آخر 10 مشاركات
بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          عشقكَِ عاصمةُ ضباب * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          تريـاق قلبي (23) -غربية- للمبدعة: فتــون [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : فُتُوْن - )           »          ارقصي عبثاً على أوتاري-قلوب غربية(47)-[حصرياً]للكاتبة::سعيدة أنير*كاملة+رابط*مميزة* (الكاتـب : سعيدة أنير - )           »          بريق نقائك يأسرني *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : rontii - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree524Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-10-20, 11:37 PM   #121

منال سلامة

قاصة في قلوب احلام وكنز سراديب الحكايات


? العضوٌ??? » 408582
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,077
?  نُقآطِيْ » منال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond reputeمنال سلامة has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

طوق من جمر الجحيم ..
الفصلين الخامس والسادس عشر ..


فصلين ناريين روووووعة تسلم ايدك سمر ..👏👏👍

اخيرا ميم ظهر سبع البرمبة من اول الاحداث وهو عامل اشكال مثل "حاورينا يا كيكا " هون كان مدين اخيرا ظهر اعتقد انه هو سبب ما يحدث في القصر ..

منصور وزاد ..
والذنب ثقل ومنصور شاكك انه هناك شئ يحدث في الخفاء ..والجد يزيد من طوق الجحيم حواله ..
مشاعر مختلفة ودائرة يدورون حولها دون التوصل لشئ ..

معتصم وبيسان ويبقى الحال كما هو بل تزداد غباء في تعاملها معه والمال يأتي في حساباتها رقم واحد ..وطريقة استفزازية مثيرة للغثيان في تعاملها معه ..

مصعب وعزة ..
البنزين والنار . وتزداد ناريتهم لكنها محببة ..

اعتقد انهن فصلين بداية للاحداث القادمة ..❤❤❤
حبييت 👍


منال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-20, 06:04 AM   #122

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إكرام النافلة مشاهدة المشاركة
أول مرة بعد رواية السد لمحمود المسعدي أجد اسم مدين رغم كثرة ما قرأت روايتك جميلة جدا ومشوقة واسلوبك متفرد في السرد في انتظار بقية الأحداث على نار علما وأني التهمت الفصول السابقة في قضمة واحدة دمت مبدعة
أهلا بيكي وشرفتيني جدا والله شكرا على رأيك وذوقك💙🌸
هدور على الرواية وأشوف مدين عنده
تسلمي🥰🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-20, 06:06 AM   #123

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إكرام النافلة مشاهدة المشاركة
تعديل : مدين هو بطل رواية مولد النسيان للمسعدي ليس السد ولكن هل سيكون في روايتك مثله بطلا متفردا ؟
مولد النسيان...حبيت الاسم جدا
مدين عندي بطل أساسي أيوة هو تأخر في الظهور لكن دوره مهم💙


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-20, 06:11 AM   #124

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
كان عندي حق مفتاح البداية للقادم والماضي "الميم المجهول "
الان أصبح معلوم مديييين سيد الرجال ..
من فعل هذا وذاك سبب مصائب القصر .
الفصل ناري مشتعل ...
جاري قراءة الفصل السادس عشر ..
👏👏👏👏👍👍❤❤
شطورة يامنال توقعتي وجود رابع فعلا وظنك في محله🥰🌸 تسلمي يا حبيبتي بستنى رأيك ديما والله😍😍


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-20, 06:14 AM   #125

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منال سلامة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

طوق من جمر الجحيم ..
الفصلين الخامس والسادس عشر ..


فصلين ناريين روووووعة تسلم ايدك سمر ..👏👏👍

اخيرا ميم ظهر سبع البرمبة من اول الاحداث وهو عامل اشكال مثل "حاورينا يا كيكا " هون كان مدين اخيرا ظهر اعتقد انه هو سبب ما يحدث في القصر ..

منصور وزاد ..
والذنب ثقل ومنصور شاكك انه هناك شئ يحدث في الخفاء ..والجد يزيد من طوق الجحيم حواله ..
مشاعر مختلفة ودائرة يدورون حولها دون التوصل لشئ ..

معتصم وبيسان ويبقى الحال كما هو بل تزداد غباء في تعاملها معه والمال يأتي في حساباتها رقم واحد ..وطريقة استفزازية مثيرة للغثيان في تعاملها معه ..

مصعب وعزة ..
البنزين والنار . وتزداد ناريتهم لكنها محببة ..

اعتقد انهن فصلين بداية للاحداث القادمة ..❤❤❤
حبييت 👍
شابوه ليكي كل كلمة في محلها🥰
بالظبط دي فصول بداية حقيقية
مدين جاي حامي ايوة يهدها😂
بيسان لسة على عهدها القديم مش شايفة معتصم كويس
مصعب وعزة حكاية أخرى
تسلمي لي بجد يامنال😍🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-20, 12:19 AM   #126

