شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   منتدى قلوب أحلام شرقية (https://www.rewity.com/forum/f309/)
-   -   أحبك لكن كبريائي أولى(106)-قلوب شرقية-للكاتبة ف.الزهراء عزوز *مميزة&كاملة&الروابط* (https://www.rewity.com/forum/t450422.html)

Fatima Zahrae Azouz 06-07-19 05:58 PM

أحبك لكن كبريائي أولى(106)-قلوب شرقية-للكاتبة ف.الزهراء عزوز *مميزة&كاملة&الروابط*
 
https://upload.rewity.com/uploads/156234888691591.gif

https://upload.rewity.com/uploads/156235308496761.gif

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آل روايتي الأعزاء، محبي قلوب أحلام بيتي الثاني الذي ما أنفك أن أدلف إليه حاملة معي بعثرات كلماتي لأودعها بحرص بين أروقته ثم أغادره بعد انتهائي من نشر عمل حتى أعود إليه بعمل جديد...ضاربة وعودي بأن آخذ فترة راحة بين عمل و آخر عرض الحائط...فرغم انشغالي بصخب الحياة لا أستطيع أن أمنع نفسي من الكتابة التي أصبحت روتينا يوميا في حياتي...روتين أعشقه و أدمنه...أن أترك كل شيء من خلفي و أن أنغمس مع أوراقي و حاسوبي و شخوصي لدقائق أو لساعات حسب استطاعتي لأغفو بارتياح عندما يكون تأثير تعب اليوم أقوى من تأثير الكلمات التي لا تنضب...
عدت إليكم من جديد حاملة في جعبتي سلسلة جديدة و مختلفة عما كتبته سابقا...سلسلة مكونة من جزئين مرتبطين في ما بينهما كتوأم، و كلاهما كالعادة حصري لشبكة روايتي الثقافية و لا أحلل نقلهما أو نشرهما بدون في أي مكان بدون إذني...
أعود مجددا إلى كلمة "مختلفة" التي وضعت عليها ثلاث أسطر -وهمية- حمراء اللون لاختلافها و أنا حقا لا أدري ما السبب الرئيسي لهذا الاختلاف: "أ هي مختلفة لأنها فكرتها هي التي دفعتني دفعا لأخطو خطوات الأولى في عالم النشر؟ أم لأنني قطعت وعدا قبل سنوات على صديقة بأن أكتب تلك القصة الحالمة التي كانت تعيشها بينها و بين نفسها قبل أن تنصدم بمرارة الواقع و اختلافه عن العالم الوردي الذي بنته بقلبها، فتقرر بدأ حياة جديدة بعيدة عن الحالمية كما كانت بعيدة عن الطريق الصحيح...حياة ظلت تحمل فيها سيف استهتارها و سخريتها كما يحمل محارب الساموراي سيفيه ضد أعدائه فيقرر الهجوم عليهم قبل أن يهاجموه؟ أم أنها مختلفة فقط لأنها ظلت تنتظر منذ أن كتبت أول مشهد لها أثناء كتابتي لروايتي الأولى: "معزوفة الحب" لأهجر ملفها طويلا رغم أن عقلي لم يهجره فعليا بل كان ينتظر ظهور الأحداث و الشخصيات الحقيقية أمام عينيه ليجمع قطعها المتناثرة كلعبة البازل و يشكل منها شخوصا روائية تحمل طابعا واقعيا و خياليا...
أجل...هنا يكمن اختلاف الرواية، لأنها تحمل الكثير من المشاهد و القصص الواقعية...ليست المرة الأولى التي أكتب فيها شيئا واقعيا، لكنها المرة الأولى التي أنقل قصصا بعينها مع إضافات تناسب سير الأحداث، بعد أن كنت سابقا أكتفي بمجرد أشياء عابرة تحمل طابعا حقيقيا في رواياتي: كمشهد عابر أو صفة شخصية...
لن أطيل في الحديث لأن الكلمات التي يحملها عقلي حول هذه الرواية تحتاج لصفحات لأعبر عنها...سأقول باختصار أنها الجزء الأول من سلسلة "حكايا مراهقات" ، حيث كانت المراهقة هي نقطة الانطلاق أغلبية القصص حيث تراوحت بين "وهم الحب" و "الحب الحقيقي"، بين "الأحلام الوردية" و "الواقع"، بين "وهم الشجاعة التي يدفعنا للاعتراف بما نشعر به حتى لو كان خياليا" و بين "الكبرياء الذي يدفعنا لترك كل شيء مكتوما بالقلب بدافع الحماية أو الخوف أو الحكمة"...كلها هاته الأشياء اجتمعت في رواية جعلت عنوانها: "أحبك...لكن كبريائي أولى".
أشكر من أعماق قلبي مشرفات قلوب أحلام و على رأسهم "سمية" التي تتحمل صخب أفكاري بصدر رحب...
و شكر خاص لهمسة Whisperd Moon على تصاميمها الجميلة...
و شكر بحجم السماء لقارئاتي الغاليات اللاتي أظهرن حماسة كبيرة للرواية عند تنزيلي لمشهد من الرواية يوم عيد الفطر المبارك
أتمنى أن تروقكم الرواية و أن تستمتعوا بأحداثها
دمتم بحفظ الله ورعايته

وكانت زلة حياتي(111)-قلوب شرقية[حصريا]للكاتبة فاطمة الزهراء عزوز

https://upload.rewity.com/uploads/156234888700733.gif

https://upload.rewity.com/uploads/157286411403511.jpg



التواقيع

https://upload.rewity.com/uploads/156235286838211.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/156235286843822.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/156235286847213.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/156235286849664.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/15623528685235.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/156235286853556.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/156235286856537.jpg

https://upload.rewity.com/uploads/15623528685788.jpg


https://upload.rewity.com/uploads/156234888706025.gif


https://upload.rewity.com/uploads/157286411406352.jpg


كتابة وتدقيق لغوي: فاطمة الزهراء عزوز
تصميم كامل: Whispered moon
مشرفة الرواية: سمية سيمو
تعبئة الكتاب الالكتروني: Just Faith


https://upload.rewity.com/uploads/156234888704534.gif

الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الخاتمة


https://upload.rewity.com/uploads/156234888711726.gif

رابط أقل حجماً

يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي
يجب ان ترد لمشاهدة المحتوى المخفي


تم توزيع وسام التفاعل على القراء المتميزين:elk:...

https://upload.rewity.com/uploads/156235272224671.gif





قراءة ممتعة حبيباتي ولا تحرمونا من تفاعلكم الجميل :slm::slm:
:elk::elk:

https://upload.rewity.com/uploads/156234888713487.gif




حفصة عزوز 23-07-19 11:37 PM

تقديمك للرواية جعلني متحمسة أكثر مما كنت بعد قراءتي لهدية عيد الفطر، فمع الأسلوب الساحر والكلمات الرنانة يمكنني القول أن أسلوب الرواية سيكون أكثر تطورا مما كنت تكتبين سابقا. كما أنني أحس أن أحداث الرواية ستشدنا أكثر إليها لا أعلم لما ولكن شعورا بداخلي يخبرني أن الرواية المقتبسة أحداثها من الواقع تكون رائعة سريعة في ملامسة ذوق القارئ.
في انتظار نزول الرواية، وتحياتي للمبدعة whispered moon على الغلاف
❤💙💚💛💜💓💕💖💗💘💝💞💟

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 12:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حفصة عزوز (المشاركة 14367154)
تقديمك للرواية جعلني متحمسة أكثر مما كنت بعد قراءتي لهدية عيد الفطر، فمع الأسلوب الساحر والكلمات الرنانة يمكنني القول أن أسلوب الرواية سيكون أكثر تطورا مما كنت تكتبين سابقا. كما أنني أحس أن أحداث الرواية ستشدنا أكثر إليها لا أعلم لما ولكن شعورا بداخلي يخبرني أن الرواية المقتبسة أحداثها من الواقع تكون رائعة سريعة في ملامسة ذوق القارئ.
في انتظار نزول الرواية، وتحياتي للمبدعة whispered moon على الغلاف
❤💙💚💛💜💓💕💖💗💘💝💞💟


غاليتي شكرااا على مرورك و تعليقك
أتمنى أكون عند حسن الظن
تحياتي وودي ⁦❤️⁩💙💜

Khawla s 24-07-19 01:10 AM

الف الف تيرليون مبروووك فوفو نورتي ياعسل♥♥😘😘😘

نورالخاقاني 24-07-19 01:30 AM

الف مبروك روايتك الجديده

ان شاء الله كل التميز والتوفيق

شكرا جزيلا على الدعوه الجميله

تحياتي وحبي وتقديري

💕💕💕💕🌷🌷🌷🌷💕💕💕💕🌷🌷🌷🌷

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 01:33 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة khawla s (المشاركة 14367419)
الف الف تيرليون مبروووك فوفو نورتي ياعسل♥♥😘😘😘

الله يبارك فيك يا قلبي
منتظرة متابعة صاخبة منك😍😍😍😍
تحياتي وودي غاليتي⁦❤️⁩💙

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 01:35 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورالخاقاني (المشاركة 14367459)
الف مبروك روايتك الجديده

ان شاء الله كل التميز والتوفيق

شكرا جزيلا على الدعوه الجميله

تحياتي وحبي وتقديري

💕💕💕💕🌷🌷🌷🌷💕💕💕💕🌷🌷🌷🌷


شكراا على مرورك غاليتي
أتمنى تعجبك كما أعجبتك قيصر قلبي
😍😍😍😍😍

همس القوافي 24-07-19 01:37 AM

مبروك نزول روايتك الجديده عزيزتي
اسلوبك في تقديم الروايه يشد اليها
لك قلم مميز ومبدع حبيبتي
اتمنى لك كل التوفيق والنجاح
ومبروك مرة أخرى

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 01:43 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همس القوافي (المشاركة 14367479)
مبروك نزول روايتك الجديده عزيزتي
اسلوبك في تقديم الروايه يشد اليها
لك قلم مميز ومبدع حبيبتي
اتمنى لك كل التوفيق والنجاح
ومبروك مرة أخرى


تسلميلي غاليتي
إن شاء الله تعجبك الرواية كمان
تحياتي وودي⁦❤️⁩

إنتقآئيّة! 24-07-19 02:17 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مباااااارك مولودتك الجديدة عزيزتي
بتمنالك التوفيق والنجاح فيها وفي كامل حياتك
وبإذن الله أول ما أقدر حبقى أتابعها
لكن هالفترة صعب شويات
يعطيكِ العافية غاليتي
دمتي بخير وحب 😘❤️

عشقي بيتي 24-07-19 09:23 AM

ااف مبروك حبيبتي نزول روايتك الجديده
يسعدني ويشرفني متابعةروايتك اول باول
ومن مقدمةالروايه احسهابتكون رائعه ومميزه
موفقه حبيبتي باذن الله وارجولك كل النجاح والازدهار

رىرى45 24-07-19 05:24 PM

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 09:14 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنتقآئيّة! (المشاركة 14367554)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مباااااارك مولودتك الجديدة عزيزتي
بتمنالك التوفيق والنجاح فيها وفي كامل حياتك
وبإذن الله أول ما أقدر حبقى أتابعها
لكن هالفترة صعب شويات
يعطيكِ العافية غاليتي
دمتي بخير وحب 😘❤️


الله يبارك فيك حبيبتي
أتمنى أكون عند حسن الظن
و أكيد منتظرة متابعتك فأي وقت
تحياتي وودي⁦❤️⁩

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 09:15 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشقي بيتي (المشاركة 14367972)
ااف مبروك حبيبتي نزول روايتك الجديده
يسعدني ويشرفني متابعةروايتك اول باول
ومن مقدمةالروايه احسهابتكون رائعه ومميزه
موفقه حبيبتي باذن الله وارجولك كل النجاح والازدهار

الله يبارك فيك يا قلبي
يسعدني مرورك و متابعتك
تحياتي وودي⁦❤️⁩

Fatima Zahrae Azouz 24-07-19 09:16 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رىرى45 (المشاركة 14368681)
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


شكرااا لك😍😍😍😍😍😍😍😍😍😍🤗

عشقي بيتي 26-07-19 10:43 PM

في انتظار نزول اول فصل
حبيبتي اول ماينزل الفصل اعملي لي رساله
عشان لاانسى لاني حابه اتابعهامعاكي

Fatima Zahrae Azouz 27-07-19 06:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشقي بيتي (المشاركة 14373818)
في انتظار نزول اول فصل
حبيبتي اول ماينزل الفصل اعملي لي رساله
عشان لاانسى لاني حابه اتابعهامعاكي

إن شاء الله⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

Fatima Zahrae Azouz 28-07-19 04:06 PM

مساؤكم أو صباحكم ورد على حسب توقيت قراءتكم للمنشور
أحببت أن أرى من المتحمس لبداية الرواية؟ و من هو غير المتحمس حتى نعيد حماسه بهذا الاقتباس الصغير من الفصل الأول...

"ابتسمت قمر بسخرية دون أن تعلق على العبارة التي ترددها صديقتها كلما ذكرت لها شادي...تأبى الاعتراف بأن قمر تعرفها أكثر من نفسها و كما لم تنس هي مالك، لن تستطيع تماضر نسيان شادي...
ربما تشاركهما في هذه النقطة هو من وطد علاقتهما هذه رغم لقاءتهما القليلة طوال السنتين و النصف الأخيرتين...قمر و تماضر وجهتان لعملة واحدة...كلتاهما أحبت في مراهقتها حبا من طرف واحد...حبا حقيقيا، صادقا مختلفا عن كل العلاقات العابرة الكثيرة التي يعيش فيها معظم من في سنهما بدعوى الحب و الحب بريء من علاقاتهم هذه براءة الذئب من دم يوسف...كلتاهما كانتا وفيتين لحبهما رغم عدم إظهار كل واحدة منهما لذلك...فإن كانت قمر تتجاهل مشاعرها اتجاه مالك بادعائها البرود و اللامبالاة أمام الجميع، فإن تماضر كانت طوال السنتين و النصف الماضيتين تعيش بقلب علاقات عابرة مع مجموعة من الشبان...تأسر قلوب الكثيرين منهم بطفوليتها و مرحها و تحررها و ما إن تتأكد من تعلقهم بها حتى تنهي علاقتها تلك ببرود دون أن تتأثر بها مطلقا، و كأنها ترى في كل ذكر وجه شادي، فتكون السابقة بطعنه برفضها قبل أن يطعنها هو..."

قراءة ممتعة
و لا تنسوا موعدنا يوم الثلاثاء بإذن الله مع بداية الرحلة⁦❤️⁩
دمتم بألف خير⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

حفصة عزوز 28-07-19 04:26 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fatima zahrae azouz (المشاركة 14377655)
مساؤكم أو صباحكم ورد على حسب توقيت قراءتكم للمنشور
أحببت أن أرى من المتحمس لبداية الرواية؟ و من هو غير المتحمس حتى نعيد حماسه بهذا الاقتباس الصغير من الفصل الأول...

