آخر 10 مشاركات
لعـ زواج ـــبة (2) "الجزء 2 من سلسلة لعبة الصديقات" للكاتبة المبدعة: بيان *كاملة* (الكاتـب : monny - )           »          مكافحة الصراصير بالرياض (الكاتـب : سلوي عبدالله - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          متجر زمرد: إحدى أفضل الوجهات للعناية بالبشرة عبر الإنترنت (الكاتـب : حماد - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          207 - ملاك في خطر - شارلوت لامب ... (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree733Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-09-22, 06:08 AM   #281

Suzan71

? العضوٌ??? » 390255
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 96
?  نُقآطِيْ » Suzan71 is on a distinguished road
افتراضي


مشكوره فصل رائع

Suzan71 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-09-22, 02:14 PM   #282

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 23-09-22, 08:59 PM   #283

حمدة بنت عثمان
 
الصورة الرمزية حمدة بنت عثمان

? العضوٌ??? » 489609
?  التسِجيلٌ » Jul 2021
? مشَارَ?اتْي » 224
?  نُقآطِيْ » حمدة بنت عثمان is on a distinguished road
افتراضي

كنت أظن مثل أحد الأخوات أن رابحة ستتهم سلطان بعد جلبه زوجته ثانية ولكن طريقتها جديد لم تعجبني تقليل شأن الزوجة الأخرى ودخول حرب معها بدل مواجهت سلطان والطلاق منه أمر غير عقلاني 🥲 خاب أملي فيها

حمدة بنت عثمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-22, 07:51 AM   #284

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,156
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

بارت جميل اسرته سلطان يتضح ان فيه الكثير من الذنوب والجرائم
موقف لقاءالضرتين افضل من لقائها معرحسناء وثريا او الجد الشخصيتين التقتا بتلقائيه ارواحهم تعارفت
وبنون وذاك الغريب ماذا سمعت هل سمعت انها بنه لامرائه لا تعرفها وهذا ما اتوقعه لكنها بنون حساسه من جهه والدها وامها والدها الاكثر هل اكتشفت مناسبه ولم تخبر به كي لا تحضر
بانتظار البارت الجديد والتكمله
سعدت لاول مرة اني تلم اشاهد البارت الي نازل قريتهم اثنين مع بعض


غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-22, 10:39 AM   #285

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمدة بنت عثمان
كنت أظن مثل أحد الأخوات أن رابحة ستتهم سلطان بعد جلبه زوجته ثانية ولكن طريقتها جديد لم تعجبني تقليل شأن الزوجة الأخرى ودخول حرب معها بدل مواجهت سلطان والطلاق منه أمر غير عقلاني 🥲 خاب أملي فيها

حبيبتي
إنتِ وأحد الأخوات رأيكم على راسي
لكن وجهة نظري ..
إن رابحة مش مُنزهة عن الغلط، هتتصرف كأي ست في وضعها على مقدار الحزن والغيرة
ويمكن أنا قاصدة إنها تعمل كده عشان محدش يفتكر إنها خط مستقيم مفيهوش انحياد
كل الشخصيات ليهم أخطاء سواء صغيرة أو جسيمة!


وأتمنى الباقي يعجبك حبيبتي

زهرورة likes this.

*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-22, 10:51 AM   #286

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ektimal yasine مشاهدة المشاركة
ماالهوى إلا لسلطان
فصل روووعة حبيت بدور الجديدة جدا
سالم.متمسك فيها لكن لسى الصبي هاجسو تيمتى راحزيستوعب الدرس
جلسة الصبايا كانت مممتعة ومؤلمة نهاد وجع من نوع تاني
جلسة الشباب بيستاهلوا هذا ما جنته ايديهم
رغم.كلشي وتعاطفي مع رابحة لكن للأسف نسرين ضحية والدها وسلطان ليش اخدها بذنب والدها وماننسى أنو والد رايحة شريكو ما بتمنى يكسر روحها طلقها بالاححسان لأنو اذا تركتها لرابحة عليه العوض ومنو العوض
حبيبتي اكتمال وحشتني كومنتاتك الحلوة بجد
لكل معركة ضحايا... والأبطال مش ملايكة
لكن رابحة هتاخد حقنا كلنا من الغيظ


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-22, 10:52 AM   #287

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ektimal yasine مشاهدة المشاركة
فصل رروووعة هل فييي قول متعاطفة جدا مع نسرين ياللي شافت بسلطان الامان والخب لتكتشف انها موهومة وما هيي الا غرض لتحقيق شي غامض للاسف ما بتعرفو
سلطان مهما كانت غايتو النبيلة من احضارها لبيت العيلة لحمايتها لكن هاد ماةبيلغي انو كسر قلبها وخصوصا مع وجودرابحة ياللي ماراح تستغنى عن حقها ولو كانت نسرين هيي كبش الفدا انا مو ضد رابحة ابدا لكن سلطان غلط لما زج انسانة بريئة هوي وجدو للانتقام من والدها وخالها ومن والد رابحة
بنون شو سمعت لختى اصابها هالانهيار الله يستر وعاطول برهان بيشوفها باصعب الاواقات
ونهاد ما مد تأثير وفاة والدها عا حياتها مجموعة من الاحداث لنشوف لوين ماشية فينا ابدعت ياعسل
كلنا ضد سلطان عشان بيستعبط أصلاً
لكن رابحة حبيبتنا
حبيبتي يا اكتمال انتِ العسل