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع عشر
***
يُحكى إنَّ نازيًّا قد افتعل محرقة
قديمة وما الجديد؟!
الجديد أن محرقة أخرى على وشك الحدوث..
تشربت معالم وجهها الصدمة أمام عينيه واستدارت دون تعقيب، استقلت سيارتها بآلية هرعت إلى المنزل باندفاعها الكبير، أوقفت السيارة بحدة وهبطت تطرق الباب بقوة آلمت كفها، كانت مرتعبة من داخلها ترتجف بلا حيلة، اندلعت ثورتها تتناضح أفكارها ومشاعرها خلال طريق العودة، مصطفى يضيع ولا يشعرون به ، ليس مقربًا من أحد فهو انطوائي نوعا ما حد أنها لا تراه كثيرًا بالمنزل، شعرت بغصة في حلقها وعجز رُغم سخطها عليه، تأخروا في فتح باب المنزل فعاودت طرقه بحدة أكبر حتى فتحته زوجة عمها وصاحت فيها بغضب:
- إن طرقتِ بابي بتلك الحدة مجددًا سأقطع يدك تلك.
اكفهر وجه عزة التي ناظرتها بكره واضح وبدلًا عن السباب قالت بغطرسة:
- ليس لكِ أبواب يا زوجة اللص. استشاطت الأخرى غضبًا ودفعت الباب في وجهها ومن ثم استدارت تسبها بغل وترحل، أوقفت الباب بكفها قبل انغلاقه في وجهها بقليل وفتحته على مصراعيه بقوة لتدلف وتصفقه بحدة، دلفت خلف زوجة عمها تتبع خطواتها الثقيلة وتهتف بلا تهذيب:
- نبتكم الخبيث أينعت له زهورٌ.
التفتت إليها المرأة بحدة تحدجها باستخفاف:
- ماذا تقصدين ياشمطاء.
زفرت عزة بحنق، أغضبتها تلك المرأة غضبًا فوق غضب، ما أرادت أن يؤول الأمر لذلك لكنها توجهت صوب غرفة مصطفى تطرقها بحدة بالغة فزوت أمه مابين حاجبيها توجسًا منها، تلك الفتاة المشئومة لا يأتي من خلفها سوى الشر، فتح مصطفى بابه وارتاب من وجودهما أمامه وأمه خلفها لاحظ شرارات البغض تتطاير حولهما، التفت صوب عزة متسائلا:
- ما الأمر؟
استندت بكفها إلى الحائط وردت عليه بسؤال بل باثنين:
- أين حبوبك المخدر، ومن أين تحصل على ثمنها؟
صابته صاعقة هو وأمه التي لطمت صدرها وشهقت بعنف، وقبل أن يجد مصطفى أي مبرر أو يتفوه بحرف تدخلت أمه تدفع عزة بعنف وتصيح بقسوة:
- كيف تتهمين ابني بذلك ياحقودة ياسوداء القلب.
اتسعت عينا عزة بلا استيعاب، كيف لتلك المرأة أن تكون وضيعة إلى ذلك الحد وهي من أتت بحمائية تزيل الغشاوة عن أعينهم جميعًا، وجدت نفسها دون سيطرة تدير الدفة عنه إليها وتهتف بتشفٍ:
- بالتأكيد يسرق أباه هو الآخر، لن تروا خيرًا بعد سرقة أموالي يالصوص.
ماحدث كان مباغتًا بل كان أقرب للعته أوالخبال، ف عزة وجدت نفسها بين مخالب المرأة تنهشها بلا رحمة، انهالت عليها صفعًا وركلًا حد أنها خلعت عنها حجابها من فرط جذبها منه، وعزة لن تقف مكتوفة الأيدي تتلقى كل هذا العدوان دون رد فعل، دافعت عن نفسها فكانت حربًا ضروسًا تدخل مصطفى الذي خار قلبه عند قدميه يحيل بينهما وفشل فشلًا ذريعًا، فتعالت الصيحات والسباب ومازال التشابك بالأيدي قائمًا تجمهر من بالمنزل مصعوقين مما يروه فمهما بلغت بينهما الضغينة لم تصل يومًا إلى ذاك الحد، تجاوز عمها صدمته وجذبها من خصلاتها بقسوة ودفعها بقوة لترتطم بالطاولة خلفها وتسقط، رماها بنظرة حاقدة فردت نظرته بكره العالم وبغضه، كانت ثائرة ملقاة على الأرض كخرقة بالية وجهها يكاد ينبثق منه الدم من فرط انفعالها، تقدم صوب زوجته التي تولت المسكنة والبكاء الحار، فالحق لها كما تنص كل المواثيق، هي في نظر الجميع امرأة كبيرة السن تتطاول عليها فتاة عديمة التربية والحياء، انصرف مصطفى مطرق الرأس يزدرد لعابه غير مسيطر على رجفة الخوف بداخله، قبل أن يختفي تمامًا حانت منه التفاتة صوب توأمته رفقة التي كانت مستندة للحائط تناظرهم بذهول كأنها هبطت للتو من كويكب مهجور، وسهيل كرههم جميعًا فلم تعد البيئة صالحة للحياة بعد أن تلوثت بكل هذا الكره الأسود، والراعي ليس راعيًا على أية حال، هدهد زوجته المسكينة وحدج عزة بنظرة كريهة قبل أن يرميها ب سُم الكلمات:
- أنتِ هنا بالمنزل لا تزيدين قيمة عن قطعة أثاث، إن لم يعجبك الحال في بيتها فالشارع موجود.
قالها مُشيرًا إلى الباب بيده ورأسه، تتبعت عينا عزة يد عمها بعدم فهم.. هل يطردها حقًا! لما يمهلها لتسأل وأخذ زوجته مستديرًا بها صوب غرفته..
شعرت بغيمة سوداء تلتهمها وتودي بها إلى مجهول قاتم، ماكانت تلك الغيمة سوى اغتراب تسربل إلى روحها، اغتربت معهم ومن داخلها، وجدت يد سُهيل تُمد إليها، سُهيل لم يخذلها قط، ناظرت كفه بجهل كانت غريبة لا تفهم لا تشعر بل تشعر، كانت غريبة تتألم، جثى على ركبتيه أمامها وحثها بأعين حزينة، لأول مرة يشعر بذلك الشعور نحوها، ود لو تكون طفلته فيحتضنها ويحميها، كانت طفلة تائهة بغير حيلة، مد يده يقبض على كفها وطلب منها بخفوت:
- انهضي معي.
زاغت عيناها فبتر التيه الذي ابتلعها بقبضته الحازمة على كفها وساعدها لتنهض معه عنوة، ساعدها لترتقى الدرج إلى شقتها العلوية، وهبط إلى رفقة يجذبها من وقفتها المستندة للحائط مغتربة بينهم هي الأخرى، ربت على وجنتيها بخفة فانتبهت له ونظرت إلى عينيه بنظرة حُفرت بذاكرته ستعاوده ذكراها حين تمر السنون ويأتي وقتها..
***
قضيتها قضية ملكية، وإثبات أحقية، لماذا تعرقلها الظروف ولا يلين لها كما يفترض، تحدته بأنه سيعود وسيرضخ لها، ما أجمل حياتها القديمة معه في فترة عقد القران، كان متيمًا طيعًا يسيره العشق، وتجبُره يرهبها بحق لكن هدفها يحتاج مثابرة، بكت بعد أن تركته، كانت تود منه ضمة تهديها سبيل العودة ويأست منه للحظات قبل أن يعاودها الإصرار ثانية، هاتفت أمها تبكي وتنتحب وتشكو لها ماحدث فتأففت الأخرى وغمغمت:
ـ غبية.
صمتت بيسان تستمع إليها بتركيز فأردفت الأم:
ـ تحديك له يستفزه ويستنفر جبروته وعناده.
أزاحت عبراتها بحدة قبل أن تسألها بحنق:
ـ وكيف أجعله يخضع.
سمعت زفرة والدتها قبل قولها الهادئ:
ـ تستغلين احتياجه لكِ دون الجهر بذلك.
شردت بيسان تفكر في سبيل لعودتهما كما السابق، فمنحتها أمها طرف الخيط:
ـ ركزي على علاقتكما أولًا دون الإتيان على ذكر الإرث.
قاطعتها بيسان بحماس:
ـ تقصدين أصرف تفكيره عن الماضي وكأنني لم أعد أريده وأريد علاقتي معه فقط؟
توسعت ابتسامة الأم بمكر وعقبت:
ـ بالضبط، معتصم غضب بشدة لأنه شعر بتدني مكانته..
تنهدت بيسان برقة:
ـ أجل فهمت..
أغلقت الخط وتمطت على فراشها تفكر في تغيير استراتيجيتها التي أثبتت فشلها، معتصم عاشق كان يريد الراحة جوارها فقط، والإرث جعله يكره أن يكون لعبة في يدها، هو رجل يرضيه أن يوضع في مكانه الصحيح، كانت غبية وتعترف عليها من الآن فصاعدًا التعامل مع الملك كملك..
***
عادت صبر إلى غرفتها واختلت بنفسها، بكل المقاييس وجودها خطأ فادح، كثرة التفكير تفتح ألف باب للتراجع، وهي اكتفت، لن تفكر أكثر ولن تتراجع، ستغادر ف جنح الظلام ودون أن تخبر أي منهم، مكثت بغرفتها حتى انسدالت حلكة الليل على الأفق، سويعات أخرى انتظرتها كي يخلد الجميع إلى النوم ولا يقابلها أحد، ارتدت ملابسها الثقيلة وأغلقت أزرار معطفها الأسود وجمعت خصلاتها دون رابطة مطاطية تحت قلنسوته، ارتدت حذاءً رياضيًا واكتفت فقط بحقيبة رياضية بها هاتفها وبطاقة هويتها ونقود بسيطة، ببساطة لاتريد شيئًا، ستهرب إن جاز التعبير، وستهرب دون جُرم، أغلقت باب غرفتها فور مغادرتها، وتلمست طريقها عبر باب خارجي، عبرته ودرات نصف دورة تطالع مهابة القصر فنبض قلبها بعنف، قضت سنوات طويلة به وتذوقت كل المشاعر فيه، ودعته وداعًا صامتًا دون دراما الدموع المعتادة فإن تركت زمام الأمر لهوى العبرات ما جفَّت أبدًا..
تعرف القصر بكل مداخله ومخارجه وفضلت المغادرة عبر بوابة خلفيّة، تسللت ونجحت تاركة القصر والنهر خلفها ومن أمامها التقاء الطرق، كانت تنتظرها سيارة أجرة استقلتها وجلست باسترخاء مزيف، ربما رحيلها يطمنئه على أخيه فيبتعد عن طريقها، لا تخافه قدر خوفها من كسر قلبها مرات تالية، كل كلمة أو فعل يصدر عنه يحطم منها جزءً، وتخاف الوجع أكثر مما تخافه..
انطلق بها السائق وقطع شوطًا كبيرًا مما جعل سريرتها تهدأ هدوءً حذرًا، أرخت رأسها إلى ظهر المقعد ومالت بعينيها تراقب الطريق المظلم إلا من أعمدة إنارة متفرقة، وما دار بخلدها كان عشوائيًا فالخطة أنه لا خطة، ستبيت الليلة ببيت والدها وزوجته وأولاده وفي الصباح ستتدبر حالها، ربما تبتاع شقة في العاصمة أو تبحث عن عمل..
ظلت الأجواء بالقصر هادئة بعد رحيلها، إلا من صوت ارتطام مجموعة مفاتيح مرتبطة بسلسلة واحدة يرفعها مدين أمام عينيه ويرقد على أريكة بغرفته المُضاءة بنور خافت، عاد بعد المغيب من مبارة تايكوندو فاز بها عن جدارة ومن وقتها لم يغادرها، وصلته رسالة هروبها منذ ربع الساعة ولم يحرك ساكنًا سوى مفاتيح سيارته بين أنامله برتابة، منحها الوقت لتتنفس بحرية قبل أن يعيدها إلى القفص ثانية حارمًا إياه تلك الرفاهية، خمسة عشر دقيقة قد مضت ومثلهم بعدهم وستكون في قبضته، نهض بغتة يلتقط سترة رياضية سوداء يرتديها ويضع القلنسوة فوق رأسه مثلها، غادر غرفته وتولى الركض فالوقت محسوب بالثانية دقيقتان ونصف يلزموه للوصول إلى مرأب السيارات ومثلهم بعد تفعيل المحرك وتجاوز بوابة القصر، وبالنهاية جنح بسيارة الدفع الرباعي خاصته يشق الرياح ولا تحتك عجلاتها بالأسفلت، مرت العشر دقائق ووصل إلى السيارة التي استأجرتها، تخطاها كالبرق ففزعت تنتفض محلها حين لمحته مما جعل السائق ينظر إليها مستغربًا ذاك الذعر الذي تملكها في وهلة، رآها تنظر أمامها لاهثة بنظرة متألمة فعقد حاجبيه والتفت إلى ما تنظر إليه أمامه فوجد شاب طويل القامة ببنية رياضية يلتحف بالسواد ويستند إلى سيارة سوداء ضخمة يقطع بها الطريق، والرجل بسيط حد غرقه في موقف كهذا دون قدرة على الإتيان بحل، بدا له أن الفتاة تعرفه جيدًا، رأى الشاب يتحرك صوب سيارة الأجرة بثقة وكأنه يمتلك وديان الأرض وصحاريها، تخطاه ووصل إلى الباب الخلفي يميل قليلًا ينظر للفتاة بابتسامة دبلوماسية ويكور قبضته يطرق زجاج السيارة بكياسة متجاهلًا السائق، ظلت الفتاة تنظر أمامها فطرق الباب ثانية لتلتفت صوبه وتمد أناملها وتخفض الزجاج بارتجاف، مال الشاب برأسه قليلًا وقال بثقة بالغة:
ـ آسف حبيبتي تأخرت قليلًا على موعدنا، هل اشتقتِ إليّ؟!
لم يرَ السائق عينيها ورآها مدين جيدًا، كانت تفيض بالتوسل مستحلفة إياه بكل نبضة نبضها قلبها لأجله أن يبتعد ويتركها، بادلها نظراتها بجمود لثوانِ قبل أن يشيح بوجهه عنها وينظر صوب السائق المتوتر قائلًا بلباقة:
ـ شكرًا لاهتمامك بزوجتي في فترة غيابي.
أتبع جملته بمد يده بحفنة من المال أثارت ريبة السائق واستدعت اتساع أحداق صبر، لقد جعل الأمر يبدو وكأنها تُباع له على قارعة طريق..
كتمت أنفاسها اللاهثة بأعجوبة ولتحفظ ماء وجهها جارت لعبته الحقيرة مبتسمة بتصنع ومدت يدها تدير المقبض ليبتعد مبتسمًا لها باتساع مفسحًا لها المجال كي تهبط من السيارة، قبل أن تخطو بقدمها خارجها سألها السائق باهتمام قلق:
ـ هل هو زوجك بالفعل؟
تدخل مدين متصنعًا المزح:
ـ هل تخاف أن يتهموك بقتلها بعد أن يجدوا جثتها مدفونة في تلك الصحراء.
تجهم وجه الرجل ولا ينكر أنه خاف من حدوث كارثة ويتورط بها
التفتت ترمق السائق المترقب لردها بصمت لعدة ثواني قبل أن تومئ إماءة بسيطة وتستأنف مغادرتها، كان مدين قد توجه صوب سيارته يستقل مقعد السائق ويزيحها من منتصف الطريق كي يمرر سيارة الأجرة، أتمَّ مهمته وعاد إلى صبر الواقفة إلى جانب الرصيف بوجهها المُحتقن الذي شع سخونة وغضب حد تعرق جبهتها في طقس بارد كهذا ، المنطقة مُنعزلة والأضواء مترامية بعيدة جدًا والليل نجومه سود أسدلت قتامة تقبض القلب، وقف أمامها مباشرة فرفعت رأسها تطالعه بيأس، أزاح عن رأسها قلنسوة معطفها فتطاير شعرها وتبعثر في كل اتجاه وارتجفت بخفة إثر دفعة البرد التي اجتاحتها فجأة، أزاح قلنسوته بدوره متهكمًا بلذوعة:
ـ لا بأس بأن نمرض سويًا؟
مد إبهامه وأزاح عبرة كالؤلؤ كانت قد تجمعت وعلقت على حافة رموش عينها اليسرى هامسًا كالفحيح:
ـ لا أحد يهرب من قدره الأسود.
رفعت كفها تزيح أنامله عن وجهها بكل عزم وحدة فباغتها بأسر خصرها بذراعه وضمها إليه مُكبلًا إياها، كانا متواجهين بأنفاس ثائرة بغضب حالك السواد، نبضها العنيف آلم قفصها الصدري، كرهت نفسها لمرة جديدة، بدلًا عن المقاومة اقتربت منه أكثر فأثارت جنونه وغضبه ليفلتها ويبتعد كالملسوع يعلو صدره ويهبط بثورة عارمة، دارت بهما الأرض دورة كاملة، اهتزت خلايا جسدها، تمزقت جدران قلبها كمدًا، كانت أمامه باكية منتحبة مقتولة من الوريد للوريد، تسأله بانهيار:
ـ هل لديكَ شقة قريبة أم أنَّ مقعد سيارتك الخلفي سيفي بالغرض.
قطع المسافة بينهما في طرفة عين وصفعها بقسوة فصرخت لتبدد صرختها في الأفق وتترنح، كانت الصفعة الثانية التي تتلقاها منه الأولى في شقة مصعب وتلك الثانية، يعاملها دومًا كمملوكة، يستحلها ومن ثم يصفعها، أكملت صراخها الهستيري:
ـ لقد تركت عالمك كله وهربت، ماذا تريد بعد.
ورُغمًا عنه وعنها لا يحمل لها في تلك الحظة سوى البُغض وتترجمه عيناه وكل تصرفاته بالقسوة:
ـ من تبقى من عائلتي لم تغويه؟
أطبقت شفتيها وسالت عبراتها دون إرادة فأردف ب غل:
ـ أبي!
هز رأسه يعض شفته السفلى بغير سيطرة وقلبه يضخ الدماء بجنون وعشوائية:
ـ حمدلله أنه لا يمكث بالقصر كثيرًا.
ودت أن تقسم أنها لم تغوِ أحدًا حتى أنها لم تغويه نفسه عن قصد لكن فرصتها الذهبية لقهره واتتها فهتفت متشفية:
ـ أغويت الجميع.
تصلب تمامًا كالصخر أو أشد منه قسوة وجمودًا، اقتربت خطوات عديدة حد وقوفها أمامه على مقربة من هسيس أنفاسه وهمست بقهر:
ـ دعني أذهب يا مدين سنقتل بعضنا بعضًا إن بقيت..
قبض على خصلاتها بعنف فتأوهت تتوسله بعينيها أن يرحم ضعفها ويتركها لحالها فلم يأبه و همس بجمود:
ـ كان عليكِ الهروب منذ زمن طويل.
ارتجفت شفتاها وتحشرجت أنفاسها فاستأنف بفحيح بغيض:
ـ ليس لديكِ سوى خيارين، إما قبر في تلك الصحراء أو تعودين معي إلى الجحيم الذي حضرته لكِ.
كرهت كونها مجرد فريسة يخيرها بين طريقتين للموت فانتفضت بعزم كلبؤة لا تلجمها أصفاد ليحررها رُغمًا عنه وتصيح بأقوى تردد صوتي ممكن:
ـ أو يتدخل سليمان زايد، علَّه يكون منصفًا ويروض كلابه.
لعجبها لم ينفعل كما توقعت، فقد أهدته الحل بنفسها، هدأ تمامًا حاجبًا عنه نظرة الظفر، ستعود معه إلى الجحيم وتحترق به كما خطط، هروبها كان مجرد انتفاضة يائسة لا تجدي نفعًا أمام طاغية انتوى أسرها، هي فريسة تلمست الخلاص برعونة وهربت في جنح الليل غافلة بأن الليل ليل الثعالب..
***
غاب يوم وليلة عن القصر وعاد، كان حري به أن يغيب بعدما تحدته بيسان برضوخه الوشيك لها، أي امرأة متبجحة تزوج، وما هذا التناقض بالأصل، هي البريئة أم الساعية إلى إرث بغيض عبر أقذر الطرق، ركضها خلف المال يغشي عينيها عنه وعن حبه الكبير لها، استيقظ متأخرًا عدة ساعات عن ميقاته اليومي فاقدًا اهتمامه بروتينه الذي اعتاده بمكانه الخاص، ارتدى ملابسه استعدادًا للعمل فلن يدور في فلك بيسان وجشعها إلى الأبد، هبط إلى غرفة الطعام الرئيسية، رُغم دهشة الخادمة أحضرت له فطوره في الحال، جلس على مقعده، يلوك طعامه ببطء، دلف جده فاسترعى ابتسامة ساخرة إلى ثغر معتصم الثابت في محله، دكَّ السيد سليمان الأرض الأرض بعكازه قبل أن يقصد مقعده على رأس الطاولة، جلس متحفزًا ينظر عن يمينه صوب معتصم الذي قابل نظرته الحادة بأخرى لا مبالية، زمجر الجد قبل أن يشرع في توبيخه:
ـ كنت أثق بك، وأثق أنك ستحميها مهما حدث.
ندت عن الحفيد ضحكة هازئة :
ـ آسف خيبت آمالك بي.
وتوريته واضحة، إن كان قد خيب آمالهم قيراطًا فقد خيبوا آماله ألفًا،
زفر جده بحنق فعدم اكتراث الآخر يصعب عليه الأمر، طرق بيده على الطاولة بحدة مغمغمًا من بين أسنانه:
ـ إهانتك لها أمام العائلة شيء بغيض لا يُغتفر.
كان معتصم يهدئ من فوران دمه بنفسه، سيقتلونه كمدًا بغيِّهم هذا ولم يعد يحتمل بعد، زفر باختناق وناظره بصلابة:
ـ لم أكن أنا من استغل جشعها.
لم يأتيه الجد حتى يسمع توبيخًا أو يجلس في موضع المدافع، اعتاد أن يُهاحم ويقلب الموازين، مال إليه يهمس برصانة:
ـ أتى منصورإليّ بشكوك حول زاد.
احتدت عينا معتصم وعلم أن في التتمة كارثة، فراوغه جده بمكر أصيل في الثعالب:
ـ لكنني كنت لشكه بالمرصاد.
لم تتحرك عضلة في وجه الحفيد الذي فهم مايرمي إليه جده، جده الذي أردف مؤكدًا:
ـ تعلم أن حفيدتيّ الاثنتين أهم منكم جميعًا.
تنهد وتلك المرة ارتخت أوتاد جبروته قليلًا:
ـ هما أكثركم ضعفًا، بل على النقيض منكم تمامًا، مجرد زهرتين رقيقتين بين وحوش البراري.
أضرم النار فالعدل قد لقي مصرعه على عتبة هذا القصر، زفر الحفيد بقوة وسأله بقسوة:
ـ هل تضع بيسان مع زاد في نفس الكفة؟!
لم يمهله ليجيب وراح يستنكر بغضب مكتوم:
ـ بيسان التي باركت خداعها وجشعها.
صمت هنيهة يسيطر على غضبه كيلا يرتفع صوته وتحدث كارثة:
ـ وزاد الضحية؟
باغته جده بضربة موجعة:
ـ ألم تخطط بنفسك لخداع منصور؟
وحجة معتصم حاضرة، أخته عفيفة وما فعل سوى أن قدم لها حماية من تقاليد بالية، لم تخطئ كي يكون جلّادها، رد سؤاله بوضوح وصراحة:
ـ إن لم أكن على حق ما كنت لتدعم خداعه وتباركه.
تنهد السيد سليمان وأغمض عينيه بقنوط، معتصم محق ولو عاد الزمن سيفعل ما فعل دون حتى أن يقترحه معتصم، لكنه الآن يستخدم الأمر كورقة ضغط على معتصم كي يضمن عودته إلى بيسان، والآخر عصيّ يابس الرأس وكأن حبه لها قد تبخر فجأة، جذبه إلى بيت القصيد بوجه جامد:
ـ كما طلبت من منصور يطلقها سأطلب منك أيضًا.
تنفس بعمق والتمعت عيناه بعزم جم:
ـ لن أقبل بإهانة أي منهما.
وكأن الكون يدور حول زايد وأميرتيه، إن كان قد اختار درب الخداع من أجل أخته فلن يقبل لنفسه دور المخدوع كضريبة لذلك، اغتصب ابتسامة متهكمة:
ـ ذاك منصور، أنا معتصم.
كز الجد على أسنانه وكاد يفتك به غيظه، تحجرت مقلتاه بقسوة وغمغم بصوت مكتوم:
ـ إذًا لا تهجرها هكذا، لا يليق بابنتي ما تفعله..
قهقه معتصم بقوة حد ميل رأسه للخلف، وظل يضحك بهستيريا، من فرط الوجع ضحك بخبال، بيسان مازالت تحطُّ من قدرها وقدره وجدها يتحدث عما يليق وما لا يليق!
خيّم الحزن العميق على قلب الجد الذي يشعر به ويتمنى له أن يتجاوز، يعول على قوة وحش تكمن بداخله، ولسوء حظه فالوحوش لا تغفر، كما بدأت هسترة الضحك بغتة تلاشت كذلك بغتة وتوحشت عيناه البنيّة تتوهجان بظلال اللهب وهمس بغضب كالجمر:
ـ هل ستكون سعيدًا إن قيدتها و......
وصمت قبل أن تزل قدمه إلى الوحل أكثر صمت يزفر مرات متتابعة، صدره المشتعل بجمر الجحيم أخذ يعلو ويهبط حد الألم، لوح بكفه بقوة ونهض بغتة فأشاع الفوضى وتهشم الطبق الخزفي وتناثر الطعام، رماه بنظرة لن ينساها جده ما تبقى له من عمر ورحل، مستحلفًا بكل غالٍ ونفيس ألا يرضخ مادام يتنفس..
***
عينه المتلصصة أخبرته بكل ماحدث، من رعونة منصور إلى انفعال معتصم وحتى هبوط مدين من اللامكان في لحظة مباغتة وانقضاضه على المسكينة صبر، هكذا نعتتها روضة بالمسكينة صبر حيث رأت شحوبها والكدمات الصغيرة تغطي رقبتها وجيدها وجرح صغير على جانب شفتها حين أحضرت لها ملابسًا، استغلال الوضع دناءة والدنيء كالفخ كلاهما لا يعترف؛
وجدها فرصة لرأب الصدع، وترميم صداقة الماضي، هاتف معتصم الذي لم يتأخر برده النزق:
ـ ماذا تفعل بالعاصمة، أليس لديك عمل في برلين؟!
زفر مصعب وصمت ليتوجس منه الآخر ويسأله باهتمام :
ـ ماذا... هل هناك مشكلة؟
المراوغة لاتجوز في حضرة معتصم فأجابه بهدوء حذر:
ـ لقد عاد إليها؟
انقبضت كف معتصم على هاتفه غريزيّا، كان بمكتبه جالسًا بمهابة مر يوم على لقاء جده وقد هدأ قليلًا ابتعاده عن الجميع يريحه نوعا ما، يجبرونه على أن يكون سيئًا، مهما حاول يفشل، تلك العائلة لا يتركون له متنفسًا يحافظ به على إنسانيته، سأله بتهكم بارد:
ـ من عاد إلى من!
على الطرف الآخر شرد مصعب يعود بذاكرته إلى حيث لا يجب العودة، ماضٍ كريه فقد فيه أقرب أصدقائه وأبناء عمومته إليه والذي استبدله بمعتصم فيما بعد، أن تكون مجرد لعبة في يد امرأة تستغل كونك اشتهيها لهو شي صعب، والأصعب منه أن تكون جاهلًا، مصعب لم يكن يعرف ما دار بين مدين وصبر قبلًا، مدين لم يحكِ عنها قط، لكنها كانت تعرف بالصداقة جيدًا، هدمتها بقصد، لقد كانت خبيثة جدًا معه، لن يشفق عليها اليوم مثقال ذرة فمدين يأخذ منها ثأرين وتستحق، حين طال شروده هتف به معتصم بسخط:
ـ من عاد إلى من يا مصعب؟
كز مصعب على أسنانه وضغط بكفه على كرة مطاطية صغيرة بقوة وأجابه بخفوت:
ـ مدين عاد إلى صبر.
امتعض منهم بشدة، حاله كحال صبر، تتحمل ما لا تطيق مثله، أشفق عليها وما بيده حيلة، مُكبلة بعشقها وخلاصها في موتها، زفر باحتراق أتعبه، تعب من كونه يحترق ولا يحرقهم معه:
ـ أنتم جمع من الفجرة.
أطرق مصعب فالواقع أنهم كذلك، لن يتجمل أمام من يحفظهم ككف يده، ازدرد لعابه بعسر:
ـ لا تتدخل بينهما أرجوك.
استشاط غضبا وقاطعه:
ـ ماذا؟!.. اتركها تكون صبر كبش الفداء؟
ومعتصم فاض كيله وبارع في التسديد والقسوة:
ـ إليكَ الخطة، أنتما مدعوان الليلة، لن يكون عقد قران فقط، سيكون زواجًا كامل الأركان.
انتفض مصعب من جلسته على الأريكة كالممسوس بالجن وتوسله وتلك لحظة لم ولن تحدث في غير موضع، مصعب متعالٍ لا يتوسل لكن الأمر هنا استثناء :
ـ أرجوكَ معتصم لا تفعل.
في وقت كهذا المزاح لا محل له من الإعراب، وصاحب الضربة يحترف كيف يوجع، قبض مصعب على رقبته بأنامله فتألم، لابد له أن يتألم هو الأحمق الذي نال لحظة محرمة لم تكن له بالأصل، سأله معتصم باستخفاف:
ـ ما الذي سيمنعني، هل تظنها سترفض؟
أجابه بقنوط بعد زفرة حارة:
ـ أنتَ تستطيع فعلها وهي لن ترفض.
صمت برهة محتار كيف يقولها، نادم بحق عما سلف وانتهت الحيل، استجمع بعثرته وقالها بخفوت:
ـ لكنه لن يتحمل.
سمع ارتطام قبضة معتصم بشيء صلب قبل صياحه المستنكر بحدة:
ـ وهي تتحمل!
عاجله بما اعتقده حجة:
ـ هي تحبه.
لافائدة فالظلم يجري في تلك العائلة مجرى الدم:
ـ لم ولن أفعل فقط لأنها تحبه.
سمع تنهيدة مصعب متبوعة بتوسل جديد:
ـ اتركهما دون تدخل ربما تخمد نيرانه.
تهكم تلك المرة فالوضع لا يتقبله عاقل لديه القليل من المروءة:
ـ آاااه وهي المطفأة!
مسد جبهته بصمت فكل كلمة يسمعها أو يتفوه بها ترهقه:
ـ يكفي يا مصعب، صبر تهمني وحمايتها واجبي.
أغلق الهاتف وقطع عليه الاسترسال.
قذف الهاتف على طاولة المكتبة بغضب مكتوم ومال يسند رأسه إلى ساعده المستكينة أمامه على المكتب، رباه تعب الجميع يحمله ما لا يطيق وقد ضاقت به أصقاع الأرض واشتهى الرقود تحت الثرى عله روحه المتألمة تبرأ..
***
هناك طرق اتجاه واحد
طرق اللاعودة إن خطوت فيها خطوة فلزامًا عليكَ المضي حتى النهاية ..
في أسطورة قميئة الوجع لاينتهي والكابوس يظل مستمرًا، عزة دون عِزة، نامت يومين كاملين واستيقظت خاملة وحيدة فرفقة تصارع أشباحها الخاصة بغرفتها وحيدة أيضًا، تحممت وفرّشت أسنانها خمس مرات بديناميكية، تناولت خبز يابس وجبن، وفراااااااااغ
الكثير والكثير من الفراغ
فراغ وغربة
إحساس بغيض
لا أحد أمامك لا أحد خلفك، لا أحد يهتم بك لا أحد ينتظرك..
ارتدت ملابسها والتقطت مظلتها وغادرت المنزل، من باب خلفي فباب المنزل الرئيسي ملك لأصحاب المنزل هي لاتزيد عن قطعة أثاث به، تركت السيارة وارتقت رصيف المُشاة وسارت بلا هدى، الشمس غاربة بلا شفق، الجو بار والطقس يجود بزخات مطر طفيفة، سارت لوقت طويل جدًا، جالت بخاطرها أمل، أمل لديها همومها ومسئوليات يكفيها ما بها، وطافت ليلى، ليلى رقيقة كأوراق الورد ستبكي عليها ويتألم قلبها، لاتريد من أحد البكاء عليها، جذبت دفقة هواء بارد إلى صدرها امتلأت رئتيها به وفاضت حد زفير مُتعب، تجسدت صورة دميانة في مُخيلتها، دميانة حنون تشفق تهتم وأيضًا تتألم..
لا تريد إزعاج أحد ولا البكاء ولا الشفقة
تريد وطنًا ينسيها غربتها
هبطت الرصيف إلى الشارع نفسه حين توغلت إلى المدينة، المتاجر عن يمينها وعن شمالها لكل يحاول حماية نفسه من المطر، أُناس تهرول هاربة والبعض تغويه حالمية المسير تحت المطر، وهي تمضي فقط دون هدف، شيء ما جعلها ترفع عينيها إلى نقطة أمامها عالية نوعًا ما، لم يكن غيره..
توقفت محلها وتقبضت يدها على يد المظلة الساكنة فوق رأسها تحميها بلل المطر، كان وحده بلا مظلة وكأنه لا يهتم إن غرق وغرقت ملابسه، دنا منها بالتدريج، تعلقت عيناها به، لفظها العالم وكانت تتألم وكان هو بالجوار!
ترك بينهما خطوة وانحنى يشاركها رحاب المظلة، جذبها منها ورفعها فوقهما أكثر لتناسب طوله، عطره نفّاذ كان له تأثير على حواسها، كان متناظرين، تتجاذب العينان حتى العُمق، لم يتوقف أمام عيني امرأة قط وعيناها كون، كون لم تتوهج به شموس ذات يوم..
كان هادئًا دون تبغ ودون علكة، عيناه غامضتين تناظرانها باهتمام، هناك شخص ينتظر ويهتم!
لهو شيء مثير فعلًا في حالة مثل حالتها، مد قبضته مضمومة لها فأخفضت عيناها تنظر إليها بتيه، انتشلها منه بسؤال هادئ:
ـ أصدقاء؟
كانت على الحافة، لا تمتلك ما تخسره، غريبة تقابل غريب على قارعة الطريق، حاصرها مرارًا ولم ييأس منها أو يمل، دون مقدما مدت قبضتها لترتطم بقبضته بخشونة مؤكدة:
ـ صديقات..
انتهى الفصل
قراءة ممتعة💙🌸


