آخر 10 مشاركات
دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          533 - مطلوب زوجة وام - بربارة ماكماهون - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة - كاملة ) (الكاتـب : samahss - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          عطش السنين ـ رينيه روزيل ـ 464 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          24 - سجن العمر - جيسيكا ستيل ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1710Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-07-21, 02:14 PM   #61

طوطم الخطيب

? العضوٌ??? » 487178
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 169
?  نُقآطِيْ » طوطم الخطيب is on a distinguished road
Rewitysmile1


فصل أكثر من رائع تسلم ايدك

طوطم الخطيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 04:24 PM   #62

Topaz.

مشرفة منتدى الروايات والقصص المنقولةومنتدى الـروايــات الـعـربـيـةوعضو مميزفي القسم الطبي وفراشة الروايات المنقولةومشاركة بمسابقة الرد الأول ومحررة بالجريدة الأدبية

 
الصورة الرمزية Topaz.

? العضوٌ??? » 379889
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 7,036
?  مُ?إني » العِرَاقْ
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Topaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond reputeTopaz. has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهّم خِفَافًا لا لنا ولا علينا ، لا نُؤذِي ولا نُؤذَى ، لا نَجرَحُ ولا نُجرَح ، لا نَهينُ ولا نُهان ، اللهم عبورًا خفيفًا ؛ لا نشقى بأحدٍ ولا يشقى بنا أحد .
Icon26


مسائكم ريحان وعنبر

يا الله على القهر بهالبارت
ما اعرف نلقاها من رأفت
لو من حسن لو من ابوه

ما اعرف إلى متى راح
تبقى النساء تتعرض
للضغط والتهديد بابنائها

ياسر شكلي إلى نهاية
الرواية راح ابقى اردد
الله ياخذه ويريحنا منه

حسن ابن ابوه بجدارة
مثال على الذكر التافه
الحقير ، الاخ ثقته تكبر
من يشوف اعجاب ريتال
به! اخذك الله انت وياها
وابوك بساعة وحدة ،
الظاهر حسن من الجزء
الاول كان حقير بس ما
شفنا هالشي لأن ما
اجته الفرصة وبهالجزء
بس اجى له مجال صار
يبهرنا ، هو حاليًا يخسر
نفسه وما اعرف إذا راح
يفيق او لا وصراحة ما
يهمني المهم عندي إن
ملك ما تبقى ويّاه

المتشائمة الّي بداخلي
من قرأت مشهد حسن
وبنته صارت تفكر إن
معقولة بنته يصير لها
شي بسببه وهالشي
حَيكون هو الصفعة الّي
تنبهه؟ إن شاء الله لا

شهاب ياليت لو ينجح
مع ياسين ويساعده

اعترف إن مشاهد داليدا
تخوفني، هي عندها مبدأ
ورفضت الزواج برجل
متزوج بس هل تستمر
المبادئ بعد الضغط الّي
تتعرضله بحياتها ؟

الجار كان عندي امل بيه
قبل ما يظهر بس لقاءه
بيها احبطني

ابو غدي ما حبيت موقفه

خالد ونور شنو الّي راح
يصير بينهم ؟

الرواية فاتحة نفسي للتصميم






Neven shanan likes this.

Topaz. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 05:07 PM   #63

نهى على

? العضوٌ??? » 406192
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 278
?  نُقآطِيْ » نهى على is on a distinguished road
افتراضي

صدقتى بس لا يمنع ان سنابل اخطئت العرف احيانا بيسود عن الشرع اذا كان المعمول به ان عقد القران هو خطبة والزفاف هو اعلان لا تستطيع الفتاة اتمام الزفاف اما عن العقاب القاسى الظالم لسنابل فطبعا هو خارج حدود العقل الا لمن اتى من مجتمعات ريفيه يعلم انها تحدث

نهى على غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 05:42 PM   #64

ماسال غيبي

? العضوٌ??? » 485399
?  التسِجيلٌ » Feb 2021
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » ماسال غيبي is on a distinguished road
افتراضي

Topaz لقد اتلجت قلبي شكرا لك حقا الي متي ستقيد النساء بالابناء الافضل رايك عين الصواب ما الفاءد اد استفاق حسن بعد ان يجرح ملك هكذا هل يفيد الشاه ذبحه بعد سلخه

ماسال غيبي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-07-21, 05:59 PM   #65

نهى على

? العضوٌ??? » 406192
?  التسِجيلٌ » Aug 2017
? مشَارَ?اتْي » 278
?  نُقآطِيْ » نهى على is on a distinguished road
افتراضي

كل الظروف ضد داليدا للاسف الشديد.....خالد ونور وتدخل ايجابى من شهاب ورنا ومطلوب جدا فى ظل تغيب نجلاء واهمالها لاولادها واهتمام رأفت بقصة حبه الجديدة وزواجه الوشيك...حسن او آسر وتخبط مابعده تخبط حسن محتاج صبر وتروى تفسى خالد مايبعدش كان نفسى ملك تكون اقوى وتفرض نفسها ريتال اسر اعطاها وتصرفاته الضوء الاخضر وملك للأسف شريكه له فى البعد والهجر...ياسر الجوهرى واحلام مشروعة لكن للاسف على حساب حسن...ياسين وربوا اولادكم لزمن غير زمانكم واقع وحقيقة منطق وتحليل شهاب سليم مليون الميه ..للاسف هناء وراضى محتاجين يفوقوا قبل ضياع ياسين...غدى عقاب مستحق تصرف بمفردها دون اللجوء لاهلها كان لازم ابوها يتصرف كده...اكمل وتضحية كبيرة علشانها اتمنى انها تقدرها وتفهمها ...تسلم ايدك يا اسراء كل ماسبق جميل من الفصول واتمنى لك التوفيق بالقادم

نهى على غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:02 AM   #66

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طوطم الخطيب مشاهدة المشاركة
فصل أكثر من رائع تسلم ايدك
حبيبتي تسلميلي يارب مبسوطة أنه عجبك


إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:04 AM   #67

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى على مشاهدة المشاركة
كل الظروف ضد داليدا للاسف الشديد.....خالد ونور وتدخل ايجابى من شهاب ورنا ومطلوب جدا فى ظل تغيب نجلاء واهمالها لاولادها واهتمام رأفت بقصة حبه الجديدة وزواجه الوشيك...حسن او آسر وتخبط مابعده تخبط حسن محتاج صبر وتروى تفسى خالد مايبعدش كان نفسى ملك تكون اقوى وتفرض نفسها ريتال اسر اعطاها وتصرفاته الضوء الاخضر وملك للأسف شريكه له فى البعد والهجر...ياسر الجوهرى واحلام مشروعة لكن للاسف على حساب حسن...ياسين وربوا اولادكم لزمن غير زمانكم واقع وحقيقة منطق وتحليل شهاب سليم مليون الميه ..للاسف هناء وراضى محتاجين يفوقوا قبل ضياع ياسين...غدى عقاب مستحق تصرف بمفردها دون اللجوء لاهلها كان لازم ابوها يتصرف كده...اكمل وتضحية كبيرة علشانها اتمنى انها تقدرها وتفهمها ...تسلم ايدك يا اسراء كل ماسبق جميل من الفصول واتمنى لك التوفيق بالقادم
ريفيو رائع حبيته اوي تسلم ايدك مبسوطة أن الفصل عجبك


إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:09 AM   #68

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة topaz. مشاهدة المشاركة

مسائكم ريحان وعنبر

يا الله على القهر بهالبارت
ما اعرف نلقاها من رأفت
لو من حسن لو من ابوه

ما اعرف إلى متى راح
تبقى النساء تتعرض
للضغط والتهديد بابنائها

ياسر شكلي إلى نهاية
الرواية راح ابقى اردد
الله ياخذه ويريحنا منه

حسن ابن ابوه بجدارة
مثال على الذكر التافه
الحقير ، الاخ ثقته تكبر
من يشوف اعجاب ريتال
به! اخذك الله انت وياها
وابوك بساعة وحدة ،
الظاهر حسن من الجزء
الاول كان حقير بس ما
شفنا هالشي لأن ما
اجته الفرصة وبهالجزء
بس اجى له مجال صار
يبهرنا ، هو حاليًا يخسر
نفسه وما اعرف إذا راح
يفيق او لا وصراحة ما
يهمني المهم عندي إن
ملك ما تبقى ويّاه

المتشائمة الّي بداخلي
من قرأت مشهد حسن
وبنته صارت تفكر إن
معقولة بنته يصير لها
شي بسببه وهالشي
حَيكون هو الصفعة الّي
تنبهه؟ إن شاء الله لا

شهاب ياليت لو ينجح
مع ياسين ويساعده

اعترف إن مشاهد داليدا
تخوفني، هي عندها مبدأ
ورفضت الزواج برجل
متزوج بس هل تستمر
المبادئ بعد الضغط الّي
تتعرضله بحياتها ؟

الجار كان عندي امل بيه
قبل ما يظهر بس لقاءه
بيها احبطني

ابو غدي ما حبيت موقفه

خالد ونور شنو الّي راح
يصير بينهم ؟

الرواية فاتحة نفسي للتصميم






بالبداية ريفيوهاتك رائعة انتظرها بلهفة بعد الفصل .. أشعر أنكِ تتعمقين بكل مشهد وكأنكِ تريدين فهم الصراع النفسي الشخصيات 💜
التصميمات جميلة جدا جدا وبنزلها عندي شكرا ليكي عليها وتسلم ايدك ع الجمال ده ويارب دايما الرواية فاتحة نفسك ل التصميم

صدقتِ فعلا النساء هم اللي بيخضعوا للضغط والضعف عشان ولادهم فطرة للاسف الناس بتستغلها غلط

والحقيقة أن حسن دخل في دوامة الضياع وللاسف التفاهم بين الاثنين غير موجود نهائي
داليدا للاسف حياتها صعبة جدا جدا

ابو غدي أنصدم فيها للاسف لأنها غالية عنده أوي

Neven shanan likes this.

إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:10 AM   #69

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي رواية وأشرقت الشمس بعينيها

صباحكم مسك وعنبر وريحان

... عايزاكم تركزوا في السرد كويس

هستني تفاعلكم مع الفصل .. كومنتاتكم .. مناقشاتكم...ريفيوهاتكم

🚫🚫🚫 حابه أنوه لحاجة ركزوا في مشهد شهاب وسنابل جدا .... سنابل لسه مشوارها طويل في التعافي ...

======================

الجزأ الأول من الإشراقة الحادية عشر

بعد مرور فترة ....

وما سُميت الدنيا دنيا إلا لأنها دار إبتلاء ...
بعض منحدرات الحياة كمثلث برمودا من يمُر عليه لا نجاة له وإنما مصيره هو السقوط !
كالبحر الأسود من يغامر فيه طالباً السباحة تحتضنه الأمواج ساحبة إياه لعمق الموت ..!
أنهت الحاجة سعاد والدة عمر صلاتها وطوت ساقيها أسفلها ..
إبهام كفها الأيمن يداعب عُقل أصابعها في همسات ما هي إلا ختم الصلاة ثم تذكر بالتوالي استغفر الله والحمدلله والله أكبر كل واحدة ثلاثة وثلاثين مرة ثم تتم المائة ب لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ..
ترفع كفيها مُبتهلة تدعو كعادتها ودون ترتيب تجد نفسها تبكي داعية لسنابل ..
الفتاة أصبحت كقطعة من روحها وكأنها ابنتها التي تمنتها من الله دوماً حين جف رحمها بعد إنجابها لعُمر..
تشعر أن هذه الفتاة هي عكاز عمرها الذي أتاها في الوقت الذي تحتاجه ..
منذ أن أتت لبيتها وهي تأخذها في حضنها كل ليلة كطفلة رضيعة تريد أن تبث فيها منها روح أمٍ قلبية إن لم تكن أمٍ بيولوجية !
والعجيب أن الفتاة تتقوقع بين أحضانها بتشبث عجيب تتلمس منها ما تبثه أياها بنهم !
لقد بدأت تتفاعل معهم قليلاً
تعرفت عليهم وأصبحت تتجاوب وهي تحرك رأسها بنعم أو لا
لكنها مازالت سارحة في خيالها الحزين
بكاؤها جف لكن خيالاتها مازالت نابضة..!
صوت طرقات عمر يتعجلها قائلاً:-
"أمي هيا كي نلحق الطبيب "
نعم يا عمر أتية"
"
ردت عليه بينما تلتفت للفتاة الصامتة والتي تتلحف بإحدى عبائتها وأحد أوشحتها تجلس على الفراش صامتة دون أن تسأل إلى أين يأخذوها..
وكأنها لم يعد يعنيها كيف ستعيش ؟
وكأن الأيام أصبحت في عينيها سواء !
اقتربت منها تحتوي صدغها بين كفها وهي تقول بحنان :-
"هيا يا ابنتي حتى لا نتأخر "
أومأت سنابل واقفة معها دون مجادلة وخرجا الإثنان من البيت بأكمله ليركبان مع عمر الذي كان قد سبقهم ليخرج سيارته من المرأب..
فتحت لها الباب الخلفي وأدخلتها ثم جلست جوارها وهي تقول :-
"توكل على الله بني"
ضغط عمر على المقود محركاً سيارته في طريقه ..
رفع عينيه لا إرادياً في مرآة سيارته الأمامية فعلقتا بها !
تجلس جوار أمه متشبثة بها وهي تنام على كتفها شاردة في البعيد
متسربلة في إحدى عباءاتها التي تكاد تبتلعها !
عاد بعينيه لطريقه وهو يفكر في ذاك الذي سيذهبون إليه ؟!
لقد بحث كثيراً عن طبيب نفسي ماهر وكانت معظم الردود التي أتته تتلخص في اسم واحد
" شهاب البُرعي صاحب مركز لِتمسُك بيدي"
لقد أبدى إعتراضاً في البداية خوفاً من الإحراج فمن حظه الأسود هو في يوم كان زوج لإثنين يخصان شهاب البرعي
رنا الجوهري زوجته وأم أطفاله
والأخرى غدي البرعي ابنة أخيه
ذكرى باهتة لأثر بسيط كان يتوهج يوماً في جوار تلك النارية جلب ابتسامة لشفتيه..
ليس حباً
ليس ندماً
وليس حتى غضباً أو حزناً ما يشعر به ؟؟
لن ينكر أن غدي البرعي أنثى أثرت به بطرق كثيرة..وسيبقى عصيان ناريتها عليه كخدشٍ بسيط في مرآة رجولته لا يكاد يرى لكنه موجود ..
لكنه بعد مرور كل هذا الوقت وقد اقتنع بكل الطرق أن طرقهم كانت متوازية لا حيلة للُقى بينهم لم يعد يحمل لها شئ من المشاعر
شعوره عند ذكر غدي البرعي الآن ..كشعورك حين تمر على إحدى الأماكن القديمة التي أثارت فيك الشجن والفرح سوياً لكنك لم تعد تطؤها منذ زمن بعيد فتبتسم للذكرى ثم تنساها حين تعبره وتسلك غيره
عاد تركيزه مرة أخرى على هذا الطبيب !
شهاب البرعي!
حين نصحه رشاد أن يذهب إليه أولاً يشرح له حالة سنابل وما عرفه عنها قبل أن يأخذها وهو ما نفذه متوجساً من ردة فعله والذي لم يكن بخاطئ بها فهو فور أن دخل عليه وهجٍ من غضب مشتعل التمع في عينيه وفي أقل من ثانية كان يختفي في واجهة عملية بحتة يستقبله برُقي ولباقة كما عهده ثم يستمع إليه مهتماً وأخيراً موعدهم اليوم معه للمرة الثانية فالمرة الأولى سنابل ظلت صامتة لا تتحدث بشئ ..
بعد ساعتين ونصف ..
الساعة السادسة مساءاً
يجلسان في استراحة المركز في انتظار دورهم القادم ..
أغمضت الحاجة سعاد عينيها متمتمة بالحمد على نعمة الصحة والعافية وهي تضُم سنابل المنكمشة إليها عفوياً
يا الله
حقا لا يدرك قيمة الحياة إلا من يأتِ مكانٍ كهذا !
تمر بعينيها على الوجوه دامعة دون أن يتوقف لسانها عن الذكر
ذلك الرجل المسن في الزاوية على كرسي متحرك وكفيه يتحركان دون إرادة في إرتعاش متتالي وصوت همهماته مسموعة لكنها غير مفهومة ..
تلك الحجة التي تماثلها في العمر تتشح بالسواد باكية بإنهيار وأخرى تحتضنها فتختض باكية وهي تهذي:-
" لم يكن ابني لقد كان عضدي في الحياة "
ينخلع قلبها وهي تطرف بعينيها جهة ابنها الواقف جهة النافذة تعيذه بالله من كل شر..ثم تعود مرة أخرى بعينيها مع الوجوه
تلك الطفلة ذات العشرة أعوام على أقل تقدير والتي تنتفض باكية بهلع عجيب وعينيها تبرقان وكأنها في عالم آخر..