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-22, 10:53 AM   #288

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي مشهد "بنون وبر"غ"هان

وبما يُفيد البوح والروح قد أضحت رمادًا...
لا تصدق أنها قد تخلت عن كومة مبادئ -كانت تتخذها درعًا- للتو!!
في سيارة الغريب .. الجو هادئ يتخلله نسمة هواء باردة جعلتها تنكمش على الكرسي بجانبه
نظرت ليديها المتشابكتين وبطرف عينيها رمت بصرها عليه.... ممتنه له لأنه ترك لها حرية التفكير لتلك الدقائق البسيطة التي تقضيها برفقته في السيارة التي تسير بسرعة معقولة وسط طريق عامر والزحام
فهذه شوارع القاهرة... مُنبسطة للحياة... مُنقبضة للكسل!
-ألن تخبريني ما يضايقك؟ هذه الفرصة لن تتكرر للبوح
هل يحاول أن يقتنص الفرصة لساعة صفاء وحكي بينهما أم هي مُخطئة؟ لم تعرف بما تُجيب عندما سألها للمرة التي لا تعرف عددها عما حلّ بها.... صمتت وفي صمتها كانت الإجابة
هل تخبره عن خيبات حطت على قلبها وأبت التزحزح؟
تسرد عليه أوجاع مصدرها الأقربين!
عقلها يأبى تصديق أن معاملة أخيها الحسنة وراءها قطعة أرض موعودة من قِبل جدها على أن يأتي بأخبارها وألا يضايقها
لقد لعب القدر دورًا في أن تسمع المحادثة وهي مارة من أمام غرفة أخيها والذي لم يتخلَ عن عادته في التحدث في الهاتف بصوت عالٍ
"أقسم لك يا جدي أنها بخير .. أنا أعاملها جيدًا حتى بإمكانك سؤالها... صحيح يا جدي.... متى سأستلم أرضي لقد نفذت ما طلبته وبنون أصبحت تتعايش أريد أنا الأخر أن أعيش..."
في أحلك أوقاتها بأخيها لم تكن لتتخيل مدى قذارته لتصل إلى أن يُقايض سعادتها بأرض!... هو مُجبر على جعلها سعيدة حتى يحصل على جائزته الكبرى لا لطيب خاطر نفسه في زحزحتها عن حزنها الطويل....
في تلك اللحظة لقد تهشم قلبها فُتاتًا فما عادت قادرة على رأب صدعه، فقد اندثر مع رياح الألم التي حملته مع رماد روحها المكلومة.
شعرت بلسعات خفيفة تغزو مُقلتيها فأدركت أنها على وشك البكاء... مرة أخرى... وخزي أخر أمام الغريب!
وهي للآن لا تصدق أنها فعلت كل هذا أمامه... ستشكره في وقتٍ لاحق!
تباطأت حركة السيارة لتجده يركن في مكان ما لا تعرفه بجُملة جهلها بتلك المدينة الكبيرة، التفتَ لها بابتسامته الرائقة وأردف بصوتٍ هادئ
-لقد نزلنا على غفلة دون إفطار وبما أنني لن أذهب للعمل وسأهب لكِ اليوم لذا لنتشارك الطعام.... وكما تقولون "عيش وملح"
اتسعَ ثغره باتساع ابتسامته وتلك المرة لم تجد غضاضة في النظر إليه وتأمل راحة البال البائنة على وجهه... وهلة... ثم أدارت وجهها و حاولت الرفض لأنها شعرت أن هذا غير صائب
-لا، لا بأس لم يتبقَ سوى القليل وتميم سيذهب لمحاضراته وسأعود للمنزل
أصرَّ هو
-لن أقبل الرفض... هيّ انزلي لن نعود على معدة خاوية....
ولم يترك لها فرصة لتتحدث بل حلَّ حزام أمانه ونزل من السيارة بينما هي تراقبه متسعة العينين وهو يدور حول مقدمة السيارة ليتوقف عند بابها ويفتحه لها منتظرًا سيادتها لتنزل وتُشرفه بمشاركة الإفطار...
رمشت عدة مرات ووجنتيها تشتعلان من فرط الخجل للموقف الذي وضعت نفسها به، نزلت سريعًا حتى لا تدعه واقفًا ويزداد احراجها أكثر، وهنا تمتمت بخفوت
-لم يكن هناك داعي
-أخبرتك أنني لن أتركك دون طعام
نفت بارتباك وهي تنظر في جهة غير جهته
-لـيس هذا... الباب... كنت سأنزل وحدي.... لم يكن هناك داعي.... شكرًا
"شكرًا" خافتة.... مُذبذبة.... خائفة.... هاربة كهروبها للتو من أمامه وتقدمها لتصعد على الرصيف، سائرة بغير هدى تتقاذفها الأفكار يمينًا ويسارًا تاركة أعين تبتسم لارتباكها
وقفت تنتظره على الرصيف حالما يصل لها... لم يستغرق وقتًا فثانية وكان أمامها يُرشدها للمطعم لكنها هي غرقت في أفكارها مُجددًا
لقد طردته!
وحدثته بطريقة سيئة
لم تظهر له وجهًا جيدًا ودائمًا ما تُقلل من شأنه بينها وبين نفسها...
فلم
عليه
أن يكون
بكل
هذا
الحنان
لقد جرّبت حنان جدها.... لكن هذا مُختلف... حتى فراس الوغد لم يكن بمثل هذا التفاني!
ألا يعرف أن نفس الأنثى بطبيعتها تجرفها إلى كل ما هو حاني ولطيف ليربت على قلبها ويرمم ما أفسدته الظروف
لكن في حالتها هي تحتاج هذا لتكسر به علقمًا قد ازدرته عنوة!!
لكن لا... لن تفعل
أتصعد سلم السعادة لينكسر بها في علوٍ وتقع!!... وهذا المرة ستموت حقًا
سمعته يُتمتم وهو يتفحص اللافتة بشرود
-نعم... هذا هو المطعم لقد دلني عليه تميم..
نفدت وراءه لداخل المطعم التي تتصاعد منه رائحة شهية لأسياخ الشاورما التي تتراقص حولها النيران فتخجل وتحمرّ... وكلما احمرت كلما كانت أشهى وأطعم
اختار طاولة بعيدة ضمنيًا عن الجلبة والتي لم تكن موجودة لأن الوقت كان مبكرًا... كانت هناك فقط طاولة يقبع عليها شخصان؛ طالبة تحمل كتبًا ورجلاً يحمل حقيبة وشتان بين الاثنين!
كانت الفتاة ملابسها عصرية ترتدي قميصًا أبيضًا تخطه خطوط بسيطة باللون الأزرق مع بنطال جينز غامق وتوب من اللون الأبيض وحجاب من اللون الأزرق الغامق أعطى لوجهها الأبيض زهوًا كأنها ليلة قمراء افترشت سواد السماء
أما بالنسبة للجالس أمامها كان يرتدي ملابس مُنمقة، عملية... بنطال قماشي من اللون البيج وقميصًا أسودًا مع حزام من نفس لون القميص... تقبع على رأسه نظارته الشمسية أما خاصتها تركتها تتدلى على صدرها، محكومة بسلسلة تلتف حول رقبتها
الفتاة يبدو عليها الاضطراب ... أما الرجل أمامها بدا جامدًا دون ملامح كقميصه
-أنا أعيد السؤال عليكِ للمرة الثالثة... فيما شردتِ؟!
حمحمت وهو تولي انتباهها المسلوب قسرًا له، وأردفت بهدوء
-رجاءً أعد السؤال
-ماذا ستأكلين
نظرت للدفتر الذي يمده لها وبمجرد النظر أدركت أنها ستعرض نفسها للإحراج لأنها لم تعرف طعامًا غير الذي تأكله في قبيلتها ولا تعرف هذه الأكلات....
أبعدت الدفتر بيده، وهتفت مطرقة رأسها للأسفل -اطلب أنت
-حسنًا...
نادى على النادل وأثناء ما كان يُمليه الطلب، وانتباهها يتشتت مرة أخرى نحو طاولة تقع في مرمى نظرها وسمعها، ولأن الحكايات تشابه على أعقابها تركت فضولها يحركها لترهف السمع لنبرة الفتاة المحشرجة وتتفرس في ملامحها المقهورة
-أتخبرني بهذا الآن؟! لقد تحملت كلام الجميع لأجلك وحاربت لأبقى بجانبك!!... لا أصدق أن ما يخرج من فمك هو موجه لي....
سكتت وعند نزول أول دمعة كانت ملامح الجالس أمامها تبهت وقبضته تشتد، على وجهه العديد من الحروف التي لم تترتب جيدًا فبانت مُتلعثمة مُتفرقة.. على عقدة حاجبه... وشفتيه المزمومتين... وعضلة فكه المنقبضة تحت رحمة أسنانه التي يكز عليها...
اكتفى بمنديل يُقدمه لها وكل ما أنفقه عليها
-هذا أكثر ما يُمكنني تقديمه....
أكان يقصد المنديل... أم الألم؟!
تغضن وجه الفتاة وبدلاً من أن تأخذ المنديل منه هتفت بشراسة
-أنت سترضخ لما يحدث ولن تحاول حتى اقناعهم بعلاقتنا؟.... هل علاقة بين الطالب وأستاذه مُحرمة هذه الأيام، ألا ترى أنني أستحق بعضًا من الجهد!!!.....
عند هذه الجملة أغمضت بنون عينيها وابتسامة ساخرة شجية تشق شفتيها، وتُشقق قلبها...
ألم تكن هي الأخرى تستحق جهدًا في حين أنها هي من تعددت كل الخطوط وبذلت كل الجهود؟!....
حال هذه الفتاة الحزينة مُشابه لحالتها... نفس ضعف الأنثى الفطري مع جزوة شراسة مُشتعلة، وإن تغلّبَ عليها الأولى وخمدت الثانية سيؤول حال هذه الفتاة كمثل حالها
هاربة... مُشتتة... مطعونة.... وحزينة في بلد مع أخيها الذي وجوده لا يفرق مع عدمه!
-ولم لا تستسلمين أنتِ لفكرة أننا غير مناسبين لبعضنا وأن المشاعر التي جرفت كل منّا نحو الأخر ما كانت إلا جنونًا لم يعد يناسبني... إذا بقيتِ أنتِ في جنونك فدعيني أخبرك أنني لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى
عند هذه الجمُل الطويلة المؤلمة التي سمعتها هي وكانت نيرانًا تحرق قلب آخرًا يفغر فاهه مُتسع العينين مع دقات سُلبت غدرًا وليس حُبًا
-بنون... بنون أين تذهبين..... هذه المجنونة
تفجأ برهان بها تطرق بقبضتها على الطاولة ووجهها لا يُنبئ بالخير... ملامحها العنيفة التي ترمق الجالس في الطاولة التي أمامهم وجسدها الذي اندفع إليهم جعله يتبعها لا إراديًا
وللمرة التي لا يعرف عددها تخلف ظنونه... كان يظنها ستنهر الرجل لكنها وجهت حديثها العصبي للفتاة وهي تمسك كتفها والفتاة مشدوهة
-هل أنتِ مجنونة لتجلسي أمام رجلاً لا يريدك.. وحتى عندما أرادك كان أكسل من أن يُحاول!!... حمقاء أنتِ لو تصورتِ أن دموعك هذه ستجعل قلبه الحجر يلين كان غيرك أشطر يا حبيبتي... هيّا امسحي دموعك وخذي حقيبتك واهربي ولا تتنازلي عن كرامتك لأحدٍ أيًا كان..... من يريدك على رأسنا ومن لم يفعل فالداهيات كثيرة لتأخذه إحداهن
أنفاسها العالية.. وجهها الأحمر ووشاحها الذي اهتز على رأسها فهبطَ قليلاً مظهرًا جزءً من شعرها الحالك...
لا تعلم إلى أي مدى سيؤول ما فعلته لكنها راضية، تشعر بالانتشاء أنها لم تصمت على الأقل نصحت حتى لا تقع الفتاة في مثل خطئها
هل ستتقبل الفتاة ما قالته؟
أم سيثور هذا الرجل الذي احتدت ملامحه وهو بصدد التهجم عليها الآن
-ما الذي تقولينه يا امرأه هل شتمتني للتو؟!
رد برهان عنها وقد وقفَ بينهما حائلاً
-لا تحدثها هكذا ألا تراني واقفًا
أطبقت ذارعيها لصدرها وأجابته ببرود
-عذرًا هل ذكرت اسمك حتى أنا لا أعرفه... حديثي مع الفتاة
وهنا انتفضت الفتاة المذكورة إشارةً وليس اسمًا، تزعق بعنفوان
-نعم معها حق، أنا لن أدور في تلك الدوامة وحدي إما أن تساندني أو تذهب بعيدًا عني... لكن هذه ستكون المرة الأخيرة التي ترى وجهي فيها...
-يارا أنتِ تعرفين ما وراء الأمور وليس بيدي شيء
نبرته الجامدة سمرّت المدعوة يارا، كما سمرّت العديد من الأحاسيس داخلها، كأنها كانت زر أوقف حبه في قلبها، ثانية كانت ابتسامة ساخرة ترتفع على شفتيها.... وقبل أن تنسحب للخارج نظرت لبنون وبكل الألم المُتجلي في عينيها نطقت
-لنلتقي في فرصة أسعد لا يكون بها الخذلان طرفًا
ثم ألقت نظرة على الواقف مضطربًا يجول بعينيه في أنحاء المطعم إلا خاصتها ورحلت...
رحلت تاركة وراءها الرجل يسب الواقفة أمامه في عقله... لقد كان سينهي الموضوع بهدوء لم جاءت وافتعلت هذه الدراما؟!!!
ولكن ما أدهشه حقًا هو رده فعل يارا.... لم تكن هكذا!!
كانت مستكينة توافق على ما يقوله... ولقد ظن أنها ستتمسك به وهو سيمل من مطاردتها، لكن "النساء للنساء" حقًا ما إن وجدت إحداهن تساندها حتى ظهرت تلك القوة المفاجئة
يا للنساء وقوتهن!
مال برهان على أذنها هامسًا بحدة
-يكفي هذه المشاكل هيّا لنذهب
أمسكَ ذراعها تلقائيًا لكنها سحبتها منه بل فاجأته وهي تمسك ذراعه تُدير طريقه من الخارج نحو طاولتهما قائلة بنفسٍ راضية كأنها لم تقم الدنيا للتو
-ألن نأكل؟ طلبنا على وشك الوصول.... أم أنك بخيل لا تريد أن تدفع
رمش عدة مرات وهو يستوضح في عقله أسلوبها المرح الجديد لكن لا شيء يُنير فقط ظلام وكلمات لاذعة ونظرات مهينة
وفي النهاية لم يجد سوى الابتسام وهو يجلس أمامها وعينه تخطف نظرة نحو الرجل الراحل بدوره...
-إذًا!!
نطق ببرود لتُجيب مُستفهمة
-إذًا؟
أوضح
-لم فعلتِ كل هذا كانا سيحلان مشاكلهما بطريقتهما.. لم تدخلتِ؟
أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته على مهل، لا تحب أنه جيد في الحديث معها... لا تحب نبرته الهادئة التي تحثها على الاسترسال دون شعور.... بين الراحة أثناء ما يتحدث وعدم الراحة لأنها تستجيب.... هي في المنتصف رغم اعتيادها على التطرف.
-شعرت أنها بحاجة لي، لا أعتقد أن الرجال سيفهمون هذا لكن النساء يشعرن يقهر بعضهن وتأخذهن الحمية للمساعدة حتى لو لم تكن قريبة منها أو تحملان نفس الدم... ولو تكرر الموقف كنت سأفعل ما فعلته... فأنا لست نادمة
تُعجبه الثقة التي تتحدث بها كثيرًا، كما هو مُعجب بعينيها اللتين تضيئان حين الغضب، كأنها صواعق برق تضرب عندما يشتد شتاء غضبها ثم تتلاشى لتأتي الشمس بدفئها
هي هذا النقيض الذي أعجبه
كان سيتحدث لكن النادل وضعَ الطعام، وبعفوية التقطَ الشطيرة خاصتها ووضعها في صحنها وفتحَ لها علبة المخلل والتومية.... ربما لم يقصد أن يُشعرها بكل هذا الخجل والأهمية لكنها في النهاية شعرت بهما... وكم امتنت
قبل ساعة يفتح لها الباب كرجل نبيل مهذب
والآن يُساعدها للتناول طعامها
هذا الحضور المميز له تأثير خاص على مُتحجرة قلب مثلها... إلى أن يلين الحجر
-رائحة الطعام تبدو شهية للغاية... أحسنت يا تميم سأخذ رأيه في المطاعم منذ الآن... هيّا كلي.... اه انتظري
أشار لصحنها لكنه انتبه أنه لم يُزيل ورقة السلوفان التي لفت الشطيرة بإحكام حتى لا تتسرب الحرارة وتفقد لذة سخونتها.... فمد يده وأزال قطعة صغيرة منها حتى اتضحَ ربع الشطيرة ووضعها مرة أخرى مبتسمًا
كل هذا وهي تنظر إليه مشدوهة من حركاتها العابرة التي تشعرها بالتوتر
-لكن ما الذي كنتِ ستفعلينه إن قامت الفتاة بإحراجك وأخبرتكِ انه لا شأن لكِ بما يحدث....
حسنًا خير ما فعل... أن يُشتت انتباهها عن الزوابع الداخلية والتي تجربها لأول مرة
هزت كتفيها كأمر مُسلّم ثم تشدقت
-حسنًا حينها سأكون منتصرة أيضًا ...نصحتها وهي من أبعدتني.... سأنام مرتاحة البال وهذا خير من أن أتقلب على فراشي كجمرة مُشتعلة لأنني صمت
-تعجبني طريقة تفكيرك.... لكن ليس عليكِ أن تكوني بمثل هذا ال.....
قطعَ حديثه يحاول أن يجد كلمة مناسبة تصفها، وهي بدورها بقت تنظر له بترقب، نهرت نفسها عليه في الثانية التالية لأنها تنتظر حكمه عليها... تبًا له... لكن شكرًا له على الطعام
-التهور
-أن أتهور وأفعل ما أنا راضية عليه أفضل من خطة مدروسة لما أنا ساخطة عليه....
قضمت أول قطعة من الشطيرة بعد أن أنهت حديثها...
وهنا الصمت في حضرة "الشاورما" احترامًا وتقديرًا للذاذتها
ساخنة وطرية.... ذوبانها في الفم له قصة أخرى لا يحكيها كتاب أبلة نظيرة ولن يبلغ بها أفضل شيفات العالم من البلاغة!
من حُسن حظها اليوم أنها غضبت من أخيها لينتهي بها المكان في هذه الجنة الأرضية.... هي لا تعرف المكونات لكنها شاكرة لمن اخترعَ هذه الأكلة... وشاكرة لبرهان لكنها لن تخبره بذلك
-جربيها مع التومية
وهذه كانت صوصًا أبيضًا، غمست به طرف الشطيرة وأودعته في فمها مرة أخرى.... كأنه غلاف لكتاب... صوص لاذع يتوافق مع رواية الشطيرة الفريدة
سحبها من فقرة تقييمها لأرض الواقع وهو يُلقي عليها مزيدًا من الكلمات التي في وقتٍ قليل أصبحت تأسرها
-ردة فعلك كانت مبالغة بعض الشيء، هل ربما لأنكِ مررت بمثل هذه الظروف من قبل؟!
تفاجأ من نفسه لجرأه سؤاله... أما هي تجمدت يدها وهي تعتصر الشطيرة بيدها....
-وما أدراك أنت بحالي؟!
كان يجب أن تنهره... تلقي بهذه التومية في وجهه... وتتركه وتذهب... لكنها لم تفعل
تلقائية أم غباء ليس هذا وقت النقاش، عليها أن تواكب ما سيقوله بعد ذلك وقد أتى لا محالة
-لي خلفية بسيطة عن أخيكِ وأخرى متوسعة قليلاً عن جدك.... أما أنتِ فبالكاد أعرف اسمك ... أقول ما رأته عيناي
غيّرت الموضوع وهي تُجيبه بترّفع
-أنا حتى لا أتذكر اسمك
نطقَ سريعًا
-برهان
نعم ... برهان صاحب الراء المتحولة لغين... الراء اللعينة والجميلة
-بر"غ"ان
قالتها ثم انفجرت ضاحكة حتى أنها ألقت الشطيرة من يدها في الصحن وغطت بها فمها حتى لا يتسرب صوتها الرنان للخارج... وكم تمنى أن يفعل ويسمعه كما في بداية ضحكتها
تسللت إليه عدوي الضحك فقال بدوره
-لقد قلت العديد من الكلمات بها حرف الراء... لم اسمي ما يُضحكك؟!!
والله هي الأخرى لا تعلم لكن نبرته الرجولية التي نطقت الاسم... والعلة الخفيفة في الحرف جلبت إليها الضحك... هي لا تسخر منه... لكن الأمر بالنسبة لها غريب.... يُدغدغ مشا.... لا ليس هذا بالتأكيد
-لا شيء
هتفت وهي تنفي بيديها ثم عادت لتأكل
وبعد وقت ليس ببسيط قضوه في صمت تارة وحديث من جهته يسألها أن يُحضر لها شيء تارة أخرى
وبعد أن أنهت طعامها كانت تشعر بالمغص ورجحت الأمر لأنها ممتلئة..... لكن الأمر اشتد عندما استقامت في وقفتها لتتجه نحو الحمام.... لكنها لم تفعل
بل صرخت ممسكة ببطنها وهو ينظر إليها مشدوهًا، وهرع نحوها قبل أن تسقط على الكرسي مرة أخرى تتأوه بألم