"ابتسمت قمر بسخرية دون أن تعلق على العبارة التي ترددها صديقتها كلما ذكرت لها شادي...تأبى الاعتراف بأن قمر تعرفها أكثر من نفسها و كما لم تنس هي مالك، لن تستطيع تماضر نسيان شادي...
ربما تشاركهما في هذه النقطة هو من وطد علاقتهما هذه رغم لقاءتهما القليلة طوال السنتين و النصف الأخيرتين...قمر و تماضر وجهتان لعملة واحدة...كلتاهما أحبت في مراهقتها حبا من طرف واحد...حبا حقيقيا، صادقا مختلفا عن كل العلاقات العابرة الكثيرة التي يعيش فيها معظم من في سنهما بدعوى الحب و الحب بريء من علاقاتهم هذه براءة الذئب من دم يوسف...كلتاهما كانتا وفيتين لحبهما رغم عدم إظهار كل واحدة منهما لذلك...فإن كانت قمر تتجاهل مشاعرها اتجاه مالك بادعائها البرود و اللامبالاة أمام الجميع، فإن تماضر كانت طوال السنتين و النصف الماضيتين تعيش بقلب علاقات عابرة مع مجموعة من الشبان...تأسر قلوب الكثيرين منهم بطفوليتها و مرحها و تحررها و ما إن تتأكد من تعلقهم بها حتى تنهي علاقتها تلك ببرود دون أن تتأثر بها مطلقا، و كأنها ترى في كل ذكر وجه شادي، فتكون السابقة بطعنه برفضها قبل أن يطعنها هو..."

قراءة ممتعة
و لا تنسوا موعدنا يوم الثلاثاء بإذن الله مع بداية الرحلة⁦❤️⁩
دمتم بألف خير⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

حبيت الاقتباس كثير تعرفتا شوي على تفكير الفتاتين.
في انتظار الفصل الأول
💗💟💞💝💘💙💚💛💜💓💕💖❤😘😍

عشقي بيتي 30-07-19 12:58 AM

والله شكل الروايه من بدايتهارائعه
والاقتباس اثار فضولي
بانتظارالفصل الاول

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 04:51 PM

أسعد الله يومكم
لا تنسوا موعدنا اليوم مع الفصل الأول من أحبك لكن كبريائي أولى
و إليكم اقتباسات مصممة من الفصل الأول


تصميماتي
https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31732


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31733


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31734


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31735

تصميم الغالية شيماء صلاح
https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31736

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 04:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حفصة عزوز (المشاركة 14377683)
حبيت الاقتباس كثير تعرفتا شوي على تفكير الفتاتين.
في انتظار الفصل الأول
💗💟💞💝💘💙💚💛💜💓💕💖❤😘😍

تسلميلي حبيبة قلبي
إن شاء الله يعجبك الفصل
:29-1-rewity::29-1-rewity::29-1-rewity:


Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 04:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشقي بيتي (المشاركة 14381476)
والله شكل الروايه من بدايتهارائعه
والاقتباس اثار فضولي
بانتظارالفصل الاول

إن شاء الله تنال إعجابك
تحياتي وودي لك
:29-1-rewity::29-1-rewity::29-1-rewity:

Aya Slieman 30-07-19 05:26 PM

تسجيل حضور🙋🏻‍♀
بانتظارك حبيبتي❤

حفصة عزوز 30-07-19 05:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fatima zahrae azouz (المشاركة 14382981)
أسعد الله يومكم
لا تنسوا موعدنا اليوم مع الفصل الأول من أحبك لكن كبريائي أولى
و إليكم اقتباسات مصممة من الفصل الأول


تصميماتي
https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31732


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31733


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31734


https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31735

تصميم الغالية شيماء صلاح
https://www.rewity.com/forum/picture...ictureid=31736

الاقتباسات حلوة كثير والتصاميم كثير مهضومة
تسلمي حبيبتي
❤😍😘💖💝💕💘💙💚💛💜💓💞💟💗

حفصة عزوز 30-07-19 05:46 PM

تسجيل الحضور
بانتظار الفصل الأول

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:27 PM

مساء الخير
سيتم تنزيل الفصل بعد لحظات
قراءة ممتعة مسبقا⁦❤️⁩

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:28 PM

الفصل الأول:

(ما كان البعد زهدا بيننا و كيف أزهد فيك و أنت أنا..
و لكنها الأقدار خطت أمرنا...فذاق على وسع الزمان لقاؤنا
جلال الدين الرومي)

"كنت أشعر و أنا أرتدي ملابسي اليوم لن يكون كباقي الأيام. لا أدري لماذا أشعر بهذا الإحساس الغريب؟ و كأن شيئا مميزا سيحدث.
تناولت فطوري على عجلة من أمري، و حملت حقيبتي، ثم توجهت إلى الخارج. وضعت سماعات الهاتف في أذني، و انطلقت إلى الجامعة كعادتي كل صباح سيرا على الأقدام، رغم أن والدي يصرخ دائما في وجهي لكي أذهب بالسيارة التي خصصها لي لكنني لا أحب ذلك.
التقيت صديقاتي أمام البوابة، ألقيت عليهن التحية و توجهنا معا إلى الداخل. كانت صديقتي تخبرني أنها اشتاقت إلي كعادتها كل بداية أسبوع. رغم تعارفنا الذي لم يمر عليه سوى شهرين، إلا أنني أحس أن صداقتنا قوية. خيط رفيع يجمع بيننا نحن الاثنتين رغم اختلافنا في الأفكار و الطباع، إلا أننا متفاهمتان جدا و أشعر بالراحة برفقتها.
دخلنا إلى المدرج، و جلست في مكاني المفضل، و حملت كتابي كعادتي أرتشف قليلا من صفحاته قبل حضور الأستاذ.
جلست ندى بجواري و هي تقول: "ألا تتخلين و لو مرة واحدة عن القراءة؟ لم أرك يوما تجلسين دون أن تحملي كتابا. أهو من أحد طقوسك؟"
ضحكت و أنا أقول بهدوء: "تعلمين يا عزيزتي أن المطالعة بالنسبة لي إكسير حياة، الأوكسجين الذي أتنفسه لأبقى على قيدها".
-"لم أرى شغوفة مثلك بالقراءة يا قمر. أظن أنني لم أصادق يوما فتاة تملك مثل هذه الهواية".
ابتسمت و أنا أقول: "أجل أجل لأنك دائما تختارين صديقات كل ما يشغلهن الثرثرة، و التحدث عن أحوال الناس. لا أدري كيف وقعت في طريقك و أصبحنا صديقتين".
- "لأنك مختلفة على الجميع و هذا ما يجعلك مميزة".
قاطع حديثنا دخول أحد العاملين بالجامعة، ليخبرنا أن المحاضرة ألغيت بسبب تغيب الأستاذ. بدأ الطلبة بالانصراف فهتفت ندى: "لماذا لا نذهب إلى مقهى الكلية".
-"سأذهب إلى المكتبة و سأستغل الساعتين في إتمام قراءة كتابي، أو سأراجع بعض الدروس".
-"هيا يا قمر ألا يمكنك التخلي و لو قليلا عن القراءة، أنا أتضور جوعا لم أتناول طعام الإفطار كعادتي".
استسلمت لإلحاحها رغم أنني أشعر أن ذهابي إلى هناك لن يسرني. نزعت تلك الأفكار من رأسي و أنا أتساءل: "ما بال شعوري هذا الصباح لا يريد تركني و شأني؟"
جلسنا على إحدى الطاولات، ذهبت ندى لتحضر الإفطار. أما أنا فحملت هاتفي أتجول بين مواقع التواصل بشرود. أحسست بعد دقائق بالاختناق و بدأ قلبي يخفق بقوة، و صوت داخلي يقول: "ارفعي عينيك من على الهاتف". فرفعتها لأتفاجأ بآخر شخص توقعت رؤيته هذا الصباح، كما عرفته قبل ثلاث سنوات، محاطا بأصدقائه و كأنه أميرهم. وسامته الأرستقراطية التي جذبت أنظار كثير من الفتيات منذ دخوله، ابتسامته الساحرة التي اخترقت أسوار قلبي قبل ثلاث سنوات، لتجعله يخفق بقوة له فقط. و التي اخترقته الآن ليعود إلى جنونه من جديد. لا لم يعد من أجلها، فمند أن وضع قدمه هنا و قلبي يخفق بجنون، لقد علم بوجوده قبل أن أراه.
التقت نظراتنا، فبهتت ابتسامته، و رمقني بتلك النظرة التي أعرفها جيدا؛ نظرة مشبعة بالكره و الحقد...لقد تدربت كثيرا على هذا اليوم، منذ بداية الموسم الدراسي .كنت أعلم أنني سألتقي به في أي وقت بما أننا ندرس في نفس الكلية. لم تتغير ملامحه عن آخر مرة رأيته فيها، لكنني لا أتذكر متى كان ذلك؟ قبل ستة أو سبعة أشهر...لقد مر وقت طويل، طويل جدا حتى إنني ما عدت بذلك الشغف القديم: أحسب الساعات و الدقائق التي مرت دون أن أراه.
جلس مع أصدقائه بطاولة قريبة من الطاولة التي كنت أجلس عليها...مكان استراتيجي يسمح له بأن يلقي علي النظرات دون توقف. تمتمت في نفسي: "الوغد!"، ثم تحليت بقناع البرود و بدأت عيناي في مواجهة عينيه المتربصتين بي كعيني صقر ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على فريسته...طالت مواجهتنا الصامتة قبل أن تجلس ندى على الكرسي المقابل و هي تقول: "آسفة على التأخير لقد كان المكان مزدحما"
أومأت برأسي،و أنا أحمد الله سرا أن ندى حضرت لتحجب عنه الرؤية و إلا انهار قناع الجمود عن وجهي..."