ذلك الشاب الذي يتحرك في المكان ذهاباً وإياباً يحتضن كفيه ببعضهم بتشبث ولا يكاد يجلس حتى يعود ويقف في نفس الثانية مُعيداً الكرة في الذهاب والأياب وكأنه لا يجد في الراحة موضعاً؟!
وأخر وأخرى والكثير ..الكثير...
سمت بالله على سنابل التي انتفضت على صوت الجلبة الآتية من الردهة البعيدة فطرفت بعينيها هناك ...
رجل بعمر الخمسين تقريباً يخرج من غرفةٍ ما حاملاً فتاة ربما بعمر سنابل أو أكبر بين ذراعيه تبدو بلا حول لها ولا قوة ..
دامع العينين ربما بل بالتأكيد هو والدها وامرأة جواره تخرج باكية ووهي تتشبث بكف ابنتها وصوتها يقترب منهم قائلة وهم يتجهان إلى الخارج :-
"حسبي الله ونعم الوكيل به ..هو السبب "
لم تشعر بدموعها إلا على صوت عمر الخافت وهو يقول :-
"أمي لما تبكين هيا لقد جاء دورنا "

عشرة دقائق وكانو يدخلون الغرفة على شهاب الذي رحب بهم ودعاهم للجلوس ..
نظر شهاب لسنابل المنكسة رأسها أرضاً مبتسماً ثم قال :-
" يا صغيرة ألن تعرفيني على اسمك"
ولم يكذب من قال أن الطبيب النفسي له خلطته السحرية في التعامل مع مرضاه ..
وكأن بنبرة صوته السَمِحة السحر فترفع سنابل عينيها البريئتين إليه ثم تهمس هذه المرة بصوتٍ بالكاد مسموع :-
"سنابل"
وكأنها تتعرف على نفسها من جديد ففور أن نطقته ..ارتجفت شفتيها في بوادر بكاء وعينيها تدمعان بحزن يُدمي القلب فتعود مسبلة أهدابها مرة أخرى
فتعود نبرة شهاب الرحيمة تداعب سمعها مرة أخرى :-
"مرحباً بكِ يا سنابل ..أنا شهاب البرعي "
وكأنه لفت انتباهها مرة أخرى فتعود رفع عينيها مرة أخرى له
كان شهاب يُدقق بها جيداً كي يفهم لغة جسدها فسألها بنبرة طبيعية :-
"ما رأيك أن نتحدث سوياً..أريد أن أسمعك؟!"
وكأن فكرة سماعها أثارت مكان ما بعمق روحها فتنتبه له جيداً
نعم هي تريد أن تتحدث .. أن تصرخ وتبكي ..لكن سمة شئ ما يطبق على صدرها فيخنقها ويمنعها عن التجاوب مع أحد لذا قالت بتعثر :-
"لكني لا أعرف "
تنهد شهاب مطمئناً لتجاوبها معه وعدم توجسها منه فنظر لعمر ووالدته قائلاً بهدوء:-
"والآن أستميحكم عذراً أن تتركونا سوياً "
ضغط زر ما وثوانٍ وكانت تدخل مساعدته قائلة :-
"نعم دكتور "
"خذي الأستاذ عمر ووالدته لغرفة الضيافة يا نوران "

أومأت برأسها وهي تشير لهم بلباقة أن يذهبوا معها فقام عمر على مضض لكن أمه ظلت تنظر لسنابل المتشبثة بها بتردد وقلق مما جعل شهاب يبتسم وهو يقول مطمئناً لسنابل :-

"لا تخافي سيكونون على بُعد غرفة واحدة منا فقط "

أجفل عمر مبتلعاً ريقه وهو يجدها تنظر له باستجداء رغم تشبثها بكف أمه فقال باضطراب:-
"لا تقلقي سنكون في الجوار"

كان شهاب يدقق جيدا فيما تفعل وفهم أنها نظرت لعمر ناشدة الحماية التي لمستها منه من قبل كما عرف منه أنه هو من أنقذها ...
بعد خروجهم دار شهاب حول مكتبه جالساً أمامها ثم قال مشيراً (للشيزلونج) والركن الموسيقي الهادئ قائلاً:-

"ما رأيك أن تجلسي هنا أم تُفضلي أن نظل هنا "

طرفت بعينيها حيث أشار ثم هزت رأسها نفياً مرة أخرى فأومأ برأسه قائلاً :-
"حسناً كما تريدين لكن لما لا تريحي ظهرك على المقعد وتأخذين نفس عميق ثم تزفريه على راحتك"

جعلها تفعل ما قال عدة مرات ثم هدأ الإضاءة لأخرى مريحة وجلس أمامها قائلاً بحنان أبوي وهو يشعر أنها تمس وتراً به بطريقةٍ ما وكأنها ذكرته بطريقة أو أخرى بحبيبة قلبه :-
"ما يحزنك يا صغيرة ؟!"
وكأنه ضغط على زر ما كي تبكي فأحنت رأسها تضع وجهها بين كفيها وهي تجهش في بكاء عنيف يقطع نياط القلب من شدة مرارته ...
تركها تُخرج ما في جعبتها من بكاء وحزن مرير لمدة نصف ساعة تقريباً حتى التقطت أذنيه ما أراد من البداية و صوتها المتحشرج يخرج مختنقاً :-
"لقد تركني
خذلني كما لم أتوقع منه أبداً
لم أأمن لأحد كما فعلت معه
لم أحب أحد كما أحببته"
رفعت وجهها الغارق في الدموع تسأله بمرارة رقيقة:-
"لما فعل ذلك لما تركني؟"
تحرك شهاب يفتح ثلاجة صغيرة بركن جانبي وأخرج منها علبة عصير صبها في كوب ثم وضعها أمامها ثم اتبعها بعلبة المحارم الورقية وسألها بحذر :-
" من هو يا سنابل "
ارتجفت شفتيها في بؤس حزين وقلبها ينتفض كالجريح هامسة بإرتعاش :-
"همام "
أومأ شهاب مشيراً لها أن تشرب وانتظر بصبر أن تهدأ مرة أخرى ثم سألها :-
"ومن هو همام يا سنابل وأين ذهب "
أحاطت كتفيها بذراعيها دون وعي عما تفعل وهي تنكس رأسها بخزي قائلة :-
"لقد كان خطيبي "
انتظرها أن تواصل وحين لم تفعل علم أنها لا تريد أن تصدم قلبها بنطق الموت فاطمأن أنها على الأقل مدركة لما حدث ..
رفع شهاب حاجبيه يشبك كفيه قائلاً بطبيعية :-
" لكني أعلم أنه كان زوجك وليس خطيبك فقط "

انتفضت من مكانها وقد جحظت عينيها المُذرفتان للدموع في استنكار قائلة ببوادر غضب لا تُجيده رقتها الفطرية :-
"لا لقد كان خطيبي "
أومأ شهاب مرة أخرى يجاريها ثم سألها:-
" وكيف خَذلك يا سنابل ؟"
عادت لضم نفسها مرة أخرى وعينيها تطرفان بكل جهة في الغرفة دون أن تنظر له ثم فجأة أغمضت عينيها تشد عليها بقوة وكأنها تمنع ذكرى ما !
تنكس رأسها بخزي وأجهشت تبكي مرة أخرى مرددة بجزع :-
"لا أستطيع ..لا أستطيع "
دقق شهاب فيها جيدا وبلغة جسدها ثم تركها حتى هدأت قليلاً فسألها بهدوء :-
"هل تزورك الكوابيس وأنتِ نائمة يا صغيرة ؟"
أخذت سنابل تهز رأسها بنعم بقوة هاذية باستجداء لا تدركه :-
"نعم ..نعم أنا لا أعرف النوم أصبحت أكرهه حتى أني أمثل عليهم أني نائمة لكني لست كذلك كلما أغمض عيني أراه وهو يجرني خلفه أتوسله ألا يفعل لكنه فعل ..
انحنى شهاب قليلاً على مقعدة يقرب رأسه منها منادياً لها حتى ثبت عينيها معه في تواصل بصري وسألها :-
"من هو هل هو همام ؟!"
"لا
صرختها باستنكار"
ثم ارتجفت شفتيها باكية وهي تقول بحزن ونبرة يشوبها الفقد لشئ غالي لا يضاهيه شئ أخر:-
"همام لم يكن ليفعل هذا "
سألها بتشديد دون أن يقطع تواصلهم البصري :-
"إذا من هو "
صمتت كثيراً حتى ظن أنها لن تتحدث إلا أنها أخيراً خرجت منها همسة صغيرة ..متعثرة.. ومخذولة وكأنها تركلها من داخل صدرها عبراً لفمها :-
"إنه أبي"
"ولما فعل ذلك ؟"
عاد شهاب يسأل بإصرار إلا أنها هذه المرة سكتت طويلاً باكية بصمت فعلم أنه لن يخرج منها بأكثر من هذا اليوم ...
دار شهاب جالسا ً حول مكتبه مرة أخرى طالباً مساعدته وحين دخلت عليه حدثها بالأنجليزية قائلاً :-
"نوران أعطيها حقنة ........ نصفها فقط وليس كلها ثم خذيها لغرفة الاسترخاء حتى أنتهي بحديثي مع أهلها "

أومأت نوران برأسها وهي تصحب سنابل معها والتي توترت في البداية إلا أن نبرة شهاب الحنونة طمأنتها فذهبت معها ...
دقائق وكان شهاب يدخل غرفة الضيافة على عمر ووالدته التي هبت تسأله بلهفة :-
"أين هي ..هل هي بخير يا دكتور؟! "

أومأ شهاب برأسه مبتسما ً بسماحة وهو يقول :-
" لا تقلقوا هي بخير "
شبك كفيه وهو ينقل نظره بينهم شارحاً:-
"اليوم لم تكن جلسة بالمعنى الحرفي لقد كنت اطمأن عليها وعلى حالة ذاكرتها "
"هل هي متناسية ما حدث أم أنها أسقطت ما حدث في ذاكرتها عن عمد"
نظر إليه عمر بانتباه ووالدته بلهفة حزينة فتنحنح شهاب قائلاً:-
"حمداً لله هي متذكرة ما حدث لكنها ليست بالشجاعة الكافية كي تحكي كل ما بداخلها
كما أن ذاكرتها مشوشة بعض الشئ "
"وما الحل يا دكتور ؟"سألته والدة عمر بقلق فابتسم مطمئناً وقال :-
"لا تقلقوا الأمر ليس بالصعب.. لن أقول سهل عليها بل هو مريع الوقع على نفسها وتحتاج وقتاً حتى تتعافى لكن أتحدث في نظرتي عن حالتها أنا مطمئن "
تحدث عمر أخيراً بعد صمت متسائلاً:-
"والمطلوب... نحن لا نعرف حتى الطريقة الصحيحة للتعامل معها
لا أعلم هل هي مدركة لنا أم لا نحن نراها تائهه رغم أننا أخبرناها من نحن"
التفت إليه شهاب ممعناً النظر ثم قال :-
" هي تمر بمرحلة استسلام وسلبية بمعنى أن اليوم يمر بيومه ولا يفرق معها شئ أخر
لذا فهي تدرك نعم أنكم لستم أهلها لكنها لا يهمها مع من تكون "
حك شهاب ذقنه ثم قال شارحاً بطريقة توحي مدى ذكائه ونباهته كطبيب محنك :-
"أنا إلى الآن لم أسمع منها ما أريد لكن ما استشفيته أن الشخص المدعى همام كان لها كطوق نجاة ربما
الأمر إلى الأن ليست معالمه واضحة لكن بموته شعرت وكأن روحها زُهِقت معه ففقدت بفقدانه معنى حياة اكتسبتها من خلاله على ما يبدو "
صمت ثوانٍ ثم احمرت أذنيه بخجل فطري من يعرفه جيداً يعرف أنه يميزه وقال بنبرة رزينة تتسم بالوقار :-
"ما يزيد الأمر صعوبة أنه مات بعد علاقة عاطفية معها كما فهمت منك يا سيد عمر لذا لو تكرمتم إذا كنتم ستكفلونها حقا فأدوا دوركم إلى النهاية معي
وإذا لا فالمركز متعاقد مع كبرى دور الرعاية ومن الممكن أن نأخذها مع وعد بالحفاظ عليها ويمكنكم زياراتها طبعا "