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-10-20, 10:53 PM   #127

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن عشر
***
ـ صديقات!
غير متوقعة مهما تصور وأصاب، دوما لديها ارتجالها الخاص
ارتجالها الخاص المبهر
واللحظة وإن بدت هزليّة لكنها غير مضحكة على الإطلاق، اللحظة في التاريخ تحاكي قرار ماقبل المذبحة، استلال سيف وإراقة دم..
والحكمة تقتضي الثلج، قد مدت قدمها بنفسها صوب الفخ، رسم لها الطريق ومضت فيه حتى وصلت حيث أراد بالضبط، ليس غبيّا كي ينفعل، كان هادئًا تماما تحت ترقب عينيها الفاحصة، ابتسم ببساطة مرددًا خلفها بنظرة منحتها من الطمأنينة نهرًا:
ـ صديقات..
سار جوارها بصمت، ترك منتصف الشارع إلى الرصيف حيث حالت بينهما وبين المطر المظلات المثبتة أمام المتاجر فأخفض مظلتها، ظنته سيثرثر وتأهبت لذلك على مضض وخيب ظنها فلم يتفوه بحرف، كانت تحتاج صُحبة صموت بالفعل..
قطعا مسافة طويلة متجاورين ببطء، راقبا المهرولين حولهما والمتباطئين والعطشى لابتلال المطر، التفتت إليه وتوقفت فجأة فتوقف، سألته بفضول وترقب:
ـ ألن تتحدث؟!
نفى بهزة رأس:
ـ اليوم لا.. ربما غدًا أو بعد غدٍ لايهم..لدينا عمرٌ بأكمله نتحدث به.
كانت خاملة دون شراسة أو لسان سليط كالمعتاد، اندهشت من ثقته؛ أي صداقة تلك التي تدوم العمر كله، وعزة كأي فتاة غيرها، يغيب عقلها الاهتمام، أومأت له بابتسامة بسيطة، أوصلها بعدها إلى المنزل كان الليل قد حان وباتت متعبة، لوح لها مودعًا فرفعت كفها بتردد تلوح له، شعرت بغرابة ما تفعل وأريحته كذلك تربكها، انصرف مغمغًا:
ـ سأهاتفك.
أخفضت كفها ببطء وشيعت عيناها رحيله بشعور مبهم..
...
صباح خامل مثل صاحبته، مخدَّر بثمالة الصمت، بقعة منعزلة دون لوثة البشر، نهضت عزة ترتب فراشها بآلية، البيت بالنسبة لها كالنُزل ستبيت فيه بدلًا عن الشارع وتغادره كل صباح ..
لم يهاتفها كما وعدها وكان قد أرسل لها رسالة ورأتها ما إن فرقت أجفانها، دعاها للإفطار وحدد المكان، تعرفه جيدًا، مطعم راقٍ زارته مرة مع صديقاتها، لديه قائمة إفطار شهيّة جدًا، شهية لمن لم يختبروا تجربة العامة وهي من العامة لايروقها التكلف فأرسلت له ردها المقتضب
( ما رأيك في تجربة مختلفة )
رد سريعًا
(موافق بالتأكيد، سألغي الحجز)
ارتدت ملابسها وهبطت الدرج، ذات الصمت المطبق لم يتغير، غادرت دون أن يقابلها أحد، استقلت سيارتها وانطلقت بها عشر دقائق قيادة وكانت سيارته تجاور سيارتها بثبات على الطريق، ابتسم لها بجذل فضيقت عينيها ونظرت جانبها متصنعة عدم الاهتمام فقهقه وتخطاها ليعود ويبطء حركة سيارته كي تتجاوزه، قبل أن يشرع في الاصطدام الطفيف المعتاد أسرعت إلى أقصى حد وصفت السيارة وغادرتها تصفق الباب وتمد قدمها وتصعد الرصيف بحدة، كتفت ذراعيها أمام صدرها ووقفت تنتظره بتحفز، صف سيارته خلفها وهبط بدوره يصعد الرصيف بتباطؤ متعمد ومستفز، كان يبتسم بهدوء ووجهها ممتعض من بروده ذاك، اقترب ووقف أمامها قائلًا بسخرية:
ـ لا داعي لوجه الحيزبون ذاك، لقد قبلتِ الصداقة بالأمس.
وكلمة حيزبون باللكنة الكارثية تلك مثيرة للضحك فضحكت بقوة تسأله باستغراب:
ـ حيزبون!.. من أين لك بهذه الكلمة لقد اندثرت منذ العصور الوسطى.
ضحك وحك أذنه:
ـ جود تقولها دومًا.
زوت ما بين حاجبيها بغية التساؤل فتنهد براحة:
ـ صديقتي الأخرى، سأعرفك عليها قريبًا.
أومأت له بتفهم، همَّ بالاقتراب فأوقفته برفع يدًا حازمة بينهما قائمة بشموخ:
ـ هناك بعض القواعد عليكَ الإطلاع عليها أولًا.
أعجبته اللعبة وتحمس فكتف ذراعيه أمام صدره ورفع أحد حاجبيه وذقنه:
ـ أطلعيني عليها.
أشارت لسيارتها خلفه بعينيها قائلة بنزق:
ـ أولًا لا تصدم سيارتي مجددًا.
التفت برأسه إلى السيارة من خلفه وغمغم على مضض:
ـ سأحاول!
عاد ينظر إليها فأردفت بكبرياء:
ـ لا تقترب أكثر من اللازم، دوما حافظ على مسافة بينا.
تهكم بلذوعة:
ـ تخافين الافتتان؟!
مطت شفتيها باستخفاف:
ـ ليس لتلك الدرجة..
كتم غيظه وسألها بقلة صبر:
ـ وماذا أيضًا؟
رفعت أحد حاجبيها واستكملت:
ـ ومن غير المسموح لك التنمر على خصلاتي.
سألها بمكر وشبح ابتسامة يتراقص على ثغره:
ـ المجعدة؟
هددته بأعين متسعة:
ـ حسنًا، لم يكن عليّ القبول بتلك الصداقة، أنا أنسحب.
قالتها واستدارت تغادر فاستدار مثلها وحال دون تحركها، وقف أمامها على مقربة أكثر من اللازم وسألها بخبث:
ـ وماذا إن اقتربت إلى هذا الحد؟
رُغم أنه أمامها والفراغ من خلفها شعرت بأنها مُحاصرة، أنفاسه الساخنة لفحت وجهها فجعلتها تستشيط غضبًا وعزة إن غضبت تثأر، لم تبتعد وشدت جذعها بوقفة شامخة أمامه وقالت بغية إصابة جبهته بقصف صاروخي:
ـ لا أدعم المثلية.
حاول عبثًا السيطرة، فاض كيله والانفعال ليس في صالحه، غمغم من بين أسنانه التي يكز عليها:
ـ أحيانًا يراودني شعور أن أقتلع لسانك وألفه حول رقبتك وأخنقك به.
تجمدت عضلات وجهها إلا من رمش متابع لأهدابها، صدمها رده الخشن فلاحظ ترقبها وابتسم ببطء لتبتسم بدورها وتزفر بارتياح، صُحبته لطيفة أنستها أوجاعها وعائلتها قليلًا، أشارت للسيارة بكفها:
ـ هيا لدينا مغامرة خطيرة.
مال برأسه يغوص بعينيه بين مجرتيها الحالكتين:
ـ من الآن أنا ملك يديكِ.
شعرت بالتفوق فرفعت رأسها وحاجبيها الاثنين وظلل عينيها الفخر:
ـ اتبعني!
استقلت سيارتها فتوجه صوب سيارته يستقلها بغير مقاومة لاحتلال ثغره ببسمة انتصار، توقفت أمام مطعم شهير للوجبات الشعبية وهبطت ليدمدم تزامنًا مع هزة رأس رافضة:
ـ لا تمزحي.
لم تتأخر وغادرت المطعم بعدة أكياس مكتظة بالطعام، استقلت السيارة مجددًا وانطلقت فتبعها يهز رأسه ضاحكًا بقلة حيلة وصلت أخيرًا وجهتها الأخيرة وصفت السيارة أمام حديقة عامة وهبطت، لم يستطع منع دهشته من الطفو إلى السطح وهبط بدوره يصلها ويسألها:
ـ أين ستنتاول الفطور؟!
نظرت أمامها بابتسامة غريبة وحثته أن يرجئ فضوله قليلًا:
ـ ستعرف بعد قليل.
وبعد قليل كانت تجلس بداخل الحديقة مفترشة من بساط العشب الأخضر سجادة وهو واقف أمامها يحدق بها ويتابع حركة أناملها الرشيقة في ترتيب المائدة على الأرض!
سألها بصوت مكتوم:
ـ من قال لكِ أنني سأجلس هنا على الأرض وأنتاول هذا الطعام!!
التقطت قطعة من مُخلل اللفت الأبيض ومضغتها بتلذذ ومن ثم رفعت عينيها السوادوين تناظره بلا اكتراث:
ـ ارحل الآن واتركني مع الفلافل الساخنة وحدنا.
ردد خلفها بذهول:
ـ فلافل ساخنة!
مدت يدها والتقطت بين أناملها شيء دائري مجهول التكوين بالنسبة له وقضمت منه قضمة ومن ثم تأوهت بنشوة ففغر فاهه
ولم يقوَ على إشاحة عينيه عنها
ابتلعته ومطت شفتيها مغمضة عينيها التي فتحتهما على صورته جالسًا أمامها متربعًا على الأرض ببسمة واسعة، أشار بعينيه إلى طعامها وسألها بنبرة متلاعبة:
ـ ماذا سنفعل الآن؟
حركت أناملها العشرة خلف بعض بالتتابع مثلما يفعل السحرة المحترفون وقالت بابتسامة قناص:
ـ سنلتهم الطعام كله.
بحث عبثًا عن شوكة فيما سألها وعيناه تواصلان البحث:
ـ أين الشوكة؟
ابتلعت اللُقيمة التي التقطتها للتو واهتز جسدها من فرط كتمانها لضحكها العارم، سعلت بقوة قبل أن تشير إلى كفيه ساخرة:
ـ استعمل يديك الجميلتين.
رفع كفيه يقلبهما في الهواء أمام عينيه المتسعتين مرددًا باستهزاء:
ـ جميلتين!
أشارت إليه هازئة:
ـ ماذا أفعل أنا... كلك جميل يا موصآااااااب.
اكتفى حقًا.. اكتفى منها اليوم، مال يفرك عينيه بسبابته وإبهامه وزفر بقوة ثم اعتدل يقول بشراسة:
ـ أتعرفين؟... تبًا لكِ لم أعد أطيقك، لننهِ تلك الصداقة اللعينة قبل أن تبدأ.
ولن تتلبسه الشراسة دونها، توحشت عيناها بتعبير بربري استنفر حواسه أجمعين، شهرت سبابتها في وجهه بأمر صريح:
ـ لن تتحرك قيد أنملة.
هدّل أكتافه مبتسمًا بوداعة كتلميذ نجيب:
ـ حسنًا لن أفعل.
تلاشت فورة جنونها في لحظة وابتسمت بدورها متمتمة:
ـ جيد.
استمرت بينهما المناوشات حتى افترقا في الظهيرة متعاهدين على اللقاء في الغد بعدما فشلت في إقناعه بتذوق طعامها الشعبي التي سردت في حقه سطورًا من المدح حد المبالغة..