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-22, 08:02 PM   #289

*سارة عاصم*
 
الصورة الرمزية *سارة عاصم*

? العضوٌ??? » 439475
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » *سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute*سارة عاصم* has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي الفصل العشرون

الفصل العشرون
يا من أودعَ حُبه فينا
سد رمقي بهمسة
وأشبع عاطفتي بلمسة
ومن الهوى وإلىّ كُن سلطانًا علينا
وبما يُفيد البوح والروح قد أضحت رمادًا...
لا تصدق أنها قد تخلت عن كومة مبادئ -كانت تتخذها درعًا- للتو!!
في سيارة الغريب .. الجو هادئ يتخلله نسمة هواء باردة جعلتها تنكمش على الكرسي بجانبه
نظرت ليديها المتشابكتين وبطرف عينيها رمت بصرها عليه.... ممتنه له لأنه ترك لها حرية التفكير لتلك الدقائق البسيطة التي تقضيها برفقته في السيارة التي تسير بسرعة معقولة وسط طريق عامر والزحام
فهذه شوارع القاهرة... مُنبسطة للحياة... مُنقبضة للكسل!
-ألن تخبريني ما يضايقك؟ هذه الفرصة لن تتكرر للبوح
هل يحاول أن يقتنص الفرصة لساعة صفاء وحكي بينهما أم هي مُخطئة؟ لم تعرف بما تُجيب عندما سألها للمرة التي لا تعرف عددها عما حلّ بها.... صمتت وفي صمتها كانت الإجابة
هل تخبره عن خيبات حطت على قلبها وأبت التزحزح؟
تسرد عليه أوجاع مصدرها الأقربين!
عقلها يأبى تصديق أن معاملة أخيها الحسنة وراءها قطعة أرض موعودة من قِبل جدها على أن يأتي بأخبارها وألا يضايقها
لقد لعب القدر دورًا في أن تسمع المحادثة وهي مارة من أمام غرفة أخيها والذي لم يتخلَ عن عادته في التحدث في الهاتف بصوت عالٍ
"أقسم لك يا جدي أنها بخير .. أنا أعاملها جيدًا حتى بإمكانك سؤالها... صحيح يا جدي.... متى سأستلم أرضي لقد نفذت ما طلبته وبنون أصبحت تتعايش أريد أنا الأخر أن أعيش..."
في أحلك أوقاتها بأخيها لم تكن لتتخيل مدى قذارته لتصل إلى أن يُقايض سعادتها بأرض!... هو مُجبر على جعلها سعيدة حتى يحصل على جائزته الكبرى لا لطيب خاطر نفسه في زحزحتها عن حزنها الطويل....
في تلك اللحظة لقد تهشم قلبها فُتاتًا فما عادت قادرة على رأب صدعه، فقد اندثر مع رياح الألم التي حملته مع رماد روحها المكلومة.
شعرت بلسعات خفيفة تغزو مُقلتيها فأدركت أنها على وشك البكاء... مرة أخرى... وخزي أخر أمام الغريب!
وهي للآن لا تصدق أنها فعلت كل هذا أمامه... ستشكره في وقتٍ لاحق!
تباطأت حركة السيارة لتجده يركن في مكان ما لا تعرفه بجُملة جهلها بتلك المدينة الكبيرة، التفتَ لها برهان بابتسامته الرائقة وأردف بصوتٍ هادئ
-لقد نزلنا على غفلة دون إفطار وبما أنني لن أذهب للعمل وسأهب لكِ اليوم لذا لنتشارك الطعام.... وكما تقولون "عيش وملح"
اتسعَ ثغره باتساع ابتسامته وتلك المرة لم تجد غضاضة في النظر إليه وتأمل راحة البال البائنة على وجهه... وهلة... ثم أدارت وجهها و حاولت الرفض لأنها شعرت أن هذا غير صائب
-لا، لا بأس لم يتبقَ سوى القليل وتميم سيذهب لمحاضراته وسأعود للمنزل
أصرَّ هو
-لن أقبل الرفض... هيّ انزلي لن نعود على معدة خاوية....
ولم يترك لها فرصة لتتحدث بل حلَّ حزام أمانه ونزل من السيارة بينما هي تراقبه متسعة العينين وهو يدور حول مقدمة السيارة ليتوقف عند بابها ويفتحه لها منتظرًا سيادتها لتنزل وتُشرفه بمشاركة الإفطار...
رمشت عدة مرات ووجنتيها تشتعلان من فرط الخجل للموقف الذي وضعت نفسها به، نزلت سريعًا حتى لا تدعه واقفًا ويزداد احراجها أكثر، وهنا تمتمت بخفوت
-لم يكن هناك داعي
-أخبرتك أنني لن أتركك دون طعام
نفت بارتباك وهي تنظر في جهة غير جهته
-لـيس هذا... الباب... كنت سأنزل وحدي.... لم يكن هناك داعي.... شكرًا
"شكرًا" خافتة.... مُذبذبة.... خائفة.... هاربة كهروبها للتو من أمامه وتقدمها لتصعد على الرصيف، سائرة بغير هدى تتقاذفها الأفكار يمينًا ويسارًا تاركة أعين تبتسم لارتباكها
وقفت تنتظره على الرصيف حالما يصل لها... لم يستغرق وقتًا فثانية وكان أمامها يُرشدها للمطعم لكنها هي غرقت في أفكارها مُجددًا
لقد طردته!
وحدثته بطريقة سيئة
لم تظهر له وجهًا جيدًا ودائمًا ما تُقلل من شأنه بينها وبين نفسها...
فلم
عليه
أن يكون
بكل
هذا
اللُطف
لقد جرّبت حنان جدها.... لكن هذا مُختلف... حتى فراس الوغد لم يكن بمثل هذا التفاني!
ألا يعرف أن نفس الأنثى بطبيعتها تجرفها إلى كل ما هو حاني ولطيف ليربت على قلبها ويرمم ما أفسدته الظروف
لكن في حالتها هي تحتاج هذا لتكسر به علقمًا قد ازدرته عنوة!!
لكن لا... لن تفعل
أتصعد سلم السعادة لينكسر بها في علوٍ وتقع!!... وهذا المرة ستموت حقًا
سمعته يُتمتم وهو يتفحص اللافتة بشرود
-نعم... هذا هو المطعم لقد دلني عليه تميم..
نفدت وراءه لداخل المطعم التي تتصاعد منه رائحة شهية لأسياخ الشاورما التي تتراقص حولها النيران فتخجل وتحمرّ... وكلما احمرت كلما كانت أشهى وأطعم
اختار طاولة بعيدة ضمنيًا عن الجلبة والتي لم تكن موجودة لأن الوقت كان مبكرًا... كانت هناك فقط طاولة يقبع عليها شخصان؛ طالبة تحمل كتبًا ورجلاً يحمل حقيبة وشتان بين الاثنين!
كانت الفتاة ملابسها عصرية ترتدي قميصًا أبيضًا تخطه خطوط بسيطة باللون الأزرق مع بنطال جينز غامق وتوب من اللون الأبيض وحجاب من اللون الأزرق الغامق أعطى لوجهها الأبيض زهوًا كأنها ليلة قمراء افترشت سواد السماء
أما بالنسبة للجالس أمامها كان يرتدي ملابس مُنمقة، عملية... بنطال قماشي من اللون البيج وقميصًا أسودًا مع حزام من نفس لون القميص... تقبع على رأسه نظارته الشمسية أما خاصتها تركتها تتدلى على صدرها، محكومة بسلسلة تلتف حول رقبتها
الفتاة يبدو عليها الاضطراب ... أما الرجل أمامها بدا جامدًا دون ملامح كقميصه
-أنا أعيد السؤال عليكِ للمرة الثالثة... فيما شردتِ؟!
حمحمت وهو تولي انتباهها المسلوب قسرًا له، وأردفت بهدوء
-رجاءً أعد السؤال
-ماذا ستأكلين
نظرت للدفتر الذي يمده لها وبمجرد النظر أدركت أنها ستعرض نفسها للإحراج لأنها لم تعرف طعامًا غير الذي تأكله في قبيلتها ولا تعرف هذه الأكلات....
أبعدت الدفتر بيده، وهتفت مطرقة رأسها للأسفل -اطلب أنت
-حسنًا...
نادى على النادل وأثناء ما كان يُمليه الطلب، وانتباهها يتشتت مرة أخرى نحو طاولة تقع في مرمى نظرها وسمعها، ولأن الحكايات تشابه على أعقابها تركت فضولها يحركها لترهف السمع لنبرة الفتاة المحشرجة وتتفرس في ملامحها المقهورة
-أتخبرني بهذا الآن؟! لقد تحملت كلام الجميع لأجلك وحاربت لأبقى بجانبك!!... لا أصدق أن ما يخرج من فمك هو موجه لي....
سكتت وعند نزول أول دمعة كانت ملامح الجالس أمامها تبهت وقبضته تشتد، على وجهه العديد من الحروف التي لم تترتب جيدًا فبانت مُتلعثمة مُتفرقة.. على عقدة حاجبه... وشفتيه المزمومتين... وعضلة فكه المنقبضة تحت رحمة أسنانه التي يكز عليها...
اكتفى بمنديل يُقدمه لها وكل ما أنفقه عليها
-هذا أكثر ما يُمكنني تقديمه....
أكان يقصد المنديل... أم الألم؟!
تغضن وجه الفتاة وبدلاً من أن تأخذ المنديل منه هتفت بشراسة
-أنت سترضخ لما يحدث ولن تحاول حتى اقناعهم بعلاقتنا؟.... هل علاقة بين الطالب وأستاذه مُحرمة هذه الأيام، ألا ترى أنني أستحق بعضًا من الجهد!!!.....
عند هذه الجملة أغمضت بنون عينيها وابتسامة ساخرة شجية تشق شفتيها، وتُشقق قلبها...
ألم تكن هي الأخرى تستحق جهدًا في حين أنها هي من تعددت كل الخطوط وبذلت كل الجهود؟!....
حال هذه الفتاة الحزينة مُشابه لحالتها... نفس ضعف الأنثى الفطري مع جزوة شراسة مُشتعلة، وإن تغلّبَ عليها الأولى وخمدت الثانية سيؤول حال هذه الفتاة كمثل حالها
هاربة... مُشتتة... مطعونة.... وحزينة في بلد مع أخيها الذي وجوده لا يفرق مع عدمه!
-ولم لا تستسلمين أنتِ لفكرة أننا غير مناسبين لبعضنا وأن المشاعر التي جرفت كل منّا نحو الأخر ما كانت إلا جنونًا لم يعد يناسبني... إذا بقيتِ أنتِ في جنونك فدعيني أخبرك أنني لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى
عند هذه الجمُل الطويلة المؤلمة التي سمعتها هي وكانت نيرانًا تحرق قلب آخرًا يفغر فاهه مُتسع العينين مع دقات سُلبت غدرًا وليس حُبًا
-بنون... بنون أين تذهبين..... هذه المجنونة
تفجأ برهان بها تطرق بقبضتها على الطاولة ووجهها لا يُنبئ بالخير... ملامحها العنيفة التي ترمق الجالس في الطاولة التي أمامهم وجسدها الذي اندفع إليهم جعله يتبعها لا إراديًا
وللمرة التي لا يعرف عددها تخلف ظنونه... كان يظنها ستنهر الرجل لكنها وجهت حديثها العصبي للفتاة وهي تمسك كتفها والفتاة مشدوهة
-هل أنتِ مجنونة لتجلسي أمام رجلاً لا يريدك.. وحتى عندما أرادك كان أكسل من أن يُحاول!!... حمقاء أنتِ لو تصورتِ أن دموعك هذه ستجعل قلبه الحجر يلين كان غيرك أشطر يا حبيبتي... هيّا امسحي دموعك وخذي حقيبتك واهربي ولا تتنازلي عن كرامتك لأحدٍ أيًا كان..... من يريدك على رأسنا ومن لم يفعل فالداهيات كثيرة لتأخذه إحداهن
أنفاسها العالية.. وجهها الأحمر ووشاحها الذي اهتز على رأسها فهبطَ قليلاً مظهرًا جزءً من شعرها الحالك...
لا تعلم إلى أي مدى سيؤول ما فعلته لكنها راضية، تشعر بالانتشاء أنها لم تصمت على الأقل نصحت حتى لا تقع الفتاة في مثل خطئها
هل ستتقبل الفتاة ما قالته؟
أم سيثور هذا الرجل الذي احتدت ملامحه وهو بصدد التهجم عليها الآن
-ما الذي تقولينه يا امرأه هل شتمتني للتو؟!
رد برهان عنها وقد وقفَ بينهما حائلاً
-لا تحدثها هكذا ألا تراني واقفًا
أطبقت ذارعيها لصدرها وأجابته ببرود
-عذرًا هل ذكرت اسمك حتى أنا لا أعرفه... حديثي مع الفتاة
وهنا انتفضت الفتاة المذكورة إشارةً وليس اسمًا، تزعق بعنفوان
-نعم معها حق، أنا لن أدور في تلك الدوامة وحدي إما أن تساندني أو تذهب بعيدًا عني... لكن هذه ستكون المرة الأخيرة التي ترى وجهي فيها...
-يارا أنتِ تعرفين ما وراء الأمور وليس بيدي شيء
نبرته الجامدة سمرّت المدعوة يارا، كما سمرّت العديد من الأحاسيس داخلها، كأنها كانت زر أوقف حبه في قلبها، ثانية كانت ابتسامة ساخرة ترتفع على شفتيها.... وقبل أن تنسحب للخارج نظرت لبنون وبكل الألم المُتجلي في عينيها نطقت
-لنلتقي في فرصة أسعد لا يكون بها الخذلان طرفًا
ثم ألقت نظرة على الواقف مضطربًا يجول بعينيه في أنحاء المطعم إلا خاصتها ورحلت...
رحلت تاركة وراءها الرجل يسب الواقفة أمامه في عقله... لقد كان سينهي الموضوع بهدوء لم جاءت وافتعلت هذه الدراما؟!!!
ولكن ما أدهشه حقًا هو رده فعل يارا.... لم تكن هكذا!!
كانت مستكينة توافق على ما يقوله... ولقد ظن أنها ستتمسك به وهو سيمل من مطاردتها، لكن "النساء للنساء" حقًا ما إن وجدت إحداهن تساندها حتى ظهرت تلك القوة المفاجئة
يا للنساء وقوتهن!
مال برهان على أذنها هامسًا بحدة
-يكفي هذه المشاكل هيّا لنذهب
أمسكَ ذراعها تلقائيًا لكنها سحبتها منه بل فاجأته وهي تمسك ذراعه تُدير طريقه من الخارج نحو طاولتهما قائلة بنفسٍ راضية كأنها لم تقم الدنيا للتو
-ألن نأكل؟ طلبنا على وشك الوصول.... أم أنك بخيل لا تريد أن تدفع
رمش عدة مرات وهو يستوضح في عقله أسلوبها المرح الجديد لكن لا شيء يُنير فقط ظلام وكلمات لاذعة ونظرات مهينة
وفي النهاية لم يجد سوى الابتسام وهو يجلس أمامها وعينه تخطف نظرة نحو الرجل الراحل بدوره...
-إذًا!!
نطق ببرود لتُجيب مُستفهمة
-إذًا؟
أوضح
-لم فعلتِ كل هذا كانا سيحلان مشاكلهما بطريقتهما.. لم تدخلتِ؟
أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته على مهل، لا تحب أنه جيد في الحديث معها... لا تحب نبرته الهادئة التي تحثها على الاسترسال دون شعور.... بين الراحة أثناء ما يتحدث وعدم الراحة لأنها تستجيب.... هي في المنتصف رغم اعتيادها على التطرف.
-شعرت أنها بحاجة لي، لا أعتقد أن الرجال سيفهمون هذا لكن النساء يشعرن يقهر بعضهن وتأخذهن الحمية للمساعدة حتى لو لم تكن قريبة منها أو تحملان نفس الدم... ولو تكرر الموقف كنت سأفعل ما فعلته... فأنا لست نادمة
تُعجبه الثقة التي تتحدث بها كثيرًا، كما هو مُعجب بعينيها اللتين تضيئان حين الغضب، كأنها صواعق برق تضرب عندما يشتد شتاء غضبها ثم تتلاشى لتأتي الشمس بدفئها
هي هذا النقيض الذي أعجبه
كان سيتحدث لكن النادل وضعَ الطعام، وبعفوية التقطَ الشطيرة خاصتها ووضعها في صحنها وفتحَ لها علبة المخلل والتومية.... ربما لم يقصد أن يُشعرها بكل هذا الخجل والأهمية لكنها في النهاية شعرت بهما... وكم امتنت
قبل ساعة يفتح لها الباب كرجل نبيل مهذب
والآن يُساعدها للتناول طعامها
هذا الحضور المميز له تأثير خاص على مُتحجرة قلب مثلها... إلى أن يلين الحجر