شهقت والدة عمر وهي تنظر لابنها الصامت باستنكار ثم أغرورقت عينيها بالدموع تنظر لشهاب قائلة :-
"كيف تقول هذا بني انها منذ أن دخلت بيتي وقد غدت ابنتي ولن أتركها أبدا حتى أموت "
أومأ لها شهاب باحترام لكنه عاد وأمعن النظر في وجه عمر ينتظر كلمته التي خرجت مضطربة وضائقة بعض الشئ :-
"لك وعدي ستكون بخير "
تنهد شهاب ببعض الراحة ثم ابتسم ببشاشة وقال:-
"جيد
لقد كتبت لها عدة أدوية بسيطة المفعول لكنها تحتاجها في المرحلة الأولى فقط من العلاج لكن هناك شئ أخر أهم من الأدوية "
"وماهو ؟"
سأله عمر باهتمام فرد عليه شهاب قائلاً:-
"سيد عمر أنا أعلم أنك تسكن بمدينة .....قرب البحر لذا أريدها أن تذهب كل يوم للتمشية لمدة ساعة على الأقل هناك
يوم ليلاً ويوم صباحاً "
"لك هذا بني "
قالتها والدة عمر بلهفة فابتسم شهاب ثم نظر لها وقال بتهذيب :-

"هي الأن مشوشة يا أمي لن تفكر في أمر صلاة أو دعاء كما أننا لا نعلم إن كانت تصلي بالأساس أو لا
لذا أريد منكِ يا أمي أن تأخذي بيدها دون ضغط..فقط ترشديها لقراءة القرآن حين تخاف ليلاً
الدعاء حين تبكي ..الصلاة معك .. يعني هكذا فهذا الجانب بالذات سيقصر علينا المشوار"

أومأت أم عمر برأسها فوقف شهاب مستئذناً وهو يقول :-

"حسناً اعتذر منكم حتى اذهب لمن يحتاجونني..وهي الآن في غرفة الاسترخاء دقائق ومساعدتي ستجلبها لكم مع ورقة بها تعليماتي"
بعد دقائق من خروج شهاب كانت تدخل عليهم بلهفة..عينيها زائغتان بحيرة كطفلة تائهة تبحث عن أمها وسط زحام روحها وفور أن أبصرتهم ركضت على والدة عمر تقبع في حضنها بصمت متنهدة براحة ..
==================

الحوجة إمرأة شحاذة تأتيك ليلاً متشحة بالسواد وجهها كنذير شؤم يجعلك تنفذ لها ما تريد رغماً عنك حتى تتخلص من شرورها...
المشفى الحكومي..
تجلس داليدا منكسة رأسها تضعها بين كفيها كصورة حية للإرهاق لكل من يراها ...
منذ أيام وهي على هذه الجلسة حتى أنها تشعر بجسدها سيخذلها قريباً من كثرة ما تضغط على نفسها
منذ أن أخبرها الطبيب بحالة أختها وسقطت مُغشى عليها هناك وحين أفاقت أخذت تبكي كالمجنونة حتى طمئنها الطبيب ثم نهرها بحزم أن تتوقف عما تفعله من أجل أختها !
رباه حتى البكاء أصبح رفاهية لها!
تشعر كالمربوطة في ساقية دائرة لا تهدأ ..
الصباح في العمل بعد أن تطل على أختها في المشفى ثم تعود وتمر على جدها وإبراهيم الصغير كي تطعمهم دون أن تتذكر نفسها ثم مرة أخرى تعود لأختها في المشفى ..
رباه ألن ترتاح أبداً
هل مكتوب عليها فقد كل من تحب؟
ستموت ..
تقسم أنها ستموت لو حدث لفيروز الصغيرة شئ ..
تعود ويبكي قلبها دون أن تذرف عينيها الدموع وهي تجز على شفتيها حتى أدمتهم فتشعر بطعم الدم الصدأ كطعم كل شئ في حياتها ..
تشعر أن اللعنة بها هي !
بل هي متيقنة !
هل هو ذنبها المرابض لروحها منذ سنوات !
ذنب!
تبتسم ساخرة بمرارة ..
بل ذنوب
ذنوب أثقلت بها كاهلها فشابت روحها وهي في سنٍ فتي!
لكن أحد ذنوبها لم تكن بيدها
لا..
بل كانت بيدها لكنها لم تكن تظن أبدا أن نهايتها ستكون كما كانت
أبداً في أحلك أحلامها سواداً لم تتخيل أن يحدث ما حدث ..
لكن سياط الذنب تعود وتجلدها دون شفقة أنها المذنبة الوحيدة ..
قاعدة هامة عند النفس الجلادة ..لا يوجد شئ اسمه...
كان رغماً عني
بل كان بيدك !
كنت قاصداً متعمداً!
نعم هي من رسمت لوحة ماضيها السوداء عمداً بقلمٍ من حبرشديد السواد فكانت النهاية بتلك البشاعة التي مرت بها ...
جحيم.. جحيم..جحيم
نار تسلخ من لحمها الحي راقاتٍ وذنبها الثاني التي تتناساه عن عمدٍ ينكأ جدار ذاكرتها بشماتة يذكرها بخداعها لأمها ..
لقد خذلت أمها
حتى وإن لم تعلم ولن تعلم وقد واراها الثرى لن تستطيع أبداً إلا أن ترى نفسها خائنة ..
خائنة لربها ..
خائنة لنفسها ..
خائنة لأمها
وأاااااااااااااه
صرخة مكتومة غير طليقة تضج بها روحها المحبوسة بين جدران ماضيها فلا تقدر على إخراجها أبداً..وكيف تفعل ؟
كيف تفعل وقد سخرت حياتها لمن يعتمدون عليها
يكفي إلى الآن تفكيراً في نفسها البخسة
داليدا ماتت
داليدا ماتت منذ زمن وماهي سوى خيال مكسو باللحم والعظام ينتظر خروج الروح ..

"داليدا!!!!"
صوت السيد رأفت المتعجب قطع عليها رثائها لنفسها فرفعت عينيها المرهقتين شديدتي الإحمرار له ناطقة بذبول :-
"سيد رأفت؟!"
اقترب منها رأفت وكأنه لم يكن متأكد بعد من أنها هي ثم وقف أمامها على بعد خطوتين منها متسائلاً بقلق:-

"ما بكِ داليدا ولما أنتِ هنا هل جدك تعب مرة أخرى؟ "
هزت رأسها نفياً وهي تقول بنفس النبرة دون أن تقوى على الوقوف :-
"لا إنها أختى الصغيرة فيروز"
تحشرج صوتها عند نطق اسم اختها وقد طفرت بعض الدموع في عينيها فبدت لعينيه صورة جميلة معذبة ..
لهف قلبه عليها وهو يراها بكل هذا الضعف مما جعله يجلس جوارها متسائلاً باهتمام يمس القلب دون زيف:-
"ما بها الصغيرة ؟"
التفتت له وبكل ما فيها من ضعف أرادت أن تتحدث
أن يستمع إليها أحد فقط ويحمل عنها اليسير من همها
نطقت بتحشرج ونبرة شديدة الحزن :-
"إنها فيروز الصغيرة ... ابنتي وليس اختي فقط لقد قال الطبيب أنها مصابة بفشل كلوي بالمرحلة الأخيرة "

رباه
همسها بينه وبين نفسه بمؤازرة لما تمر به تلك الصبية التي تستحق كل الدلال
ثم عاد بعينيه في نظرة إنتقاص لتلك المشفى الحكومية الرثة !
لقد كان هنا لإعطاء بعض التبرعات التي يفعلها سنوياً وراءها صدفة فلم يصدق نفسه في البداية معتقداً أنها تهيأت له من خياله الموله بها حتى تقدم منها !!
هب واقفاً على قدمية وهو يقول بجدية :-
"هيا معي سننقل أختك حالاً من هذه المشفى "

رفعت رأسها إليه متفاجئة ثم سألته بعدم فهم :-
"ولما وأين سأذهب بها إن حالتها سيئة"
وضع رأفت كفيه في جيبي سرواله قائلاً بعزم :-
"أنا سأنقلكم إلى إحدى المشافي الخاصة التي أتعامل معها"
وقفت داليدا هي الأخرى أمامه وكأنها لا تصدق ما يقول فقالت :-
"لكن سيد رأفت أنا لست بقادرة على نقل أختى لمشفى خاصة ..بالكاد أقدر على مشفى حكومي "
تنهد رأفت قائلاً بضيق:-
"داليدا هل تظنين أني سأتركك تتكلفين بشئ بالتأكيد أنا من سأفعل"
جحظت عينيها المرهقتين وهي تنظر بقلق فهمه على الفور فلم يرد أن يجعلها تشعر أنه يمسكها من يدها التي تؤلمها لذا قال برقة مبتسماً:-
"لا تخافي يا داليدا ما أفعله مجرد خدمة إنسانية وليس مساومة كي توافقي على طلبي الذي مازلت مُصر عليه رغم كل شئ"
وأمام إصراره وكلامه المنمق وهو يقدم لها خدمة على طبق من ذهب كما يقولون لم تجد بداً من الموافقة ...
بعد ساعتين
تجلس جواره في المشفى الخاصة التي تم نقل أختها بها باكية بانهيار حتى أنه لا يعرف كيف يواسيها
لقد قال الطبيب أن أسلم حل لأختها هو عملية زرع كلية جديدة
هو قادر أن يفعلها لها
يقسم أنه يفعل أي شئ من أجلها
لكنها لا تسمع ولا ترى تبكي بانهيار خائفة على فقد أختها
وجدها تلتفت له وشعرها الطويل المهمل ينام على كتفها في ذبول يشبه صاحبته تتحدث بألم وكأنها لا تراه
"لما أنا ؟"
" ها لما أنا ... أعلم أني سيئة ...أعلم أني كالجرذ الذي لا يستحق شئ"
حاول أن يهدأها إلا أنها لم تكن تسمعه فقط تنظر له بنظرات مزيج من الشقاء والبؤس تندلع من بينهم لمعة كراهية غير مفهومة موجهة لنفسها لا لأحد وهي تواصل بصوتها المبحوح حزناً:-
" لما عقابي يأتي بهم هم ؟!"
"بالبداية أبي ثم أمي ... أمي المرأة الطيبة التي كانت تأخذ من فمها لتعطيني لما هي من ماتت وليست أنا "

صوت صراخها يعلو فيحاول تهدأتها إلا أنها لا تسمع فقط ثائرة بلا روح
"لما فيروز الصغيرة ..لن أحتمل فقدانها هي الأخرى أقسم لن أحتمل "
يقسم أنه هو من لا يحتمل ..
لا يحتمل رؤيتها هكذا وقلبه يتألم من أجلها !
عذاب من نوع أخر
لذا دون أن يفكر بشئ كما هو دوماً
دون أن يفكر بمكانته أو حتى هيبته المفروضة جذبها لأحضانه
يدفن رأسها على صدره بقوة رابتاً عليها بكل ما ما بداخله من حنان ..
قلبه يختض بين ضلوعه ومنذ زمن لم يشعر بشعور رائع كهذا
وكأنها أعادته إلى رأفت الشاب الجامح الذي لا يخشى شئ ويفعل كل ما يريد
الشعور بها بين ذراعيه منعش ..مبهج لحواسه ..ومطبب لقلبه..
وهي!
هي كانت تتلمس حناناً من نوع أخر
حنان أبٍ حرمت منه طيلة عمرها رغم أنه كان على قيد الحياة ليس جحودٍ منه
لكنها كانت طبيعته !
والدها كان رجل بسيط من الزمن القديم لا يستطيع التعبير بعاطفته عن شئ فقط له وجوده واحترامه المفروض لا شئ أخر ..
بعد دقائق انتبهت لما يحدث فرفعت رأسها خجلة وقد توردت وجنتيها بخجلٍ ممزوجٍ بالخزي وقد بدت لنفسها مثيرة للشفقة ولأول مرة تجد نفسها تدقق به...
رجل خمسيني لياقته البدنية تعطيه أصغر من عمره بالكثير خاصة بشعره الأسود وكأن الشيب لن يزره ..عينيه عسليتان كحال المعظم لكنهم بهم من الطمأنينه ما يجذبك ..أنفه مستقيم شامخ يعبر عن صاحبه خاصةً أن وجهه لا يخلو من الغموض والهيبة الفطرية به ..وبخت نفسها على ما تفعل وقد أطرقت برأسها أرضاً وهي تعود لحزنها وقلة حيلتها لكن رأفت لم يتركها وقد ابتسم ابتسامة بشوشة وهو يقول بثقة يزرعها في روحها:-
"لا تخافي شئ يا داليدا طالما أنا موجود ..أختك الصغيرة ستكون بخير ..وستعمل العملية في أسرع وقت هذا وعدي لكِ"
=====================