*********************************************
أغلقت قمر مذكرتها و هي تتنهد بتعب...لقد خطت الآن بيديها حلما من أحلام يقظتها...أحاطت جسدها الذي كان يرتعش بيديها و هي تتساءل في نفسها: "منذ متى لم تتذكره أو تحلم به؟" لتجيب نفسها بعد لحظات بسخرية أنه حتى إن لم يزرها في أحلام نومها و يقظتها فإنه تشعر بوجوده حولها...لا تحتاج لأن تتذكره لأن طيفه يملأ قلبها و روحها...سارت نحو سريرها بتعب متذكرة أول لقاء لهما...عندما أنقدها من الهلاك فكتب السطور الأولى في حكاية تعلقها به...
قبل ثلاث سنوات:
تسللت قمر من باب المطبخ المؤدي إلى الحديقة الخلفية حافية القدمين، ثم جرت بسرعة إلى الباب الخلفي لمنزلهم الكبير. ارتدت حذاءها الرياضي الذي كانت تحمله قبل قليل، ثم فتحت الباب ببطء و غادرت المنزل و هي تغلقه بهدوء. وضعت قبعة سترتها الرياضية على رأسها، و أخفت عينيها بنظارتها الشمسية لتسير بخطوات متأنية كي لا تتير ريبة رجال الحراسة المنتشرين في الحي الراقي الذي تقطن به حتى غادرته بهدوء. زفرت بعمق لنجاح مهمتها، ثم أزالت القبعة على رأسها ووضعت النظارات على شعرها لتنطلق إلى البحر لتمارس رياضتها الصباحية التي انقطعت عنها في هذه الأيام السابقة بأمر من والدها. لقد تعبت حقا من هذه المعاملة التي تتلقاها هذه الأيام من والدها: رجل الأعمال الكبير و من بين المترشحين للانتخابات التشريعية القادمة، الانتخابات التي كرهتها قبل بدايتها حيث أن والدها أصبح يضيق عليها الخناق، يمنعها من الخروج وحدها بدون سيارة أو حراس شخصيين، فأعداؤه كثر كما يقول و يمكن أن يؤذونها إن كانت تتجول وحدها. و هي تكره هذه الرفاهيات، تريد أن تعيش حياة عادية بسيطة :أن تتجول كما تشاء، مشيا على الأقدام. أن تجري كل صباح أمام البحر مستمتعة بالنسيم العليل. وصلت إلى وجهتها، و بدأت رياضتها المعتادة، بعد نصف ساعة تقريبا أحست أن شخصا ما يراقبها...التفتت حولها فلم تجد شخصا مريبا...تمتمت و هي تتابع الجري: "لا تجعلي مخاوف أبيك تسيطر عليك قمر، لن يجرؤ أحد على إيذائك في هذا المكان"، اطمأنت نفسها و تابعت رياضتها لتجلس على إحدى الصخور عند انتهائها لتستعيد قوتها و هي تستنشق الهواء المختلط برائحة يود البحر...قامت من مكانها و هي تزيل الرمال التي علقت أسفل سترتها الرياضية ثم انطلقت إلى منزلها...
بعد أن ابتعدت عن البحر بشارعين، عاد إحساسها أن أحدا يتبعها يستولي عليها، لطالما كان إحساسها بما سيحدث صادقا و كأنها تملك حاسة سادسة، لم تستطع أن تستدير حتى لا تجعله يشعر بأنها تعلم أنها ملاحقة...دخلت إلى أحد الأزقة لتصل مباشرة إلى الشارع الرئيسي، استدارت يمينا لتدخل إلى محل لبيع الحلويات و المخبوزات الساخنة يعد الأشهر في المدينة...ما إن رأتها صاحبة المحل حتى تهلهلت أساريرها و قالت بنبرة مرحة: "مرحبا يا قمر، كيف حالك صغيرتي؟"
قالت قمر بخفوت: "مرحبا سعيدة، أنا بخير. أريد قطعتان من مخبوزاتك الساخنة و اللذيذة المحشوة بالشوكولاتة".
أومأت سعيدة برأسها و أخذت الكيس الخاص بالمحل لتضع به طلب الآنسة الصغيرة، أما قمر فظلت تحدق في الباب و يدها تطرق على سطح طاولة أمامها بعصبية...شعرت بأنه سيدخل، فقفزت إلى الداخل حيث تقف سعيدة التي رمقتها بدهشة، أخذت منها الكيس و قالت: "إن سأل عني أخبريه أنني رحلت منذ مدة".
كانت سعيدة أن تهتف: "من تقصدين؟" لكن دخول رجل ضخم منعها من الكلام، ابتسمت له و قالت بعملية: "مرحبا سيدي ما طلبك؟"
أجفل الرجل الذي كان يبحث حوله على صوتها ثم قال: "أريد حلوى كريمة الشوكولاتة".
توجهت سعيدة إلى جهة الحلوى و قالت و هي تشير لكعكتين: "أي واحدة تريد سيدي؟"
قال بنفاذ صبر: "اختاريها على ذوقك".
أجفلت بسبب حدة صوته، لكنها اصطنعت البرود و هي تتمم عملها، وضعت الحلوى في علبة خاصة ثم أخرجت شريطا لتلفه حولها فقال الرجل: "هل دخلت فتاة إلى هنا قبل لحظات؟"
اتسعت عينا المختبئة بصدمة، إذن حدسها في محله كالعادة. أما سعيدة فقالت باستغراب: "فتاة؟"
قال الرجل: "فتاة في الخامسة عشر من العمر، ترتدي بدلة رياضية زرقاء اللون".
قالت سعيدة: "آه لقد أتت بعد قليل لتأخذ حلوى الفراولة فلم تجدها، فوصفت لها طريق مخبز آخر قريب من هنا يبيعها".
-"أين يقع المخبز؟"
دلته سعيدة على مكان المخبز الذي يبعد عن مخبزها بشارع واحد، فأخرج الرجل ورقة نقدية و هو يقول: "هذا ثمن الحلوى".
استدار ليغادر، فهمست بحيرة: "ألن تأخذها سيدي؟"
قال الضخم بهدوء: "لا، إنها لك".
غادر المخبز و نظراتها تتبعانه حتى انصرف من الشارع فأشارت لقمر كي تخرج من مخبئها، وضعت هذه الأخيرة ثمن المخبوزات على الطاولة قبل أن تنصرف دون أن تأبه لطلب سعيدة بالانتظار و الاتصال بوالدها حتى يرسل أحد رجاله ليقلها إلى البيت...أشارت قمر لأول سيارة أجرة وجدتها لترتمي على المقعد الخلفي بتعب و تخبر السائق الشاب عن وجهتها، فانطلق هذا الأخير و هو يغني مع المطرب الذي يستضيفه برنامج إذاعي...بعد لحظات قال السائق بريبة: "هذه السيارة تتبعنا منذ أن انطلقنا".
نظرت قمر عبر النافذة لتتفاجأ برؤية سيارة رباعية الدفع تلحق بهما فقالت للسائق: "أوقفني هنا من فضلك".
قال السائق بإصرار: "لن أوقفك إلا أمام بيتك آنستي".
صرخت قمر: "إن كنت لا تريد أن تموت فأوقفني حالا".
تزامنت آخر كلمة قالتها مع صوت إطلاق رصاص لتتوقف سيارة الأجرة، ترجلت قمر من مكانها لتلمح الإطار المثقوب، رفعت وجهها لسائق الشاب و قالت بتحذير: "إياك أن تخرج من سيارتك".
لكنه لم يهتم بتحذيرها و خرج من السيارة و هو يهتف: " لا يمكنني أن أجد فتاة في ورطة و أقف كالمتفرج".
زفرت قمر و ابتعدت عنه و هي تفكر أن هذا الأبله يريد استعراض عضلاته، هو لا يعرف أن من سيقترب منها سيهلك لا محالة...فإن كان عدو والدها يريدها حية سيكون مستعدا لقتل أي واحد يريد أن يدافع عنها...وقفت أمام سيارة الدفع الرباعي التي توقفت قبل لحظات ليترجل منها رجلان ضخمان، كان من بينهما الرجل الذي كان يلاحقها...رفعت رأسها بشجاعة و هتفت: "أنا مستعدة لأسلمكم نفسي، لكن ابتعدوا عنه".
أفلتت من الضخم ضحكة ساخرة و قال بصوت جوهري: "هل اكتفيت من لعبة الاختباء و المناورة آنسة قمر؟"
أومأت برأسها، فقال الآخر: "إذن ستأتين معنا بدون جدال، و بدون أن نؤذي سائق الأجرة المسكين".
أومأت مجددا برأسها و هي تقول: "أجل، لكن دعوه يذهب أولا و سأرافقكم".
ضحك الضخم مرة أخرى، أما صديقه فقال: "هل تظنيننا أغبياء لننفد طلبك؟"
وقفت أمامه و قالت: "يمكنك الإمساك بي حتى تضمن عدم فراري، رغم أنني لست من النوع الذي يهرب كأرنب مذعور...دائما أواجه مصيري بشجاعة".
أمسك بها الضخم، فأشارت لسائق سيارة الأجرة كي يبتعد و يتابع عمله، سرت عندما رأته يمتثل لطلبها و يستقل سيارته و يبتعد في الاتجاه الآخر ،لكنه دار و زاد من سرعته ليصدم الرجل الآخر بسيارته...
سقط الرجل على الأرض و دماؤه تسيل، شهقت قمر و قالت بصوت عال:" لم فعلت ذلك؟"
قال الشاب بهدوء و هو يترجل من سيارته حاملا عصا كبيرة: "قلت لك: لا يمكنني أن أجد فتاة في ورطة و أقف كالمتفرج"
-"لقد ورطت نفسك إذا".
قالها الضخم الذي يقيد قمر و هو يوجه مسدسه اتجاهه، و قبل أن يهرب الشاب مذعورا كانت الرصاصة قد استقرت في قدمه...سحب الضخم قمر ناحية السيارة، رماها في المقعد الخلفي، ثم استدار ليستقل مقعد السائق، لكن أحدهم ضرب عجلات السيارة الأربع بالرصاص...نظرت قمر عبر النافدة لترى شابا آخر، لا تدري كيف وصل إلى هنا؟ لكنها حمدت الله أنه جاء لينقدها...ترجل الضخم من السيارة ليصرخ في وجه الشاب: "يبدو أنك تريد أن تموت يا هذا".
صوب الشاب مسدسه و هو يقول: "بل أنت الذي تريد أن تموت، لقد حصلت على لقب أفضل رام لثلاث سنوات متتالية و عديد من الميداليات، لذا أنصحك بإلقاء مسدسك و سلمني الفتاة، فأنا لن أخطئ في إصابتك".
قهقه الرجل الضخم و قال بسخرية: "انظروا انظروا من يتحداني، شاب غر لم يتجاوز ثماني عشرة سنة".
-"ربما لم أتجاوز ثماني عشرة سنة كما تقول لكنني أستطيع هزيمتك".
كانت قمر في هذه الأثناء قد اتصلت بالشرطة ووالدها أيضا، ترجلت من السيارة لتدور من الجهة الأخرى دون أن يراها الضخم. وقفت خلف الشاب و قالت بترجي: "أنقدني أرجوك".
قال الشاب بتأنيب: "لماذا غادرت السيارة؟"
-"خفت أن يصيبك بسببي".
نظر إليها بدهشة، تطلب إنقاذه و تخاف من أن يصيبه...همست و هي تتشبث بقميصه: "ناوره، الشرطة ستصل قريبا".
أومأ برأسه، أما الضخم فقد لمح قمر فقال بصوت عال: "لآخر مرة أنصحك، ابتعد عنها".
صوب مسدسه و هو يمسك بالزناد، فالتفت الشاب إلى قمر الواقفة أمامه و قال بهمس: "عندما أصل إلى الثلاثة أخفضي رأسك". أومأت برأسها فقال الضخم: "ألن تتركها؟"
-"لا"
-"حسنا أنت المسؤول".
قال الشاب: "واحد، اثنان، ثلاثة..."
أخفضا رأسهما معا فانطلقت الرصاصة من مسدس الضخم لتستقر في شجرة كانت تبعد عنهما بأمتار قليلة...كان يريد إطلاق النار مجددا لكن سيارات الشرطة قد وصلت إلى المكان...
تراجع الشاب إلى الخلف ساحبا قمر من يدها عندما أحاط رجال الشرطة بالمكان...كانت تتابع اقتيادهم للرجلين الضخمين بجمود...هزها مالك و قال بنبرة قلقة: " هل أنت بخير؟"
رفعت عينيها العسليتين لتلتقي بعينين زرقاوين لم ترى مثيلا لزرقتهما من قبل، و كأنهما انعكاس لخليج فيروزي يأسر كل من ينظر إليه منذ المرة الأولى...أجفلت على صوته و هو يكرر سؤاله مجددا، فحركت رأسها إيجابا ثم همست: "أشكرك، لا أعرف ماذا كنت سأفعل لو لم تأتي في الوقت المناسب".
أومأ برأسه ثم ربت على كتفها و هو يقول: "لا داعي للشكر".
غادر المكان بعد أن تبادل مع الشرطي بضع كلمات، أما هي فظلت تنظر إليه بانبهار و هو يمشي بثقة...لم تستيقظ من شرودها إلا على صوت أبيها الهاتف بقلق: "قمر".
سارت ناحيته لترتمي في حضنه لتترك العنان لدموع خوفها التي حبستها بعناد منذ بداية الموقف...ربت كمال -والدها- على ظهرها و هو يقول: "لا تقلقي حبيبتي، كل شيء سيكون بخير...سيدفعون الثمن غاليا لأنهم حاولوا اختطافك...هم و الذين يقفون من خلفهم".
أومأت برأسها فاقترب منها أحد رجال الشرطة ليعطيها سلسالا فضيا يحمل حرف الميم "m"...كانت ستخبره أن السلسال لا يعود إليها لتتذكر ذلك الشاب و تفكر أنه ربما يخصه...
دسته في جيب بذلتها الرياضية و هي تهمس في سرها: "لكنه سلسال نسائي، أترى من أهدته إياه فتاة، أم يخص إحدى معارفه؟"
أخرجته مجددا لتضمه في قبضتها ثم تضعها بالقرب من قلبها و هي تقول: "أيا كان الجواب، سيظل بحوزتي، كتذكار من منقدي الوسيم"...
دمعة سالت من عينها جعلتها تعود إلى واقعها لتضم السلسال الفضي الذي تضعه على رقبتها بيدها ثم تميل لتتكئ على وسادتها و تهمس بصوت أجش: "اشتقت لك مالك...اشتقت لك لحد الوجع"....