***
انهزمت وإن خدعت نفسها بأنها ستلجأ إلى كبير هؤلاء الطغاة وهو سيتكفل بكف أذاهم عنها، لكنها في الحقيقة جلست على مقعدها المجاور لخاصته بالسيارة باستسلام تستند إلى ظهر مقعدها وتميل برأسها عليه بوهن فيما تشرد عيناها عبر الزجاج إلى حلكة الليل السرمدية، مال إليها فالتفتت إليه بإجفال، تركزت عيناه في عينيها ويداه تحكمان حزام الأمان حولها جيدًا، لم يكترث لها كما بدا، وابتعد بديناميكة يتولى القيادة، تنهدت براحة طفيفة ما إن ابتعد فقد كان يرهقها بحضوره الفائق الحد ذاك، أطبق عليهما صمت خانق، كان يرمقها بطارف عينيه من حين لآخر وكأنه يتأكد وينتشي من انهزامها واستسلامها له بتلك الطريقة، وصلا إلى القصر فهبطت ومضت بآلية إلى الداخل دون النظر خلفها، شيعها بنظرة قاسية وذهب يصف سيارته..
وكعادة قصر زايد، لاشيء يمر هكذا دون علم الحاكم، الحاكم الذي كان على دراية بكل ما حدث مع صبر مذ طلبها منصور للزواج وحتى عودتها في تلك الساعة المتأخرة برفقة مدين..
قبض بيده على حافة نافذته المُطلة على الممر المؤدي إلى باب القصر الداخلي من وقفته المتصلبة، جمود عينيه وملامحه أوشتا بعظم ما يضمره، قد جاءته إحدى الخادمات تلهث قبل وقت قصير تخبره بتسلل صبره وهروبها، وقتها ومضت عيناه بتعبير مبهم جعل الفتاة الصغيرة تنكمش، وقفت تنتظر أوامره فسألها بخشونة:
ـ أين جاسوسة مدين الحمقاء.
تمتمت الخادمة بخفوت:
ـ نائمة ياسيدي.
أشاح بوجهه عنها قائلًا بجمود وقسوة:
ـ أيقظيها وأبلغيها بهروب صبر.
تلقت الخادمة الأمر وهرولت سريعًا تؤدي مهمتها، لم يمر سوى دقائق إلا وكانت الرسالة قد وصلت مدين..
انتظر الجد ثورة عارمة بعد الرسالة، والنتيجة مرور دقائق عديدة دون رد فعل، حد أن القلق استبد به وتساءل، أيعقل أن قد تخلى بتلك السهولة!
كان سيخذله أكثر إن لم يتخذ إجراء حيال الأمر، مضت ربع ساعة كاملة وظهر يركض!
تنفس السيد سليمان الصعداء فالعرض الحقيقي قد بدأ لتوه، ربما ما فعله منصور كان عفويَّا غبيًّا بشكل لايوصف لكنه أتى بثماره على نحو آخر..
جلس السيد سليمان على مقعده الوثير مغمضًا عينيه وقبض بأنامله على مسبحته مُصدرًا همهمات خافتة، سينتظر الوقت المناسب وسيأتونه بأنفسهم عمّا قريب ووقتها لكل مقام مقال، يتخذ من رحيمة ذريعة لإبقاء صبر قريبة منه، لكن الحقيقة التي لم يشي بها لأحد أن ذنب صبر قد طوق عنقه على مدار سنوات، ف صبر لم تكن آمنة تحت سقف بيته وهو مدِينٌ لها بذلك، فكر قبلًا أن يجبر مدين على العودة إليها والزواج عنوة لكن زواجها من مصعب صعّب الأمر كثيرًا، والفرصة حانت بصدفة قدرية، وسيجلس يتربصهما بصمت حتى تحين لحظة الثعلب العجوز..
***
مضت صبر بتباطؤ إلى غرفتها، كانت واهنة خطواتها ثقيلة فمنحته الوقت دون قصد ليصف السيارة ويصل إليها قبل أن تصل باب غرفتها لاسيما وأنه كان يركض!
حطت بكفها فوق المقبض تزامنًا مع وقوفه خلفها على مرمى خطوة منها يستند بكفه إلى الباب أمامها مقيدًا إياها دون أن يمسها، مال يستند بذقنه إلى رأسها، أجفلت بارتجاف ومن ثم تجمدت، أطبقت أجفانها على عبرات سالت بصمت، زفر قبل أن يهمس بخشونة:
ـ لا تتحدثي مع أحد نهائيًا.
كان يأمر بصلف رُغم أن نبرته كانت خافتة، التفتت إلى عينيه ببطء تحدق فيهما فارتجف قلبها للنظرة الساكنة بها، والتي تلاشت ليحل محلها الجمود الخالص، تجمدت أعينها بالمثل وفتحت الباب لتدلف وتستدير إليه تتحداه:
ـ ليس من شأنك، لقد عُدت من أجل مقابلة جدك لا أكثر..
تجاهل حديثها كله وأكد بثقة كبيرة:
ـ خذي وقتك في الراحة..
صمت يتصلب فكيه، يصارع شيء لاتعلمه ، يقسو بعينيه ويزيد من وهنها:
ـ لدينا حديث طويل..
هز رأسه يرتب الحروف بجوار بعضها بوعيد:
ـ طويل جدًا ياصبر.
كرهت كونها لعبة بين يديه، سحبت نفسًا عميقًا وزفرته ببط:
ـ أنا لديّ الحب.. كان ولا يزال ولا أظنه سيموت..
لفهما الصمت توجته مبارزة العينين، قطعته حين سألته بمرارة:
ـ وأنتَ يامدين، ماذا لديك.
لم يتقهقر في نزاله وباغتها بعنف:
ـ لديّ الجحيم.
رفّت أجفانها لحظة، أشتعل قلبها بجحيمه فكتمت أنينها وردت كيده بكيد:
ـ هذا إن سمحت لك.
وحمقاء في نظره فلم تعد مُخيرة بعد، التوى ثغره بسخرية أغضبتها فهتفت ببأس:
ـ ولن أسمح لأنني لم أعد أريدك بأي صورة..
لم يعد يعرفها، فهذه المرأة أثقلتها التجربة وتركت ندوبها على روحها، ارتجفت شفتاها بقهر وعادت تتحداه:
ـ سأكون تلميذة نجيبة وأتعلم منك الجحود.
انتهك المسافة وأسر خصلاتها بين قبضته القاسية فتأوهت لتظلم عيناها وتتقطع أنفاسها، كان على مقربة منها يشاركها غضبها وقهرها، همس بفحيح:
ـ إن تعلمته دهرًا لن تَصِلي إلى ما وصلت إليه.
همست بصوت مبحوح:
ـ سأفعل ما كان عليّ فعله قبل تسع سنوات وأصرخ وأحكي كل شيء..
انسلت يده إلى ظهرها يلامسه بأنامله ويهمس لشفتيها:
ـ لم ترفضيني وقتها.
اهتزت خلايا جسدها واغرورقت عيناها بتلك العبرات اللعينة التي شوشت صورته، حاولت التملص بيأس فآلمتها يده المنقبضة على خصلاتها، انحدرت دموعها وهمست بحرقة:
ـ لم يكن لي يد في طلب منصور، اتركني أذهب ولن تراني مجددًا..
اشتعلت عيناه بنظرته البغيضة التي ترديها أرضًا:
ـ لديكِ تاريخ حافل.
شهقت بعنف وكأنها تقاوم الغرق قاومت ببسالة كي يحررها فحررها لتلهث بعنف وتناظره بعنفوان مُحاربة، كزت على أسنانها ودمدمت بتأكيد:
ـ أتعرف، لقد كنت مُخطئة في رحيلي الليلة.
سأرحل في وضح النهار، لم أفعل أبشع مما فعلت أنت فلماذا أهرب بتلك الطريقة..
رفع يده ببطء يرفع خصلاته النافرة للخلف ويسخر بوقاحة:
ـ فعلًا لم تقترفي أي شيء بشع قط..
تراجعت للخلف دون رد تناظره بحزن صامت تزدرد لعابها بأنفاس متقطعة، تراجع بدوره جاذبًا الباب كي يغلقه بينهما متسلحًا بالجحود فقد شيد مدائنه جيدًا ولن يسمح لها بأن تغزو جدرانه..
***
أغلق الباب وذهب صوب غرفته يرفع خصلاته بزفرة حارة ، فتح الباب فوجد أمه تجوب الجناح ذهابًا وإيابًا، زفر ثانية وتوجه صوب مخدعه بالداخل دون اكتراث فتبعته بنزق:
ـ ألن ننتهي منها أبدًا.
لم يرد فتقدمت أكثر توبخه بعدم رضا:
ـ كيف تذهب إلى غرفتها وتمتهنها هكذا.
حانت منه التفاتة ساخرة إليها:
ـ ألم تغوي منصور!
هزت رأسها وقبضت على عضده:
ـ كنت أفكر بصوت مرتفع لا أؤكد فرضيات.
أثار غضبها حقًا فلم تتحمل أن يتواقح إلى هذا الحد وهتفت:
ـ وإن فعلت، إن فعلت لا يحق لك مسها أبدًا.
فقدت ثباتها رُغم عقلانيتها المتأصلة فيها، ومهما بلغ وقوفها في صف أولادها لن تبيح الظلم..
كان قد خلع حذاءه وسترته الرياضية، ارتمى على فراشه يدفن وجهه في وسادته، انحنت تربت على رأسه بحنو قائلة بهدوء ورصانة:
ـ اتركها لحالها يامدين، لا تعيد الماضي مجددًا.
مرغ وجهه في الوسادة البيضاء يغالب احتراق أنفاسه ويسحب أغطيته فساعدته ودثرت جسده، همس بخفوت بعد برهة:
ـ سأتركها يا أمي... سأتركها حين تموت..
انقبض قلبها وأشفقت على الفتاة أكثر فهمت بالتحدث ليبتر كل شيء:
ـ اتركيني يا أمي أرجوكِ.
استشعرت منه التوسل فتنهدت وربتت على كتفه قبل أن تذعن له وتنصرف تاركة إياه يستعيد كل شيء، صبر لم تترك له فرصة للنسيان، لا تنفك عن تذكيره بخطيئته وطوقه، فطوقه ذاك منفرد كعزف صاخب نشاز، مُر عالعلقم واسمه صبر..
***