أرجوحة حديدية ذراعيها من الزهور تجلس عليها بدلال ..ترتدي فستان حريري من اللون الأبيض مزين بالورود الزهرية ..شعرها الطويل ينسدل جانباً يغطي نصف وجهها وهي تبتسم بخفر
وهو !
هو أمامها
لقد رأته من قبل بنفس هذه الهيئة ونفس تلك الملابس!
طوله المتوسط ليس بالفارع وليس بالقصير بل هو معتدل ..جسده النحيف والذي لا يخلو من اللياقة
بشرته الفاتحة بأولى درجات الخمرية بلحيةٍ خفيفة وشاربٍ يماثلها..
شعره الأسود الناعم مصفف بتسريحة جانبية أظهرت مدى كثافته وكأنه يدعوك لأن تمرر أصابعك فيه
بدى مثالاً للوسامة التي تضج من كل خلية منه يقف مائلاً يرتدي بنطالاً من الكتان الأبيض يعلوه بلوزة قطنية دون ياقة ظهرت منها إحدى السلاسل الفضية تعلوها سترة مُهدلة بعض الشئ من نفس قماشة البنطال ونفس لونه
بدأت هيئته فوضوية لكنها شديدة الأناقة..
عضت شفتيها بأسنانها البيضاء بخجل وهي ترفع رأسها لعينيه مرة أخرى..
وانشدهت!
انشدهت
عينيه الناعستين ..شديدتي المكر ..واثقتين وكأنهما لا يخشيان شئ ولا يقف أمامهما شئ
عميقتين رغم صغرهم مضيئتين بمشاعر لا قِبل لها على صدها
وكأن بدايتها ونهايتها هاهنا بين ألقهم
وأخيراً يقترب إنشات يميل بثقة ثم يضم إحدى عينيه هامساً بخشونة :-
" سأتزوجك"
هبت سنا جالسة على فراشها ..تمر بكفيها في شعرها ..جاحظة العينين لا تصدق ما كانت تراه في منامها
لقد كان عمار
رباه هل تحولت إلى مراهقة غُرة تحلم بمن هي معجبة به !
معجبة به ؟
هل اعترفت للتو أنها معجبة بعمار العُليمي ؟!
تغضنت ملامحها الجميلة ببؤس وهي تضم ساقيها لصدرها ..تستند بذقنها لركبتيها معترفة بما هو أكبر
الحب ؟
نعم هي سنا الفارسي بكل شعاراتها الفارغة وقعت بين شباك عمار العُليمي ولا تعلم إلى أين ستصل
لو أخبرها أحدهم أنها ستقع يوماً في الحب كمراهقة صغيرة لضحكت عليه ساخرة !
لقد كذبت نفسها مراراً حتى قضى على ثباتها حين اعترف لها بحبه ..
هل تراه صادق ؟
هل تراه يلعب بها ؟!
أم علها بضعة مشاعر فائرة توجهت لها وسيأتي لها يوم وتخمد
ماذا عساها فاعلة ؟!
إنه حتى ليس من طرازها
لطالما أرادت رجل خشناً من الطراز القديم يشبه والدها
لم تتمنى الحب يوماً ولم يكن ضمن حساباتها
ما بال قلبها يختض هكذا بين ضلوعها بتلهف وكأنه متعطش للمزيد ؟!
تعود وتحدث نفسها بصوت عالي لأذنيها وكأنها تريد إخراجها من تلك المغبة التي دخلت فيها دون شعور ..
"أفيقي يا ابنة الفارسي
إنه يصغرك بثلاثة أعوام تقريباً
أفيقي إنه ماكر متلاعب لا يعرف عن الالتزام شئ
يصادق الفتيات وكأن الرجال قلوا
تلك الصفراء التي تلتصق به على الدوام "
صفراء هل دعتها صفراء ؟
قطع وصلة أفكارها رنين هاتفها فسحبته من جوارها ترد عليه بنبرة بدت ضائقة دون أن تنظر من المتصل ..
قبل دقائق على الجانب الأخر ..

كان عمار جالساً بحديقة منزلهم يعمل على حاسوبه وعقله في وادٍ أخر
معها !
هو غارق مُدله بحبها منذ أن وقعت عينيه عليها وهي جذبته
وجهٍ رفيع مسحوب للأسفل بعض الشئ.. عينان بنيتان لبشرة خمرية أقرب منها للسمرة الرقيقة ..أنفٍ طويل مدبب وكأنه يدل على شموخ صاحبته
فمها الواسع بشفتين شديدتي الرفع يستفزان حواسه كما لم يحدث له من قبل
لو نظر للرجل جيداً به لأقر أنه يريد واحدة شديدة الإغراء ترضي مشاعره الذكورية المشتعلة على الدوام ..

ابتسم بحسية وهو يتذكر جملة حمزة له
"أقسم أني كنت أظن نفسي الوقح الوحيد بهذه العائلة العجيبة لكن منذ أن كبرت أنت فأنا أعلن انسحابي أنت مشتعل يا رجل بهذه الطريقة سنزوجك أربعة وليس واحدة "

لكنه لا يريد إلا واحدة... واحدة بقامة طويلة نسبياً بالنسبة للإناث ..بجسد نحيف يشبه الساعة الرملية مع إمكانيات متوسطة ..
لكنها واحدة تستحق لقب الفارسي عن جدارة بكل ما بها من شموخ ونعومة مع لمحة من خشونة نسائية يبدو أنها تربت عليها ربما ..
...يالله كم يعشقها ... كم يعشقها ...
لن يكون عمار العُليمي إن لم تكن له !
الحرارة التي دبت في مشاعره جعلته يزفر نفساً ملتهباً بالعاطفة وهو يهب واقفاً يستل هاتفه من جيب سرواله متصلاً عليها ..
دقائق وكان صوتها الضائق يأتيه بنزق مما جعله يبتسم قائلاً بالهمس المبحوح :-
"مرحباً يا فارسية "
دقائق من الصمت المشحون حتى أتاه صوتها مرة أخرى متسائلاً بتعجب هامس :-
"عمار؟!"
وضع عمار كفه على قلبه بحركة لا إرادية ثم همس بعبث:-
"ما أجمل اسمي أن يخرج مجرداً من بين شفتيكِ"

على الجانب الأخر كانت تدور في غرفتها بلا هدى تنظر لتورد وجنتيها في المرأة وتكاد لا تعرف نفسها ..
رفعت مقدمة شعرها بكفها وتكاد تقتلعه من بين جذوره من هول التخبط الذي تمر به
نبرة صوته العابثة الأخيرة التي تؤثر بكل وترٍ بها جعلتها تهتف به بحنق :-
"عمار أنا لا أسمح لك ..إن كنت ستواصل بهذه الطريقة دون أن تقول ماذا تريد أنا سأغلق"

تنهيدة حارة مسموعة خرجت من صدره على بساطٍ من ريح عبر الأسلاك اللاهوائية مصطدمة بالساكن بين أضلعها جعلها تعض شفتها السفلى بارتباك خاصةً وهو يواصل بشقاوة محببة :-

"حسناً حسناً لا تغضبي هكذا لكن قبل كل شئ قولي أنكِ كنتِ تفكرين بي كما كنت أفعل "

"عمار!"
نبرتها الرادعة جعلته يتنحنح أخيراً قائلاً بجدية :-

"أقسم أن أكف لكن قبلاً ألن تردي عليٰ ؟!"
عبست سنا بعض الشئ ثم تقدمت من فراشها تجلس عليه قائلة بحدية هي الأخرى :-
"فيما أرد عليك ؟!"
ابتسم عمار في مكانه وهو يتخيلها عاقدة حاجبيها الداكنين ثم تحرك من مكانه يستظل تحت أحد الأشجار وقال وقلبه يرتعش للفكرة رغماً عنه :-

"لقد اعترفت لكِ بحبي يا سنا وقلت أني أريد منكِ الزواج"
وصله صوتها متعثراً بالخجل الأنثوي الطبيعي وهي تقول :-
"عمار هذه الأمور لا تأتِ هكذا كما تظن "
سارع عمار قائلا بصوتٍ أجش :-
"أنا لم أتسرع ولم أضغط عليكِ يا سنا"

بمكانها كانت سنا تحرك رأسها نفياً وكأنها تصم قلبها حتى قالت بتشوش :-
"عمار أنا.. حتى .."
قاطع عمار تلكؤها في الحديث وهو يسألها بنبرة شديدة الجدية يشوبه شئ من الضيق:-
"سنا إن كان سببك هو أنكِ ليس لديكِ قبول من ناحيتي فأغلقِ دون حديث"
تلى جملته دقائق كان يحبس أنفاسه بها حتى زفرها على مهل وصوت أنفاسها المتوترة يصله عبر الهاتف مما جعله يقول برقة :-
"ألن تقولي شئ؟"
دعكت سنا جبهتها وقد بدأ الضيق يلم بها وهي تشعر أنها محاصرة فقالت بنبرة متوترة :-
"الأمر لن يأتِ بمكالمة هاتفيه يا عمار ..إن كنت جاد فدعنى حتى أرتب أفكاري ثم لنرى.. "

ودون أن تنتظر رده كانت تغلق الهاتف ملقية سلامٌ سريع بالكاد يُسمع ...
======================

بعد عدة أيام ...
أيامها أصبحت متشابهة .. معتمة .. لا روح فيها
لا تخرج من غرفتها بأمر من والدها .. امها غاضبة تريد أن تعرف ماذا حدث ؟ لكنها لا ترد فقط كسر عينيها أكبر دليل على أنها ليست على ما يرام ..
أنس حاول أن يعرف ماذا يحدث لكن والدها تشاجر معه معلناً أن لا أحد يتدخل حتى أنه أقسم عليها ألا تخبر شهاب بشئ وأنه سيحاول التصرف ..
رباه ماذا تفعل؟
ماذا تفعل وروحها تزأر غير راضية عما يحدث معها ؟!
تريد أن تثبت براءة نفسها من دناءة القذر !
تريد أن تعود لحضن عامر البرعي
فخرها !
أبيها وحاميها ...ظهرها وسندها
تبكي بمرارة وهي تتذكر جملته المشوبة بالمرارة
"لقد كسرتني يا ابنتي وكنت أشد فخراً بكِ من أخيكِ الرجل كسرتني"
تعض سبابتها بعجز ولا تدري ماذا تفعل ؟!
تريد أن تعود كرامتها ..
تريد أن تستيقظ نفسها مرة اخرى من ركودها وقد نأت عنها وكأنها جلبت لها كل العار..
تريد أن تعود صورتها رائقة في عيني والدها
تريد أن تذهب لجدها فتلقى بحمولها بين أحضانه لكن بأي عين تذهب وترفع عينها في عينيه وقد شوهت اسمه ..
حتى شهاب..!
حتى شهاب لا تستطيع أن تلجأ له وماذا يفعل ؟
هؤلاء القذرين لا قِبل لأهلها على صدهم لذا لم تجد سواه !
لم تجد سواه وهي توافق على الزواج منه ولأول مرة لا تجد غضاضة من الفكرة ؟!
ولما تفعل ؟
إنها ليست أفضل منه في شئ !
هنيئاً يا بن البدوي لقد تساوت الروؤس فكل منا ملوث بطريقته ...
وعلى ذكر القُط يأتي وهاتفها يرن باسمه الذي سجلته به مسبقاً في عهدٍ كان يحق لها الشموخ ..
"الوغد"..
رفعت الهاتف لأذنها بعد أن فتحت الخط دون أن تنطق بشئ حتى أتتها تنهيدة هُيئ لها وكأنها مثقلة بالكثير ثم صوته الخشن وإن كان ازدان بشئ من البحة وهو يقول :-
" هل لي أن أعرف سبب موافقتك على الزواج بهذه السرعة ؟
لقد تركتك عدة أيام كي تهدأِ وأفهم "
ثم تتحول البحة لشئ من السخرية الناعمة وهو يقول :-
" بالتأكيد لن أطمع وأقول أن قلب الأستاذة هو من دفعها "

تنهدت غدي بضيق وصله جيداً وهي تمسح صفحة وجهها قائلة بصوت مختنق عُقد له حاجبيه وهو يعتدل في جلسته على فراشه منصتاً:-
" لقد وصلت صورة من ورقة الزواج لأبي يوم أن أرسلت لك أني موافقة و... "
ضيق أكمل عينيه لانقطاع صوتها حتى اختض قلبه لصوت نشيجها المكتوم ..
شلال هادر من الغضب انفجر في عروقه وكأنه يريد أن يأخذها في التو والحال بين ربيع أحضانه فقط لا تبكي
ليس من مثلها خلقت للبكاء أبداً بل خٌلق البكاء لأجلها..!!

غدي البرعي لبؤة أبية شيدت لها أبراجٍ من العاج في وسط غابة قلبه التي لم تطأها روحٌ سواها فلتنحني لها كل الرؤوس وكل الهامات ولا تبكي..
ابتلع ريقه وهو يهدر بها أمراً بتسلط يستفزها :-
"إياكِ
إياكِ أن تبكي بسببه وتحققي له ما أراد من كسر هامتك يا غبية "
وكما أراد لصوتها المبحوح يأتي زائراً بنارية وهي تقول :-
"تباً لك ... تباً لك وله ولمن يريد كسر هامتى أنا لا أبكي "
ابتسسم أكمل لشراستها وهو يعض جانب شفته السفلى ثم قال برقة إمعاناً في استفزازها :-
"حسناً أريد أن أعلم ماذا حدث كي أكون على بينه"

تأففت غدي دون صوت مكانها ونبرته الرقيقة تضرب إحدى أوتارها المدفونة فتزفر بضيق قائلة بغلاظة :-
"بالتأكيد ليس لشئ سوى أني أخاف على أهلي من هذا القذر "
ثم انطلقت تحكي له كل شئ مستثنيه ضرب أبيها أو مجافاته لها ثم واصلت :-
" أبي يريد أن يذهب للحقير ويتفاهم معه ...يظن أنه بالرجل المحترم الذي يمكن أن يتفاهم معه و"
رفع أكمل أحد حاجبيه وهو يتسائل :-
"و؟"
إلا أنها صمتت قائلة باقتضاب :-
"لا شئ "
زم أكمل شفتيه بعدم رضا فهو لن يتركها دون أن يعلم ما في نواياها فقال بتسلط بارد:-
"حسناً أريد أن أعرف ال و هذه حتى نستطيع مواصلة حديثنا "
صوت أنفاسها الحادة لم يردعه وهو يقول ببرود :-
"أنا أنتظر"
ارتجفت شفتيها وكأنها ستبكي مرة أخرى إلا أنها كبحت زمام نفسها فخرج صوتها حزين مُشوب بالمرارة وقاسياً بالطلب :-
" أريد أن أنتقم !"
ابتلع أكمل ريقه بصعوبة وهو ينتظر مواصلتها التي قضت عليه
"أريد أن أنتقم منه لنفسي وأعلم أن لا أحد سيفعلها لي سواك"
هل اختض قلبه مهللاً بين جنباته ... هل هفت روحه طالبة بوصالها في الحال ؟
هل ارتعد جسده غير مصدقاً لما سمع منها ؟
يغمض عينيه بقوة أخذاً نفساً عميقاً وكأنه يلتهم أنفاسها الواصله له عبر الهاتف بجشع فيتوق أن يفعل
كيف أحبها هكذا حتى أنه مستعد لإبادة الأخضر واليابس فداءاً لرمش عينيها الجارح ؟!
الغبية ألا تفهم ما قالت ؟
ألا تفهم معنى أن روحها لا تنشد الأمان سوى من سواه ؟
ألا تفهم معنى أن تثق به هكذا فيحول الدنيا بين كفيها إن أرادت !
صوتها المتأفف وهي تقول بنزق :-
"أين ذهبت وأنا أتحدث في تلك المصيبة "
لوى أكمل شفتيه في ضيق هادراً بوعد بينه وبين نفسه أن سيربيها
سيربيها طويلة اللسان .. ناقصة العقل .. متهورة الروح هذه حتى تعرف من هو أكمل البدوي !
أجلى صوته متنحنحاً بخشونة وهو يقول بنبرة جدية :-
"وهل سيوافق والدك هكذا بسهولة "
وللمرة الثانية تقضي عليه وهي تقول بوقاحة:-
"ربما لن يوافق في البداية لكن أظن أن لك طرقك الملتوية لتجعله يوافق ووقتها سأساندك"
يقسم سيلوي لها عظامها عظمة .. عظمة إلى ما شاء الله من الإلتواء فقط لتكون له ولكل حادثٍ حديث حينها ..
امتعض أكمل قائلاً بنزق هو الأخر :-
" وماذا عن عمك الطبيب ؟! ... "
صمتت غدي دقائق وغصة مسننة تخنق حلقها وهى ترى كم خذلت شهاب فيها إلا أنها قالت :-
"لا أعلم ليوافق أبي أولاً ثم أفكر بشهاب فهو لا يعلم شئ إلى الأن "
كاد أن يتحدث إلا أنها قاطعته قائلة بنفس النبرة الوقحة :-
" يكفي حديث إلى الأن .. حين تكون متفرغ أخبرني بالمعاد الذي ستأخذه من أبي كي أكون مستعدة "
ولم تترك له ثانية أخرى وهي تغلق الهاتف بوجهه دون سلام ..
"الوقحة ..!"

