جهاز متطور ليديره بتلامس خفيف : إنها إعداد أمي ، منال هانم ، نحن نناديها نولا .
ضحكت رغم عنها وهي تتساءل : من أنتم ؟!
اجاب وهو يخرج الطبق بماسك حراري بعد أن صب المياه الساخنة في قدحين زجاجين شفافين فوق قرصين من الشاي الاخضر فيذوبا ما أن يلامسهما الماء الساخن ويختفيا ، لينقل كل شيء إلى الطاولة الدائرية التي تقع بين الكرسيين المقابلين لمكتبه فيواجها جالسا : أنا واخوتي ، ماما تحب أن ندللها كثيرا فتسعد بمناداتها بلقب دلالها بدلا من قول أمي .
ابتسمت دون رد فاردف سائلا : كم قطعة سكر تريدين ؟
هزت رأسها نافية : لا شيء ، سأكتفي بسكر الكعك .
أشار إليها بيده : تفضلي.
تناولت قطعة صغيرة من الكعك لتضعها بفمها قبل أن تصدر صوتا مستمتعا وتغمغم بعد أن ابتلعتها : إنها رائعة.
ومضت عيناه ببريق غامض ليشير إليها : بالهناء والشفاء .
ابتسمت وهمت بأن تتناول قطعة أخرى لتسأل بفطنه : ما بال ذراعك يا عبده ؟
اتسعت عيناه بدهشة وتساؤل ماج بهما فهتفت بتبرير : لقد لاحظت أنك لا تستخدم ذراعك اليمنى رغم أنك لست اعسر
همهم بخفوت : لقد تعرضت لحادث يوم مرضك وذراعي تضرر من الكتف لذا لا استخدمه من يومها .
هلعت ملامحها لتغمغم بصدق : الف سلامة عليك يا عبد الرحمن ، هل أنت بخير الآن ؟
تمتم بصدق : الحمد لله على كل شيء
هتفت بانزعاج : لماذا أتيت اذا وذراعك متضرر؟
ابتسم بهدوء : لأجل سير العمل فموقعي لا يوجد من ينوب عني فيه .
هتفت بصدق وشجاعة : عد إلى بيتك وأنا سأحل محلك اليوم وكل يوم إلى أن تشفى
اتبعت برقة : شفاك الله وعفاك .
اتسعت ابتسامته : شكرا جزيلا لك يا رقية ولكن .
احمرت وجنتيها لتغمغم : أعلم اني لست مهندسة ولا أرق لمستواك الأكاديمي .
قاطعها بصرامة : لم أقصد ذلك أبدا ، كل ما اردت قوله أنه لا يصح أن اثقل عليك بعملي إلى جانب عملك أيضا.
ابتسمت وهتفت بجدية : لا تعتل هما ، سأدير الأمور الإدارية وساترك الأمور الهندسية للمتخصصين ، وإذا لم نقو على معالجة أمر ما سأهاتفك لأستشيرك .
أشارت إليه وهي تنهض : هيا انهض لتعد إلى منزلك ولا تقلق وأعتمد علي ،اتبعت بمرح - أنا بمائة رجل .
اشرقت ملامحه بضحكة رائقة : بل انت افضل من مائة رجل ، اتبع بتفكه - هل هناك رجل كالقمر هكذا؟
تجمدت ملامحها فجأة لترفع حاجبها بغضب شاب نظراتها وتهتف بحدة : قمر ؟!
انتبه لما تفوه به وتغيرها التام الذي صدح من كل خلية بها ليهتف على الفور : لا أقصد أن أغازلك ، لقد كنت امزح معك
كتفت ساعديها أمام صدرها : هل أنا من عينة الفتيات اللائي يُمزح معهن هكذا يا باشمهندس ؟ اردفت بحدة - أم لأني جلست معك احتسيت الشاي وتناولت الكعك وعرضت عليك المساعدة ، ظننت أنني ..
قاطعها بصرامة : لا والله لم اظن بك ظنا سيئا على الإطلاق ، لقد مرحت معك كما يمرح الأصدقاء مع بعضهن البعض
زمت شفتيها لتهتف بنزق : لست صديقتك ؟
غمغم بدفاع : لا أقصد معناها السيء .
هتفت به : لا يوجد لها معنى جيد أو سيء ، إنها ذات معنى واحد وأنا لا اقبله ، انت زميل عمل وصديق للعائلة غير هذا لا تربطك بي أي علاقة
رمش بعينيه ليهمهم : معك حق ، أنا اعتذر .
اردفت بشرح : لقد عرضت عليك المساعدة لأنك زميل عمل محترم ساعدتني في وقت حاجتي لذا وجب علي أن امد لك يد العون في وقت حاجتك .
غمغم : أعلم ، ولم اقصد والله أن اثير ضيقك ، كنت أمزح معك بعفوية .
تنهدت بقوة ليهتف بمرح : فقط اجلسي وتناولي بقية الكعك من فضلك ، حتى لا أشعر أنني اغضبتك
هم بالجلوس لتصيح فيه : ماذا تفعل ؟
نظر من حوله : أجلس .
هدرت : أين يا باشمهندس ؟
عبس بعدم فهم لتتابع بتفكه : هيا عد إلى والدتك واجعلها تطهو لك شوربة الخضار وزوج من الفراخ تلتهمهم بمفردك حتى يلتئم ذراعك .
رفع حاجبيه بتعجب : أنت لم تسحبي عرض المساعده؟! .
عبست : لا طبعا ، أنت زميل عمل يا عبد الرحمن وأنا من واجبي مساعدتك.
تهللت عيناه بسعادة عارمة ليشير برأسه موافقا فيتحرك بخفة نحو البراد يخرج منه علبة الكعك : تفضلي ،
ابتسمت بخجل : لا شكرا لك .
هز رأسه بإصرار : ستأخذينها ، هيا تفضلي ، وحينما يحين موعد عودتي سأطلب من نولا تعد كعك التمر لتذوقيه ، سيجعل عينيك تخرج قلوب .
تعالت ضحكتها رغما عنها لتهمهم وهي تستعيد سيطرتها : أحببت التعبير .
عض شفته مقاوما التفوه بأي حرف يجعله يفقد ما أحرزه معها ليبتسم بدوره وهو يشير إليها بالخروج أمامه : من بعدك يا آنستي .
ضحكت برقة لتلوح إليه : صحبتك السلامة يا عبده
رمقها بنظرة خاصة لم تنتبه إليها ليجيب وهو ينصرف فعليا : سأشتاق إليك يا عيون عبده .
***
يخطو نحو مكتبه بعد أن أنهى محاضرته الأولى لهذا اليوم ، يمأ برأسه لكل من يقابله كعادته سواء زميل عمل .. طالب .. أو أحد العاملين العاديين ، يبتسم بلباقة ابتسامة لا تخرج بوهج عينيه ولكنها تحسب عليه ابتسامة .
توقف حينما نداه أحد طلابه ليسأله عن بعض الأشياء فأجابه عليها سريعا ليحييه الطالب بامتنان وشكر تناثر من فحوى كلماته ليتركه وينصرف سريعا برعونة شباب أثارت تعجبه ، تحرك من جديد ليتوقف على بعد خطوتين من باب مكتبه حينما ظهرت أمامه ، تبتسم برقة تداعب أطراف خصلات شعرها الأشقر المفرود على كتفها الأيمن وتمنحه تحية خاصة مطعمة بغنج صدح بنبرات صوتها : صباح الخير يا دكتور عمر .
ابتسم بدماثة أخلاق ليجيبها : صباح النور يا جومانة ، اتبع وهو يدلف إلى المكتب – تفضلي .
اتبعته على الفور لتراقبه يضع حقيبته الجلدية الفاخرة ، يخلع سترته ويتحرك بخطوات واسعة في المكتب إلى أن وصل إلى الركن الموضوع به المشروبات ليسالها بجدية : ماذا تشربين ؟
هزت كتفها دون معرفة لتجيب : لا أشكرك ، بالكاد انتهيت من احتساء قهوتي قبل أن ات للبحث عنك .
اقتربت قليلا لترفع رأسها الذي يكاد يصل لراسه وخاصة بكعب حذائها الذي ازاد طولها عشر سنتيمترات كاملة : اشتقنا إليك ، فأنت غير متواجد في الأنحاء منذ خطبتك ، اتبعت بغمزة شقية – هل العروس من تشغلك عنا ؟
هم بالرد ليقاطعه صوت أنثوي حاد اجفله : هل لديك مانع يا آنسة ؟
التفت بسرعة متفاجئا من وجودها لتتهلل عينيه بسعادة لرؤيتها ، وابتسامة تشق حلقه دون معرفة السبب الحقيقي لها سوى إمارات الغضب المرسومة على ملامحها .. الغيرة التي تنسكب من عينيها .. ووقفتها المتحفزة بحرب وشيكة الاندلاع لو لم تتفهم الأخرى وتبتعد من تلقاء نفسها .
هتف باسمها في حبور ليقترب منها بحفاوة محتضنا كفها ليجذبها إلى صدره مقبلا رأسها بفرحة حقيقية وهو يهمهم : إنها لمفاجأة رائعة وجودك يا حبيبتي .
ارتخت ملامحها وتهدج جسدها بتشنج بسيط اندثر مع دفء صدره لتهمهم : لقد أتيت دون تخطيط .
ضحك بخفة متغافلا عن توتر جسدها : أجمل شيء عدم التخطيط .
توردت رغم عنها لترفع رأسها تراقب الأخرى التي تنظر إليها بنقمة فترفع رأسها أمامها بشموخ قبل أن تهتف بسماجة : مرحبا بك يا آنسة جومانة ، آسفة إن كنت قاطعت حديثكما .
هتف عمر : بل أسعدتني بوجودك يا حبيبة ، تعالي واجلسي ، التفت إلى جومانة – هلا اجلت الحديث قليلا يا جومانة ، وخاصة إن لم يكن هناك شيء هام تريدينني به ؟
امتقع وجه الأخرى وعيناها تتبعثران بحرج لتهمهم وهي تعيد شعرها للخلف : بالطبع يا دكتور ، سأمر عليك مرة أخرى .
أومأ برأسه دون اهتمام ليولي اهتمامه الكامل لحبيبة التي راقبت مغادرتها التي أومأت بتحية سريعة وبعض كلمات يعدوا وداع سريع لتنتبه على صوته الذي هتف بحبور : كم أنا سعيد لأنك أتيت .
اتسعت عيناها باستيعاب كامل أنها بمكتبه .. بجواره .. تنظر إليه ، فهي لم تخطط على الإطلاق إلى زيارته رغم وجودها قريبا منه ، لم تقرر أبدا أن تتحدث إليه بل أرادت أن يأتي إليها وخاصة بعد غيابه الدائم عنها الأسبوع الماضي بأكمله ، رغم حزنها لابتعاده إلا أنها قررت حينما يعود ستتركه نهائيا ، فهي لا تريد التعلق به أكثر من هذا ويكفيها عذاب الأيام الماضية ، يكفيها الم انتظار اتصالاته .. الم بحثها عنه كلما ذهبت إلى عمل والدها والذي ذهبت إليه مرتين قاصدة أن تلتقيه صدفه فهي لن تقو على الذهاب إليه متعمدة ، وأخيراً تلكأها بجوار مكتبه في الجامعة وهي تعلم بوجوده اليوم كانت تريد النظر إليه ولكن حينما رأته يرحب بدخول الشقراء ممشوقة القوام لم تستطع ردع نفسها عن تتبعهما والدخول إلى المكتب ذو الباب المفتوح دون أن تطرقه !!
ردت دون وعي : لم آت ِ إليك .
رفع حاجبه بعدم فهم لتتابع بتوتر : أتيت لأجل بحث كنت اقدمه للمشرف على رسالتي ومررت هنا مصادفة لا أكثر .
رمقها بصبر لتتبع سريعا ونبرة حزينة لم تقو على التحكم فيها : ولماذا آتِ إليك إذا كنت أنت لم تبحث عني ؟
ابتسم رغم عنه وهو يراقب انخفاض رأسها وفركها لأصابعها ليقبض على كفيها سويا ليهمهم وهو يقترب منها بجلسته المجاورة لها على الأريكة : هل كنت تنتظرينني أن أبحث عنك ؟
حاولت أن تملص كفيها من راحته لتهمهم : بل كنت انتظر أن تأت لأبلغك بقراري .
رفع حاجبه ليسألها بمكر : ولماذا انتظرت أن آتِ إليك ؟! لماذا لم تبلغينني بقرارك حينما توصلت إليه ؟
توترت لتؤثر الصمت فيتابع بحنو : بم أنك أنت من أتيت ولن أسأل عن السبب طالما انت لا تريدين ذكره ، فقرارك لن اضعه في الاعتبار ، وسأعتبره لاغي .
عبست بعدم فهم : كيف تعتبره لاغي ؟!
هز رأسه بحركة مرحة : لأنه لم يوافق الشروط يا أستاذة .
نظرت إليه بضيق لتهتف : كيف ؟
اقترب برأسه ليهمس : أخبريني يا سيادة الافوكاتو ، متى يمكننا الاعتداد بالأشياء المحرزة ومتى لا يمكننا الاعتداد بها ؟
رفعت رأسها لتجيب بصرامة : اذا لم تكن محرزة وفقا للشروط لا يعتد بها ، بل إن أمر النيابة الغير مستخرج عند القبض ينهي القضية حتى وإن ضبط المرء متلبسا .
ابتسم بجذل والإعجاب ينضح بعينيه : إذًا لابد أن تضبط الاحراز وفقا للشروط ، وإذا لم تتوافر الشروط ليس لدينا أحراز .
هزت كتفيها بعفوية : بل ليس هناك قضية من الأساس .
أجاب بمكر وعينيه تلمع بأزرق غني : إذا ً قرارك كان مشروطا بانتظارك لمجيئي ولأني لم آت وانت من اتيت يعتد قرارك لاغي ، لا احراز لديك بقضيتك يا استاذة .
هتفت بعصبية : لا تقارن هذا بتلك .
رد ببساطة : قرارك كان مشروطا بمجيئي إليك ، وها أنت من أتيت لذا لا قرار ، الشرط ذهب ، القاعدة كانت مشروطة يا استاذة .
هتفت وهي تنتفض واقفة : توقف يا عمر .
رفع رأسه يتطلع إليها باشتياق لم يخفيه : اشتقت إليك يا حبيبة .
انتفض جسدها رغم عنها واحتقن وجها بقوة لتخفض رأسها وتهمهم : لم تسأل عني ولا مرة الأيام الماضية ؟
تنهد بضعف ليجذبها إليه مرة اخرى يجلسها بجواره فيهمس بجوار اذنها : أنا أسف لأني اخطأت في تقديري للأمور ، خفت أن اتواصل معك فأغضبك أو اضغط عليك شعرت بك مشوشة ومتوترة من قربي الزائد منك فارتأيت أن اترك لك الوقت للتفكير ، كنت كل يوم انتظرك ولكن ابتعادك آلمني يا حبيبة .
اتبع وهو ينظر إلى عمق عينيها : ظننت أني تركت أثرا لديك ولكن ابتعادك أخبرني العكس .
تمتمت وهي تتحاشى النظر إليه : لم استطع الإتصال بك ، كرامتي منعتني وخاصة أنك لم تصالحني وتركتني غاضبة .
تنهد بقوة ليهمهم : حاولت مصالحتك يا حبيبة ولكن أنت من تركتني وغادرت معلنة بأنك تسرعت في قرار ارتباطنا ناسية أنك زوجتي .
رفعت رأسها على الفور ترد بوجنتين كثمرتي طماطم ناضجة : لم اصبح بعد ، لازلت خطيبتك .
تمتم بمكر : بل زوجتي مع إيقاف التنفيذ ، إلى أن نقيم زفافنا ، أشاحت بعينيها بعيدا ليهمس متابعا بتفكه – هل ظننت أني سأتركك بعدما اقترنت بك ، انت حالمة وواهمة يا حبيبة ، أنا لن اتركك أبدا .
همست بتساؤل عفوي : مهما حدث لن تفعل .
اجاب : مهما حدث .
تمتمت بترقب : وإن تشاجرنا ثانية .
ابتسم بحنو : سنتشاجر كثيرا يا حبيبة ، فالشجار بين الأزواج لا يتوقف .
هلعت رغم عنها ليتابع : لابد أن نتشاجر لتحلو المصالحة بعد الشجار .
توردت واخفضت بصرها ليهمهم : هل يمكنني أن اصالحك الأن ؟
أشارت برأسها نافية ليتابع : لتذوقي حلاوة المصالحة فتتشاجرين معي عن عمد في المستقبل .
عبست بحنق وهمت بالانتفاض واقفة ولكنها احتجزها بين ذراعيه سريعا فتهمس بعتب : اتركني يا عمر .
افلتها على الفور ليهتف بتفكه : لن أجبرك أبدا على ما لا تريدين يا حبيبة ، سأفعل كل شيء برضاك وموافقتك الكاملة .
ابتسمت برقة وهي تشعر بقلبها ينتفض بالحياة من جديد لتهتف وهي تنهض واقفة تتحرك مقاومة قربه منها وتصد انجذابها إليه بصلابة : هلا قبلت دعوتي لك على الغذاء في الغد ؟
ارتفع حاجبيه بدهشة : بالطبع .
هزت كتفها برقة وعيناها تلتمعان بفرحة : هذه مصالحتي لك .
نهض بدوره ليطل عليها من علو : أحلى مصالحة ، إذًا أنت تستطيعين الطهو؟
ابتسمت وراوغته بمشاكسة : وإن لم أكن .
اقترب بخطورة هددت عزيمتها المستنفرة أمامه وخاصة وهي تشعر بالغرق في قربه ليهمهم إليها بحنو : سأطهو أنا .
ارتجف جسدها لا اراديا وقلبها يخفق بجنون لتهمهم بعفوية وهي تبتعد عنه : بالمناسبة ايني تدعوك لحفل عيد مولد آسيا، إنها تعد إليها حفل فجائي .
ابتسم : كل عام وهي بخير ،
اتبعت وكأنها لم تستمع إليه : أعتقد أن إيناس دعت خالتك وزوجها ، فهي مقربة من عائلة الوزير .
التفتت تنظر إليه بتفحص : ستحضر ابنة خالتك أليس كذلك ؟
أجاب ببساطة : إذا دعتها خالتك ستحضر بالطبع .
نظرت إليه بتساؤل صامت فابتسم بحنو : نوران بمثابة اختي الصغيرة ليس أكثر ، زاغت عينيها ليتابع بجدية ونبرة ثابتة – أنت تعلمين أنها مرتبطة و رأيت هذا بعينيك.
رفعت عينها بعتب وغيرة مزجت بعسل عينيها فابتسم رغم عنه ليتمتم : سأراعي أن لا اضايقك .
تبعثرت غيوم حدقتيها لتضيء بنظرة صافية بامتنانها لتقديره لألمها فابتسم بفرحة وجرها من كفيها ليفردهما على صدره فيبقيها قربه : هلا قضيت معي بقية اليوم وتقبلت الأمر كمصالحة مني ، اتبع بعبث زين ملامحه – بدلا من المصالحة التي أتوق إليها .
توردت لتعبس وتتمتم بعتب : عمر توقف .
ضحك بخفة ليمأ براسه : حسنا سأتوقف ، اتبع – هيا بنا .
كادت أن تتبعه لتوقفه بجدية : ولكن لديك محاضرة أخرى اليوم .
تهدلا كتفيه ليهتف بنزق : نعم لقد نسيتها حينما رأيتك .
ضحكت رغم عنها ووجهها يحتقن بقوة : اذهب إلى عملك وأنا سأنتظرك بالمكتبة ، سأبحث عن بعض الأشياء بينما تنهي محاضرتك .
أومأ برأسه : حسنا ، لا تذهبي .
تمسك بكفها وهو يتحرك مبتعدا ليتابع برجاء وحذر : إياك أن تفعليها يا حبيبة .
اتسعت ابتسامتها وقلبها يخفق بجنون : سأنتظرك .
ومضت عيناه بلون أزرق خاطف ليهمهم وهو يغادر مكتبه بجوارها : لن أتأخر .
تمتمت ثانية وهي تشير إليه بكفها وتبتعد نحو المكتبة : سأنتظرك .
***
اندفعت نحو مكتبها بخطوات عصبية تشي بغضبها .. نزقها .. ضيقها ، لقد تأخرت كثيرا اليوم ولكنها لم تستطع أن تأتي هنا بعد حديث والدتها الذي ازعجها للغاية والذي تعلم جيدا أن موافقته على التقرب من الفتاة التي رشحتها إليه والدته هو السبب فيم تفعله أمها ، اختنق حلقها ثانية وهي تنظر إلى باب مكتبه الموصد أمامها فتزدرد لعابها بصعوبة وهي موقنة من رغبة والدتها الأزلية في تزويجها له ، رغبة تحولت إلى يقين مع مرور الوقت خاصة مع عزوفه عن الزواج ، يقين تملك منها هي الأخرى فاصبح متغلغلا بداخلها رغم اختلافها الجلي وعنادها الدائم معه ، ليزدهر أملها خاصة الفترة الماضية حينما اكتشفت تعلقه بها وحبه لها ولكن أمر العروس المنتظر – والذي من الواضح أنه جادي – أفسد عليها أملها وحول حلم امتلاكها له إلى كابوس اطبق فوق صدرها .
دلفت إلى مكتبها لتلقي حقيبتها بعصبية فوق الأريكة لتدور من حول نفسها وهي تفرك كفيها في توتر ، تفكر في كيفية الهروب من هذه المقابلة التي فرضتها عليها والدتها ، وخاصة إذا علم بها ، ماذا سيفعل .. بل بم سيفكر ، سيتذكر ما حدث بالماضي وستتأزم الأمور بينهما بطريقة لا تريدها ، بل لا ترغبها ، إنها تريد مهادنته لتصل إلى بر امن بجواره وتدفعه نحوها من جديد لتكسب رهان قلبها أمامه.
عبست بتعجب وهي تلتقط بعض من الضوضاء اتية من مكتبه لتتحرك بنزق ترى ماذا يحدث بالداخل ، فتحت الباب بين مكتبيها بتروي وخفة حتى لا يلتقط وجودها ، لتتسع عيناها بصدمة سرعان ما تحولت لغضب وهي ترى تلك الفتاة التي تريد أمه تزويجها له تحتل الأريكة تجاورها والدتها وهو يجلس بالكرسي القريب منها يتحدث إليهما بأريحية اشعلتها .
همهم ببعض كلمات لم تلتقطها جيدا ولكنها التقطت تورد الفتاة التي اخفضت رأسها في حياء وعيناه المشعتان بشقاوة لم ترها فيه من قبل ليتبع حديثه بنبرة صوت رائقة : فقط إذا اردت يمكنك الانضمام لنا هنا ، المؤسسة ستنير بوجودك يا أسيل هانم .
تمتمت الفتاة بخفر : إنه لشرف لي .
أجابها بابتسامة متألقة : بل الشرف لنا ، ألا تلاحظين التغير التام الذي حدث حينما اشرقت علينا بوجودك اليوم ؟
احتقن وجهها بالكامل لتجيب والدتها هذه المرة : إنها لمجاملة رائعة منك يا عاصم بك .
همهم : فقط نادني عاصم يا هانم ، أنا مثل ولدك لو سمحت لي
هتفت السيدة بامتنان و فخر : إنه شرف لنا يا عاصم ، بل إنه عظيم الشرف أن تكون ولدا لي .
تقف تنظر بصمت عيناها جاحظتان ولعابها جاف تشعر بروحها تزهق وقلبها سيتوقف عن الخفقان ، تراقب ضحكته التي لم تراها من قبل ،جلسته المستريحة و نظراته المتفحصة للفتاة التي تذوب خجلا أمام عيناه المتقدة بوميض لم يرق لها .
غضبها يتصاعد وضغط دماءها يندفع لراسها بقوة فتشعر بأنها ستفقد وعيها من شدة الغضب وهذا الألم الذي ينبض بأعماقها همت بالاندفاع نحوه ، تريد اقتلاع عينيه التي تطلع نحو أخرى غيرها .. تريد لكمه في فكه لتمحي ابتسامته الرائقة وقتل تلك الخجول التي لا تدرك مقداره
انتبهت من افكارها الإجرامية على صوت حسناء التي دقت الباب ودلفت على الفور تهتف بصوت زاعق : عاصم بك .
التفت عاصم بحدة لتخيم الدهشة على وجه الفتاة ووالدتها لتتبع حسناء بنزق : موعد الاجتماع يا سيدي .
تضرجا وجه الضيفتين بحرج لتنهضا على الفور والسيدة تهتف : المعذرة بني لقد أتينا دون موعد وعطلناك عن أعمالك .
هتف عاصم بحرج : لا يا سيدتي لقد تشرفنا بوجودكما اليوم ، اتبع وهو يقف أمام الفتاة - ارجوكما ابقيا أنا سألغي الاجتماع واظل معكما .
ابتسمت الفتاة برقة لترفع عينيها إليه أخيرا وتهمهم : بل سنرحل لا نريد ازعاجك .
ابتسم برزانة : لم تزعجوني قط لقد سعدت بحضوركما .
تمتمت برقة : إذًا نريدك تشرفنا أنت الأخر بالزيارة ، أبي متشوق لرؤيتك.
تلألأت عينيه ليهمس : أنه لعظيم الشرف لي مقابلتي لوالدك .
توردت لتهتف والدتها : حسنا سننتظرك على العشاء بعد غد يا عاصم .
هتف بلباقة : سأكون على الموعد تماما يا سيدتي .
سار بجوارهما ليوصلهما للمصعد الخاص به فيودعهما قبل أن يعود إلى مكتبه ليهدر بحدة في حسناء التي وقفت واجمة تراقب من انصرفت بغيرة لم تتحكم بها : إياك أن تفعليها ثانية وخاصة حين وجود ضيوف مهمين لدي .
تلعثمت حسناء وهمت بالاعتذار ليصدح صوتها من خلفه : لماذا تصرخ بها ؟ هي لم تفعل شيء خاطئ كانت تنبهك لموعد الاجتماع الذي نسيته بسبب ضيوفك المهمين.
استدار ينظر إليها بدهشة ليهتف بجدية دون أن ينظر لحسناء : انصرفي ، رمقها من بين رموشه ليهدر بخفوت حاد : لا تتدخلي فيم لا يعنيك يا نوران ، اهتمي بشؤونك يا ابنة عمي .
هتفت بغل وكأنها لم تستمع إليه : ماذا كانت تفعل هذه الفأرة وأمها هنا ؟
ابتسم رغم عنه وهو يتحرك ليجلس خلف مكتبه ثانية : كانتا تزورانني ، اتبع بهدوء وهو ينشغل بجهازه اللوحي - كما تعلمين الآنسة أسيل معمارية مثلي فكانت ترى المؤسسة وتتحدث معي عن العمل .
كتفت ساعديها لتسأل بجدية : وهي ستخطب لك أم ستعمل معك ؟
رفع عينيه والتسلية تعتلي ملامحه : من الممكن أن يكونا الإثنين سويا .
ارتجف صدغها لتبتسم بمرارة وهي تهز رأسها بتفهم لتتمتم وهي تندفع عائدة إلى مكتبها : معك حق ، أنت محق ، مبارك عليك الإثنين يا ابن العم .
عبس بضيق انتابه حينما صفعت الباب خلفها لينتفض واقفا برفض حينما استمع إلي صوت المزلاج الذي دوى بأذنيه وكأنها تخبره أن الطريق إليها بات موصدا أمام عقله .. مغلقا أمام قلبه .. منهيا لحلمه في نيلها ، حلمه الذي داعبه البارحة بقوة بل حيا في رحابه لساعات طويلة بعد جلسته المطولة معها حينما طرق هذا الباب الفاصل بين مكتبيها ، والذي اغلقته اليوم في وجهه بعد أن كان مفتوحا - منذ دقائق - أمامه ليعبره ، ذهب إليها البارحة ليحدثها فأستأذن الدخول إليها مراعيا لحدود اقرها هو بينهما لتهتف بالإنجليزية دون أن تلتفت برأسها لترى من القادم : أدخل .
يختلج قلبه بين ضلوعه حينما تذكرها وكفيها تلامس السطح الاملس المطبوع عليه الأحرف بحركة انسيابية تطبع بعض الحروف على الشاشة المرئية أمام راسها توازي عيناها والتي تبتعد بمسافة مناسبة عن رأسها ليبتسم حينما وقعت عيناه عليها دون وعي ليهمس بهدوء : هل اعطلك عن أمر ما ؟
لامست زر ما في السطح الأملس فأغلقت الشاشة تلقائيا لتهتف به وهي تدور على كرسيها : على الإطلاق ، تفضل يا باشمهندس .
تقدم ليجلس على إحدى الكرسين أمامها : اردت الحديث معك عن الخطة التسويقية ، أحمد أبلغني أنك تريدين ضم مشروعين جدد للخطة ، أليس هذا كثيرا قليلا ؟
ابتسمت بمكر ومطت شفتيها بمشاكسة : هل تتململ من نقص ارباحك يا باشمهندس؟!
ضحك رغم عنه وهتف : لا إذا أردت أن أزيد لك نسبة الأرباح لن أمانع ولكن أنا اتحدث عن الطاقة الاستيعابية للبرنامج يا نوران ، لا أريد ا أن يتضخم العمل فلا يأتي بنتائجه المرجوة منه .
نظرت إليه قليلا قبل أن تنهض واقفة : اخبرني أولا قبل أن نتناقش ، ماذا تشرب ؟! هل اطلب لك القهوة ؟!
هم بالحديث لتهتف بمعرفة : لا أنت تفضل الشاي ، اكملت وهي تسبر اعماق عينيه – تحتسيه في فنجان خزفي موضوع أسفله طبق يماثله .
انتشى بسعادة داعبت قلبه فتومض عيناه بغموض وهو يمأ لها برأسه فتتحرك من أمامه بخفة ودلال متأصل بشخصيتها ، تتعلق عيناه بها رغم عنه ، تتعلق بتفاصيلها من أسفل قدميها بحذائها ذو الكعب الرفيع الطويل ، تنورتها الضيقة الطويلة إلى حد ما فتصل لمنتصف ساقيها ، وقميصها الحريري بلون الكراميل الملتصق بظهرها بدون أكمام ، تلتمع بشرة ذراعيها البرونزية أمام عينيه فتتوهج حدقتيه بشوق أن يمتلكها ولكنه يحجم شوقه بقيد من حديد ويذكر نفسه باتفاقهما الملتزمان به منذ أن تمادى في جرحها رغم عنه.
استدارت بعد أن لامست لوحة جانبية معلقة تسجل بها ما تطلبه لتهتف به وهي لا تدرك عمق نظراته : سيأتي العامل بها في الحال .
تحركت لتجلس على الكرسي من أمامه تضع ساق فوق اخرى ليطبق فكيه وهو ينظر إلى فتحة التنورة الأمامية والممتدة إلى ما فوق ركبتيها والتي لم يلاحظها سوى الآن
أشاح بعينيه بعيدا لتهتف به : نتحدث في العمل .
رفع نظره لها ليبتسم ببرود : نتحدث .
كانا منسجمان .. متناغمان .. متوافقان ، ككل مرة تحدثا فيها في العمل فتسلب لبه بيقظتها .. بفطنتها .. وعقلها المتقد بذكاء يبهره ، لقد راوغته كثيرا إلى أن توصل معها لاتفاق جذبته إليه فاستجاب بسلاسة ولكنه لم يمنحها ما أرادته في مكر أثار ضحكاتها ليشعر بأنه يغرق في بحرها لينتشل نفسه بالقوة وينهض مغادرا مكتبه وقلبه يرقص بخفقات ايقظته طوال الليل ، ليأتي اليوم منتشيً بسعادة صحبته ليفاجئ بزيارة عروسه المنتظرة ووالدتها ، العروس التي أتت إليه دون موعد ودون اتفاق مسبق وكأنها تحاصره بوجودها في محيطه ، هذا الهاجس ازعجه ولكنه لم يسمح لانزعاجه بالسيطرة عليه بل أستقبلها ووالدتها بلباقة تحتمت عليه ، وتحدث معها بمجاملة ازعجت ابنة عمه التي احرقتها غيرتها فلم تأبه باتفاقهما ولا حدود رسمها ووافقت عليها .
اغمض عينيه وهو يعاود الجلوس فوق مكتبه يقبض كفيه ويفتحهما مسيطرا على ضيقه الذي الم به وقلبه يلومه على ما يفعله بها وبنفسه ، فهو لم يستطع أن يهدأ من غيرتها ولا يقو على اطفاء نيرانها التي تدفقت بسخاء في زيتونيتها ، ولا يرضيه أن يقدم على فعل أخر يخسره كل شيء ، فنوران لابد أن تتعلم حتى لو بالطريقة الأصعب عليها وعلى قلبه .
***


سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 06:20 PM   #184

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي





***
__ أين كنت يا زوجة عمي ؟
انتفضتا سويا على صوته الهادئ ذو البحة الخشنة ليلتفتا إليه يجلس مرتخيا بمقعد وثير في بهو المنزل الكبير ، يضع ساق فوق أخرى وينظر إليهما بعجرفة وتسلط يطل من عينيه ابتسمت أمها برقة : مرحبا بك يا زيد ، كيف حالك اليوم ؟
نهض بتراخي يقترب منهما بخطوات بطيئة ونظراته تتمركز عليها ، قبل أن يلتفت لوهلة الى زوجة عمه : أنا بخير والحمد لله ، أدار عينيه اليها ثانية - طالما أنتما بخير .
أطبقت فكيها وهي تتحاشى النظر إليه قبل أن تغمغم : بعد إذنك يا ماما سأصعد لأبدل ملابسي .
تحركت على الفور تحت وطأة نظراته المسلطة عليها فينتفض جسدها وهي تشعر بكرهها نحوه يزداد ، راقبها عن كثب إلى أن اختفت من أمام ناظريه ليعود بعينيه إلى زوجة عمه هامسا بحدة : أنت تشجعينها يا زوجة عمي وهذا خطأ كبير .
زفرت السيدة بقوة : الخطأ أنت من بدأته يا زيد فلا تلومني إذا حاولت مؤازرة ابنتي ومساعدتها .
رمقها من بين رموشه ليهتف بقسوة : ابنتك ليس لها سواي وانت تعلمين ، لذا توقفي عن دفعها بعيدا عني .
تحدته بعينيها : لم ادفعها يوما بعيد عنك ولكن تصرفاتك وافعالك من فعلت ، أنت جرحتها كثيرا وها هي الآن تبحث عن خلاصها منك .
اشتعلت عينيه بقسوة ليهتف بحنق : لا خلاص مني سوى الموت ، اتبع وهو ينظر لعمق عيني السيدة الأكبر منه سنا والتي ارتجفت بعفوية من قسوة نظراته - ادركي هذا جيدا يا زوجة عمي يا أنا يا القبر ، لا خيار ثالث .
انتفضت بفزع لتعبس وتهتف بخوف : وهل علي أن أمن على ابنتي معك بعد تهديدك هذا ؟
لانت ملامحه قليلا : وهي بجانبي لا تخشي عليها شيء .
هتفت برفض : لا اخشي عليها من أي شيء ولكني أخشى عليها منك .
فاضت نظراته بحنان خاص وجه للغائبة : لا تخشي عليها مني فهي إذا طلبت روحي منحتها لها راضيا .
هتفت السيدة بغضب : أنت مجنون .
رجفا جفنيه : ابنتك السبب .
تنهدت بقوة لتربت على كتفه : اسمع يا زيد ، لقد ربيتكما سويا انت تعد ابني ، ولذا علي أن انصحك ما تفعله معها لن يأتي بنتيجة جيدة ، فكر جيدا واستخدم دهاءك وحيلتك لتستطيع استمالتها من جديد .
ومضت عيناه وهو ينظر للأعلى قليلا قبل أن يهمهم : سأفعل .
زفر بقوة ليخطو نحو الدرج فتهتف باسمه في هدوء ، توقف قبل أن يصعد بدوره مهمهم بصوت اجش : لا تخافي إنها آمنة معي .
راقبته يصعد وهي تعلم أنه ذاهب لابنتها وقلبها يرجف خوفا من اصطدام وشيك سيحدث بينهما ، هي تثق به و تعلم جيدا أنه سيحافظ على ابنتها وسيحميها بحياته ويفديها بروحه من كل العالم ولكن تتساءل دوما من سيحمي ابنتها إذا قرر هو البطش بها ، فلا تجد من مجيب ، رفت بعينيها ومن كانت بزيارته اليوم يتراءى لها فتأمل أن تجد فيه ابنتها الحماية اللازمة رغم أنها تعلم بقرار نفسها أنه ليس بذي صفة ولن يكون أبدا فزيد لن يسمح باقتراب أي شخص آخر من ابنتها ولن يسمح لاحدهم تحرير ابنتها من قفصها الذهبي الذي يملك هو مفتاحه ويقف عليه حارس وسجان .
...
دلف إلي الغرفة دون أن يطرق الباب .لا يهمه رفضها من عدمه فهو يخبرها ببساطة أنها ملكه.. خاصته.. امرأته ، حتى أن رفضت.. ابتعدت و حاولت الهرب إلا أنها لا تدرك انها مهما فعلت لن تستطيع الهرب منه.
اضطجع على فراشها اضطجاع من يملك ليركن رأسه إلى الخلف مستمتعا برائحتها التي تحاوطه.
غفت عيناه رغما عنه و خاصة حينما احتضن وسادتها فشعر أنها تستلقي بين ذراعيه كما يتمنى و يريد ليستيقظ من غفوته اللذيذة على صوتها الرقيق يهدر بسخط: ماذا تفعل هنا؟
رف بجفنيه ليتثاءب رغم عنه قبل أن يجيبها دون أي نية في الحركة من موضعه: نائم كما ترين.
عبست بغضب لتومض عيناه ببريق أخفاه حينما اسبل اهدابه و هو يدير عينيه على تفاصيلها الصغيرة من أخمص قدميها المختفيتان داخل خف منزلي من الفرو بشكل قطة وردية اللون.. ساقيها العاريتين إلى منتصف فخذيها اللذين يحدهما اخر مئزرها الستاني بلونه الوردي اللامع الملتف حول خصرها الهش مظهرا مواطن أنوثتها الشهية.
تعالت أنفاسه بشكل ملحوظ و هو يتطلع بشكل مباشر نحو ملامحها الرقيقة الخالية من أي زينه والواضحة في وجهها الصغير المدور كالأطفال و شعرها الملموم في كحكة فوقيه أظهرت صغر وجهها.
كتفت ساعديها لتهدر باسمه في غضب داعب محياها ليبتسم بمكر و هو يتحرك ببطء مستفز ويقترب منها بخطوات متمهلة إلى أن وقف أمامها مباشرة ليتطلع إليها من علو فتواجهه بغضب و هي تزم شفتيها فأصبحت بنظره طفلة شهية سيتلذذ بتناولها على مهل حينما يمتلكها.
تمتمت بحدة: توقف عن النظر نحوي هكذا.
ابتسم بتمهل: هكذا كيف؟!
توردت رغم عنها لتشيح بيدها: النظر بوقاحة كما تفعل الآن.
غمغم بسخرية: لطالما أحببت وقاحتي معك.
ردت بسخرية مماثله : حينما كنت أعتقد أنها معي وحدي و ليس مع كل أنثى تمر من حولك.
تغضن جبينه باستياء : وقاحتي معك خاصة بك.
سألت بهدوء: و الأخريات ؟
تنفس: هذا أمر آخر لا تقارني نفسك بهن، و لا تساوي بما اشعره نحوك لما يحدث بيني و بينهم.
رفعت نظرها باستهجان : و من المفترض أن اصدقك و اتناسى ما تفعله و اسامحك على اخطأك ؟
رد بجبروت : بل تتعايشين معه موقنة إني أحبك أنت.
صاحت بحدة : وبماذا استفدت بحبك ، وبماذا يفيد حبك الذي لم يستطع أن يمنعك عن ايلامي .. عن قهري .. عن خيانتي .
تمتم بعصبية : لم اخنك ، فأنا أحبك أنت ، قلبي لم امنحه لأخرى غيرك
ومضت عيناها بقهر يضيمها ويحرق روحها لتجيب بهدوء لا يماثل اشتعالها الداخلي : إذًا ما تفعله من وجهة نظرك ليست خيانة .
أجاب بجدية : نعم .
هزت رأسها في صمت لتتحدث بعد وهلة : حسنا لا تغضب حينما امنح جسدي لآخر وتذكر أنني دوما أحبك
ومضت عيناه ببريق مخيف ولكنها تماسكت حتى لا ترتعد أمامه ليغمغم بصوت ملتوي يخرج بفحيح خشونة نبراته : وهل وجدت من ستمنحينه جسدك يا ابنة عمي؟
رفعت بعينيها لتهمهم : لست رخيصة مثلك لأفعل ، حينما اقرر أن امنح نفسي لاحدهم سأكون زوجته أمام الله والناس .
رمقها بنظرة وامضة بشر ليهتف سائلا : ومن تتحدثين عنه هو من كنت تزورينه اليوم بمكتبه ؟
لم ترتجف لقد واعدت نفسها الا تفعل ولم تحنث وعدها بل شمخت برأسها في قوة : من كنت عنده لا شأن لك به
رمقها من بين رموشه : لن اعيره اهتماما طالما انت ابتعدت عنه يا أسيل ، لا تدفعيني دفعا لأذيته حتى أبعده عنك .
رفعت رأسها لتهمهم : لا شأن لك بي وبم أفعل ، أنا حرة في تصرفاتي .. افعالي .. واختياراتي أيضا .
اقترب اكثر منها فتمسكت بمكانها حتى لا تتراجع بعيدة عنه ليهمهم : أنت حرة طالما أنت داخل مداري ، إذا فكرت مجرد تفكير في الخروج فلا تلومي إلا نفسك يا ابنة عمي .
صاحت بعزيمة : لم أعد في مدارك منذ ذاك اليوم الذي اكتشفت به خيانتك لي ، اتبعت بسخرية - كنا على وشك الزواج ، كنت هائمة في بحر خداعك العميق بأنك تحبني ، لأهوى فجأة على أم رأسي واكتشف أنك تخونني وليس مع أخرى بل أخريات كثيرات لا عدد لهن ولا حصر .
أطبقت فكيها لتتابع بقهر : من يومها وأنا كسرت مدارك وتحررت من قيدك يا زيد .
ومضت عيناه بنظرة مخيفة ليهتف بقوة : لم تتحرري مني أبدا ولن تفعلي ، أنا جاثوم حياتك يا أسيل ومهما اقنعت نفسك بأنك ابتعدت عني ستجدين أنك متعلقة بي .. مربوطة لي ، سميه قدر .. ابتلاء .. عذاب ، فلتطلقي عليه ما تشائين من المسميات ولكن تيقني بأنك لي مهما حدث انت لي .. ملكي .. خاصتي .. امرأتي .
تمتمت بعناد : لن أكون .. ولا حتى بأحلامك .
ابتسم بخبث : أتركي أحلامي بك بعيدا عن مخيلتك فإذا اطلعت عليها ستغرقين بخجلك ، ولا تتحدثين عن الواقع لأني لو أردت امتلاكك لن تقو على الرفض وأنت تعلمين .
رفعت كفها لتصفعه والغل يقطر من عينيها وهي تهتف بحدة : أنت وقح .
تلقف يدها الصغيرة بكفه الكبير ليعتصر اصابعها بقوة فتتأوه ليجذبها إليه كاتما تأوهها بشفتيه في قبلة قاسية تعمد أن يؤذها بها حاولت ضربه بكفها الآخر أو التملص منه ولكنها لم تستطع ليدفعها بعد قليل بخشونة بعيدا عنه لترتمي فوق الأريكة الواقعة خلفها ، ينظر إليها من علو قبل أن يحاصرها بجسده ، يسند راحتيه على الأريكة من حولها ، يقترب كثيرا من وجهها ينظر لعمق عينيها التي تهطل بدموع كثيرة ليغمغم بفحيح خشن : إذا أردت امتلاكك هنا الآن لن تستطيعي منعي يا أسيل ولن يقو على ردعي أحد ، فتوقفي عن دفعي لأقصى حدود تعقلي وارتضي بم منحته لك أنا من حرية تحت سيطرتي .
رفع كفه الأيمن و ربت على رأسها فارتعدت بخوف فطري ليبتسم بظفر وهو يقرب رأسها منه قليلا فيضع قبلة حانية فوق جبينها مهمهما : لا تخافي يا صغيرتي ، أنت آمنة طالما كنت معي .
اعتدل واقفا ليبتعد عنها قليلا قبل أن يهمس : لا تعودي للعب من خلف ظهري يا لولي فهذه طريقه سيئة في اللعب وأنت فتاة جيدة لن تفعلي ما يغضبني ، أليس كذلك؟! ارتجفت رغم عنها ليستدير ينظر إليها من فوق كتفه - ومن كنت عنده اليوم لا ترينه مرة أخرى حتى لا تتسببين في أذيته ، ابتعدي عن ابن الجمال يا أسيل وهذا أخر تحذير لك .
اتبع وهو يغادر غرفتها يغلق من خلفه الباب : عمت مساء يا ابنة عمي .
ارتعدت رغم عنها ودموعها تنهمر بقوة وهي تمسح شفتيها بكفيها في قهر رسم على ملامحها ، تحتضن جسدها بذراعيها وتجهش في بكاء مرير قبل أن تنطوي فوق الأريكة فتلتف من حول نفسها وكأنها تواسي روحها الوحيدة الضعيفة أمام طوفان ظلمه و جبروته .
***
بدأت القصة تحت الشتي .. باول شتي حبوا بعضن
وخلصت القصة بتاني شتي .. تحت الشتي تركوا بعضن
حبوا بعضن .. تركوا بعضن
تنهدت بقوة وهي تتمسك بكوب الشاي الساخن بين كفيها تدلي ساقيها من حرف المركب الأشبه لليخت ولكن بحجم صغير للغاية ، والذي اصطحابها عليه ليقضوا اليوم بطريقة مختلفة فوافقت بعض أن اقنعها كما يفعل دوما وخاصة بعد أن استأذن أبيها وأخبر سليم عن وجهتهم أمامها ، بل أنها شعرت براحة عارمة وهي تقابل السيدة المسنة التي تلقتهما هي وابنها المسئول عن قيادة المركب و عرفت منه أنهما يقومان على خدمة الضيوف المستأجرون للمركب ، ابتسمت وهي تنظر للمياه أسفلها والتي لا تصل إليها قدميها فالجلسة راقت لها حينما اقنعها بأن تجلس بجواره وهو يصطاد السمك والذي سيكون غذائهم اليوم ، لا تدري إذ بالفعل اقنعها أم هي من تركت له زمام الأمر كله وتركت روحها تسبح في تياره الهادئ المحبب لنفسها .
انتبهت على كتفه الذي لكزها بكتفها وهو يجلس بجوارها ليس ملتصقا بها ولكنه قريب للغاية منها بعدما حمل صندوق الثلج الصغير المحمل بالكثير من السمك الذي أتى وفيرا – على حد قوله- رزقا على وجهها المحمل بالخير ، همس بجانب اذنها : ما سر التنهد والابتسامة ؟
توردت ورفعت عيناها إليه تمازحه : لن اخبرك بالطبع .
تطلع إلى عمق عينيها بزرقاويتيه ليهمس : بل ستفعلين .
زفرت أنفاسها كاملة وهي تبدل مجرى الحديث : أنا احب هذه الأغنية .
ناظرها بتساؤل : هل من ذكريات معها ؟
ابتسمت وهمهمت : تقصد ذكريات عاطفية .
ضحك بخفة : لم أقصد شيئا ، ولكن طبيعي أن يكون لك ذكريات عاطفية ، أنت شابة مررت بمراحل عمرية كثيرة وطبيعي أن تكوني ارتبطت بشخص أو اخر خلال مراهقتك
رفعت حاجبيها بتعجب وهي تنظر له بدهشة لتثرثر بعدم فهم : بالطبع لا ، لم يحدث أبدا اني تعلقت بأي شخص ، بل لم أذكر أني أعجبت بأحدهم سوى العم حاتم لأني كنت احب أغانيه ، ابتسم بخفة لتتابع والحنق يرتسم على ملامحها تدريجيا - انت تتحدث عن الأمر ببساطة وكأنه لا يعنيك
عبس بتعجب ليجيب بعفوية : بالطبع لا يعنيني ، نظرت إليه باستنكار فاتبع بجدية- كل ما سبقني لا يعنيني يا حبيبة ، الحالي والقادم هو ما يهمني .
زاغت نظراتها بتردد لتسأل بجدية : إذًا لو أخبرتك أني كنت مرتبطة بشخص ما قبلك .
أشار بيده أمام فمها ليوقف حديثها : لا أريد أن أعلم شيء عم سبق ، أما إذا كنت تريدين اخباري من باب البوح فافعلي سأكون نعم الصديق الذي يستمع ويربت على ظهرك مشجعا ومساندا .
رمشت بعينيها لتسأل بغيرة داهمتها فتترجم أفكارها على الفور : وأنت هل كنت مرتبط قبلي ؟
كز على شفته السفلى لتومض عيناه بمكر : إذا أخبرتك ستصدقينني ، أومأت برأسها بالإيجاب سريعا وعيناها تطلع نحوه بفضول فيتابع وهو يقترب برأسه منها - لم تجذب عيناي سواك .
توردت لتنهض واقفة تدور من حولها وهو يراقبها بعيني مسبله بمكر فتهمهم بحنق خجول : أين اضع هذا القدح ؟
قفز واقفا برشاقة ليحملها من كفها ويهمهم وهو يتحرك نحو المقصورة السفلية : هاتها سأضعها أنا بنفسي في المطبخ .
حينما اصبح بالأسفل هتف بها : الن تأتي لترى المكان هنا وتقفين معي وأنا اعد السمك ؟
اتبع بغمزة شقية : تعالي لن تندمي .
ابتسمت برقة رغم عنها وهي تتبعه بالفعل للأسفل : بل سأساعدك أيضا ، ولتذوق طعامي اليوم حتى تكن على بينة فلا تندم فيما بعد .
ضحك ليهمهم بشقاوة وهو يلف من حولها بالمطبخ الصغير نسيبا : لن اندم .
توردت وهي تتحاشى النظر إليه لتهمهم بخفوت : أم حسن معنا .
ضحك بمرح ليهمهم مقلدا إياها : وحتى إن لم تكن معنا ، أنا التزم بقواعدك جيدا يا حبيبة ، فلا داع لخوفك أو توترك .
ابتسمت بتوتر داهمها وهي تنظر للسمك الموضوع أمامها لازال ماء البحر عالقا فيه ينتفض باحثا عن انفاسه لتهمهم : ضع عليه القليل من الماء يا عمر ، إنه يتعذب.
رقت ملامحه ليهمهم : إنها الانتفاضة الأخيرة يا حبيبة ، ولكنه ليس حيا كما تعلمين.
تمتمت : مظهره يؤذيني .
كح ليجلي حلقه فيتخلص من تأثره بها فيراوغ بالقول : هل مسموح لي بضمك لصدري لأخفف عنك .
اجفلت لتهز رأسها نافية بسرعة : لا ليس مسموح لك ،
هز كتفيه : أنا فقط أريد المساعدة .
اتبع وهو يتحرك من حولها يعد بعضا من الأشياء : هيا اخبريني كيف ستعدين السمك ؟
رفت بعينيها : إنه يحتاج الى التنظيف أولا .
نظر إليها متسائلا لتهمهم : لا أعرف كيف انظفه .
ضحك بخفة ليهتف : اتركي أمر التنظيف الى أم حسن هنا واطهي بعضا من الأرز أم لا تعرفين أيضا .
رفعت راسها بشموخ : بالطبع استطيع إعداد الأرز ، ستأكل اليوم اشهى أرز صيادية ستتناوله في حياتك ، بطريقة عمتي ليلى .
هتف بانبهار مرح : واو ، أنا أعشق طعام خالتي ليلى ، إنها الوحيدة من تنافس طعام أمي ومكانته لدي .
رفعت حاجبها لتسال بفظاظة : طعام امك ؟! اتبعت بلوي شفتيها – هل أنت منهم ؟
عبس بعدم فهم وعيناه تومض بتساؤل : من هم ؟
همهمت بحنق وهي تبدا بإعداد الأرز بالفعل : من يعشقون طعام امهاتهم ويشيدون به دوما .
ضحك بمرح ليقترب منها قليلا يراقب ما تفعله ليتحدث بجدية : أنا أعشق أمي بتفاصيلها ، وطعامها جزء من هذه التفاصيل الكثيرة التي اذوب بها ، ولكن عشقي لأمي لا يتعارض مع عشقي لزوجتي .
ارتدت رأسها إليه ليشحب وجهها تدريجيا : عشقك لزوجتك .
اقترب برأسه قليلا لينظر إلى عمق عينيها : باعتبار ما سيكون ، بالطبع حينما تكونين زوجتي سأحبك واعشقك أيضا .
سألت بعفوية وعيناها تناشده بإجابة تريدها روحها : ستفعل ؟
احتضنها بزرقة عيناه الصافية ليهمهم بصوت اجش : بل سأفعل أكثر مما تخيلت يوما فقط امنحيني فرصة حقيقية يا حبيبة .
تمتمت : سأفعل .
برقت عيناه بسعادة غمرته فاحتقن وجهها لتشيح برأسها بعيدا قبل أن تعاود النظر إلى القدر الذي تقلب محتوياته ليسألها بهدوء : الن تخبريني عن سر حبك لتلك الأغنية الحزينة ؟
تنهدت بقوة لتبتسم وتهمس : لأنها واقعية ، ترسم الحب بكل تفاصيله ونهايته أيضا .
نظر إليها مليا ليحاورها بهدوء : ولكن ليس كل قصص الحب تنتهي بالفراق يا حبيبة .
ابتسمت لتغمغم بصوت مختنق : حتى من تكلل بالزواج و تنتهي بجملة "وعاشا في سعادة أبدية " تلك الجملة تخفي الكثير من الوجع ، بل إن فراق الأرواح أقسى كثيرا من فراق الاجساد والاشخاص يا عمر .
اوجعه قلبه عليها ولكنه أخفاه بمهارة خلف ملامحه الهادئة ليبتسم بحنو : انظري إلى كفك يا حبيبة .
عبست بعدم فهم لينتزع كفها الممسكة بيد القدر ليرفعها أمام وجهها فيبتسم بمرح : بغض النظر إنها صغيرة وجميلة كصاحبتها ، ضحكت رغم عنها وهي تهتف باسمه في عتب ليتابع لها غامزا – فقط انظري إليها جيدا اترين أصابعك التي لا تشبه بعضها .
جذبها بخفة إليه ليضع كفها فوق صدره مجبرا إياها رغم تملصها : نحن ايضا لا نشبه بعضنا البعض ، حتى الإخوة مختلفون .
زفر بقوة وهو يربت على كفها فوق صدره : لا تعممي حكاية سيئة عرفتها على كل الحكايات ، والأهم أن لا تقارني حكايتك بأخرى حتى وإن تشابهت احداثهما .
نظر إلى عمق عينيها وتابع : وثقي دوما بنجاح حكايتك حتى تصلي إلى نهايتها السعيدة .
ابتسمت بأمل سطع بعينيها قبل أن تبرق عيناها والغضب يعتلي ملامحها لينظر إليها بتساؤل وتوتر لتهتف بحنق : احترق الأرز يا استاذ .
انفجر ضاحكا وخاصة حينما دفعته بعيدا عنها لتولي اهتمامها لقدر الأرز الذي انبعثت منه الادخنة ليهتف بها : أرمي ما احترق واعدي واحد جديد .
عبست بغضب ليهمهم إليها بمرح : أريد أن اتذوق طبيخ يديك يا حبيبة .
تبرمت بالكثير من الأقوال لم يقو على فهمها لتهمهم أخيرا بحنق وهي تخفض النار : بل ستؤكله كما هو ، حتى تتعلم أن لا تشغلني عن إعداد الطعام فيم بعد .
اتسعت ابتسامته ليغمز لها بعينه : باعتبار ما سيكون ، اتبع برضا – أنا موافق .
احتقن وجهها لتصيح بجدية : أخرج يا عمر من فضلك .
تصاعدت ضحكاته وهو يغادر بالفعل هاتفا : سأفعل فأنا ساعد النار لأشوي السمك .
تابعته بعينيها لتبتسم رغم عنها حينما اختفى ووجنتيها تحمران بخجل وقلبها يدق بقوة ويختلج بانفعالات كثيرة ولكنها ممتعة .
***
تتحرك بنزق عائدة من مكتبها وخاصة بعدما أبلغها هذا الشاب المسمى بآسر أن السيد عمر لن يأتي اليوم واعتذر عن العمل ، تزفر بضيق وهي تتفقد بريدها الألكتروني تنتظر موافقته على بريدها الهام والذي ارسلته اليه ولكن لا إجابة إلى الأن ، مطت شفتيها وهي تتحرك نحو مكتبه لتضيق عينيها حينما لمحت الأخرى تقف على مقربة منه ، يرجف جفنها الأيسر برجفتين متتاليتين وعيناها تقطر غيرة جسدها يتصلب لتحمر اذنيها وتشعر بحرارتهما تصهر كل تفكير ممكن أن تتحلى به حينما انحنت حسناء نحوه فأصبحت قريبه منه وجهها يكاد أن يلتصق بطرف وجنته لتندفع نحو الباب فتطرقه بطرقة واحدة وتدلف دون أن تنتظر اجابته تخطو بخيلاء وترمق حسناء بشذر قبل أن تهتف بعصبية : لا أفهم ما الذي يؤخر أوراق الصفقة إلى الآن يا عاصم ، لقد أرسلتُ بريدا إلكترونيا منذ يومين إلى مكتبك لتوقع العقود إلكترونيا ولكن لم يأتيني ردا للآن ، ادارت عيناها إلى حسناء لتمط شفتيها بتشدق وهي تركز بصرها على وقفة الأخرى القريبة منه - من الواضح أن هناك ما يشغل الآنسة عن عملها . تتحرك بنزق عائدة من مكتبها وخاصة بعدما أبلغها هذا الشاب المسمى بآسر أن السيد عمر لن يأتي اليوم واعتذر عن العمل ، تزفر بضيق وهي تتفقد بريدها الإلكتروني تنتظر موافقته على بريدها الهام والذي ارسلته اليه ولكن لا إجابة إلى الأن ، مطت شفتيها وهي تتحرك نحو مكتبه لتضيق عينيها حينما لمحت الأخرى تقف على مقربة منه ، يرجف جفنها الأيسر برجفتين متتاليتين وعيناها تقطر غيرة جسدها يتصلب لتحمر اذنيها وتشعر بحرارتهما تصهر كل تفكير ممكن أن تتحلى به حينما انحنت حسناء نحوه فأصبحت قريبه منه وجهها يكاد أن يلتصق بطرف وجنته لتندفع نحو الباب فتطرقه بطرقة واحدة وتدلف دون أن تنتظر اجابته تخطو بخيلاء وترمق حسناء بشذر قبل أن تهتف بعصبية : لا أفهم ما الذي يؤخر أوراق الصفقة إلى الآن يا عاصم ، لقد أرسلت بريدا إلكترونيا منذ يومين إلى مكتبك لتوقع العقود إلكترونيا ولكن لم يأتيني ردا للآن ، ادارت عيناها إلى حسناء لتمط شفتيها بتشدق وهي تركز بصرها على وقفة الأخرى القريبة منه - من الواضح أن هناك ما يشغل الآنسة عن عملها .
امتقع وجه حسناء ليرفع هو حاجبيه بدهشة تملكته من هجومها المفاجئ والغير مفهوم له سرعان ما سيطر عليها ليهتف بجدية : حسناء اخبرتني ولكن أنا من أجلت التوقيع .
ارتدت رأسها إليه عيناها تنضح شررا ليتابع بثقة غير مهتما بغضبها : هناك بند في العقد غير راضي عنه وانتظرتك لأشرح لك وجهة نظري .
عبست بتفكير فأشار إليها وهو ينهض واقفا : تعالي نتناقش ، نظر لحسناء - من فضلك ات لنا بقدحين من القهوة ، أم تريدين شيئا آخر يا نوران .
هزت رأسها نافية وهي تتقدمه لينتظر انصراف مديرة مكتبه فيهدر بها بخفوت وهو يقف أمامها : أخر مرة تتحدثين إليها بهذه الطريقة في حضوري ، حسناء تعمل تحت امرتي حينما تريدين الحديث حدثيني أنا ولا تتنمري عليها مرة أخرى .
اتسعت عيناها بغضب : اتنمر ، لماذا هل أنا طفلة أمامك ؟ أنت تدافع عنها لأن تصرفاتها الغير لائقة تعجبك وكيف لا تعجب بها وهي تكاد أن تجلس فوق ساقيك .
رفع حاجبيه بدهشة ليلوي شفتيه بسخرية : أين ذهب دفاعك الصباحي عنها ، أم تصرفاها غير اللائق صباحا كان مفيد لك ، أما الآن فانت غير راضية عنها لوقفتها القريبة مني .
رفعت رأسها بشموخ : أنا غير راضية عن وجودها على الإطلاق ، بدلها باخر غيرها ودعنا نرتاح من وجودها .
ضحك بخفة : وتتأمرين أيضا يا ابنة العم ، اتبع وهو يقترب منها متشدقا – هل تتدللين علي من جديد ؟
نظر إلى عمق عينيها وهو يقف مواجها لها : هل تراجعت عن موقفك واعدت رسم الحدود الفاصلة بيننا ؟
برقت عيناها بوميض استحوذ على اهتمامه : بل لازلت عند موقفي يا عاصم ، أما دلالي عليك واستجابتك لي كان ضمن نطاق أنك ابن عمي الأكبر .
تسللت ابتسامة متألمة ساخرة من بين شفتيه : هذا حينما كنت صغيرة يا نوران ، أما الأن انت كبيرة فتوقفي عن تصرفاتك الطفولية وانضجي قليلا ، القى أخر كلماته في جدية هامسة فأطبقت فكيها بغضب ليتابع - لسنا هنا في حضانة أطفال وحسناء أخذت دميتك المفضلة ، الأمور تتعدى هذا النطاق فمن فضلك توقفي عن معاملتها وكأنها سرقت حلواك .
نظرت إليه بعتب وهمست بصوت خفيض واثق : إنها تحاول ولكنها لن تقدر .
لوى شفتيه بابتسامة زادته غموضا : الحلوى غير متاحة لاحدا هنا يا نوران فالعمل هو ما يجمع الجميع تحت سقف المؤسسة .
عبست بعدم رضا فتجاهلها وهو يداعب شاشة زجاجيه صغيرة بجانب الحائط فتعرض العقد بأشعة مرئية أمامهما : لنعد إلى أمر العقد ، انظري هناك هذا البند ما اتحدث عنه .
حرك أنامله بسرعة : هذه الكلمة تعتبر قيد لنا في موعد التسليم وليس لأجلنا ، لا أعلم كيف لم يعترض عليها عمر ولكني سأناقشه لاحقا.
جاورته وقوفا فلامست بطرف كتفها أعلى ذراعه رغما عنها فيغمض عينيه مسيطرا على جسده الذي انتفض بردة فعل ليست مناسبة للمستها الخفيفة ولكن من الواضح أنه قارب على نفاذ صبره
مالت أمامه قليلا وهي تركز بصرها على ما يعرض أمامها فيكتم تنفسه غير سامحا لعبيرها أن يتغلغل لأوردته ، وحينما استطالت وقفتها كح بخفه وتراجع خطوتين للخلف ليسألها ساخرا : هل ستلتصقين بالأحرف لتستطيعي قراءتها يا نوران ؟
تمتمت بحرج : المعذرة ولكني أعاني من قصر نظر .
ضحك متهكما : نعم أعلم .
زمت شفتيها ودارت على عقبيها تنظر له بغضب وتواجه لتلتف ساقيها حول بعضها فتشهق بقوة وهي ترتطم بصدره ، أجفل وهو يجدها أقرب إليه من انفاسه لترتفع ذراعيه رغم عنه محتضنا جسدها الملتصق به فيجبرها على المكوث بداخل حضنه يخضع حركتها التي نشأت نتيجة تملصها منه ويسيطر على رغبتها في البعد عنه.
غمغمت باسمه في دهشه وهي لا تفهم ماذا يحدث يبقيها داخل ذراعيه ، لتتسع عيناها بصدمة وهي تدرك أنه يحتضنها فتصيح باسمه في حدة لتتبع بصرامة : أتركني من فضلك.
ابتسم بمكر وهو يشدد من ضمته لها مستغلا ما حدث : لست أنا من جذبك إليه ، أنت من أتيت لي ، نظر إلى عينيها وهو يهمس بفحيح ساخر - بل رميت نفسك علي
احتقن وجهها غضبا لتدفعه بكلتا كفيها في صدره وهي تصرخ : أنا رميت نفسي عليك .
لم يفلتها بل الصقها أكثر إليه ليهمهم بغضب حاد ومض بعينيه : نعم وليس كل أمرؤ سيرفضك إذا رميت نفسك عليه يا نوران ، بعضهم سيستجيب وسيحرص على قطف حلواك الشهية .
رجفا جفنيها والدموع تتجمع بهما تنظر له بأسى و جسدها يخمد حركته فجأة لتهمس بصوت أبح : لن تنسى أبدا ، جمدت ملامحه فاتبعت بصوت ساخر - يا ليتني أدركت الأمر لكنت رميت نفسي على من يريدني قلبه .
تهدلا ذراعيه ليبعدها عنه مهما بصوت مختنق : لا تتعلقين بحبال ذائبة يا نوران .
اغتص حلقها ببكاء مكتوم لتهمهم : نعم معك حق ، رفعت رأسها بشموخ وتابعت - إذًا من الأفضل لي أن اقبل بم يقدم لي وأنا راضية .
عبس بعدم فهم لتتابع : من الأفضل أن تأت لترى العريس القادم فأنا احتاج رأيك فيه يا كبير آل الجمال القادم ، فمن غيرك سيشهد على عقد زواجي ؟
اجفل بقوة لينظر إلي عمق عينيها باحثا عن كذب حديثها لتتسع عيناه حينما صفعه صدقها فيشت عقله بجنون ويقبض على مرفقها بغضب اعتراه : من هذا الذي تتحدثين عنه ؟
حاولت أن تنتزع مرفقها من كفه لتهتف بعصبية : واحد يشبه ابنة عبد المعز الحريري خطيبتك المستقبلية .
لوى شفتيه بابتسامة ساخرة : أنت تغارين إذا ؟
تمتمت : علام ؟! عليك ، أنت تحلم يا بك .
ضحك متهكما ليوجعها قاصدا : أنت لست أحد أحلامي يا نوران فلا تتأملي كثيرا .
تغضنت ملامحها حزنا لتصيح بحدة : حسنا اتركني لأتزوج ممن يريدني ويعدني أحد أحلامه .
انتفض فكه بعنف ليدفعها بحدة بعيدا عنه : لتهنئي يا ابنة عمي العزيزة .
تأوهت بألم حقيقي لتصيح بغضب : لنرى ماذا سيقول عمك العزيز على هذا يا حبيب عمك وابنه الروحي .
اتسعت عيناه بصدمه وهو ينظر إلى موضع اصابعه واشما أعلى مرفقها ليهتف باسمها في ذنب اعتلى ملامحه وهو يقترب من جديد يحاول أن يخفف المها لتصيح بحده وهي تبتعد عنه تضربه راحتيه بكفيها في عشوائية : لا تلمسني .
احتضن كفيها براحتيه ليجذبها إليه يهمس بصوت حان : اعتذر منك ، فقط اهدئي ودعيني أرى ذراعك .
تملصت منه : لا أريد .
شدد من جذبه لها ليلامس أعلى جبينها بأنفاسه هامسا : اهدئي .
انحنى ينظر إلى ذراعها يلامسه بطرف أنامله قبل أن يلامسها بشفتيه دون وعي منه وهو يهمهم : أسف .
انتفضت بخفة تبتعد عنه تنظر له بعتاب ولوم ، غير مصدقة لما فعله اشاح بوجهه بعيدا وهو يتمتم لاعنا عدم تحكمه في نفسه ، هم بالحديث محاولا الاعتذار وتهدئتها ليقاطعه طرق الباب وحسناء التي اقتحمت المكتب يحمل من خلفها العامل فنجاني القهوة هاتفه : القهوة يا عاصم بك .
انتفضت نوران بغضب وهي ترى ابتسامة حسناء الغنجة لتندفع مغادرة المكتب وهي تهتف بغل : فليشربها رئيسك بمفرده
***
يتمرغ في فراشة بدلال وراحة صدحا بكل خليه بجسده يستيقظ من نومه العميق الذي خلد إليه بعد ان عاد من اختباره اليوم ، اختباره الذي ابلى به بلاء حسنا فأتى سعيدا ليتلقى الدلال على يدي أمه التي وضعته في حضنها إلى أن غفى
مسح وجهه بكفيه وانقلب على ظهره لينظر إلى سقف الغرفة ، يمط جسده قبل أن يقرر النهوض من الفراش ، يتحرك بكسل بجسده العار سوى من سروال قصير ملتصق بعضلات فخذيه
يدلف إلى دورة المياه لينال حماما منعشا يساعده على الاستذكار ليلا ليخرج بعد قليل ملتفا بمنشفة عريضة حول خصره اخفت جسده من خلفها ليتحرك بأريحية في غرفته الكبيرة نسبيا عن غرفة اختيه ، فهو الوحيد بين ثلاثتهم من يتمتع بغرفتين كبيرتين بالإضافة إلى غرفة ملابسه الخاصة والتي دلف إليها لينتقي طقما قطنيا مريحا ليرتديه