استنفد جُل طاقتها وتركها خلفه دون قدرة على الصمود، خلعت معطفها واندست تحت الأغطية وغفت، غفت بعد معاناة مع ذكرياتها اللعينة التي تستنزف قواها قاطبة، استيقظت من غفوتها وجلست على الفراش بآلام جسدية مبرحة اكتملت بسعال مؤلم، أنَّت بخفوت وقطبت بغضب، قد مرضت بالفعل كما توقع، تمطت بوهن قبل أن تعود وترقد فتستسلم للوسن، أيقظتها خادمة بإيعاز من رحيمة التي قلقت عليها وأرسلتها لها كي تطمئن، وجدت حرارتها مرتفعة فذهبت مُهرولة إلى رحيمة تبلغها بذلك، في هذه الأثناء كانت صبر تختبر التيه بين طيّات الغيوم، غيومًا سوداءً فصلتها عن العالم ونوره، لحظة فراغ قبل لمسة أنامل تعرفها جيدًا لجبهتها ارتفعت إلى خصلاتها تمر ببطء، وضغطة طفيفة إلى جرح شفتها فتأوهت بضعف، بعدها مرور عابر إلى رقبتها تلاه استقرار لراحة تلك اليد على وجنتها، تلبدت الغيوم أكثر فاستحالت إلى السواد الحالك، حد تذكرها صفعة تلك الكف في شقة مصعب، وقتها كان قد مر ستة أيام على زواجها به، ستة أيام قضتهم بتنفس عسير، أضلعها منقبضة فوق رئتيها، لم تلوم إلا نفسها، استغلت إعجاب مصعب بها ووافقت على عرضه سريعًا، اقترب مرة وثانية كارثية كالأولى ومن ثم هجرها..
لم تفارقها الغصة وهي في عصمته لحظة، كانت وحدها بالمنزل حين سمعت طرقًا غليظًا أوشك على كسر الباب، سقط قلبها سقوطًا حرًا بقوة هزت كيانها، ورُغم علمها بالنتيجة فتحته، أول ما التقطته منه عيناها كان نظرة، نظرة خسران وحرمان مبينين، رباه لقد قهرته!
فقدت أناملها السيطرة على الباب فتركته ينفتح على مصراعيه، فصل بينهما مسافة متر على الأرض وبين القلوب كان رُكام العوالم، انهدمت كلها وصرخ فيهما الصمت، سألها دون حرف كل الأسئلة، كلها بدايتها لماذا..
وجملة خبرية مؤكدة لم يتفوه بها أيضًا
( لقد كنتُ عائدًا)
وهناك فواصل تحدث ولا يجوز العودة لما قبلها، كبداية فيضان أو زلزال أو صافرة حرب دامية أو حتى الزواج من مصعب وهي موصومة بحب مدين..
شعرت يومها بجدران قلبها تنهدم عن آخرها، همست بصوت أبح:
ـ مدين..
ولا عزاء لمدين يومها فقد قُهر عن استحقاق، نطقها باسمه كان كالنفخ في النار فتأججت ونالت صفعة أسقطتها أرضًا ورحل، رحل كعادته دون أن يلتفت..
عادت إلى الواقع راقدة فوق الفراش غارقة في حرارتها المرتفعة وقد شارف جسدها على التشنج ومن بين سواد غيومها استمعت إلى جلبة صوته وصوت رحيمة جوارها في شقاق، جاهدت لتفريق أجفانها بإعياء، رأته مشوشًا وأمامه رحيمة أيضًا، همست بصوتها المبحوح باسمه، أطبق صمت للحظة قبل أن يندفع إليها ويمد يده يلامس جبهتها فتصيح به رحيمة وتجذب ذراعه بعنف وتطرده بصلف، رحل مدين على مضض يزفر بقوة، تقدمت منها رحيمة تمسد جبهة صبر المتغضنة هامسة بحنو:
ـ اهدأي واطمئني.. لقد رحل عديم الأخلاق والطبيب سيصعد الآن.
***
طرق حذاؤها الراسخ الأرض ولم يكن ليصمد أمامه صمت، سلبت انتباه الجميع ووجودها في رواق آخره مكتب معتصم زايد وحده حدث مهم سيتحاكى عنه الجميع فيما بعد، احتفى بها الرخام من تحت أقدامها وشدت ظهرها ترفع رأسها بكل خيلاء ومكر، خلفها مدير أعمالها يهرول لا يجاري خطواتها المحتفلة بالنصر، وصلت إلى مكتب جانبي وأخرجت بطاقة صغيرة من حقيبتها، طالعها الرجل أمامها بانبهار فتبسمت مسبلة أهدابها، تثق بما تمتلكه وتعرف تأثير حُسنها جيدًا، امرأة جمالها أيقونة جمال من الشرق، عينان سوداوان مُزدانة أجفانها بخطين ثقلين من الكحل وبشرة حنطية تبالغ في اهتمامها بها، وشفتين مغويتين دون امتلاء ملحوظ، محتشمة الزي ترتدي تنورة سوداء عملية طويلة حد الكاحل وقميص حريري أبيض اللون، حجابها مثل خصلاتها أسود حريري لا يستقر وتنزلق غرتها منه فتحتل جبهتها على الجانبين، قرأ البطاقة وإعجابه بصاحبتها بدا جليًا في عينيه:
ـ فاطمة نجيب حداد!
هزة خفيفة من رأسها سبقت كلمة واحدة ببحة صوت مميزة جدًا لا تُنسى أبدًا:
ـ نعم.
أحنى رأسه لها باحترام وأشار إلى الباب الضخم أمامه بابتسامة عملية:
ـ السيد معتصم ينتظرك آنستي.
أفسح لها الطريق لتسبقه وفتح لها الباب فنهض معتصم يُغلق أزرار سُترة حُلته ويقابلها بابتسامة دبلوماسية، صافحها وابتسمت بنشوة لاحظها قبل أن تشير إلى خصلاتها بسبابتها المُحاطة بحلقة مُرصعة بأحجار ماسية متناهية الصغر:
ـ كاد شعري يشيب قبل أن أقابلك.
قهقه مُشيرًا إلى طاولة اجتماعات صغيرة لشخصين فقط قائلًا بغموض:
ـ لاشيء يحدث قبل أوانه صدقيني.
أومأت توافقه وسبقته حيث أشار، جلست فجلس قبالتها وحضوره يحتل مجال الرؤية أمامها، كان أكثر هيبة واستحواذًا على الانتباه أكثر مما توقعت فازدادت فخرًا، هي امرأة تجيد الاختيار، حاولت ولم تكل أو تمل من المحاولة، اختارت ورقة زايد الرابحة، وإن لم تصل معه حتى لاتفاق يرضيها فجلوسها معه وحده نصر قد زاد من نقاطها في السوق نقاطًا عدة ..
لا تعلم سبب قبوله لمقابلتها التي ما انفكت تطلبها قبلًا ولا تهتم، ما يهم هو حصد النتائح،
وسببه الغامض ذاك يتخلص في قرصة أذن صغيرة للحاكم نفسه، هو السبب الأكثر وقاحة على الإطلاق لكن الآخر هو من اضطره لذلك، رحب بها بحفاوة وسألها باهتمام:
ـ ما نوع قهوتك؟
ـ متوسطة.
أومأ وطلب لهما القهوة قبل أن يعود إليها بكل اهتمامه مبتسمًا:
ـ لابد أن الأمر مهم أليس كذلك.
تلبسها شبح العملية وعرضت ما لديها وكان يسايرها، ليس غرًا كي يعطيعها أكثر مما قرره من البداية، سيبيح لها فرصة ضئيلة جدًا ويعلم أنها لا تطمح لأكثر، صفقة رابحة لكل الأطراف على أية حال، قطع انغماسهما في النقاش صوت الهاتف اللحوح فنهض معتصم يلتقطه ويوليها ظهره ويفتح الخط قبل أن يضعه على أذنه بنظرة ثعلب في طور القنص الأول، سمع صوت جده يسأله بغلظة:
ـ ماذا تفعل ابنة نجيب حداد في مكتبك؟
وإجابته كانت ضحكة خشنة تؤكد للعجوز أن خليفته لا يهدد وإن أراد أن يفعل سيفعل..
حذره الجد بصلف:
ـ لا تفتعل مهزلة.
هدأت ملامح معتصم إلا من ابتسامة ظفر وراوغه:
ـ مازلنا نتفاوض!
انفعل الآخر وكاد ن يفقد من تبقى من ثباته:
ـ هل ستورط مؤسسة زايد في تبييض أموال الآثار والسلاح؟!
أجابه معتصم بغطرسة:
ـ لديّ صلاحيات بأكثر من ذلك.
التفت إلى فاطمة التي تطالعه بفضول وابتسم بدبلوماسية وغمغم بهدوء:
ـ بالإذن منك لدي ضيفة لا يصح تركها هكذا سأنهي الاجتماع وأهاتفك.
لم يتمهل ليسمع رد جده وأغلق الخط ومن ثم ضبطه على الوضع الصامت قبل أن يضعه على المكتب ويعود إلى فاطمة يواصل معها العمل، انتهوا وابتسمت برضا مناوشة إياه متخطية فضولها من حديثه على الهاتف:
ـ صديقى النذل لم يساعدني في مقابلتك وظل يماطل طويلًا متذرعًا بأنك متكبر ولا تعامل البشر بلطف.
رُغم عضبه من صديقها إلا إنه ضحك بقوة وانحنى يستند بمرفقه إلى الطاولة ويهمس له كأنه سر خطير:
ـ صديقك مُحق، لا أكون لطيفًا في معظم الأحيان.
شدت ظهرها في جلستها واحتست آخِر رشفة من قهوتها تهدهد أطراف غرتها بأناملها وناظرتها بثبات امرأة تستحق أن تحتل مقعدها أمامه:
ـ لكنك لطيف بالفعل.
اعتدل في جلسته واستند بظهره إلى مقعده مبتسمًا بلباقة:
ـ شكرًا آنستي، ترين الناس بعين طبعك.
انتهى الاجتماع ونهضت تلملم متعلقاتها مودعة إياه، ودعها وعاد إلى عمله فيما، غادرت متوجهة صوب مكتب مدين صديقها القاطن في نفس الطابق، ليس صديقها الوحيد هم مجموعة مكونة من خمسة أصدقاء مدين وفاطمة وياسين وسالم وعدن، درسوا بنفس الجامعة الدولية بالعاصمة وعادوا إلى الجنوب سويًا..
***
الهموم كالحجارة؛ ثِقال مثل بعض لاسيما وإن سار بها المرء يحملها على عاتقه دهرًا..
ثقلت هموم زاد فطرحتها أرضًا، عزلتها بين طيّات السكينة جعلتها تمزق دوامتها الخانقة وتستأنس راحة القلب، ذهبت إلى أمها تسألها عن معتصم فأطرقت الأخرى بحزن عميق، يتبدل حال بكرها من سيء إلى أسوأ، حزنت زاد من أجله بشدة فهاتفته وطلبت منه أن يأتي من عمله مُبكرًا كي يقضي معها بعض الوقت..
عاد معتصم بعد سويعات قليلة بحيوية بعد رحلة قيادة مريحة وسريعة إلى المنزل، كان جده ينتظره عند البوابة الخارجية للقصر، تأكل أقدامه الخطوات ذهابًا وإيابًا بوجه غير مفسر، أوقف حفيده الذي لم يعاود الاتصال به بعد رحيل ضيفته السيارة أمامه مباشرة وهبط يطلق صفيرًا مستمتعًا جعل أعصاب جده تحترق أكثر، قذف سلسلة مفاتيحه إلى أحد العمال الذي أخذ السيارة كي يصفها في مرأب السيارات الداخلي، وضع يديه في جيبي سرواله وتقدم إليه بتباطؤ متعمد، وقف أمامه والحرب لم تعد متكافئة فالغلبة اليوم لصاحب الرمية الرابحة، رماها معتصم وانتهى، لم يمهل جده ليعلق واتسعت ابتسامته بمكر:
ـ كان عليكَ رؤيتها، مناسبة إلى حد لا تتخيله.
زمجر السيد سليمان وتوحشت عيناه بكل أسف فقد اختار معتصم حصانًا رابحًا، سأله جده بغضب مكتوم:
ـ هل ستلوث اسم زايد في السوق من أجل غضب أهوج؟
ابتسم معتصم باستفزاز:
ـ لن أُبيض لها الأموال فقط بل سأساهم في صفقات السلاح أيضًا.
ضحكة هازئة سبقت قوله الغارق في الغضب:
ـ وبالمناسبة لا تنسَ أنك طرحت كرامتي أرضًا من أجل طفلة مدللة.
اشتد صوت جده بصلف:
ـ أفعل أي شيء من أجل ابنتي.
انطبقت شفتي معتصم وتنهد ببسمة رائقة:
ـ ابنتك في قبضتي.
قالها ورفع يده منطبقة بعنف، ابتعد خطوة واثقة وقال بوقاحة:
ـ أعدك سأقيدها جيدًا حين تأتي إليّ في الليل تعرض نفسها كأي فتاة لم تتلقَ شيء عن الأخلاق أوالكرامة في حياتها.
هدر الجد بتحديز وقد أغضبته إهانتها بتلك الطريقة الفظة:
ـ معتصم.
لم يتأثر بهتاف الجد الغاضب بشدة وابتعد أكثر بنظرة قاسية:
ـ نصيحتي الأخيرة هي ألا تتدخل ثانية، لا تستفزني أجعلها تبكي دمًا.
تركه خلفه ورحل بلا اكتراث:
ـ أختي تنتظرني بالداخل سأذهب إليها بعد إذنك.
زمجر السيد سليمان تصطك أسنانه بعنف لقد هزمه معتصم هزيمة نكراء، لم يعد بيده إنقاذ من تلك العلاقة شيئًا ولا حتى أنقاضها، معتصم رأسه يابس لن يلين ببساطة وما عليه الآن سوى إبعاد بيسان عن طريقه، زفر بقوة فعليه مواجهتها المواجهة التي لم استطاع فعلها من البداية..
..
بالداخل صعد معتصم إلى غرفته اغتسل بماء بارد، يحترق بصمت حتى وإن ادعى العكس، ارتدى ملابسًا رياضية وهبط يبحث عن زاد فأبلغته أمه أنها في الصالات الأرضية سألها باهتمام:
ـ وأين صبر؟
أطرقت تخفي انفعالها وقالت بخفوت:
ـ مريضة قليلًا ولزمت غرفتها كي تتعافى، سأبلغها أنك سألت عنها.
أمعن فيها النظر بتوجس وأرجأ ربيته قليلًا واستدار ذاهبًا إلى زاد، يحتاج ذهنًا صافيًا للحديث مع صبر، هبط إلى الأسفل عبر سُلم داخلي وتبعته أمه وهذا طابق نصفه تحت الأرض به صالات رياضية وحمامات سباحة مُغطاة، وجدها بداخل صالة تنس الطاولة تنتظره، وتلك هوايتهما المشتركة التي تعلموها سويًا في فترة الطفولة وحتى المراهقة، ابتسم حين دلف، كانت قد خلعت معطفها وحررت خصلاتها من حجابها مكتفية فقط بملابس رياضية مريحة وعقصت خصلاتها كزيل حصان، ابتسمت لها أمها مثله وقد شعرا بأنها تود اختطاف لحظات رائقة متنصلة من الماضي برمته، تقدمت صوبه وعانقته باعتذار صامت، لم تقابله بعد خذلانها له واختيار صف منصور وللغرابة لم يتوقع أو ينتظر أقل من ذلك، زاد هي أيقونة المرأة الجنوبية صاحبة النسب العريق وعلو المقام، لا تقلل من شأن زوجها مهما حدث، بادلها العناق فتعلقت برقبته باحتياج ليشدد من احتضانها، ابتعدت خطوة تؤكد ظنه وظن أمها مبتسمة:
ـ ما رأيك أن ننسى هؤلاء البشر.
جاراها ضاحطًا:
ـ أجل موافق، لا نعرف منصور ولا بيسان.
أومأت بضحكة عالية، وجذبت كفه إلى الطاولة وجذبت كرة صغيرة تحركها ذهابا وأيابًا أمام عينيه فيروح بؤبؤيه معها ويعودان، حدقت في وجهه بشقاوة:
ـ حضر نفسك لخسارة فادحة.
التقط من يدها الكرة بغتة وهتف بتحدٍ:
ـ بل حضري نفسك ستعتزلين اللعبة اليوم.
رفعت ذقنها وتحدته بدورها:
ـ سنرى!
طفقا يلعبان بحماس تشجعهما أمهما التي جلست على مقعد قريب تناظرهما بحنو وغصة، تمنت لهما انقشاع الحزن بعد طول الوجع، تباريا وفازت أول مرة ولم يترك لها فرصة وفاز عليها أخريات، بعد وقت طويل عمّ التوتر وتصلبوا جميعًا يناظرون بيسان التي دلفت على استحياء، تجمدت عينا معتصم عليها بنظرة صلبة،
أغمضت عينيها ببطء وتوجهت صوب زاد التي ازدردت لعابها بتوجس وأخفضت يدها المنقبضة على يد مضربها وقفت بيسان أمامها بصدق:
ـ أرجوكِ اقبلي اعتذاري يا زاد، لقد أخطأت في حقك.
خيمّت أمارات الترقب على القاعة حتى قطعتها زاد بغتة حين تركت مضربها على الطاولة وتمسكت بكفي بيسان قائلة بتسامح:
ـ صدقيني لا أحمل لكِ أي شيء سلبي، بالتأكيد لديكِ ظروف دفعتك لذلك.
ارتجف قلب بيسان، ما هذه الفتاة الملائكية، أطبقت شفتيها تبتلع لعابها بغصة قبل أن تقاطعها:
ـ كلامك يجعلني أكثر سوءً.
هزت زاد رأسها يمينًا ويسارًا مبتسمة:
ـ لا أقصد ذلك، أنا لا أعرف ظروفك، بالتأكيد الأمر أحزنني جدا وقتها لكنني لم أعتد الحُكم على أحد..
أنهت كلامها بالغ اللُطف ببحة صوت لم تفهمها بيسان، التي ربتت على يدها وتوجهت صوب رحيمة تباغت باحتضانها، بادلتها رحيمة العناق بصمت وربتت على ظهرها بيدها الحانية، همست بيسان لها بتردد:
ـ سامحيني أنتِ أيضًا عمتي.
زفرت رحيمة وأطرقت:
ـ كنت مخطئة أكثر منك يا ابنتي.
اعتدلت بيسان تلتفت صوب معتصم بنظرة خاصة بادلها إياها بقسوته المعتادة وزاد عليها بسمة ساخرة، تقريبًا قد توقع إلى أين أدارت دفتها، لم تحدثه قط واستدارت تلوح لهم بهدوء وترحل، لم يرحل معها التوتر رُغم أنهم لم يتحدثوا في الأمر، حاولت زاد التخفيف عنه بأي صورة وللحق حاول مجاراتها لكن الحزن المعتق في عينيه لم يفارقه..

..

في اليوم التالي انتهى من عمله منهك القوى لا تحمله قدماه، قد أصبح يعمل كآلة دون كلل طيلة النهار حتى تخار قواه ويعود إلى القصر بطاقة نافدة في طريق العودة عزم على النوم للغد صباحًا،
سألته أمه حين قابلته في الطابق السفلي ب ربتةٍ حانية على صدره
إن كان جائعًا فأومأ بالنفي لتتركه لحاله مشفقة عليه، ارتقى الدرج إلى الطابق الثالث حيث جناحه..
فتح الباب بتراخٍ ودلف
دون أن يفتح النور خلع حذاءه وسترته وألقاها إلى مقعد يحفظ مكانه ومن ثم توجه صوب
الفراش مباشرة..
النافذة الزجاجية مغلقة وستارها مُزاح للمنتصف ف
كان نور القمر يجود بضي خجول
جلس على فراشه فاستشعر شيئًا غريبا، كذّب حدسه من الوهلة الأولى لدلوفه الغرفة وللأسف تأكد من وجودها
انحنى نحو الكومود وفتح الضوء
فتراءت له جالسة أمامه بالفعل على الفراش ، تجذب الغطاء حتى خصرها وتطرق برأسها
ثيابها منزلية وكأنها زوجة عادية تنتظر عودة زوجها، ظل يرمقها ببرود لحظات
رفعت عينيها بخزي تنظر إليه بترقب
اقتربت ببطء مستحي صوبه، أيقنت أن الإغواء والتحدي لن يجديا معه نفعًا فسلكت دربها الأول، عفويتها وخجلها الفطري، لا تتصنع الخجل هي بالفعل تخجل وامتهنت الجراءة كي تصل مبتغاها، والآن عادت إلى سابق عهدها،
لكنها مخطئة..
هو رجل تحطيم القواعد
اللا قانون
اللا خضوع
ما تفعله في نظره يليق بجارية لا ملكة زايد كما صرّح لها من قبل
حينما طال صمته البارد
قالت بخفوت:
ـ معتصم أنا..
سأل بحروف بطيئة
ـ أنتِ ماذا بيسان ؟
قالت باندفاع:
ـ أنا زوجتك..