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:34 PM

************************************

صباح اليوم الموالي:
أخرجها رنين منبه هاتفها مع أعماق حلمها الجميل، فتأففت بحنق و يدها تمتد لتسكت الصوت المزعج ثم تعود إلى النوم...لم تدري كم من الوقت مر قبل أن تحس بأحدهم يعبث بخصلات شعرها، ففتحت عينيها لتجد والدها جالس على حافة سريرها ينظر إليها و ابتسامة حلوة تزين شفتيه...قفزت من مكانها لترتمي في حضنه و هي تقول بسعادة: "أبي، متى عدت؟"
غمغم كمال بهدوء: "قبل قليل فقط... آسف لأنني أيقظتك من نومك أميرتي".
قالت ببهجة و هي تقفز من السرير: "لا بالعكس، لم أكن سأسامحك إن ذهبت إلى عملك قبل أن أراك".
ثم تابعت بمرح: "و أحضر لك الإفطار أيضا".
قال كمال بشقاوة شباب يحتفظ بها رغم تجاوزه سن الأربعين ببضع سنوات: "و هل تعرف ابنتي الجميلة تحضير أي شيء غير البيض المقلي؟"
دلفا إلى المطبخ و ألقيا تحية الصباح على الخادمة التي تركته حتى يأخذا راحتيهما...فقالت قمر بهدوء و هي تفتح الثلاجة لتخرج ما تحتاج: "أنت تستهين بقدراتي سيد كمال...ستتناول هذا الصباح ألذ إفطار في حياتك".
-"حسنا آنسة قمر، لنرى قدراتك المطبخية".
بعد أربعين دقيقة كانت طاولة الطعام ممتلئة بشتى الأطباق...ملأت كوب الشاي لوالدها ثم مدته له ليرتشف منه بتلذذ قبل أن يقول: "إذن، كيف حالك مع الدراسة؟ هل اعتدت أجواء الجامعة؟"
قالت بهدوء: "الاعتياد ضروري يا والدي...لكن تظل أيام الثانوية أفضل بكثير بحلوها و مرها، بهدوئها و شقاوتها".
غمغم والدها متفهما: "تقولين هذا لأنك في بداية مشوارك الجامعي صغيرتي...بعد مدة سيتغير رأيك إذ أن أيام الجامعة من أفضل الأيام في حياة المرء".
ابتسمت برقة و قالت بعبث: "بالتأكيد يا والدي ستعتبرها أفضل أيام حياتك بما أنك قابلت أمي أول مرة هناك".
ابتسم والدها للذكرى، قبل أن يغير الموضوع قائلا: "هل قابلت مالك في هذه المدة؟ تعرفين أنه يدرس في نفس القسم الذي تدرسين به".
ما إن ذكر والدها اسمه حتى تحولت ملامحها إلى قطعة من جليد...غريب أمرها، لقد كانت ليلة أمس تناجي طيفه بكتاباتها، تخبره عن مدى اشتياقها له...تنام بعد تذكرها لأول لقاء لهما...أما الآن، فلم يحدث لها أي تغيير عندما همس والدها باسمه: لم ترتعش يداها، لم تتسع عيناها، لم يخفق قلبها...اكتفت فقط بالهمس بصوت فاتر: "لا، لم أقابله...لا يعني أننا ندرس في نفس القسم أن ذلك سيحدث، تعرف أن الجامعة واسعة و أنني أكثر انشغالا من أن أنتبه لوجوده من حولي".
هز والدها رأسه بتفهم ثم قال: "لقد التقيت بوالده صباح اليوم أثناء مغادرتي المطار و لقد أرسل تحياته الحارة لك و لأمك".
أومأت برأسها دون أن تعلق ثم تابعت تناول طعامها بهدوء و كذلك فعل والدها قبل أن يقول فجأة: "هل لديك أية خطة هذا المساء؟"
-"سأذهب أنا و تُماضِر إلى المدينة القديمة...لقد مرت مدة طويلة منذ أن رأيتها".
قال والدها بجدية: "حسنا إذن، سأرسل لك السائق بعد الزوال حتى يأخذكما إلى هناك".
لوهلة كانت ستعاند، لكنها هزت رأسها موافقة فقام والدها من مكانه ليلثم جبينها ثم قال بهدوء: "سأذهب إلى الشركة الآن...سلمت يداك على هذا الإفطار الشهي"...
***********************************
بعد الزوال:
فتحت تُماضِر باب المقعد الخلفي و جلست بجوار صديقتها، فقالت قمر بسخرية: "كان بإمكانك التأخر أكثر عزيزتي، لا مانع لدي إطلاقا".
تأففت تُماضِر و قالت بنزق: "لا داعي لتذمرك قمر، لم أتأخر سوى نصف ساعة".
انطلق السائق الكهل إلى وجهة الفتاتين، لتبدآ في الحديث حول آخر الأخبار...نظرت تماضر عبر النافذة إلى الطريق لتقول باستنكار: "إلى أين سنذهب؟"
هتفت قمر بوجوم: "ألم نتفق على ذهابنا للمدينة القديمة حتى نتجول في أسواقها؟"
قالت تماضر بصوت عال حتى يسمعها السائق: "آه، نسيت أن أخبرك أن والدتي قالت لي أن يوم الجمعة تكون أغلبية المحلات المتواجدة هناك مغلقة...لما لا نذهب إلى النادي؟"
كانت قمر تعرف أن وراء نبرة صديقتها يختفي سر ما...طلبت من السائق تغيير وجهته ثم مالت لتهمس في أذن صديقتها: "لماذا غيرت رأيك فجأة تُماضِر؟ ما الذي تحيكينه مجددا؟"
ابتسمت تماضر ببراءة ثم قالت بخفوت: "سأخبرك فيما بعد".
زمت قمر شفتيها بغيظ، لكنها حافظت على هدوئها حتى لا يشك السائق بأي شيء و يخبر والدها...أوقف السائق السيارة في الموقف المخصص للقادمين إلى النادي، فقالت تماضر: " شكرا يا عم، لا داعي لقدومك مساءً، سيهتم والدي بتوصيلي أنا و قمر".
قال السائق بفظاظة: "إن أراد والدك أن يقلك فليفعل، لكن أنا سأقل الآنسة بنفسي...لا تنسي الاتصال بي يا قمر عندما تريدين مغادرة المكان".
أومأت قمر برأسها و هي تتحرك مع تماضر ناحية مدخل النادي، فهتفت هذه الأخيرة بغيظ: "يا له من عجوز متسلط...لقد كان سائقك السابق لطيفا...ذكريني باسمه؟"
غمغمت قمر بنبرة ساخرة: "معقول أنك نسيت اسمه و قد كان حبيبك في وقت من الأوقات؟"
احمرت وجنتا تماضر ثم قالت: "أنتِ تعرفين جيدا أن الأمر كان تحدٍ بيني و بينك...لم أقض معه أكثر من أسبوع لم نلتق فيه سوى مرة واحدة".
حركت قمر رأسها لتردف بتهكم: "بالتأكيد، لقد كان تحد بيني و بينك...بحق الله يا تماضر، لقد كان تحد بينك و بين نفسك...تحدٍ طويل تفننت فيه طوال السنوات السابقة...تريدين أن تظهري فيه أنك لا تهتمين فيه لرفض شادي لحبك قبل ثلاث سنوات...
ارتسم الحزن بعمق عينيها الزيتونيتين لبرهة قبل أن ترسم ريشة القسوة ملامحها ببراعة أثناء همسها بصوت مكتوم: "تعلمين أنني نسيت شادي يا قمر".
ابتسمت قمر بسخرية دون أن تعلق على العبارة التي ترددها صديقتها كلما ذكرت لها شادي...تأبى الاعتراف بأن قمر تعرفها أكثر من نفسها و كما لم تنس هي مالك، لن تستطيع تماضر نسيان شادي...
ربما تشاركهما في هذه النقطة هو من وطد علاقتهما هذه رغم لقاءتهما القليلة طوال السنتين و النصف الأخيرتين...قمر و تماضر وجهتان لعملة واحدة...كلتاهما أحبت في مراهقتها حبا من طرف واحد...حبا حقيقيا، صادقا مختلفا عن كل العلاقات العابرة الكثيرة التي يعيش فيها معظم من في سنهما بدعوى الحب و الحب بريء من علاقاتهم هذه براءة الذئب من دم يوسف...كلتاهما كانتا وفيتين لحبهما رغم عدم إظهار كل واحدة منهما لذلك...فإن كانت قمر تتجاهل مشاعرها اتجاه مالك بادعائها البرود و اللامبالاة أمام الجميع، فإن تماضر كانت طوال السنتين و النصف الماضيتين تعيش بقلب علاقات عابرة مع مجموعة من الشبان...تأسر قلوب الكثيرين منهم بطفوليتها و مرحها و تحررها و ما إن تتأكد من تعلقهم بها حتى تنهي علاقتها تلك ببرود دون أن تتأثر بها مطلقا، و كأنها ترى في كل ذكر وجه شادي، فتكون السابقة بطعنه برفضها قبل أن يطعنها هو...
أمام مدخل النادي أوقفتها قمر متذكرة سؤالها الذي تأجل طرحه قبل قليل...قالت بصرامة و هي تشير إلى المكان: "لن ندخل حتى تخبرينني بما تحكينه تماضر؟ ما الذي نفعله هنا؟"
تنهدت تماضر ثم قالت بعذوبة: "أسنتحدث هنا أمام الملأ؟ لندخل و نجلس في المقهى كعادتنا و سأخبرك بكل شيء".
زفرت قمر بعمق و هي توافق على كلامها، فهتفت تماضر ببهجة كان سببها نصرها الصغير: "لأول مرة منذ أن تعارفنا تواقفين على طلبي بدون نقاش".
ارتسمت على شفتيها ابتسامة شاحبة، فهي تعرف نفسها جيدا...لا توافق على شيء بسهولة لأنها عنيدة و عقلانية جدا و لطالما كانت تؤثر على صديقتها التي كانت سهلة الانصياع...لكن للأسف لم تعد كذلك و إلا أنقدتها قمر من مستنقع العلاقات الفارغ الذي تعيش فيه...كم تمنت لو أنهما لم تنفصلا على بعضهما، كم تمنت لو كانت رفيقتها أكثر قوة و روحا رياضية و تابعت دراستها في نفس الثانوية بعد ما حدث...لكنها تعود و تتذكر ما حدث لتدرك أنه لو حصل لها نفس ما حصل لصديقتها لفرت هاربة هي أيضا كالأرنب المذعور رغم برودها و تحكمها المشهور...فما بالك بشخص مهزوز الثقة، جائع إلى الحب و الاهتمام إلى حد الوجع كتماضر؟
جلست الفتاتان على إحدى الأرائك حيث انتصبت طاولة أمامهما...أشارت قمر للنادل، فاقترب منهما ليأخذ طلبتهما...فور انصرافه قالت قمر باهتمام: "أسمعك".
هتفت تماضر بغيظ: "ألا يمكنك التغاضي أو النسيان؟ يا لك من لحوحة!"
ارتفع حاجب قمر ثم همست بريبة: "لماذا تراوغينني و لا تريدين أن أعرف ما تحيكينه؟"
هزت تماضر كتفيها و غمغمت مجيبة: "لأنني أؤجل المحتوم فقط...أعرف أنك ستنفجرين في وجهي كقنبلة موقوتة عندما تعرفين ما حكته".
تنهدت قمر بتعب و هي تتساءل بصبر عن المصيبة التي حاكتها؟ لتأخذ تماضر نفسا عميقا قبل أن تجيبها: "أخبرتك قبل أيام أن زميلا لي تعرض لحادث سير، و ذهبت لزيارته في المشفى برفقة باقي زملائي؟"
أومأت قمر برأسها، فتابعت تماضر كلامها قائلة: "عندما ذهبنا كان أخوه الأكبر موجودا...عليك أن تريه يا قمر، إنه في غاية الوسامة و الأناقة و اللباقة، كما يبدو أنه أعجب بي".
استنتجت قمر تتمة القصة، فقالت بتهكم: "و الآن ستلتقين به في النادي!"
أومأت تماضر برأسها، فسألتها قمر: "و أنا ما محلي من الإعراب؟ لم دفعتني لمرافقتك؟"
تنهدت تماضر قبل أن تقول: "أنت تعرفين والدي يا قمر، لقد أصبح يراقب تحركاتي منذ أن التقى بي ذلك اليوم مع عصام...كان علي أن أقوم بأي شيء حتى ألتقي بإبراهيم".
زمت قمر شفتيها ثم قالت بغيظ: "تعرفين أنني أكره أن يحشرني أحدهم في الزاوية".
قالت تماضر برجاء: "أرجوك قمر، هذه المرة فقط...حتى إنني لن أظل معه في النادي حتى لا يراني أحد معارف أبي و يخبره".
بقسوة كانت قمر تجيبها: "على الأقل، أخبريني قبل مجيئنا، كي أحضر بذلتي الرياضية حتى أقضي وقت غيابك في الرياضة".
-"خفت أن ترفضي، تعلمين أنك أملي الوحيد، فما إن أهمس باسمك أمام أبي حتى يخفض مراقبته...يعرف أنك عاقلة و أنني أعجز عن فعل شيء يعارضك".
توقفتا عن الكلام عندما اقترب منهما النادل ليضع طلباتهما على الطاولة ثم ينصرف...استغلت تماضر صمت قمر اللحظي لتقول مغيرة الموضوع: "انفصلت أنا و عصام".
قالت قمر بهدوء بعدما ارتشفت من كأس عصيرها: "توقعت ذلك عندما قلت أن والدك رآكما معا".
تناولت تماضر من مثلجاتها ثم قالت: "أتدرين، لقد كنت ممتنة لأن والدي رآني معه، لقد افتعلت عشرات من المشاكل حتى أنفصل عنه قبلها لكنه ظل ملتصقا بي".
ضحكت قمر ثم قالت: "رباه، لا أصدق جنونك تماضر".
لم تكن تماضر تنظر إليها، بل كانت نظراتها مركزة على المدخل لتهتف بعد لحظات: "انظري ها هو قادم".
رفعت قمر عينيها لترى الشاب القادم باتجاههما...قامت تماضر لتسلم عليه، أما قمر فظلت تجلس باسترخاء في مكانها...أشارت تماضر ناحيتها ثم قالت بهدوء: "هذه قمر صديقتي المقربة".
صافحها ابراهيم و هو يقول: "سعدت بلقائك يا آنسة".
أومأت قمر برأسها دون أن تجيبه ليجلس أمامهما فتقول تماضر ببهجة: "إذن، هل تشرب شيئا؟"
حرك رأسه إيجابا، فأشارت للنادل حتى يأتي و يأخذ طلباته...سألها قائلا بعد أن ابتعد عن طاولتهما: "كيف حالك مع الدراسة؟"
أرجعت خصلات شعرها إلى الخلف ثم قالت: "بخير، لقد أرهقونا بالامتحانات منذ بداية الموسم".
طرح على قمر نفس السؤال، فأجابته بهدوء: "كل أموري في الجامعة جيدة و بالتأكيد لا امتحانات حتى نهاية الأسدس".
ارتفع حاجبه ثم قال: "يعني أنكما لا تدرسان معا!"
أومأت قمر برأسها ثم قالت بفتور: "لقد درسنا معا في السنة الأولى من السلك الثانوي فقط، لكن صداقتنا لم تنته رغم أن تماضر غيرت الثانوية ثم التحقت بمدرسة خصوصية لتكمل تعليمها العالي".
ثم قامت من مكانها و هي تقول لصديقتها: "سأذهب لأمتطي الخيل قليلا، إياك أن تتأخري في العودة من جولتك مع صديقك حتى لا يقلق والدك".
أومأت تماضر برأسها، فلوحت لهما ثم سارت بثقة ناحية أحد موظفي النادي لتخبره بشيء فأومأ برأسه ثم غادرت المقهى في اتجاه مضمار الخيل...أما في الداخل فقد قال ابراهيم لتماضر بعد أن ارتشف من قهوتك: "صديقتك مغرورة جدا و كأنها تحسب نفسها خلقت من طينة أسمى منا".
ضحكت تماضر ثم قالت: "إنها تبدو كذلك لمن لا يعرفها فقط".
ثم تابعت قائلة بحماس: "هيا انهي قهوتك، لقد وعدتني بأمسية لا تنسى و أنا أنتظر بدايتها بحماس...أم تراك نسيت؟"
غمغم ابراهيم بابتسامة: "لا بالتأكيد لم أنس، و ما إن أنهي قهوتي حتى ننطلق إلى وجهتنا"...
***********************************
توقفت قمر بجوار مضمار الخيل تراقب المجموعة التي كانت تتدرب في ذلك الوقت...لمحها المدرب الشاب من مكانه، فسار ناحيتها بخطى مسرعة ثم قال ببهجة: "مرحبا آنسة قمر".
ارتسمت على شفتيها ابتسامة صادقة ثم قالت: "مرحبا أستاذي، كيف حالك؟"
-"بخير الحمد لله، لقد مرت مدة طويلة على غيابك".
هزت قمر كتفيها و قالت ببساطة: "أنت تعرف كنت منشغلة مع التسجيل في الجامعة و بعدها انخرطت بقلب دوامة الدراسة فلم أعد أجد وقتا للحضور...لكنني سأخصص وقتا بالتأكيد للخيل فور أن أنظم أموري".
أومأ المدرب برأسه متفهما ثم قال: "إذن بما أنك هنا الآن ما رأيك أن تشاركي في التدريب؟ رغم أنني أعرف أنك تفضلين التريض على همامك".
كادت أن توافق لكن اتصالا هاتفيا جعلها تعتذر لتبتعد عنه حتى تجيب على الهاتف...استمعت بهدوء لما يقوله الطرف الآخر قبل أن تقول: "حسنا، شكرا لك".
التفتت ناحية مدربها و غمغمت معتذرة: "علي الذهاب الآن، لكنني بالتأكيد سأشارككم في التدريب قريبا جدا".
حرك رأسه ثم قال بمرح: "و ربما تسابقين أستاذك".
ابتسمت ثم لوحت له و هي تبتعد متجهة إلى باب النادي...لمحت تماضر و صديقها يتجهان إلى موقف السيارات فلحقت بهما لتراه يفتح لها باب سيارة سوداء فتستقله ليدور و يستقل بجوارها قبل أن ينطلق...ضربت الحائط بقبضتها و هي تهمس بين أسنانها: "اللعنة، لم أفكر أنه من الممكن أن يكون لديه سيارة".
-"هل تحتاجين إلى توصيلة؟"
صوت ساخر انبعث من خلفها، فالتفتت لتجد نفسها أمام زيد -صديق مالك المقرب- يجلس بارتخاء فوق دراجته النارية الحديثة...نظرت إلى السيارة المبتعدة ثم عاودت النظر إلى زيد لتقول بهدوء: "سأكون شاكرة لك".
ابتسم ابتسامة صغيرة ليخرج لها خوذة بيضاء فوضعتها فوق رأسها...صعدت فوق الدراجة و هي تتحاشى لمسه، فقال بسخرية: "تشبثي بي عزيزتي قمر، حتى لا تقعين بسبب سرعتي".
زمت شفتيها و تشبثت بمؤخرة المقعد الجلدي الذي يجلسا عليه، فقال زيد: "لقد أعذر من أنذر".
انطلق بسرعة جنونية أجفلتها، لكنها ظلت تتشبث بنهاية المقعد حتى لا تلمسه...بعد لحظات ابتسم زيد بسعادة و هو يقول: "ها هي السيارة".
رفعت عينيها لتجد بأنهما خلف سيارة ابراهيم، فزفرت بعمق بعد أن خفف زيد من سرعته...توقفت السيارة أمام أحد مراكز التسوق، فتوقف زيد بدوره ليقفز من الدراجة و هو ينزع خوذته ثم قال بنبرته الساخرة و هو يراقب تماضر التي دلفت إلى المجمع التجاري برفقة ابراهيم:" لم يكن هناك داع لقلقك هذا...لم يكن ليأخذها إلى شقة أو مكان مشبوه منذ اللقاء الأول".
حدجته بنظرة نارية ثم قالت:" و من أخبرك أنه لقاؤهما الأول؟"
قال بنبرة مسرحية هزلية: "آه، نسيت أن أخبرك آنستي أنني سمعت كلامكما صدفة قبل قليل عندما مررت بجانب طاولتكما".
ثم تابع قائلا: "هيا بنا لنعد، فلا داع لقلقك هذا عزيزتي".
قفزت من الدراجة عندما تذكرت أن للمركز بابا آخر خلفيا ثم قالت له: "يمكنك الذهاب وحدك أنا سأدخل لأبحث عنهما".
سار زيد موازيا لها ليقول بعد دخولهما إلى المركز التجاري: "لماذا تلحقين بهما؟ أهي غيرة أم قلق؟"
حدجته قمر بنظرة نارية و لم تجبه...لمحت من بعيد تماضر و رفيقها يستقلون المصعد، فصعدت إلى الطابق الثاني بواسطة الدرج المتحرك...لمحتهما يدخلان إلى أحد المحلات الخاصة بالملابس ليخرجا بعد دقائق و يجلسا في أحد المقاهي الموجودة بالمكان...لمحتها تماضر من بعيد فزمت شفتيها بغيظ لترفع هاتفها و تكتب لها رسالة...
أضاء هاتف قمر معلنا عن وصول رسالة جديدة فرفعت عينيها إلى تماضر بعد أن قرأت طلبها بالتوقف عن التصرف كأم خائفة على طفلتها و أن تعود إلى النادي، فكتبت لها قمر: "ساعة واحدة يا تماضر و إن لم أجدك أمامي سأكون سعيدة بالتبرأ منك إن أتى والدك صدفة إلى هناك و لم يجدك".
فوصلتها الإجابة بعد دقيقة من الانتظار: "ساعة و نصف قمر، أبي سيأتي إلى النادي بعد أن يصلي المغرب...سيكون لدينا وقت طويل لنظل معا بعد عودتي".
ألقت عليها نظرة أخيرة قبل أن تقول لمرافقها بهدوء: "هيا بنا".
عندما غادرا المكان، توقفت قمر منتظرة مرور سيارة أجرة فجاء صوت زيد من خلفها: "ما الذي تظنين نفسك فاعلة يا قمر؟"
أجابته بجمود: "أنتظر مرور سيارة أجرة يا زيد بما أن حاجتي إليك قد انتهت".
همس بصوت مبحوح: "أتدرين أنك لأول مرة تهمسين باسمي منذ ما حدث بيننا قبل أشهر".
التفتت ناحيته لتقول ببرود: "أقلت ما حدث بيننا أم أنني أتخيل؟ أظن أنك نسيت نفسك يا عزيزي، فأنت من كان يلاحقني من مكان إلى آخر طالبا مواعدتي...لم تكن تبالي لصدي لك في البداية فتوقفت عن صدك لأنني فجأة اكتشفت أنك لا تستحق حتى الصد".
مرت بجوارهما سيارة أجرة، فأشارت إليها لتفتح بابها الخلفي و تستقر بقلبها و قبل أن ينطلق السائق كانت تلوح له باستفزاز، فتوجه ناحية دراجته و هو يغمغم: "قاسية أنتِ يا قمر...قاسية جدا، و سأعمل على قتل هذه القسوة فور أن تصبحي ملكي...فصبرا"...
*******************************************
عندما دلفت مجددا إلى النادي متجهة إلى المقهى أوقفها صوت أنثوي معروف: "قمر بن سُودَة بجلالة قدرها هنا".
التفتت قمر ناحية الفتاة و قالت بابتهاج صادق: "فردوس!"
تعانقت الفتاتان بود قبل أن تهمس قمر و هي تنظر إليها: "اشتقت لك يا فتاة".
قالت فردوس ببهجة: "و أنا أيضا اشتقت لك، و أبحث عنك في كل مرة آتي إلى هنا و لا أجدك...لو كانت عائلتي صاحبة هذا المكان لما ترددت بقضاء جل وقتي هنا حتى أحصل على الوجبات السريعة المجانية".
ضحكت قمر عاليا قبل أن تقول: "كالعادة لا تفكرين سوى ببطنك و الوجبات السريعة التي لا يجب أن تتناولها رياضية مثلك".
ضحكت فردوس بدورها قبل أن تقول: "إذن بما أنني وجدتك أخيرا، ألا أستحق دعوة منك لتناول شيء خفيف يا ابنة صاحب النادي؟"
ضحكت قمر مجددا ثم قالت و هي تسحبها إلى المقهى: "حالتك ميؤوس منها عزيزتي".
جلستا حول إحدى الطاولات فاقترب النادل منهما يأخذ طلباتهما قبل أن ينصرف بهدوء، فسألت قمر صديقتها باهتمام: "هل حققت حلمك بالالتحاق بكلية الهندسة؟"
بهتت ابتسامة فردوس المشرقة قبل أن تقول: "لا مع الأسف، لكنني وجدت شغفي الحقيقي و هذا ما يسعدني...تعرفين أنني كنت أريد أن ألتحق بها إرضاء لأمي فقط...أنا الآن أدرس الآدب الانجليزي و في نفس الوقت أقوم بتكوين في معهد للصحافة".
هتفت قمر: "هذا جيد إذن، أن تجدي شغفك الحقيقي منذ بداية مشوارك خير من أن تضيعي الوقت في شيء لا تحبينه...أتوقع أن والدتك قد تقبلت الأمر".
ارتسمت ابتسامة متهكمة على شفتيها ثم قالت: "تقبلته جدا، حتى أنها لا تكف عن معايرتي في كل مناسبة لأنني أنهيت مشواري العلمي عندما التحقت بقسم أدبي".
زمت قمر شفتيها غيظا و هي تتساءل في نفسها عن السبب الذي يمنع بعض الآباء بأن يكونوا أكثر تفهما للأشياء التي يختارها أبناءهم؟ أخرجها صوت فردوس من تفكيرها: "و أنت؟ هل التحقت بكلية الصيدلة؟"
قالت قمر بهدوء: "لا مع الأسف، لقد واجهت بضعة ظروف في آخر سنة من الثانوية و لم أحصل على المعدل الذي أريده...لكن لازالت أمامي فرصة للالتحاق بعد عامين من دراسة "البيولوجيا"، أتمنى فقط ألا يحدث أي شيء يعرقل الأمر مجددا".
قالت فردوس بثقة: "بالتأكيد ستنجحين، لست من النوع الذي يستسلم للفشل...كما أن المعدل الذي يطلبونه بعد سنتين في الجامعة أقل من المعدل الانتقاء لأصحاب الباكالوريا، معدلهم تعجيزي حقا".
قالت قمر بشرود: "لم يكن بين المعدل الذي حصلت عليه و معدل الانتقاء الكثير...لو أن الانهيار الذي أصابني تأخر قليلا لحصلت عليه، لكنها كانت زلة و لن تكرر...بالتأكيد قبلت في كليات أخرى داخل البلاد و خارجها، لكنني لم أشأ الاستسلام و قررت المحاولة من جديد بالتحاقي بقسم البيولوجيا، و حتى والدي لم يعترضا على ما قمت به رغم أن أبي يريدني أن أدرس إدارة الأعمال حتى أدير أعماله من بعده".
منعت فردوس نفسها من أن تسألها عن سبب انهيارها الذي تتحدث عنه...ففي النهاية لم تكونا صديقتين مقربتين حتى تسألها...قالت لها بهدوء: "يعجبني إصرارك، و أحسدك على تفهم والديك يا قمر...أتمنى لو كانت أمي مثلهما".
غمغمت قمر بثقة: "متأكدة أن أمك ستتفهمك عندما تراك ناجحة فيما تريدينه".
أومأت فردوس برأسها ثم قالت: "أتمنى ذلك حقا..."
غيرت قمر الموضوع قائلة بمرح: "إذن كيف حال (شلة السوء)؟"
قهقهت فردوس عاليا مما جذب أنظار المتواجدين في المقهى قبل أن تقول: "بخير، نصفهم التحق بالجامعة و بعضهم يدرسون في مدن أخرى".
أومأت قمر برأسها ثم قالت بحنين: "كانت أيامنا برفقة الأستاذ محسن و الأستاذة فوزية جميلة جدا...رغم أنني لا أدري لم كانت تكرهني؟"
قالت فردوس بهدوء: "لأنك ابنة عائلة ثرية...لقد تخلت فوزية عن كل شيء حتى تتزوج بالأستاذ محسن...عائلتها كانت من العائلات المعروفة في البلاد و قد رفضوا زواجها من شاب بسيط...لم يقبلوا به حتى بعد أن بنى نفسه بمساعدتها و أنشآ مركزهما الخاص بتقديم دروس الدعم...و هي أصبحت تشتاق إليهم منذ مرضها، تخاف أن تفارق الحياة دون أن تراهم".
ارتسمت على شفتي قمر ابتسامة حزينة ثم قالت: "كيف حالها الآن؟"
-"تتعايش معه، سمعت أنها قد توقفت عن التدريس في المركز و أصبحت تهتم بالإدارة...أنا أيضا انصرفت من هناك بعد انصرافك بأشهر عندما ألقيت كوبا من المشروب الغازي على شادي".
ضحكت قمر مجددا ثم قالت: "رباه، لا تذكريني...لقد ظل الجميع يحكي عن تلك الحادثة أمامي...حتى أن تماضر تمنت لو كانت حاضرة عندما حدث ذلك حتى تشفي غليلها منه".
سألتها فردوس باهتمام: "تماضر؟ هل هي صديقتك التي كانت معجبة به و أحرجها أمام جميع زملائكم بعد أن عرف بالأمر؟"
أومأت قمر برأسها، فقالت فردوس بغيظ: "سأكون سعيدة إن ألقيت عليه قنينة أمامها حتى تنتقم منه".
ضحكت قمر ثم قالت: "مجنونة حقا".
وضع النادل طلباتهما على الطاولة، فسألتها فردوس بعد أن ابتعد: "هل تجاوزت حبها له و ما فعل بها؟"
تنهدت قمر قبل أن تقول بيأس:" تدعي ذلك أمام الجميع، لكنني أعرفها كما أعرف نفسي...منذ أن انتقلت إلى ثانوية أخرى لم تتوقف على مواعدة شاب تلو الآخر...علاقات عابرة تكون من يبدؤها و من ينهيها و كأنها ترى شادي في وجه كل شاب، و تريد أن تنتقم منه".
ارتشفت من قهوتها قبل أن تقول: "أتعرفين إنها السبب في تواجدي هنا اليوم".
حكت لها ما قامت به صديقتها باختصار، فقالت فردوس: "رغم أنني لست راضية على طريقتها هذه إلا أنني سعيدة بذلك، لأنني ما كنت لأراك لو لم تفعلها".
قالت قمر بابتسامة: "و أنا أيضا سعيدة بذلك رغم انزعاجي، لأنني رأيتك بعد كل هذه المدة"....
بعد انتهائهما من تناول الطعام قالت فردوس بمرح: "ليس لديك ما تقومين به، لذا ستوصلينني إلى منزلي".
تمتمت قمر باستفهام:" هل هذا أمر؟"