-رائحة الطعام تبدو شهية للغاية... أحسنت يا تميم سأخذ رأيه في المطاعم منذ الآن... هيّا كلي.... اه انتظري
أشار لصحنها لكنه انتبه أنه لم يُزيل ورقة السلوفان التي لفت الشطيرة بإحكام حتى لا تتسرب الحرارة وتفقد لذة سخونتها.... فمد يده وأزال قطعة صغيرة منها حتى اتضحَ ربع الشطيرة ووضعها مرة أخرى مبتسمًا
كل هذا وهي تنظر إليه مشدوهة من حركاتها العابرة التي تشعرها بالتوتر
-لكن ما الذي كنتِ ستفعلينه إن قامت الفتاة بإحراجك وأخبرتكِ انه لا شأن لكِ بما يحدث....
حسنًا خير ما فعل... أن يُشتت انتباهها عن الزوابع الداخلية والتي تجربها لأول مرة
هزت كتفيها كأمر مُسلّم ثم تشدقت
-حسنًا حينها سأكون منتصرة أيضًا ...نصحتها وهي من أبعدتني.... سأنام مرتاحة البال وهذا خير من أن أتقلب على فراشي كجمرة مُشتعلة لأنني صمت
-تعجبني طريقة تفكيرك.... لكن ليس عليكِ أن تكوني بمثل هذا ال.....
قطعَ حديثه يحاول أن يجد كلمة مناسبة تصفها، وهي بدورها بقت تنظر له بترقب، نهرت نفسها عليه في الثانية التالية لأنها تنتظر حكمه عليها... تبًا له... لكن شكرًا له على الطعام
-التهور
-أن أتهور وأفعل ما أنا راضية عليه أفضل من خطة مدروسة لما أنا ساخطة عليه....
قضمت أول قطعة من الشطيرة بعد أن أنهت حديثها...
وهنا الصمت في حضرة "الشاورما" احترامًا وتقديرًا للذاذتها
ساخنة وطرية.... ذوبانها في الفم له قصة أخرى لا يحكيها كتاب أبلة نظيرة ولن يبلغ بها أفضل شيفات العالم من البلاغة!
من حُسن حظها اليوم أنها غضبت من أخيها لينتهي بها المكان في هذه الجنة الأرضية.... هي لا تعرف المكونات لكنها شاكرة لمن اخترعَ هذه الأكلة... وشاكرة لبرهان لكنها لن تخبره بذلك
-جربيها مع التومية
وهذه كانت صوصًا أبيضًا، غمست به طرف الشطيرة وأودعته في فمها مرة أخرى.... كأنه غلاف لكتاب... صوص لاذع يتوافق مع رواية الشطيرة الفريدة
سحبها من فقرة تقييمها لأرض الواقع وهو يُلقي عليها مزيدًا من الكلمات التي في وقتٍ قليل أصبحت تأسرها
-ردة فعلك كانت مبالغة بعض الشيء، هل ربما لأنكِ مررت بمثل هذه الظروف من قبل؟!
تفاجأ من نفسه لجرأه سؤاله... أما هي تجمدت يدها وهي تعتصر الشطيرة بيدها....
-وما أدراك أنت بحالي؟!
كان يجب أن تنهره... تلقي بهذه التومية في وجهه... وتتركه وتذهب... لكنها لم تفعل
تلقائية أم غباء ليس هذا وقت النقاش، عليها أن تواكب ما سيقوله بعد ذلك وقد أتى لا محالة
-لي خلفية بسيطة عن أخيكِ وأخرى متوسعة قليلاً عن جدك.... أما أنتِ فبالكاد أعرف اسمك ... أقول ما رأته عيناي
غيّرت الموضوع وهي تُجيبه بترّفع
-أنا حتى لا أتذكر اسمك
نطقَ سريعًا
-برهان
نعم ... برهان صاحب الراء المتحولة لغين... الراء اللعينة والجميلة
-بر"غ"ان
قالتها ثم انفجرت ضاحكة حتى أنها ألقت الشطيرة من يدها في الصحن وغطت بها فمها حتى لا يتسرب صوتها الرنان للخارج... وكم تمنى أن يفعل ويسمعه كما في بداية ضحكتها
تسللت إليه عدوي الضحك فقال بدوره
-لقد قلت العديد من الكلمات بها حرف الراء... لم اسمي ما يُضحكك؟!!
والله هي الأخرى لا تعلم لكن نبرته الرجولية التي نطقت الاسم... والعلة الخفيفة في الحرف جلبت إليها الضحك... هي لا تسخر منه... لكن الأمر بالنسبة لها غريب.... يُدغدغ مشا.... لا ليس هذا بالتأكيد
-لا شيء
هتفت وهي تنفي بيديها ثم عادت لتأكل
وبعد وقت ليس ببسيط قضوه في صمت تارة وحديث من جهته يسألها أن يُحضر لها شيء تارة أخرى
وبعد أن أنهت طعامها كانت تشعر بالمغص ورجحت الأمر لأنها ممتلئة..... لكن الأمر اشتد عندما استقامت في وقفتها لتتجه نحو الحمام.... لكنها لم تفعل
بل صرخت ممسكة ببطنها وهو ينظر إليها مشدوهًا، وهرع نحوها قبل أن تسقط على الكرسي مرة أخرى تتأوه بألم