استلقى بأريحية فوق اريكته المفضلة ليضغط زر ما بجانبه فيجيبه أحدهم فيتحدث أمرا : أريد قدح من القهوة وبعض الشطائر .اراح ذراعيه خلف رأسه وابتسامته تتشكل فوق ملامحه فتبعثرها بعبث ماكر جذاب وهو يستعيد رؤياها اليوم ، لا يعلم إلى الأن السبب وراء زيارته لخالته اليوم ، فهو مر عليها بعد أن أنهى اختباره ليطمئن على عبد الرحمن كما اخبرها ويبدو أن قلبه من ادله على الذهاب إلى بيت خالته ليراها ، لازالت تجذبه كعادته منذ بدأ ادراكه .. لازالت تجذب حدقتيه فيتطلع اليها بانبهار .. بفضول .. بتوق ، ينجذب بصره الى وجهها المدور الصغير بملامح طفولية تتحول مع مرور السنين إلى انثى شهية يعد نفسه أن يقتنصها فتصبح له .. خاصته .. امرأته ، يتوله في تورد وجنتيها المكتنزتين .. حياءها الذي يغلفها بوهج يستولى على بصره .. وتوترها الذي يثيره فتندفع روحه إليها تبغى قربها ، فيهمهم اليها بكلمات ترحيب عادية يعلم جيدا أن وقعها عليها غير اعتياديا فتخفض بصرها في خجل تحاول الامتناع عن الوقوع في سحره ولكن هيهات فهو قادر على سحرها .. اغواءها .. وربطها إليه رغما عنها ، فهي تتأثر به حتى إن اخفت .. هربت.. أو انكرت شعورها نحوه ، لا يهم فهو يدرك مشاعرها المبعثرة تحت وطأة هجومه الهادئ .
اتسعت ابتسامته تدريجيا وهو يستعيد الحديث المرح الذي نشأ بينه وبين سهيلة فدفع الإبتسامة إلى شفتيها واجبرها أن ترفع نظرها نحوه وهي تظن أنه غافل عنها ليلتقط نظراتها بعينيه الوامضتين بمكر اجفلها ودفع الدماء إلى وجهها فاحتقنت وسعلت لتنهض مستأذنه بخجل اعتلى ملامحها ، راقب ابتعادها إلى أن اختفت فأزاح عينيه ليعيدهما ثانية إلى سهيلة التي ناظرته بتساؤل تجاهله بابتسامه وهو ينهض واقفا يقبل جبينها قبل أن يصافح خالته ويعدها أن يزورها ثانية .
وكأن القدر يربطهما سويا فيقابلها بالحديقة قبل مغادرته صدفة لم يحسب لها حساب لترتبك رغم عنها وتحاول الابتعاد عن طريقه لكنه كان أسرع منها حينما منع ابتعادها بجسده دون أن يمسها ليهمس إليها بخفوت شديد وصوت اجش : أراك على خير يا شامية .
انتفضت أمام عينيه لتحاول التملص من حصاره فلم يمنحها الفرصة فترفع رأسها إليه تنظر إلى عمق عينيه البنية التي اغرقتها في عباب مشاعره المهتاجة لقربها فيكمل بابتسامة متيقنة من سقوطها الوشيك : سأشتاق إليك يا ذات العيون الرمادية . ابتعد عنها قليلا ليهمس برجاء خصها به - أدعي لي أن اوفق في اختباراتي
رمشت بعينيها كثيرا وهي تحاول أن تبتعد عن حدقتيه اللتين تحدقا بها ولكنها لم تستطع الإفلات من انجذابها له لتهمهم بصوت خافت رقيق : موفق بإذن الله .
لعق شفتيه بعفوية قبل أن يغمز لها بعينه وهو يشير برأسه ليستقل المقعد الخلفي للسيارة أمرا السائق بالانطلاق دون ان يعود ببصره لها ، بل أنه استقام بجلسته في غرور مكتفيا بم اهداه إليه قدره اليوم ليعود إلى البيت وهو يشعر بغبطة وحبور فيخلد إلى نوم عميق افتقده الفترة الماضية .
انتبه من ذكراه القريبة على صوت طرقات متتالية فوق باب غرفته ليهتف داعيا من بالخارج فيفتح الباب بتروي وصوت رقيق يهمس بخفوت : هل أستطيع الدخول ؟
هتف بمرح : تعالي يا جود .
دلفت كعادتها برأس مطأطأ وهمهمة كلمات لا يستطيع إدراكها ليضحك بخفة وهو ينظر إلى العربة ذات العجلات التي تدفعها جود بناء على أوامر والدته التي تفضل استخدامها، اضطجع وهو يشير إليها بالاقتراب فتدفع العربة نحوه دون أن ترفع رأسها إليه كعادتها ، ابتسم رغم عنه وهو يراقب حركتها الخجول .. خطواتها المتعثرة .. وارتباكها الجلي ، زفر بقوة ليهمس : اتركي كل شيء أنا سأستخدم يدي لصب القهوة واطعام نفسي بنفسي .
اومأت برأسها في طاعة لتهم بالانصراف قبل أن يهتف باسمها في نبرة رائقة فتتوقف ليتابع بمرح : شكرا لك .
رجف جفنيها لترفع رأسها اخيرا وتنظر إليه بعدم فهم فيتحرك بخفة واقفا يتلاعب بأغطية الأطباق ليرى ما بداخلها ، يصب قهوته ببال رائق قبل أن يلتفت إليها أخيرا يقذف إحدى حبات الفراولة الحمراء بفمه ليرتشف بعضا من قدح قهوته ليتلذذ بصمت وهو يغمض عينيه ليسألها بجدية وهو يقترب منها: هل جربتها من قبل ؟
تمتمت : ما هي ؟
غمغم : لزوعة الفراولة ممتزجه بطعم القهوة السوداء المر .
هزت رأسها نافية ليتابع بخفة : إذا ً جربيها ، لعلها تعجبك .
تمتمت وهي تبتعد للوراء خطوتين تحنى رأسها : شكرا يا بك .
ابتسم : حسنا لا عليك ، لن اجبرك بالتأكيد على شيء لا تريدين تجربته .
اقترب قليلا ليهمس بتلاعب : أنا لا أفضل الاجبار في أي شيء .
شحب وجهها لترفعه إليه بتساؤل فابتسم وراوغها بحديثه ثانية : أردت شكرك فقط على الدعاء الذي حفظته لي صباحا ، لقد رددته قبل بدأ الامتحان والحمد لله اجبت على كل الاسئلة .
تهللت ملامحها بسعادة : العفو يا بك ، أنا سعيدة لأجلك .
اتبعت بحنو شع من عينيها : بإذن الله تنهي اختباراتك كلها على خير ، بالتوفيق يا سيدي أدهم بك .
جلجلت ضحكته من حولها فتكتم تنفسها وعيناها تشع انبهارا التقطه بسهولة فومضت عيناه بمكر فأحنت رأسها على الفور ووجنتيها تحتقنان خجلا ليهمهم بعبث : أحب تلك الكنية منك ، اتبع بمشاغبة – سيدي أدهم بك .
ازداد وجهها احتقانا ليهتف بها : حسنا سأرحمك قبل أن تذوبي خجلا يا جود ، هيا انصرفي .
تعثرت خطواتها حينما تحركت بسرعة تريد الابتعاد ليهمهم بجدية هذه المرة : جود.
توقفت وهي تتمسك بحرف الباب الخشبي العريض ، جسدها خارج الغرفة وتطلع من خلف الباب إليه بنصف رأسها فلا يظهر منها سوى حدقتيها الواسعتين بنظراتها المتسائلة الوضاءة ، ليتنهد بقوة قبل أن يهمس بصوت خافت : شكرا لك .
ابتسمت فانعكست ابتسامتها في عينيها لتهمهم وهي تغادر فعليا : العفو يا سيدي أدهم بك .
زفر انفاسه المكتومة وهو يشعر بروحه تختلج اثر انصرافها ليعبس برفض واستنكار اعتلى ملامحه ليبتسم بتوتر وتساؤل نفاه بهزة عصبية من رأسه ليستعيد هدوئه وهو يتذكر الأخرى فيعيد اختلاجة روحه إلى مقابلته معها اليوم ، فيبتسم باتساع ابتسامة لم تعد صافية كما كانت بل ظللتها بعض من الشوائب لا يقو على تفسيرها ولا يريد الخوض بتفاصيلها .
***
دق الباب دقتين فانتبه من فوق لوح الرسم الإلكتروني المنهمك به ، رفع عينيه لينظر من القادم قبل أن ينتفض بابتسامة واسعة وحفاوة هتف بها : يا ألف أهلا وسهلا ، سيادة الوزير بشخصه في زيارتي ، أنرت مكتبي المتواضع .
احتضنه عمه بحب ليربت على كتفه بفخر : طوال عمرك معسول الكلام يا فتى .
أشار إليه عاصم أن يتقدمه فتابع وائل : اشتقت إليك يا فتى فأتيت لزيارتك .
__ لو طلبتني لكنت أتيت إليك بنفسي يا عماه ، فأنا الآخر اشتقت إليك .
رمقه وائل بعتب : لو كنت اشتقت كنت أتيت يا عاصم .
ابتسم عاصم بغموض اكتنف ملامحه ليشير إلى كرسي مكتبه بجدية : تفضل أجلس يا عمي .
جلس وائل بالكرسي الجانبي ليهتف : تعلم أني لا أحبذ الجلوس بكرسيك ، وهذا ليس تفضلا مني ، هذا الكرسي حقك اكتسبته بعد عملك سنوات بتفاني وإخلاص ، أنت فخر العائلة يا عاصم .
تورد عاصم بخجل وابتسم بمحبة : أنه توفيق من الله ودعم منك ومن أبي لا حرمني الله منكما .
تحرك عاصم : بماذا أضيفك يا عمي ، لدي قهوة تعدل مزاج سيادتك .
نظر إليه وائل قليلا قبل أن يهتف بجدية : لا أريد شيئا فقط أجلس أريد الحديث معك
اجفل عاصم وهو يدرك جدية عمه فيستجيب ويجلس أمامه : هل حدث شيئا ؟
هز وائل رأسه نافيا : لا ، أنا فقط أردت أن أسألك عن شيء ما .
انتبه عاصم ليتابع وائل بهدوء : فاطمة أخبرتني أنك قابلت الفتاة التي كانت تتحدث معك عنها تلك الليلة.
كاد عاصم أن يزفر براحة تملكته قبل أن يتابع وائل بملامح مستاءة : ويبدو إنها اعجبتك .
ابتسم عاصم بمكر وهتف : إنها كريمة عبد المعز باشا يا عمي
تمتم وائل بحدة : نعم أعلم أنها من عائلة ذات حسب ونسب و عائلات البلد كلها تتمنى مصاهرتهم .
عبس عاصم بعدم فهم ليتبع وائل هاتفا بزمجرة غاضبة : ولكني ظننتك ستتزوج ابنة عمك .
ارتعد عاصم وعيناه تتسع بصدمة قبل أن يسيطر على ملامحه التي شحبت وهو يتمتم بتردد : ابنة عمي .
هتف وائل وهو يرمقه بجدية : نعم بجنى ابنة عمك أحمد ، ألا يوجد ما يربطكما ، أنت وهي دوما تتحدثان .. مقربان من بعضكما و أنا ظننت أنك تحبها .
تحكم عاصم جيدا في ملامحه وهو يشعر بأعصابه ترتخي وانفاسه التي كتمها زفرها بهدوء وهو يجيب بجدية : لازلت عند رايي القديم يا عمي ، جنى صديقتي ليس أكثر من ذلك .
عبس وائل بعدم فهم ليردد باستنكار : صديقتك ؟
اتسعت ابتسامة عاصم ليقترب وائل منه ويهتف : أخبرني هل فارق السن ما يحول بينكما ؟
ضحك عاصم بدهشة : لا يا عمي ، جنى أختي لا أنظر لها بأي طريقة أخرى ولا استطيع أن افعل .
اتسعت عينا وائل بتعجب : لا إنها ليست أختك ، أشار له وائل بالاقتراب ليستجيب إليه عاصم فيتابع هامسا - ثم كيف لا تستطيع النظر لها بأي طريقة أخرى ، إنها فتاة جميلة وأنت شاب في مقتبل عمرك ، طبيعي أن تنجذب لها وهي تتمايل أمامك .. وهي تتحرك .. وهي تضحك هكذا أم انك تعاني من مشكلة بنظرك ؟
انفجر عاصم ضاحكا ليهتف بمرح : لا يا عمي لا أعاني مشكلة بنظري ، ولكن مشاعري لا تتحرك اتجاه جنى ليست أكثر من مشاعر أخويه .
عبس وائل ليرمقه مطولا قبل أن يسأل بجدية وهو يعيد بظهره إلى الوراء ويضع ساق فوق الأخرى : إذا مشاعرك تتحرك اتجاه من يا عاصم .
رمش عاصم بجفنيه ليتابع وائل بهدوء جاد : أنت عاشق لاحداهن وأنا أشعر بك جيدا ولكن لا أعلم إلى الآن ما يمنعك أن تقترن بمن تمتلك قلبك .أو على الأقل تخبرني عنها .
أشاح عاصم بعينيه بعيدا فيتنهد وائل بقوة : أخبرني يا عاصم ، افض بم يؤرق روحك ، أفصح لي عن مكنونات قلبك ، أنا أبيك الروحي أليس كذلك ؟
ابتسم عاصم مخفيا ما يعتمل بداخله : أنت اكثر من أبي الروحي .
رمقه وائل بطرف عينه : إذًا ؟
همس عاصم بحشرجة : الأمر مسألة وقت وسآتي إليك قريبا لأقص لك كل شيء .
تأمله وائل قليلا : على راحتك يا بني ، ابتسم عاصم بامتنان ليتابع وائل سائلا بجدية - إذًا أنت لن تتزوج بابنة عبد المعز باشا ؟
اتسعت ابتسامة عاصم وأثر عدم الرد ليرمقه وائل بعبوس رافض : لا تخبرني أنك سترتبط بها وقلبك معلق بأخرى يا عاصم .
اعتلى الغموض ملامح عاصم : لا تقلق يا عمي ، لن أفعل ولكن سأؤخر إعلان عدم ارتباطي بها قليلا .
تأمله وائل بعدم فهم ليهمهم عاصم بجدية : أريد أن أرتاح قليلا من رجاء ياسمين هانم وتساؤلات فاطمة هانم ، اصرار إيمان هانم ، وبحث ليلى هانم عن العروس المناسبة ، لدي عمل هام علي إنجازه فأريدهن أن يتوقفن ولو قليلا عن دفعي إلى الزواج وكأني الرجل الأوحد على وجه البسيطة والمسؤول عن إنقاذ البشرية من الانقراض .
ابتسم وائل بفخر ليهمس برجاء آمر : أنهن محقات يا عاصم ، أنا الآخر أريد أن أرى احفادي ، لقد اشتقت لطفل جديد يحمل آل الجمال ، العائلة تحتاج لولي عهد جديد يا عاصم .
رجف جفني عاصم والأمل يطرق قلبه بقوة ليهمس بصدق : لا تقلق يا عماه ، سترى احفادك عن قريب جدا .
هز وائل راسه بتفهم لينهض واقفا فيهتف عاصم : لم تشرب قهوتك يا عمي .
ابتسم وائل : مرة ثانية بإذن الله ، اتبعه عاصم ليتوقف وائل قبل ان يغادر فعليا – بالمناسبة يا عاصم .
نظر إلى عمه بانتباه ليثرثر وائل بعفوية اسبغها على حدثيه مع ابن اخيه : أريدك أن تأتي إلينا في الغد ، صمت وهو يرمق ابن أخيه بطرف عينه قبل ان يتبع بهدوء - اعتقد أن الموعد في الثامنة .
حرك عاصم رأسه بتشنج : أي موعد .
لوى وائل شفتيه بنزق ليتابع : موعد العريس ، عريس الهنا المتقدم لابنة عمك .
جحظت عيناه بخوف قبل أن يهمس بحشرجة : اية واحدة يا عمي ؟
ارتفعا حاجبي وائل بتعجب : اية واحدة ، هل لي خمسون ابنة يا باشمهندس ؟! غمغم بضيق - لدي ابنتان احداهما متزوجة .
القاها بنزق ليبتع بحدة : إذًا المتبقية هي من ستتزوج .
نظر إلى عمه بصدمة استولت على عقله ليهمس بتشتت متساءل : وأنت ستزوجها يا عمي ؟
هتف وائل بحدة : بالطبع لا ، لا أن ازوجها ، بل رفضت العريس دون أن اراه، ولكن الهانم زوجة عمك زمجرت بعدم رضا وكشرت عن أنيابها .
زفر بقوة : وأنت تعلم فاطمة حينما تنقلب سحنتها تحيل حياتي إلى جحيما ، وخاصة وهي تعدد محاسن عريس الغفلة .
اعتلت الدهشة ملامح عاصم ليكمل وائل بعفوية مقلدا صوت زوجته : إنه وسيم .. طويل .. عريض .. سفير ابن سفير
هتف بحدة : ما لي أنا به وبابية ، حسنا سفير وابن سفير فليذهب إلى الدولة التي سيعمل بها ويترك ابنتي لي .
غمغم بصوت مختنق وعيناه تغيم بقتامة : هل يعمل بالخارج؟
اشاح وائل بيده : هذا ما فهمته من زوجة عمك .
تمتم بخفوت وقلبه يئن وجعا : ونوران يا عمي ما رأيها ؟
هتف وائل بغضب : ابنة ال... بعدما كانت تنهر فاطمة دوما وتخبرها إنها لا تفكر في الزواج ، حينما سألتها أمام تامي لتردد كما تفعل دوما ، مطت شفتيها وهتفت " لا ضير من رؤيته يا بابي " ، إنها لا تريد اغضاب تامي فالولد قريب لعائلة أحمد الخشاب من بعيد .
رمش بعينيه لينظر إلى عمه مليا : وهل ستزوجها إذا وافقت عليه يا عمي ؟
رمقه وائل قليلا قبل أن يهمس بصوت جاد : نعم سأفعل
هل ارتجف فعليا أم يخيل إليه ، ليقبض كفيه متمالك أعصابه بشق الأنفس وعمه يتبع بصوت هادئ ينظر إلى عمق عينيه : لم يتبق في العمر بقية يا عاصم أريد أن اطمئن على نوران إذا حدث لي شيء لا أريد تركها وحيدة.
هتف على الفور : بعد الشر عنك يا عمي ولكن نوران ليست وحيدة ، لديها العائلة بأكملها .
ابتسم وائل ليربت على كتفه : الجميع سيلتهي بحياته يا عاصم ، جميعكم ستتزوجون حتى اخيها ، لا أريد أن اتركها وحيدة في العالم من بعدي ، أريد أن اطمئن عليها مع زوجها كأميرة .
كاد أن يبكي .. يصرخ .. يزأر معترضا ، يهتف بعمه أن يتركها له فهي خاصته .. ملكه .. شمسه .. وضياء حياته لكنه صمت ، اجبر نفسه على الصمت وهو يعي جيدا أنه اذ طلبها الآن سيرفض عمه ، وسيعد تقدمه لنوران ما هو إلا طلب زواج لأجل ان يحمل عن كتفيه ثقل وجودها ، انتبه من افكاره على صوت عمه : ستاتي يا عاصم أليس كذلك ؟!
ابتسم عاصم بألم وهمهم : بالطبع يا عماه ، وهل اجرؤ على ألا ات وأرى عريس المدللة .
اطبق وائل فكيه ليهمهم بخفوت غاضب : سننتظرك .
***
نهضت متمتمه : الحمد لله ، سلمت يداك يا عمتي .
ابتسمت عمتها وهي ترمقها بطرف عينها لتنهض بدورها :لم تؤكلي جيدا يا جنى .
ابتسمت بتوتر وهي تتحاشى النظر إلى عمتها : بل شبعت والحمد لله .
تمتمت وهي تناظرها بطرف عينها : الن تخبريني عم يحزنك يا ابنة أخي ؟!
ازدردت لعابها وتركت الاطباق التي كانت تجمعهم بأريحية مع عمتها التي جلست معها على المائدة لتتناول طعامها بعد أن أتت متأخرة عن الموعد الذي ورطها به ابيها فرفضت الذهاب حينما اخبرها ابيها أن عمتها تدعوها لتناول العشاء معهم وخاصة بوجود مازن هناك ولكنه قابل رفضها برفض وهو يخبرها أن عليها الذهاب بدلا عنه فهو لديه عملية جراحية هامه عليه اجراءها ، لتصل بعد أن انهى الجميع عشاءهم ونهض كل منهم لمشاغله لتنتظر معها عمتها وهي تتبادل معها اطراف حديث غير هام وتحثها على تناول طعامها بأمومية حانية .
عضت طرف شفتها وهي لا تقو على مراوغة عمتها لتهتف بأول ما فكرت فيه واخبرها به ابيها ظهرا تاركا لها وقتا للتفكير وحرية القرار : تقدم لي عريس اليوم
تهلل وجه عمتها بسعادة : أنت الأخرى ؟ ستعود الأفراح ثانية لآل الجمال بسبب بناتها
عبست جنى لتهمهم : من الأولى ، هل تقدم لملك عريس ؟!!
ضحكت إيمان برقة : لا يا حبيبتي ، ملك لازالت صغيرة فلتنهي جامعتها أولا ثم نرى أمر العريس .
سالت باهتمام : من تقصدين إذًا ؟!
عبست إيمان بتعجب : هل هناك غيركما أنت ونوران ؟! أميرة وتزوجت وابنتي لازالت صغيرة ، ليس لدينا فتيات أخريات البقية شباب بارك الله فيهم ورزقهم بالعروس الصالحة .
شعرت بالألم يداهمها لتجلس بعفوية لتهمهم بصوت مختنق : انت تقصدين نوران يا عمتي ؟
اومأت إيمان براسها لتهتف وهي تباشر في ترتيب المائدة : هاتفت فاطمة لأسالها عن أدهم ولماذا لم يعود مع مازن وعلي الدين فأخبرتني أنها من طلبت منه المكوث إلى الغد في القصر ليحضر مقابلة العريس ويكون جوار شقيقته
__ من العريس ؟! سألتها على الفور وهي تريد تكذيبا لظنها .. تريد نفيا لأفكارها .. تريد املا بأنه سينال حظا أفضل من حظها ، تريد أي بينة تخبرها بأنه سيفز بحلمه وينل ما يتوق إليه قلبه
أجابت عمتها بأريحية : أنه أحد أقارب فاطمة لا أعرفه ولكن بالتأكيد إذا تمت المقابلة الأولى على خير سنجتمع كلنا يوم قراءة الفاتحة .
رمشت بعفوية وهي تفكر بحاله إذا علم بالأمر ، تسترجع حزنه المرة الماضية وانهياره الذي سيطر عليه بصعوبة لتهمس باسمه دون وعي فتنتبه على صوت عمتها المختنق : وعاصم سيحضر المقابلة في الغد أيضا ، صمتت عمتها قليلا قبل أن تهمهم بحزن - كم كنت اتمنى أن يتزوجها ولكن كل شيء مقدر ومكتوب.
تابعت عمتها بعد قليل : هو الأخر اختار أخرى غيرها ليتزوج منها .
قفزت واقفة تهتف بعدم تصديق : من تلك التي اختراها عاصم ليتزوج منها ؟
عبست إيمان بدهشة : ألم يكن عندك علم ؟! ياسمين انتقت له احداهن وما فهمته من فاطمة أنها لاقت على اعجابه المبدئي .
اتسعت عيناها بصدمة لتتمتم : عاصم سيتزوج ولم يخبرني .
رفعت إيمان عينيها تنظر إليها بتعجب : هل هناك شيء بينكما يا جنى ؟
ضحكت جنى بتعب : بالطبع لا يا عمتي ، عاصم أخي .
تنهدت وهي تنظر اليها بحيرة : أنا أعلم ولكن ما بالك ضائقة وغاضبة وأشعر بأنك حزينة من خبر زواجه .
ابتسمت جنى بألم : لا شيء فقط غاضبة لأنه لم يخبرني ، لقد نساني كعادته مؤخرا .
همت إيمان بالحديث ليصدح صوته وهو يفتعل مرحا ابعد ما يكون عنه : وهل اقوى على ذلك ؟!
استدارت تنظر إليه وعيناه مغرورتان بدموع عصية فلا تنهمر لتهلل إيمان بفرحة حقيقية غمرتها لوجوده لتقترب منه تضمه إلى حضنها مرحبة قبل أن تهتف : لو لم تكن تأت اليوم لكنت غضبت منك ، فانت منذ فترة لا تزورني .
ضم عمته بحنان : اشتقت إليك يا عمتي .
ربتت على وجنته بحنو : يا روح عمتك انت ، اجلس لأطعمك طعام لا تستطيع والدتك طهوه .
ابتسم بخفة ليهمهم : واعدي لي كوب من الشاي يا عمتي فراسي ستنفجر من الصداع .
أومأت برأسها بتفهم لتهمهم إليه بخفوت شديد : أسألها عن حالها فهي تؤلم قلبي منذ ما يقارب الإسبوع وعمك أحمد لا يدري ما بها .
أومأ برأسه ليجيبها بخفوت مماثل : اتيت لأجلها من الأساس كما طلبت مني .
ابتسمت إيمان لتهتف بفرحة حقيقية : اجلس إلى أن ات لك بالطعام واثرثر معك عن أمر عروسك .
تغضن جبينه بانزعاج و أومأ برأسه موافقا لتبتعد عنهما فيقترب من ابنة عمه التي تابعت لملمة الأطباق فيهتف بها في جدية : اتركي ما تفعلي يا جنى وانظري إلي .
زفرت بقوة لتترك ما بيديها : لا أريد الحديث يا عاصم ، اتبعت وهي ترفع رأسها إليه تعاتبه بجدية – ألم يأتوا بك لأجل هذا ؟! لأجل أن ترى ما بها اليتيمة المنطوية على نفسها .
رمقها بتفكير قبل أن يجيب بهدوء خافت : لا هذا ليس دوري أنا ، بل دور المتيم الأسعد .
رجف جسدها وقلبها يئن بقوة لتترك ما بيدها خوفا أن تسقط الأطباق من بين كفيها قبل أن تنهمر دموعها فجأة ليغمض عينيه قبل أن يجذبها إلى حضنه مربتا على رأسها بحنان وهو يهمهم : أخبريني يا جنى ماذا حدث هذه المرة ؟هل انت من افسدت الأمر أم هو ؟اهدئي وأخبريني .
سيطرت على دموعها بصعوبة وهزت رأسها نافية : لا أريد الحديث .
تنهد بقوة لترفع عينيها إليه وتساله : هل أنت بخير ؟!
عبس بتساؤل فهمهمت : عمتي اخبرتني عن أمر عريس نوران .
جمدت ملامحه ليشيح بعينيه بعيدا عنها لتتنهد بقوة ودموعها تنهمر من جديد وهي تهمهم : لقد كُتب علينا وجع القلب يا عاصم .
اسبل اهدابه مخفيا عمق وجعه عنها لتربت على كتفه : ما رأيك تعال معي نقيم جلسة علاج جماعية فنتبادل وجعنا سويا ، ابتسم بألم رغم عنه لتتابع وهي تدفعه – تعال فعمتك لن تعود قريبا ستحرص كل الحرص أن تترك لك وقتا كافيا لتستخلص مني كل الحديث الذي لم اتفوه به لاحدهم .
تنهد بقوة ليتمتم : أنا فعليا أريد الحديث ، لا استطيع الكتمان أكثر من ذلك اشعر بأني على وشك الانفجار .
ابتسمت وربتت على كتفه : تعال لنتحدث أنا الأخرى اريد ان افضي لك بم يجول بداخلي .
جذبها من كفها : تعالي معي يا اختاه .
***
يجلس بجوار والدته منذ أن عاد من العمل يتحدث معها ويستمع إليها بإنصات وهي تثرثر إليه عن عروس عاصم المنتظرة ، يبتسم و يراقب تعابير وجهها الفرحة وابتسامة منتصرة تشق ثغرها لأن عاصم ابدى إعجابه بالفتاة واخبرها أنه سيراها ثانية لتنقلب ملامحها بغته بطريقة أثارت اهتمامه قبل أن تهمهم : ابنة عمك أفسدت المقابلة بوجودها !!
عبس بتعجب ليهمهم : ابنة عمي ؟! ايهن ؟!!
زمت شفتيها لتهمهم : هل هناك غيرها ؟ نوران بالطبع .
ابتسم عمار بتفكه ليغمغم بتسلية : نوران كانت هنا يوم المقابلة
غمغمت ياسمين بضيق : لا أفهم للان لماذا أتت مع فاطمة ؟
ابتسم عمار وآثر الصمت ليسالها بعد قليل : لا أفهم سبب ضيقك من نوران يا ماما ، لطالما عاملتها بطريقة جيدة بل كنت تحتضنيها كابنة لك ولكنك انقلبت عليها بطريقة غير مفهومة قبيل سفري ودون إبداء أسباب ، اقترب ينظر لعيني امه بتفحص - أم هناك سبب مخفي يا ياسمينة لم تخبري أحدنا به ؟
غامت عينا ياسمين بغضب مطعم بخذلان لاح على ملامحها لتتمتم بضيق تمثل بنبراتها : نعم لطالما احببت نوران كابنة لي تربت ببيتي وكنت ادللها بصورة مبالغ فيها فهي الابنة التي لم احظ بها ، لطالما احببت قوتها .. سلاسة معاملتها .. دلالها .. وحتى جموح شخصيتها كان يعجبني يثير في حماس ويقربها مني ، فهي تشابهني في كثير من الأشياء ليست خجول رقيقة كأميرة وليست هادئة غامضة كملك ، نوران مميزة منذ أن ولدت ولكن غرورها وكبر شخصيتها هما ما أفسدا كل شيء .
ومضت عينا عمار بمكر ليهمس بعفوية : ما الذي افسده غرورها وكبر شخصيتها؟
رفت ياسمين بعينيها لتهمهم بعد قليل من الوقت : أنتما ولدي أغلى ما امتلكه في الدنيا لا يضاهي غلاتكما أحد ، أكملت وهي ترفع عينيها له في صلابة - حتى وإن كانت حلم ابنة لم احظ بها يوما ولن احظ بها أبدا.
ابتسم عمار بثقة ليهمس : بل ستحظين بنسختها المعدلة يا أماه فقط قليل من الصبر .
جمدت ملامح امه لترمقه من بين رموشها لتهتف بحدة : لا أظن ولكن الصبر جميل
ضحك عمار ليجذبها إليه يقبل وجنتها بمرح : تقبلي الأمر يا ام عاصم ، لكل منا أسباب تحوله فقط لا تكوني قاسية لأنك لا تدركين الأسباب أو الدوافع .
زمت ياسمين شفتيها بتفكير لتهمهم بعد قليل : ارفع صوت التلفاز يا عمار سيبدأ البرنامج الأن ، ضيفة شرف الحلقة هي نجمتك المفضلة .
استجاب إلى أمر والدته قبل أن يكح بخفة ليسأل بعفوية اجادها : الغريب انك لم تذكري يمنى يا اماه ، رغم أنها بنفس سن نوران .
شردت بعينيها قليلا لتهمهم بجدية : لا أعلم حقا ، رغم أني مقربة كثيرا من ليلى وانتما تربيتما في بيتها ولكن يمنى ذات شخصية متفردة ، كانت نافرة على الدوام ، تقترب من الصبيان في تصرفاتها ولطالما كانت قوية عنيفة جامحة كفرس غير مروض .
اقترب من والدته بكتفه ليهمس بخفوت : والآن ؟! لقد تغيرت كليا يا أماه .
رمقته ياسمين بطرف عينها في تفحص سريع لتهمس بمكر : نعم ، لا انكر أنها أصبحت ذات حسن وجمال مميز يجذب الأنظار ، إلا أنها لازالت قوية عنيفة كفرس جامح لم يروض بعد ، اتبعت بتسلية التمعت بعينيها – تحتاج إلى مروض أسود يا عمار وليس خيّال كابيها حتى ، أنها لا تشبه ليلى على الإطلاق ، بل هي ورثت أمير بصفاته الكثيرة .
تنهدت بقوة لتهمهم وهي تراقب التلفاز : ستنهك من يريد الاقتران بها ، كان الله في عون هذا الرجل الذي اخبرتني عنه ليلى .
عبس تلقائيا ليهمهم : تتحدثين وكأنها موافقة يا أماه .
هزت كتفها بعدم معرفة : شعرت من حديث ليلى أنها تميل له .
رفع حاجبيه وهو يطبق فكيه بقوة : لا اعتقد انه مروض أسود يا اماه .
ضحكت ياسمين بخفة : ولا خيول أيضا
ابدلت والدته الحديث حينما هتفت بإعجاب : انظر إلى إيناس إنها تزداد بهاء ، التفت تنظر إليه بتسلية وتابعت بمكر – بهاء اورثته إلى ابنة اختها .
اسبل اهدابه قبل أن يعود بنظره إلى التلفاز فتومض عيناه بإعجاب موجه لإيناس التي طلت من نقطة عالية في المسرح والموسيقى تدوي من حولها ، موسيقى اغنية قديمة قليلا ، موسيقى هادئة .. حزينة ، داعبت قلبه وحملت إليه الكثير من الشجن .
***
اعتلت خشبة المسرح تشعر بالرهبة كعادتها .. نفس الشعور الذي ينتابها من أول لحظة وطئت قدميها خشبة المسرح وهي تحس بنفس الطريقة .. وكأنها عادت تلك الصغيرة التي تجاهد لتصنع لها اسما بين النجوم فتغدو شمس كبيرة تلهم الجميع.
رفعت رأسها تحاول الوصول إلى ثباتها المنشود .. تحاول أن تطرد التوتر الذي استحكم مشاعرها و ندم موافقتها على هذه الحلقة المباشرة والتي تذيعها مذيعة عملاقة تعد من صديقاتها المقربات لما قبلت ، فيكيفها الآن عدم استقرار حياتها .
انتفضا كفيها في رهبة سيطرت عليها بثبات ، تشمخ بأنفها لتهدأ من دقات قلبها وهي تغمض عينيها تستمع إلى صوت الموسيقى الصادح من حولها فيتراءى إليها صورة وجهه الباسم وعيناه الحانيتان فتهز رأسها برفض أن يكون رفيقها في تلك اللحظات الخاصة بها وحدها ، لتتوحد مع موسيقاها ويصدح صوتها متناغما بلمحة قهر تعبر عن عمق روحها .
عايزة ألملم قلبي و احضن نفسي و امشي بعيد
عايزة اطيب جرحي أيوه هطيب جرحي اكيد
عايزة حبك يبعد عني..عايزة جرحك يخرج مني
لازم اعلم قلبي انا يقسى و لازم ينسى و لازم أعيش
رمش بعينيه و جسده يتصلب ، يشعر بالصقيع ينتشر بأوردته فيقشعر بدنه من كلمات الأغنية التي خرجت بعمق إحساس خالتها لينتفض فجأة و هو يتخيلها من تقف أمامه تشدو له بملامح متألمة و قلب مكلوم.
ارتعدت فرائصه ليرتجف كفيه بخوف فقدانها و هو يذكره بما هي عليه الآن، فينتفض واقفا متجاهلا تساؤل والدته و هو يسرع بخطواته نحو منزلها ، بل نحو الشرفة الخلفية للمنزل و الخاصة بها، يقف كما كان يقف من قبل ليحدثها و هو يراقب ظلال حركتها من خلف زجاج الغرفة و قماش ستائرها الخفيفة و لكن الآن لم يقابله سوى الخواء.
تهدلا كتفيه وهو ينتظر أن تطل عليه .. يتحرك ظلها من خلف زجاج شرفتها فيعيد إليه أمله في وجودها .. يعيد إليه ثقته بقربها .. يعيد إليه يقينه في حبها .
ثقلت أنفاسه وعيناه تغيمان بحزن وأمله في ظهورها يتبدد وخاصة بعدما بعث إليها كعادته فلم تصلها رسالته ليزفر بقوة ويهم بالانصراف ليتوقف فجأة على غرفتها تضاء وهي تتحرك من خلف الزجاج وستائر الشرفة الخفيفة ليتهور ويلامس زر الاتصال بها واضعا الهاتف فوق أذنه يترجاها أن تجيب على اتصاله .
انقطع الرنين دون أن تجب ليكرر الإتصال مرة .. اثنان .. ثلاث دون ملل لتجب اخيرا بصوت جامد : مرحبا .
ازدرد لعابه واعتدل بوقفته وعيناه تحدقان بتفحص إلى خيالها المتحرك خلف الزجاج ، هم بإجابتها ليتوقف سيل الحديث في حلقه وصوته الرخيم يصدح من حوله فتشحب ملامحه وهو يستدير بتلقائية ناظرا لمن أراد مقابلته الفترة الماضية بأكملها ولكنه لم يوفق ، ليجده الآن ينظر إليه بتفحص ويسأله باهتمام : عمار ماذا تفعل هنا؟!
انتهى الفصل ال15
قراءة ممتعة





سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 07:22 PM   #185

هبه احمد مودي

? العضوٌ??? » 387744
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 202
?  نُقآطِيْ » هبه احمد مودي is on a distinguished road
افتراضي

وااااو واااااو يا سولا الفصل تحفة كالعادة
حبييييييييت حبييييييت ⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩


هبه احمد مودي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-20, 09:12 PM   #186

ديناعواد

? العضوٌ??? » 412620
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,188
?  نُقآطِيْ » ديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond reputeديناعواد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل تحفة ومستنين باقيالفصول

ديناعواد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-20, 09:56 AM   #187

جميله سعيد

? العضوٌ??? » 424095
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 163
?  نُقآطِيْ » جميله سعيد is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع جدا تنقلات الأحداث فيه تجنن كالعادة متمكنه من قلمك و قدرتك ع التاثير بمشاعر القارئ رهيبه
انا مبسوطة جدا من بدايه تقارب عبده و روكا
و طريقة صلح أميرة لاحمد و بدايه إحساسه بمتطلباتها
طبعا الجذب و الشد بين نوران و عاصم موترنى و حيوقفلى قلبى اتمنى عاصم يسامح بقى لانه زودها اوى
طبعا جنى و أسعد الثنائي اللى كل ما يقرب من السعادة تهرب منهم شئ يوجع القلب
ادهم ده شكله حيبقى مشكلة كبيرة وواضح أنه حيبقى من أهم الشخصيات الفترة الجاية
من العلاقات الجميلة بعيد عن الحب علاقات الأخوة بين عاصم و جنى
و عاصم و أميرة و يمنى و اخواتها حتى اللى بالرضاع
و طبعا تسلم ايديكى و شكرا لمجهودك و تقديرك لينا بالرد و انتظامك فى تنزيل الفصول⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩⁦♥️⁩