-"و هل يجرؤ أحد على أمر قمر بن سودة؟ أنا ألهيك فقط حتى لا يكون وقت انتظارك لصديقتك ممل جدا".
تفوهت بها فردوس بجدية، فقامت قمر من مكانها ملتقطة حقيبتها ثم قالت و هي تسير برفقتها:"و أنا شاكرة لإلهائك هذا"...
أثناء توجهما إلى منزل فردوس القريب من النادي، أثارت امرأة شابة انتباه قمر...كان يبدو عليها الوهن و كانت تحمل ابنها على ظهرها...لاحظت فردوس نظرات رفيقتها الشاردة ناحيتها ثم قالت:" إنها الخالة أسماء، جارتنا".
رمشت قمر بعينيها ثم قالت: "من تقصدين؟"
أجابتها بهدوء: "المرأة التي تنظرين إليها".
ثم تابعت قائلة: "أتدرين؟ لم أر في حياتي امرأة تملك مثل صبرها".
استرسلت فردوس في الحكي عن المشاكل التي تعاني منها تلك المرأة: ابتداءً بوفاة زوجها قبل سنة تاركا خلفه دينا كبيرا عليه أن يسدد و ابنا مريضا بالقلب...فوجدت ربة البيت نفسها تعمل أكثر من عمل حتى تدفع كل شهر جزءا من دين زوجها إلى البنك، و حتى تشتري لولدها الوحيد أدويته ذات الثمن الباهض...غمغمت قمر بشرود: "الصحة كنز لا يشترى بثمن صدقيني...لقد تعايشت لثلاث سنوات مع مرض والدتي...كنت أراها تدوي كل يوم، و كنت أرى أبي الذي تخلى عن أعماله و مشاريعه ووكل موظفيه للقيام بكل شيء حتى يظل برفقتها و يرعاها و يأخذها إلى المشفى، و حتى بعد شفائها لازلنا نعيش على هاجس عودته كل سنة أحبس أنفاسي عندما يحين موعد فحصها الدوري و لا أرتاح حتى أعرف أن الطبيب أخبرها أنها بخير...كما أنني يمكن أن أصاب بنفس المرض أنا أيضا مستقبلا".
أومأت فردوس برأسها ثم رفعت عينيها إلى الجانب الآخر من الشارع حيث كانت تسير جارتهم لترى الرجل الذي اعترض طريقها، قالت فردوس بدهشة: "من هذا؟"
لم تترك لها فردوس فرصة للنظر، فقد سحبتها من كفها لتسيرا إلى هناك بعد أن لمحت الجارة تدفع الرجل بعيدا عنها...تجمع الناس على صوت صراخها ليصل إلى مسامع الفتاتان صوت الرجل الساخر: "اهدئي حبيبتي، كنا سنحل الأمر وديا بيننا و ها أنت جعلتي الناس يلتفون حولنا بسبب صراخك".
هتفت المرأة في وجهه: "أنا لست حبيبتك، أنا لا أعرفك حتى".
قال بهدوء مغيض: "لكن أنا أعرفك، أخبرتك أن زوجك الراحل كان يعمل لدي و منذ أن رأيتك مرة معه و أنا لا أتوقف عن التفكير بك".
ثم تابع بجدية: "و أنا مستعد لأدفع لك ما تريدينه إن قمت بما طلبته منك قبل لحظات".
تعالت شهقات من حولهم بعد أن أصبح ما طلبه واضحا من تلك النظرة الخبيثة التي ارتسمت في عينيه السوداوين...ألقت فردوس حقيبتها الرياضية أرضا ثم سارت نحو الرجل لتسدد ناحيته لكمة مباغتة جعلته يرتد إلى الخلف، فقام و هو يشتمها و قبل أن يضربها وقف في طريقه شابين من المتواجدين، فسحبتها قمر إلى الخلف لتقول بعتاب: "هل عليك دائما أن تظهري للناس أنك بطلة؟"
هتفت فردوس بنزق و هي تحمل حقيبتها:" و ما الذي كنت تريدينه...أن أقف مكتوفة الأيدي و هو يهين سيدة أمام الملأ".
ثم التفتت ناحية المرأة التي كانت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها و قالت بقلق: "خالة أسماء، هل أنت بخير؟"
أومأت أسماء برأسها و قالت بثبات: "أنا بخبر، لنذهب من هنا".
حركت فردوس رأسها إيجابا، ثم لوحت لقمر لتسلكا الطريق المؤدي لمسكنهما...
عادت قمر أدراجها إلى النادي، لكنها صعدت إلى مكتب والدها هذه المرة حتى تختلي بنفسها...فتحت الباب بالمفتاح الذي تملكه و أغلقته على نفسها لتجلس خلف المكتب مخرجة مذكرتها و تبدأ بكتابة ما خطر لها...
لم تشعر بمرور الوقت حتى تعالى رنين هاتفها لتلمح رقم والد تماضر...اتسعت عيناها برعب و هي تستنتج أن اتصال والد صديقتها بها يعني أنه اتصل بابنته قبلا و لم تجبه...انقطع الخط لتزفر بارتياح ثم حملت هاتفها لتتصل بصديقتها، لكنه رن مجددا...أخذت نفسا عميقا قبل أن تفتح الخط و تقول بهدوء :"مرحبا عمي كيف حالك؟"
وصلها صوت والد صديقتها الوقور: "مرحبا يا ابنتي، بخير و الحمد لله... كيف حالك أنت و حال والديك؟"
قالت قمر بهدوء: "نحن بألف خير...شكرا على سؤالك".
غمغم السيد اسماعيل: "أتصل بتماضر و لا يلتقط هاتفها، هل هي بجوارك؟"
قالت قمر بسرعة: "أجل، أجل، هي بجواري...لقد فرغ شحن بطارية هاتفها يا عمي".
قال والد تماضر بهدوء: "حسنا يا ابنتي، أخبريها أنني ستأخر قليلا في اصطحابها...لقد استعار مني أحد أصدقائي السيارة و لن يعيدها حتى صلاة العشاء".
قالت قمر بهدوء: "لا تقلق عماه...سيرسل لي والدي السائق و سنقل تماضر في طريقنا".
-"حسنا يا ابنتي، شكرا لكِ...إلى اللقاء الآن"...
أغلقت قمر الخط و هي تزفر بارتياح لأنها فكرت بسرعة و حلت الأمر، لتنظر إلى ساعة معصمها و تدرك أن صديقتها قد تأخرت بالفعل...لقد قالت لها أنها ستكون هنا بعد ساعة و نصف، فأين تأخرت بحق الله؟
حملت هاتفها لتتصل بها، فطال الرنين قبل أن ينقطع...عاودت الاتصال مرة ثانية و ثالثة فلم تحصل على إجابة، فالتقطت حقيبتها لتغادر مكتب والدها و النادي بأكمله، أشارت لأول سيارة أجرة مرت بجوارها لتخبر السائق بوجهتها، فانطلق إلى هناك و لم تتوقف هي عن الاتصال بها...