********
بصعوبة كبح نفسه عن القيام بشيء يضرها خاصةً أمام الرجال الحاضرين في المجلس الذي اقتحمته غير عابئة بقدسيته و بمكانة زوجها بين القوم الجالسين....
اكتفى بالاعتذار من جده واصطحبها من ذراعها إلى الخارج ، ولم يغفل المشهد عن أعين متربصة اهتزت حدقتيها وتألم قلبها.... أعين كانت السبب وتقبع في المجلس المقابل
دفعها إلى الفناء وقادها نحو شجرة ضخمة تواريا خلفها، ومن هنا بدأ يهدر من بين أسنانه
-ما الذي لم تفهمينه من حديثي لتأتي وتفتعلي هذه الدراما أمام رجال العائلة.. ألا تعرفين أنه لا يجب عليكِ قطع حديث الرجال والتهجم بهذه الطريقة؟!
أفلتت ذراعها منه بحدة وبنفس الغضب الذي يتفاقم داخلها نطقت
-لا يهمني حديثكم والذي بالتأكيد لن يصب في صالحي.... أنت جئت بي إلى هنا بناءً على طلب زوجتك الأولى صحيح؟!!
بُهتان ملامح وجهه أنبئها بصحة ما ادعت به ضرتها، أما هو فلقد توقع أن رابحة ستضرب ضربتها وبقوة كما عهدها وكأنها تُخبره في سخرية وشموخ " نعم هذه أنا....لقد كنت تعلم من البداية"
الآن أمامه طريقين لا ثالث لهما
إما أن يلوذ بالصمت ويذبحها بسكين ثلم يُبقيها حية تنازع الموت لكنها لن تناله
أو يُخبرها الحقيقة ويقتلها.
لذا سيكون معتدلاً ويُخبرها بالشق الذي يخصها من الصفقة
أخذ نفسًا عميقًا زفره على مهل أمام عينين ملتهبتين وجسد يهتز بين شعرة من سكون وهذيان، وفي الأخير نطق
-ما أخبرتك به صحيح....
ما لبثت أن اتسعت عينيها كمدًا والتمعت الدموع بها حتى انخفضَ جفنيها في تساؤل وهو يُكمل
-لكن هذا من وجهة نظرها.... كل شخص له رواية خاصة تجاه الأمور التي لا تُعجبه إما أن يُسيء الظن بها أو يلف حولها حتى يجتذبها لصالحه... وها هي فعلت!...... وحتى لو أنني ظاهريًا امتثلت لطلبها هذا لا يعني أنها الحقيقة
صمت يُراقب ردة فعلها لكنه لم يجد سوى استكانة وترقب فعلم أنها هدأت، وللعبث!
بعد أن كان هو غاضبًا أصبح من يُحايلها لترضى!!!
-السبب الحقيقي لمجيئك هنا لن تعرفيه اليوم ولا حتى غدًا.... لكن سيأتي يومٌ وتعرفيه وحينها أتمنى أن يكون لي الحق في طلب الغفران
رفعت يدها أمام وجهه وقد طفحَ بها الفضول أكيالاً
-انتظر انتظر... أنت لا تتحدث سوى بالغموض إما أن تخبرني الحقيقة الآن أو اتركني أعود لوالدي لأني أشعر بوجود أمر سيء... سيء للغاية ولن أحبه
أغمض عينيه مفكرًا في مصيبته الجديدة
-ثقي بي فقط
-لا يا سلطان... لا تخبرني أن أثق وأنت كل ما تمنحني إياه هو الظلام والابتعاد.... كيف تريد مني أن اقترب لأراك في النور؟
تقدمت منه بملامح ملتاعة، حاجبين منمقين ينحيان وجعًا، وأعين متلهفة تهتز مُقلها شغفًا بتقبيل هذا الواقف بجسده والذي ما إن تراه تُخطف أنفاسها لكن هذه المرة تأخر الشعور لأنها كانت تحترق غضبًا
خطوة
اثنتين
يحدجها بنظرات منتظرة وهي على حالها تتقدم حتى أصبحَ جسدها مقابلاً لجسده يفصل بينهما انشًا واحدًا قطعته وهي تطوق رقبته وتقبله بحذر شديد.... دون خبرة.... لكن بتوق أشد!
أغمضت عينيها انتشاءً... أما هو فتحهما على اتساع من المفاجأة
هي متلذذة.... هو متوتر.... مستكينة.... مشدود.... قبلة رائعة.... ليس بروعة رابحة وثغر رابحة
وعند هذا الخاطر فصل تلك القبلة التي كانت دون خاطره....
إن كان شعوره قبل ذلك يخبره بخيانته لرابحة فما يشعر به الآن أعظم من ذي قبل
هو بالفعل خانها
لكـن إن لم يفعل لظلم ياسمين وهو بالفعل منذ أن قرر الزواج منها في لحظة غفلة ظلمها
بين ضفتي نهر إحداهما أشواك والأخرى نيران وبينهما هو غارق في المنتصف...
..........................
يُقال أن الإنسان الذي يطلب الحزن يحصل عليه، ومن يطلب الفرح يجده
لكن لما يحدث معها العكس؟؟
لم تُنقب عن الحزن يومًا بينما هو يبحث عنها كما لو كانت هي شغله الشاغل
طلبت الفرح مرارًا وما أتاها هو الحزن متنكرًا في صورته... ضاحكًا .... ساخرًا
-بئس اختيارك يا رابحة..... بئس ما فعلتِ لنفسك
إن كانت قبلاً تشعر بالغضب والخذلان منه فهي الآن تشعر بالخواء
بعدما رأته يقبلها
شفتيه حطت على شفتيها بكل أريحية...
لقد كان هناك أملاً يطوف من قلبها لعقلها في مهمة لإقناعه بالغفران له بعد وقت... لكن هذا الأمر احترق بشظية من لهيب روحها.
.............................
********

لا يشعر الإنسان بقيمة الشيء إلا عندما يفقده
لكن ماذا إن لم يكن يمتلكه من الأساس!!
فهل الحنان موهبة أم اجتهاد
إن كان نابعًا من فطرة فهو موهبة
أما إن كان اهتمامًا مبذول فهو اجتهاد
لكن أبيها لم يهبه الله هذه الفطرة وهو لم يُكلف نفسه عناء الاجتهاد...
يشهد الله أنها سامحته منذ رأته ممدًا على الفراش بلا حول ولا قوة، شاحب الوجه، مغمض العينين، متخشب الجسد
لا ينهرها على وقفتها ولا يُدينها بسمانتها... بل لا تسمع صوته أصلاً ولن تسمعه مرة أخرى لبقية عمرها
"ربــــاه يا أبي
أكان الأمر يستحق كل هذه القسوة؟!
أكانت الدنيا باقية لك حتى تغشي عينيك حلاوتها اللحظية وتعمى عمّا ينتظرك في النهايــة
خمسة وستون سنة لم تَجُد أكثر مما جحدت.... والآن أنا بين نارين إما أن أدعوا لك بالرحمة أو أن ألتفت وأغادر
لكن أمي الطيبة شديدة التسامح من ربتني... وها أنا أقف قبل غُسلك أخبرك أسامحك لأني مُكبلة بعذاب الضمير إن لم أفعل
ربما يكون جزءً منه نتاج معاملتك الخشنة لي... فقد تعوّدت على مسامحة من أذاني فكيف بوالدي؟!
رحمك الله يا أبي وغفر لك ما أذنبت"
عقلها ينسج الكلمات تلقائيًا لكن شفتيها تأبيا الإفراج عنها
تبًا لم يعيش المرء حياته ضعيفًا وعند لحظات البوح الشجاعة يُغلَق فمه بذكريات الماضي المرير
لم لا نُمرر الحاضر ونُلقي الماضي وراء ظهورنا
لم اعتدنا القلق؟!
لقد رأت صديقاتها يبكين والدهن بقوة، ينوحون بأمجاده وكم كان حانيًا لا يرفض لهم طلبًا
لكن هي ماذا ستقول؟!
لقد تركَ لها مُصيبة ستفطر قلب والدتها إن كانت حية... حتى وإن كان من المُجحف وصفها بمصيبة فيما بعد
شعرت بالدفء يجوب جسدها بعد ضم عدي لها، ظهرها مقابل صدره.. وألمها يخبو بين ذراعيه
انزلقت الأدمع تباعًا، وعلى ضفة شفتيها تعالت شهقاتها لا تدري أهي مُنسابة من رهبة الموقف ودنو الموت منها أم لأنها لا تشعر سوى بالشفقة والبؤس في هذه اللحظة!
شعرت بعدي يضغط على كتفها مؤازرًا وصوته الهادئ يربت على أذنيها بلطف كأنه يخشى أن يعلو فيفزعها
-هيا لتذهبي إلى غرفتك وعندما ينتهون من الغسل سآتي بك لتريه وتقبليه.
-لأخر مرة
استدارت ناظرة إلى عينيه بضعف وهو تلقفه بكل أريحيه، ليُجيب بقبلة دافئة على جبينها وربتة خافتة على ذراعها

مرَّ الوقت كما مرّ حلقها الجاف من كثرة الانتظار، تجلس بصحبة نسوة يتشحن بالسواد، لا تعرفهم تراهم لأول مرة دون اثنتين كانتا تهونان على والدتها مُصابها العظيم من زوج قاسي...
يا إلهي
لم كل الأفكار ضد والدها في الوقت الذي يُفترض أن يكون كل شيء لصالحه.... الدعاء هو أسلم حل وهو ما سيشغلها عن هذا اللؤم
-رحمك الله يا أبي وغفر لك
ظلت ترددها مُغلقة عينيها، صمّت عن جميع من حولها فلا هي تسمع حديث النسوة بالإيجاب أو السلب على والدتها
رنين الهاتف انتشلها من ابتهالها القصير، لتجد رقم رابحة وقلقها يحتلان الشاشة، أجابت بأيدي مرتعشة وكما ظنت جاءها سيل من الكلمات التي لم تعرف كيف ترد عليها تباعًا
-نهاد حبيبتي البقاء لله .. الله يرحمه ويغفر له... هل أنتِ بخير!!... اتصلت بك العديد من المرات لا تردين.... أسفة لم أعلم إلا عندما قطعتم شوطًا لا بأس به في الطريق.... بدور تريد الاطمئنان عليكِ
حديثها المتواتر ذو النبرة السريعة استجلبَ ارتياحًا على وجه نهاد التي قامت من الصالة متوجهة نحو غرفتها كما أرادت في البداية لكنها اُحرجت من المعزيات... وهذه فرصة جيدة ستستغلها
-ليس عليكِ أن تجيبي على أسئلتي لكن دعيني أسمع صوتك
تفهمت رابحة موقفها الصعب، أما هي فخرجَ صوتها محشرجًا
-أنا... بخير
وفي المنتصف الكثير والكثير من المشاعر التي لا تُسرد بل احتجزتها عينيها الباكيتين
-هل دُفن؟
-لا
تنهدت رابحة بينما تُبعد بدور التي تلتصق أذنها بالهاتف من الجهة المقابلة ثم أردفت بما جعلَ قلب نهاد يتضخم من وخم العاطفة
-إذًا دعيني أبقى معك على الهاتف حتى تحين لحظة ال... ابتعدي... أسفة بدور تريد الحديث معكِ
والأخيرة لم تكن أقل هيسترية من الأولى في الحديث وصوتهما العالي يتخلل لروح نهاد جاعلاً منها فراشة خفيفة ولأول مرة تشعر أن لها أخوة بحق لا يتركونها غارقة بالحزن
ومن بعدها جاء صوت فاطمة كالبلسم الشافي ولذي جلبَ الدموع لعينيها فأضحت كالرذاذ الذي ينتظر اشتداد الرياح لينهمر
-تجلدي يا ابنتي فمصيرنا في النهاية الموت ولا أحد كبير عليه... ادعي له بالرحمة فيهدأ قلبك فلنا رب يُنزل الصبر قبل الفجيعة ليحمينا من الجنون
بم تخبرها أنها لا تشعر بشيء سوى أنها حزينة... لأنها ليست حزينة!
هي فقط تؤدي الواجب كابنة، ابنة بارة لأبٍ عاق
نزلت دموعها بصمت ولم ترد فأدركت الجدة مُصابها فلم تزد الأمر ورددت بقلب وجل
-وحدي الله يا حبيبتي ... إنا لله وإنّا إليه راجعون
أكملت بكاءها وقد بدأ صوتها يخرج ويعلو بعلو أنفاسها... وحزنها... وتخبطاتها الروحية
كانت فاطمة تُحدثها وعينيها لا تكفان عن إرسال النظرات الحادة نحو حفيدتيها اللتين تتصرفان كطفلتين
-لا تخطفي هاتفي كالقرد الذي يقفز هنا وهناك ما إن يرى موزة... ولله لو فعلتها أضربك
هدرت رابحة –ليس بعلو- من بين أسنانها وهي ترفع قبضتها في الهواء ناحية وجه بدور، والأخيرة لو كانت بشخصية قديمة كانت لتفر من أمامها لكنها وقفت بكل شموخ وثقة وقالت بهدوء أصبحَ رفيق حروفها
-حسنًا أريني ما لديكِ وأعدك أن أرد لكِ الضربة يا عديمة الأدب أنا شقيقتك الكبرى وبدلاً من أن تساعدينني في حمل الصغيرة والإشراف على بناتي تهدديني بضربي.... يا ربي!!
رمقتها رابحة وقلّبت شفتيها وهي تدفع كتفها لتجلس بجانب جدتها التي دفعتها من رأسها بينما تكمل حديثها مع نهاد بعيدًا عنهما
-يا إلهي الإنسان لا يطمر به شيء أبدًا.... عودي بذاكرتك منذ خمس سنوات وأنا أحمل عالية، وأحمم عالية، وأطعم عالية عندما تكونين مع عاشقك الولهان...غير أنكِ أول سنة من عمرها لم تنظفيها أبدًا لأنكِ كنتِ تشمئزين من الرائحة..... الخالة رابحة فعلت الكثير لكن لا أحد يُقدّر
لوّحت لها بدور بلا مُبالاة
-لا تفتعلي الدراما يا رابحــة ولا تجعليني أبدأ من تسميم بدني بعد كل مساعدة حتى شتيمتك في سالم
أردفت رابحة بتلقائية وهي تضع قدمًا فوق قدم
-والله يستحق ما فعلته وما سيـــ....
قُطع حديثها بواسطة الباب الذي فُتح ودلفت منه مُساعدة في المنزل تحمل الصغيرة التي تبكي بشدة وهمهمت
-لقد استيقظت ولم تكف عن البكاء وقبل أن تنام أطعمتها وأعطيت لها دواء المغص هل تريدين أن أغيّر لها الحفاض؟
ردت رابحة وهي تستقيم وتأخذ منها الفتاة
-لا لا اتركي هذه المهمة لي شكرًا لكِ..
نظرت لبدور وأشارت لها لتتركا حجرة الجدة التي مازالت تتحدث مع نهاد في الهاتف واتجهتا نحو غرفة بدور التي أغلقت الباب بالمفتاح
وضعت رابحة الطفلة على الفراشة وشرعت في التغيير لها بينما تُحدث شقيقتها
-ما الاسم الذي اخترته للطفلة
ردت بدور دون مواربة
-إسلام
حدجتها رابحة لثانية ثم أشاحت بصرها والمكر يحتل تقاسيم وجهها، والأمر لا يقل عند شقيقتها التي أطلقت ضحكة عالية مُنتشية ربما.... أو واثقة لا يفرق الأمر فالغاية منها واحدة....
*********