جميله سعيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-20, 05:41 PM   #188

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل السادس عشر


همهم بكلمات خافتة تشق ضحكته الساطعة على ملامحه المنيرة بسعادة ليست خفية ليقهقه ضاحكا على ردها الآتي من هاتفه المتصل بسماعة أذنه الصغيرة ولكن دون اتصال مرئي ضنت به عليه
يعاود الحديث بخفوت وهو يستلقي على عشب الأرض في الحديقة المتصلة بشرفة غرفته متطلعا إلى السماء المتلألئة بنجوم صغيرة كثيرة ليهمهم بخفوت ونبرة أجشه احتلت صوته : السماء مضيئة اليوم رغم اختفاء القمر .
اتكأت على فراشها لتغمغم بصوت سعيد متساءل : لماذا ؟ أين ذهب القمر ؟
كز بأسنانه الأمامية فوق شفته السفلى ليغمغم بعبث : أنا اختطفته إلى نفسي اليوم فجاورني إلى أن غابت الشمس ولم يعد بعد .
تضجرتا وجنتيها بحمرة قانية لتهمس باسمه في عتب حيي ليتابع بتسلية : اتفقنا أن تمنحيني فرصة كاملة حقيقية يا حبيبة .
رمشت بعينيها وهي تشعر بقلبها ينصهر تحت وطأة هجومه العاطفي فتؤثر الصمت ليتابع بخفوت : دعينا نسبح سويا في بحر علاقتنا ، نغرق في بعضنا البعض لنطفو ثانية ونحن عاشقان .. هائمان. ذائبان .. متوحدان سويا ، تنهد ببطء قبل أن يكمل - دعينا نحيا أيام خطبتنا بطبيعية وننهل من بحر سعادتها .. دعينا نختلف ثم نتفق ونتفق ثم نختلف .. دعينا ننصهر ونذوب فنمتزج لنكتمل ، دعينا نصبح واحدا صحيحا سويا يا حبيبة
__ عمر. غمغمت باسمه لعلها توقف حديثه الذي يحتل حواسها ليجيبها بنبرة ذائبة بحروف اسمها - نعم يا حبيبتي .
كتمت تنفسها وهي تستمع إلى تدليله لاسمها فينسبها إليه لتشعر بأنه مكانها الأنسب معه .. جواره .. داخل قلبه . آثرت الصمت حينما شعرت بقلبها ينبض كما لم ينبض من قبل لتطلب دون وعي : هلا رددتها ؟
انتشى إحساسه بها وتضخم قلبه باستجابتها العفوية إليه ليردد بخفوت : عيوني يا حبيبتي .. أنت تؤمري أمر يا حبيبتي .. تدللي يا حبيبتي وأنا سأطيع واستجيب وامتثل يا حبيبتي .
غردت ضحكتها بعفوية ازادت نشوة سعادته بها لتغمغم بشقاوة أراد أن تكون أمامه ليتأملها مليا فيغرق في تفاصيلها اكثر : أنت تنتهز الفرص يا حضرة المحامي المحترم .
ضحك بدوره ليغمغم : أينعم أنا لا أنكر ، أنا أحب أن استغل مكاسبي واطورها ايضا
تمتمت بفضول : كيف ستطورها هذه المرة ؟!
تمتم بحنو : هلا إذا طلبت منك شيئا ستنفذينه لي ؟
تمتمت بتأهب : طبعا إذا استطعت سأفعل .
القى طلبه سريعا حتى لا يتراجع : هلا حولت الإتصال إلى مرئيا ، أريد رؤيتك وعيناك يداعبها النوم قبل أن يغفلك ويغفيها .
توردت بخجل خيم عليها لتنظر إلى ملابسها البيتية المحتشمة لتجيب بصوت محشرج : لا مانع لدي .
قفز واقفا وهو يشعر بقلبه يتضخم بنشوى .. يطرق بلهفه .. ينبض بعشق ليتحرك إلى داخل غرفته حتى يمنحها خصوصية تُفضلها ويميل إليها ، ليتجمد على وجود تؤامه المحتل لفراشه مبتسم له ببرود إنجليزي وعيناه تومض باستفزاز يقصده .
تمتم عمر بهدوء : انتظري قليلا يا حبيبتي .
رفع نظره إلى أخيه متسائلا لتتسع ابتسامة أخيه هاتفا بتسلية : هل يضايقك وجودي يا عمر ؟
أشار إليه برأسه أن يغادر ليجيب بحدة : بالطبع لا ، ولكن اذهب إلى غرفتك حينما أنهي اتصالي سآتي اليك .
هم عبد الرحمن بالحركة لتهمس هي بخجل دوى بنبراتها : أذهب إليه يا عمر سانهي الإتصال لأخلد إلى النوم .
تمتم عمر من بين أسنانه وهو يشير إلى أخيه بذراعه أن يغادر : انتظري يا بيبا ، سيغادر عبد الرحمن ونستكمل حديثنا.
تعالت ضحكة عبد الرحمن ليرميه عمر بإحدى الوسادات فتهمهم هي : بل أذهب إليه وحينما تنتهيان من الحديث هاتفني سأنتظرك .
هتف بلهفه : حقا ؟
جلجلت ضحكة عبد الرحمن ليقفز عمر فوقه كاتما صوته بالوسادة التي رماه بها منذ قليل لتضحك هي بدورها وتهمس : نعم سأفعل ، هيا أذهب .
غمغم وهو يضغط وجه أخيه الجالس من فوقه بالوسادة : سأتخلص منه واعود اليك.
ضحكت برقة لتهمس : حسنا إلى اللقاء .
غمغم وهو يغلق الهاتف : لن اتأخر يا حبيبتي
ارتمى جسده إلى الخلف ليسقط على ظهره أرضا حينما دفعه عبد الرحمن بقوة وهو يلهث بعنف ليصيح بضيق : أيها الثور كدت أن اختنق .
اطبق عمر فكيه ليصيح بدروه : أنت السبب لقد استفزتني
ابتسم عبد الرحمن بمكر : هل تصالحتما ؟
زم عمر شفتيه وهو ينهض واقفا ينظر لأخيه من بين رموشه : ماذا تريد يا عبد الرحمن ؟
تنهد عبد الرحمن بقوة ليلوي شفتيه ويهمهم : عادل هاتفني ليخبرني أن هناك من يريد مقابلتنا ، فأردت أن اثرثر معك ، اتيت لأجدك منشغلا بهاتفك .
جلس عمر بجواره : لا شيء يشغلني عنك .
ضحك عبد الرحمن بخفة : عيناك تومض كذبا وانفاسك تخبرني بمقدار الشتائم التي تسبني بها روحك .
ضحك عمر بمرح ليهتف : لا والله ، هيا أخبرني .
هز عبد الرحمن رأسه : لا أذهب إلى خطيبتك وحينما تنتهي تعال أو لنتحدث صباحا قبل موعد المقابلة .
رمقه عمر بطرف عينه ليضغط على كتفه السليم بأخوية : لا تقلق سيكون كل شيء بخير وعلى ما يرام .
أومأ عبد الرحمن برأسه متفهما وهو ينهض مغادرا ليهتف حينما عبر باب الغرفة الفاصل بين غرفتيهما : فقط لا تنغمس في حديثك فتحتاج إلى حمام باردا ارفق بنفسك واعتني بها يا شقيق .
تحرك بسرعة قبل أن ترتطم به الوسادة التي رماه بها عمر ليقهقه ضاحكا وهو يغلق الباب هاتفا بصوت جهوري : تصبح على خير .
تمتم عمر وهو يطبق فكيه : غليظ .
استلقى على فراشه من جديد يزفر أنفاسه بقوة قبل أن يستل هاتفه ليعاود الإتصال بها ولكن هذه المرة مرئيا لتتسع ابتسامته وعيناه تومض بزرقة صافية ليهمهم : ها قد عدنا يا حبيبتي .
***
__ هل جننت يا جنى ؟ كيف جرؤت على التفوة بهذا الهراء أمام أسعد ؟ بل كيف جرؤت على جرحه وإهانته هكذا ؟
اخفضت رأسها ودموعها تسيل في صمت لتهمهم باختناق : ماذا كنت تريدني أن أفعل ، انتظره يأتي ليخطبني !!
هدر عاصم بغضب : ولم لا ، ما الكارثة في أن ترتبطين به رسميا يا ابنة عمي ؟!
رفعت نظرها إليه في حيرة : هل اتيت لتمزح معي يا عاصم ؟! أنت من تسأل عن السبب وتسأل ما الكارثة في ارتباطي به !! ألا تعلم حقا ؟!
أغمض عينيه وهو يطحن ضروسه : بل أعلم ولكني ليس بمقتنع بكل الهراء الذي تهذين به ، تابع بصوت حان - لأني كلما رايتكما سويا لا يسع عقلي تخيل احدكما مع آخر غريب عنه ، أنتما نصفي تلاقيا لتصبحا إنسان كامل يا جنى
هزت رأسها بتشنج رافض : حتى وإن كان هذا صحيح ، لن يحدث .. لن يحدث .
هدر بغضب : لماذا ؟! اتبع بحدة - ألم يكن يسعى عمك لتزويجك لي ، فارق العمر بيني وبين أسعد بضعة أشهر لم تكمل العام .
تمتمت بعفوية : لم اكن لأقبل بك أيضا ، ارتفع حاجبيه بتعجب لتكمل - ليس لأنك أصغر مني ولكن لأنك أخي الذي تربيت معه .
ابتسم رغم عنه ليهمس : إذًا فارق العمر ليس بذي اهميه يا جانو ، بل الأمر في شعورك نحوي .
تمتمت بجدية : لم أكن لأتزوج منك أبدا يا عاصم .
تمتم بهدوء : وأسعد ؟
اغتمت ملامحها بحزن لتتنهد بحسرة : لا أستطيع الزواج به أيضا .
أغمض عينيه وهو يحافظ على ما تبقى من صبره ليغمغم بضيق : لم أعد أفهم شيئا، اخبريني سببا واحدا مقنعا لرفضك الزواج ممن يمتلك قلبك يا أختاه .
شردت بعينيها بعيدا وجمدت ملامحها وكأنها استحالت الى تمثال لا روح فيه لولا تلك الدمعة المنسابة ببطء فوق وجنتها التي تدل على المها الخفي بداخلها لتهمس أخيرا بصوت مكتوم : لأن امه ترفضني .
عبس عاصم بضيق : إنه مجرد هذر يا جنى ، فاسعد لن يقبل على خطوة الارتباط بك دون رغبة خالتي ليلى
تمتمت بقهر : هي غير موافقة .
زفر عاصم بقوة : حتى إن كانت كذلك أسعد كفيل بإقناعها ودفعها للموافقة .
رفعت عيناها المليئة بالدموع : أو عناده معها والذي سأكون السبب فيه ، اتبعت ودموعها تنهمر من جديد - لا أقوى على ذلك يا عاصم ، لا أقوى أن اؤذي السيدة التي احتضنتني كابنتها منذ كنت صغيرة .. واحتوتني بعد وفاة أمي ، لا اقوى أن أكون سببا في وقوف ولدها ضدها وتمرده عليها أو اجبارها على قبول شيء ترفضه ، هي تريد تزويج ولديها من فتيات صغيرة ليهنئا في حياتهما فلماذا أكون عائق لأحدهما .
صاح عاصم : لأنه يريدك .. لأنه دونك لن يهنأ أو يكون سعيدا
تمتمت بقهر : لن يكون سعيدا إذا خسر امه ، بل أنا لن اكفيه حتى لو أهديته السعادة مجسدة ، أسعد يعشق والدته .. يحبها .. يحميها .. يرعاها ، وأنا لن أوازن كفة خسارته لها .
قاطعها عاصم بحدة: لا يوجد خسارة أسعد يستطيع التصرف بحنكة انت فقط لا تدركين مقدارها .
رفعت نظرها بثبات : انا لا أقبل أن اوضع في خانة الرفض أو أكون احدى كفتي الاختيار يا عاصم .
ضحك عاصم بألم : ها هي جينات آل الجمال تتجلى في أبهى صورها .
شمخت بأنفها واشاحت برأسها بعيدا : لا نستطيع الهرب من جيناتنا وأصلنا يا عاصم بك .
ربت على كتفها : ثقي بأسعد يا جنى هو يقو على التصرف والصمود أمام الرياح حتى إن كانت عاتية ،غمغم بفخر متبعا : أسعد جبل لا ينحني قط .
تنهدت بقوة ليعم الصمت عليهما قليلا قبل أن تسأل : أخبرني يا عاصم ماذا ستفعل أن رفضت خالتي ياسمين ارتباطك بنوران .
ابتسم عاصم ساخرا : من أخبرك أنها موافقة ؟
تنهد بقوة: خالتك ياسمين تحوم من حولي - منذ عمل نوران معي في المؤسسة - لتبعدني عنها بكل السبل بل وصل الأمر أنها أوحت لفاطمة أن وجودها يضايقني حتى تدفعها بعيدا عني .
اتبع باختناق : بل تصر على ارتباطي هذه الفترة حتى تسد الطريق على وجود نوران في حياتي .
رمقته بطرف عينها : وأنت ستفعل وترتبط بأخرى غيرها يا عاصم !!
ضحك ضحكة قصيرة خشنة : وهل استطعت من قبل لأستطيع الآن ؟
ناظرته بحيرة : ماذا ستفعل إذًا ؟
رمش بعينيه ليهمهم بصوت مخنوق : لا أعلم .
بللت شفتيها لتهمس بخفوت شديد : وأمر العريس ماذا ستفعل به ؟
برقت عيناه بغضب : لا أعلم ، ولكني لن أقو على رفض طلب عمك .
عبست بعدم فهم لتسأل : ما باله عمي ؟
ابتسم ساخرا : أتى لي ليخبرني أنه يريدني إلى جواره لأرى العريس فأنا الكبير .
تطلعت إليه بدهشة قبل أن تردد بتعجب : عمو وائل أتى اليك ليخبرك عن أمر عريس نوران ويطلب منك الحضور
اتبعت تسأله بتفكير : اليس الأمر غريبا قليلا يا عاصم ؟! إذا أراد حضورك كان ابلغك بالهاتف ما الداعي لمجيئه بنفسه إليك .
ومضت عيناه بتفكير لتتابع جنى بفطنة : عمك يعلم عن مشاعرك لنوران .
اتسعت عيناه بصدمة وهو يعيد الحديث برأسه ثانية ليطبق فكيه مغمغما من بين شفتيه بحدة : غبي .. أنا غبي .
ابتسمت رغم عنها لتمسح دموعها وتهتف به : لماذا يا باشمهندس ؟!
لهثت أنفاسه : أتى لي ليحثني على الإفصاح عن مشاعري لنوران ، كان يريدني أن أخبره .. كان ينتظر مني مصارحته .
اعتلت الدهشة ملامحها ليطبق كفيه ويفتحهما مرات عديدة : لقد أضعت فرصة ذهبية - قدمها لي- من بين إصبعي بغباء منقطع النظير .
ابتسمت وربتت على كتفه : بل تركتها تذهب بكامل ارادتك يا عاصم .
عبس بعدم فهم لتكمل : أنت لست مستعداً للاعتراف بمشاعرك تجاه نوران ولست مستعداً بعد للارتباط بها ولست مستعداً لتخطي ما حدث قديما ، أنت لا تريد الفرصة التي اهداها لك عمك فحينما تريد فرصة ستخلقها بنفسك وتقنصها من بين براثن القدر ولكنك لست مستعدا بعد .
نظرت إلى عينيه : لازلت غير واثقا من نوران أنها ستختارك .
جمدت ملامحه ليبوح بعنف حدد ملامحه : عمك أخبرني أنها موافقة أن ترى العريس يا جنى .
تمتمت بسخرية : ولماذا لا تفعل يا عاصم ، ألم تقابل أنت عروسك المقترحة ، هي الأخرى من حقها أن ترى ما يتقدم لها .
صاح بعنف مكتوم : لا ليس من حقها ، ليس من حقها بعد أن علمت .
ضيقت عيناها بترقب ليهمس بألم روحه : لقد علمت أني احبها .. أعشقها .. وأريدها وها هي تختار آخر غيري .
تمتمت : لم تختار بعد ، ولكن أخبرني كيف علمت ؟
أشاح برأسه بعيدا لتضحك بأريحية : هل مفضوح أمرك لهذه الدرجة ؟
تنهد بقوة ليحني رأسه يركنها على كتفها القريب منه : أنا اذوى يا جانو .
ربتت على وجنته بحنو قبل أن تتنحنح : اعتدل يا عاصم من فضلك
تعالت ضحكاته رغم عنه ليهتف : تحافظين على حدوده التي وضعها حتى في غيابه.
تمتمت بحرج : إنها حدودي الخاصة .
تنهد بقوة ليجذبها رغما من كتفيها ليسكنها حضنه يقبل أم رأسها : توقفي عن دفعه بعيدا يا جنى ، أتركي الأمر له وهو سيبحر بكما إلى أن تصلا سالمين .
تنهدت بقوة وهي تعود إلى جلستها المعتدلة : وأنت ماذا ستفعل ؟
رد بغضب : لن أفعل شيئا أريد أن أرى ماذا هي ستفعل ؟
رمقته بطرف عينها لتهمس باسمه في نبرة خافته مميزة ليهتف بحدة : سأكسر رأسها إلى نصفين هذه المرة يا جنى .
ضحكت برقة لتهمس بخفوت وشقاوة : جرب أن تقبلها ستجد الأمر أفضل كثيرا
ارتفع حاجبيه بدهشة ليهتف : أصبحت وقحة يا جنى .
تمتمت ببرود : قصدت رأسها يا ابن العم ولكنك من تملك خيالا صاخبا للغاية بابنة عمنا .
هم بالرد عليها ليصدح صوت عمتهما : تعال يا عاصم لتتناول الطعام .
لكزها بخفة : تعالي لتؤكلي معي أعلم انك لم تتناولين الطعام الفترة الماضية بطريقة جيدة .
تمتمت : لست جائعة .
جذبها بحدة : تعالي معي ، هيا .
***
التفت يناظره برهبه عيناه متسعة والصدمة تغلفه ليعاد صوتها من جديد صادحا خارجا من هاتفه : مرحبا .. عمار هل انت بخير ؟
ازدرد عمار لعابه ببطء وهو يشعر بحلقه الجاف يجرح من اسواط الشك الساطعة بعيني من يواجه والذي ينظر إليه باهتمام وترقب ليهتف دون تفكير وهو يغلق الاتصال عليها : عماه أنا احب ابنتك وأريد خطبتها.
ارتفعا حاجبي أمير بمفاجأة ليبتسم بعفوية ويهمس ضاحكا بمكر : إنها لأغرب مرحبا قيلت في التاريخ .
اخفض عمار رأسه تلقائيا ليهمهم بكلمات متفرقة غير مفهومة ليتابع أمير ضاحكا : تعال يا ولد لأسلم عليك أولا ثم نرى هذا الأمر الذي سأعد نفسي لم استمع إليه .
هتف بعفوية : لا يا عماه بالله عليك إلا هذا الأمر أنا اعنيه تماما .
انفرجت اسارير أمير بضحكة مستمتعة ليشير إلى عمار بالاقتراب فيهرع إليه ملبيا ندائه فيحتضنه أمير بقوة مطرقا على ظهره بأبوه : اشتقت إليك يا ابن وليد .
ضحك عمار وهو يشعر بأنه عاد إلى موطنه أخيرا فيجيب : أنا أسف يا عماه .. أسف واعتذر وإن اردت سأمرغ رأسي في التراب تحت قدميك حتى تمنحني عفوك ورضاك ، قبل كتف أمير ليتابع - فقط سامحني على كل ما اقترفت من خطأ في حقك سواء بقصد أو دون ، سامحني وامنحني كلمتك وموافقتك .
ربت أمير على ظهره : اهدأ يا ولد واترك أمر موافقتي جانبا ودعني أرحب بك كما أريد .
تمتم بجدية : رحب بي وضمني إلى كنفك يا عماه ، اقبل قربي ووجودي ومصاهرتي.
نظر إليه أمير مليا ليوبخه بلطف : هل هذا مقدارها عندك يا عمار ؟ أن تخطبها مني على قارعة الطريق!!
هتف عمار بشجاعة : لا والله بل مقدارها عندي لا يوزن ولا يقدر بشيء ولكني فقط أريد موافقتك المبدئية على شخصي أريد أن اطمئن أنك ستقبلني إذا تقدمت إليها رسميا .
رمقه أمير باهتمام ليجيب بجدية : أنا لن ارفضك أبدا ، أنت ابني الثالث فلن اعترض عليك ، صمت لبرهه فيتطلع إليه عمار بانتظار تحكم في أنفاسه فأوقفها وكتمها داخل صدره بترقب ليتابع أمير - ولكن الأمر ليس بيدي بمفردي ، وموافقتي لن تغير من الأمر شيئا إذا رفضتك العروس .
اضطربت ملامحه وانفاسه تتلاحق ليتبع أمير بمكر - أم أنك تضمن موافقتها ؟!
رجف جفن عمار بمرات متتاليه ليجيب بصوت أجش : لا لست ضامنا لأي شيء معها .
كتم أمير ضحكته التي كادت أن تجلجل من حولها لتومض التسلية بقوة في عينيه فتضاء بلون عسلي آخذ ليهمهم بجانب اذن عمار حينما لمح طيف ابنته تخرج من باب البيت تنظر من حولها وكأنها تبحث عن شيء ما أو شخص ما : حقا ؟
انتبه عمار على خروجها ليشعر بدلو ماء يسقط فوق رأسه حينما وقعت عيناه عليها ليشحب وجهه سريعا وهو يشعر بنظرات أمير المترقبة تخترقه ملتقطة أدق انفعالاته وتغييرات ملامحه .
انتبهت على وجودهما لترفع رأسها بكبرياء تشمخ بأنفها وهي تلتقط وجود أبيها فتتحكم في انفعالات وجهها بصلابة وتتجه نحوهما بابتسامة هادئة ملقية السلام .
ابتسم أمير وهو يسبل اهدابه ليهتف بمرح وهو يطرق ظهر عمار بحنو : وعليك السلام يا مليكة ابيك ، انظري من وجدت ينتظرني بالشارع وكأنه غريب لا يقو على دخول البيت .
ابتسمت برقة وهي تقترب من أبيها فيبتعد أمير قليلا عنه ليضمها إلى صدره بذراعه الأخر متخليا عن عمار الذي وقف مشدوها من استكانتها بحضن أبيها.. تعلقها في رقبته كطفلة صغيرة .. احتياجها المجسم في ضمتها لصدر أبيها العريض ليرجف فكه وهو يشعر بغيرة شديدة تضرب أوتار قلبه فتزلزل ثباته فيتحرك بعشوائية مبتعدا عنهما وهو يغمغم بضيق : أتيت لك اكثر من مرة يا عماه وفي كل مرة لا أوفق في مقابلتك .
ابتسم أمير وغمغم : هاك انت وفقت في مقابلتي وعرضت علي طلبك أيضا .
عبست يمنى بتعجب ورددت : طلبه .
نظر إليها عمار بثبات ليبتسم أمير بمكر هاتفا : الن ترحبي بابن خالتك ؟
رفعت رأسها لتهمهم من بين أسنانها : مرحبا يا ابن الخالة .
أومأ لها برأسه : مرحبا بك يا مونتي .
اندلعت عيناها بغضب اهوج ليبتسم إليها باستفزاز قاصدا اغضابها فيسبل أمير اهدابه وهو يتحرك مبتعدا عنهما إلى داخل مدخل البيت هاتفا : تعال يا عمار خالتك ستسعد كثيرا بوجودك .
تمتمت بخفوت : توقف عن ترديد تلك الكُنية .
ألقتها بصرامة فومضت عيناه بتحذير فتتبع أبيها متجاهله إياه هاربه من وجوده بجوارها ليتبعها بخطوات سريعة هامسا بحدة : اعترضي كما شئت فاعتراضك لن يغير من الأمر شيئا ستظلين مونتي إلى الأبد .
التفتت لتجيبه بحدة ولكنها توقفت حينما استدار أبيها ينظر نحوهما بهدوء تعمده ويهتف بمرح : الن تتدخلا ؟
هتفت يمنى بضيق وهي تبتعد عن عمار القريب منها : سأذهب إلى ايني .
عبس عمار بضيق ليهتف ببرود : أليس الوقت متأخرا الآن على وجودك خارج المنزل ؟
اتسعت عيناها بصدمة وهمت بالرد عليه رد لاذع ليستوقفها صوت أبيها بنبرات مرحة صدحت في نبرات صوته : معه حق يا موني ، تعالي الأن لتساعدي امك في إعداد العشاء ولتؤجلي زيارة ايني للصباح .
ارتدت برأسها لأبيها تنظر إليه باستنكار فيبتسم بحنو و يمأ لها برأسه يحثها على الخضوع .
فتزم شفتيها رافضة بطفولية قبل أن تندفع لداخل البيت فيتبعها بخطوات هادئة وابتسامة منتصرة مرسومة على ثغره ومتألقة بعينيه لتجمد ملامحه حينما وقع فريسة نظرات الأمير الماكرة والذي ابتسم في وجهه مطمئنا : تعال يا ابن وليد لدينا حديث طويل علينا إجراءه ، أعتقد أنه يتبع حديثنا القديم .
جف حلق عمار وارتعد برجفة بسيطة جرت في أوصاله قبل أن يرفع رأسه بشجاعة وينظر إليه بثبات : نعم يا عماه إنه يتبع حديثنا الماضي .
تنهد أمير بقوة ليهمهم بترحيب : تعال يا بني
***
انتهت الحلقة المباشرة مع صديقتها المذيعة اختتمتها بأغنيتها الشهيرة التي تعلم أنها غنتها من اجله في فترة ماضية حققت حينها شهرة واسعة لها و راجت في الأسواق و ساهمت في شعبيتها المتزايدة.
شكرت صديقتها و نهضت نحو غرف الأعداد في الاستديو لتستعد للعودة إلى منزلها و هي تدندن الأغنية بتوق افاض من روحها.
لو لسه باقي على حبي ليك
خليني ألاقي..لو حاجه واحده حنينه أو كلمه اقولها
حاول تبين لو حتى كدب انك حنين
و لو مجاملة عشان بجد انا محتاجلها
ليعلو صوتها برجاء و الدموع تتجمع بحلقها فتسيل من عينيها ببطء شديد ينحر روحها بسكين ثلم
متخلينيش أفضل كدا مستنياك .. و تفوت ساعات و انا محتاجاك
الساعة في البعد بسنة
خليني احس انك حبيبي بتاع زمان .. رجعلي إحساس الامان
رجعني اعيش مطمنه.
توقفت عن الغناء و هي تنظر إلى انعكاس صورته من خلال المرآة التي تقف أمامها فيدلف إلى الغرفة من الباب الذي لم يطرقه لتتجمد ملامحها و هي تصفع بنظرة الحنان المتمركزة بحدقتيه فيخطو نحوها ليحتضن كتفيها براحتيه ،اجهشت في البكاء فجأة ليديرها إليه محتضنا .. ضاما.. مهدئا !!
ربت على رأسها بحنان وهو يقربها من صدره .. يضمها إلى قلبه الخافق بجنون لأجلها ، يهمهم بجانب اذنها التي قبلها برقة : اهدئي .
نهنهت في البكاء وهمست : لا أعلم ما بالي ، أشعر أني أريد البكاء إلى ان تجف عيناي واتخلص من ألم روحي .
ضمها أكثر إليه هامسا : امنحيني الفرصة لامتص المك ..وارمم عطب روحك .. واخلصك من حزنك ، قبل جانب رأسها ليتابع برجاء – دعيني اصلح ما أفسدته ولكن بطريقة صحيحة ، دون اجبار .. دون غصب ، هذه المرة ستكون بكامل رضاك وموافقتك .
رمشت بعينيها كثيرا قبل أن ترفعهما إليه تنظر إلى رماديتيه تقيس مدى صدقه من عدمه لتهمس بشك : حقا ؟!
أومأ برأسه مطمئنا .. مشجعا ليهمس : حقا .
اتبع بحنو يحثها على الموافقة : لنبدأ من جديد .
ضحكت رغم عنها لتغمغم : نعم بداية جديدة في الخمسون .
ضحك بمرح ليضمها إلى صدره بقوة ويهمهم : وبعد الستين أيضا .
رفعت عيناها إليه ولامست طرف ذقنه : اشتقت إليك يا آدم .
زفر بقوة : وأنا اشتقتك يا صغيرتي ، حثها للسير بجواره – هلا عدنا إلى صغارنا ؟
أومأت برأسها موافقة لتثرثر بعفوية : لا تخبر آسيا عن حفل عيد مولدها .
ضحك بخفة : لا تقلقي يا حبيبتي . تنهدت بقوة لتسأل : هل كنت حاضرا للحلقة من بدايتها ؟
ابتسم وهز رأسه ايجابا ليضع ذراعه فوق كتفيها ويسير بجوارها : اشتقت إلى رؤيتك من خلف الكواليس يا نجمتي الغالية .
ابتسمت رغم عنها لتهمس : هل كنت جيدة ؟
توقف ليوقفها معه ينظر إليها مليا ليغمغم بنبرة أجشه : كنت مبهرة كعادتك .
ومضت الثقة بعينيها لتتنهد بقوة : لا يهمني رأي الآخرين ، يكفيني أنت دوما يا طبيبي الخاص .
ضحك بخفة وهما يسيران خارجان من الاستديو ليفتح لها باب سيارته لتتوقف قبل أن تستقل السيارة لتنظر إليه مليا لتنطق بصوت مكتوم : أدعو عز الدين لعيد مولد أخته يا آدم .
هم بالرفض لتشير إليه بكفها : أرجوك لا ترفض ، دعه يأتي ، اتفقنا على بداية جديدة ، لذا اكتمال العائلة هام لإنجاح تلك البداية .
ابتسم بسعادة غشت حدقتيه ليقترب منها يجذبها إلى صدره ليهم بتقبيلها فتبعد رأسها للخلف هامسة : نحن بالشارع يا آدم .تهدلا كتفيه بخيبة أمل لتغمغم بشقاوة تعمدتها – حينما نعود للمنزل يكون هناك حديثا أخر .
انفرجت اساريره لتومض عيناه بأمل تمسك به في قوة ، أمل لو صُدم بقتامة حدقتيها الواهنتين لتبدد في الحين معلنا نهاية البداية الجديدة .
***
تصارع الأواني والاكواب بجانب والدتها التي تناظرها بتعجب وابتسامة تسللت إلى ثغرها تكتمها بشق الأنفس بسبب غيظ ابنتها لأن ابيها حشرها معها لإعداد العشاء على شرف ابن اختها الذي أتى في زيارة مفاجئة ، جاورتها وهي تبدا في إعداد بعض الأشياء لتسألها برقة : ما الذي يغضبك يا صغيرتي ؟ هل حدث شيئا لا أعرفه ؟
زفرت يمنى بقوة لتباشر تقطيع الخضروات : لا يا ماما ، لم يحدث شيئا .
عبست ليلى بتعجب وهي ترمقها بطرف عينها : ولكني اشعر بعكس ذلك ، اتبعت وهي تستدير تنظر اليها : هل وجود عمار ما يضايقك ؟
زمت يمنى شفتيها لتهمس بثبات : لا يا ماما ، فقط أردت الذهاب إلى إيناس وبابا منعني لأجل دعوة العشاء الغير مرتبة مسبقا .
رتبت ليلى على ذراعها بحنو : لا تستائي يا حبيبتي ، كل شيء يحدث بأمر الله ، اذهبي اليها في الصباح قبل الذهاب إلى عملك ، ولكن الآن أسرعي قليلا حتى ننهي العشاء بوقت قياسيا .
زفرت يمنى بقوة لتمط شفتيها قبل أن تهتف بنزق : لا أفهم يا ماما هل ما تعدينه الآن عشاء أم دعوة للانتحار ، كيف يستطيع المرء أن يتناول مكرونة نجرسكو وشرائح الدجاج المقلي ومحشي ورق العنب كمقبلات ثم يخلد إلى النوم ، سيذهب إلى المشفى رأسا بعد هذا العشاء .
شهقت ليلى لتهتف سريعا : بعد الشر عنكم يا حبيبتي ، لا تقولي هذا سيكون الطعام رائعا ، من الجيد أني اعددته مسبقا لذا سيكون من السهل تحضيره .
عبست يمنى وهي تنظر إلى إناء المحشي الموضوع فوق الموقد لتسألها باهتمام : أنا أرى أنه معد مسبقا ولكن هل هذا غذاء الغد .
ابتسمت ليلى باتساع لتهمس بفخر : لا الغذاء سيكون أشياء أخرى ولكني ارتأيت أن اعد بعض انواع من المحشي لأجل زيارة عريسك في الغد .
اتسعت عيناه يمنى بصدمة لتتابع ليلى بحنان : ولكن عمار يحب ورق العنب لذا طهوته له ، أشارت بيدها في عدم اهتمام وتابعت – ولكني سأعد إناء أخر في الغد .
تمتمت يمنى سريعا : من أخبرك بأن فراس سيأتي في الغد ؟
ابتسمت ليلى بحنو : لقد هاتف أبيك وأخذ منه موعدا وأبيك أخبرني .
شعرت بتنفسها يضيق والاختناق يداهمها لتدفعها ليلى بجدية : ولكن دعي كل شيء لوقته ، هيا احملي أكواب العصير واخرجي لتجلسي مع عمار إلى أن يخرج إليه أبيك ،
ناولتها صينية المشروبات وهي تدفعها بلطف للخارج : هيا يا يمنى اذهبى ولكن لا تنسي أن تعودي لي ثانية حينما يخرج ابيك للجلوس مع عمار فأنا احتاجك هنا .
تحركت بخطوات غير متزنة باتجاه صالة بيتها ، وهي تحمل صينية المشروبات بكفي مرتجفين وعقلها يعمل بتفكير سريع كيف تتخلص من تلك الزيارة التي لم يخبرها عنها أحدا !!
يجلس بمنتصف أريكة طاقم الاستقبال الفخم كبقية أثاث المنزل رغم عصريته ولكن كل ركن به ينم عن الفخامة ويبعث بالدفء والبهجة ، يشد جسده باستقامة في انتظار عودة زوج خالته الذي تركه ليبدل ملابسه في حين اختفت هي وخالته بالمطبخ لإعداد العشاء الذي أصر عليه عمه أمير أن يجلس ويتناوله وخاصة في غياب عادل وأسعد عن البيت ، انتبه إلى قدوم أحدهم من المطبخ لتتعلق عيناه بها ليعبس بدهشة وهو ينظر إلى ارتجاف كفيها والظاهر بوضوح في اهتزاز الأكواب والصينية التي تحملها ليقفز واقفا يقترب منها بسرعة ليحمل منها الصينية وهو يسأل بعبوس احتل ملامحه ولهفة تشكلت بعينيه : ما بالك يا يمنى ؟
اهتزت حدقتيها لترفع عينيها إليه والغضب يزأر بهما : لا شيء ، ابتعد عني ، لا شأن لك بي .
ارتجف صدغه ليهمهم بصوت مختنق : لعلك تفهمين ذات مرة أن الأمر ليس بيدي .
ضحكت ساخرة : نعم معك حق ، رفعت عيناها المغرورتان بدموع متلألئة بصمود – أنا الأخرى الأمر ليس بيدي .
عبس بعدم فهم ليهمهم وهو يضع الصينية فوق الطاولة الصغيرة التي تنتصف الجلسة : ما هذا الأمر الذي ليس بيدك ؟
ومضت عيناها بانتقام وملامحها تشي ببرود ولامبالاة أتقنتها : ستعلم يا ابن الخالة ، لا تتعجل كل شيء بوقته حلو .
همت بالابتعاد عنه ليقبض على مرفقها بقوة مهمها بغيظ : ما هذا الذي تتحدثين عنه ؟
أدارت مرفقها لتتخلص من كفه بسهولة قبل أن تنطق بحدة : إياك ان تضع يدك علي ثانية وإلا لكسرتها لك ، لن اخبر أبي ولن انتظر أسعد سأهشمها لك .
رفع حاجبه باستنكار ليقبض على مرفقيها فجأة ليجذبها نحوه فيعتقلها دون نية في الفكاك هامسا : لا تلقين التهديدات جزافا يا ابنة الخالة ، حاولت التملص فلم تقو لتناظره بتحدي هامسة – يا ليت أبي يأتي الآن ويرى ماذا يفعل من استأمنه وادخله بيته في ابنته .
رجف صدغه ليتركها بثبات ويهمس : لا أقصد أن اتعدى عليك ولكنك من ..
نفخ بقوة ليهمس : اعتذر يا يمنى لم أقصد أن ..
صمت ثانية ليغمض عينيه محاولا استجماع حديثه ليفتحهما ثانية ينظر اليها بتساؤل : هلا أخبرتني عم حدث أغضبك هكذا ؟ همت بالرد ساخرة ليوقفها بهدوء – غير زيارتي الرافضة لها .
عشش الحزن بعينيها لتبتسم ساخرة مغمغمه بصوت مختنق : لا شيء يغضبني أكثر من وجودك من حولي .
ابتسم بخفة : من دواعي سروري أن اثير بك أي نوع من المشاعر يا مونتي حتى إن كان الغضب .
اتبع بمزاح ساخر يطوي اليقين في حروفه : معنى غضبك أنك تهتمين وتهتمين كثيرا ايضا يا ابنة الأمير .
رمشا جفنيها لتشمخ بأنفها : انت واهم .
هز كتفيه بلا مبالاة وهو يعاود جلوسه يضع ساقا فوق أخرى يحمل أحد أكواب العصير ليرتشف منه قليلا ليجيب : من المحتمل .
رفع نظره اليها وتابع – كل منا أفكاره .. اراءه .. وجهات نظره .. تصرفاته وافعاله تحتمل الصواب والخطأ يا يمنى ، وأنا لست مختلفا عن البقية .
صمت قليلا وهي تنظر إليه بترقب ليهمس بخفوت : أنا بشر اخطئ وأصيب ، واعترف بخطأي واعتذر عنه ، فقط أريد فرصة للشرح ومنحة للصفح .
عم الصمت عليهما قليلا قبل أن تهمس ببطء وصوت محشرج : فات وقت الشرح وانتهى وقت الصفح ، ظننتك مختلفا وصنعت لك تمثالا لتكون إله عبدك قلبي وتعبد في محرابك ، فكسرت انت التمثال وغادرت المحراب ، وهاك انت تعلن آدميتك .. بشريتك ، وتتمنى المغفرة كعبد بعد أن كنت معبود يبتهل إليك قلبي ويطلب في رحابك فرصة بالقرب والحب .
لوت شفتيها بابتسامة ساخرة : لم تعد أنت ، أصبحت مختلفا عم رأيتك دوما .
زفرت بقوة : لقد ولى الوقت يا ابن خالتي ونحن بعهد جديد أصبحت فيه أنت عاديا كسائر البشر .
ابتسمت برقة : قف بالصف يا عمار لعل يأتي اليوم الذي امنحك فيه الفرصة لتتحدث وتشرح ، هزت كتفها بدلال تعمدته – ومن المحتمل أن استمع .
ومضت عيناه ببريق متألم لتبتسم بزهو قبل أن تكمل : بعد اذنك سأذهب لأعد مع خالتك المائدة العامرة على شرف زيارتك لنا .
راقبها تنصرف وهو يتحكم في اختناق حلقه بتسلط ليبتلع غصته كاملة ويعتدل بجلسته حينما طل عليه أمير بابتسامة هادئة ونظرات واثقة ليسأله بهدوء : هل الليلة تعد وقتا مناسبا للحديث يا عمار ؟
رمش عمار بعينيه : هل إذا اخبرتك يا عماه ستتفهم وتعذر أم ستطردني من رحاب بيتك الذي كان متسعا دوما لي ؟
تنهد أمير بقوة ليرتب على كتفه وهو يجلس بجواره : بل سأستمع يا بني ، سأستمع .
همس برجاء : هلا صحبتني إلى غرفة مكتبك يا عماه ؟
ابتسم أمير بحنو طغى على عينيه : نعم يا عمار ، تعال معي .
***
هتفت إيمان بأريحية وهما يتناولان الطعام : هيا اخبريني يا حبيبة عمتك عن الشاب المتقدم إليك .
عبس عاصم بعدم فهم ليترك أدوات المائدة من كفيه وينظر إليها بتساؤل فتتابع إيمان بفرحة : لقد تقدم إليها شابا يريدها للزواج .
اتسعت عنيا عاصم بصدمة وتساؤل لاح بحدقتيه لتتبع إيمان وهي تربت على كفه بحنو : عروسك وجه السعد كله يا حبيب عمتك ، لقد أدخلت بموافقتك المبدئية الفرحة إلى العائلة ، ها هي الأفراح ستكثر وتعم على الجميع بإذن الله ، سأفرح بكم جميعا ، أنت وجنى ونوران أيضا ،
تمتمت بمكر وهي تشيح بعينيها بعيد : هداها الله لتوافق على سعادة السفير .
أطبق فكيه ليغمغم وهو يلوك الطعام بغضب : سعادة السفير .
ثرثرت إيمان بعفوية : ألا تعلم أنه سفير ، اتبعت بغبطة – مثل أبيه وأبو فاطمة رحمة الله عليه .
قبض كفيه وفتحهما ثانية محاولا السيطرة على انفلات أعصابه لتبدل إيمان حديثها وهي تنظر إلى جنى : هيا أخبريني يا فتاة ، من هو ؟
عبس عاصم وهو ينظر إلى جنى بغضب لتكح بخفة قبل أن تهمس بتلعثم : إنه طبيب زميل لي بالعمل ، يكبرني قليلا شاب خلوق ومحترم ، اسمه باهر .
امتعض عاصم وردد باستنكار : باهر
ضحكت إيمان بمرح : ما بال هؤلاء الشباب بأسمائهم القديمة ، اسم عريس نوران قديم قليل .
زفر عاصم بتقطع حتى لا تنتبه إليه عمته لتسألها جنى وهي تحاول أن تبقى هادئة : لماذا ما اسمه يا عمتي ؟
تمتمت إيمان وهي تضع الطعام بطبق عاصم وتحثه على تناوله : حسين ، ضحكت بمرح متابعة – سونا .
مسح عاصم فمه برقي ليضع منديل الطعام بهدوء جانبا : سلمت يداك يا عمتي .
هتفت إيمان باعتراض : انه طعامك يا عاصم .
ابتسم بلباقة : شبعت يا حبيبتي .
همت بالحديث ليرن هاتفه فيهمس معتذرا وهو يبتعد عنهما بخطوات قليله ينظر لاسم الأخر الوامض بشاشة هاتفه ليجيب الإتصال ساخرا : أخيرا ظهرت ، أين كنت طوال النهار يا أحمد ؟
هتف أحمد بمرح : هل اشتقت الي يا ابن الجمال ؟
تنفس بعمق : لا ولكني بحثت عنك لأتحدث معك واسالك عن أمور العمل فلم أجدك.
أجاب أحمد بطبيعية : عدت إلى البيت في الظهيرة ولم اقو على العودة إلى المؤسسة ، اتمنى أن لا يكون غيابي مربكا .
ابتسم عاصم وهو يسير بحديقة بيت عمته : لا لم يكن مربكا ، وحتى إن كان يهون كل شيء أمام مسعاك لإرضاء الأميرة ؟
ابتسم أحمد وعيناه تغيم بسعادته : الحمد لله راضيتها وصالحتها ، اتبع بجدية – إياك أن يزلف لسانك أمام عمك يا عاصم ، فلم يعلم أحدا غيرك بأمر مشاجرتنا سويا .
زفر عاصم بقوة : لا تقلق يا صديق ، سرك ببئر عميق .
عبس أحمد ليسأل باهتمام: ما بالك يا عاصم ؟ صوتك غير طبيعي .
ابتسم عاصم ساخرا : لم تصلك الأخبار بعد ؟
غمغم أحمد بعدم فهم وذهنه ينشغل بحركة زوجته التي تدور حول نفسها : اية أخبار ؟
اثر عاصم الصمت لينظر إلى هاتفه الذي يستقبل اتصال أخر ليسال بدهشة : أنت لست بالمنزل يا أحمد ؟
أجاب أحمد بعفوية : بل بالمنزل وابنة عمك تدور حول نفسها أمامي وهي تكاد تكسر هاتفها إلى نصفين .
ضحك عاصم رغم عنه ليتشدق ساخرا : إنها تهاتفني من الواضح أن الأخبار وصلت إليها .
عبس أحمد بضيق لينهض واقفا : اية أخبار ؟
زفر عاصم بقوة : اغلق الهاتف واذهب إلى زوجتك ستخبرك ، وأخبرها عن لساني أنني لا أريد الحديث الآن ، تصبح على خير يا صديق .
ارتفع حاجبي أحمد بدهشة ليرد وهو يقبض على ساعد زوجته يوقفها عن الحركة : وأنت من أهل الخير .
هتفت بتساؤل : عاصم ؟ أومأ أحمد برأسه فتابعت – لا تغلق الإتصال .
ابعد أحمد الهاتف عن اذنه : هو من انهى الإتصال و يبلغك أنه لا يريد الحديث الأن، نظر إليها بتساؤل – اخبريني ماذا حدث ؟!
استلقت على الاريكة بتعب لتغمغم بصوت مختنق : تقدم لنوران عريسا والمقابلة المبدئية في الغد .
اتسعت عينا أحمد ليستل هاتفه من جديد ويعيد الاتصال به ليغمض عينيه متلفظا بسباب خفيض ليتمتم بحنق : لقد اغلق هاتفه .
رفعت نظرها إليه والحيرة تظل من حدقتيها لتهمس بجزع : ماذا حدث يا أحمد ؟! لقد كانا منسجمان يوم دعوة العشاء ، كانا متناغمان لقد كنت فرحة لأجلهما ، ماذا سنفعل الآن ؟
زفر أنفاسه الكاملة ليجاورها جالسا يجذبها إلى حضنه : لا اعلم ماذا حدث ولكن من المؤكد أنه حدث شيئا ابعدهما ثانية .
تمتمت بحزن : يا قلبي يا عاصم .
أغمض عينيه ليزفر بقوة متخلصا من غيرته : اهدئي يا أميرة من فضلك .
تمتمت سريعا وهي تجلس باعتدال : إذًا أخبرني بم سنفعله لأجلهما .
صمت قليلا ليهمهم وهو يجذبها إليه ثانية : تريدين الحق ؟
أومأت برأسها داخل حضنه ليغمغم : ليس بوسعنا فعل شيء ، عاصم نفسه لن يفعل شيء ، الأمر الأن بيد نوران ، وهي من تقرر القبول أو الرفض وقرارها هو ما سيحدد المستقبل بينهما .
هتفت بجدية : سأتحدث مع نوران .
__ إياك ، هدر بها ليتابع بعتاب – لا تهدري كرامة عاصم بهذه الطريقة يا أميرة ، لابد أن تختاره نوران بمليء إرادتها يا أميرة ، لابد أن تقدر ما يكنه عاصم لها بمفردها ، لو كان الحل في الحديث معها لفعلت تامي ما هو أكثر من الحديث ولكن الحديث لا يفيد .
همهمت بحزن : ضمني إليك يا أحمد .
تنهد ليطالعها بحنو وهو يقربها منه يجذبها إلى صدره اكثر : آمرك يا أميرتي .
***
تستلقي فوق فراشها تنظر إلى سقف غرفتها دون هدف ، بل هي لا تقو على فعل اي شيء سوى النظر إلى الفراغ ، تتذكر نظرة ابن عمها المتألمة وابتسامته الحزينة فيجعها قلبها أكثر ويتألم لأجله كما تتألم لأجل نفسها ، زفرت وهي تسترجع استئذان عاصم في الانصراف بعد أن انهى اتصاله لتتمسك هي الأخرى بالمغادرة معه لتحاول أن تثرثر معه فتمتص ولو القليل من ألمه الساكن بحدقتيه ولكنها لم تستطع فهو أغلق هاتفه ، والتزم الصمت ولم يجيبها سوى بكلمات مقتضبة لم يخرج بها مكنونات روحه المتألمة ليصلها إلى باب البيت ويتمنى لها ليلة سعيدة لينطلق مغادرا ورغم أنها حاولت الاطمئنان عليه ، ولكنه لم يجيبها !!
تنبيه صدر من هاتفها لتتحرك سريعا ظنا منها أن الهاتف يخبرها بأنه أعاد فتح هاتفه لتتسع عيناها بصدمة وقلبها يطرق بعنف وهي تطلع الى اسم الغائب الذي ومض أمام عينيها وهاتفها يخبرها بأنها تستطيع الأن الإتصال به فهاتفه عاد للعمل، تطلعت إلى اسمه وصورته برهبه انستها فرحتها لأنها تقوى على مهاتفته الأن .
بللت شفتيها برقة قبل أن تضغط موضع الإتصال بأصابع مرتجفة وهي تفكر بأنها ستفعلها .. ستتصل به .. ستهاتفه الآن قبل أن يغلق هاتفه أو تجبن هي من جديد فتبتعد عنه رغم لهفة قلبها !!