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:41 PM

توجها ناحية سيارته و ضحكاتهما عالية، فتح لها باب السيارة، فابتسمت له و هي تشكره ليقول لها باندهاش بعد أن تعلقت عيناه بحذائها: "لم لَمْ تربطي رابط حذائك بعد أن ارتديته؟"
بحركات مدروسة اعتادت عليها، كانت البراءة ترتسم في عينيها و تتلون وجنتيها بحمرة الحرج لتنهي الصورة بعض شفتها السفلى فتراقب تفاحة آدم التي تحركت بعد أن ابتلع ريقه أمام حركتها تلك...منعت نفسها من الابتسام بغرور لتهمس بتلعثم: "لا أجيد ربطه بمفردي".
ارتفع حاجب ابراهيم اندهاشا ثم قال باستنكار: "و من يربطها لك عادة".
قالت بنبرة مدللة: "بابا".
ضحك بخفوت ثم انحنى ببساطة ليربط حذاءها و هو يقول:" مدللة أبيها".
كانت تبتسم بنصر أثناء عمله...لم تمنع نفسها من تمرير يدها على شعره الناعم ثم تقول: "شعرك ناعم جدا".
استقام ليقول بجمود قبل أن يستقل السيارة بجوارها: "أجل، إنه ناعم جدا إلى حد الإغاظة".
أدركت أن حركتها أزعجته فتمتمت بأسف خافت قبل أن تدير وجهها ناحية النافذة...تذكرت فجأة هاتفها الذي تركته على الوضع الصامت فأخرجته لترى الاتصالات الكثيرة من قمر و اتصالين من والدها...شهقت بصدمة لتقول: "لقد اتصلت قمر و اتصل والدي بي أيضا...أخاف أن يكون قد أتى لاصطحابي".
قال بهدوء: "اتصلي بصديقتك و اسأليها".
أومأت برأسها ثم ضغطت على زر الاتصال لترفع الهاتف إلى أذنها...
*********************************************
زفرت قمر بحنق بعد أن ألقت نظرة على المقهى المتواجد في المركز التجاري و لم تجد أثرا لصديقتها...دلفت إلى أحد المحلات الخاصة بالملابس بحثا عنها فربما كانت هناك ليرن هاتفها فتلمح اسمها الذي تراقص على الشاشة و كأنه يستفزها...فتحت الخط ثم قالت بعصبية: "أين أنت؟"
قالت تماضر بقلق: "في طريقي إلى النادي، هل أتى أبي؟"
-"لا، لكنه اتصل و اعتذر عن اصطحابك".
زفرت تماضر بارتياح و قالت: "سأكون في النادي بعد خمس دقائق قمر، إياك أن تتصلي بسائقك قبل وصولي".
أغلقت الخط، فغادرت قمر المكان و قررت أن تعود إلى النادي سيرا عن الأقدام...عندما توقفت أمامه كانت سيارة ابراهيم متوقفة منذ مدة و جلس ابراهيم على مقدمتها و أمامه تماضر...زمت قمر شفتيها بغيظ ثم نادتها لتسلم على رفيقها الذي أومأ برأسه من بعيد لقمر بعد أن رآها قبل أن يستقل سيارته و ينطلق مبتعدا...
لوت قمر يد صديقتها حتى تأوهت هذه الأخيرة ثم قالت: "و تحولت الساعة و النصف إلى ثلاث ساعات...بحثت عنك في كل مكان و لم أجدك، ماذا كنت سأقول لوالدك إن وجدته أمامي؟"
هتفت تماضر بصوت متألم: "اتركي يدي قمر...لم يأت لاصطحابي في النهاية فلا تعاقبينني".
تركت قمر يدها ثم قالت: "لقد كدت أموت رعبا عليك عندما توجهت إلى المركز التجاري و لم أجدك...أين كنت بحق الله؟"
-"في البحر".
تفوهت بها بإيجاز، فزفرت قمر قبل أن تقول بتهديد: "اسمعي تماضر، هذه آخر مرة تضعينني في مثل هذا الموقف...أنت صديقتي حقا لكنني لا أقبل بهذه الأشياء".
تأففت تماضر ثم قالت بنبرة مسرحية ساخرة: "حسنا ماما".
ثم تابعت بمرح: "كيف كانت أمسيتك بدوني، أظنك وجدتي رفقة ممتعة...لقد رأيتك في مركز التسوق مع زيد".
غمغمت بجفاف: "لقد كان لقاؤنا مجرد صدفة...أنت من عليها أن تخبرني عن أمسيتها؟ و ما محل ابراهيم من الإعراب بعد أول لقاء؟"
ضحكت تماضر قبل أن تقول باستمتاع: "نحن أصدقاء، لكن ليس إلى وقت طويل".
قالت قمر و هي تبحث عن رقم السائق لتتصل به: "لا أشك بذلك إطلاقا، فقد أصبحت تملكين القدرة على إغواء قديس في محرابه"...
*********************************************
فور ترجلها من السيارة، لمحت قمر والديها جالسين على الأرجوحة الكبيرة المتواجدة في الحديقة...ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة ثم اتجهت ناحيتهما لتردد تحية المساء بهدوء...ابتسم والدها و هما يردان التحية ليقول كمال بمرح: "الحمد لله أنك أتيت حتى أهرب أنا، لقد أصرت والدتك على أن أشاركها جلستها على الأرجوحة و أؤرجحها...لدي عمل مهم علي أن أنجزه".
جلست قمر وسطهما لتقول ببهجة: "سيكون من الجيد أن تؤرجح ابنتك أيضا و إلا شعرت بالغيرة".
ضحكت والدتها باستمتاع ليقول كمال و هو يحرك الأرجوحة بتحريكه لقدمه: "لا أصدق هذا...حلف الأم و ابنتها".
قالت نجاة -والدتها- بابتسامة: "لا تتذمر كمال، يجب عليك تدليل ملكتي قلبك بين الفينة و الأخرى يا حبيبي، أليس كذلك يا قمر؟"
أومأت قمر برأسها موافقة على كلام أمها، فغير والدها الموضوع قائلا: "إذن كيف كانت أمسيتك مع صديقتك المقربة؟"
-"لقد استمتعنا حقا، كما أنني التقيت بإحدى زميلاتي القديمات".
تفوهت بها قمر بهدوء، فقالت والدتها: "هذا جيد جدا".
التفتت قمر ناحية والدتها لتسألها باهتمام: "أمي، ألا زالت السيدة أمل تملك تلك الجمعية التي تجمع المعونات للأسر التي تملك دخلا محدودا و التي يعاني أحد أفرادها من أمراض مزمنة؟"
حركت نجاة رأسها إيجابا و سألتها عن سبب سؤالها، فأخبرتهم باختصار عن ظروف جارة زميلتها و ما تعرضت له أمام عينيها...قالت والدتها بهدوء: "حسنا سأخبرها عنها...لكن أطلبي رقم هاتفها من صديقتك".
أومأت قمر برأسها ثم قبلت وجنة والدتها و هي تقول: "أحبك جدا"...لتقوم من مكانها و هي تغمغم: "سأترككما تستمتعان بجلستكما و سأصعد لغرفتي، لا داعي بأن تنادونني على العشاء...لقد أكلت بالخارج، تصبحان على خير"...
صعدت قمر إلى غرفتها مغلقة الباب خلفها، فتحت أحد أبواب خزانتها الكبيرة لتخرج منها فستانا أبيض اللون لتتعلق عينيها بفستان أخضر غامق تتذكر جيدا أنه الفستان الذي ارتدته قبل ثلاث سنوات أثناء دعوة أحد أصدقاء والدها لهم على العشاء، فتكتشف أن منقذها الوسيم هو ابن صديق والدها...ابتسمت بحزن و هي تحمل الفستان لتضمه إلى صدرها و كأنها تستمد ذكرى ذلك اللقاء منه...اللقاء الذي تعرفت فيه أكثر على الشاب الذي أسرت عيناه قلبها بلونهما الخلاب...سالت دمعة اشتياق من عينيها و أعادت الفستان إلى مكانه لتستبدل ملابسها بالفستان الأبيض...أخرجت علبة من أحد أدراج الخزانة لتخرج منها شموعا معطرة و وردا مجففا قامت بوضعها بفنية حول كرسيها الخشبي الهزاز ثم التقطت مذكرتها الأثيرة لتبدأ بالكتابة...
"أوقدتُ الشموع من حولي فتراقصت ذكرياتي معك على ضوء لهبها الأحمر...جلست على كرسيي الهزاز لأكتب لك بضعة أسطر يا مالك...و من غيرك سيحظى بجلسة رومانسية معي؟ شموع وورود و فستان أبيض هفهاف يتطاير بسبب الرياح الخريفية المنبعثة من نافذة الغرفة...دفتر و قلم و أفكار متضاربة و جمل كثيرة تريد أن تخرج من مخبئها بداخل قلبي إلى الأوراق البيضاء...الأوراق التي لن تقرأها يوما يا مالك، لكنني سأتخيلك معي، تناغشني أثناء الكتابة فتتزع الأوراق من يدي و تقرأها و تهمس لي بين كل ورقة و أخرى: "أحبك يا مجنونة و سأسعى لتحقيق أحلامك واحدا تلو الآخر"...
أجل يا مالك...مجنونة أنا...مجنونة إن تخيلت نفسي أصرخ بحبي لك غير آبهة بأي شيء...مجنونة إن تخيلتك تقرأ كتاباتي لك و تهمس بحبك لي بين كل ورقة يا مالك...كلانا عنيدين يا مالك...كلانا كبرياؤه أولى من كل شيء...فلا أنا سأكون السابقة في الاعتراف بحبي، و لا أنت من سيتغنى بحب يكنه في كل لحظة...
لكنني لا أملك شيئا سوى رفاهية الحلم...أحلم بأنك تقتحم خلوتي فتشتت عيناك الفيروزيتان تركيزي...تأسرانني بقيدهما فأتمنا أن أظل أحدق بك حتى آخر نفس يخرج من صدري...تسقط الأوراق من يدي فتحملها و أنت تبتسم و عيناك لا زالتا تأسران عيني...تبتعد عني لتقرأها فأقترب منك قائلة بإصرار طفولي: "أريد أن أنظر إلى عينيك".
فتبتسم و تقول لي:" و أنا أريد أن أقرأ ما كتبته عني مجنونتي".
فأتنازل على طلبي من أجل ما تريده يا مالك...تتنازل الفتاة التي لا تعرف معنى التنازل عن الغوص في أعماق فيروزيتك يا حبيبي، فقط لأنك طلبت و لأنني أحبك...
أترى كم هو حلم مثير للسخرية يا مالك؟ أنا قمر بن سُودَة التي لا شيء قيم بالنسبة إليها ككبريائها تتنازل عن شيء تريده فقط لأنها تحبك...هذا ما لا يمكن حدوثه في الحقيقة لأنني أستطيع التنازل عن حبي في سبيل كبريائي...
أتدري أن هنا تكمل أهمية الخيال يا مالك...الخيال يجعلني أكثر قوة، أكثر صمودا أمام ناظريك...حلمي بالتنازل عن كبريائي في سبيل حبي يجعلني أتشبث بواقعي المخالف له...لا تعتبرني ازدواجية المشاعر يا مالك، لأنني لو لم أعش طوال الثلاث سنوات الباقية بقلب أحلامي الوردية معك لم أكن لأواجه كل ما مررت منه بسبب حبك الذي لف قلبي كتعويذة لا فكاك لي منها...لم أكن لأتحمل بعدك عني...لم أكن لأتحمل حبي لك الذي يتضخم في قلبي يوما بعد يوم كورم خبيث يستفحل بالجسد"...

توقفت عن الكتابة عندما سمعت طرقا على الباب، ثم غيرت بخفة الصفحة قبل أن يُفتح و يدلف والدها إلى الداخل قائلا بهدوء: "ما الذي تفعله قمر كمال؟"
ابتسمت قمر برقة ثم قالت: "أكتب قليلا".
اقترب منها والدها ثم قال: "كان علي أن أتوقع ذلك بما أنك تضيئين الشموع من حولك و كأنك تريدين الاسترخاء".
غمغمت بشرود: "القمر يحتاج دوما لضوء النجوم لينيره".
أجابها والدها بنبرة واثقة: "أنت قمر متفرد عن بقية الأقمار...قمر نما في حضرة نور، فلا يحتاج لأي شمس و لا نجوم".
-"أنت و أمي نجما حياتي، أطال الله في عمركما و أدامكما بجواري".
أمن والدها على دعائها ثم قال: "أيمكنني أن أقرأ ما كتبته ابنتي الجميلة؟"
أومأت برأسها و أعطته مذكرتها ليقرأ الكلمات التي خطتها أناملها بصوت خافت:
"رفقا بقلب داق الوهن بمختلف أشكاله...قلب تلقى صاحبه صفعات البلاء المتقاربة و القاسية: فقد زوجا و حبيبا ووجد بين يديه طفلا عليلا يحتاج إلى علاج و دينا كبيرا يحتاج إلى سداد...أي قلب تملك أنتَ إن استقويت على ذلك الكائن الذي وضع الله بقلبه القوة و الضعف؟ وضع أمامه العراقيل و رزقه قوة الصبر و التحمل و الاستمرار بعد كل سقوط...كائن استوصى به سيد الخلق خيرا...كائن من لحم و دم و مشاعر...كائن يبني أساس المجتمع بتربيته و سهره و كفاحه من أجل راحة أولاده...المرأة نصف المجتمع، و وراء جهودها يتألق النصف الآخر من المجتمع...فمن أنت لتعتبرها ناقصة؟ من أنت لتهين امرأة تسعى بطريقتها إلى عيش قطعة من كبدها؟ امرأة كُبلت بأثقال من هموم و مشاكل، فلم تجد غير الجري هنا و هناك طالبة عون الناس لإغاثة ابنها قبل أن يتدهور حاله...و بدل من تمد لها يد العون تبجحت عليها...قايضتها أمام الملأ بعفتها في سبيل مساعدتها...لم تفكر أبدا أن الدنيا دوارة و ربما جاء يوم تفقد فيه كل ما تملكه من متاع دنيوي زائل...لم تفكر أبدا أن أمك أو أختك أو حتى زوجتك أو ابنتك يمكن أن تجد نفسها تتعرض لفضيحة كالتي قمت بها باستهتار، فلا أحد ينجو بأفعاله...صحيح أن الأمر لم يتجاوز حدود نية فاسدة نمت في قلبك قبل أن ينطقها لسانك، لكنها ستظل نية لفعل كان بإمكانه أن يتم في لحظة ضعف...
تطورت العصور و تطور العلم، لكن بعضا من البشر لازالوا يطبقون شريعة الغاب...ينتظرون الفرص لنزع حلل التحضر عن هيئة الوحوش المستعدة للقيام بأي شيء في سبيل إرادتها، مبررين أعمالهم بمقولة ميكيافيلي: "الغاية تبرر الوسيلة"...
لو كان ميكيافيلي حيا الآن و رأى أن عامة الناس يستخدمون قولته بينه و بين أنفسهم أو ربما علنا من أجل تحقيق المصالح الملتوية، لفكر مئة مرة قبل أن يكتبها...واقعيته صورت له أن مصلحة الدولة أهم من مصلحة الأفراد...أن زرع الهيبة و الخوف في قلوب السكان أهم من زرع للحب في نفوسهم...فتصبح الحياة كلها فوضى يأكل فيها القوي حق الضعيف: فهذا يحصل على عمل لا يستحقه فقط لأنه "ابن فلان"، و الآخر يستغل بريئة تحت مسمى الحب، وواحد يستغل آخر من أجل المال...حكايات كثيرة و بشعة تملأ عالمنا فتجعلنا نرى كبر منطقة حياتنا الرمادية، حيث يغطي جمال المظاهر قبح النفوس..."
رفع والدها عينيه ناحيتها ليقول:"جميل ما كتبته قمر رغم أنه يمثل جانب الواقع السيء".
همست قمر: "علينا ألا نتركه في العتمة يا أبي...علينا أن نقوم بتغييره حتى تزدهر أمتنا...ربما أن الأمر شبه مستحيل لكننا ببعض من الجهد يمكننا أن نحسن مجتمعاتنا".