وعند نهاد المُشتتة
جاء الوقت الذي انتظرته وكم تمنت ألا يأتي وتوضع في هذا الموقف، طلَّ عليها عدي من الباب وأخذَ يدها التي ترتجف من رهبة الموت التي تُضاهي مصائب العالم أجمع
ضمها إليه بيده اليُمنى ويُسراه تغلق الباب مانعة أي تطفل عل حالة الصفاء الذي يريدها مع زوجته، مع كل ربتة على ظهرها كان يتفوه بكلمات لا يظن أنها سمعتها... وعجبًا كيف لحديثٍ أن يتشابه مفعولة مع الربتات الهادئة
-أنا هنا من أجلك وسأكون دومًا لأجلك، لذا لا تجزعي واسكبي ألمك كله على كتفي ولا تحملي همًا فأنا كفيل بإزالة كل أوجاعك

يا الله هي مُتعبة... متعبة بشدة والدموع لا تزيدها إلا وجعًا في الرأس
-إذا أردتِ البقاء هنا لا بأس سأخرج للدفن وأعود سريعًا..
-لا
قاطعته من بين حشرجة حلقها ثم استطردت
-أريد أن أراه للمرة الأخيرة حتى لا تثبت تلك الصورة في ذاكرتي... أن أراه فاقدًا قوته أفضل من أن أراه في وضعٍ معاكس....
-حسنًا.. إن شعرتِ أنكِ لستِ بخير أخبريني على الفور... أنا هنا
نعم ... أنت ه "هلاك أحزاني" ن "ناصف لمشاعري" ا "أسير قلبي"
سحبها معه للخارج نحو الغرفة القابع بها والدها، تحت أنظار النسوة اللاتي أخذن يتحدثن عن الوسيم ذو الهندام المنمق الذي يحتضن ابنة الرجل الميت بحميمة
وقبل دخولها للغرفة وقعَ بصرها على سيدة أرستقراطية جميلة، ذات شعر مُهذب وثياب بدت غالية ومن مظهرها عرفت أنها هي الكارثة التي تركها والدها...
-هيّا حبيبتي لم يتبقَ الكثير على المغرب يجب أن نخرجه للجامع قبل أن يؤذن المغرب
دلفت بخطى وئيدة تُقدم قدمًا وتؤخر الأخرى ... بأنفاس مُضطربة وعقلٍ فارغ... لكن بعيون ممتلئة بالدموع تحكي مرارة وتسرد أوجاعًا
وقفت على رأسه الساكن تتأمل الغطاء الذي دثره فوق الكفن الأبيض، امتدت يدها مُمسكة بما تظنها وجنته ثم مالت مُقبلة جبهته هامسة والدموع تنساب واحدة تلو الأخرى
-أسامحك يا أبي ... فليرحمك الله
ثم بعدها شعرت بيد خشنة تجذبها نحو صدر عريض تعرفه جيدًا، فضمت نفسها إليه أكثر تستمد منه أمانًا رغم أنها ليست خائفة.... هي فقط مأخوذة من رهبة الأمر
أخذت تتململ بين ذراعي عُدي اللتين كبلتاها ولم يُهمه الهمسات التي تناقلت لمسامعه بل قرّب شفتيه من أذنها وراح يُتمتم ببضع كلمات ربما تطرق روحها المكلومة فتصبر....
هو يفهم ما بها جيدًا... يعلم أن عيشها مع والدها لم يكن بأفضل شيء لذا.... هو يتفهم
أثناء ما كانت في سهوتها، لمحت ذاك الرجل الذي يرتدي قميصًا أسودًا مع بنطال من نفس اللون، ملامحه جامدة وهو ينظر لها دون تعابير.... وها هي كارثتها الثانية!!
"سامحك الله يا أبي.... سامحك الله"
******
إن اعترضَ طريقك كلبًا... فاعترض طريقه أنت بأسد!
وهذا ما فعله بالحرف!!
خرجَ من سيارته العالية الفخمة، مُستنشقًا الهواء كأنه ذاهب للاستجمام في نُزهة وليس لإخبارية قد تودي بحياته... لكنه هذه المرة استعدَ لها جيدًا
أشارَ بيده للسيارة التي توقفت خلفه، فنزل منها خمسة من الرجال الأشداء، وعلى صدروهم وفي أيديهم أسلحة... مشروعة أو غير ذلك هذا ليس مهمًا فالحقيقة ما أهو أهم وأعظم هو الأسد الذي فتحَ فاهه وزأر عندما فتحَ سلطان الباب الخلفي لسيارته.
خرج أسد بُني طويل ذو بنية عضلية ضخمة... كثيف الشعر ... حاد الأنياب... جهز للانقضاض في أي لحظة بإشارة من صاحبة!
نفضَ سلطان ذراعيه وضبطَ عمامته ثم التفتَ لحراس الوكر الذي جاء إليه وهتفَ بثغر مُبتسم وأعين عابثة من خلف نظارته الشمسية
-أعتذر منكم هذا صديقي ضرغام لا أخرج بدون المرة السابقة كانت استثناء لكن نحن فيها ... لا تقلقوا سيسلي كلابكم جيدًا
أمسكَ سلطان سلسلته وحركها بين أصابعه كأنه سيفلتها لكنه ما لبثَ أن ضحكَ بصوتٍ عالٍ وهو يرى نظرات الرعب على وجوه الحراس
-انتظروني هنا
أمرًا واحدًا لرجاله وهم استجابوا متحفزين لأي نداء قد يصدر
دلفَ سلطان من مدخل الغرفة التي يجلس بها مأمون بأريحية مضجعًا على الكرسي وبجانبه كلبين شرسين يملس على رأسهما برقة منافية لتربيتهم القاسية
-أهلاً مأمون باشا.. لقد جئتك أخيرًا لكن اعذرني طالت المدة
ما إن لمحه المذكور.. أو بالأخص لمحَ السلسة التي تسحب هذا الحيوان الضخم ذو الزئير النافر حتى انتفضَ من مكانه وانتفضَ ما حوله حتى الكلبين
نفى سلطان بيديه ونبرة عابثة تحكم حديثه
-لا تقلق هو أليف للغاية... صحيح يا ضرغامي؟
وجه حديثه للأسد والذي أجاب بزئير أرعب الواقفين
فأي مجنون يخرج بأسد للعامة؟!!
لكنه ليس مجنونًا هو فقط يرد الضربة بأقسى منها
حاول مأمون ضبط ملامحه لكن هيهات الرعب الذي احتلها أبى التزحزح مؤازرًا حديثه المضطرب
-ه.. هل س س سيجلس معنا؟؟!
هبطَ سلطان على الكرسي مُجيبًا
-نعم لا تقلق هو حافظ أسرار جيد
-اللعنة سلطان أخرجه وسأخرج كلابي
صرخَ مأمون ليُجيبه سلطان من فوق نظارته الذي أنزلها قليلاً
-ولم تفعل؟ ضرغام سيتسلى معهم جيدًا
لا يزال على حالته المرعوبة واقفًا بجانبه رجالة والكلبين اللذين ينبحان دون توقف بينما سلطان جالس بكل الراحة التي في الكون يُربت على ظهر حيوانه.... أي عبثِ هذا!
-هل أنت مجنون؟؟ اتفاقي معك على جلب عبد العزيز راكعًا لا أسدًا يزأر في وجهي كلما أتحدث
مطَّ سلطان شفتيه
-لا تقارن هذا بذاك فضرغام له فائدة أكثر من هذا الحثالة... ثم أنني جئت لأخبرك شيئًا هامًا أم أنك لا تريده
-أبعد أسدك أولاً وتعال لنتفاهم
بدا على سلطان التفكير، مأمون يراقب يديه التي تقبض على السلسلة الضخمة التي يقبع في نهايتها حيوان ضاري ما إن تُفلته اليد يأكل الأخضر واليابس
أرخى سلطان قبضته على السلسلة حتى تفلتت من بين أصابعه وسط صرخة مأمون وتصويب رجاله المسدس نحو الأسد الذي كان يتجه نحوهم ويفتح فاهه لاعقًا أنيابه الحادة مُطلقًا زئيرًا يوجل القلوب دون عودة
-يا هذا أمسك حيوانك سيلتهمنا أحياء وأنت تقف متفرجًا
هتفَ سلطان ببراءة
-ألم تقل أبعد أسدك؟ ها قد أبعدته عني.... سيد مأمون أنت غير واضح وأنا لا أتعامل سوى مع الواضحين... خط مُستقيم لا انحناء له... فأنا لا أخاف شيئًا ولا حتى كلابك الهوجاء التي أطلقتها عليّ المرة السابقة... هذه المرة كان أسدًا المرة القادمة لا أعرف ما الذي سأجلبه معي

قالها واستقام في طريقه للخروج وقبل أن يفعل استدار موليًا رأسه لمأمون الذي كان صدره يتحرك علوًا وهبوطًا بوجل
-عبد العزيز أضحى وحيدًا... عشرون رجلاً فقط وستتخلصون من الحماية حوله.... أنهي الأمر سريعًا حتى أبعث لك الأمانة
وبضمة السبابة والوسطى كان يبعث بتحية من رأسه إلى الواقف أمامه ينظر له بانشداه... ثم رحل!
راقبَ مأمون ظهره كيف رحلَ بشموخ كالأسد القابع في يده وتمتم بارتجاف
-ما الذي سيجلبه معه المرة القادمة؟ ديناصورًا أم ماذا!!
وفي الخارج وضعَ سلطان أسده في السيارة بعدما أشارَ لرجاله كل هذا ونظارته تقبع على عينيه لا تختل كما يده التي لو أفلتت السلسلة لهلك الجميع دونه ورجاله..
أخرجَ هاتفه طالبًا رقم أخيه والذي جاءه صوته خافتًا بعد لحظات وأصوات التوحيد من خلفه تعلو فوق صوته
-لقد أنهيت ما بيدي... أنا قادم لك يا أخي

********
يتهمون النساء بالكيد لكن في الحقيقة الكيد هو الذي اتُهم بالنساء..
بكامل زينتها... أحمر شفاه قاتم يُحدد امتلاء شفتيها، يُظهر مدى براعة الخالق في تصوير الخلق... فستان ضيق يرسم منحنياتها بسهولة كأنه صُمم لهذا الجسد وحده... شعرها الغجري مفرود على ظهرها دون خصلات منه وضعتها على كتفها الأيسر فزادتها اغراءً
هي فتاة لا تريد إغواء زوجها في ليلة قمراء اُطفئت فيها الأضواء إلى من نور يتسلل من الشرفة...