دودو ناصف likes this.

سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-20, 05:45 PM   #189

سلافه الشرقاوي

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية سلافه الشرقاوي

? العضوٌ??? » 296621
?  التسِجيلٌ » May 2013
? مشَارَ?اتْي » 970
?  نُقآطِيْ » سلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond reputeسلافه الشرقاوي has a reputation beyond repute
افتراضي






تستلقي فوق فراشها تنظر إلى سقف غرفتها دون هدف ، بل هي لا تقو على فعل أي شيء سوى النظر إلى الفراغ ، تتذكر نظرة ابن عمها المتألمة وابتسامته الحزينة فيجعها قلبها اكثر ويتألم لأجله كما تتألم لأجل نفسها ، زفرت وهي تسترجع استئذان عاصم في الانصراف بعد أن انهى اتصاله فتتمسك بالمغادرة معه لتحاول أن تثرثر معه فتمتص ولو القليل من المه الساكن بحدقتيه ولكنها لم تستطع فهو اغلق هاتفه ، والتزم الصمت ولم يجيبها سوى بكلمات مقتضبة لم يخرج بها مكنونات روحه المتألمة ليوصلها إلى باب البيت ويتمنى لها ليلة سعيدة ، ينطلق مغادرا ورغم أنها حاولت الإطمئنان عليه ، ولكنه لم يجيبها !!
تنبيه صدر من هاتفها لتتحرك سريعا ظنا منها أن الهاتف يخبرها بأنه أعاد فتح هاتفه لتتسع عيناها بصدمة وقلبها يطرق بعنف وهي تطلع إلى اسم الغائب الذي ومض أمام عينيها وهاتفها يخبرها بأنها تستطيع الآن الإتصال به فهاتفه عاد للعمل، تطلعت إلى اسمه وصورته برهبه انستها فرحتها لأنها تقوى على مهاتفته الآن .
بللت شفتيها برقة قبل أن تضغط موضع الإتصال بأصابع مرتجفة وهي تفكر بأنها ستفعلها .. ستتصل به .. ستهاتفه الآن قبل أن يغلق هاتفه او تجبن هي من جديد فتبتعد عنه رغم لهفة قلبها !!
رنين متواصل انقطع دون رد لتعاود الإتصال من جديد و هي تتمسك بأملها أن يجيبها و حينما تمكن منها اليأس و همت بإغلاق الخط أتاها صوته الهادئ بتأثير بحة الغضب التي تعرفها جيدا و كلمات مقتضبة بتحية مساء جافة.
همهمت بتعثر : أسعد كيف حالك ؟ قلقت عليك ، لماذا كان هاتفك مغلقا؟
عم الصمت عليهما قليلا ليجيب بنبرة خشنة جرحت لهفتها عليه بسخرية قاتمه ظللت حدقتيه : فيك الخير يا أختاه ، سعيد باهتمامك وسؤالك أنا بخير و الحمد لله.
ابتلعت سخريته برزانة تمسكت بها : الحمد لله أنك بخير، متى ستعود؟!
زفر بقوة : لم أُبلغ بعد بموعد عودتي ، تمتمت - أعادك الله لنا سالما.
افلتت ضحكته الساخرة لتتابع بسرعه : من الواضح أنني ازعجتك.
رد ببرود : إطلاقا ، سعيد باتصالك يا صديقتي.
كتمت بكائها بظهر كفها لتغمغم : حسنا تصبح على خير، أراك قريبا بإذن الله.
تمتم: إن شاء الله ، و أنت من أهله.
أغلق الخط على الفور لترمش عينها ،تنظر إلى هاتفها مليا قبل أن تتساقط دموعها بتتابع بطيء أزداد مع مرور الوقت و هي ساهمه لا تريد التصديق أنه غادر دون رجعه !!
***
استلقى فوق فراشه بكامل ملابسه و هو الذي لم يفعلها من قبل ، لطالما كان منظم أنيق ، غير فوضوي ، مرتب بأفكاره و أفعاله لا يقدم على فعل شيء دون أن يسبغ عليه حكمة أكبر من عمره في كثير من الأحيان ، فلا يستطيع التهور أو الجموح حتى لا يرتكب خطأ يحاسب نفسه عليه ، قبل أن يحاسبه الأخرين، و كيف يخطأ و هو الكبير منذ أن كان صغيرا ، وجملة جده الشهيرة و التي كونت شخصيته منذ صغره تتردد في أذنيه " إذا أردت أن تكون كبيرا تلافى ارتكاب الأخطاء ، فإذا أخطأ أحدهم سيجلب المتاعب على نفسه فقط ، أما أنت فخطأك سيكون وبالا على الجميع "
شعر بغصته تتكوم و تتزايد في حلقه لينغلق تماما فيبتسم ساخرا و هو يفكر " ماذا كان سيحدث إذا أخطأ مرة و صارحها بحبه ؟ ماذا كان سيحدث إذ لم يهتم بتحذيرات أبيه و أمتلك قلبها منذ صغرها كما فعل أحمد مع أميرة؟ ماذا كان سيحدث إذا حاوطها .. اغواها.. اوقعها في شباكه .. و أجبرها أن تهيم به ؟ "
تنهد بقوة و هو يشعر بعينيه تمتلئان دموعا لا يسمح بسكبها بل يحتفظ بها كبرهان على كرامته التي لم تهدر لأخرها بعد !!
انتبه من أفكاره على اقتحام عمار إلى غرفته كالعادة ليرفع رأسه قليلا ناظرا لأخيه ذو الوجه المكفهر و الذي اقترب بخطوات ثقيلة و أنفاس بطيئة ، خلع حذاؤه بحركتين متتابعتين من قدميه قبل أن يستلقي إلى جواره ينظر لسقف الغرفة مثله.
ساد الصمت عليهما ثقيلا لفترة لا يعلما مداها قبل أن يقرر عمار قطع تأمله الغير مجدي منهيا صمته بتصريح قوي أثار انتباهه لأقصاه و هو يهتف : لقد أخبرت عمو أمير عن رغبتي في الزواج من يمنى.
لم يهتز عاصم بل رفع حاجبيه تعجبا مؤثرا الصمت ليفضي أخيه بكل ما لديه فيتابع عمار بصوت مختنق : بل أخبرته أني أعشق ابنته و أنها نفس الفتاة التي حدثته عنها سابقا قبل سفري.
صمت قليلا ليكمل: لم يعترض علي بل رحب بي و لكنه أخبرني أن لا يخطب المرء على خطبة اخيه ، و أن هناك رجلا بالفعل تقدم ليمنى و إلى أن ترفضه يمنى بكامل رغبتها سيعتبر أن طلبي و تقدمي لها لاغي.
اصدر صوتا ساخرا ليتمتم عاصم بصوت محشرج : عمك أتى لي لأخبره عن مشاعري نحو نوران بل أنه حاول استدراجي في الحديث و لكني جمدت كصنم لا روح به و لا عقل ليفاجئني بأخر الزيارة أن هناك احدهم يريد الزواج بنوران.
اتسعت عينا عمار ليعتدل جالسا ينظر لأخيه الذي صمت ثانية فيحثه بفضول : و أنت ماذا فعلت ؟
رمقه عاصم قليلا : سأذهب لأكون بجواره في موعد العريس المنتظر.
هتف عمار بنزق: أخبرني أنك تمزح ، لماذا يا عاصم؟! لماذا تفعل بك و بها ما تفعل الآن؟ !لماذا اضعت فرصة ذهبية من بين يديك؟ لماذا تجبر نفسك على معايشة ما لا طاقة لك به للمرة الثانية؟
انتفض عاصم جالسا بطريقة تماثل جلسة أخيه ليواجه بصلابة ويهدر بألم : أريدها أن تراني ، أجفل عمار ليتابع عاصم بحزن- أريدها أن ترفض لأجلي .. أن تختارني بدلا عنه.
تهدج صوته : أريدها ا أن تراني يا عمار.
التمعت الدموع بعيني عمار ليجذب أخيه من ساعده يضمه إليه يربت على ظهره و يهمهم: أنها تراك منذ أن كانت صغيرة بل هي لا ترى سواك و لكنها أعند من الاعتراف و أقوى من الخضوع ، نوران تراك و تريدك و لكن كبريائها يمنعها عن التصريح يا عاصم و خاصة مع صمتك المهيب و معاملتك الغير لائقة لها.
زفر عاصم و هو يتمسك بحضن أخيه: أريدها ا أن تختارني .. تبدي لمحه .. رمشة .. ايماءة بأنها تريدني وأنا سأصارع كل اشباحي لأجلها و أفوز بها.
تنهد عمار بقوة ليدفع أخيه بعيدا عن صدره قليلا : سترفض ، و ستخضع هذه المرة يا عاصم ، ثق بها قليلا و ستبهرك.
ضحك عاصم رغم عنه ليتمتم بهدوء بعد لحظة و هو يتفرس بملامح أخيه : غريب أن عمو أمير لم يهديك عاهة مستديمة بعد اعترافك بحبك لابنته.
شمخ عمار بأنفه : بل كان سعيدا.
عبس عاصم و رمق أخيه بريبة ، سأله بهدوء : لم تخبره بم حدث مع أسعد، أليس كذلك؟
امتقع وجه عمار ليتلعثم: لا طبعا، لم أفعل.
ضحك عاصم : لذا لم يعلقك بالشجرة الكبيرة في حديقة منزله.
تمتم عمار بحرج: و لماذا افضح نفسي إذا كان سترني الله و لم يخبره أسعد؟
تنهد عاصم بقوة : معك حق.
عم الصمت عليهما قليلا ليربت عاصم علي كتف عمار: سترفض مهرة الخيال العريس و حينها اقتنص فرصتك معها يا عمار ، لا تكن متباطئ بل لو استطعت أجبرها على الخطبة و بعدها صفي أموركما سويا.
لمع الأمل بعيني عمار : فقط هي ترفض و أنا لن أتركها تضيع من يدي ثانية.
***
__صباح الخير .
ابتسمت وهي غافية لتحرك وجهها تحاول أن تتجنب قبلاته فتغوص بوسادتها اكثر مهمهمه : اتركني لأغفو قليلا .
التقط شفتيها في قبلة متطلبة ليهمس : لا لن أفعل ، هيا انهضى .
تململت بكسل : أحمد لم أنم بطريقة كافية .
ضحك بخفة : أنا لم أفعل على الإطلاق ولكن لدي عمل ومسئولية علي أن أحملها فوق كتفي لأقوى على سداد متطلبات المعيشة .
ضحكت برقة وهتفت بنزق طفولي وهي توليه ظهرها : حسنا إذهب لعملك واتركني انام .
عم الصمت قليلا قبل أن يهتف ببراءة وهو يبتعد عنها بالفعل : إذا لن تأتي معي اليوم للمؤسسة لتستلمي عملك الجديد
نهضت على الفور جالسة بالفراش هاتفة : أخبرني أنك لا تمزح .
تعلقت نظراته بجسدها العار الظاهر من غلالة نومها الحريرية رغم عنه ليرفع عينيه إليها مرغما ويهز رأسه نافيا : لا أمزح إلا لو كنت أبدلت رأيك .
صاحت : بالطبع لا ، لهثت بانفعال فتوردت وجنتيها بسعادة – سأبدل ملابسي حالا.
اقترب منها يمنعها عن مغادرة الفراش وهو يهمس بصوت أجش : تقصدين سترتديها .
ضحكت بخفة : لا تكن وقحا .
رقص حاجبيه بمرح وهو يعيدها للفراش : لم أفعل شيئا بعد .
تعالت ضحكاتها وهي تحاول التحكم في كفيه لتهمس : أحمد سنتأخر .
قبل وجنتها ليهمس :لا لقد ايقظتك مبكرا قليلا لأستطيع أن أشبع منك قبل أن أذهب إلى العمل .
عبست بريبة والضيق يحتل حدقتيها لتهمس وهي تتلافى أن يلامس وجهها بشفتيه : كنت تخدعني لتوقظني فقط .
عبس بعدم فهم فرفع رأسه ليشرف عليها مرددا : اخدعك .
تمتمت بتساؤل : ألن أذهب معك ؟
رفع حاجبيه بتعجب : بلى ستفعلين ، سنذهب سويا .
اهتزت حدقتيها بعدم تصديق ليزفر وهو يستلقى بجوارها في الفراش ليغمغم : شعرت بالشوق لك فقط يا أميرة ، ولكن يبدو أن شوقي اصبح ثقيلا عليك .
فتحت فمها لتتحدث لتغلقه اكثر من مرة قبل أن تعتدل جالسة بالفراش : لم أقصد ذلك .
تنهد بقوة : بل قصدت ، لا أفهم هل ترينني وضيعا لهذه الدرجة هل سأخدعك لأحصل عليك ، ضحك هازئا – أنت زوجتي يا ميرا لا احتاج إلى اختراع حججا أو حيلا لأنالك ،
نهض ليجلس أمامها ينظر إلى عينيها : أنت ملكي .. خاصتي .. حلالي .
اخفضت رأسها : أنا آسفة .
ابتسم بعشق يتملكه ليربت على رأسها يعيد خصلاتها التي تمنع عنه رؤية وجهها إلى الخلف ليجذبها برقة إلى حضنه : لا عليك يا حبيبتي ، أنا الغبي الذي أثرت شكك بهذه الطريقة .
قبل جبينها ليهمس : هيا انهضي لترتدين ملابسك وأنا الآخر سأفعل .
تمتمت باسمه ليبتسم برقة ويقبل جبينها مره أخرى حينما نعود مساءا سنحتفل .
ابتسمت برقة وهزت رأسها موافقة وهي تنهض بحماس دب في أوردتها ليراقب حماسها بعينين مترقبتين بقلق داهمه ليهتف بصوت مختنق : فقط انتقي شيئا لا يثير غيرتي عليك .
صدحت ضحكتها لتطل بعينيها فقط من باب دورة المياه تهمس بمشاكسة تعمدتها : لا تقلق سأفعل .
قفز واقفا بسرعة لتتعالى ضحكاتها وهي تغلق الباب في وجهه فيزمجر بمشاغبة : افتحي الباب يا أميرة .
هتفت من الداخل : لا لن أفعل ، اذهب لتستحم بدورة المياه الأخرى وحينما تنتهي سأكون أنا مستعدة بدوري .
ضحك بخفة ليهتف بتوعد : حسنا سأريك حينما نعود يا أميرتي .
لم يصله رد سوى صوت المياه التي انهمرت بالداخل ليتنهد بقوة ويشد خطواته إلى دورة المياه الأخرى وهو يعد نفسه بأن كل شيء سيكون بخير .
***
تنطلق بدراجتها كالعادة ولكن هذه المرة أسرع من كل يوم ، تزيد سرعة ساقيها فتدور عجلات الدراجة بسرعة وتشق السكون المحيط حولها في هذا الوقت الباكر صباحا ، ترتطم بها ذرات الهواء الباردة فتهدأ من غليان عقلها الذي لم يهدأ طوال الليلة الماضية التي لم تذق بها طعم النوم ، وخاصة مع بقائها وحيدة ، فشقيقيها غائبين ، عادل لديه مناوبة في المشفى وأسعد لم يعد من عمله بعد ، ولم تشأ أن تهاتف نادر وتبث إليه افكارها ، بل هي أرادت الوحدة لتستطيع التفكير بعمق وتبحث عن مخرج لورطتها التي سقطت بها بغباء لم يكن يوما ضمن صفاتها .
سحبت نفسا عميقا تملئ رئتيها بنسيم الصباح العليل لتحتفظ به لثواني معدودة قبل أن تزفره بأكمله وهي تهدا من سرعة ساقيها لتبطئ الدراجة تلقائية إلى أن توقفت فتنزل من مقعدها بإحدى ساقيها وهي تثبت نفسها بالأرض قبل أن ترفع ساقها و تخفض الدراجة قليلا لتقف بجوارها ثابتة على قدميها .
__واو ، رجف جفنها وهي تستمع إلى نبرته الهادئة ليتبع بهدوء – مبهره .
التفت إليه تطبق فكيها بقوة وتضيق عينيها بشر ليتابع بمرح : الدراجة مبهرة .
استدارت موليه له ظهرها وهي تسير بجوار دراجتها دون أن تعبأ به ليتبعها بخطوات سريعة هاتفا بتفكه : ألم تكبري على ركوب الدراجات يا يمنى ، لا أفهم كيف يتركك عمو أمير تفعلين ذلك للان ؟!!
سحبت نفسا عميقا وأثرت الصمت وهي تدفع دراجتها وتسير بخطوات متلاحقة ليتابع بجدية : هوني على نفسك يا ابنة الخالة واهدئي أنا لست غريبا يعترض لك بالطريق .
أدارت رأسها لتنظر إليه من فوق كتفها : لو كنت غريبا لكنت الآن مطرحا أرضا على وجهك أثر لكمة من قبضتي تزين عينك فلا تقدر على الرؤية لمدة يومين متتالين .
ضحك بخفة ليهمس : لازلت جيدة في اللكمات إذًا .
تمتمت بسخرية : تحب أن ترى .
تعالت ضحكاته ليهمهم : لا شكرا لك ، اتبع وهو يسير إلى جوارها محافظا على معدل خطواته السريع إلى جانبها – أحب أن أرى اشياء كثيرة ولكن اللكمات ليست من ضمنها .
زمجرت بحنق : عمار ، رد بعفوية – قلب عمار اؤمريني .
توقفت خطواتها وكفيها تقبضان على مقود الدراجة بقوة ليهمس بخفوت وهو يتوقف بجانبها : تذكرين اليس كذلك؟
التفتت إليه تنظر إلى عمق عينيه مليا : أذكر كل شيء وكأنه البارحة ، فالذكريات يا ابن الخالة الشيء الوحيد الذي لا تستطيع أن توقف سيله ولا تتخلص منه ، أذكر كل شيء واتساءل عن السبب فلا أجد سببا واحدا لما فعلته .
ازدرد لعابه ببطء وهمس بخفوت : هل لديك استعداد تستمعين إلي ؟
رمشت بعينيها كثيرا : لا ، رجف فكه رغم عنه لتتابع - ليس اليوم على الأقل .
أطبق فكيه بغضب اعتلى ملامحه : لن يحدث شيئا اليوم يا يمنى ، فلا تلمحي لي أنك ستخطبين لغيري .
ابتسمت هازئة : على اساس أني سأخطب لك .
رمقها قليلا قبل أن يصرح بهدوء : لقد تقدمت فعليا لأبيك البارحة .
اهتزت حدقتيها للحظة قبل أن ترفع رأسها بكبرياء هاتفة : وما في ذلك ، هل سيزوجني أبي دون الأخذ برأيي ؟
مط شفتيه ليهمهم بمراوغة : بالطبع لا .
رفعت حاجبها وعيناها تومض بمكر : هل تتوقع أني سأقبل ؟!
رفع حدقتيه ينظر إلى عينيها بثبات : بل متأكد من كونك ستقبلين .
اتسعت ابتسامتها المتلاعبة وعيناها تومض بمشاغبة لتهمهم باستهزاء جلي : أحب ثقتك بنفسك يا دكتور .
اقترب خطوة منها ليهمهم بصوت اجش : وأنا الآخر احبها ، فهي لم تخذلني يوما .
جمدت ملامحها لتختفي لمعة عينها وهي تجيب بهدوء : ولكنك من خذلتها .
همس اسمها برجاء لتبتسم بلباقة : عمت صباحا يا أبن الخالة ، أبلغ تحياتي للعائلة .
قفزت فوق دراجتها لتعدو بخفة منطلقة أمام عينيه المنبهرة ليكتم أنفاسه بتعلق يزداد واشتياق مجنون يمتلك أوردته ليهمهم بصوت مختنق من انفعاله المكبوت : سأسرق تلك الدراجة ذات يوم لأمنعك عن العدو بها بهذه الطريقة ال.
صمت ليتبع بصوت شغوف : المبهرة .
***
تخطو بخطوات مرحة تهز رأسها بحركة خفيفة فتهتز خصلاتها المعقودة خلف رأسها في ذيل فرس ، تبتسم بحبور لازمها منذ أن استيقظت على صوته الرخيم يوقظها من عميق نومها الذي سقطت فيه البارحة وهي تحدثه ، فيهمهم إليها بعد أن أفاقت قليلا أنه سيحرص على أن يكون أول من تستمع إليه صباحا وأخر من تغفو على صوته ليلا ، توردت وهزت راسها ثانية بسعادة تملكت منها وهي تنحي عقلها قليلا عن التفكير وتترك نفسها له ، تنهدت بقوة واتجهت نحو باب الفيلا القاطنين بها و التي تقع بين فيلا عمتيها وتواجه من الخلف الفيلا الثلاثة الخاصة بعمتها أخت والدها بالرضاع ، والتي تكون هادئة في مثل هذا الوقت من الصباح فمن يسكنوها يزداد صخبهم ليلا ، وكأنهم كائنات ليلة – بالفعل - كما يسميهم العم حاتم دوما ، على عكس فيلا عمتها ليلى والتي تدب بالحياة مع شروق الشمس الأولى وفيلا ايني التي تقع في المنتصف كالعادة ، فالعم آدم وطفليه يستيقظان مبكرا معظم الأوقات على عكس ايني التي تنام إلى الظهيرة او تكون مستيقظة من الليلة الماضية ، ابتسمت وهي تبحث بعينيها عن دراجة يمنى فلا تجدها فتدرك أن الأخرى لم تعد بعد ، فتتحرك نحو صندوق البريد الخاص ببيتهما لتبحث عن ضالتها فتشع ملامحها بفرح وهي تلتقطها من الصندوق الذي أصبح مهجورا منذ زمن انقضت فيه المعاملات البريدية الورقية وأصبحت الإلكترونية تتحكم في جميع المعاملات حتى الحكومية منها ، تحركت بخطوات فرحة عائدة إلى الداخل وهي تصيح بحبور : لقد أتت المجلة ، دقت باب غرفته تدق على الباب بنغمة تعلم أنه يفضلها وهي تهتف - استيقظ يا سليم ، لقد أتت المجلة يا نجمنا الغالي .
فتح الباب ليطل من خلفه بطوله الفارع فترفع رأسها إليها وهي تتمسك بالمجلة وتضعها أمام وجهه : صورتك تنير الغلاف يا سولي.
ابتسم باتساع ليلتقط المجلة من بين كفيها وهو يردد بحزم : توقفي عن مناداتي بهذا الاسم المدلل ، فأنا كبرت .
ضحكت برقة : حسنا يا سليم باشا ، لا تغضب وتضيع فرحتي برؤية أخر جلسة تصوير حظيت بها ، وتنير صفحات مجلة النجوم .
هم بالحديث قبل أن يصدح صوته ، يقف باب الغرفة وينظر لهما بعبوس طفيف : ما هذه الجلبة على الصباح ؟!
ابتسمت حبيبة بمرح لتخطو إليه تتعلق برقبته تقبل وجنته : بونجور بّابّا .
ضمها إلى صدره ليبتسم بحنو ويقبل جبينها : بونجور يا روح بّابّا .
رفع نظره إلى من تسمر مكانه ليهمس بجدية : صباح الخير يا أبي ،
لمعت عيناه بومضة خاطفة قبل أن يهمس : صباح الخير يا سليم ، نظر إلى ابنته - لماذا تصيحين على الصباح يا حبيبة أبيك ؟!
هرعت إلى أخيها لتخطف المجلة من بين كفيه وتشير بها إلى أبيها : انظر يا بابا سليم يتصدر غلاف مجلة المجتمع ، بعد جلسة تصوير تحدث عنها الجميع حتى بالنشرة الفنية اتوا ببعض اللقطات منها ، وتحدثوا أنه أصبح الوجه الإعلاني للعطر العالمي الأعلى مبيعا للرجال .
جمدت ملامحه وهو ينظر إلى المجلة بين يديها وكأنها مرض معدي سيصيبه إذا لامسها قبل أن يرفع عينيه إلى ولده الوحيد من يحمل اسمه واسم أبيه من بعده ، سمي جده ومن أتى لا يشبه أيًا منهما بل هو مختلف اختلاف جذري عنهما ، فكلما تطلع إليه تذكر زوج عمته وأبو زوجته الراحل ، بطوله الفارع وملامحه الوسيمة الجذابة التي ورثها حفيده وكانه يبرهن له أن ما يحمله من جانبه هو اسم والده الذي اصرت زوجته على أن تسميه على اسم خالها ، تلاقت نظراته بنظرات ولده المترقبة ليساله بجدية : سعيد ؟! هل هذا ما كنت تحلم به ؟!
أشاح سليم بوجهه بعيدا قبل أن يزفر بقوة وهو يرفع رأسه عاليا والتصميم يرسم ملامحه : لم يكن هذا حلمي يا بابا ولكن هذه الأشياء تبعات حلمي ، الذي سأظل متمسك به وقاربت على الوصول له .
ابتسم بلال ساخرا : مبارك يا نجم .
اطبق فكيه وسخرية أبيه تصدح بصوته جلية فيجيب ساخرا بنفس الطريقة : بارك الله فيك يا أبا النجم .
أغمض بلال عينيه وهو يطبق فكيه بشدة فيجعل من ينظر لهما من بعيد يرى مدى تقاربهما الذي لا يراه كلا منهما ، تحرك مبتعدا دون أن يهمس بحرف ، فتتمتم حبيبة بهدوء تحاول أن تنهي هذا التوتر الذي أصبح سائدا : الصور رائعة يا سليم .
ابتسم سليم رغم عنه وهو يقابل نظراتها الفخورة فيلتقط المجلة من بين كفيها : انتظري ساريك إحدى الصور ستفضلينها أنت دونا عن البقية .
ومضت عيناها ببريق أجبره على الابتسام باتساع فاخذ يقلب الصفحات بين يديه إلى أن اتى بصورة طولية له وهو يشير إليها فتتسع عيناها انبهار وهي تهتف : وااااااااو ، أنها أكثر من رائعة .
جذبت منه المجلة وهي تصيح : أريدها يا سليم ، أريد أن تأتي بها من المصور بحجمها الكامل مجسمة .. ثلاثية الأبعاد لأضعها لك بغرفتي .
ضحك بقوة ليحيط كتفيها بذراعه ويضمها يقبل رأسها بحنو : لا تنفعلي هكذا ، فيحدث لك شيئا فيقتلني عمر من تحت رأسك ، ولا تفعلي ما تفكرين به حتى لا يقتلني بلال بك وهو مرتاح .
عبست لتصيح باندفاع : وهل يقو عمر على المساس بك ، لن يقو احدهم على المساس بك وأنا بجوارك .
قهقه سليم ضاحكا : ستمتيه كمدا يا حبيبة ، توقفي عن الدفاع عني هكذا حتى لا يشعر بالضيق ويغار مني .
أشاحت برأسها بعيدا لتهمس : لا عمر لن يشعر بالضيق أو الغيرة ، إنه عاقل سيقدر ويتفهم حبي وتعلقي الأخوي بك .
ارتفع حاجب سليم وعيناه تومض بسعادة : اووه ، هذا حديث جديد ومختلف كليا عن حديثك السابق ، لكزها بخفة – هل اقنعك الافوكاتو بصحة برهانه ؟!
ضحكت وتوردت لتهمس بمشاغبة : ماذا تنتظر منه ، بالأخير إنه محامي .
القتها بيأس مفتعل ليقهقه سليم ضاحكا وهو يضمها من كتفيها هاتفا بمشاغبة : أحب القانون ، غردت ضحكتها رغم عنها ليتابع – هل هو السبب في مزاجك الرائق اليوم بعدما كنت ضائقة ..نزقه .. حزينة الأيام الماضية .
تنهدت بقوة ولمعت عيناها برضا لتجيب بجدية : نعم .
قبل رأسها بحنو : أسعدك الله دائما يا حبيبة أخيك .
ربتت على ساعده بحنو : اللهم امين وإياك ، رفعت نظرها إليه لتتابع وهي تربت على وجنته - فقط لا أريدك أن تحزن بسبب بابا أنه يحبك ولكنه ..
صمتت لا تجد الكلمة المناسبة فيهمس بجدية وملامحه تجمد : هو فقط لا يحب أني لا أشبه لا شكلا ولا موضوعا .
حزنت عيناها قبل أن تبتسم بمشاكسة افتعلتها : هذا أفضل ، تخيل لو كنت أتيت قصيرا مثلنا لم تكن صورتك الآن موضوعة على المجلة .
ضحك بعفوية ليسالها : صحيح من أين أتيت بالمجلة ؟!
تنهدت بقوة : طلبتها عن طريق الإنترنت حينما أعلنوا عنها ، كان من الممكن أن اقتنيها إلكترونيا ولكن أنت تعلم أني أحب الأشياء الورقية ، أحب أن اشعر بملمس الورق واشم رائحته ، أشعر بأنه أكثر فخامة من فوضى الإلكترونيات التي تعبث بنا.
ابتسم بحنان : أنت قديمة الطراز يا أختاه .
هزت رأسها ايجابا : أينعم اماثلك يا شقيق ، فرقعت بأصبعها وهي تستطرد - لم أبلغ أمي بوصول المجلة ، ستغضب مني كثيرا ، فهي الأخرى تنتظرها على أحر من الجمر .
تحركت بسرعة ليهتف بها قبل أن تختفي من أمامه : انتظري يا حبيبة لا تذهبي الآن إليها .
توقفت بالفعل لتعود خطوتين فتنظر إليه من خلال باب غرفته المفتوح فيتابع بهدوء : أبي هناك الآن يشكو إليها حظه العاثر في رزقه بابن مثلي عاق .. مستهتر لا يفهم ما يفعل .
زمت شفتيها بضيق لحظي قبل أن تهمهم : لم يقل أبدا أنك لا تفهم ، ولكن الصفتان الأخيرتان قالهما أكثر من مرة .
القت كلماتها بمرح فابتسم يخفى المه لتتبع وهي تغمز بعينها تنظر إلى ساعة معصمها : ثم لقد انتهى وقت شكواه فالان يتلقى الدعم من سو زانته الأثيرة ، وهذا أنسب وقت لمقاطعتهما بدلا أن يأتيا لنا بأخ صغير يفضحانا به كما كانا سيفعلان منذ أعوام قليلة مضت .
جلجلت ضحكته ليهتف من بينها : إذًا عليك بهما يا أختاه .
أشارت له بالتحية العسكرية : لا تقلق يا شقيق فأنا بالخدمة دائما.
***
زفرت بقوة قبل أن تهتف به : أنت تتعامل معه بطريقة خاطئة ، توقف عن لومه على رفضه لطريق أنت رسمته دون أن تستشيره فيه يا بلال ، اقتربت منه لتحتضن يده القريبة منها بين كفيها – إنه يحب ما يفعل وسعيد ، فأسعد لنجاحه بدلا من محاربتك له .
رمش بعينيه ليهمهم باختناق : إنه ولدي الوحيد ، يسلك طريق لا أحبه .. لا استسيغه أنا أبغض هذا النجاح الذي يجعله نجما تتهافت عليه الفتيات .
تغضنت نظراتها بألم وهي تشعر بجرحه الذي لم يبرأ بعد كل هذا الوقت و مرور الزمن فيتمتم متابعا بقهر : لا أريده يشبهني .. لا أريده يماثلني ، كل ما أردته أن يكون بسيطا .. عاديا .. سندا ، لكنه يريد أن يكون مشعا .. براقا .. خاطفا للأبصار محطم القلوب .. معشوق الفتيات .
تنهدت بقوة : أنه ليس كذلك ، أنه ولدك يا بلال تذكر هذا دوما .
أشاح بنظراته بعيدا لتبتسم برقة : من الجيد أنك هنا لتتناول الفطور معنا فالولدين غائبين اليوم ، ويمنى لا أعلم إذا كانت عادت للآن أم لا ، سأهاتفها وأخبر أمير بتواجدك .
اشاح بكفه رافضا : لا سأعود قبل أن ينتبهوا لغيابي وحتى لا أترك سوزان تتناول الفطور بمفردها ، فحبيبة لا تتناول الطعام في الصباح الباكر تكتفي بكوب من الشاي بلبن والمقرمشات والفنان يتناول فطوره باكرا جدا والمكون من أشياء خفيفة حتى لا يضر بوزنه .
ضحكت برقة لتهتف بمشاكسة : أنت تغار من الفتى يا بلال .
رمقها بعتب وهو يهتف بضيق : لا تفعلي مثل سوزان يا ليلى لقد توقفت عن الحديث معها لأنها تستكين لأمر الغيرة هذا ولا تفهم حديثي .
تعالت ضحكاتها على ملامحه الحانقة ليضحك بدوره وكأن مرحها أنتقل إليه وخاصة حينما رمقته بطرف عينها : يا بيلي أنا أختك الكبرى لا تنكر أنك تغار منه وخاصة لأن زوجتك المصونة تدافع عنه باستماته .
تنهد بقوة : أنه اثيرها .
تمتمت برقة : وأنت حبيبها ، لا تقارن نفسك بابنكما يا بلال ، فالمرأة مهما كان عشقها لزوجها فحبها لطفلها يفوق كل شيء .
هم بالحديث ليصدح صوته الرخيم بنبراته الفخمة : لا والله ، إذًا أنت تحبين ابنيك عني ؟!!
نهض بلال واقفا وهو يبتسم بتسلية على وجه أخته الذي تخضب بحمرة قانية وهي تنظر إلى أمير الذي أتجه ليصافحه يرحب بوجوده وهي تتحاشى النظر إلى زوجها الذي هتف به : أرأيت أختك تفضل ابنيها علي بعد كل هذا العمر ؟!
ضحك بلال وهو يراقب تعابير ليلى المصدومة قبل أن تنطق بسرعة : لا والله أبدا ، أنت المفضل دوما يا أميري .
علت الدهشة ملامح بلال حينما ومضت عينا أمير بمكر فيكح بلال بحرج و يحاول التصرف بطبيعية :حسنا سأنصرف أنا يا سعادة المستشار .
شهقت ليلى بحرج ووجهها يحتقن خجلا تتمتم بكلمات سريعة وتختفي من أمامها بينما ضحك أمير ليشير إليه بالجلوس : بل أجلس وتناول الفطور معي .
تنهد بقوة وهو يستجيب : سوزان لا تعلم أني هنا .
أشار أمير برأسه : ستعلم الأن من المؤكد أن ليلى ستخبرها وهي تدعوها لتات إلينا ، ألم تحفظ أختك إلى الآن ؟!
هز رأسه بتفهم : بلى أعرف أنها تحب تجمع العائلة وتلقانا بحبور وفرح دوما .
ابتسم أمير وعشقه لزوجته يسكن عينيه قبل أن ينتبه لبلال ويسأله بجدية : هل تشاجرت اليوم أيضا مع سليم ؟
سحب بلال نفسا عميقا وهز رأسه نافيا : لا لم اتشاجر معه ، لقد توقفنا عن كل شيء ، حتى الحديث اصبح في أضيق الحدود .
ربت أمير فوق كفه : اهدئ وسينصلح الأمر بإذن الله ، فقط لتتوقفا عن العناد وسيصبح الأمر أكثر من جيد .
ابتسم بلال وتمتم : ليفعل الله ما يريد .
نهضا الإثنين بوصول سوزان التي حيت أمير بعفوية وهي تتحرك لتقف بجوار زوجها تنظر إليه بعتب فيشيح بعينيه بعيدا وحبيبة التي تتبعها تحمل صينية متوسطة الحجم عليها بعض المقرمشات وبعض من الفطائر : لقد أتينا لنفطر معكما يا عمي .
ابتسم أمير بترحيب بالغ : انرتنا بوجودك يا حبيبة الكل .
ابتسمت برقة لتتجه إلى عمتها التي احتضنتها بأمومة خالصة قبل أن تهتف : اذهبي واخبري يمنى أنكما هنا فهي عادت منذ قليل وستسعد كثيرا حينما تعلم بوجودكم .
تحركت بعفوية ثم توقفت لتنظر إلى عمتها بتساؤل لم تهمس به لتضحك ليلى : اذهبي البيت فارغ ، فابني عمتك ليسا هنا .
ابتسمت بتفهم وهي تتحرك إلى الداخل قبل أن تشير ليلى لهما :اجلسوا حينما اهاتف سليم ليأتي هو الآخر.
هتفت سوزان : اتركيه يا ليلى فهو لا يتناول الفطور
ابتسمت ليلى : بل سيأتي ويتناول فطوره حينما ادعوه أنا ، ابتسمت سوزان بمرح لتكمل ليلى - وارى إذا كان آل الألفي استيقظوا ليأتوا إلينا ، فأنا تحدثت إلى بيت إيناس واخبرتني الخادمة أن جميعهم نيام .
ابتسم أمير لها بحنان : اذهبي يا ليلتي لتوقظي الجميع لأجل الفطور لعلهم يملئون فراغ ولديك .
هزت رأسها بحماس قبل أن يتغضن جبينها بانزعاج لتهمس له وهي تقترب منه : إن لم تتوقف عن قول هذا سأغضب ،لوت شفتيها بغضب طفولي فيبتسم أمير بمكر ويهمهم لها - اغضبي وسأصالحك .
توردت قبل أن تتحرك : سأوقظ الجميع عنادًا فيك يا أمير حتى إيناس سأقلق منامها واخبرها بأن تأت إلينا .
ابتسم بحنو : افعلي ما يحلو لك يا ليلة الأمير فقط لتكوني هانئة .. راضية .. سعيدة
نظرت إليه قليلا عيناها تتأملاه بحب قبل أن تهمهم بداخلها وهي تتحرك لتفعل ما تريد : لا حرمني الله منك .
***
اغلقت الهاتف وهي تنظر أمامها بشرود لتسالها سوزان التي تحمل طبقي طعام تذهب بهما للخارج : ما بالك يا ليلى ؟
نظرت إلى سوزان لتهمس بعفوية : هاتفت إيناس على هاتفها الخاص ، فأنا نويت إيقاظها لتأتي وتفطر معنا ، صمتت فحثتها بعينيها لتتبع ليلى ووجهها يحتقن بقوة – أجابني آدم بصوت محشرج وكأني ايقظته للتو .
__ اووه ، هتفت بها سوزان والدهشة ترسم ملامحها التي توردت تلقائيا لتغمغم – هل عادا سويا ؟!
هزت ليلى كتفيها بعدم معرفة ليصدح صوت يمنى القوي : عمن تتحدثي؟
اجفلت ليلى من وجود ابنتها أمامها تتبعها حبيبة تنظر لهما بفضول لتهمهم سوزان بصوت ارادته أن يكون طبيعيا : نتحدث عن إيناس .
تمتمت حبيبة بفطنة : ظننت أنني سمعت اسم العم آدم بالحديث هل هناك ما حدث ثانية ؟!
تبادلتا النظرات لتتمتم سوزان وهي تعفي ليلى من الحرج الذي احتل نظراتها : نظنهما عادا سويا .
ارتفع حاجبي حبيبة بدهشة وعدم تصديق لتومض عينا يمنى بحيرة ظهرت مليا بصوتها : ماذا ؟ كيف ؟
هزت سوزان كتفها : لا نعرف ، تنهدت لتتبع وهي تدفع ابنتها بلطف أن تصحبها للخارج – سنعرف حينما تأتي ايني الآن .
توقف سوزان لبرهة تسال ليلى : ستأتي أليس كذلك ؟
ازدردت ليلى لعابها ببطء واتبعت سوزان وهي تهتف : بل سيأتون جميعهم .
تأخرت خطوات حبيبة وهي تنتظر ابنة عمتها التي رجفا جفناها وزمت شفتيها بتفكير خاصة حينما همهمت حبيبة : لا أفهم هل تصالحا أم ماذا ؟
أثرت يمنى الصمت لتتبع حبيبة ببراءة : هل سامحته أم أجبرها على العودة إليه ؟
تمتمت يمنى أخيرا من بين أسنانها : بل سامحته ، لا أحد يقو على اجبار ايني على شيء لا تريده .
توقفت حبيبة عن السير قبل الدخول إلى المطبخ لتهتف بعبوس : كيف سامحته ؟ ولماذا الآن ؟
توقفت يمنى بدورها لتهمهم إلى ابنة خالها : إيناس سامحت منذ زمن بعيد يا حبيبة فحبها لآدم أكثر من جرحها منه ، ولكنها لا تقو على النسيان ، تحاول التأقلم والتعايش ولكنها لا تعرف كيف تفعل ، أعتقد أنها محاولة أخيرة منها للتعايش والنسيان والتأقلم على الوضع .
نظرت إليها حبيبة لتسأل بهدوء : هل الحب يمتلك قوة خارقة كما نقرأ في الكتب يا يمنى ؟
ابتسمت يمنى بمودة لابنة خالها وهي تدلف إلى المطبخ تعد بعض الأطباق : بل هو كل القوى الخارقة يا بيبا ، اتبعت وهي تغمز بعينها – ألم تختبري قواه السحرية مع سي عمر .
توردت حبيبة وضحكت بخفة لتردد وهي تساعدها في إعداد باقي الأطباق : قواه السحرية ، أحببت التعبير يا أختاه .
هتفت يمنى بأريحية : اتركي التعبير جانبا واخبريني كيف حالك مع سيادة المحامي الوسيم ؟
ابتسمت حبيبة : بخير والحمد لله ، نظرت إليها يمنى بمكر لتهمهم – كنت ضائقة منذ أيام هل كان هو السبب ؟
صمتت حبيبة لتنظر من حولها : لم أحدث أحدا من قبل ولكني أريد أن أتحدث معك فيما بعد ، غمزت إليها بشقاوة – دوما تعجبني أرائك ، فأنت قوية .. مقدامة ولا تهابين شيئا .
ابتسمت يمنى بخفة وهي تتوقف عم تفعله لترتكن بجسدها إلى طاولة المطبخ الرخامية من خلفها : سعيدة بثقتك يا ابنة الخال .
ابتسمت حبيبة : نعم كان هناك سوء تفاهم بيننا ولكن حُل والحمد لله
ضحكت حبيبة : اتعلمين أنا بعض الأحيان أحب أن اثرثر إليك عم يجول بداخلي ، لأشعر بالراحة ، رفعت نظرها إليها وتابعت – وكم اتمنى أن تثرثري إلي أنت الأخرى بم يحدث معك .
جمدت ملامح يمنى لتهمس حبيبة : آسفة لو ازعجتك .
ابتسمت يمنى لتهمهم : لا داع للأسف أو الاعتذار يا حبيبة ، أنت كأختي .
ابتسمت حبيبة برقة : لطالما كنا مختلفتان يا يمنى ، أنت بشخصيتك القوية الجامحة وأنا برقتي وهدوئي وانطوائي .
ضحكت يمنى : لذا متفاهمتان عما كنا لو نشبه بعضنا .
هزت حبيبة رأسها بتفهم : المهم أن الأمر المزعج بيني وبين عمر حل الحمد لله وأنا اشعر بكوني اكثر راحة الآن .
تمتمت يمنى بسعادة : هذا جيد ، عمر دمث الأخلاق .. خلوق .. ومتفاهم .
ابتسمت حبيبة وهزت رأسها موافقة : نعم وأنا أشعر بالأمان معه .
اعتلت السعادة ملامح يمنى لتقترب منها تضمها من كتفيها إليها : أنت تستحقين السعادة يا بيبا .
رفعت حبيبة رأسها لتنظر إليها مليا : وأنت الأخرى يا يمنى ، أنا أشعر بالانزعاج كثيرا حينما أنظر إلى عينيك فأراهما معتمتان كالآن .
تراجعت يمنى واسبلت جفنيها لتتابع حبيبة بهدوء : ألا تريدين الحديث يا موني ؟
تنهدت يمنى بقوة : بل أحاول ولكني لا أستطيع .
ضغطت حبيبة شفتيها ببعضهما لتهمس بهدوء بعد قليل : هل إذا أخبرتك أني رأيت عمار يقبض على ساعدك بدعوة العشاء الأخيرة وهو يشتعل غضبا وغيرة من مكالمة سليم سيكون الأمر أسهل عليك ام أنا أتدخل بم لا يعنيني ؟