ناظرها بذات البرود وقال ضاغطًا على حروفه:
ـ لم أتزوج بعد.
ردت بصوت ضعيف مغناج:
ـ أنا معك كيف تقول ذلك وأنا بجانبك ؟
سخر بصوت متهكم فارتفع صوتها قليلًا دون إرادة:
ـ لن تغير حقيقة أنك زوجي.
أغضبته فهدر بصوت قاسٍ أفزعها:
ـ اخفضي صوتك بيسان.
ونهض ينظر إليها بازدراء ويشير إليها:
ـ لا تأتي إليّ في الليل ثانية ، حافظي على ما تبقى من كرامتك يا ابنة عمي..
نهضت وهبطت على الأرض تقف أمامه ببطء وترقب، فأشاح بوجهه عنها، رفعت كفها بأنامل مترددة تلامس صدره:
ـ اشتقت إلينا معًا.
توحشت عيناه والتمعتا بالقسوة وتركها تستطرد بذات الغنج والخفوت:
ـ قُل صدقًا، ألم تشتق إليّ.
تلعب على أوتار حساسة ويعلم نوياها جيدًا بيسان غيرت استراتيجيتها فقط والهدف مازال صوب عينيها، ازدرد لعابه ببطء وناظرها بغموض، قبض على أناملها، صدقًا اشتاق لمس تلك الأنامل الرقيقة، ربما إن لم تكن مزيفة لما أفلتها من يده أبدًا، حين فعل تشجعت واقتربت منه، تحتوي الوجع المُطل من مقلتيه بنظرة حنون، والمعضلة أنها حنونة بالفعل ولا يشك بذلك، الكارثة الأكبر أنه يعرف مزاياها قاطبة رُغم يقينه بأنها تتصنع الحب، ربما فطرتها الحنان لكنه يريد الحب، قد علمت مبتغاه وتصنعته!
همست بنبرة اخترقت قلبه فآلمته أكثر:
ـ تعلم أنني أحبك!
ابتعد يترك مسافة لنفسه قبلها، قال بصوت مكتوم:
ـ لن أقدم لكِ شيئًا.
أجفلت لبرهة ومن ثم تمالكت نفسها راسمة ابتسامة بطيئة على شفتيها:
ـ لا أريد غيرك.
وهي في حضرة تاجر يبيع الهواء إن أراد ولا يشتريه بتلك البساطة، كان هادئًا بحذر حين سأل:
ـ ووريث زايد الأول؟!
سارعت بالإجابة:
ـ هو قدر، إن قُدر لنا فلا بأس.
أطرقت بحزن وأردفت:
ـ وإن لم يُقدر فهذا نصيبنا الذي لن نعترض عليه..
اتسعت ابتسامته بطريقة أثارت ريبتها، مد يده يحتضن كفيها متنهدًا براحة:
ـ لم يُقدر لنا بالفعل ويسعدني أنني سمعت ذلك قبل أن تعرفي الخبر.
تباطأت دقات قلبها فيما ارتجف جسدها ليشدد من دعم كفيها حين شعر برجفتها وهدم كل خطتها بحروف بسيطة قالها بسعادة غامرة:
ـ زاد حامل في وريث زايد الأول، أعتقد أن الثاني من نصيبنا نحن.
انتهى الفصل
***
الفصل التاسع عشر
***
ـ زاد حامل في وريث زايد الأول، أعتقد أن الثاني من نصيبنا نحن.
لاحظ وقع الصدمة عليها، فظل على حاله مبتسمًا وإن شاب بسمته المرارة..
تحطمت آمالها كلها في لحظة فتصدعت قشرتها الواهية، سألته ولم تستطع السيطرة على ارتجاف صوتها:
ـ كيف؟
ضحك بخشونة، بل ناظرها بوقاحته القديمة وشاب حروفه شيء من سخرية:
ـ سأقول لكِ كيف.
باغتها بضمها إلى صدره فتجمدت، كانت مشتتة لا تدري ما هو التصرف الصحيح غير أنه يحاوطها فيزيد من تشتتها ذاك، مسّد خصلاتها ببطء وهمس:
ـ أنا سعيد إلى حد لا يوصف لأنكِ اخترتِ البقاء معي دون الإرث قبل أن تعرفي بالخبر.
ولو كان الأمر كذلك بالفعل لكان سامحها في التو لكنه أكثر من يدرك ما يُحاك من حوله إذ أنه رجل لايقبل بالخديعة مرتين، تعلم درسه جيدًا وأضحى يراقب كل شيء بذهن متقد، عاودت سؤاله بصيغة أخرى أكثر ارتعاشًا:
ـ هل أنتَ متأكد؟
تابع زيغ عينيها وارتجاف شفتيها إضافة إلى توتر عضلات فكيها الواضح فتصلب وجهه على إثر ذلك ببطء وضغط على حروفه:
ـ متأكد جدًا.
استحوذ على كفيها يضغطهما بقوة وأفضى إليها بأهم حقائق الكون:
ـ أُحبك بيسان لم تمر على قلبي امرأة غيرك.
لم تسمعه بل سمعته ولم تمرر كلماته على قلبها، مرت على عقلها فكرهت ما آل إليه الوضع، رأت خسارتها فقط، ستظل خارج مجال رؤية الجميع ،
صابها الخبال فراحت تهز رأسها بجنون وتهتف:
ـ ضيعت فرصتي الوحيدة ولا أسامحك.
كانت صادقة في مقتها للأمر بل مقتها وحقدها على معتصم نفسه، لكمته بيدها في صدره عدة مرات بعشوائية فقبض على رسغها بغضب:
ـ ألم تقولي منذ قليل أنه قدرنا وسنقبل به.
يتمسك بآخر الخيوط المهترئة يعطيها فرصة واحدة للتراجع وككل مرة بددتها، بددتها وتمتمت بخفوت وكأنها تحدث نفسها:
ـ لم يعد لوجودي سبب.
تجمد كليا دون استيعاب ألتلك الدرجة لا يزن لديها شيء، المصطنعة المزيفة، أغرقته في الأكاذيب وكل مرة تطيح بكرامته وقلبه معًا، لن يصفعها كما تستحق وتراجع خطوة واحدة يضع يديه في جيبي سرواله قائلًا بقسوة استحضر بها جُل جبروته:
ـ لكنك مُجبرة.
ـ ومن سيجبرني؟
قست نبرتها مثله فهذا الذي يقف أمامه يفرض سيطرته عليه قد تسبب في خسارة فادحة كلفتها مكانة سعت إليها بكل قوة، وذاك العاشق المطعون يسيطر على نفسه فعلًا، وقعت تحت مقصلة غضبه وانتهى أمرها، ابتسم ببطء، بسمة أشعرتها بالوحشة لا تلك الألفة التي حاوطها بها وهمس بأريحية:
ـ أنا من يقرر كل شيء يخصك من الليلة فصاعدًا.
يعاملها بتعالٍ حد استجلاب غضبها، ليست شيء بلا قيمة يتحكم بما يخصه، صاحت فيه بقوة:
ـ أريد الطلاق.
أخرج يده من جيب سرواله يعدل ياقة قميصه ويميل برأسه قليلًا:
ـ لن أطلقك.
ومال برأسه للجهة الأخرى بذات البسمة المقيتة:
ـ ولن أتزوجك.
كتفت ذراعيها أمام صدرها وتحدته:
ـ سأطلب ذلك من جدي.
وشكر لها ذلك ليتها تفعل كي يستمتع بعجز جدها عن دعم موقفها، أشار إلى الباب بكياسة مصطنعة:
ـ اذهبي إليه سريعًا أنا أنتظر رد فعله.
رحلت ناقمة عليه وعلى حظها العثر وشيعها بأسف وحزن شديدين ليته كان حذرًا وما وقع في حبها يومًا وأمنيته مُحال فالحب كالقدر لا ينفع معه حذر..
..
أغلقت الباب بسخط العالم كله، خسارتها لا تُقدر بثمن، استدارت ومضت عبر ممر طويل وعلى اتساعه شعرت بأنها تسير في خندق بين مطرقة طموحها وسندان معتصم، شعور بالضياع اكتنفها، وكأن مشاعر معتصم وصلتها متأخرة اهتز جسدها وقبل أن تتعثر وتسقط دعمت نفسها، هذه هي الليلة الأولى التي يكرر فيها على مسامعها اعترافه بالحب بعد زفافهما البائس، توقفت وأدارت رأسها تطالع الباب المغلق خلفها وحزنت على حالها وحاله، لم تتمنى أن يصلا إلى تلك النقطة، عادت تكمل طريقها بزفرة حارة، فما حدث لن يتغير من توابعه شيء، أسرعت خطواتها وهرعت إلى السيدة رحيمة، وصلت إليها وراحت تهذر بلا تهذيب:
ـ لقد أفسد كل شيء، حاولت معه بكل الطرق وفشلت.
كانت رحيمة جالسة ونهضت مرتابة مما تتفوه به بيسان التي دلفت إليها دون مقدمات تنهت، هيئة الفتاة مزرية كالتي سارت أميال دون هدنة، مدت يدها الحنون إليها تتمسك بكفها البارد وتسألها بقلق:
ـ ما الذي أفسده معتصم.
كان بصوتها غصة وابتهال صامت ألا تكون الواقفة أمامها قد خذلته مجددًا، نفضت بيسان يدها منها وابتعدت قليلًا تشكوه بسخط:
ـ ضيع فرصتي الوحيدة.
صرخت عيناها باللوم وصدقه قولها:
ـ لم تخبريني بأن زاد حامل وستحصل على الإرث مع منصور.
علا صوتها بوقاحة أكثر:
ـ أم أنك سعيدة لأن ابنتك ستفوز بالإرث والاهتمام.
خار قلب رحيمة عند قدميها ولم تتحملاها فاستندت إلى حافة المقعد المجاور لها بكفها وتمتمت بصوت أبح:
ـ أنا من فعلت ذلك بابني.
تلوم نفسها قبل الأخرى فهي من ساعدتها، بعد إطراق حزين رفعت رأسها باكية:
ـ ولدي كان يستحق امرأة تحبه.
قاطعتها بيسان بحدة:
ـ أنا أحب زوجي يا عمتي.
هدرت رحيمة بغضب:
ـ تحبين إرث جدك أكثر منه.
لوحت بكفيها في الهواء بلا سيطرة على ثباتها:
ـ ما المشكلة أن أحب زوجي وأطمح إلى الإرث معه.
صاحت الأم بحمائية:
ـ المشكلة أن معتصم يريد امرأة تحب معتصم نفسه دون زايد.
وتوحشت عينا الأم:
ـ ألا يستحق؟
زاغت عينا بيسان وغص قلبها، مشتتة تبحر في محيط بلا شطآن، أحيانا لا تعرف ماذا تريد وأحيان أخرى تكون ذات هدف، الآن ضائعة تائهة دمدمت بخفوت:
ـ أنا أيضًا أستحق.
استكرت الأم ببغض:
ـ ألم يحبك؟
ازدردت بيسان لعابها العسير وطفقت تتحدث بلا ترتيب:
ـ أنا أيضا أستحق الاهتمام، وأن أكون مرئية.
زوت رحيمة مابين حاجبيها و ساورتها شكوك حول بيسان جعلها تمعن التفكير أكثر:
ـ ماذا تقصدين.
أجابتها بسخط باكٍ:
ـ أقصد أنني سأظل على الهامش، مجرد فتاة تنتمي إلى العائلة ولا يأتي على ذكرها أحد.
الآن تأكدت المعضلة ليست معضلة إرث، بيسان تعاني مشكلة كبيرة، وذات القلب الرحيم عاطفية إلى حد أنساها وقاحة الفتاة فتقدمت منها تتلمس عضدها بحنو:
ـ لطالما كنتِ برفقة أمك، لم يخطر ببالي أنك تحتاجين اهتمام مني، ومعتصم كان يحبك لكنك تعرفين لايصح له الاهتمام بك دون زواج، تقاليدنا لا تسمح.
اصطكت أسنان بيسان واهتز جسدها:
ـ وجدي؟
تنهدت رحيمة وربتت على كتفها قبل أن تجيبها بعقلانية:
ـ جدك لم يهملك قط.
ارتفع حاجبي بيسان وناظراتها بأعين مستاءة:
ـ أهملني، تركني لأمي كي يتخلص من مسئوليتي.
لم يعجب رحيمة ما تسمعه ليس تحيزًا لعمها لكنها منصفة قالت بهدوء:
ـ بل تركك لها كيلا يحرمك منها، أمك أصرت على سفرها ورفضت العودة إلى هنا فاتفق معها أن تمضي وقت الدراسة برفقتها وفي إجازاتك تأتين إلى هنا.
وشت ملامح بيسان بعدم تصديقها فأشاحت بوجهها لتستطرد رحيمة بتأكيد:
ـ جدك كان يتابع أخبارك يوما بيوم، وحين عودتك النهائية إلينا زوجك أكبر أحفاده وأفضلهم من وجهة نظره.
بدا عليه الشتات أكثر فعادت تنظر إلى عمتها بجبين منعقد، أشفقت عليها رحيمة وتمسكت بكفها تقبض عليه وتقول بخفوت:
ـ زاد ليست حاملًا.
شهقت بيسان وانفرجت شفتاها بصدمة بالغة وهتفت:
ـ أتقصدين أنه خدعني.
كانت غاضبة بشدة حين وجدت نفسها وقد صارت لعبة بين يديه، تهكمت رحيمة فليس أسوأ من الكوميديا السوداء يليق بما يحدث:
ـ يرد الخديعة بالخديعة.
اندفع الدم ساخنًا داخل أوردة بيسان فهمت فالركض إليه هاتفة:
ـ سأتفاهم معه ونحل تلك المشكلة.
تشبثت بها رحيمة بعزم ومنعتها من الذهاب إليه، كانت خلفها تقبض بكل كف على عضد، آلمت لحم ذراعها فالتفتت عليه بأعين تائهة، لانت ملامح رحيمة ولم يفارقها حزنها:
ـ سيؤذيكي.
انقبض قلب بيسان وحاولت ازدراد لعابها فاحترق حلقها، تنهدت رحيمة باعتلال قلب أم:
ـ لقد آذيناه بشدة، ابتعدي عنه أسلم لكِ وله.
***
حتى أهوج النار لديه مكابحه..
معتصم تخلى وما عاد بالعشق يعتصم، كانت زيف وأكذوبة، بعد يوم من انفجارها أمامه وتفكير طويل فيما يخصها النتيجة لا شيء جديد، لن يحقق لها مرادها ويطلقها لأنه لن يقبل بكونه محطة في حياة امرأة، عافتها نفسه من قبل وكره وجودها أكثر وما عاد يراها إلا طامعة مزلتها دانية..
من حظه الجيد وجود من يهتمون لأمره معه، أتته أمه ليلة أمس وقضت الليلة بطولها بجانيه، بصمت وهدوء جلست جواره، رأى حزنها على حاله مكتسيا وجهها علاوة على غصة تقاطرت من بين حروفها حين أبلغته أنا تحبه فوق العشرين مرة متفرقة، بدت له على علم بما مر به وعاجزة عن التفوه بحرف، وهو مهما بلغ وجعه مبلغه وإن حتى سكن مقلتيه سيظل طودًا لا ينهزم..
سيكذب على نفسه وعلى الجميع ويدعي بأنه لم ينهزم!
بلّغ زاد هاتفيا صراحة بأنه يحتاجها، زاد هي أنقى بؤرة في حياته فقصدها، لم يحكِ ما يضمره ولم تسأله، قرأت الخذلان على وجهه حين زارها في غرفتها فغمرته بعناق مؤازر حنون..
كانت أمها قد حكت لها كل ما حدث وغضبت من بيسان بشدة، استنكرت كونها قادرة على التلون هكذا، واندهشت من أن أمها ليست حاقدة بل أنها متعاطفة مع بيسان بشكل لم تستطع تفسير سببه، الأمر الذي جعلها تعيد التفكير وتعود إلى قناعتها الأولى، ليست في موضع الناقد ولا الحكم وربما يكون لدى بيسان بالفعل ظروفها التي تدفعها إلى ذلك لا أحد يعلم..
حاولت التخفيف عن معتصم بأي طريقة فراحت تمزح معه وتتباهى بتفوقها عليه في تنس الطاولة، قرأت عليه الرقية الشرعية وأغرقته في سكينة وسلام، تركته غافيًا على فراشها وهبطت إلى المطبخ توصي له بطعامه المفضل، استيقظ هادئًا وهبط بدوره إلى غرفة الطعام حين دعته وانضمت أمهما إليهما، تناولوا الطعام ودعته أخته إلى صالة التنس بالأسفل فوافق مرحبا، أثناء هبوطهم ناوشته بينما تتأبط ذراعه:
- استعد للخسارة.
ابتسم بوقار:
- مستعد.
وفازت عليه بجدارة عدة مرات، بعد وقت اندهشوا من حضور منصور، منصور الذي دلف ببساطة وكأنه لا يحمل ضغينة تجاه معتصم، وصل إلى زاد ووقف جوارها بهدوء، ابتسم ومد يده إليها قاصدًا عينيها بنظراته اللينة:
- أريد هزيمته أيضًا.
توترت معالم وجهها خيفة أن يحتدم شجار جديد بينهما، شعر بها فأخفض صوته يطمئنها:
- لا تقلقي.
أومأت ببسمة مرتعشة ومنحته المضرب تحت أنظار أخيها المراقب بصمت، تركتهما خلفها وذهبت لتجلس على مقعد جانبي تراقبهما بتوتر، وقف منصور أمام ابن عمه وبينهما الطاولة، رفع يده بالمضرب يلوح في الهواء ويتحداه:
- هيا؟!
حكّ معتصم لحيته مبتسمًا باستخفاف، يفهم نية منصور، جاء خصيصًا ليمنح زاد إحساسًا بالراحة كيلا تتشتت ويتمزق قلبها بين أخيها وزوجها، نظرية لها التقدير ولصاحبها كذلك استحقاقا بالفوز، وللأسف منصور فاشل في تلك اللعبة، محارب شرس وند لا يستهان به في سوق الأعمال وفي لعبة كتلك يفقد السيطرة سريعا، ومعتصم لم يكن ليتركه يهزمه، طفق يبارزه وهزيمة منصور كانت واجبة استجلبت ابتسامة واسعة على ثغرة معتصم وتمتمة هازئة:
- لا تصلح لشيء..
كانت في الصميم فتلقاها بغير ترحاب وتلفت حوله بسخرية:
- وكأن أولادك يركضون حولنا!
رُغم أنها مقصودة إلا أن معتصم قهقه فقد نجح منصور في تبديد بعض الثلوج بينهما، منصور الذي وجده يضحك فضحك بدوره والتفت إلى زاد التي تزين وجهها الوضاء ببسمة هادئة، مضى صوبها ومد يده لها بالمضرب وقال بحماس:
- اهزميه بدلا عني.
نهضت بحماس وتناولت منه المضرب، توجهت صوب الطاولة وجلس منصور مكانها استدارت مثل معتصم صوب منصور الذي رفع قبضته مضمومة يلوح بها بمسرحية مفتعلة هاتفًا:
- زااااااد...زااااااد..
ضحكا ملئ شدقيهما وراحا يتباريان أمامه، بعد هزيمة معتصم ودعهما وصعد إلى غرفته تاركهما خلفه، نهض منصور متوجها إلى زاد طالبا المصافحة، مدت يدها بخجل تصافحه فابتسم مناوشا إياها:
- من العيب أن نتصافح أمامه.
أومأت تجاري مزاحه:
- لديك حق.
طلب منها بلباقة:
- هل بإمكاني زيارتك الليلة بغرفتك؟
قبل أن تتوتر أو تشك في نيته همس ضاحكا:
- لا تخافي أبدا، سأكون ضيفا مهذبا.
يغمرها بلطفه وتقديره لها فتعجز عن الرفض أومأت له بابتسامة بسيطة:
- سأكون في انتظارك.
مد يده بغتة يقبض على أناملها وتأوه بسعادة، أجفلت فهتف بأمل يخفف من إجفالها:
- قوليها مجددا.
خجلت وأطرقت برأسها، همت بالهرب فمنعها بحزم كفيه، توقفت فمال يقبل رأسها دون مقدمات، شعرت بقيود يحكمها حولها فحاولت التملص والهرب، فقد نذر من سيطرته وكبلها بعناق، ارتجاف بسيط مر بجسدها قبل أن تسيطر عليه وتستكين، عند رأسها استقرت أنفه فتنشق عبقها وتنهد براحة:
- لديك رائحة لا تشبه أي عطر، أنتِ قطعة من الجنة.
تحفزت قليلًا فرأى من الأفضل له أن يبتعد، ابتعد مهادنا فلن يخسر راحته بقربها حتى وإن اقتضى ذلك عدم المساس بها..
صعد معها إلى الأعلى وذهب إلى غرفته المجاورة لغرفتها، في المساء طرق بابها ففتحته له، دلف فوجدها قد حضرت جلسة أرضية بعض الكتب وكوبين من الشيكولا الساخنة وحلوى متنوعة، كان الجو باردا وبيجامتها بلون اللافندر ساترة، كاد يتهكم ويمدح كرم أخلاقها في عدم إخفاء شعرها عنه وكتم تعليقه السخيف كيلا يفسد الليلة قبل بدئها..
جلس على الأرض أمام الطاولة الأرضية فتربعت في مقابلته بابتسامة مترقبة، اتسعت ابتسامته بدوره:
- الجلسة مريحة ستجعلينني أخطط لاحتلال غرفتك.
تجمدت ملامحها إلا من أحداق تناظره باهتزاز، بدا عليها تصديقه وهو الذي يفضل الموت على إجبارها مجددًا، زفر قبل أن يحط بساعده على الطاولة ويتفرس في وجهها، بدت كمن ينتظر الغيث في صحراء عجاف، وليِّن القلب يحبها إلى حد رضاه بظلم نفسه، طمأنها بهدوء ومحبة:
- لا تخافي هكذا.. كنت أمزح فقط.
بدل دفة الحديث إلى عمله وحكى لها بعض من أسراره، طالت الجلسة لساعتين تجنب أي شيء قد يعكر صفو الجلسة، ناظرته بهدوء وحياد، ذلك الرجل نبيل ويستحق الحب، يستحق امرأة يسكن إليها وتسعده وللمأساة هي ليست تلك المرأة، دون تخطيط وجدت نفسها تغمغم بخفوت:
- أريد لك السعادة يا منصور.
ارتشف من مشروبه الدافئ وأكد ببساطة:
- أنتِ هي سعادتي يا زاد.
هزت رأسها يمينا ويسار، تريد سعادته وقالتها بعفوية صادقة، وسعادته تلك لا تتضمن اقترانها معه في جملة واحدة، ولأنها تجبن عن طلب الانفصال سلكت دربًا أشد وعورة:
-عليكَ بالزواج من امرأة أخرى.
لم تكن جملة ذات وقع بسيط عليها وعليه فقد تسمرا بعدها ينظران إلى بعضهما بعضا بلا استيعاب، كانت ذاهلة من نفسها ولم يكن أقل ذهولًا، وكأن أذنه خانته وتمردت عليه، سمعت ما لا ينبغي لها أن تسمع، نهض بغتة باندفاعه المعتاد ناظرها من علو فانكمشت لتزداد ضآلة، في تلك اللحظة شعر بقيمته المتدنية لدى امرأته، امرأته التي تفرط ببساطة وتعرض عليه الزواج الثاني بنفسها، كانت تناظره بأحداق متصلبة وقلب يتقاطر منه النزف تقطيرا، لم تجد في مقلتيها عبرات لتنضح بها فظلت كما هي جامدة، وفسر جمودها بشكل خاطئ، جال بخاطره ردود عدة، أن يصيح بعنف ويرفض جنونها أو أن يؤلمها بموافقته دون مناقشة وكيف تتألم وهي من تقترح، شعر بدونية نفسه وحبه فرمقها ببغض للحظات قصيرة واستدار راحلًا وقد مزقت جدران قلبه بقسوة ما تفوهت به..
مالت إلى الطاولة تستند بجانب رأسها ولم يرتخي من قسمات وجهها شيء، الجحيم مسكنها مهما حاولت الفكاك، لا تعلم كيف واتتها الجرأة لتقول له ذلك لكنها يقينا تدرك أنها ليست سكنه كما ينبغي..
***
لا عيب على أغنام شردت وحيدة إن كف راعيها عن رعايتها..
يوم جديد وموعد صباحي مع الصديق الجديد، تحضرت لمغادرة المنزل، كما العادة هبطت الدرج دون اكتراث بهم، فاجأها وجود سُهيل بانتظارها حين فتحت الباب، انضمت إليه في الخارج وأغلقت الباب بهدوء، تبين لها من ترقبه أن لديه الكثير ليحدثها عنه، بعد مساعدته الأخيرة لها لتحصل على بعض الأموال من أبيه وهو يتجنب الاصطدام بها، رغم تعاطفه معها وقتها وإيمانه بأحقيتها في الأموال لكنه كره استخدامه كوسيلة، واليوم تعاطفه معها يغلبه رآها في موضع انكسار واستنفرت إنسانيته، لم يعجبه تهميشها والاستغناء عنها بل ومعاملتها كدخيلة، سهيل ككل المواطنين المحكومين بأنظمة فاشية مستبدة شجبه ولعناته محض انتفاضة يأس لن تحرك ساكنا فيؤثرون الصمت لاسيما وإن كان حالهم أفضل من غيرهم..
سألها مبتسما بكياسة:
- بإمكانك توصيلي للعمل؟
أومأت دون حرف و سبقته إلى السيارة، فيض الأسف على وجهه يغضبها، استقلت مقعد السائق بزفرة استسلام فجاورها في للمقعد الآخر..
تولت القيادة إلى الطريق العام بهدوء، كان سهيل متوترًا في جلسته يرمقها من حين لآخر محتار من أين يبدأ لكنه حسم أمره وأصاب لب الموضوع دون مواربة:
- لم يعجبني ما حدث ليلة شجارك مع أمي.
التفتت إليه بغتة وقبل أن ترد ردا لاذعا توقعه منها استأنف بأسف:
- ضيعتِ الفرصة للتحدث بعقلانية والبحث عن حل.
زفر بقوة فرفع كفه قائلا بامتعاض:
- اندفاعك هو كبوتك.
ضربت المقود بكفها هاتفة بغضب:
- أنا المخطئة لأنني أوليت عائلتك أهمية.
قطب يمعن التفكير وينتقي كلماته، أسند ساعده على حاجز السيارة وشرد في المباني المترامية على طول الطريق، أدار رأسه صوبها مغمغما بحكمة:
- سوء علاقتك بعائلتي لا ينفي كونهم عائلتك أيضا.
زمت شفتيها وتغضن جبينها، كلامه لا يزن شيئًا لديها مجرد ثرثرة نابعة من شخص يشعر بتمزق عائلته دون قدرة على تقوية أواصرها، سهيل عاجز أمامها وأمام أهله، تشكر له صنيعه لكنها لم تعد بحاجة إلى تلك العواطف، ولو نفس الموقف مع شخص آخر لكانت أغلقت كل السبل في وجهه بحدة، لُطفه حتى في توبيخه يكبل شراستها، تنفست بعمق وقارعته الحجة:
- ليسوا عائلتي يا سهيل، العائلة لا يتخلون عن بعضهم بعضا..
كانت بحاجة لمن يسمعها فأنصت بتأدب، ليسمعها تردف بجمود:
- أنت تعلم نيتي فيما يخص مصطفى ومع ذلك توبخني الآن.
لم يقاطعها وظل يوليها جل انتباهه لاسيما وأن المشفى التي يعمل بها قد اقتربت، اجتازت الممر المؤدي إليها وأنهت ذلك الفصل بحسم:
- بالنهاية حدث ما حدث ولم أعد أبالي بشيء، أشعر بالراحة بالبعد عن الجميع.
استاء من يأسها وتخليها عن تلك الرابطة وما بيده حيلة، قبل أن يغادر منحها دعما صادقا:
- سأكون دوما بجانبك، نحن إخوة حتى لو رفضتِ ذلك.
نظرت أمامها بصمت، لم تجد ما ترد به، ليست عاطفية ستبكي تأثرًا بما تفوه، لم يطل الصمت وهدم سهيل جدرانه قائلا بخفوت:
- لا تقلقي بخصوص مصطفى، سأحاول معه بنفسي.
التفتت صوبه مغتصبة ابتسامة:
- جيد أتمنى لك التوفيق.
***
جنحت بسيارتها بعدما تركت سهيل خلفها، أغلقت كل مسار يأخذها عقلها إليه ويذكرها بما عانته ومازالت تعانيه مع تلك العائلة، مرت على المطعم الذي ابتاعت منه فطور المرة السابقة وأعادت الكرة بمكر، ستجبره على أن يتطبع بطبعها ويكتسب عاداتها مادام يصر على ملازمتها، حاول إقناعها بالعدول عن فكرة الحديقة والفطور الشعبي وأصرت وعليه أن يطيعها مرغما، وصلت سريعا واشرأبت برأسها تبحث عنه بلا جدوى، تأففت من تأخره ولم تعلم بأنه تعمده، وصلها بعد نصف ساعة من الانتظار وصف السيارة خلف سيارتها التي ملت من جلستها بها، مال قليلًا يستند بساعديه إلى حاجز سيارتها، يبتسم لاشتعال غضبها وافتعالها الا مبالاة بالنظر أمامها دون اكتراث به، تنحنح يجلي صوته قبل أن يناوشها بخشونة:
- زحام السير.
التفتت إليه بحدة وهتفت:
- المرة القادمة ستأتي أولا وتتوسل إليّ كي أوافق على مقابلتك.
لن يسخر منها ويغضبها أكثر فلتبق النار تحت الرماد بلا شرر حتى حين..
ضرب سطح السيارة من فوق رأسها بحدة وهتف ضاحكا:
- سأصالحك.
مطت شفتيها قليلًا:
- كيف؟
اتسعت ابتسامته :
- سأهديكِ قلادة.
فتحت الباب بغتة ودفعته فابتعد متأوها، تجاهلته وجذبت مغلفات الطعام وسبقته إلى الحديقة هازئة:
- وكأنني أهتم بتلك الأشياء.
هز رأسه يمينا ويسارا بلا أمل فيها، انضم إليها وتلك المرة جلس مباشرة أمامها، كانت ترتب الطعام على الحشائش الخضراء كالمرة السابقة بسرعة وتنسيق مبهرين، من بين من قابل من نساء هي الأكثر غرائبية، لا ينظر للأمر بمنظور طبقي أبدا، لكن أريحيتها تثير اهتمامه، عزة طبيعية لا تتكلف في شيء، لا تتصنع رقة ولا كياسة لا تمتلكها بالأصل، هي وليدة هذا البلد، تمثل عفويته وشراسته على نحو متناقض..
امرأة ذات قوة هوجاء تجذبه وهو الذي تشبع من اصطناع الرقة، ند له إن جاز لهما النزال يوما، إن كره سيكرهها بكل كيانه والحب ليس مطروحا بينهما على طاولة..
أتمت ترتيب الطعام والتقطت قرص فلافل تقضم منه بتلذذ وتمد يدها له ببقيته عفويا، نظر ليدها الممدودة وقبل أن يتناوله منها استدركت خطأها وقضمته بأعين مُحذرة، مضغت طعامها جيدا ومن ثم وأشارت إلى الطعام:
- بإمكانك مصالحتي.
نظر إلى الطعام بجبين منعقد، لايعرف ماهية معظم الأشياء أمامه ولاحظت ذلك فطفقت تعرفه ببساطة مشيرة إلى الأصناف بسبابتها:
- فلافل...فول...باذنجان متبل..
ردد خلفها باستغراب:
- باذنجان متبل!
رفعت كفها توقفه بنزق:
- لا تقاطعني..
ضحك بخفوت وأطاعها لتعاود تعريفه:
- ذلك مُخلل مشكل ( جزر ولفت) وهذا مخلل ليمون..
أشار إلى طبق به شيء كريمي وقالت بفخر:
- وذاك باذنجان أيضا لكن نسميه بابا غنوج..
وأخيرا أشارت إلى الشيء الوحيد المألوف أمامه:
- وهذا...
قاطعا ملتقطا قطعة وراح يلوكها ببطء:
- أعرفها...بطاطا مقلية..
أخذ يأكل شريحة بطاطا تلو الأخرى دون مس لباقي الطعام بينما التهمت عزة من كل الأصناف ومع كل قضمة تتأوه بتلذذ ويبتسم دون سيطرة، التقطت شريحة خبز وانتقت بعض مما أمامها وناولته الشطيرة فامتعض وجهه وهتف:
- سأكتفي بالبطاطا فقط لا أتناول شيئًا لا أعرفه..
تأففت بغضب وأشارت بسبابة يسراها إلى الطعام المحمول باليد الأخرى:
- إن لم تتناوله لن أقابلك ثانية..
بدت جادة وهو لن يجازف أبدا، التقط منها الشطيرة على مضض قلّبها بين كفيه قبل أن يرفعها إلى فمه ثم تشممها فضحكت عزة ضحكة رنانة، الرائحة غريبة عليه لكنها مقبولة، مد لسانه يتذوقها ببطء فضربت الأرض بكفيها واكتنفها الضحك العارم، يبدو كمن هبط من ناطحة سحاب لم تطأ أقدامه أرضها من قبل، تندرت عليه ولم تغب قهقهتها:
- هذا الطعام تلتهمه التهاما..
أتبعت جملتها بمد يدها والتقطت بعض الطعام لترفعه إلى فمها وتلوكه بتلذذ، حمسته ليخوض التجربة، تلك الفتاة متفردة في كل شيء تجلس أمامه وكأنها خالية البال رُغم علمه بأدق تفاصيل حياتها، قضم قضمة أولى وراح يمضغ ببطء أنتهى بتأوه متألم، المجرمة ملأت الشطيرة بأشياء حارة حرقت لسانه، وضع الطعام أمامه والتقط قنينة الماء تجرع منها عدة مرات فازدادت الحرارة حدة، عقدت حاجبيها ومطت شفتيها تراقبه بدهشة ممتعضة، وضع مصعب القنينة التي كاد أن يقذفها بوجهها وصاح بقوة:
- لم نتفق على ذلك.
قارعته برفعة حاجب مستخفة:
- حتى الأطفال يتناولون هذا الطعام الحار دون تذمر..
تجاهل قبل أن يلقنها درسا قاسيًا وهتف بسخط:
- اصمتي الآن لا أطيق سماع صوتك..
نهض بغتة وأشار إلى الطعام هاتفا:
- انهضي ولملمي كل تلك الأشياء..
لملمت بقايا الطعام بألية فيما كتمت ضحكاتها بأعجوبة، مرت نصف ساعة كان يمنعها من التفوه بحرف، ابتاع لبن رائب وعلكة ولم تهدأ له سريرة، كانت على مضض قد وافقت على صف سيارتها بمرأب عام وانضمت إليه في سيارته، توقف بها أمام فندق ضخم وهبط يغمغم :
-سأفرَّش أسناني ما زلت أشعر بنكهة طعامك في فمي.
أشاحت بوجهها تخفي شماتتها به كيلا يغضب أكثر، بعد خطوتين قطعهما عاد إليه يميل إلى السيارة يمازحها بمكر:
-أنت ضيفتي الآن، اصعدي معي إلى غرفتي.
وردها اللاذع حضر دون ترتيب:
-هل ستثبت صحة نظريتي؟!
ناظرها بلا تعبير لثانيتين قبل أن يمسد جبينه ويرد بنبرة ثقيلة:
-سأنتشي بخلع ملابسك.
أغضبها فبدا ذلك على تحفز جسدها وهتافها:
- لا أحب هذا المزاح.
ابتسم ببساطة وأومأ لها قبل أن يستدير ويعاود رحيله مغمغما:
- انتظريني عشر دقائق لن أتأخر.