===================

بمدينة أخرى ....

الثالثة فجراً..
أغلق سعد باب الشقة الجديدة التي قطنها حديثاً ولا يعلم هذه الشقة الكم التي يغير مكانها وهم يتبعونه من مكان لأخر...
عليهم لعنة الله ... عليهم لعنة الله
أنهم لا يتركوا مكان يذهب إليه حتى يعرفوه ويذهبوا ورائه حتى أنه اضطر أن يعتذر عن عمله ودورة الحجاب متنازلاً عنها لزميلٍ آخر من كثرة ما به من همٍ فلا يقدر حتى على العمل ..
حك ذقنه النامية والتي لم يُشذبها منذ فترة كبيرة وهو يزفر بضيق مخرجاً سبحته من جيب بنطاله البيتي وهو يتجه لحديقة المنزل الصغير الذي استأجره..
جلس على مقعد خشبي متكأً على ظهره رافعاً رأسه للسماء مشتاقاً للتنفس ..
ما أسوأ أن تكون روحك حبيسة بداخلك لا تستطيع الانطلاق ..
عالقة بين جنبات مرارتك كعصفور صغير يتخبط من كثرة تيهه..
بضع مشاهد مؤلمة من ماضٍ أسود تمر بشريط ذاكرته فتدمع عيناه رغماً عنه تأثراً وهو يتذكر ضرب والده له وهو صغير ..
طيلة عمره كان غليظ الخُلُق .. خشن الطبع .. قضى معه أياماً مريرة بعد أن تطلقت منه أمه وتزوجت ..
كان يجعله يبات ليلته كل يوم بالمزرعة رغماً عنه ولم يكن أتم العاشرة بعد
ليالي مظلمة بل معتمة وقد كانت الكهرباء تنقطع هناك كل ليلة ..
يتذكر نفسه وهو طفل صغير يحتضن نفسه متقوقعاً عليها خائفاً من صوت نبح الثعالب والتي لم يكن يفرق بينها وبين الكلاب الليلية ..
صوت مواء القطط وصفير الحشرات الصغيرة
ابتسامة صغيرة تشق فمه وهو يتذكر العم سرحان الحارس ..
لم يجد من يحن عليه كما فعل هذا الرجل وهو يتسلل بعد ذهاب أبيه فيأخذه ليسهر معه الليلة محتضناً له ..يشربان أكواب صغيرة من الشاي و يتسامران حتى يبزغ الفجر فتأمن نفسه وينام ..
لكنه لم يدرك قيمة كل ذلك إلا حين تزوج والده وأخذه ليعيش معه
وقد ظن ببراءة الطفل أنه أخيراً سيستقر إلا أنه عانى أقسى درجات الويل والعذاب ..
تشع عيناه بالكره والقسوة وهو يتذكرها تلك الملعونة المسماه حميدة ...
امرأة لا يقدر عليها قادر..تتجبر على المتجبر نفسه ولكي تُسوِد عليه عمره بأكمله لم تكن لوحدها من تُخرج سواد نفسها عليه بل هي وتلك الشياطين التي أنجبتها ..
يتحرك من جلسته ماشياً يحرك الحصى الصغيرة بقدميه ومازال عقله يعمل فيما مضى
حين وصل الخامسة عشرة وأخذته أمه ليعيش معها وبنفس براءة الطفل المثيرة للشفقة كان سعيد!
وليته ظل مع الملعونة ولم يذهب هناك ولم يرى ما رأى ..
وهو ينظر بعين الحرمان لأخيه حذيفة في الرابعة يتلقى كل أنواع الدلال الذي لم يحظى به أبداً..
لكن ما كان يقع عليه كوقع السياط الحديدية الساخنة المنصهرة بنيران الجحيم هو رؤية نظرات الحب بين أمه وزوجها وهو يدللها كما لمفترض لزوجٍ صالح أن يفعل ومن ثم جاءت الطامة القاسية وأمه تخبره بحملها لخديجة ...
لن ينسى نظرة عينيها المنكسرة حين زعق بها داعياً ألا تأتي هذه الفتاة للدنيا أبداً من كثرة الغيرة التي كانت تنهش بصدره حينها ومع تقدم الأيام وهو لا يسيطر على غيرتة ونزعة القسوة والكراهية بداخله ذهب لها مترجياً ودموعه تنغز عينيه أن تتركه ليذهب ويعيش مع العم سرحان فهو لا يطيق العيش معهم
يومها بكت كما لم يرها تبكي أبداً وهي تتوسله أن يظل
إلا أنه لم يقدر .. يقسم أنه لم يقدر أن يُحمل نفسه أكثر مما تطيق وقد بدأت بعض الأفكار بأذيتهم تغزو عقله فرأى أن هجرهم هو الحل !
قطع عليه غزو أفكاره الكئيبة تنبيه هاتفه بقدوم الفجر ففتحه يضبطه ثم أغلقه مرة أخرى ذاهباً للوضوء..

انتهى

يتبع ب الجزأ التاني من الإشراقة
______________________

اللهم صل ِ صلاةً تامة وسلم تسليماً كاملاً على نبي تنحل به العقد وتنفرج به الكرب وتقضى به الحوائج وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم ويستسقى الغمام بنور وجهه الكريم وعلى آله 💜


إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-07-21, 07:12 AM   #70

إسراء يسري

? العضوٌ??? » 475395
?  التسِجيلٌ » Jul 2020
? مشَارَ?اتْي » 631
?  نُقآطِيْ » إسراء يسري is on a distinguished road
افتراضي رواية وأشرقت الشمس بعينيها

أتمنى تركزوا في السرد كويس عشان تفهموا الشخصيات ودواخلها
في انتظار نقاشكم وآرائكم وتفاعلكم وريفيوهاتك

____________________

الجزأ التاني من الإشراقة الحادية عشر

جريدة .....

حبها له عقيدي فلا هو سيؤمن بقلبها ولا هي ستكفر بعشقه!

ريقاً كالحنظل ابتلعته وهي تلاحظ النظرات المتبادلة بين الإثنين دون قصد..
نظرات متولهه جريئة من قِبل عمار وأخرى خجولة ناعمة من جهة سنا..
احتشدت الدموع في عينيها فأغمضتهم بقوة حتى لا تفضح نفسها
ترفع كفها لعنقها تُملس عليه في حركة من أعلى لأسفل علّ ذاك الاختناق الذي يغزو حلقها يذهب..
يا الله
ليس بيدها ... ليس بيدها هي تحبه ..تحبه ولا تستطيع أبدا تحمل ذلك ماذا عساها بفاعلة ؟!
تحينت انشغال الجميع بالعمل وذهبت مسرعة إلى المرحاض
تقف أمام المرأة وفور أن فتحت عينيها الحمراوتين هطلت الدموع أنهاراً
صدرها يختنق بشهقات البكاء فتخرج إحداها فالتة دون أن تشعر.... عالية تشق عنان السماء من فرط وجعها ...
نار الغيرة تقدح بصدرها ولا سبيل للإطفاء..
ماذا عساها بفاعلة ؟!
إنه لا يراها بالأساس أبعد من صديقة كالأخت
بل حتى بالأونة الأخيرة لم يعد يهتم بها كالسابق ..
ينكمش وجهها بنوبة بكاء أخرى وهي تشعر بمدى ضعفها الذي يجعلها حتى لا تستطيع أن تبتعد عنه من أجله ومن أجلها
أسفة
أسفة له وأسفه لنفسها بل وأسفه لسنا لكنها لن تستطيع إخراج عمار من حياتها
إنه كل شئ بحق الله
هل يقدر أحد على إزهاق روحه ؟!
ليتها تكرهه لكنها ببساطة لا تقدر إنها تنتمي له فكيف تُنزع الروح من الروح ؟!
صوت جلبة في الخارج جعلتها تغسل وجهها مرات عديدة سريعا..
سحبت عدة مناديل وجففته جيدا ثم عدلت زينتها تخفي أثار دموعها قدر ما تستطيع ثم خرجت راسمة ابتسامة جافة على شفتيها حتى وصلت لمكتبها وانقضت على حاسوبها تقضي عملها علها تلهِ عقلها قليلا فنار قلبها لن تهدأ..

بعد عدة ساعات ...
قطع عمار على سنا طريقها قبل أن تخرج بسيارتها للطريق السريع مما جعلها تتوقف
تنزل زجاج نافذتها وقالت موبخة وهي تنظر له من خلف نظارتها الشمسية :-
"عمار لا يصح ما تفعل دعني أمُر "
انحنى عمار قليلاً على نافذتها دون أن يلاحظ أي منهم تلك السيارة التي مرت من جانبهم سريعاً بداخلها أخرى تبكي وقال برقة :-
"يجب أن نتحدث يا سيدة سنا"
عبست سنا وقالت :-
"أنا لازلت أرتب أفكاري "
ابتسم عمار ابتسامة واسعة أظهرت نواجذه ثم قال بإصرار بنبرة صوته الرفيعة التي تجمع بين الرقة وبعض الخشونة فبدت جذابة لأذنيها :-
"أنا مٌصر يا سنا يجب أن نتحدث ...أراكِ غدا في الخامسة بمقهى الديوان "
استقام واقفاً سريعاً يلوح لها بكفه دون أن يعطيها فرصة الرد ثم عرج على سيارته يركبها وذهب تاركاً إياها تتخبط في حيرة أفكارها ..

==================

قطب عبدالرحمن ثم رفع حاجبيه بذهول وهو يبصر ياسين ابن عمته هناء بالباحة الخلفية للحديقة يجلس على حجرٍ ما ينفس تبغ بلامبالاة أن يراه أحد !
هل جن ؟
ما به هذا الولد ؟
اخته هَنا رغم كل شئ إلا أنها كانت فتاة لطيفة وخلوقة لم يشتكي منها أحد يوماً
لقد جلبه شهاب معه الأسبوع الماضي ليقضي عدة أيام معهم لكن ما أصابه بالذهول حقاً هو تلك الصفاقة التي وجده عليها ؟
لما كل ذلك ؟!
ما يعلمه عنه أنه مدلل هو وأخته في كل شئ
أصابه الضيق وهو يرى ياسين ينظر له ثم يعود ويلتفت أمامه مرة أخرى وكأنه لم يرى شئ
بل حتى لم يخجل ويرمي السيجارة بل استمر في نفثها ..
كاد يتحرك بغضب حتى أوقفته يد ما تمسك بساعده
استدار عبدالرحمن قاطباً حتى انفكت عقدة جبينه تلقائياً وهو يجده شهاب ..
التفت إله مبتسماً وهو يقول بتساؤل:-
"شهاب متى وصلتم ؟"
ألقى شهاب نظرة على ياسين من خلفهم ثم أولى تركيزه مع عبدالرحمن قائلاً:-
" لقد وصلنا منذ نصف ساعة لكننا كنا مع جدك وجدتك "
أومأ عبدالرحمن وهو يربت على كتف شهاب قائلاً:-
"حمداً لله على سلامتكم "
رد عليه شهاب ثم قال وهو يعود بنظره لياسين الذي توحي حركات جسده بالتحفز:-
"لما لا تتركني قليلاً مع هذا الجامح "
طرف عبدالرحمن ناحية ياسين بعينيه بعدم رضا ثم سأله هامساً :-
"ما به هذا الولد لقد رفض خالد أن يحكي لنا شئ قائلاً أنك أوصيته بذلك "
أومأ شهاب برأسه هامساً بمرح :-
" بوادر الذكورة تفعل أفاعيلها "
ضحك عبدالرحمن قائلاً :-
" نحن لم نكن صبية إذا جوار هذا الجيل "
ربت شهاب على كتفه بمحبة يخصه بها دوماً ثم غمز قائلاً بمشاكسة :-
" لما لا تذهب وتخلص سُكرة أبيها من ابنك الصغير تيم ...
هذا الولد كلما يرى ابنتي ويستحوذ عليها حتى يصيبها بالاختناق"
ضحك عبدالرحمن وهو يبدأ بالتحرك قائلاً:-
" حقاً تيم هذا أتى ليخلص ذنوب تميم يا شهاب إنه حاج مسخوط "
ضحك الاثنان وكل منهم يتحرك في طريقه ..
تنحنح شهاب مقترباً من ياسين الذي ارتبك قليلاً بعض الشئ وهو يطفأ السيجارة ويلقيها بعيداً فهمس شهاب في نفسه وهو يسحب كرسياً من كراسي الحديقة :-
" جيد ..هناك ذرة خجل ..إذا اطمئن يا شهاب "