هي فتاة تاهت مشاعرها فاستعانت بأنوثتها لتعيدها.... ليس ضعفًا وإنما احتياجًا... وكم تُخلق القوة من احتياج تم تلبيته بطريقة صحيحة
قابلت عمها في الممر فأطلقَ عليها نظرة إعجاب
-رابحتنا الجميلة ما الذي فعتليه بنفسك يا فتاة لو رآك والدك سيئدك على خروجك هكذا من الغرفة
ردت وهي تُقبّل وجنته
-لا تقلق لن أتعدى هذه الطرقة... إلى أين أنت ذاهب؟
-سأذهب لعزاء والد نهاد لقد سبقني عدي سأخذ عمتك ثريا سلطان وسالم معي وسألحق به
همهمت باستحسان وفي عقلها لمعت شظية لتُشعل خاطرًا ليُنتج فكرة لم تمكث كثيرًا وحتى تحولت لطلب يتخلله رجاء
-كنت أريد الذهاب أنا وبدور أيضًا لكن السيارة لن تأخذنا جميعًا وأنا لدي شيء مهم سأفعله... نهاد بالتأكيد ستحزن فليس معها أحد
مطت شفتيها باستياء التقطه عمها جيدًا ليبتسم قائلاً بخبث
-تريدون الذهاب لكن دون رفقة سلطان وسالم صحيح؟
رفعت رأسه مُتمتمة بإباء
-نعم صحيح لن أنكر فالتواجد معهما في نفس المكان أمر جالب للفأل السيء وضيق النفس
تنهدَ عادل رامقًا ابنة أخيه بشجن
-كان سلطان خاطف أنفاسك ومُزلزل قلبك ماذا حدث
هزت كتفيها لتُجيبه باعتيادية
-تزوج علي... وأنا امرأة بالأربعة لا ترضى بشريك... ليس لأنني أحبه لا سمح الله بل لأن كرامتي لا تسمح أن يُداس عليها... وابنك سحقها يا عمي سحقها
التمعت عينيها بنظرة شرسة، تلتهب فيها مشاعر وعرة لا تفنى من غضب ولا تستحدث رفقًا، جسدها يقف متحفزًا لأي حرف قد يطول هذا الموضوع الذي ما تكاد تُغلقه حتى يُفتح مرة أخرى...
أما عنه فقد التزمَ الصمت أمامها وقد آثره حتى لا يجهل في الحديث فيجرحها، جذبها حتى قبّل مقدمة رأسها وأردفَ بحنو تتلقاه منه دومًا
-جهزي نفسك أنتِ وأختك سأخذكما معي... ولتبقى ثريا مع بكرها وسالمها المُفضل
أطلقت ضحكة طفولية لا تخرج إلا بين ذراعي عمها الودود... ألقت عليه نظرة ممتنة قبل أن تُكمل طريقها نحو وجهتها والتي لم تبعد خطوات كثيرة رغم أن التلاقي بين القلبين شتان

جفلت عندما سمعت الباب يُغلق وجفلت مرة أخرى عندما وجدت غريمتها تقف أمامها بكامل زينتها...
هي تعترف لنفسها أن رابحة ذات جمال حاد، يقطع القلوب مرة واحدة ويأسر الأنفاس لديه... ليس لديها أي فرصة أمامها لكن أن تُفلت سلطان من يدها هو المُحال
ابتسمت لها رابحة لتزداد جمالاً فوق جمالاً، كأنها تُخرج لسانها لياسمين وتخبرها " أعلم ما تفكرين به"
-لنحظى بنقاش ودي حضاري بين أي ضرتين
ضحكت ياسمين ساخرة
-لم يثبت في تاريخ البشرية وجود نقاش ودي حضاري بين ضرتين...
-لنفعل واحدًا
زفرت ياسمين وهي تشعر أن الوقت القادم سيكون ثقيلاً بقدر ما تستثقل المرأة التي أمامها، لكن لا بأس شر لا بد منه... وضريبة حبها لسلطان
جلست رابحة على الفراش تستند على ذراعيها وتميل برأسها للخلف باستمتاع وطفقت ساكتة تتأمل الغرفة التي كانت ملك لعمها سلطان رحمه الله
وعند ياسمين فاضَ منها الكيل، فتعابير رابحة التي أخذت تتغير بتفحصها للغرفة وما وُضع على طاولة الزينة فاقمَ غيظها فأردفت من بين أسنانها وهي تجلس على كرسي الكرسي تحجب عنها زينتها الموضوعة على الطاولة
-هل أتيتِ لتسمعيني صمتك؟...
-حديثي لن يُعجبك!
-والله الإثنين بالنسبة لي سيّان لكن طالما أتيتي تحدثي لأن لا وقت لديّ
-حسنًا
اعتدلت رابحة ورمقتها بجدية، جعلت ياسمين تترقب ما ستقوله
-أنا هنا لأخبرك شيئًا واحدًا.... إذا أردتِ سلطان فهو لك أنا أصبحت زاهدة فيه، بل إن كان يُزعجك وجودي بإمكاني بعد طلاقي أن أذهب من هنا ولن تري وجهي نهائيًا... ما رأيك؟
ورأيها كان ضحكة صاخبة ناعمة انفلتت من بين شفتيها ولم تعد قادرة على كبحها.. والأخرى لم تقل جنونًا كانت تبتسم ابتسامة صفراء وتُغلق عينيها نسبيًا-قصدًا- ربما غيظًا أو كيدًا ... نحن في حضرة امرأة غير مُحددة
-هل... هل حقًا أتيتِ لتخبريني بهذا؟؟!!.... يا إلهي رابحة!! لم أظنك ستسلمين بهذه السرعة هيئتك لا توحي أنكِ ضعيفة على الإطلاق
استقبلت رابحة كلمات ضرتها بصدر رحب وقالت بينما تضع خصلة وراء أذنها وترسم ملامح الوهن على وجهها
-الجميع يُخطئ في الحكم عليّ دومًا... أنا حقًا طيبة والله
همهمت ياسمين ثم بللت ياسمين شفتيها بعصبية، وهتفت
-نعم أنتِ طيبة لكني لست غبية قولي ما أتيتِ من أجله يا رابحة ليس لدي اليوم بطوله من أجلك
زمت رابحة شفتيها ونطقت بعنفوان مُضحك بعيد كل البعد عن العنف كأنها تسخر من ياسمين
-إذًا أفرغي جدولك يا حضرة المشغولة لأنكِ لن تفعلي شيئًا اليوم سوى التفكير في حديثي
القلق الذي تسرّب لقلبها لنظرة رابحة الهيسترية وعسليتيها اللتين قتمتا للحظة قبل أن تنفرج ملامحها بابتسامة بلاستيكية وتتابع
-ها أنا أقول عرضي الذي لن يتكرر أبدًا مرة أخرى... هل تقبلين؟!
أطبقت ذراعيها لصدرها وأجابت بنبرة حاولت أن تبدو ثابتة
-ولنفترض أن ما تقولينه صحيح وأنا أقبل... ماذا في المقابل؟... مال؟!
عند هذه اللحظة شعرت رابحة بالإهانة وأطلقت ملامحها تعبيرًا مشمئزًا آزر كلماتها المُقبلة
-مال؟ منكِ أنتِ؟؟ وهل لديكِ أي مال من الأساس كل ما أنتِ فيه الآن هو مال سلطان وأنا لن ألمس جنيهًا واحدًا منه
زعقت ياسمين بدورها حالما شعرت بالدونية
-لا حبيبتي والدي لديه الكثير لو أعطيتك منه ما أردتِ لن ينفذ
-حسنًا اشبعي به فأنا لا أريد مالك.. أو ماله.... المُقابل هو سؤال وتُجيبين عليه وعندها ينتهي الأمر...
وقفت ياسمين تُشرف عليها من علو، مما جعل رابحة تستقيم هي الأخرى وتقف لها ندًا بند وتُجاهر بالسؤال أمامها
-من أين يعرفك سلطان... أو الأصح من أين يعرف والدك؟
ردت ياسمين بعفوية
-لقد جئنا هنا لظروف وأبي طلب من سلطان شيئًا مما جعله يتردد علينا كثيرًا
رفعت رابحة حاجبها وعاودت السؤال
-من أين يعرف والدك سلطان حتى يطلب منه شيئًا...
هزت ياسمين كتفيها بجهل
-ربما دلّه أحد عليه لبراعته في الأمر الذي سيطلبه والدي
أفلتت ضحكة من رابحة لم تحسب لها حسابًا ووجه ياسمين يتلون مع سؤالها التالي والأخير
-كيف يعرف سلطان والدك حتى يذهب له ويُنفذ له طلبًا كبيرًا كالحماية... وجدي هو من يتعهد بحماية من على أرض قبيلته لأنه شيخ القبيلة وليس سلطان
-ربما كان مندوبًا
نفت رابحة مُستطردة بهمس
-تؤ تؤ هذا ليس عندنا حبيبتي... إما شيخ القبيلة أو لا... الأمر كان كبيرًا لا يستند على وجود مندوبًا... إن كان جدي لن يتحرك من مكانه كان من الأولى أن يفعل والدك ويأتي إليه
بالفعل معها حق..
سلطان هو الوحيد الذي كان يزورهم... وأبيها لم يخرج على الإطلاق
إن كانت ما تقوله صحيحًا مائة بالمائة إذا....
-ما الذي يتوارى خلف كلامك
قلبت رابحة شفتيها مُشيرة أنها لا تعلم واتجهت ناحية الباب لتخرج لولا يد ياسمين التي جذبتها بعنف لتقف أمامها وهدرت صارخة
-لا تعيثي الفساد ثم تسيري على الأنقاض غير عابئة بما خلّفته أخبريني وإلا والله لن تخرجي من هذه الغرفة حية
أزاحت يدها عن ذراعها وأردفت بصوت حاولت جعله خائفًا
-يا إلهي سلطان تزوّج مجنونة حقًا... حسنًا سأخبرك وهذا لأني أخاف على حياتي فأنا ما زلت شابة ولا أريدها أن تذهب هباءً لموضوع تافه مثل هذا
-انطقي
هدرت ياسمين وقبضتها تتوق للكم تلك التي تتفاخر أمامها
أخذت رابحة نفسها قبل أن تهتف
-لقد تزوجك حتى يكون له سُلطة على والدك ليس ليؤلم يده بل ليقطعها نهائيًا
نزلَ عليها الحديث كالسياط اللاسعة، لا تتوانى عن ضرب جسدها جاعلة النيران تشتعل فيه، شهقت بقوة وهي تعود للخلف خطوتين وبشفتين متهدجتين كانت تُغمغم
-ما الذي تقولينه أنت
أكملت رابحة بتصميم وقد أسكتت ضميرها الذي يوخزها نهائيًا
-أنا أخبرك الحقيقة... أبيكِ كان السبب في قتل عمٍ شاب لنا وسلطان ينتقم منه بطريقة لا أعرفها لكن ما أعرفه جيدًا أنه استغلك ليستطيع النيل من أبيكِ
سكنت غير قادرة على الحراك، فقط اتساع مُقلتيها وشفتيها اللتين ابتعدتا لتحول بينهما الصدمة..
-ء ءء أنا لا أصدقك
تلعثم شفتيها يُخبر الأخرى بكذبها الواضح، ولم تنتظر ألقت قنبلتها الموقوتة حتى تنفجر بقلب غريمتها مُفتتة إياه لأشلاء
-لا تفعلي... لكني أجزم أنه لم يلمسك لأنه سيطلقك في أقرب وقت
عند هذه الجملة شعرت كأن دلو ماء مُثلج سُكب عليها دفعة واحدة ثم غرقت بعدها في مُحيطٍ لا ضوء فيه ولا دفئ... كله ظلام بارد
هذه الفتاة جيدة في أرجحتها من مكان مرتفع إلى مكان شاهق الارتفاع
إنها لا تكذب... رابحة لا تكذب... تقول الصدق وكم هو مؤلم أن تكون وصادقًا
شعرت بلسعات تخترق بؤبؤيها ثم ما إن لبثت حتى شعرت بابتلال أهدابها وما إن سجدت على وجنتيها حتى تحررت ذنوبها وأوجاعها دفعة واحدة... لم تشعر بما تقوله إلا بصرخة رابحة الجريحة
-ماذااا!!
فتحت عينيها مُجيبة
-نعم كما سمعتِ... أنتِ مخطئة سلطان لمسني ومن الممكن أن أكون حاملاً... أبشري قد يكون ولدًا
******
كل ما تتذكره أنها كانت تأكل الشاورما باستمتاع جمّ ومع انتهاءه كانت تشكر بسكاكين تخترق معدتها دون هوادة، آخر ما تتذكره أيضًا نظرته القلقة ويده التي امتدت لتسند ظهرها وتوجهها نحو السيارة.. ثم وصولها للمشفى إلى الآن.. وإبرة المغذي مُعلقة في ذراعها وحديث الطبيب
-تسمم من الطعام لقد قمنا بغسيل للمعدة ستصبح أفضل وبإمكانها الخروج
أومأ برهان شاكرًا، ثم التفتَ للقابعة بوهن على السرير تنظر بزيغ وعينيها تتحركان في جميع أنحاء الغرفة عدا ناحيته، اقتربَ منها جالسًا على الكرسي بجانب الفراش وأردفَ بمزاح حتى يُزيل عنها الإحراج
-أبدو بجانبك كالوحش الذي يأكل ما يأكل ولا يتأثر، معدة العصفور هذه لا تنفع معي... سنتناول الطعام مع بعضنا كثيرًا لذا يجب عليكِ الاحتمال وإما سأجلب طبيب كل مرة نخرج بها إذا ما حدث شيء يداويكِ فورًا
ظهرَ شبح ابتسامة على شفتيها وللمرة الألف في يومٍ واحد هي ممتنة لأنه بجانبها
ممتنة لأنه أخرجها من أحزانها التي كانت تكبس على أنفاسها دون مجال للخلاص
ممتنة لأنه شهم.. مراعي... لطيف
ممتنة لأنه لم يأخذها بذنب من قالته سابقًا وسلاطة لسانها... بل عندما احتاجت من يأخذ بيدها وجدته وللعجب هي من لا تُحب أن يساعدها أحد... ربما لأنه لم يُلح في معرفة ما يؤرقها طالما لم تستجب وتعامل باعتياد شديد!!
-برهان..
أردفت بصوت ضعيف جذب انتباهه، لتُكمل بإحراج
-شكرًا لك
-لم أفعل شيئًا يا فتاة... أنتِ مثل محجوبة بالضبط
قطبت حاجبيها مُتسائلة بردة فعل طبيعية
-من هي محجوبة
أجاب بجدية
-جدتي
-أيها ال...
كانت تقوم لتضربه لكن بطنها آلمتها لتجلس مرة أخرى متأوهة، فانصبَ اهتمامه عليها واستقام ليتفحصها ويُعدل الوسادة خلف رأسها وكم كانت تلك الثواني طويلة
رائحة عطره كانت زاعقة تليق بشاب مثله له ذوق فريد، وشخصية غريبة واسم ولكنة مميزين
-عطرك
-ما به؟
-يُصيبني بالغثيان
هكذا أصبحت بنون... ما إن تصل تهرب..
خالفَ توقعاتها بالغضب لتجده يضحك فاغرًا فاهه بشدة كأنها ألقت عليه نكتة ولم تقم بالاستهزاء منه للتو
-حسنًا سأغيره
-أنت غريب... حقًا كما أسميتك
نطقت دون وعي وهي تتأمل ملامحه الضاحكة، وعندما ارتاحت أدركت ما قالته لتقول بثبوت غلبه التشتت
-أقصد أنني لا أعرفك جيدًا ولا تعرفني وعندما أبديت رأيي في عطرك قلت أنك ستغيره.. اليس هذا غريبًا قليلاً
رمشَ مرتين قبل أن يُجيب باسترسال
-معكِ حق لكن جدي أخبرني أن لا كلمة تعلو فوق كلمة النساء في حضرتهن... دون ذلك افعل ما تشاء
تُدرك أنه يُغازلها وكم يُربكها الأمر، رمقته بنظرة ساخطة قبل أن يعود لوصلة الضحك وخديها يحمرّان بطريقة شهية