***
تحسنت نسبيًا، وعادت حرارتها إلى حد طبيعي وبقايا السعال والرشح مازالا يلازمانها، زارها معتصم مع أمه ولم يدلف إلى الداخل، ظل واقفًا في الممر وخرجت له حين أبلغتها السيدة رحيمة بوجوده، بدا عليه الحزن العميق وشعرت بأن جديد قد جدَّ في حياته، بادرت صبر بسؤالها المهتم:
- ماذا بك معتصم؟
سمعتها رحيمة التي دلفت الغرفة لتوها والتفتت إلى وقفتهما خارج الغرفة بحزن، وعن معتصم فلم يكن بحال يسمح له بالخوض في ذاك الأمر، فقال باقتضاب:
- أنا بخير يا صبر ماذا عنكِ أنتِ؟
أومأت له بخفوت:
- أنا أيضًا بخير، الإنفلوانزا والسعال لا يقتلان لا تقلق.
توجس من تهربها بعينها منه ليست صبر من تتهرب، أمعن في وجهها الشاحب النظر وسألها بارتياب:
- هل حدث شيء أنا جاهل به؟
نفت سريعًا مما زاد شكوكه، كانت تهز رأسها مرة تلو مرة وعيناها بعيدة تماما عن اهتمام عينيه الثاقب، معتصم لا يهتم بأمور الآخرين لذلك إن لم تحكِ بنفسها ما يدور بخصوص مدين لن يعرف ردت سؤاله بهدوء حذر:
- لا شيء مهم بتُّ أفضل حالا الآن.
ومعتصم يعلم بعودة مدين إلى أروقة ماضيه مجددًا لفت انتباهه مصعب وتأكد من لقائه بصبر، والوقت ليس مناسبا ل حديث كهذا فأرجأ الأمر إلى أن تتعافى صبر ويكون هو بحال أفضل..
..
تناولت فطورها وأدويتها وغفت، طويلا حتى ساعة الغسق، وتلك ساعة فاصلة قد تفصل مصير إنسان، نهاية حقبة وبداية تاريخ جديد، أيقظتها أنامل تمر ببطء على وجنتها وتنحدر إلى شفتها فتضغطها بقسوة، غادرتها الغفوة بغتة فنهضت من رقدتها بفزع، فتحت عينيها على أقصى اتساع على وجود مدين أمامها على فراشها صاحت بلا استيعاب:
- كيف تكون بتلك الوقاحة وتقتحم غرفتي أثناء نومي؟
لم يكترث لصياحها فمهما حدث لن تساعه خانة اتهام كي يدافع عن نفسه، هاجم مباشرة دون تؤدة:
- كيف تسمحين لمعتصم بالدلوف إلى هنا!
ويعلم أن معتصم لم يفعل لكنه يضعها في موضع المذنبة متعمدا، فتثور وتعترض بشدة:
- وما شأنك أنت؟
وعينه تطلق شررًا صريحا لا يكلف نفسه عناء إخفاءه، مد يده وقبض على رسغها فتأوهت:
- شأني أنه من غير المسموح لأي ذكر أيا من كان بالاقتراب منكِ.
كانت شاحبة الوجه ولتوها مستيقظة من نومها مستنكرة العينين المشوبتين بأثار النعاس، تناظر عينيه بجلد وهتفت:
-لماذا؟
وكأنها مخبولة تسأله عن شيء لا يحق لها
هز كتفه بلا مبالاة وأجابها ببعض من سخرية
- لأنني هنا!
اندهشت من مغالاته في الثقة ف
تمتمت بسوداوية:
- وماذا في ذلك؟!
كنتَ هنا أو في أي مكان في هذا العالم لن يشكل الأمر فارقا.
لم يستسغ حديثها فقد اعتاد منها انتظاره، فتهكم بخفوت:
- لن أسمح لكِ بتخريب حياة الجميع.
مازالت يده تقبض على رسغها ككلابة تزيد من ألمها، مدت أنامل يدها الأخرى تلامس يده القابضة على رسغها فارتخت قليلًا بصور تلقائية، ارتكزت على ركبتيها بنصف نهوض لتوازي رأسه برأسها وناظرت عينيه الفاحصة بنظرة دامعة:
-لن أخرب حياة أحد أعدك أن أختفي من حياة الجميع.
راقبت توحش عينيه وجمود ملامحه وقبل أن يهم بالرد بقسوة تقتلها أردفت بصوتها الذي يبح في حضرته مؤخرا:
-لا تنطق بما يؤلمني، كلماتك تؤذيني.
لم يرف له جفن ظل على حاله طاغية يقسو بلا مهادنة، تربعت أمامه وهمست:
-معتصم لم يخطو خطوة إلى هنا لكنك تتجرأ على الجلوس أمامي على فراشي دون مراعاة ل شيء.
تركها تفرغ ما في جعبتها فلم تتأخر كثيرا:
- لطالما كنت كذلك، لا تراعي شيئًا.
كانت مطرقة تحدثه بخفوت فرفعت رأسها تواجهه بغصة احتلت حنجرتها:
- لم أتصور أن نصل إلى هنا وأكون بحاجة إلى الهرب هكذا.
صمته شجعها لتستطرد بعنفوان:
- وسأهرب إلى بعيد.
قالت أن كلماته تؤلمها وألمها يرضيه فضغط على حروف قاسية:
-ومن يضمنك؟!
زوت ما بين حاجبيها مستنكرة:
- يضمنني في ماذا؟.. أقول لك سأهرب تسألني عن ضمان!
ترك تساؤلها معلقا لبضعة ثوانٍ قبل يعطيها إجابة شافية، شافية وموجعة كذلك:
- من يضمن أنك لا تمتلكين مخططا للإيقاع بمنصور وتستغلين غفلة الجميع عنكِ.
تمتمت ذاهلة:
- للإيقاع بمنصور؟ هل ما زلت تشك بي؟.. لو كنت أريد منصور لأفشيت سر زاد له منذ زمن.
ومحقة كل الحق منصور لم يكن هدفها يوما ببساطة لأنه يحب زاد بصدق وأنه أخاه..
أثارت غضبه بجدارة فقذفها في وجهه بوقاحة:
- لن تحتاجي جراحة مثلها لأنني على علم بالماضي كما تعرفين.
جمدها بقوله فراحت تناظره بلا استيعاب هل ما فهمته صحيحا!
سيتزوجها ليمنعها عن أخيه بل ويعايرها بزواجها من مصعب، كرهت خنوعها لحبه وما يجبلها عليه فتأجج غضبها وصاحت بعنفوان عنقاء:
- لو كنت الأخير على الأرض يا مدين لن أتزوجك.
صاح فوق صياحها فبديا كالديكة في نزال هزلي:
- لا تثيري غضبي.
تواقحت مثله وهتفت بلا تهذيب:
- اغضب كما يحلو لك لم يعد لدي ما أخسره.
ارتخى فكه بذلك التعبير الذي يوحي بالراحة، أثار فضولها لتترقب القادم ولم يتأخر كثيرا:
- لديكِ ما تخسرينه.
قاطعته هاتفة بحرقة، حرقة على عجزها ل درء زحفه إلى روحها، كرهت ذلك الشعور ولن ترضخ له مهما حدث:
- قلبي وجسدي وُصما بك منذ زمن ونضب كره العالم حين كرهت نفسي جراء ذلك.
تلكأت عيناه عليها، من منبت شعرها إلى جسدها إنشا بعد إنش، كانت تهز رأسها بمقت وهتفت بغصة:
- أكره ذلك لا تنظر إليّ هكذا.
عاد إلى عينيها بنظرة حافلة بلهب الجحيم وغمغم من بين أسنانه:
- ليس جسدك ولا قلبك المعرضان للخسارة.
ولم يعد بها قدرة لتسأل فأعفاها من السؤال وأجاب مباشرة:
- عمتي رحيمة وأولادها.. داعمك الأكبر هنا.
حصل منها على انتباه متقد، اتسعت عيناها فدرب الابتزاز هذا يثير اشمئزازها:
- لن أخسرهم، خالتي رحيمة قالت بنفسها إنها لم تشك بي، ومعتصم يفهم كل شيء دون أن أرويه حتى.
لم تهز شباكه لأن مرماه من فولاذ و كان يتوقع حجتها والمعضلة ليست هنا ركز نظره بعمق عينيها، غيومه الداكنة التي استوطنها ذي قبل، راقب مزيج العنفوان ببقايا المطر، ومطرها غثاء سيل لا يفتت الحجر، ضغط على ثلاثة حروف بتؤدة
- زاد.
أصاب فازدردت لعابها، سال المطر مع ثورة الغيم في عينيها ورددت خلفه بتلك البحة المغوية:
- زاد!
والقسوة جزء منه لا تحتاج اصطناعا، منحها إياها في عدوان غاشم شكله بضعة حروف:
- زاد التي تحقدين عليها.
ذكرها بما قالته له من قبل، اعترفت بنفسها فأصبحت مُدانة بالحقد، وهي حقدت بالفعل على زاد وبيسان وكل امرأة قد تأتي إلى ذلك القصر عروسا، ظلت تنظر إلى عينيه، لا يمنحها أمان ولا راحة، مدين هو جحيمها كما قال، شعرت بنفسها وقد تكبلت في لحظة وأحكم الوثاق دون تأخير هامسا:
- زاد التي خططي لسرقة زوجها.
اتهامه باطل والحقيقة أنه لا يكترث، هي من تفعل وتتألم، يرى القهر متجسدا في عينيها فيعجبه ذلك، حاولت أن تتحدث بأي شيء تدحض افتراءه لم يسعفها لسانها وانعقد، رفرفت بأهدابها ومدت يدها تقبض على كفيه رمق يديها من علو ولم يستسلم لدفء أناملها، سألته بسلطوية امرأة غمرته بعناقها بكل كيانها ذات يوم:
- هل تصدق ذلك؟.. أنت تعرف أنني لن أخطط لسرقة أخيك يا مدين.
سحب منها امتياز سطوتها واستحوذ على تلك الجولة في لحظة كان قد بدل الأدوار وقبض بكفيه على كفيها يغرس أظافره في لحمها إلى حد أدماها:
- ما الفارق بين التخطط لسرقة ابن عمي أو أخي!
تأوهت بألم لا مفر ولا فائدة ترجى من جداله وافقته الرأي وأومأت:
- لا فارق.
حرر يدها ومازالت أعصاب يديه مشدودة، ضمت كفيها إليها تدلك موضع قطرات الدم والألم الذي لاحقها، نهض ووقف أرضا يناظرها من علو اقتنص السلطة وصار الحاكم بأمر:
- حضري نفسك ستقابلين جدي وتوافقين على طلب الزواج دون أي ممانعة.
صمت لوهلة يراقب وقع كلماته عليها، كانت صموت مطرقة برأسها في استسلام لم يعهده منها، عاد يستطرد ولكن بصوت أكثر خفوتا
- سنتزوج يا صبر من أجل أن تطمئن زاد.