وضع شهاب الكرسي أمام الحجر الذي يجلس عليه ياسين ثم ربت على كتفه قائلاً :-
"مرحباً يا بطل كيف حالك الأن ؟"
أومأ ياسين برأسه قائلاً بصوته الذي تظهر به بوادر الخشونة :-
"بخير يا خالو "
ألقى شهاب نظرة إلى السيجارة الملقاة أرضاً ثم غمز قائلا بمشاكسة :-
"لما لا تشعل لي سيجارة معك ؟"
ابتسم ياسين باضطراب والخجل يكسو وجهه قائلاً:-
"أنت لا تشرب يا خالو "
أومأ شهاب ثم قال مجارياً:-
"وأنت ؟"
"أنا ماذا ؟" سأل ياسين بحيرة فواصل شهاب متسائلاً:-
"أنت لما تشرب يا ياسين ؟"
دقق شهاب جيداً في حركات جسده المتحفزة حتى تكشيرة وجهه وكاد أن يرد بقلة تهذيب إلا أنه عاود الإطراق أرضاً قائلاً بعناد :_
"إنه شأني وأنا حر به ..أفعل ما أريد "
فرد شهاب كفيه ثم قال :-
"أنا لم أقل لك لا تشرب أنا أسألك عن السبب.. لكن بالطبع هو شأنك "
حسناً بوادر الاهتمام بدأت تظهر على وجهه الفتي وهو يتسائل بتشكيك :-
"حقاً؟"
أومأ شهاب برأسه وهو يدرك جيداً كم ياسين بحاجة أن يكون قراره من نفسه دون فرض وسلطة ..إذا فليسايره حتى يعترف بنفسه بخطئه "
استقام شهاب واقفاً واضعاً كفيه في جيبي سرواله الجينز قائلاً:-
"لما لا تأتي معي لنتمشى ؟"
أمعن ياسين النظر في ملامح خاله قليلاً ثم وقف هو الأخر وسار مجاوراً له
مال شهاب عليه قليلاً وسأله :-
" ألن تقول ؟"
"وهل ستقتنع برأيي؟ أم ستسمع مني ملقياً برأيي في البحر كما يفعلون "
حاججه ياسين بالقول المتحفز فابتسم شهاب قائلاً:-
"جربني "
حك ياسين جبهته بضيق قائلاً:-
" إنها تقلل من توتري .. تجعلني اهدأ"
"وما الذي يجعلك متحفز ؟" سأله شهاب باهتمام وهم يخرجان من بوابة المنزل إلى الشارع
هز ياسين كتفيه قائلاً:-
"لا أعلم فقط شعور بداخلي لا أستطيع تحديده أو الإمساك به"
أومأ شهاب بتفهم ثم سأله بنبرة عادية مبطنة بالحذر :-
"هل تشعر بالانجذاب للفتيات يا ياسين لذا تشعر بالتحفز دائماً؟"
اضطرب ياسين مطرقاً برأسه أرضا دون أن يرد فقال شهاب :-
" على فكرة أريد أن أخبرك أنه أمر طبيعي.. صارحني كي أساعدك "
رفع ياسين رأسه قائلاً بلهفة :-
" طبيعي ؟"
أومأ شهاب برأسه ثم ألقى السلام على عدة رجال جالسين في الطريق والتفت إليه منتظراً إجابته التي أتت أخيراً وهو يقول بضيق :-
"لا أعلم لما أصبحت أنظر لهم .. أشعر بأشياء غريبة في جسدي أصبحت تزيد دون أن أفهم لما حتى وحين أخبرت أحد أصدقائي قال لي أن السجائر ستساعدني كي أكبر وأتعدى هذه المشاعر "
تنهد شهاب سراً بعدم رضا عن أخته وزوجها ثم سأله باهتمام وهو يضع ذراعه على كتفه :-
"لما لم تخبر والدك ؟"
انتفض ياسين بتحفز ووقف فتوقف شهاب هو الآخر يستمع لنبرة الفتى الغاضبة يقول بسخرية :-
"أي والد بحق الله يا شهاب ..و حتى إن فكرت أن أخبره بذلك كان سيقتلني قبل أن أواصل حديثي "

كاد شهاب أن يتحدث حتى توقف وأحد رجال ابناء البلدة يقترب مسلماً عليهم يتبادل معهم بضع كلمات ثم تركهم وذهب ...
بعد ذهاب الرجل أخذه شهاب وجلسوا على إحدى المصاطب الحجرية ثم سأله بعتاب :-
" لما لم تحكي لي أو لخالد ؟"
هز ياسين رأسه بلا معنى ثم قال :-
"أنا لا أراكم كثيراً يا خالو "
تنهد شهاب ثم قال بنبرة صادقة :-
"أنا أسف "
نظر له ياسين بدهشة فواصل شهاب :-
"لما تنظر لي هكذا ..ليس عيباً أن أعترف بخطأي وأنا أخطأت تجاهك في تقصيري معك وانشغالي عنك"
ثم حرك كفه على شعر ياسين بحركة سريعة قائلاً بحنان:-
"لم أكن أعرف كم كبرت يا صغير "
ابتسم ياسين لأول مرة بصدق وقد ارتاحت نفسه بعض الشئ
شعور أشبه بشرب كوب من الماء المثلج بعد يومٍ شديد العطش فيروي روحك قبل ريقك..
خبط شهاب كفيه ببعضهم مواصلاً طريقه الحثيث تجاه ياسين فقال :-
" وبما ساعدك أصدقائك أيضاً؟"
حك ياسين رأسه بخجل وقال :-
"لا شئ فقط أخبروني بأشياء قليلة الأدب بعض الشئ وأصبحنا نتحدث فيها بكثرة ..ومنهم من نصحنى بمشاهدة بعض الأفلام "
يا الله لطفك..
همسها شهاب في نفسه بجزع محاولاً أن يهدأ ذاته متسائلاً بقلق خفي :-
"وهل فعلت ؟"
هز ياسين رأسه نفياً وقال :-
"لا لم أفعل..لقد خفت من فعل ذلك فقد رأيت مقطع لأحد الشيوخ من قبل يقول عنها أنها زنا للعين وأنا أعلم أن الزنا من الكبائر فقلت لهم أني أشاهدها كي لا يظنوا أني خائف من أحد لكني لم أفعل "
زفر شهاب أنفاسه التي كان يحبسها براحة ثم ضمه إليه قائلاً بنبرة تشجيعية صادقة رفعت روح ياسين المعنوية لأعالي السماء :-
"أقسم أنك بطل يا ولد ..أنا فخور بك "
مط ياسين شفتيه ثم قلّب عينيه بتوتر قائلاً بخفوت :-
" لكني فعلت شئ أخر"
ضيق شهاب عينيه في تساؤل فقال ياسين :-
" لقد لعبت البابجي .. كانت تأخذ كل وقتي وتسليني"
تأفف بضيق وأردف :-
"أفتقدها منذ أن أتيت هنا فهو يصادر هاتفي "

حسنا بالتأكيد( هو) المقصود بها راضي هو لا يريد أن يضغط عليه أكثر من ذلك مؤجلاً الحديث معه عن والديه حتى يطمئن له نهائياً لذا غيّر شهاب الموضوع قائلاً:-
"ما رأيك أن نذهب لنشتري للجميع الأيس كريم فحياتي الصغيرة ستغضب إن لم أعود به "

بعد ساعتين ..

هي إمرأة تعني له الحياة
هي إمرأة تعني الاستقرار والسُكنى
إمرأة بزهو النجوم
امرأة بلون الزهور
إمرأة برائحة العطر
عطر مثير تسلك أزقة الحب زقاقاً زقاق حتى تصل إليه وتتذوقه وكلما نلت منه تجد نفسك تريد الإنغماس في المزيد منه !!
يحك طرف أنفه بأظافره وهو يدخل عليها الشرفة الأشبه بحديقة صغيرة حميمية أُعدِت للحب
حب بنكهة الريم
عينيه العاشقتان تمران عليها بلهفة في جلستها المستريحة على تلك الوسائد القطنية المرصوصة أسفلها
ترتدي فستان قصير قطني ربيعي باللون الأصفر مزركش بالورود الصغيرة
بأكمام صغيرة بالكاد تصل أول كتفيها اللامعين
تعقد ذراعيها وراء رأسها المستند على الحائط ورائها رافعه فخذيها متجاورين تضع عليهم كتاب بالتأكيد يخص الطب خاصةً مع انعقاد حاجبيها الأنيقين وذاك القلم بين أصابعها الرفيعة
حك رأسه وهو يرنو بعينيه للخارج مطمئنا لهدوء المكان من صغاره
فخلع حذاءه وهو يدس نفسه جوارها مستندا على كتفها قائلا بمشاكسة :_
"هل أُعطل الطبيبة عن شئ هام ؟"
وضعت ريم الكتاب والقلم جواراً وهي تلتفت إليه توليه إهتمامها كما يريد وإن لم يطلب
تقربه منها كما تفعل مع تميم
ابتسمت وهي تمرر كفها على ذقنه النابتة مفكرة أن..
علاقتهم أبداً لم تكن زوج وزوجة عاديين
بل حتى لم تكن حبيب وحبيبة بعدما تعدلت الأحوال بينهم
علاقتهم أشبه بالبقاء !
عبدالرحمن ظل يتخبط في تكيفه معها باحثاً عن البقاء حتى وجده أخيراً
كانت رحلة مرهقة وبها ذكريات مؤلمة صحيح لكنها كانت تستحق ...
عادت بعينيها إليه على إثر لثمته الدافئة لباطن كفها فضحكت قائلة بمشاكسة :_
"اعترف يا أبا تميم ماذا تريد "
عدل من وضعيته ليكون أقرب أكثر ثم همس بخشونة :_
"أبا تميم أصبح لا يعثر على أمه إلا لُماماً هل تلاحظين ذلك ؟!"
ضحكتها الشقية جعلته يضيق عينية قائلاً بتقرير :_
"إذا يبدو أن الوضع الجديد يعجبك "
استندت بكوعها على صدره وهي تضم قبضتها لوجنتها قائلة :_
"عبدالرحمن ألا ترى أنك كبرت على التدلل كثيراً؟
أنت تتدلل عليٰ كطفل في العاشرة "

سلب أنفاسها على حين غرة لدقائق ثم أخيراً همس بتحشرج وعينيه تحتضن عينيها :_
"ربما لا تصدقين
لكني أرى أني انتقلت من حضن أمي إلى حضنك
أحب أن أعيش دور الطفل معك لأنعم بعاطفتك المكللة بالأمومة تجاهي "
ابتسمت برقه فأردف هامساً بنبرة يتخللها الندم الصادق :_
"ربما ...
ربما تأخرت كثيراً يا ريم حتى أبصرت طريقي الصحيح لكني بالأخير وصلت إلى وطني الحقيقي "
اختلج قلبها بين أضلعها ومشاعرها تتلوى تأثراً هامسة بحبه في لحظة حب تخجل من مبادرتها بها بعدما تفيق من موجة العشق التي أخذها بها الآن أو ربما هي من أخذته ..
وربما لا هو المبادر ولا هي بل جرفتهم كيمياء الحب..

=================

فيلا-البدوي
ملحق الحاجة خديجة
يقف بغرفته هناك أمام يكمل هندامة
بذلة سوداء اللون دون قميص مستبدلا إياه ببلوزة قطنية باللون الأسود كما يفعل على الدوام فهو لا يحب الأقمصة ولا ربطات العنق ..
شعره الأسمر مصفف ..ذقنة مشذبه ..وأخيراً تكتمل الصورة برش عطره الذي يشبهه بتلك الرسمة على زجاجة العطر لوجه أسد مشهراً أنيابه ..
ابتسم بسخرية على دخول سراج صديقه الغرفة قائلاً بتفكه :-
"هل انتهيت يا عريس ؟"
التفت له أكمل وهو يسحب سيجارة من العٌلبه أمامه يشعلها ثم يأخذ منها عدة أنفاس يخرج بها ضيقه ثم قال باقتضاب:-
"نعم"
اقترب منه سراج يُدقق في ملامح صديقه التي يجيد إخفاء تعابيرها جيداً خلف ستارٍ من البرود الجليدي فوضع كفيه في جيبي سرواله قائلاً :-
"علاما تنوي يا أكمل ... علاما اتفقت مع البدوي كي يجعلك تمضي في هذه الزيجة ؟"
تحرك أكمل في غرفته حتى وصل جهة النافذة ثم قال بغموض بعد نفث دخان تبغه:-
"هل تستدرجني يا سراج "
قبض سراج على كفيه غيظاً من هذا العنيد الذي لا يعرف أحد ما برأسه ثم قال بجدية ناهراً:-
" أكمل لا تجازف دون تفكير وتلقي نفسك بالجحيم أنت تعلم أخر طريق البدوي جيدا كما أن رفعت له طرق ملتوية أخرى نعلمها هل تريد إعادة مأساة أخيك مرة أخرى ؟!"

اختلجت عضلة لا إرادية في فك أكمل وقد شدت عليه عروق رقبته ألماً وتسارعت وتيرة أنفاسه لذكر أخيه الراحل وحين ناداه سراج مرة أخرى بنبرة تحذيرية التفت له أكمل قائلاً من بين أسنانه بغضب قهري :-
" ولأجل أن لا تتكرر مأساة أصف يا سراج سأفعل ذلك
لأجل ألا أفقدها سأفعل ذلك
سأعبر الجحيم لا يهم ... لأموت حتى لكن لا تُمس شعرة منها
رفعت عمران لن يتركها يا سراج وأنت تعلم ذلك جيداً
رفعت عمران لن يردعه عنها سوى اسم البدوي الذي يلف كالطود حول رقبتي فلا أنا حيٌ أتنفس ولا أنا ميت "

لوى سراج فكه بضيق من انفجار صديقه المدوي فقال بتراجع :-
"اهدأ يا أكمل تعلم أني خائف عليك "

أشعل أكمل سيجارة أخرى يعُب منها وكأنه ينتقم من نفسه في نفسه وحديثه مع البدوي بالأمس يتراص في عقله كالعفن المسموم ..