مرّ عليهما الوقت كما لو أنه ثانية لم يترك لها برهان ثانية فارغة من الحديث كان يحكي لها عن جده وعشقه لجدته وكيف يغضب منها حينما تصلي دونه في محرابهما معًا.. حكى عن عائلته لكنه لم يحكِ عن نفسه أبدًا
خرجت من الغرفة بعد أن عدلّت ملابسها لتجد يقف أمام الباب ما إن لمحها حتى أولاها كل الانتباه ومدَّ يده لها قائلاً
-هيّا
وفي الطرقات تبلغنا المصائر حتى لو كانت ملكًا لغيرنا.. ربما يكون لنا يدًا تجعلها أفضل!
لمحت شخصًا يرتدي عباءة وجلباب ملامح وجهه ليست غريبة بالمرة، يظهر عليه التوتر بدايةً من ساقه حتى وجهه الشاحب واختلاجات فكه
-لم توقفتِ
سألها برهان لتُجيب بشرود
-أعرف هذا الشخص
أشارت له ليُنزل برهان اصبعها حتى لا ينتبه أحدٌ من الرجال الذين يحاوطونه
- هو يرتدي مثلما ترتدون في البدو
-انتظر أنا أعرفه... بالفعل أعرفه
قالتها ولم تنتظره بل كانت تهرول ناحيته بسرعتها البطيئة إثر ألم بطنها، وعندما وصلت كان هناك رجلاً ضخم يبدو كبير العائلة ذو وجه أسمر قاتم يُحدث شبيهًا له في الملامح لكن خاصته أقل رهبة من الأخر ويدلفان نحو غرفة بينما بقى الشاب مع عدة رجال مُسلحين
-أنت جواد صحيح؟!
نطقتها وشعورًا سيئًا يتسلل لقلبها خوفًا من أن تكون المعنية....
والإجابة أتتها تزامنًا مع ما دار بخلدها
-أنقذني ربابة... يريدون قتلها
وتلى ذلك طنين مُزعج رنّ بأذنيها فصمت عن باقي حديثه وتوقفت عند كلمة هزتها "قتلها"!
لم تتعرض فتاة بريئة، بروح خفيفة كفراشة تهيم بين الأزهار!!
فتاة لم تتعدَ العشرين هذا إن أكملت ثمانية عشر عامًا
-ما الذي تقوله أنت ومن الذي يريد قتل ربابة؟؟
صوتها العالي جلب الأنظار المُستنكرة إليهما فتولى عنها برهان دفة الحديث وأوقفها بجانبه كفتاة تنظر لوالدها وهو يحل مشكلة
-أهلاً أنا برهان صديق عائلة بنون... أخبرني أنت ما الذي حدث ومن التي ستُقتل
ردَّ جواد باضطراب و يديه تمسحان وجهه بعنف
-أنها زوجتي ربابة لم نكد نكتب الكتاب حتى مرضت لكن شعرنا بخطب ما لأن بطنها انتفخت بشكل ملحوظ.... شكَ بها والدها أن تكون حاملاً لكنه وجدها عذراء
قطعَ حديثه آخذًا أنفاسه بضيق، فهذا صعب... صعب للغاية أن يحكي مثل تلك الأشياء لرجل مثله لكن ليس أمامه حلاً طالما لن يقدر وحده على المساعدة
استغفرَ بصوتٍ عالٍ وهو يبتهل للسماء ثم عاد يهمس بصوت غلبت عليه عاطفة البُكاء
-أتى بها لهنا وعلمنا من الطبيبة... علمنا أنها دورتها الشهرية مُجمعة منذ أول بلوغ لها..
ابتلعت بنون ريقها وهي تتساءل بتيه
-ألا تعرف تلك الفتاة أنها لها دورة شهرية تزورها كل شهر؟
هزّ رأسها نفيًا وأردفَ بمرارة
-لقد ترّبت مع ثلاثة صبيان وقد توفت والدتها وهي صغيرة... ربتها زوجة والدتها التي لم تعاملها جيدًا وبالتأكيد لن يحظيا بهذه المحادثة أبدًا...
-أليس لها أي أصدقاء؟؟
-كنت أنا صديقها وحبيبها الوحيد
-ماذا قالت الطبيبة
السؤال كان من برهان الذي تبرعَ مرة أخرى باقتياد الحوار بينما جعلَ بنون تستند على ذراعه وقد بدت ضعيفة وهي تستمتع لما يُقال
وهنا رد جواد بما أحرق صدره وأفرغَ العلقم في حلقه حتى بات صوته محشرجًا مختنقًا
-قالت أنها يجب أن تخضع لعملية في أسرع وقت..... على إثرها... ستفض غشاء بكارتها وليحدث ذلك لزم موافقة الأهل
همهمت بنون
-وأبيها لا يوافق صحيح
هزّ رأسه إيجابًا وقال بحرقة شديدة
-لو كانت فقط أعطت التقرير لي أولاً لكنت مضيت عليه وأخفيت الأمر فأنا لا يهمني كونها عذراء أو ما شابه ليس وكأن هذا سيُحدد عفتها
رباه
أي ابتلاء حلّ بتلك الصغيرة ليضع مصيرها بين فكوك لا ترحم
لقد اختضَ جسدها وأصابته القشعريرة من مُجرد سرد القصة، فما بالها من المعنية والتي تعيش الألم الجسدي وألمًا نفسي وخوفًا من الموت!
ابتلعت ريقها عدة مرات حتى جف حلقها... ترمش مهما ترمش لكنه واقعًا ليس كابوسًا... لن تخدعي المصير يا بنون... ما هو مُقدّر سيحدث وبأكثر الطرق إيلامًا
حاولت أن تنتشل نفسها من حالة الضعف التي تلبستها قسرًا وحوّلت بصرها نحو برهان وتحدثت بتيه أكثر منه تساؤل
-ما الذي سنفعله؟!!
********
في غرفة نهاد ببيتها
هل يُعقل أن يكون الحب وليد اللحظة أم أن هناك رابطة مُقدسة خفية تحكم العلاقات وتجعل العناق واجبًا في أكثر اللحظات اشتياقًا
وبدون تردد اندفعت نهاد نحو الرجل تحتضنه وبدوره كان يتلقفها بين ذراعيه مُشددًا من ذراعيه حولها مُقبلاً رأسها
كل هذا تحت أنظار عُدي الذي كان قادمًا يحمل كوبًا من العصير لكنه انزلقَ متهشمًا أرضًا وهو يرى زوجته بين أحضان غريب وتبدو في حالة اشتياق وحميمية عارمة!!
انتهى الفصل


*سارة عاصم* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-09-22, 04:03 AM   #290

غدا يوم اخر

? العضوٌ??? » 5865
?  التسِجيلٌ » Apr 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,156
?  نُقآطِيْ » غدا يوم اخر is on a distinguished road
افتراضي

نهاد تحتضن قريب لها اكيد والا لم يكن يدخل في العزاء
سالفه البنت واستباحة دمها سمعت بقصه شبيه ايام امي في المدرسه تقول تقريبا سنه ويسحبونه منالرحم بابره كل سنه تقريبا
رابحة ليش تسوي بضرتها كذا هل تفعل ماكانت تفعله حسناء من اين عرفت رابحة هل تعرف رابحة ان والدها هو الي وراء قتل اخوه وغرضهم يقتلونه بعدين وورثه مايضبع

منال غرة likes this.

غدا يوم اخر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
رابحة، سلطان، القبيلة، عادات، زواج، بالإجبار

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:23 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.