انتهى الفصل

قراءة ممتعة😍🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-10-20, 07:45 PM   #128

Duaa abudalu

? العضوٌ??? » 449244
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 84
?  نُقآطِيْ » Duaa abudalu is on a distinguished road
افتراضي

تسلم اديكي يا رب
كل فصل احلى واقوى من التاني 😍😍😍
بانتظار المزيد من الاسرار وكشفها


Duaa abudalu غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-20, 03:45 AM   #129

انجيلانا

? العضوٌ??? » 438582
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 59
?  نُقآطِيْ » انجيلانا is on a distinguished road
افتراضي

فصل رائع واحداث مشوقة بالتوفيق ان شاء الله
بوركت جهودك المبزولة كاتبتنا الرائعة 😁


انجيلانا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-20, 11:05 PM   #130

samar hemdan
 
الصورة الرمزية samar hemdan

? العضوٌ??? » 461744
?  التسِجيلٌ » Jan 2020
? مشَارَ?اتْي » 969
?  نُقآطِيْ » samar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond reputesamar hemdan has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة duaa abudalu مشاهدة المشاركة
تسلم اديكي يا رب
كل فصل احلى واقوى من التاني 😍😍😍
بانتظار المزيد من الاسرار وكشفها
تسلمي يادعاء يارب الجاي يعجبك🥰🥰🥰


samar hemdan غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.