الأمس_غرفة_البدوي

أطلق البدوي ضحكة متهكمة كادت أن تودي بثبات أكمل إلا أنه قبض على كفيه في جيبي سرواله يخرج انفعالاته بهم حتى لا يجعله يتمكن منه وهو يناظره بتحدي منتظراً أن يلقى له شروطه والتي لم تتأخر كثيرا وهو يبتسم ابتسامة بانت لها أسنانه الصفراء:-
"لا مجال لكلمة لا عندي يا أكمل ... تلك الشعارات البالية التي ملأ بها أذنيك أخيك فيشوشك عن العمل لا وجود لها عندي ولا أريد أن أسمعها "

هدر أكمل بغضب ناري وقلبه يختض بين ضلوعه باكياً لذكرى الراحل :-
" لا تذكر أصف ولا تُدخله في الحديث حتى "

لوى البدوي فمه بتهكم وهو يحك مقدمة رأسه الدائرية الصلعاء ثم قال :-
" ما علينا أي قضية يتورط بها أحد رجالنا أو أحبائنا أنت مكلف بإخراجه لي والبراءه في جيبه وليست بالصعبة عليك فهو عملك على الدوام
أيا كانت القضية
مخدرات...سلاح...آثار.... سطو...بضائع "
صمت قليلا ممعناً في ملامح أكمل ثم أردف بنبرة تأكيدية لا مجال عنده لمناقشتها :-
"أو حتى قتل "
استدار بكرسيه عائداً حتى مكتبه ثم قال بلامبالاة من ردة فعل أكمل :-
" ستنزل معي للعمل في المؤسسة دون مناقشة وستصم عينيك وأذنيك فلا تعليق لك عن أي صفقة فاسدة ...مريبة ... أو حتى ناسفة... ما عليك سوى تسهيل لنا ما نريد "

" هل تظن أنك ستجعلني كالروبوت وأنا سأوافق على ذلك "

قالها أكمل هازئاً إلا أن البدوي مط شفتيه ببرود وهو يضع القلم الذي كان يدون به عدة أشياء ثم شبك كفيه قائلاً:-

"تذكر أنت من تحتاجني وليس أنا يا أكمل حتى وإن تركتك لهواك تتزوج البنت المحامية فأنت تحتاج لحمايتي من رفعت
بإشارة مني لرفعت سيأتي كالكلب منفذاً انتقامه من المحامية "
عض أكمل نواجذه بغيظ وقد علت وتيرة أنفاسه بعض الشئ وعدة مشاهد تمر أمام عينيه

صوت توسل أحدهم ... عناده في عدم الإستجابة ... إتصال ليلي مرعب ... حادث مروع لعدة سيارات ...عدة أجساد ملقاة على الأرض... طوارئ مشفى ثم ثلاثة أجساد تخرج على الحامل مغطاة حتى رأسها ..
بكاء...صراخ...عويل...مقابر وأخيراً ينتهي المشهد المأسوي بثلاثة أجساد واراهم التراب ...

أغمض أكمل عينيه بقوة والذكرى تنكأ في صدره كالسكاكين بلا رحمه حتى أن صداع مفاجئ أصابه وهو يغمض عينيه بقوة حتى يمحي الصورة من أمامه ثم ضغط رأسه بجانب كفيه لثوانٍ وروحه تهمس بالتياع :-

"لن يقدر هو لن يقدر على فقدانها أو حدوث ضررٍ لها
الغبية أوقعت نفسها في وسط جزيرة من الوحوش الناهشة أسياجها من النيران ولا مناص من نجاتها بدونه "

فتح أخيراً عينين ميتتين لا حياة فيهم هامساً كمن يحكم على نفسه بالموت شنقاً:-
"موافق"

عودة...

رمش أكمل بعينه وهو يهز رأسه بقوة ينفض الذكرى عنه وقد أخرجه من شروده صوت سراج العالي والذي يبدو أنه ينادي عليه منذ وقت ..
تحرك من مكانه يلتقط هاتفه من الجارور جوار الفراش ثم حك جانب ذقنه بسبابته و إبهامه قائلاً ببرود مغيظ :-

" سأترك عليٌ معك حتى أعود أجلبه لي على الشقة فلن أبيت هنا "
ركل سراج طاولة صغيرة في الجوار وقد أصابه الضيق من غموض صديقه ثم قرر أن يلقي كرتاً أخير عله يتعقل لذا بنبرة باردة تشبه الواقف أمامه قال :-
"وعليٌ يا أكمل ماذا سيفعل إن أصابك مكروه "

ارتعد جسد أكمل بألم وقد تحشرجت أنفاسه حباً للصغير إلا أنه ابتلع ريقه الجاف قائلا بخشونة خانه فيها اهتزاز حروفه من فرط الألم :-
" عليٌ سيكون معك بأمان أنا أثق بذلك جيداً.. الشئ الوحيد الذي لم يقدر عليه البدوي قديماً هو هدم صداقتنا خوفاً من عائلتك بالجبل فهم قادرين على إبادة مدينتنا بأكملها فداء حاجبيك الملتصقين ببعضهم يا صديق"
ضحك سراج وهو يحك حاجبيه المعقودين اللذين وصفهم أكمل للتو بظفر سبابته
لطالما كان يناديه أكمل منذ أن أصبحا صديقين إما يا بن الجبل وإما يا ذا الحاجبان الملتصقان لالتصاق حاجبيه الداكنين ببعضهم ...
فتح فمه يتحدث إلا أنه توقف على تلك القامة الضئيلة التي دخلت راكضة على أكمل حتى رمت نفسها عليه قائلاً بصوته المحبب:-
"أكمل ...حبيب... عليٌ"

رفع سراج أحد حاجبيه مبتسماً وهو يرى أكمل يصرف نظره عن هاتفه لحظة دخول عليٌ الغرفة ثم يلقيه على الفراش فاتحاً ذراعيه له يضمه بقوة وكأنه ؟!
وكأنه يعيش حياة تمناها من خلال عليٌ الصغير
و كأن علي الوجه الأخر للحياة بالنسبة لأكمل ..وجه ناصع البياض برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب ويفوح برائحة من روائح الجنة ..
أومأ برأسه بتقدير على قول أكمل وهو يجلس على الفراش ويُجلس عَليٌ على ركبتيه :-
"اتركنا قليلاً من فضلك يا سراج "

فور أن خرج سراج وتركهم ..قبل أكمل عَليٌ من وجنته فرد له عَليٌ القبلة بمثلها ثم ملس بكفه الصغير على وجنته بحنان ينزع عنه مرارة أيامه قائلاً بطريقته المحببة :-
" سراج..قال.. أكمل ...عريس " وكلمة عريس ممطوطة الراء بطريقة أضحكت أكمل بشجن وهو يقول وكأنه يحادث رجل كبير وكأنه سيفهمه ويتجاوب معه لكن ربما هو يثق أن قلب عليٌ يفهمه بطريقةٍ ما :-
"ما رأيك أن تأتِ معي وتخطب لأبيك يا ولد ؟"
ثم رفع حاجباً وهو يقول :-
" ما رأيك هل أليق؟ "
لم يرد عليه عليٌ وهو يضع كفيه الصغيرين على بطنه هاذراً بطريقته المحبة :-
" الجدة خديجة...أطعمت عليٌ ...شطائر العجوة "

ضحك أكمل عالياً وهو يضع عَليٌ على الفراش .. يضع رأسه على بطن علىٌ يدغدغه فيضحك علي عالياً ضحكة خيطت من ترانيم الجنة وتردد صداها بين بساتين القلوب فيعاود أكمل الكرة ضاحكاً .. ناسياً أو متناسياً ما به ... سارقاً من الدنيا بضع لحظات تضمد له جراح الأيام ...

بعد فترة من الضحك واللعب كانا الإثنان متجاوران على الفراش عليٌ يستمع لاهياً في دنياه النظيفة وأكمل متحدثاً بكل ما في قلبه قائلا بمرارة :-

"أه يا عليٌ .. غصة في قلب أبيك لا قدرة له على محوها وكيف أفعل ؟"
وكأن عليٌ شعر بنبرة الشجن في صوته فيقترب منه طابعاً قبلة مبللة بريقه على فم أكمل فيردها له أكمل على رقبته ثم يحاول أن يسرد له بطريقة يفهمها فيقول :-
" ركز معي يا عليٌ "
يومئ علىٌ برأسه عاقداً حاجبيه مقلداً له فيبتسم رغماً عنه ويضحك عليٌ ببراءة مما جعل أكمل يقول :-
" أنت تريد اللعب وبهذه الطريقة لن أخرج اليوم "

يتنهد وهو يقول محركاً كفيه شارحاً:-
" أنا أكمل عريس ... وهناك جميلة ستكون عروسة ما رأيك ؟"
يلوى شفتيه ويواصل بتفكه ساخر مرير :-
" عريس يموت عشقاً .. يلتهب شوقاً.. ويخاف من الاقتراب حد الموت
وعروس تود أن تُقتلع عينيها ولا تبصر هذا الرجل"
تظهر أسنان عليٌ البيضاء وهو يقول بجذل :-
" جميلة "
ضحك أكمل غامزاً وهو يقول :-
" ابن أبيك يا ولد "
ثم ينهض من الفراش حاملاً له وهو يلتقط هاتفه يبصر رسالة غدي تسأل متى سيحضر؟!
تنهد أكمل وهو يرد عليها مفكراً فيما سيحدث فالرجل حتى لا يعرفه فهو لم يأخذ منه سوى ميعاد وفقط مؤجلاً الحديث عند اللقاء ...
=====================

اليوم التالي ..
مقهى الديوان ...الخامسة مساءاً...
ابتسم بظفر وهو يراها تجلس هناك على مقعد معدني عالي بأحد البارات المرتفعة تلعب في هاتفها ..زامة شفتيها الرفيعتين و يبدو عليها الضيق ..
انحنت عيناه في تأمل سريع لهيئتها المعهودة ...
بنطال من الجينز الأسود يحتضن ساقيها الرفيعتين ..تعلوه بلوزة حريرية باللون الأسود أظهرت رقة بنيتها .. وشاح باللون الوردي أنار بشرتها ..
رفعت رأسها بغتة وكأنها أدركت أن أحدهم يحدق بها فسرت حمرة وردية مثيرة بوجنتيها جعلته يبتسم وهو يتقدم منها بثقة ورائحة عطره تغزو المكان منافسة رائحة البن ...
وضع متعلقاته على السطح اللامع جواره وجلس أمامها على كرسي مماثل ثم ابتسم ابتسامة أخاذة تلاعبت بنبضات قلبها وهو يقول برقة مداعباً :-
"كيف حالك يا فارسية ؟"
رغم تخضب وجهها بالحمرة إلا أنها قالت بنبرة جدية مباشرة :-
"بخير .. هل لي أن أعرف ماذا تريد يا عمار "
انفعلت بعض الشئ وكان انفعالها موجه لنفسها أكثر منه وهي تقول :-
"ما أخر ما تفعله ..إن كنت تظن أني للصحبة فأخبرك أن العنوان خاطئ"
رفع عمار حاجباً مستفزاً إلا أن نبرتها لم تهز من ثقته شئ
سنا الفارسي تحتاج لمن يقتحمها ويهاجمها حتى تخضع وهو ليس بالهين حتى لا يفعل !
بلل شفتيه ثم همس بصوتٍ أجش:-
" مما أنتِ متوترة يا سنا ..أظن أني كنت جاد وصريح فيما أريده من البداية "
طرقعت سنا أصابعها بحركة غير إرادية ثم قالت بما خطر على بالها أول شئ :-
"عمار أنا أكبرك بثلاثة أعوام هل تدرك ذلك ؟"
"بل عامين وستة أشهر وأربعة أيام "
ناظرته سنا بذهول وقد تدلى فكها للأسفل مما قال ..
تنهد عمار وهو يزفر أنفاسه مفكراً أنه لا مجال للمرح الأن
هذة الجلسة إما سيجعلها تطمئن له طيلة العمر وإما سيضيعها من يده من البداية ..
اقترب بعض الشئ منها دون أن يتجاوز حدود الجلسة المسموحة بينهم باحترام وبدأ كلامه بنبرة جدية قاطعة لا تمت للعابث بداخله :-
"سنا أنا أعلم فرق العمر بيننا جيداً ... ومن فضلك لا تذكريها مرة أخرى لا أمامي ولا بينك وبين نفسك حتى ... أنا رجل أعلم خطواتي جيداً وأنفذها كما أريد "
رقت نبرته بعض الشئ وأردف :-
"وأنا أريدك يا سنا... أريدك أن تكوني لي .. حبيبتي ..إمرأتي ..ومن ثم زوجتي "

حسناً سنا الفارسي يُغرر بها وتكاد تذوب من بضع كلمات ناعمة من هذا العابث الجالس جوارها ..
يا إلهي إنها لم تمر بشعور كهذا من قبل رغم كُر معجبيها ..
لم يسبق لها أن تقافز قلبها بين أضلعها بهذه الطريقة المجنونة وكأنه يهلل لما يسمع !
لم يسبق لها أن أحبت الغزل من أحدهم وقد كانت دوماً حازمة لا أحد يجرؤ على هزها كما يفعل هو
أنقذها من هوة المشاعر التي أغرقتها اقتراب النادل يقدم لهم الماء ويأخذ منهم طلباتهم ..
ارتشفت الماء بنهم وكأنها تريد التقليل من سخونة وجنتيها ثم دعكت جبينها قائلة :-
" عمار نحن بناحيتان متباعدتان ... ألا ترى نحن مختلفان في كل شئ بحق الله "
ارتشف عمار هو الأخر الماء وقد أصابه الضيق من مقاومتها إلا أنه سألها بتنهيدة صبر :-
"حسناً فيما نحن مختلفان ؟"

تلاعبت بهاتفها في البداية ثم نظرت له وقد تحلت بالشجاعه التي لم تخذلها يوماً :-
"عمار أنا من أسرة رغم ثقافتها إلا أنها منغلقة تحكمها عادات وتقاليد ربما أصبحت قديمة لكننا نعتز بها
وأنت ... أنت أشعر أنك منفتح بدرجة لا استسيغها ... عابث بعض الشئ ..جامح بدرجة مخيفة لي على الأقل"
حك عمار ذقنه بظفر إبهامه وسألها بتأني:-
"ماذا تقصدين بمُنفتح ..وعابث .. هل صدر مني تصرف يشين الأخلاق يا سنا "
هزت سنا رأسها نفياً وصورة ماريان رغماً عنها تنكأ بصدرها على نحوٍ مقلق فقالت بتلميح :-
" مثلا يا عمار أنا لا أصادق الرجال إلا في حدود الزمالة .. لا أتضاحك معهم .. يعني هكذا ..أما أنت فيبدو أن هذا أمرٍ بالعادي عندك أن تصادق الفتيات ...أن تتباسط معهن ... يعني هكذا "