اجفلت ولكنها تحكمت في ملامحها بسيطرة تامة لتهمس : الأمر ليس كذلك ، إنه فقط ..
صمتت لتكمل حبيبة بهدوء : أنتما مرتبطان ؟
أثرت الصمت قليلا قبل أن تهمس : كنا ، لكن الآن ..
صمتت ثانية والكلمات تهرب منها لتهمس حبيبة بخفة : ما رأيته غير ما تحاولي إقناع نفسك به يا يمنى .
رمشت يمنى بعينيها لتهمهم حبيبة بخفوت ماكر وهي تحمل الأطباق تنوي مغادرة المطبخ : اعتقد أنك تحتاجين بعض الوقت لتقوي على النسيان والتأقلم يا موني .
ابتسمت يمنى رغم عنها وهي تراقب أنصرف حبيبة لتومض عيناها بقرار توصلت إليه أخيرا .
***
في مقصورة خاصة بمطعم خاص بالصفوة تطل على النيل يجلس مجاورا عمه أمام الرجل الذي يوازي عمه مكانه وسن ، لا يعلم إلى الآن ما السبب وراء دعوته إليه مع عمه ، لقد ظن حينما تلقى الدعوة صباحا حينما دلف إلى مكتبه من مكتب السيد عبد المعز باشا الحريري ، أنه سيكون بمفرده ، تعجب أنه حدد الموعد صباحا وأنها دعوة لتناول الفطور وفي مكان عام ولكن تعجبه زاد حينما هاتفه عمه وأخبره عن الموعد وأنه يريده برفقته ، ليتابع عمه بصوت جاد حينما جاوره عاصم في سيارة عمه الخاصة : عبد المعز باشا طلبك بالاسم ، هل هذا الأمر له علاقة بابنته؟
حينها همهم بالإجابة : لقد أخبرتني أن أباها يريد رؤيتي ولكنها كانت دعوة عشاء بالمنزل .
أطبق وائل فكيه ورمقه بطرف عينه ليتمتم بغضب : متى هذا حدث ؟
كح عاصم بخفة : البارحة يا عماه ، زارتني هي ووالدتها بمكتبي في المؤسسة .
حينها زم عمه شفتيه والتفكير يعتلي هامته ، فلم تتغير ملامحه حتى بعد أن قابلا الرجل الذي احتفى بهما بطريقة أثارت ريب عاصم ، وخاصة وهو يستمع إلى حديثه الهادئ ومناقشته مع عمه لأحوال البلاد السياسية والاقتصادية في حديث عام لا يقو على أن يستشف منه شيئا ، ابتسم الرجل برزانة ليشير بكفه لشخص ما خلفه، عبس عاصم بعدم فهم وهو يلتفت برأسه نصف لفته فيرى من القادم ، ليرفع حاجبيه متفاجئ بالشاب الذي يماثله سنا أو أكبر قليلا قبل أن يهتف عبد المعز باشا : زيد الحريري ، ابن أخي وكبير العائلة من بعدي .
نهض عاصم واقفا ليصافحه : تشرفنا يا بك .
ابتسم الشاب بجاذبية وعيناه ترمقانه بتفحص : بل الشرف لي أنا يا بك .
انحنى زيد قليلا ليصافح وائل الذي لم يحرك ساكنا ليهتف بترحاب : معالي الوزير تشرفت بحضرتك .
هتف وائل بهدوء : سعيد بمقابلتك يا زيد بك .
جاور زيد عمه فاصبح مقابلا لعاصم ليهتف عبد المعز : أنه زيد عبد العزيز زيد الحريري ، سمي جده وابكر الذكور أعتقد يماثلك يا عاصم .
ابتسم وائل وهو يرمق الشاب بطرف عينه : نعم عاصم أيضا سمي جده و كبير العائلة من بعدي .
عم الصمت فتنحنح وائل بخفة وهو يعتدل بجلسته : اؤمرني يا باشا .
ضحك عبد المعز ليهتف زيد بسلاسة : الأمر لله يا باشا ، سأدخل بالموضوع مباشرة ، حضرتك تعلم أننا كحزب نتحضر الآن للانتخابات البرلمانية ولكننا قابلنا مشكلة بسيطة ، فنحن لم نجد لنا عون في الدائرة التي يقع بها مؤسستكم ففكر عمي أنكم خير عون لنا .
عبس وائل ليهتف بتفكير : ولكن منصبي لا يسمح لي بالترشح للانتخابات .
ابتسم زيد بحرج ليكمل عمه : بل نحن نتحدث عن عاصم ، اكمل بتروي – أنت تعلم أن سيادة الرئيس يضع ثقته الكاملة في الشباب وكيف لا فهم من يماثلونه فكرا وتطورا وسنا ، والوزارة من حولك تشهد يا باشا و سيادتك من القلائل الذين يتمسك بهم .
رمقه عبد المعز بنظرة خاصة ليستطرد : نعم حوله لفيف من المستشارين ذوي الخبرة والكبار في مجالاتهم ولكن هو ينتقي الصغار المميزين أيضا في عملهم ، فهو يثق بالشباب أكثر لذا زيد من القريبين منه ،
هتف وائل : أعلم لقد تحدث معي في هذا الأمر ، حينما طلبت منه اعفائي من منصبي فأنا تعبت وأريد أن أحصل على قسط من الراحة قبل أن يتوفاني الله ولكنه لم يوافق .
همهما سويا : بعد الشر يا باشا ، أدام الله عليك الصحة والعافية .
صمت وائل قليلا ليسال بجدية : لذا اتساءل ، هل هذه رسالة مقصودة يا باشا ؟
أجاب عبد المعز سريعا : لا يا باشا ، الرئيس متمسك بسيادتك بل هو مبهور بسلاسة اداراتك للوزارة ولكننا نتحدث عن عاصم .
أكمل زيد في تناغم : فحينما طُرح اسم عاصم ، شعرت بانه يرحب به بقوة .
صمت وائل وهو يرمق الاثنين من بين رموشه ليهتف عاصم بجدية : ولكني لم أفكر يوما في الترشح أو خوض مجال السياسة ، أنا معماري لا افقه شيئا في هذه الأمور .
تمتم عبد المعز : ولكنك رجل أعمال يا عاصم بك .
همهم عاصم بحرج : ولكن لا علاقة لي بالسياسة يا باشا .
ابتسم عبد المعز بدهاء من يعرف : كل رجل أعمال بداخله سياسي يظهر في اتمام صفقات مستعصية ، إدارة أمور غير معلومة ، محاربة غير شريفة من منافسيه ، كل هذا يندرج تحت قائمة السياسة يا بني .
شعر عاصم بوطأة الضغط ليهتف وائل بعد قليل : عاصم أقرب إلى الإدارة اكثر يا باشا عن السياسة .
اقترب وهو يستند بمرفقيه على الطاولة : لذا سيكون أفضل في إدارة الأمور عن حرب شعواء تقام ضده من منافسين هو لا يعرفهم .
نظر لهما بنظرات مدركة لما بين حروف كلماتهم ثم اتبع بجدية صدحت بنبراته الخافتة : أخبر سيادة الرئيس اني كررت طلب اعفائي ليهتم به في التغييرات الوزارية الجديدة ، وأخبره أيضا أن مجال الصناعة والتجارة يحتاج لشاب يمتلك مهارة وفن معماري بنى نصف العاصمة الجديدة وعقل حكيم ومدبر لرجل أعمال يدير مؤسسة يُدار نصف اقتصاد البلد من خلالها .
همهم عبد المعز : ولكن عاصم بك سنه صغير للغاية غير أنه معماريا يا وائل باشا، أما أنت فكنت مهندسا مختصا بمجالات الصناعة .
ابتسم وائل ابتسامة جانبية ليهمس : فقط أبلغ سيادة الرئيس وهو سيتفهم رسالتي جيدا.
شحب وجه عاصم والرفض يعتلي ملامحه ليرمقه عمه بتحذير فيبتسم رغم عنه ليكمل وائل : بمناسبة الانتخابات والحزب يا زيد بك ، هل تضمون الشباب في الجامعة ؟
هتف زيد بعد أن تبادل النظرات مع عمه : بالطبع يا باشا .
تنهد وائل وهتف بأريحية : ابني يريد أن يخوض مجال السياسة ، سينضم إلى الجامعة العام المقبل أعتقد أنه سيدرس العلوم السياسية والاقتصاد ، هل يستطيع الانضمام للحزب ؟
هتف زيد بترحاب : بل لنا الشرف يا باشا ، اتبع – فقط أرسل لي أوراقه وأنا سأشرف بنفسي على انضمامه للحزب وصدور عضويته وارسالها لسيادتك .
غمغم وائل باهتمام : أنا أريده أن يخوض الأمر من أوله ليتعلمه على مهل .
هتف زيد بجدية : إذًا نبدأ بانتخابات الجامعة إلى أن يتخرج ويبدأ بالعمل في المحليات ومجالس المدن ، ليصبح نائبا فيم بعد ، سيكون حضور ووجه قوي للشباب يا باشا ، سيضيف إلى الحزب بإذن الله ، فعائلة الجمال العريقة مرحب بها في كل مكان .
ابتسم وائل وهز رأسه بتفهم ليهتف عاصم : شكرا لك .
هتف زيد وهو يدير عليه نظراته بتفحص ليهتف : بل جزيل الشكر لك يا بك ، صمت قليلا ليتابع – بالمناسبة يا عاصم بك ، زوجة عمي اخبرتني أنها زارتك هي وأسيل البارحة بالمؤسسة .
سيطر عاصم على شعوره الرافض للشاب أمامه ليبتسم بهدوء : نعم ، لقد شرفاني بزيارتهما .
ابتسم زيد من بين فكيه : بل الشرف لنا يا بك ، اتبع بعد برهة – أنت تعلم أن أسيل معمارية ، رفضت أن افتتح لها مكتبا لتمارس عملها منه وتتمسك بفكرة العمل بعيد عني وعن أبيها .
اكمل وهو ينظر إلى عمه : ألم تخبره يا عماه ؟!
هتف عبد المعز بأريحية : لا يا بني ، لم تتسنى لي الفرصة ، اتبع عمه – ثم إن أمور أسيل من اختصاصك يا زيد .
ابتسم زيد ليتحدث وهو ينظر إلى عمق عيني عاصم : أنت تعلم أنها خطيبتي ، أليس كذلك ؟
اطبق فكيه بقوة وهو يشعر بأن دلو ماء مثلج صُب فوق رأسه ولكنه تحدث بهدوء : للأسف لا أعرف .
أجاب زيد بابتسامة باردة : إنها خطيبتي رغم أن خطوبتنا ليست معلنة ولكنها لي منذ أن ولدت ، وحينما عاندت ولم توافق على العمل كما أريد اخبرتها أن تبحث عن المكان الذي تريد العمل به ، أعتقد أن المؤسسة لديكم اعجبتها
تبادل عاصم معه النظرات ليهتف ببرود : المؤسسة تتشرف بأن تعمل أسيل هانم بها يا بك .
ابتسم زيد : الشرف لنا ولكن لا ،هتفها بجدية ليتابع وهو يضغط على حروفه – لا نريد أن نثقل عليكم ، وأنا لا أريدها أن تعمل معك ،
ومضت عنيا عاصم باهتمام ليكمل الآخر وهو يتعمد اللامبالاة : فقط أريدك أن ترشح لي مهندسات معماريات متفوقات بالمجال لتتدرب أسيل على ايديهن إلى أن توافق أن افتتح لها مكتبها الخاص .
ابتسم عاصم بلباقة : بل سأمنحك توصية خاصة مني أيضا يا بك .
اتسعت ابتسامة زيد ليهتف : جزيل الشكر لك يا بك .
نهض وائل واقفا ليهتف وهو يصافح عبد المعز الذي وقف بدوره يودعه : سعيد بمقابلتك يا عبد المعز باشا ، اتبع وهو يصافح زيد – سعيد بمقابلتك يا بك .
هتف زيد بجدية : أنا الأسعد يا باشا ، اتبع وهو يصافح عاصم بقوة – تشرفت بمعرفتك يا عاصم بك .
هتف عاصم وهو يصافحه بقوة تماثل قوته : الشرف لي يا بك .
ودعهما ليسير بجوار عمه الذي همهم له وهما يدلفان إلى المصعد : أذا الفتاة مخطوبة لابن عمها .
أجاب عاصم وهو يقبض كفيه ويبسطهما : على ما يبدو هذا يا عماه .
رمقه وائل بحدة ليتابع عاصم : أنا لا أعرف هذا الأمر يا عماه ، رغم أني اعتقد أنها لا تتقبل خطوبته وهو يفرض وجوده عليها فرضا وإلا لما كانت اعجابها بي وأتت لزيارتي مع والدتها في مكتبي .
تحرك وائل بخطوات واسعة غاضبة يحاوطه طاقم الحرس ليدلف إلى السيارة فيتبعه عاصم فيهدر فيه وائل حينما انطلقت السيارة : ولكن أبيها لم يعترض على خطبته لها أمامنا .
همهم عاصم : من الممكن أنه يجبرها على تقبل ابن أخيه .
رمقه وائل بطرف عينه مزمجرا : بل الولد من يقاتل ليحصل على ابنة عمه يا عاصم ،
رد عاصم بحدة : ولكنه لا يهتم بعدم موافقتها ، وهذا يعد اجبار يا عماه .
نظر إليه وائل قليلا قبل أن يهدر بخفوت : بعض النساء تستحق الإجبار يا عاصم .
تأمله عاصم قليلا ليرفع رأسه بشموخ : وبعض الرجال لا يستطيعون فرض أنفسهم يا عماه .
لاحت الإبتسامة على شفتي عمه قبل أن يهمس بفخر: أنت ابني الذي لم انجبه حقا .
توردت أذنيه ليتابع عمه بخفوت وكأنه يسديه نصيحته : بعض الأحيان الإجبار يفيد يا عاصم ، وخاصة إن كان مغلف بمراوغة فلا تشعر بأنك تفرض نفسك
تبادل النظرات مع عمه الذي غلف الغموض ملامحه قبل أن يشيح بعيدا عنه ليهمس إليه عاصم بعد قليلا : هلا احتفظت بسر خطبة أسيل هانم يا عمي ، أرجو أن لا تخبر أحدا به .
رفع وائل حاجبه بتعجب لينظر إليه بتساؤل فيكمل عاصم بصوت محشرج : فقط أريد أن اتخلص من حديث أمي في أمر زواجي .
تمتم وائل ساخرا .. حانقا من بين أسنانه : حديث امك ؟!
تحكم عاصم بضحكته ليهمهم : نعم ، هلا اسديت لي هذه الخدمة؟
عم الصمت عليهم كثيرا قبل أن يهتف وائل بجدية : لك هذا .
ابتسم عاصم ليميل مقبلا طرف كتفه ويهتف به : شكرا يا عماه .
تهادت السيارة لتتوقف جانبا أمام مبنى المؤسسة ليهتف وائل بجدية : إذا عرض عليك الوزارة لا ترفضها يا عاصم .
اتسعت عينا عاصم ليهمهم : ولكني لا أريد .
تنهد وائل بقوة قبل أن يهدر فيه بخفوت : لا ترتدي ثوب أبيك الأن ، طوال عمرك كنت ترتدي طرف عباءة جدك ثم عباءتي ، وحان الآن أن ترتدي عباءتك الخاصة يا عاصم ، أنت وريث الجمال فكن على قدر ما ورثته ، لا تتراجع الآن ولا تدع الخوف يمتلكك .
نظر إليه عاصم بحيرة ليكمل وائل : لا تقلق لن يعرضوها عليك هذه المرة ، سينتظرون قليلا وخاصة حينما يتم التعديل الوزاري القادم وأكون أنا خارج الملعب.
تمتم عاصم : ولكن يا عماه ، لماذا؟
زفر وائل بقوة : أنا تعبت يا عاصم ، بكل مرة كنت ابتعد عنها كانت تجذبني ثانية ولكني تعبت الوزارة سرقت عمري بأكمله ، وها أنا الآن أريد أن أشعر ببعض من الراحة واجاور الحورية في أخر أيامي .
تمتم عاصم : أدام الله عليك الصحة والعافية يا عماه .
قبض وائل على كتفه ليضغط عليه بحنو : فقط استمع إلى نصيحتي لا تدع الركب يفوتك ، أنت تستحق أن تكون في أوله فلا تضيع الفرصة إذا أنت لك على طبق من الذهب .
اعتلى التفكير ملامحه ليهتف وائل : ابني الحبيب ، سيفعل كل ما يتوجب عليه فعله.
زفر عاصم بقوة : ليفعل الله ما يريد .
أومأ وائل برأسه ليهتف به حينما هم بمغادرة السيارة : أبلغ نوران تحياتي ولا تنسى موعد الليلة.
تصلب ظهر عاصم ليهمهم وهو يرتجل من السيارة : يصل يا عماه بإذن الله .
رمقه وائل بطرف عينه ليشير إليه عاصم وهو يقف بجوار السيارة قبل أن يتابعها بعينيه وهي تبتعد ليرفع رأسه ينظر إلى مبنى المؤسسة ليتنهد بقوة وهو يخطو إلى الداخل يفكر بكلمات عمه الكثيرة وهو يشعر بزخم أفكاره يتصاعد ويحاصره فلا يستطيع الفرار منه .
***
دلف إلى مكتبه تتبعه حسناء كالعادة تخبره بما تم أثناء غيابه ، تذكره بمواعيده اليوم ليباغتها هاتفا : اخبري الآنسة نوران أني أريدها .
عبست حسناء قليلا لتتمتم على الفور حينما نظر إليها بتساؤل عن سبب تلكؤها : أنها لم تأت اليوم.
أطبق فكيه بحده ليعتلي الغضب ملامحه ثم يشير بكفه لها أن تنصرف: اغلقي الباب خلفك.
احتقن وجهها لتستجيب على الفور و تغادر منفذه أمره ، استلقي بضيق فوق كرسيه و يستل هاتفه ناويا الإتصال بها لينتبه إلى تذكير وامض على شاشة هاتفه يخبره بوصول رسالة جديدة منها ، فتحها بتلقائية ليعبس و عيناه تلتقط الحروف بكلمات مختلطة بين العربية و الانجليزية مفادها أنها لن تأت اليوم فلديها ما يشغلها.
ثار جنونه و غضبه يصل للذروة ليضغط زر الإتصال فتجيبه بعد رنات كثيرة متتابعة بصوت أبح مدلل : صباح الخير يا ابن العم
زم شفتيه قبل أن ينطق بغضب نضح من نبراته : أين أنت يا هانم؟
تمتمت بهدوء : في البيت ، ألا يحق لي التغييب عن العمل يوما واحدا ؟!
هدر : لا ، لا يحق لك وخاصة في فترة التدريب .
عبست وعيناها تومض بمكر لتهمهم : غريب لقد استفسرت من شئون العاملين وأخبروني أن لي بالستة شهور الاولى سبعة أيام أجازة مستحقة مع إبداء الأسباب .
طحن ضروسه ليسأل بحنق : وما هي أسبابك إن شاء الله ؟!
لوت شفتيها لتغمغم بخبث أنثوي : كوني عروس ألا يعد سببا كافيا ؟!
لهث بغضب وصلها جيدا عبر أسلاك الأثير ليهدر بفحيح غاضب : لا ليس سببا كافيا .
كتمت ضحكتها لتهمهم ببراءة مفتعلة : اوبس ، ظننته سببا كافيا فأنا أريد التدلل والاستعداد لملاقاة العريس في الليل .
هدر بغضب اعمى عقله : إياك وملاقاته ، إياك يا نوران ستري مني ما لم تتوقعيه في خيالك .
همهمت برقة مقصودة : ما في خيالي لا تتوقعه أنت يا ابن العم ، تابعت بنبرة مغوية لم تتعمدها - أراك على خير يا عاصم .
انتفض على صوت الخط المنقطع ليلقى هاتفه فوق سطح مكتبه مغمغما بغضب تحكم بعقله : تبا لك يا نوران .. تبا لك .
***
رمقت اختها بطرف عينها لتهمس إليها وهي تحتسي القهوة : ها قد غادر الجميع بم فيهم زوجك ، فهلا أخبرتني عم حدث ؟
وضعت إيناس فنجان قهوتها بهدوء لتخفض بصرها قليلا لتتابع ليلى : لقد رجوت بلال أن لا يتحدث معك وسوزان احتوت غضبه الذي سيطر عليه حينما دلفت أنت بصحبة آدم وكأن لم يحدث شيئا بينكما من قبل وكأنك لم تنهاري أمامنا وتصرحين بأنك أصبحت لا تطقين الحياة معه وكأنك لم تتمسكين بطلب انفصالك عنه رغم حديث أمير معك ومهادنته لك كثيرا ولكنك صممت على الانفصال والطلاق .
تابعت ليلى بحدة تملكت منها رغما عنها : أعتقد أن أبسط شيء تخبرينا بم يحدث معك وتشرحي لنا مستجدات حياتك .
رجف جفني إيناس لتتمتم : لم يكن الأمر مرتبا يا ليلى ، لا أنكر أني قررت أن أعود اليه ثانية وخاصة واني لا اقوى على العيش بعيدة عنه ولكن لم ارتب أن اعود إليه البارحة ، يكون
رفعت رأسها لتهتف : بل كان بنيتي أن ات إليك واتحدث معك قبل أن أعود إليه ونتصافى ، ولكن فاجئني هو بوجوده البارحة في كواليس الحلقة وعدت إليه .
القت أخر كلماتها والحرج يعتلي هامتها ووجهها يتورد بحمرة خجل اجبرت ليلى على الابتسام قبل أن تتنهد بقوة وتهمس : وسبب الانفصال والمشاكل يا ايني هل تقبلت وجوده وستتعاملين معه بم يرضي الله أم ستتشنجين وتنطوين على نفسك وتكتئبين كالعادة .
تنفست إيناس بعمق لتهمهم : لقد اكتشفت المرة الأخيرة انه ليس بسيء كما ظننت .
ضحكت ليلى لتتحدث بعفوية : إنه قطعة من آدم سواء بملامحه أو شخصيته .
اكفهر وجه إيناس لتتنهد ليلى بقوة : ها قد عدنا لنقطة الصفر .
مسحت إيناس وجها بكفيها لتتمتم : لا أنا بخير فقط ..
ربتت ليلى على كتفها برقة : اسمعي يا إيناس ، زوجك لم يخطأ بشيء سوى أنه اخفى عنك أمر وجود طفله حينما علم ، غير ذلك لم يرتكب بحقك خطأ واحد ، وحينما اكتشفت الأمر ابدى حياتك وراحتك على نفسه وولده ، وحتى بعدما عدتما سويا أبدى راحتك على ولده ، آدم يحبك كثيرا فلا تخسريه بترددك وقساوة قلبك .
شحب وجه إيناس لتردد بعتاب احتل نظراتها : أنا قاسية القلب يا ليلى .
تنهدت ليلى بعمق : نعم ، وقبل أن تغضبين وتنطوي على نفسك وتخاصميني كعادتك ، فأنا لن اتراجع بحديثي ، ما رأيته منك في أمر آدم هو قساوة قلب لم أعرفها فيك يوما .
اتبعت ليلى بحيرة : وكأنك كنت تنتظرينه أن يخطأ ليثبت ظنك فيه بأنه ليس ما اظهره لك .
اشاحت إيناس برأسها بعيدا لتهمهم : لم أكن انتظره يخطأ يا ليلى ولكن خطأه لم يكن هينا لم أستطع تقبله .
زفرت ليلى بقوة : لقد اخطأ نعم ولكن قبل أن يرتبط بك يا ايني واخطأ حينما لم يصارحك بالأمر حينما اكتشفه ولكن كان معه حق ، فأنت حينما علمت فعلت ما توقعه وقلبت حياتكما جحيما ، إلى الآن لم تستطيعي الغفران ولا السماح .
انسابت دمعة وحيدة على وجنتها : ليس هناك أحدا لا يخطأ يا إيناس لا يوجد إنسان كامل يا ايني .
اتبعت ليلى بجدية – أنت نفسك لست كاملة .
اجابت ايني بحدة : ولكني لم أخفي عليه عيوبي ، بل أخبرته بكل شيء وصارحته عن عيوبي واخطائي قبل زواجنا هو لم يفعل .
صاحت ليلى بحنق : لأنه لم يكن يعرف ،
اكفهر وجه إيناس بقوة لتهتف : اخبريني يا ليلى إذا كان أمير من خدعك كنت ستسامحينه ببساطة هكذا .
عبست ليلى قليلا قبل أن تهمهم : ومن أخبرك أنه لم يفعل .
شحب وجه إيناس بالتدريج لتهمهم : لا أمير لم يفعلها أبدا .
ضحكت ليلى لتجيب : اساليه وسيجيبك أمير لن يكذب عليك قط .
اهتزت حدقتيها بحيرة لتتابع ليلى وهي تنظر لعمق عينيها : ولكني وزانت الأمر اتقبل الامر واسامحه لأحيا حياتي كلها في كنفه ومعه ، أم اتمسك بحقدي وغضبي وأحيا حياتي بتعاسة ؟
تنفست بعمق : اسألي نفسك يا إيناس ما نوع الحياة التي تريدين الاستمرار بها ما تبقى من عمرك ، واعلمي أنك امضيت حياتك كلها في تعاسة لأنك لم تستطيعي التغلب على غضبك وحقدك .
نهضت ليلى لتتابع : فكري جيدا يا اختاه وأنا سأتركك لأذهب وارتب المطبخ واصنع بعضا من الحلويات لأقدمها لعريس يمنى اليوم .
عبست ايني بتعجب : عريس يمنى ؟!! نهضت بدورها وتابعت - لم يخبرني أحدا عن هذا الأمر !!
ضحكت ليلى واجابتها بشقاوة : كنت لست متفرغة لنا يا ايني .
تخضبت وجنتا ايني بحمرة لتهتف بعتاب : ليلى .
ضحكت ليلى برقة لتشير إليها : تعالي وساعديني أو اذهبي لزوجك ، أم ذهب إلى عمله ؟
ضحكت ايني واتبعتها : لن أغادر دون أن تخبريني عن أمر العريس الذي لم تخبرني عنه أبنتك .
اشارت لها ليلى برأسها : حسنا تعالي معي .
***
اتجه بخطوات حازمه نحو مكتبها يمأ برأسه لكل من يقابله و يتحمد له سلامته يسألونه عن حالته الصحية و سبب ارتدائه لعلاقة ذراعه التي اجبرته امه اليوم على ارتدائها .
ابتسم بلباقة لإحدى الفتيات التي أظهرت انزعاجا مضاعفا و هي تسأله عم حدث له ليجيبها بكلمات مقتضبة، و يستأذنها متخطيا جسدها ليطرق باب مكتبها الزجاجي و يدلف إلى الداخل بأريحية : صباح الخير.
رمقته من بين رموشها فابتسم و هو يلتقط غضبها البادي على محياها لتجيبه بهدوء: صباح النور ، أتيت ؟
ابتسم و عيناه تضيء: هلا سمحت لي بالدخول ؟!
توردت بحرج : بالطبع تفضل .
أجاب و هو يستريح فوق أحد المقعدين الخاصين بمكتبها: هناك إجتماع هام يخص أحد الأجهزة لابد أن أحضره بنفسي ، اتبع بتفكه - لم أقطع الإجازة و لم أتراجع في اتفاقنا سويا.
ابتسمت رغم عنها ليكمل: فقط ارتأيت أن أمر لأسلم عليك و ابلغك شكر والدتي لأنك تحملت أعباء عملي و اعدتني للبيت جبرا و هي التي لم تقدر على اقناعي بالمكوث في البيت .
ضحكت برقة : لأجل صالحك يا دكتور.
تمتم: لذا أمي تشكرك.
ابتسمت: لا شكر على واجب يا عبد الرحمن ، كحت بحرج - هلا شربت الشاي معي ؟!
ومضت عيناه : إذا كان اخضرا سأفعل بالطبع، رمق ساعته - أمامي خمسة عشر دقيقة قبل بداية الاجتماع .
تحركت لتعد أقداح الشاي ، تسأله بهدوء لم يظهر في عينيها المعتمة بغيرة ابهجت قلبه: ماذا كانت تريد منك؟
ابتسم بخبث: من؟ رمقته بعتاب فاكمل بابتسامة رائعة - جميع العاملين و العاملات يستفسرون عن صحتي و سبب تعليق ذراعي و هي ليست استثناء عن القاعدة.
هزت رأسها بتفهم لتسأل بعفوية : و هل هناك إحداهن استثناء عن القاعدة ؟
برقت عيناه بزرقة غنية : لا أعده استثناء، و لكن أعتقد بداية لشيء مبهج يسعدني.
توردت لتقلب الاقداح و تحملهما بتروي ، تناوله قدحه فيأخذه منها بهدوء قاصدا أن لا يلامسها و لو بالخطأ فتبتسم رغما عنها لحرصه الزائد واهتمامه بحدودها : لم أضع لك السكر.
هم بممازحتها و لكنه توقف ليضحك بخفة رغما عنه فتناظره بتساؤل ، أجاب بعفوية : كنت سأجيبك بلباقة أن يكفي أنك من اعددته فلا يحتاج لسكر و لكني تذكرت حديثك السابق فالتزمت حدودي.
ابتسمت و وجهها يحتقن بخجل اطار صوابه لتجيب بعفوية دون تفكير: أنه لإطراء جيد.
ارتفعا حاجبيه بدهشة سرعان ما تغلب عليها و ثغره يلتمع بابتسامه رائقة خاصة مع احتقان وجهها بخجل أحبه.. و توله به ليفيقا سويا من تلك الغيمة التي سقطا بها على صوت طرقة قويه فوق الباب الزجاجي و صوت عادل الجهوري صادح بمرح: أنت هنا و أنا أبحث عنك ، عبس بضيق و نظر إلى عادل الذي ابتسم بعفوية - مرحبا روكا.
تمتمت و هي ترحب به : مرحبا يا دكتور تفضل.
هتف عادل و هو يلكز عبد الرحمن بكتفه السليم : لا لدينا اجتماع هام و هذا الأخ يؤخرنا، اتبع - هيا يا عبد الرحمن تحرك.
زفر عبد الرحمن و نهض واقفا ليدفعه بضيق : هيا يا أخي.
اتبع و هو يبتسم لها : سأمر عليك قبل أن أغادر بإذن الله ، اومأت برأسها ليتابع بعينين وامضه بسعادة - أريد أن أرتب معك أمور العمل.
تمتمت بخفوت: على راحتك . سأنتظرك .
همهم وهو يغادر متبعا عادل : إلى اللقاء يا آنسة رقية .
ضحكت بخفة رغما عنها لتهمهم وعيناها تومض بشقاوة : إلى اللقاء يا عبده .
تنهد بقوة وشد جسده يخطو بحزم الى جانب عادل الذي ابتسم بمكر وهو يرمقه بطرف عينه مؤثرا الصمت إلى أن اقتربا من باب أحد المعامل فيحدثه بجدية : ها نحن هنا .
زفر عبد الرحمن انفاسه كاملة : سيكون كل شيء على ما يرام ،اغمض عادل عينيه وفتحهما - بإذن الله .
***
زفر بحنق : توقفي عن الدوران حول نفسك يا بنت عيناي المتني بسببك هل طلبت مني الحضور إليك لتلفين حول نفسك بهذه الطريقة ؟!!
فركت كفيها وهتفت بتوتر : بالطبع لا يا عماه أريدك ان تخبرني كيف اتصرف ؟
ضحك وهو ينفث بعض المياه على اوراق النباتات أمامه : هل تريدين مساعدتي حقا يا فتاة ، أم تريدين دعمي لك فقط ؟
عضت شفتها لتجلس أمامه : أنا لست موافقة على رؤية العريس يا عماه .
ابتسم بمكر : أنا أعلم ، تابع بمكر – ولكني لست مقتنع بالسبب .
توردت لتهمهم بتلعثم : أنا لا أريد الزواج الآن .
رفع حاجبيه لينظر اليها بشقاوة : حقا ؟
رمقته بعتب : عماه من فضلك توقف .
وضع رشاش الزراعة الذي يستخدمه من بين كفيه ليهتف : متى ستتوقفين عن المكابرة يا ابنتي ؟
ردت بعفوية : حينما يتوقف عن الغطرسة .
صدحت ضحكته ليحتقن وجهها بقوة وتهمهم بتململ : عماه من فضلك .
أشار إليها بيده أن تقترب : تعالي ، اقتربت ليضمها بذراعه من كتفيها إلى صدره ويهمس – تريدين نصيحتي ؟
أومأت رأسها بالإيجاب فتابع : قابلي العريس .
غمغمت : ولكن ..
رمقها بتفحص لتهمهم بتلعثم : لا أريد أن اغضبه اكثر من ذلك .
تراقص المرح بعينيه : بل اغضبيه وادفعيه لأقصى حدود تعقله والنتائج ستبهرك ، تنهد بقوة واتبع – أنت حقا ابنة أبيك توقعت أن تكونين شبه فاطمة أكثر من وائل يا نور.
عبست بعدم فهم : لا أفهم
ضحك وهمس : اجذبي الخيط وارخيه يا نوران واحرصي على ألا ينقطع ، أنت ماهرة في هذا الأمر ولكن بعض الأحيان تنفلت الأمور من بين يديك ، ولكن الفترة القادمة تريدك تكونين متحكمة في زمام الأمور أكثر من ذلك .
زفرت بإحباط ليهتف بحنو : تعالي واريني ماذا سترتدين اليوم ؟
لوت شفتيها : عماه لا أريد الحضور لقد اتيت لك لتقنع أمي باني لا أريد .
اشار بيده : هذا الأمر فات أوانه الآن يا نوران ، فأنت ستحضرين وانتهى الأمر ، دعينا نحمس المباراة قليلا فقط لا تنسي أن تخبريني بالنتائج .
مطت شفتيها بتفكير وهي تسير بجواره : سأفعل .
***
لمعت عيناه بزرقة غنية حينما أنهى عادل الشرح ليعم الضوء المعمل من جديد بعد أن انتهى البث المباشر للمشروع اللذان يعملا عليه ليقف بدوره بجوار عادل ينظرا للاعين أمامهم ليسال أحد الحضور : هل حصلتما على نتائج للان ؟
همهم عادل بجدية : لازال الأمر في طي الدراسة والبحث يا سيدي لم نبدأ في التجربة للان .
صدح صوت أخر : لماذا لم تخبرانا عنه من قبل ؟!
كح عبد الرحمن بجدية : لم نشأ أن نتحدث عنه إلا حينما نرى نتيجة مبدئية تخولنا للحديث عنه .
عم الصمت قليلا قبل أن يعتدل أمير بجلسته : برايكما كيف عرفوا عنه ؟
نظرا سويا لبعضهما ليهتف عادل : لا نعرف للان كيف تسربت المعلومة لهم .
اكمل عبد الرحمن – ولا نقو على إدراك ما يريدونه من وراءه .
هتف أكبرهم مكانه بجدية : اجلسا .
استجابا على الفور ليتابع قائدهم بهدوء : من الآن وصاعدا ستعملون تحت امرتنا وإياكما وأن تتخطيا هذا الأمر للحافظ على ارواحكما اولا .
زفر بقوة واستطرد : والآن اسردا علي كل ما يخص الأمر منذ بدايته .
نظرا إلي بعضهما قبل ان يبدآ في الحديث بتناغم تحت انظار الرجل الفخورة ووجهه الجامد بلا تعبير ولكنه ينصت لهما باهتمام .
***
نظرت من حولها لتهتف بتساؤل : هل هذا سيكون مكتبي ؟
تنهد بقوة : نعم لقد أمرت بتخصيص جزء من مكتبي إليك تمكثين فيه وأنت هنا معي وبجواري ، تساءل بترقب – ألم يعجبك ؟
ابتسمت برقة : أحببته ، اتبعت وهي تتعلق برقبته – وأحببت أن أكون إلى جوارك .
تملكه الحبور وعيناه تومض بسعادة ليلف خصرها بكفيه يقربها منه : وأنا الآخر أحببت الفكرة جدا .
أخفض رأسه ليقبلها فتبتعد برأسها عنه : توقف نحن بالمؤسسة .
شاغبها بملامحه : أنها قبلة صغيرة فقط .
رمقته بعتاب : أنت لا تتوقف أبدا عند حدود القبلة ، جلجلت ضحكته لتتبع بجدية - إذا أردت أن امكث إلى جوارك عدني أن تحافظ على شكلنا لائقا أمام الأخرين .
ضمها إليه ليقبل رأسها : أعدك يا حبيبتي .
ابتسمت برقة ليهمهم أمام شفتيها : ابتسامتك مغرية يا أميرتي .
ضحكت بيأس وهي تحاول التملص من بين ذراعيه لينتفضا سويا على صوته الحانق : ألم أخبرك أن لا تضع مكتبها معك بمكتبك كفانا فضائح المنزل ؟
ضحك أحمد بقوة لتكتم هي ضحكتها في صدره ليهتف عمر الذي دلف متبعا عاصم : من هي ؟
احتقنتا اذنيها بقوة فتمسكت بصدره أكثر فيغمغم عمر بدهشة متسائلا : أميرة ؟
عبس بوجهه لهما وأشار إليهما بالمغادرة فابتسم عاصم ليدفع عمر إلى الخروج ثانية ويتبعه : تعال إلى مكتبي هناك بعض الأشياء نريد مناقشتها معك .
ضمها إلى صدره اكثر : لن أتأخر عليكما .
همهمت باسمه في خجل طغى على حواسها ليقبل رأسها : لا داعي للحرج أنه عاصم وعمر ، كثيرا ما ضبطانا متلبسين .
لكزته في صدره بعتاب : لقد وعدتني .
غمغم بمرح : أمام الآخرين وعاصم وعمر لا يعدا آخرين .
هزت رأسها بلا امل ليضحك بخفة ويقبل وجنتها : حسنا سأتماسك في المرات القادمة ، هيا انظري إلى الأشياء التي أعطاها إليك عاصم إلى أن أذهب وأرى ما يريداني به .
ابتسمت برقة ليشير إليها بأصابعه وهو يغادر المكتب لترمق مغادرته باهتمام وتركيز لتبتلع غصتها بقوة قبل أن تتحرك وتذهب إلى المكتب الصغير الموضوع بطرف غرفته والموضوع بمنتصفه جهاز لوحي منحه إليها عاصم عليه بعض التصميمات التي يريد منها انهاءها فنيا .
سحبت نفسا عميقا وسحبت الجهاز اللوحي لتتحرك وتجلس فوق الأريكة الموضوعة بصدر مكتبه لتجلس فوقها برقي تضع ساقا فوق أخرى وهي تتمسك بقلم الكتروني ولوح رسم وهي تنظر إلى تصميمات عاصم لتبدأ رويدا في الانغماس بالتصميمات ناسية العالم من حولها .
***
__ استاذة يمنى هلا سمحت ومنحتني من وقتك قليلا .
رفعت رأسها تنظر إليه من فوق شاشة حاسوبها المحمول لتهمس بجدية : تفضل يا أستاذ فراس .
ابتسم بتوتر وهو ينظر إلى عينيها القاتمتين ليهمس : لا أريد ا أن اعطلك عن عملك .
ابتسمت بعملية : لا أبدا ، اشارت له بكفها – تفضل .
تحرك ليجلس فوق الكرسي المجاور لمكتبها ليهمهم : فقط أردت أن أخبرك عن أمر موعد زيارتي لكم اليوم .
رفعت حاجبها بتساؤل لتهمس ساخرة : هل توقعت أني لن أعرف سوى حينما تخبرني يا أستاذ فراس ؟
اتبعت بحدة تعمدتها : أنا لا أفهم كيف تجرؤ على القيام بهذه الخطوة دون أن تسألني عن رأيي ؟
اكملت بغضب استعر بعينيها : أنها ليست المرة الأولى التي تتصرف دون أن تخبرني ، المرة الماضية والدتك تحدثت إلى أمي وألمحت لها عن رغبتك التي لم تلق قبولا مني ولا مرة
أجاب بتلعثم : ولكنك لم تبدين نفورا أيضا.
زفرت بقوة : لم أشأ احراجك ، في كل مرة كنت أرفض بطريقة لائقة ، اهمس اليك بأسلوب مهذب أني لا أريد الزواج الآن ، لم اعترض على شخصك يوما ولكن أعترض على الفكرة في حد ذاتها ولكنك لم تستمع ولا مرة .
اربد وجهه غضبا لتهتف هي بعنفوان : أتذكر تلك المرة التي المحت لي أنك تريد مهاتفة والدي بماذا أجبتك يومها ؟
رجف جفنه ليهمهم : بأنه منشغل .
اكملت له بجدية : ورفضت أن أمنحك رقم هاتفه وابلغتك أن لا جدوى من الإتصال به .
ازدرد لعابه بصعوبة : هل هذا معناه أي شيء آخر لديك سوى أني رافضة للأمر ؟!
اعتلى الحرج هامته ليغمغم بخفوت : ظننتك فقط محرجة .
اتسعت عيناها بغضب عاصف لتهتف : محرجة ، اتبعت بحدة – إذًا حتى لا تفسر حديثي بمعنى أخر يروق لسيادتك ، أنا لا أريد الزواج يا أستاذ فراس فلا داع لزيارتكم لنا اليوم ، إذا أردت أعتذر لأبي عن الزيارة أو لا تتعب نفسك وأنا سأبلغه.
تمتم : ولكن ماما .
ركنت وجهها على كفها المستند على مرفقها الموضوع فوق مقعد كرسيها لتسأل هازئة : ما بها والدة سيادتك ؟
تمتم بجدية : كيف سأخبرها أني لغيت الزيارة ؟
رفعت حاجبيها بدهشة لتهدر فيه بخفوت : هذه مشكلتك يا أستاذ فراس ، هم بالحديث لتقاطعه بشموخ – من فضلك لدي عمل أريد انجازه .
عبس بغضب لم تهتم به وهي تعود إلى عملها لا تابه بوجوده ليندفع مغادرا بعد أن همهم بتوعد : حسنا يا أستاذه على راحتك .
زفرت بقوة لترمي نظارتها على المكتب أمامها بعد أن تأكدت من انصرافه لتستل هاتفها تبعث لأبيها برساله قصيرة تدعوه فيها على الغذاء اليوم بعيدا عن البيت .
***
ترغي وتزبد وهو يراقبها من بين رموشه وابتسامة هادئة تزين ثغره لتهتف بحنق حينما التفتت إليه : لا تضحك يا أمير .
انفجر ضاحكا رغما عنه لتصيح بغضب : طبعا وما يهمك أنت من غضبي واستيائي ، فجُل اهتمامك هو راحة ابنتك ورضاها ، وليلى تحترق من الغضب لا يهم .
هتف باسمها وهو يرمقها بعتب : هكذا إذًا ، أنا لا أهتم بك ولا بغضبك .
زفرت بحنق : إذًا فسر لي ما حدث اليوم يا أمير ، لتهاتفني منتصف اليوم تخبرني أنك لن تعود أنت وابنتك على الغذاء ثم تخبرني حينما تعودان أن زيارة العريس وعائلته لاغية دون ابداء أسباب .
ابتسم وهمس : دعك من الأسباب ، لنفترض أن الزيارة تمت وابنتك رفضته فيم بعد هل سنجبرها ؟
صاحت بغضب : لا لن نجبرها ولكنها كانت محاولة لحثها على الزواج ، من الممكن أنها حينما تقابله تعجب به .
رفع حاجبيه بتعجب : أنه يعمل معها يا ليلى ، لو اعجابها لكانت أتت به الينا .
زفرت بحنق : لن يعجبها أحدا ، ابنتك هذه لا يعجبها عجب العجاب .
ضحك بخفة واسبل جفنيه لتنظر إليه بتفحص : ما معنى هذه الإبتسامة ؟
جلجلت ضحكته ليشير إليها أن تجلس إلى جواره لتشيح برأسها وتذهب لتجلس على الأريكة المجاورة بعيدة عنه فيرفع حاجبيه بتعجب قبل أن ينهض ليجلس إلى جوارها : لا يهم أتي أنا يا ليلتي ، أشاحت برأسها بعيدا ليغمغم : سأصالحك يا حبيبتي فأنا لا أقوى على اغضابك .
زمت شفتيها بطفولية لتهمس : أخبرني سبب ابتسامتك وسعادتك التي لا أرى لها سببا .
ومضت عيناه بمكر ليهمهم : بشرط أن لا تتحدثي مع يمنى ولا أيا من الولدين في هذا الامر ، سيظل سرا بيننا .
ومضت عيناها باهتمام : في بئر يا أمير .
رمقها قليلا لتهمس بوعد : لن أفعل أبدا .
ضمها من كتفيها إليه ليقبل رأسها : أولا كنت سأرفض فراس هذا لأنه كان بشكل ما يجبر ابنتك على الخطبة ، فيمنى حدثتني أنه لم يخبرها عن مقابلة والدته لك ولا لمهاتفته لي ، وأنها رفضت تقربه أكثر من مرة ولكنه لم يقتنع بقول لا .
عبست بغضب : هل هو بهذا الحمق ؟! هز كتفيه ليهمس بلا مبالاة ليتابع – صراحة كنت انتظرها ان تلمح برفضها له لأني أريدها لشخص آخر تقدم لها أيضا ولكني أميل له أكثر .
اتسعت عيناها بصدمة : عريس آخر .
ابتسم بمرح : متأكد أنه سيروق لك .
سالت بفضول : من هو ؟
تنهد بقوة : سأخبرك ولكن الأمر شائك قليلا فحدسي بم يحدث بينهما مشوش وهناك حلقة مفرغة لم أصل إليها بعد.
رمشت بعينيها قليلا : هل تقصد عمار يا أمير ؟
جمدت ملامحه ليسالها : هل هناك شيء لا أعرفه ؟
تنهدت بقوة لتشير برأسها نافية : إنه ليس شيء ملموس ولكنه إحساسي الخاص بابنتي .
عبس بتساؤل ابتسمت بحزن لتبوح : يمنى كانت معلقه به من صغرها يا أمير لا تخبرني أنك لم تلاحظ الأمر .
أطبق فكيه وعيناه تغرق بقتامة لتتابع بهدوء : ولا تخبرني أيضا أنك لم تلاحظ تغير ابنتك الكلي بعد سفره .
زفر بقوة : هذا هو الأمر المفقود بالنسبة لي .
عبست بتردد : لا أفهم .
همس بخفوت وعيناه تلمع بتفكير عميق : سأخبرك .
***
زفر انفاسه كاملة قبل أن يضغط جرس الباب منتظرا أن يفتح له باب قصر جده ، قصر آل الجمال الذي باٍق على عهده منذ أن وعى عليه ، لقد حضر ، حضر رغم عنه ولكن بناء على رغبة عمه الذي طلب منه الحضور ، عمه الذي لا يقو على رفض طلبه ، حضر منحيا كل مشاعره ، واضعا كل أوجاعه جانبا ، ومتحفظ على قلبه في صندوق حديد معتم حتى لا ينتفض ولا يتأثر ، حضر ليرى العريس القادم لطلب يد حبيبته ، ابنة عمه التي لم يتمنى غيرها منذ الصغر ، وعمه الذي اخبره ببساطة أنه يريد تزويجها !!
حضر متأخرا عن الموعد متعمدا القدوم بعد أخر لا يعرفه ولكنه تأكد من وصوله لوجود السيارة الغريبة مصفوفة مكان سيارته ، وكأن أبسط الأشياء تخبره بأن من يجلس بالداخل سيسرق مكانه وحلمه وزوجته !!
تصلب جسده لا إراديا وهو يدلف الى الصالون الفخم بعد أن جذبته الأضواء وصوت عمه الذي يتحدث بجدية في نقاش ما عن ازدهار الصناعة الآن ، ويتحدث معه اثنان آخران فيهما صوت لشاب توقع أنه المنشود .
دلف بعنجهية ورثها بالإجبار ليهتف بالتحية فينهض الضيوف مرحبين به حتى عمه نهض لأجل أن يصافحه ويرحب بوجوده وهو يرمقه بنظرات لم يتعمق بمغزاها ، صافح الرجل الأكبر سنا والذي توقع أنه أبو العريس ليرفع رأسه في تحدي تملكه لهذا الذي يفوقه طولا ، بهت وهو يتطلع إلى وسامته وملامحه الجذابة ، ابتسم بفتور ومنحه ترحيب سريع قبل أن يذهب ليجلس في صدارة الغرفة بالكرسي المنفرد بجانب عمه ، بعد أن أومأ برأسه للسيدة التي حضرت مع ابنها وفاطمة التي رحبت به بحضن أمومي وكأنها تسانده .
كح بخفة ليسأل عمه : أين أدهم يا عماه ؟
همهم وائل بخفوت : ذهب ليدعو نوران فهي تأخرت بالنزول .
بلل شفتيه وهو يهز رأسه بتفهم ليهتف عمه بفخر : عاصم ابن أخي وبمثابة ابني البكري ومن يدير أعمال العائلة الآن ،
هتف الرجل : غني عن التعريف يا سعادة الوزير ، الباشمهندس عاصم قامة معروفة في عالم رجال الأعمال .
ابتسم بلباقة : تشرفنا يا بك ، أشار الرجل إلى ولده – حسين الخشاب يعمل بالسلك الدبلوماسي وسيسافر خلال السنة القادمة لسفارتنا بكندا ،
اتبع وهو يرمق وائل بمودة : نتمنى أن يلاقي قبول ليصحب درتكم الغالية معه .
تجهم وائل رغم عنه ليطبق عاصم فكيه ويقبض كفيه بقوة لتجيب فاطمة برقة : لا تتعجل الأمور يا جمال ، ودعها تمر بتروي ، أكملت وهي تلطف الاجواء التي اصبحت ملبدة بغيوم كثيرة – فسعادته مرتبط بنوران كثيرا وأنت الآن تمنحه فرصة ذهبية للرفض بعد تصريحك بأنها ستتركه وترحل إذا وافق على الزيجة .
هتف الشاب حينها : سعادة الوزير يؤشر فقط ونحن ننفذ يا هانم ، إذا أراد أن أترك السفر واجلس هنا سأفعل ، فقط نريد ارضاء سعادته .
ابتسم وائل بمكر ليهتف عاصم ساخرا رغم عنه : ستترك عملك لأجل ارضاء سعادة الوزير
ضحك الآخر بخفة وأجاب بدبلوماسية : فقط ليمنحني درته الغالية سأفعل له ما يريد.
انتفض جسده رغم عنه ليفيق من رغبته الدامية في لكم المستفز الجالس أمامه على قبضة عمه التي أطبقت على ساعده فينبهه للعنف الذي تجسد على وجهه ، ويحدثه بعينيه أن يهدأ وتساؤلاته تتشكل جليا بعينيه فيزفر بقوة وهو يشيح بعينيه بعيدا عن عمه ، ليختفي التوتر ويتبدد كل شيء من حوله حينما طلت من الباب تبتسم برقة وتهمس بصوت ابح : مساء الخير .
شعر بأنفاسه تكتم وهو يتطلع إليها بفستان بلون وردي باهت ، محتشم للغاية يصل لما بعد ركبتيها ، تنورته متوسطة الضيق مزموم عند خصرها فيظهر صغره ومزين بحزام من الجلد البني فيضفي عليه أناقة لا تحتاجها ، مغلق إلى عظمتي ترقوتها وبأكمام تصل إلى منتصفي ساعديها ، بسيط .. جميل .. أنيق وغير مبهرج زينتها هادئة حتى كحل عينيها وضعته بلمسة رقيقه فأضفى غموضا ساحرا على نظراتها ، ابتسم وهو يشعر برغبتها بأن لا تريد لفت الأنظار لها ، ولكنها فشلت فشل ذريع فرغم بساطة ردائها .. وخفة زينتها .. وانسدال شعرها الذي تركته منسابا حرا طليقا كروحها كانت الأجمل في ناظريه ، فتعلقت عيناه بها رغم عنه ليراقبها وهي تصافح والدة الشاب ثم والده ليرتجف جفنيه وهو ينظر إلى كفها التي وضعت في كف الآخر الذي ابتسم ولهاً وعيناه تومض ببريق من سقط منجذبا في سحر جمالها الأنيق .
تمتم بحدة رغم عنه : مرحبا يا ابنة العم .
التفتت إليه بدهشة افتعلتها لتهمهم بصوت أبح وهي تخطو نحوه : مرحبا يا عاصم .
مد كفه لها فصافحته ليجذبها بخفة نحوه ، يقبل وجنتها تحت نظراتها المندهشة الغير مصدقة لما يفعله متمتا بخفوت شديد بجانب أذنيها : لديك خمس دقائق وتنصرفين من المكان بأكمله ، اتبع وهو ينظر لعينيها – من الأفضل لك ألا تعاندين .
توترت حدقتيها لتصمت وتبتعد عنه وصدرها يلهث بقوة لينتبه هو على عيني زوجه عمه المتسعة بصدمة ، فيرمق عمه بنظرة خاطفة ليجده ينظر إليه بتفحص متعجب، انتبه من افكاره على صوت فاطمة التي هتفت : اجلسي يا حبيبتي .
نظرت من حولها تبحث عن مكان تجلس فيه ليهدر هو حينما همت بالجلوس إلى جانب الآخر : تعالي مكاني يا نوران .
اخفت فاطمة ضحكتها بشق الأنفس لتستجيب هي على الفور دون أن تفكر مرتين ليجاور هو الآخر الذي جذبه وائل في حديث عن عمله .. سفره .. حياته في نوع من التعارف لتسأل والدته بعد ثرثرة ولدها عن نفسه ، اخبرينا يا نوران ، هل تعملين ؟
رمشت بعينها لتهمهم : نعم ، أنا أعمل بالمؤسسة مدير تسويقي .
هتف الآخر : مذهل ، أنت خريجة كلية الاقتصاد .
اجابت دون أن تنظر إليه فابتسم بجذل على حيائها ولم يدرك أنها ارتعدت خوفا من ابن عمها المجاور له والذي يرسل إليها بنظرات تحذيرية تشتت عقلها فتهمس : بل إدارة الأعمال .
هتف بتلقائية : جميل .
أطبق عاصم فكيه وأشار اليها بعينيه فزمت شفتيها بحرج وتوترت لتهمس حينما ضيق إليها عينيه بتهديد فتنتفض واقفة : بعد اذنكم .
خطت إلى الخارج بخطوات متعثرة .. سريعة لتتسع ابتسامة الغبي المجاور له لتنطق والدته بفخر : بسم الله ما شاء الله يا فاطمة ، بارك الله فيها لقد خجلت من حسين .
رفعت فاطمة حاجبيها ورددت بعدم فهم : خجلت ؟!
أجاب عمه وابتسامته تتسع : بالطبع يا هانم ، ليكمل ساخرا – إنها لا تعتاد الغرب بسهولة .
تحاشى النظر إلى عمه حتى لا ينفجر ضاحكا ليتحكم في نبراته قبل أن ينهض واقفا ويهتف : بعد اذنكم ساجري مكالمة هامة تخص العمل .
رمقه عمه بنظرة متفحصة قبل أن يشير برأسه في تفهم فيندفع مغادرا الغرفة من خلفها تحرك بخطوات واثقة .. متيقنة .. عالمة بمكان وجودها فيقف أمامها منتظرا أن ترفع رأسها لتواجهه ، هتفت بصوت مختنق : ماذا تريد ؟
أجاب بلا مبالاة : لا شيء .
تمتمت بتبعثر وهي تتحاشى النظر إليه : لماذا أجبرتني على المغادرة اذا ؟
رمقها من بين رموشه : ولماذا أنت استجبت لرغبتي ؟
اقتربت منه خطوتين لتسال بتورد داعب وجنتيها : ماذا تريد يا عاصم ؟
__ ارفضيه . القاها بجدية .. قاطعة .. حازمة ، فترتجف أمام نظراته المتسلطة لتسأل بتبعثر – لماذا ؟! هل ستترك ابنة عبد المعز الحريري أنت الآخر ؟
أطبق فكيه لينطق بجبروت : لا شأن لك بي .
تمتمت بعنفوان : وأنت الآخر لا ..
صمتت امام حدقتيه اللتين اشتعلتا بلهيب حارق لتشيح بعينيها بعيدا عنه قبل أن تهمس بخفوت : لا تكن ظالم يا عاصم .
ابتسم بألم : إنها أدوار متبادلة يا ابنة عمي .
حركت كتفها بدلال لم تتعمده : أخبرني بسبب واحد يجعلني ارفضه .
اجاب بجمود : دون أسباب .. دون مبررات .. اطيعي ونفذي .
رفت نظرها إليه لتهتف بقهر : وأنت ؟!
اقترب منها بكبرياء : سأفعل كل ما يحلو لي لا تضعي رأسك برأسي يا نوران .
ترقرقت الدموع بعينيها ليشيح بنظره بعيدا قبل أن يتحرك عائدا للداخل فيتوقف بعد أن ابتعد عنها قليلا ليؤمرها بعنجهية : لا تعودي ثانية ، اختفي بغرفتك .
عضت شفتها بقهر وملامحها تتشكل بألم انقشع وتبدد على مهل وهي تراقب خطواته الحازمة المبتعدة لتلمع عينيها بوميض ماكر وابتسامة متلاعبة منتصرة تشق ثغرها تكاد تقفز فرحا ولكنها تمسكت بهدوئها وهي تتحرك عائدة إلى القصر من جديد تنفذ أمره بصدر رحب وابتسامتها ترسم انتصارها المتألق بعينيها .
***
عاد إلى الداخل يزفر أنفاسه كاملة ليتناهى صوت عريس الغفلة الصادح بمرح : هلا قرأنا الفاتحة يا عماه؟
عبس تلقائيا وشد خطواته بحزم نحو الغرفة مرهفا سمعه لرد عمه على اقتراح الأخ المتعجل كما يبدو ليصمت وائل فتجيب فاطمه بلباقة: و لكن نوران لم تبلغنا برأيها يا حسين، أترك لها بعض من الوقت تفكر فيه
تمتم بمرح و عيناه تنبض بسعادة: أليس السكوت علامة الرضا يا هانم كما يقولون؟
هتف ببرود وهو يعاود الجلوس على الكرسي بجوار عمه يضع ساقا فوق أخرى : أو علامة رفض.
عم الذهول على وجه الآخرين ليخفي عمه ابتسامته الماكرة فيتابع بهدوء ولا مبالاة : لا أريد مضايقتك ولا إحراج سيادة السفير فانتم ذو مكانة خاصة لدينا يكفي قرابتكم لزوجة عمي ، فعائلة الخشاب مرحب بها ومكانتها فوق رؤوسنا ، صمت قليلا ليحصل على انتباههم الكامل قبل أن يكمل - ولكن هناك تفصيله بسيطة تناستها تامي على ما يبدو ، فهي لتربيتها ونشأتها الأجنبية ليست ملمة بكل التفاصيل .
تبادلوا الأنظار ليرتفعا حاجبي فاطمة بتعجب وتنظر إلى زوجها الذي اشار إليها بعينيه أن تنتظر فتمتم حسين بجدية : وما هي ؟!
ابتسم عاصم بخبث ليجيبه بجبروت : بنات العائلة لا يتزوجن من خارج العائلة .
تبادل الآخرين النظرات بدهشة قبل أن ينظر جمال إلى فاطمة - التي اعتلت الصدمة ملامحها- بتساؤل ، ليعتدل حسين في جلسته ويهتف بجدية : ولكن اعتقد أن عمة سيادتك متزوجة من الفنان مالك عابد وهو ليس من العائلة .
هز عاصم رأسه إيجابا ليهتف بتفكه : معك حق ، هذا كان في الماضي الآن الفتيات لا تتزوج من خارج ابناء عمومتها .. ابناء خالتها .. ابناء خالة ابناء عمومتها هكذا .
صمت قليلا ليتبع وهو ينظر إلى عمق عيني من يواجه : لذا للأسف لن نستطيع الموافقة على طلبك .
ومضت عينا الشاب الآخر بغضب ليهتف : ما هذا الهراء ؟! هل تمزح معي ؟!
رفع عاصم حاجبه بتحدي وملامحه تشي بجدية حديثه ليتابع الآخر بغضب : هلا أخذت رأي نوران يا عمتي ؟
__ عمتك ، القاها عاصم بتفكه لتومض عينا فاطمة بتحذير تجاهله ليتابع بجدية - لا رأي يعلو فوق رأيي يا بك ، أنا كبير العائلة ومن يقر قوانينها الآن .
التفت حسين إلى أبيه الذي نظر إلى وائل : هل توافق على هذا الحديث يا سيادة الوزير ؟
اسبل عاصم جفنيه وابتسامة واثقة تتشكل فوق ثغره ليرفع وائل رأسه بعنجهية بعد ثوان : لا أقوى على كسر كلمة ولدي يا باشا ، اتبع بجدية – أنا اعتذر منك .
التمعت الابتسامة فوق ثغر عاصم لينهض الرجل الكبير وزوجته فيتبعهما ابنهما على الفور مغادرين ، لتنظر فاطمة بغضب لوائل وعاصم قبل أن تتبعهم مبررة ومعتذرة : المعذرة يا جمال ، أرجوك لا تؤاخذني أنا اعتذر منك .
هدر الرجل بغضب : أنا غاضب يا ابنة عمي ، لم اتوقع ما حدث ، ابن أخو زوجك اهاننا في بيتكم .
هتفت فاطمة : لا هو لا يقصد اهانتكم هو فقط ..
اشاح بيده : ليس هناك مبررا لما فعله يا فاطمة .
تمتمت : أنا اعتذر منك ، لا تؤاخذني ..
اشار بيده : اعتذارك لا يفيد ..
القاها وشد خطواته لينصرف فتتبع زوجته تحاول أن تعتذر منها ومن الولد الذي اندفع بغضب مستقلا سيارته لتحنو رأسها عائدة إلى الداخل تغلي غضبا لتصيح بعنفوان : هل جننت يا عاصم ؟! كيف جرؤت على اهانة ابن عمي هكذا وطرده من البيت ؟!
تمتم عاصم بكبر : لم اقصد إهانة ابن عمك يا تامي ولكن ولده لم يعجبني ، لم احب تعجله وشعوره بأننا لن نقوي على رفضه .
اطبقت فكيها لتهدر بصوت عال : فتطرده هو وعائلته من ضيافتنا .
نهض واقفا ليرفع رأسه بجبروت ذكرها بعمه : لا فتيات لدينا للزواج يا فاطمة ،
اتسعت عينا فاطمة لتصيح فيه : هل ستتحكم بابنتي وأنا على قيد الحياة وأبيها يجلس أمامك ؟
ومضت عيناه بغضب حارق : أنا اتحكم بكل شيء هل توقف الأمر على ابنتك ، أليس هذا ما أردته منذ صغري وطلبته مني أن اقوم برعاية العائلة والمحافظة عليها، التفت لعمه وهدر – أليس هذا ما خلقت لأجله ، أن أكون الكبير ، ها أنا اصبحت الكبير الحاكم الآمر في العائلة ، لماذا تبدين مندهشة مما فعلت ؟!
صاحت فاطمة بتحدي : حينما يكون الأمر منوط بالأعمال فلتفعل ما شئت ولكن إلى حدود عائلتي لن تتحكم بشيء دون رغبة صاحبه يا عاصم .
رمقها من بين رموشه ليهدر بشموخ : بل سأتحكم بكل شيء ، ومضت عيناها بغضب ليزفر بقوة قبل أن يشير اليها بكفه : حسنا لا داع لغضبك يا زوجة عمي ، ولتدعي ابنتك وإذا أخبرتك أنها موافقة على قريبك سأنسحب بهدوء دون رجعة بل سأذهب بنفسي واعتذر لهم .
لهثت فاطمة بغضب وهي تنظر إليه بعتاب فيردد : هيا ناديها واساليها يا تامي وما ستتفوه به نوران سأوافق عليه وأنا مغمض العينين .
هدرت فاطمة وهي تستل هاتفها وتتصل بابنتها : تعالي يا نور حالا .
قبض كفيه وهو يشعر بجسده ينتصب توترا إلى أن طلت عليهم من جديد تنظر من حولها فتعبس بتساؤل عن الضيوف اللذين غادروا قبل أن تهدر بها فاطمة : أخبريني يا نور الآن ، هل لاقى حسين قبولا لديك أم لا ؟!
اجفلت نوران من شراسة ملامح والدتها لتنظر إلى ابيها المراقب للوضع عن كثب وعاصم الذي ينظر بعيدا عنها لتهمس : ما بالك يا أماه ؟! ماذا حدث ؟!
هدرت فاطمة بقلة صبر : فقط أخبريني هل الفتى لاقى اعجابك أم لا ؟! هل توافقي على خطبته لك ؟!
عم الصمت قليلا لتسحب نوران نفسا عميقا وترفع عينيها تنظر إليه غير عابئة بإشاحة عينيه بعيدا عنها : لا ، لا أوافق .
هل زفر أنفاسه الذي كتمها في انتظار اجابتها ، هل يشعر بارتخاء في أطرافه التي تصلبت في انتظار اجابتها ، هل يخفق قلبه بجنون لأجل تلك الكلمة التي احيته .. اسعدته .. ابهجت مشاعره ؟! لا يعرف كل ما يعرفه أن عيناه تعلقت بها وابتسامته تتشكل على ثغره ليومض الانتصار بعينيه قبل أن يرفع نظره الى فاطمة التي زمجرت بغضب واندفعت مغادرة الغرفة ليهتف وائل أخيرا: اتبعي امك يا نوران .
استجابت لأمر والدها طوعا لينهض وائل واقفا فيستدير إلى عمه تلقائيا يهم بالاعتذار ليقابل نظراته الغاضبة فيتوقف اعتذاره بحلقه ليهدر فيه وائل بفحيح غاضب : غادر .
تصلب فكه ليردد وائل : غادر دون حديث يا عاصم فالحديث غير مجدي الآن .
أومأ براسه في طاعة ليقترب منه خطوتين يقبل طرف كتفه : المعذرة يا عماه .
اغمض وائل عينيه متمسكا بصلابته وجموده فلا يربت على رأسه كما يفعل معه دوما ليردد بنبرة غاضبة : انصرف .
احنى رأسه بطاعة ليتحرك الى الخارج ليتابعه بعينيه قبل أن يبتسم رغما عنه وعيناه تومض بفخر وإعجاب لابن اخيه الأقرب إليه وإلى قلبه .
***
نظرت إليه بدهشة و هو يقف أمام طاولة المطبخ الخارجي يعد شيئا لم تدركه و هو الذي لم يفعلها من قبل . لتنظر من حولها باحثة عن أي من زملائها العاملين و لكنها وجدت المطبخ فارغ إلا منهما . فالآخرين مشغولون بإعداد عشاء فخم يليق بزائرين اليوم ، رمشت بعينيها وهي تنظر إليه في ملابسه الرسمية ، سترته الرمادية بلونها الباهت وقميصه الأزرق بلون السماء الصافية ، وبنطلون كحلي غامق يقارب الأسود ضيق ملتصق بساقيه ويظهر هشاشة خصره مع صدره العريض الملتصق بقميصه ، توردت وهمت بالخروج لترتفع رأسه في نفس اللحظة ليبتسم لها هاتفا باسمها في دهشة متبعا : تعالي ، لماذا تقفين عندك هكذا ؟!
ابتسمت بتوتر : لا شيء فقط لم أجد احدا هنا فكنت عائدة إلى المطبخ .
نظر من حوله وردد بتفكه : لا أحد هنا ، لماذا هل أنا خيال أم شبح ؟
ابتسمت بخجل : لم اقصد يا سيدي ، قصدت أحد العاملين ، فانا كنت أبحث عن أحد العاملين .
تحرك وهو يحمل طبقا ذو شكل مميز ليسالها وهو يشير إليها بان تتبعه : من هو ؟
تمتمت : لا أفهم !!
زفر بقوة ليسالها بوضوح : من هذا الذي تبحثين عنه ؟
تمتمت بعفوية : أشرف كنت أبحث عن أشرف فالحاج أبو ربيع يريده بالخارج .
رفع حاجبه ليغمغم : ولماذا تبحثين عنه أنت ، لماذا لا يهاتفه أبو ربيع بنفسه حينما يريده ؟
هزت كتفها بعدم معرفة ليتبع أمرا بخشونة : لا تتدخلي بأمور العاملين من حولك يا جود ، ولا تحتك بأشرف هذا على الإطلاق .
هدر بجدية وهو يقف لينظر إليها : فهمت ؟!
تمتمت وهي ترتجف بتوتر تملك منها : فهمت يا سيدي .
زم شفتيه قبل أن يهتف بطبيعية : تعالي سأريك شيء سيبهجك .
اتبعته على الفور لتنظر من حولها إلى الحديقة الخلفية التي دلف إليها بخطوات واسعة فيتعمق ليصل إلى قرب البوابة الثانية والتي لا تستعمل تقريبا لتشعر بالخوف يدب بأوصالها وهي تنظر للإضاءة الخافتة من حولها والمكان الفارغ سوى منهما ، لتنتفض بخوف حقيقي حينما تعالى نباح الكلب الخاص به والذي رأته مرة أو اثنين من قبل يمشيه أحد الخدم بالقصر فينبح كلما رآها دون توقف ، ليهتف به وهو يجلس أمامه على ركبتيه : اشش ، اهدئ يا وسيم .
اطاعه الكلب على الفور ليحني عنقه ويضع رأسه بين ساقيه الاماميتين في خضوع وضع الطبق من يده أمام رأس الكلب الذي داعبها بلطف ليهمهم إليه وهو يربت عليه : god dog
التفت إليها : تعالي يا جود .
هزت رأسها بنفي وهي تتراجع إلى الخلف ليرفع حاجبيه بدهشة ، يسألها بعدم تصديق : هل تخافين من وسيم ؟!
شحب وجهها وأومأت برأسها ايجابا وهي ترتعد بالفعل ، لينهض واقفا مقتربا منها : حسنا اهدئي ، هل اخافك من قبل ؟!
تمتمت بالإيجاب ليبتسم باتساع : لا عليك ، إنه يكون نزقا حينما ابتعد عنه ولكن الآن لن يخفيك فقط اقتربي ولا تشعريه أنك خائفة منه .
همهمت ببراءة : ولكني خائفة .
قهقه ضاحكا ليغمز لها بمشاغبة : لا تخافي وأنا معك ، قبض على ساعدها بعفوية – فقط تعالي .
ارتعدت فابتسم وربت على ظهرها تلقائيا : اهدئي يا جود ، لا تخافي وسيم لن يؤذيك وانا معك .
تخشب جسدها وابتعدت عن مرمى كفه وذراعه وهي تنتفض وجلا ليهمهم بحرج : اووه ، اعتذر لم اقصد ، أحببت أن اهدئك ليس إلا .
عضت شفتها ليشير إليها وهو يتحرك نحو كلبه الذي التهم طعامه كاملا : تعالي
جلس أمام كلبه على ركبتيه ليربت على رأسه ويهمس : كن مؤدبا ولا تخيف ضيفتنا يا وسيم ، اتبع وهو يشير إليها بالاقتراب بكفه الأخرى – انظر اليها كيف هي رقيقة وجميلة .
تخضبت وجنتيها بحمرة قانية ليشير إليها بالجلوس إلى جواره فتستجيب بعفوية ، أمسك كفها القريب بكفه الخالية وهو مستمر بالتربيت على رأس كلبه فتنتفض ليشير بعينيه إليها أن تهدأ وهو يضع كفها فوق رأس كلبه ويحركها بخفة فوق جسد الكلب ذو الشعر الذهبي الناعم الغزير ، حررت أنفاسها التي كانت مكتومة بداخلها وومضت عيناها بانبهار، ترك يدها وهو يحثها بعينيه أن تداعب رأس الكلب ثانية كما أراها ليزيح يده الأخرى تاركا الكلب لها .
همهم بعد أن انغمست في الترتيب على رأس الكلب وجسده : هل أعجبك ؟
غمغمت بانبهار : انه رائع .
ابتسم بلطف : ستحبينه وهو الآخر سيحبك ، اتبع بجدية – صافحها يا وسيم .
نهض الكلب جالسا على ساقية الخلفيتين ليشير إليها: مدي كفك له بوضع مستقيم مفرود .
اطاعته ليضع الكلب إحدى ساقيه الاماميتين بيدها وكانه يصافحها بالفعل لتضحك باستمتاع قبل أن تشهق بخفة حينما نهض الكلب فوق قائمتيه الخلفيتين ليضع ساقيه الاماميتين فوق كتفيها وكأنه يضمها اليه ثم يربت على ظهرها بأحدهم فترتعش برقة وهي تحاول تجنب رأس الكلب وفمه الذي يحاول تقبيلها همهمت برجاء : دعه يتوقف .
ضحك بتسلية : لا اقو على منعه من تقبيلك يا جود ، لقد أحبك من النظرة الأولى ، اتبع بمشاغبة - ذكي وسيم وذوقه رائع .
همهم بجانب أذنها : يماثل ذوقي .
تخضبت فنظر إليها بمكر قبل ان يجذب كلبه من طوق عنقه للخلف يهتف به بإنجليزية : اهدأ يا فتى ، إنها ليست احداهن .
أكمل بعربية وهو ينظر اليها : إنها صديقتي .
رمشت بعينيها وتوردت لتهمهم : اعزك الله يا سيدي .
لوى شفتيه بإحباط ليغمغم : منذ أن اخبرتك بأن كنيتك لي تروقني وأنت توقفت عن ترديدها .
ابتسمت واثرت الصمت ليهمس إليها وهو يعانق وسيم الذي استكان بصدره : أريدك أن تهتمي بأمور وسيم في غيابي يا جود .
تمتمت بسرعة : كما تؤمر يا سيدي ..صمتت فنظر إليها بعتاب لتكمل بابتسامة – يا سيدي أدهم بك .
ضحك بخفوت لتهمهم : حسنا اتركه واذهب للضيوف يا بك ، قبل أن تتسخ ملابسك.
زفر بقوة ليجلس على الأرض مربعا ساقيه : لا أريد العودة إليهم ، عبست بتساؤل فاكمل ساخرا – لا مكان لي فالابن البكري للعائلة حضر وانتهى الأمر .
عبست بعدم إدراك لتغمغم بعفوية : هل لديك أخ آخر ؟! ما أعرفه انك الولد الوحيد للعائلة .
ضحك بسخرية : فعليا أنا الولد الذكر الوحيد لعائلة السيد الوزير العظيم ، ولكن تقنيا لست الإبن البكري في عائلة الجمال .
تمتمت بحيرة : لا أفهم .
ضحك بخفة ليرمي بجسده إلى الخلف فيتكأ الكلب فوق صدره : لا عليك يا جود ، فقط اهتمي بأمر وسيم في غيابي .
أومأت برأسها في طاعة : أمرك ، صمتت لتتابع حينما رفع رأسه قليلا ينظر إليها – يا سيدي ادهم بك .
ضحك بخفة : أنت جميلة يا جود .
توردت وجسدها يتصلب وهي تتراجع للخلف فيضحك بخفة : أنا لا اغازلك قصدت أن روحك جميلة .
هزت رأسها بحركة متوترة وهي تخفض رأسها بحرج ليتابع بمشاكسة – بالطبع أنت جميلة شكلا أيضا ولكني قصدت الروح .
ابتسمت بحياء وهي تتحاشى النظر إليه ليزفر بقوة وينظر الى ساعة معصمه الفخمة قبل أن يسأل بعبوس طفيف يداعب محياه الوسيم : لماذا لم تنصرفين للان ؟!
تمتمت : بقيت لأجل ضيوف اليوم ، واخبرتني فاطمة هانم بأن أشرف سيصلني إلى البيت حينما أريد .
رفع حاجبه وهو ينتفض جالسا : لن تعودي مع أشرف هذا .
تساءلت بدهشة : لماذا يا بك ؟!
قفز واقفا على قدميه في سلاسة ادهشتها ليهتف أمرا : لأني قلت هكذا ، أشار إليها بغطرسة – هيا استعدي سأرى أبو ربيع ليوصلك معه .
أومأت برأسها في تفهم لتنهض واقفة تنفض ردائها بكفين مرتجفتين قبل أن تغمغم بخفوت ونبرة البكاء صادحة بصوتها : هل فعلت شيئا ما اغضبك ؟!
رجف جفنيه ليهمس بتبعثر : لا لماذا تسألين ؟!
رفعت وجهها الحزين إليه : لأنك صرخت علي .
ضحك بخفة وهم بأن يربت على وجنتها كما يفعل مع شقيقتيه حينما يغضبهما لكنه تراجع ليهمهم : آسف يا جود اعتذر منك .
شهقت بحرج : لم أقصد يا سيدي ولكن ..
تمتم مقاطعا لها : فقط لا أريدك أن تأتي وتذهبي مع اشرف هذا إنه شاب صغير السن فليس من اللائق أن تقتربي منه كثيرا .
تمتمت بعفوية : ولكنه خلوق ومحترم .
رمقها بطرف عينه ليكتف ساعديه أمام صدره : بمعنى ؟!
عضت شفتها لتغمغم : لا شيء يا بك .
هدر باسمها فتمتمت بسرعة : سأبتعد عن أشرف كما أمرت يا سيدي أدهم بك .
ابتسم بخفة : حسنا هيا لنعود وأوصي أبو ربيع عليك ، تنهد بقوة وهتف بها – سأغادر غدا يا جود لا تنسي أن تهتمي بوسيم لأجلي .
ابتسمت برقة : تعد سالما يا بك ، وفقك الله .
غمز لها بشقاوة : ادعي لي كثيرا فأنت دعاءك مستجاب .
تمتمت برقة : دون أن تطلب أنا افعل .
اتسعت ابتسامته لتظهر غمازتيه بقوة فترمش بجفنيها وهي تخفض رأسها ووجنتيها تتوردان خجلا ليضحك بخفة ويهتف بها في مرح : هيا تحركي واستعدي للعودة إلى منزلك .
أومأت برأسها في طاعة لتتحرك بخطوات سريعة تبتعد عنه عائدة إلى القصر ليربت هو على رأس وسيم ليعيده الى منزله ويعود إلى القصر بدوره متحكما في غضبه .. المه .. ضيقه راسما ابتسامة لطيفة سيتظاهر بها طوال الأمسية التي يدعو الله أن تنتهي سريعا .
***
رفع حاجبيه وهو ينظر إلى أبيه الخارج من الصالون وحيدا ليهمس بتساؤل : أين الجميع يا بابي ؟!
رمقه وائل بنزق ليهتف بحدة : أين كنت يا ادهم ؟
اشار بيده في حركة غير مفهومة ليسأل أبيه متجاهلا سؤاله : أين ذهب الجميع ؟!
زفر وائل بقوة : رحلوا .
عبس أدهم بعدم فهم : لماذا ؟!
اشار وائل بكفه وهو يتجه نحو المصعد الذي زوده للقصر مع الترتيبات الحديثة التي صممها عاصم : لا شيء ، اهتم بدروسك ، لقد حدثت أحدهم في الحزب عنك اليوم .
اتبع خطوات أبيه ليسأل بفرحة وهو يدلف إلى جواره : حقا ؟
أومأ وائل برأسه : الرجل رحب بك مبدئيا واخبرني أن أرسل إليه اوراقك ، وسأفعل ولكن لن يتم أي شيء إن لم تلتحق بجامعتك التي تخدم هذا المجال ، فلا تخذلني ولتحقق حلمك كما أردت .
لهث بحماس ليقر بوعد وهو يتبع ابيه الى الخارج : سأفعل يا أبي ، فقط امنحني ثقتك .
تنهد وائل بقوة ليضمه إلى صدره : لقد أعطيتك ثقتي وكامل دعمي يا أدهم ، فقط اهتم بدروسك ومذاكرتك جيدا .
__ سأفعل ، القاها ليشير إلى ابيه وهو متجها نحو غرفته – تصبح على خير يا بابي .
تمتم وائل : وأنت من أهل الخير يا حبيب بابي .
زفر بقوة وهو يقف أمام باب غرفتهما ليسحب نفسا عميقا ويدلف إلى الداخل بابتسامة متلاعبة ليجدها جالسة على كرسي منضدة الزينة تمسح وجهها الصبوح بقطنه بيضاء و تحركها بخفة فوق صفحته .
تلاقت أعينهما من خلال المرآة لينفجر ضاحكا و هو يغلق الباب خلفه. زفرت بقوة لتهتف مؤنبة: توقف عن الضحك فأنا لا أرى الأمر مضحكا وائل.
جلس فوق طرف الفراش ليخلع حذائه هاتفا بمرح : أليس هذا ما أردته منذ البداية يا فاطمه؟ أن تفقدي الولد صوابه ، و تجعليه يجن ، ها هو عاصم أخرج الجني من قمقمه و انفجر بنا جميعا.
اتبع بتهكم : لدينا مثل يقول إذا أحضرت الجني تعلم أن تصرفه وإذا لم تتعلم فتحمل أذاه ، لتتحملي انفجار الجني .. ضحك بخفة – أقصد عاصم .
هدرت باستنكار: اتحمله ؟! اتبعت بصراخ - لقد طرد ضيوفي، طرد جزء من عائلة أبي و اهانهم دون أن يرف بجفنيه .
اسبل اهدابه ليتمتم : بغض النظر أني اكن الاحترام لسعادة السفير ابن عم أبيك و لكن ولده كان يستحق.
استدارت بجلستها تنظر إليه بعينين متسعتين حنقا لتزمجر: لماذا ، لأنه يريد ابنتك؟!
رد بهدوء : بل لأنه متباه بنفسه اكثر من اللازم .
قفزت واقفة بضيق تملك منها لتصيح بنزق : لا و الله ، حسين متباه و ماذا عن ابن أخيك ، بماذا تصفه ؟!
ضحك و أثر الصمت حتى لا يثير حنقها أكثر لتهدر بغيظ : انه مغرور.. متكبر.. و غبي.
استطردت بصياح : لأول مرة أشعر بأنه قطعه منك ، مكابر و جبار و أحمق مثلك.
عبس بضيق و غمغم بتحذير : احترمي نفسك يا فاطمه .
اقتربت منه تواجهه لتصيح بعصبية : أنكر أنه يشبهك. أنكر أنك رأيت نفسك فيه اليوم ، أنكر أنك كنت بذات الحمق قديما.
ضحك رغما عنه ليجذبها من ساعديها المعقودان أمام صدرها يجلسها فوق ساقيه بشكل عمودي فترفع ساقيها بخفة و رشاقة حافظت عليها مع مرور الزمن تحيط بهما خصره ليهمهم أمام شفتيها : لا لن أنكر على شرط أن لا تنكري أنت الأخرى أنك وقعت بحبي و تولهت في حتى و أنا بهذا الحمق.
عضت باطن شفتيها السفلية و هي تنظر له بإغواء تعمدته: لن أنكر أبدا ، أنا احببتك و أنت أحمق و مكابر .. و ظللت أحبك إلى أن تحررت من اشباحك و ماضيك و سأظل احبك إلى آخر أنفاسي.
قبل شفتيها برقة متمهلا:- لا حرمني الله منك و لا من حبك.
لامست وجنتيه بإبهاميها و هي تحضن وجهه براحتيها : ماذا سيحدث الآن؟ !
جعد أنفه بمشاغبة : سألتهمك بالطبع.
ضحكت بصخب لتلامس أسفل عنقه من الخلف :قصدت عاصم و نوران ، هل ستتحدث معه؟!
زفر بقوة :- بل سأخاصمه.
رفعت حاجبها بتعجب لتنظر إليه بتساؤل فيتابع بهدوء : لابد أن يدرك بأنه اخطأ ، بل اخطأ مرتين ، مرة حينما أهان عائلتك، و مرة حينما جبن أن يخبرني بم يحمله بداخله.
تمتم بحزن : لقد ذهبت إليه يا فاطمة لعله أن يخبرني عم يخبئه بداخله ولكنه كابر وعاند وإلى أن يقر بكل ما يعتمل بداخله سأبتعد عنه إلى أن يقرر الحديث معي بشجاعة ويصرح لي بحبه حينها يستحق دعمي له
رمقته بنظرات ذات مغزى ليلوي شفتيه ببسمه همست اسمه في نبرة خاصة فضحك بخفة : فقط سأشد أذنيه و الاعبه أيضا.
انفجرت ضاحكة لتهمس : افعل ما شئت فقط لا تقسو عليه ، و لا تدفعه أن ييأس.
رد بجدية : إذا يأس فهو لا يستحق ابنتي.
ومضت عيناها بفخر : بل هو أكثر من يستحقها.
ابتسم:- أنا أعلم . اتبع و هو يقربها منه اكثر:- دعينا من عاصم و أخبريني بم ابدأ اولا؟!
عبست بتعجب : تبدأ ماذا ؟!
لعق شفتيه وعيناه تومض بحسية : أبدا في التهامك يا كرملتي.
اتبع وهو يلامس بشرتها بشفتيه : أخبريني بماذا ابدأ أولا ؟
جلجلت ضحكتها لتتأوه برقة حينما التهم بشفتيه جانب عنقها لينثر قبلاته الجريئة فوق شامتها ليغمغم بصوت أجش ونبرة متمهلة : مذاقك رائع ، سألتهمك على مهل .
غمغمت وهي تتعلق برقبته تتمتع باحتضانه القوي بها : لست متعجلة .
***
يدور من حول نفسه في حالة عصبية يعجز عن السيطرة عليها بعد أن راوده حلما سيئا اخرا بشأنها ، يتساءل عم يحدث معه ليشعر بهذا الكم من التوتر والقلق وهو يسب أخيه الذي لا يجيب هاتفه رغم اتصالاته المتكررة منذ عشر دقائق كاملة ، هدر من بين أسنانه بحدة : أجب يا عادل .
ليهتف بأخيه الذي اتى إليه صوته الناعس : اين أنت يا أحمق ؟ ولماذا لا تجب هاتفك
عبس عادل وهو يخطو بثقل : المعذرة كان الهاتف صامتا ، أنا عائد الى البيت ماذا حدث ؟
تمتم بتساؤل وعبوسه يزداد : هل غادرت المشفى فعليا ؟!
أزداد عبوس عادل بدوره : بل لازلت أمامها ، هلا اخبرتني ما مشكلتك لأستطيع أن احلها لك ؟!
صمت قليلا ليهمس بصوت أجش : هل جنى مناوبة اليوم في المشفى ؟
تمتم عادل : نعم ، لقد تركتها منذ قليل بعد أن انهيت مناوبتي .
سحب نفسا عميقا ليهمس لأخيه : هلا عدت وبقيت إلى جانبها ؟
رفع عادل حاجبيه ليهمهم : أخبرني أنك تمزح .
أجاب بجدية : لا .
زفر عادل أنفاسه وهو يدور على عقبيه عائدا للداخل : حسنا ولكن بشرط ، أخبرني عن السبب .
همهم أسعد ببوح احتاجه : يخالني حدس سيء نحوها .
جمدت ملامح عادل وهو يخطو بسرعة نحو غرفة الاطباء التي تركها بها ليعبس بتفكير وهو ينظر إلى الغرفة الفارغة ويهمهم : أنها ليست هنا .
هدر أسعد بخوف اعتصر قلبه : ابحث عنها يا عادل ، ابحث عنها من فضلك .
تحرك عادل دون أن ينتظر رجاء أخيه الذي اخترق سمعه ليشعر بالقلق ينتابه هو الآخر وهو يدور في طرقات المشفى الفارغة دون أن يجد لها أثر !!
***







سلافه الشرقاوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-08-20, 06:48 PM   #190

رىرى45

? العضوٌ??? » 285476
?  التسِجيلٌ » Jan 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,197
?  نُقآطِيْ » رىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond reputeرىرى45 has a reputation beyond repute
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

رىرى45 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:25 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.