قطب عمار حاجبيه متسائلاً بينه وبين نفسه " هل كانت تقصده في مقال الأمس !"
إلا أنه نفض الفكرة عنه وهو يقول باستنكار :-
" لكني لا أفعل خارج حدود الأخلاق ..فقط أعامل زملائي بلطف مقبول "
ثم أردف بانزعاج أصابها بذهول :-
" كما أني لا أصادق الفتيات كما تقولين"
ارتفع حاجبيها وقد انتابتها بوادر الغضب من تلك الثقة التي يتحدث بها فقالت بسخرية :-
"حقا وماذا عن ماريان ؟"
حسناً كان الذهول من نصيبه هو ورأسه يرتد للوراء يناظرها باستنكار كمن ينظر لمجذوب قائلاً بنبرة شديدة الصدق :-
"أي ماريان ؟
ماريان الأحمدي زميلتنا بالعمل ؟ تقصدين ماريان ذاتها التي معي بغرفة مكتبي؟!"
استفزتها طريقته في الرد فلم ترد وهي تناظره بضيق إلا أنه قال بنبرة شديدة الإذبهلال :-
"لا تقوليها
لا تقولي أبداً أنكِ تشيري بشئ سئ لعلاقتي بماريان
إنها أختي بحق الله .. ما يجمعنا صداقة بريئة أقرب للأخوة "
تأففت سنا بضيق إضافةً لنغز الغيرة بقلبها وقالت :-
"لهذا أقول لك نحن لا ننفع لبعضنا ..كل منا تفكيره مختلف عن الأخر.. لذا ردي هو لا سيد عمار نحن لا ننفع لبعضنا البعض "
وبحركة سريعة كانت تنهض من على مقعدها ملتقطة حاجياتها ...
التقط ما ستفعله على الفور فأمسك ساعدها بحركة تلقائية وهو يقول :-
"سنا انتظري "
بطرف عينيها كانت تنظر لكف يده على ساعدها فنطقت بتشديد محذر:-
"إياك
إياك أن تفعل ذلك مرة أخرى "
رفع عمار كفه عنها متمتماً بالأسف ثم واصل برجاء :-
"سنا انتظري لنواصل حديثنا .. على الأقل افهميني ما الذي يضايقك في علاقتي بماريان "
"غبي" همستها سراً بينها وبين نفسها وهي تعاود الجلوس ثم قالت بنبرة عادية لا تكشف عن مكنونات قلبها :-
"ببساطة يا سيد عمار أنا لا أقبل أن يكون للرجل الذي سأرتبط به صديقة وإلا فما أهميتي أنا "

ثم ناظرته بتحدي قائلة :-
"أم أنه بالعادي عندك أن يكون لي صديق رجل ألجأ إليه وقتما أشاء وألهو معه دون اعتبار لوجودك "

الفكرة نفسها جعلت طنين يصم أذنيه ووجهه الهادئ يستحيل إلى أخر عكر وقد أصابته الفكرة بحريق يندلع في صدره فقال بنبرة قاطعة :-
" بالطبع لا أنا لن اسمح بذلك "
ثم أردف ببعض التردد :-
"لكن أنا الرجل ..وماريان ك نور"
لوت سنا فمها بسخرية وهي تقف عن مقعدها قائلة بنبرة قاطعة تخالف الحريق في روحها :-
" لكنها ليست نور سيد عمار .. لذا فطلبك مرفوض"
ودون أن تمهله الحديث كانت تختفي من أمامه .. كاد يلحق بها إلا أنه خبط جبهته على رسالة نور
" عمار أين أنت عد سريعاً ... والداك سيتطلقان... البيت كالحريق ولا أدري ماذا أفعل "

====================

ڤيلا رأفت العُليمي

ماذا لو اكتشفت أنك تزرع في أرضٍ غير أرضك؟
ما هو شعورك إذا سرت طريقاً وحين وصلت لأخره وجدته مسدوداً!
ماذا قٌطِعت يدك من الشخص الذي مددتها له ؟
أحياناً يكون الحب طائرة ورقية تحلق بعيداً ...بعيداً ..في سماء العشق لكنها بالنهاية لا تصل وتسقط بنا إلى حيث اللا قرار ...

تقف نجلاء أمام المرأة في حمام غرفتها تمر بكفيها بارتعاش على بعض التجاعيد التي بدأت بالظهور في وجهها رغم عنايتها ببشرتها جيداً
يرتفع كفها قليلاً إلى شعرة أو شعرتين باللون الأبيض تسللوا حديثاً لشعرها
تُرى هل هذا سبب تغير رأفت معها ؟
هل هذا سبب تعرفه على تلك الحقيرة ؟
إنها حتى لم تستطع التعرف من هي فهو حويط بطريقة مغيظة ولا أحد يستطيع أن يخرج منه بشئ لا يريد هو إخراجه
لكن ليس بالمهم بالتأكيد هي نزوة وستقدر على إاعادته لها
نظرة أخرى إلى منامتها الناعمة باللون الأزرق وابتسمت في رضا مرتعش وهي تتناول مأزرها من على المشجب ورائها وتخرج من الحمام بل من الغرفة بأكملها ناوية على صنع قهوته له بنفسها ثم الجلوس معه ...
قبل قليل ..
غرفة مكتب رأفت بالأسفل
فك أزرار سترته وهو يتحرك جهة النافذة يرفع الهاتف لأذنه يتصل عليها وهو يتأفف بضيق على عدم ردها عليه ..
لم يرىٰ من هي عنيدة ورأسها يابس مثلها من قبل !
إنها حتى لم ترضخ أن يتكفل بمصاريف عملية أختها حتى كتبت له إيصال أمانة بالمبلغ وكأنه سيودي بها إن لم تدفع بل حتى وكأنه سيتركها ترد له شئ !
ابتسم بجذل على صوتها الرقيق الذي أتاه أخيراً
"مرحبا سيد رأفت "
تجاهل لفظ التسييد الذي تصر عليه وهو يكح بخفه متسائلاً باهتمام :-
"كيف حالك الأن يا داليدا وكيف حال فيروز الصغيرة "

قطب حاجبيه على صوت تهدج أنفاسها واختناقها بالبكاء وأخيراً ابتسم بحنان وهي تقول :-
"إنها تتألم لا أعلم ماذا أفعل لها ..الطبيب يقول طبيعي لكني لا أتحمل بكاؤها وتألمها"

تنحنح رأفت وهو يقول بحنان عله يخفف عنها :-

" لا تقلقي داليدا الصغيرة ستكون بخير ...لقد طمأننا الطبيب على نسبة نجاح العملية "

تمتمت بشئ ما أعقبه نداء جدها لها فاستأذنت منه قائلة :-

"بعتذر منك سيد رأفت سأضطر أن أغلق فجدي يناديني "

ودون وعي كان يقول بنبرة جُمِع بها حنان العالم شُق بها قلب أخرى لتوها دخلت :-
"صحبتك السلامة حبيبتي "

التفت بسرعة على صوت تحطم فنجان القهوة أرضاً فوجدها هناك جوار الباب مسمرة تناظره بصدمة ووجها شاحباً كالأموت
شتم بهمس وهو يحك ذقنه بضيق فهو لم يكن يريد أن تعرف نجلاء شئ الأن حتى توافق داليدا أولاً ..
بلل شفتيه وهو يضع كفيه في جيبي سرواله قائلاً بجدية:-
"ماذا يا نجلاء؟"
صمت ....صمت ....صمت
نار عاتيه اشتعل فتيلها في جسدها فأضرمت به الحريق
لوعة من الألم لسعت جسدها كتيار كهربائي رغم خفته إلا أنه بالقوة الكافيه لكي يُميتك
ألم حارق اخترق روحها فأرداها قتيلة..!
هل نطق رأفت للتو لفظ تحبب لغيرها بكل تلك الحرارة والحنان
إنها تقسم حتى أنه خرج منه تلقائيا وكأنه من قلبه وليس مجرد لفظ على لسانه
ألا تعرفه وتحفظه عن ظهر قلب !
الأرض تميل من أسفلها فتتمسك بحافة الباب علها تسندها ولا تقع ...
حاولت أن تبتلع ريقها الجاف علها تحفظ لنفسها بعض من كبريائها ...
لسانها ثقيل لا يسعفها حتى للكلام وقد كانت الصدمة أكبر من تحملها لها رغم توقعها ..
نفسها ثقيل حتى أنه اقترب منها يقول بقلق :-
"نجلاء هل أنتي بخير ؟"
هزت رأسها وهي ترفع كفها تحك جبينها وحين نطقت خانتها شهقة بكاء مكتومة في صدرها فخرج صوتها مختلطاً برنة نشيج موجِعه :-
"من هذة التي تقول لها حبيبتي ؟"

منظرها الضعيف جلب بعض الرحمة بها لقلبه فقال بشفقة :-
"نجلاء اهدأي ودعينا نتحدث"

ونبرة الشفقه في صوته كانت كصفعة إفاقه لضعفها فضربت موجة من الغضب بداخلها وقد ارتفع نبض صدغيها وكأن عروقها ستنفجر!
سكاكين ..سكاكين تنهش في لحمها بوحشيه فتهدر بغضب عاتي :-
"أهدأ تريدني أن اهدأ...؟!
من هذة الحقيرة التي تقول لها حبيبتي يا بشمهندس يا محترم "
أحالت بحديثها كل هدوءه وترويه إلى الغضب بخطأها فيه وفي الأخرى فزجرها بقسوة :-

"نجلاء حذاري ..حذاري أن تُخطأي "

والجنون قد اشتعل فيها فصرخت بغضب وقد برقت عينيها :-
" أُخطِأ ؟
وهل رأيت خطأ بعد ؟ "

تقترب منه بجنون صارخة :-
"أقسم يا رأفت إن ما فسرت لي ما سمعت سأفعل ما لم تتخيله يوما ً"
حسنا فاض الكيل .. هي من استفذته !
اقترب هو الأخر غير داري أي منهم بتلك التي تقف بالقرب من باب الغرفة تستمع إليهم بصدمة وهي تضع كفها على فمها مصعوقة !

" تريدين أن تعرفي من هي يا نجلاء "
يقترب خطوة أخرى وهو يهدر بنبرة متفجرة كانت كوقع الرصاص على قلبها :-
"تلك المرأة ستكون زوجتي يا نجلاء ستكون زوجتي أريني هيا ماذا ستفعلين "
"زوجتك؟!"
والنبرة شاحبه متهدجه أتيه من قعر وجع سنوات عشق لم تعرفه سوى له
حطام ...حطام ...حطام
ما تشعر به الأن هو حطام يلم بروحها فيفتتها بلا رحمة

حتى أنها شهقت تعب الهواء لصدرها تناظره بجزع في وقفته المتحفزة وهو يضع كفيه حول خصره فتصرخ بجنون :_

"تتزوج علي ؟..تتزوج علي أنا يا رأفت بعد كل هذة السنوات
بعد كل ما فعلته لأجلك !"
"وماذا فعلتِ يا نجلاء ؟ لا تضعي نفسك في دور بطولة أنتِ أبعد ما يكون عنه "
"أنت خسيس " نطقتها بتوجع وكأنها تبصقها فصرخ فيها بقسوة وقد نفرت عروق وجهه غضباً:-
"نجلاء احفظي لسانك وعمرك ولا تجعليني أفعل ما أندم عليه "
لفت حول نفسها بغضب ورغبة عاتيه بالقتل تصرخ في سائر روحها فتعود وتلتفت إليه صارخة بجنون :-

"هل تظن أني سأسمح لك أن تفعلها "

لوى رأفت شفتيه باستخفاف وهو يقول بسخرية:-

"حقا يا نجلاء ! وهل تظنين أني أطلب رأيك بالأساس ؟!"

يتحرك جهة النافذة الخلفيه ليفتحها مستمعاً لصوت صراخها الغاضب :-
" لماذا ...لماذا أن أبداً لم أستحق منك أن تفعل "
توصل بنبرة تفيض بالوجع :-
" أنا حتى لم أقصر في حقك لتفعل ذلك لقد ضحيت بكل شئ من أجلك "
يلتفت إليها رأفت صارخاً بحدة :-
"بل لأجل نفسك ...لأجل نفسك يا نجلاء "

تخونها الكلمات وهي تناظره بصدمه والطنين يصم أذنها فتخونها الكلمات
وكأنه أخر غيره
وكأنه أخر غيره
وكأنه ليس رأفت حبيب عمرها !
تنطق بتهدج وكأنها تلقي أخر كارت أو ربما مازالت تؤمن بغلاوتها عنده
"لو فعلتها يا رأفت ...لو فعلتها أقسم سأتطلق واترك البيت أنت وابناءك "
يمط رأفت شفتيه بقرف وهو يقول بنبرة حملت من الإشمئزاز شئ :-
" وماذا سأتوقع منكِ يا نجلاء ؟
لن تكون المرة الأولى عامة ً التي تتخلين فيها عن قطعة منكِ من أجل ماذا ؟
لاشئ ... من أجل نفسك وأنانيتك "

لو لطم وجهها بكفٍ من حديد لكان أهون عليها مما نطق حتى أنها تراجعت للوراء بشحوب وكأن ما نطقه كان إذناً لدموعها بالنزول فتهمس بنشيج مميت :-
"أنت حقير ..حقير "
" حسنا يا نجلاء وإن كنت حقير فلا تقلين بوضاعتك شئ "
"أبي "
صرخة عمار الغاضبة جعلت الاثنان يلتفتان بصدمة لأبنائهم

عمار بوجهه الغاضب ونور التي تقف جواره باكيه تهز رأسها نفياً بصدمة وهي تقترب من والدها صارخة بغضب هي الأخرى :-
" لا تقل أنك ستفعلها يا أبي لا تقل أن ما سمعته صحيح "

انتهى

نلتقي غدا في الإشراقة الثانية عشر


إسراء يسري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:25 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.