أومأ برأسه ثم قال بحنين: "لقد مضى وقت طويل منذ أن كتبت شيئا...منذ بداية عملي تقريبا تخليت عن الكتابة بعد أن كنت مهووسا أيام الدراسة بكتابة المقالات السياسية".
ليقول بعد لحظات: "قمر ما رأيك في النشر؟ أسلوبك جميل صغيرتي...يجب صقله أكثر، لكنني متأكد بأن ذلك سيحدث مع استمرارك في الكتابة".
قالت قمر بشرود: "لا أفكر في الأمر حقا يا أبي، كما تعلم أنا أكتب فقط ذكرياتي أو عن الأحداث التي تثيرني...أكتب لأشعر بالراحة. أنا هاوية فقط".
غمغم والدها بجدية: "جميع الكتاب كانوا هواة بداية قبل أن يصلوا إلى التميز...خذي وقتك الكامل في التفكير و مهما كان قرارك تذكري دائما أنني سأدعمك أنا و أمك".
أومأت برأسها، فقبل جبينها ثم تمنى لها ليلة سعيدة قبل أن يغادر الغرفة...عادت قمر إلى الصفحة التي كانت تكتب فيها لتتابع كتابتها بعد لحظتين من التفكير...
"أتدري يا مالك؟
قبل قليل فقط كان والدي بجواري، يقرأ إحدى كتاباتي...أظن أن تلك الخربشة التي قرأها هي الشيء الوحيد الذي كتبته في السنوات الثلاثة الأخيرة دون أن يحمل اسمك أو بصمتك...دون أن يكون حولك أنت...دون أن يكون عبارات غزل لعينيك...دون أن يكون حكاية تخفيها ابتسامة شفتيك...دون أن يكون حول نبضاتي الثائرة ما إن يشير أي شخص إليك...دون أن يكون حول كلمات حبي لك التي يذرفها قلبي على الورق بيأس و وجع لأنه لا يملك سوى هذه القلم و هذه الورقة، صديقيه المخلصين...عضوي جيشه الوحيد أمام جبروت الكبرياء...
كبريائي ديكتاتور مستبد يا مالك، يجيد استغلال نزيف قلبي المحب و روحي المشتاقة في الخفاء ليصبح أكثر قوة في العلن...
أتدري ما الذي قاله لي والدي؟ لقد اقترح علي أن أنشر كتاباتي، فرفضت متحججة بأنني هاوية...نفس الحجة التي أخبرت بها جمال -صديقي الكاتب- عندما قرأ أحد نصوصي و أخبرني أنني أملك أسلوبا يستحق أن يرى الضوء...
لا يعرفون أنني فكرت في الموضوع حقا...لا يعلمون أنني طرحت على نفسي هذا السؤال مائة مرة: "لم لا أكتب رواية و أنشرها؟" فيستهزئ عقلي بسؤالي و يجيبني: "ماذا ستنشرين بحق الله؟ أنت تكتبين فقط عنه و كأنه هو مركز الكون...و كأنك اكتسبت موهبتك في الكتابة عندما أحببته، لن يكون العالم سعيدا بقراءة قصة فتاة جبانة تخفي حبها أمام حاجز كبريائها، و أنها تقضي الليالي تناجيه بكتابتها و كأنه سيسمع نجواها و سيهرع إليها ليجثو على ركبتيه معترفا إليها بحب لا يملكه أبدا".
فأقر أن عقلي على حق...أنني لا أملك زادا سوى حبه، و عينيه و ابتسامته و اسمه...لا أملك سوى قصة حبي الميؤوسة منها معه، فهل سيكون العالم سعيدا بقراءة قصة كهذه؟
ربما سيقرأها البعض بدافع الفضول لينتهي بهم الأمر مشفقين علي...ستقرأها الفتيات الحالمات ليتكسر حلمهن عندما يعرفن أنهن عاشوا كذبة كبيرة...أن الأمير الوسيم لا يحب دائما الأميرة و لا يتزوجها...أن الفارس المغوار لا ينقذ الحسناء من قبضة الوحش و يخبئها بقلب قصره...بل ينقذها فقط و يعيدها إلى والدها...سيقرأها والدي و بالتأكيد ستقرأها أمي، و سيعلمون السر الكبير الذي تخفيه ابنتهم...السر الذي يعلمون جزءه فقط و يجهلون عنه الكثيرين...ستقرأها أنت ربما و عندها سينهار جبروت كبريائي لأنك ستعرف ما تخفيه عيني الغامضتين كما تقول...
سيقرأها البعض، لكن الكثير لن يقرؤونها يا مالك، فهل ستغير قصة حب من طرف واحد العالم؟ هل ستوقف الحروب و الدمار المنتشر؟ هل ستطعم الجوعى؟ هل ستأوي المشردين؟ هل ستكون السبب في حصول كل عاطل عن عمل؟...
أسئلة كثيرة يا مالك و الخلاصة واحدة، قصتي هذه لا تستحق أن ترى الضوء...حبي هذا لن يرى سوى العتمة يا مالك...فحتى الأوديسة ملحمة الحب و الحرب التي تضم 12110 سطرا لم تضف شيئا إلى العالم...لكن على الأقل كانت نهايتها سعيدة فأوديسيوس أو كما يسميه البعض أوليسيس عاد إلى دياره و زوجته الوفية و ابنه بعد أن نجى من غضب إله البحر -كما جاء في الأسطورة- و حارب جميع المخاطر التي واجهته...أما حكايتي أنا فيبدو أنها لن تصادف السعادة أبدا..."

قامت قمر من مكانها لتطفئ الشموع من حولها قبل أن تجه ناحية سريرها و ترتمي عليه ملتقطة هاتفها...فتحت حسابها على "الفايسبوك" دون أن تجد الرغبة في الإجابة على الرسائل المتراكمة، بل ضغطت على خانة البحث لتكتب اسمه ببطء و كأنها تريد أن تشعر بحرارة كل حرف منه على أصابعها...فتحت ألبوم الصور و بدأت تتجول بهدوء فيه...تتوقف أمام كل صورة طويلا، تدرس ملامحه فيها...تحلل عينيه و ابتسامته...تنظر ببرود للأشخاص الذين شاركوه بعض الصور: أقرباء و زملاء و أصدقاء أوفياء تعرفهم حق المعرفة...وصلت إلى إحدى الصور فتوقفت باندهاش تنظر إليها و قلبها يخفق بعنف...لقد كانت صورة قديمة لهما التقطت قبل سنتين و نصف، صورة كانت في حسابه القديم قبل أن يحذفها بعد شجارهما الكبير بعد أشهر من التقاطهما لتلك الصورة فتقوم بحظره متمنية لو كان القلب يملك القدرة عن حظر بعض الناس لحظرته من حياتها إلى الأبد حتى لا تتألم...
لماذا نشر هذه الصورة في حسابه الجديد إذن؟ انزلقت عيناها تقرأ ما كتبه بالفرنسية تحت الصورة، كانت إحدى المقولات المشهورة حول الصداقة...ابتسمت بحزن و أرادت أن تغادر الصفحة ليثير انتباهها تاريخ وضعه للصورة، لقد كان يوم عيد ميلادها السابق...خفق قلبها بعنف لتتساءل في سرها: "أتراها صدفة، أم فعل ذلك متعمدا و كأنه يشعر أنني سأراها ذات يوم؟"....

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:52 PM

بعد ساعات:

ليست المرة الأولى التي تهاجمها فيها الذكريات فلا تستطيع النوم.
قفزت من فراشها لتغادر غرفتها بهدوء و تنزل إلى الطابق السفلي و تدلف إلى المطبخ لتحضر مغلي البابونج...صبت الشراب في الكأس و أضافت إليه ملعقة من العسل ليجفلها صوت والدها من خلفها: "هل حضرت ما فيه الكفاية حتى أشاركك فيه؟"
أومأت برأسها ثم قالت: "ألم تنم بعد يا أبي؟"
سحب كرسي مائدة الطعام ليجلس عليه ثم قال: "أردت أن أنهي بعد الأمور المتعلقة بالعمل فأكثرت من شرب القهوة، لذا لم أستطع النوم".
وضعت الفنجان أمام والدها ثم جلست بجواره ترتشف من كوبها فقال والدها بهدوء: "ما الذي يمنع صغيرتي من النوم؟"
زفرت بعمق قبل أن تقول: "كنت أفكر..."
بثرت جملتها فرأته ينظر إليها باهتمام لتتابع: "كنت أفكر هل يمكنني أن أكتب عملا روائيا و أنشره".
أومأ والدها برأسه ثم قال: "جيد جدا، لكن الكتابة ستظل شيئا ثانويا في حياتك قمر، دراستك الأهم...لديك محاضرات غدا صباحا لذا عليك النهوض باكرا".
أومأت برأسها ثم قالت و هي تشير إلى كأسها: "لقد نفعني المشروب جدا، أظنني سأصعد لغرفتي و أنام".
نظر والدها إليها بتمعن و كأنه لم يصدقها، لكنه قال بهدوء: "حسنا إذن، تصبحين على خير".
صعدت إلى غرفتها و استلقت على السرير بعد أن أخذت هاتفها من فوق المنضدة المجاورة، ظلت تتجول بشرود في الصفحة الخاصة بآخر الأخبار على الفايسبوك لتثير انتباهها صورة أضافها شادي قبل ساعتين برفقة ثلاث شبان و كان ابراهيم واحدا منهم...خفق قلبها بعنف فضغطت على حساب ابراهيم لتقرأ معلوماته...زفرت بحدة قبل أن تهمس: "إنه أكبر من شادي بسنوات كثيرة، فما الذي يفعله معه؟"
فتح باب غرفتها فاستطاعت لمح والدها رغم الظلام، شغل الإنارة، فأغلقت الهاتف ووضعته على المنضدة ليقول بتأنيب: "ذلك الهاتف هو من يسبب لكم السهاد".
قالت قمر بهدوء: "لقد أردت أن أرى هل يوجد جديد قبل أن أخلد إلى النوم...ألم ينفعك البابونج الخاص بي، أنني سأجدك نائما صباح اليوم في المطبخ".
ابتسم والدها قبل أن يقول: "بل نفعني جدا، جئت فقط لأخبرك أنني سأسافر أنا و والدتك يوم غد لحضور خطبة ماجدة و لن نعود حتى مساء الأحد...سيكون السائق تحت خدمتك ليقلك لأي مكان تحبينه".
زمت شفتيها و قالت بغيظ: "ليس عدلا أن تذهبا بدوني، أريد مرافقتكما".
قال والدها بجدية: "لديك محاضرات غدا، كما أنك تكرهين حضور حفلات الخطبة و الزفاف".
-"أكره حضور حفلات أبناء أصدقائك و معارفك، أما ماجدة فهي حبيبتي و بمثابة أختي...لا يمكنني أن أغيب عن حفل خطبتها...محاضراتي ستنتهي منتصف اليوم، سأعود إلى المنزل بسرعة و آخذ ما أحتاج و ألحق بكما، بالتأكيد لن يقام حفل الخطبة حتى المساء".
أومأ والدها برأسه ثم قال: "حسنا إذن، سأطلب من السائق أن يأتي و يأخذك من الجامعة و لا أريد اعتراضا".
أومأت باستسلام، رغم أن مخططاتها ليوم غد بعيدة عن الجامعة، لأن عليها أن تعرف طبيعة العلاقة بين شادي و ابراهيم و شخص واحد من سيساعدها في معرفة الأمر...
أخرجها صوت والدها الهادئ من دوامة أفكارها: "هل أحكي لأميرتي قصة حتى تسطيع النوم؟"
ضحكت بصخب قبل أن تقول: "و كأنني في الخامسة من عمري يا أبي".
-"أحب أن أدللك بما أنك ابنتي الوحيدة".
حملت الكتاب الموضوع على المنضدة التي تجاور سريرها، ثم فتحته على الصفحة التي توقفت فيها لتقول له بطفولية: "سأكون سعيدة إن قرأت لي قليلا من كتابي قبل أن أنام".
أراح ظهره على إحدى الوسائد الكبيرة ليبدأ بالقراءة و هي تنصت له لتغط في نوم عميق بعد نصف ساعة...ابتسم بهدوء و هو يتذكر أنها كانت في صغرها هكذا، ما إن يقرر أن يحكي لها حكاية قبل النوم حتى تنام في أول الحكاية...وضع الكتاب في مكانه ثم دثرها بالغطاء و أغلق نافذة الغرفة، قبل أن يغادرها مغلقا الباب من خلفه...
*********************************************
صباحا:
راقبت قمر انصراف والديها قبل أن تدخل إلى المنزل موهمة الخادمة أنها ستذهب إلى الكلية، فقد حملت حقيبة ظهرها و سارت باتجاه الباب ليوقفها صوتها الهادئ: "لقد توجه السائق لشراء بعض الأشياء يا قمر...لا زال الوقت مبكرا يمكنك أن تنتظرينه".
أخذت قمر نفسا عميقا قبل أن تلتفت ناحيتها و تقول بابتسامة: "أريد أن أشتري بضعة أشياء من المكتبة المجاورة للكلية قبل محاضراتي... سأذهب بسيارة أجرة، أتمنى أن تذكريه فقط بأنني سأنهي محاضراتي منتصف اليوم"...
غادرت قمر مشيرة لأول سيارة أجرة مرت بالقرب منها، جلست في المقعد الخلفي ثم أخبرت السائق بوجهتها...توقفت السيارة بعد نصف ساعة أمام مبنى ضخم يخص إحدى الشركات المعروفة و الخاصة بالصناعات الغذائية، نقدت السائق ثم قالت له: "أيمكنك أن تنتظرني هنا قليلا؟"
أومأ السائق برأسه، فترجلت من السيارة و سارت بهدوء لتومئ لرجل الأمن الذي كان يتحدث مع أحدهم، لكنه أوقفها بندائه، التفتت ناحيته فقال بعد أن وصل إليها: "آنسة قمر والدك غير موجود هنا".
أومأت قمر برأسها ثم قالت: "أعرف أنه غير متواجد فاليوم يصادف نهاية الأسبوع، لكنني جئت لرؤية مدير مكتبه، فعلى حد علمي يأتي صباح كل سبت ليكمل أعماله".
أومأ الموظف برأسه ثم قال: "أجل السيد سليم هنا كعادته، ستجدينه في مكتبه يا آنسة".
شكرت الحارس و استقلت المصعد إلى الطابق العاشر حيث يقع مكاتب أفراد مجلس الإدارة...سارت بهدوء في الرواق الخالي ناحية مكتب والدها، لكنها توقفت أمام المكتب المجاور له و طرقت بابه الزجاجي قبل أن تفتحه و تهمس بمرح: "أيسمح لي ابن الخال بمقاطعته عن عمله الذي لا يمل منه؟"
رفع سليم عينيه ناحيتها ليقوم من مكانه مرحبا بها، جلست أمام مكتبه و أجابت بهدوء عن أسئلته قبل أن تقول:" لقد جئتك في أمر خاص أريد منك أن تتكلف به، لكن لا تخبر والدي به".
أومأ سليم برأسه و هو يقول: "يبدو أنني سألعب دور القريب المقرب...هذا جيد جدا".
-"لطالما اعتبرناك قريبا مقربا من العائلة يا سليم، والدك ليس مجرد قريب بعيد لوالدتي، إنها تعتبره أخاها الذي لم تنجبه والدتها و أنا أعتبره خالي...لذا أناديك يا ابن خالي...المهم أريد معلومات حول شخص ما".
قال سليم باستنكار: "من هذا الشخص؟"
وضعت هاتفها أمامه لينظر إلى صورة ذلك الشاب، كان في منتصف أو أواخر العشرينات كما خمن...قالت موضحة: "إنه يريد الارتباط بصديقتي المقربة و لم يتوقف عن التحدث مع جميع أصدقائها حتى يقنعوها بالأمر، و هي تود معرفة كل شيء عنه قبل أن تخبر أهلها عنه".
أومأ بتفهم ثم قال بهدوء: "اعتمدي علي...سأتصل بك عندما أعرف شيئا، لكن أولا أتعرفين شيئا عنه أنت؟ مكان دراسته أو عمله؟"
التقطت قمر قلما وورقة صغيرة من مكتبه ثم قالت: "لا أعرف شيئا غير اسم حسابه على الفايسبوك، و رقم لوحة سيارته رغم أنني لست متأكدة إن كانت السيارة ملكا له، عموما أظن أنك ستستطيع التصرف".
حرك رأسه إيجابا، فلوحت له قبل أن تنصرف من مكتبه ثم من الشركة بأكملها لتستقل سيارة الأجرة التي كانت تنتظرها و تقول للسائق بهدوء: "إلى كلية العلوم من فضلك"...
*********************************************
في نفس الوقت تقريبا:
غادرت تماضر البناية التي تعيش فيها و على وجهها أمارات السخط بسبب شجار صباحي جديد بينها و بين والدها انتهى بها تغادر البيت دون أن تتناول إفطارها...سارت بهدوء ناحية محطة الحافلات التي لا تبعد الكثير عن المنزل ووقفت هناك تنتظر الحافلة برفقة طلبة و عاملين...توقفت إحدى الحافلات لينزل جزء من ركابها فظلت تحدق بهم بشرود قبل أن تتعلق عينيها بوجه شاب في مثل عمرها فيخفق ذاك الذي كانت تظن أنه مات منذ سنوات فور أن رآه...تابعته بنظراتها لتلمحه يبتعد في الاتجاه الذي أتت منه قبل قليل فلم تمنع نفسها من اللحاق به أثناء سيره الهادئ...كانت تحافظ على مسافة بينهما حتى لا يراها لكنها لم تلمح صخرة متوسطة الحجم كانت في طريقها فتعثرت بها لتسقط على الأرض...التفت الشاب بعد أن سمع تأوهها فسار ناحيتها ليقول بقلق: "هل أنت بخير يا آنسة؟"
رفعت عينيها لتلتقي بعينيه الحبيبتين ثم قالت بصوت أجش: "شادي".
نظر إليها بحيرة قبل أن تتسع عينيه تعجبا و يهمس باسمها بصوت متسائل: "تماضر؟"...
*********************************************
غادرت قمر الكلية بعد أن ألغيت آخر محاضرة بسبب ندوة يؤطرها أستاذ المادة ثم سارت برفقة صديقتها ندى و هي شاردة الذهن...مر أمامهما شاب يدرس معهما في نفس المجموعة فتنهدت ندى و قالت لقمر: "أنظري، إنه صاحب القميص الأزرق".
رفعت قمر عينيها إلى الشاب في نفس الوقت الذي التفت ليضبطهما متلبستين بجريمة النظر إليه فيهدي لندى ابتسامة عذبة قبل أن يستدير مجددا و يتابع طريقه...التفتت ندى ناحية صديقتها و قالت بعدم تصديق: "لقد ابتسم لي يا قمر، إذن فهو يعرفني...لقد أخبرتك أنه لا يكف عن النظر إلي عندما نتواجد في المدرج، و أنت قلت أنني أبالغ".
أرادت قمر أن تستفزها فقالت بنبرة متهكمة: "هل أخبرك أنه يبتسم لك؟ ربما يبتسم لفتاة من خلفنا، أو يبتسم لنا معا لأننا زملاء في نفس المجموعة...لم يخصك وحدك بتلك الابتسامة".
هتفت ندى بحنق: "أنت غيورة يا قمر، لقد كنت ترين كل شيء...تلك الابتسامة موجهة لي وحدي".
ضحكت قمر بمرح ثم قالت: "فضحتنا يا فتاة، لقد ابتسم لك هل ارتحت؟"
أومأت برأسها بطفولية لا تناسب عمرها، فارتسمت ابتسامة باهتة على شفتي قمر و فكرت في سرها :"أ سيأتي يوم أرى فيه ابتسامتك التي تزلزل قلبي يا مالك؟"
-"إذن، هل سأرافقك إلى مركز التسوق حتى تشتري فستانا لترتديه في خطبة قريبتك؟"
أومأت قمر برأسها و أشارت لسيارة أجرة...كانت ندى لازالت غارقة في نشوى ابتسامة صاحب القميص الأزرق...كانت الفتاتان قد أطلقتا عليه هذا اللقب لأنهما لم يسبق لهما أن رأتاه بلون غير الأزرق...كان هذا اللقب يذكرها باللقب الذي كانت تطلقه على مالك أمام صديقتها تماضر أيام دراستهما معا في الثانوية فقد كان هو أيضا يدرس هناك، و عندما التقته قمر صدفة ذات مرة ادعت أمام صديقتها أنها لا تعرف شيئا عنه، فكانتا تناديانه بصاحب السترة الزرقاء، إذ كان يحب ارتداء سترة جلدية زرقاء غامقة، كما أنها كانت السبب في لقائهما الثالث...
أغمضت قمر عينيها و شرد عقلها بعيدا متذكرا تفاصيل ذلك اللقاء...
*********************************************
قبل ثلاث سنوات:
دلفت قمر إلى القسم الخالي تسند صديقتها المتعبة و قبل جلوسهما على طاولتهما قالت تماضر: "ألا يمكن أن تتخلي عن الجلوس أمام مكتب الأستاذة، تعرفين أولا أنني أكرهها و ثانيا أنا متعبة و لا أريد أن يزداد ألم رأسي بسبب هذرها الذي لا ينتهي".
بدون أن تنبس بكلمة كانت تتجه لأحد الطاولات الخلفية، فلمحت بعد جلوسهما سترة جلدية شبابية زرقاء اللون، حملتها ثم قالت لصديقتها: "يبدو أن أحدا نسي سترته هنا، سأذهب لأضعها في مكتب الحراسة العامة".
أومأت تماضر برأسها و عادت لتضعه على تعب فوق الطاولة، فقالت قمر بخبث و هي تنظر لبعض زملائها الذين دلفوا إلى القسم و من بينهم شادي: "ها قد أتى حبيب القلب الذي يرتدي الأسود مثل حبيبته و كأنهما في حداد".
رفعت تماضر رأسها لتنظر بتشوش إلى شادي و أصدقائه ثم قالت: "لا مزاج لي للاستماع إلى مزاحك قمر، اذهبي و لا تتأخري في العودة".
غادرت قمر القسم و أثناء نزولها الدرج لتتوجه إلى الإدارة سمعت صوتا يناديها، التفتت لتجد مالك و برفقته شاب آخر...نزل الدرج القليل الذي يفصل بينهما ليقول: "مرحبا".
قالت بدون مقدمات: "لم أتوقع أنك تدرس هنا".
أهداها ابتسامة جعلتها تترنح لكنها استعادت ثباتها...سمعته يقول: "و لا أنا... لذا سأكون شاكرا لسترتي التي نسيتها إذ إنها السبب في لقائنا".
ابتسمت ثم قالت بهدوء: "لو تأخرت قليلا لوجدتها في مكتب الحارس العام".
قال بهدوء:" حظي سعيد إذن".
ابتسمت برقة ليسألها باهتمام: "أنت في السنة الأولى؟"
أومأت برأسها و سألته قائلة: "ماذا عنك؟"
أجابها بهدوء: "سنة أولى باكالوريا، إن احتجت لأية مساعدة أنا في الخدمة...أغلبية المواد أدرسهم في القاعة الرابعة".
أومأت برأسها و همست بشكر خافت، فابتعد و هو يلوح لها لتعود إلى قسمها...
كانت كالمغيبة، جلست بجوار صديقتها دون أن تسمع لهتافها، تسمع فقط وجيب قلبها العالي حتى ظنت أن جميع من في القاعة يسمعه...بتشوش راقبت الأستاذة أثناء دخولها لتبدأ الدرس...كانت تكتب المكتوب على السبورة بدون أن تفهم ما تكتبه حقا و كأنها أمام لغة لا تعرف أبجدياتها...أجفلت و عادت إلى واقعها بعد أن ضربها من يجلس وراءها بقلمه فالتفتت ترمقه شرزا قبل أن تسمع الأستاذة تقول: "ما الذي كنت أقوله يا قمر؟"
ارتبكت و على الاحمرار وجنتيها، لكنها لم تكن جبانة فقد اعترفت بذنبها مغمغمة باعتذار خافت محاولة التركيز...انتهت حصة اللغة الفرنسية، فانصرفت الأستاذة ليدلف أستاذ الفلسفة إلى القسم بعد لحظات و يبدأ كالعادة بإلقاء الدرس على مسامعهم قبل أن ينتقل إلى الشرح...أصابها صوته الرخيم بالنعاس فمالت برأسها لتتكئ على الطاولة فهمست تماضر بهدوء: "خرجت خمس دقائق قبل حصة الفرنسية و عدت لأراك في حال غير الحال الذي كنت عليها... هل أنت بخير؟"
همست قمر بغير وعي: "لقد التقيته".
تساءلت صديقتها عن هوية الشخص الذي التقت به، فكان سؤالها هو من أعادها للواقع و جعلها تدرك أنها كادت أن تعترف بأحد أسرارها الخاصة جدا...أسبلت أهدابها قبل أن تقول بغموض: "التقيت بصاحب السترة؟"
-"حقا، أكنت تعرفينه سابقا؟"
أومأت قمر نافية، فقالت تماضر بعد لحظات من التفكير:" إذن، يبدو أنه أعجبك منذ أول لقاء".
نفت الأمر بسرعة، فقالت تماضر بهدوء: "حبيبتي، لقد أصبحت منذ عودتك من خارج الفصل و كأنك انفصلت عن العالم الحقيقي...عالم خاص بك و يشاركك فيه صاحب السترة الزرقاء".
لتتابع برقة: "أريد أن أرى من سرق قلب صديقتي المحمي خلف أسوارها العالية".
زفرت قمر بحنق ثم حملت قلمها لتتابع الكتابة دون أن تجيبها و دون أن تستطيع التخلص من الاحمرار الذي يغزو وجنتيها و الابتسامة التي تداعب شفتيها في كل مرة تتذكر فيها حديثهما القصير...
*********************************************
-"قمر هل أنت بخير؟"
نظرت إلى وجه ندى بجمود قبل أن تومئ برأسها لتدرك أن سيارة الأجرة قد توقفت أمام وجهتهما...نقدت السائق ثم ترجلتا منها لتدلف إلى قلب المركز التجاري...لحظات قليلة قبل أن تجد قمر نفسها مندفعة باختيار الفساتين التي أعجبتها حتى تقيسها...
لم تمنع ندى نفسها من مشاركة صديقتها، فقامت باختيار ما أحبته لتقيسه هي أيضا رغم أنها لن تشتري شيئا...كانت قمر قد غادرت غرفة القياس بعد أن ارتدت فستانا خلابا يحمل تدرجات اللون الأزرق...غادرت ندى غرفة القياس بعد أن ارتدت فستانا قصيرا أسود اللون ثم قالت و هي تنظر إلى هيئتهما معا في المرآة: "تبدين كأميرة بهذا الفستان و أنا أبدو كالساحرة الغاوية بهذا الفستان..."
ضحكت قمر بصخب قبل أن تقول: "أنت تبالغين ندى، لقد لاق بك الفستان كثيرا".
دارت ندى حول نفسها ثم توقفت لتقول: "لو كانت الحفلة التي ستحضرينها لقريبة من الدرجة الأولى لم أكن لأتردد في الذهاب معك".
همست قمر بجدية: "و ما الذي يمنعك من مرافقتي؟ ستكون عائلة العروس أكثر من مرحبة بك".
ابتسمت ندى ثم قالت :"كنت سأقبل دعوتك هذه لو كان الحفل هنا بالعاصمة...من المحتمل أن تزورني والدتي يوم غد لذا علي أن أظل في المنزل".
أومأت قمر بتفهم ثم قالت: "إذن هل هذا الفستان مناسب لي؟"
-"تبدين خلابة حبيبتي، و كأنه صمم من أجلك...لكن أظن أن سعره مرتفع... دعيني أرى".
قرأت ندى بطاقة السعر فشهقت بصدمة و هي تخبر قمر بثمن الفستان، فقالت هذه الأخيرة بهدوء: "لقد رأيت ثمنه قبل أن أقيسه...لا تقلقي، لقد كان والدي كريما ليترك لي بطاقته المصرفية حتى أشتري بها ما أريد".
همست ندى بشرود: "والدك يحبك جدا".
ابتسمت قمر ثم قالت: "جميع الآباء يحبون أبناءهم و يسعون لتحقيق مطالبهم عزيزتي".
ابتعدت قمر ناحية غرفة القياس دون أن تسمع رد صديقتها الغاضب: "ليس جميعهم يا قمر...لا يحظى جميع الأبناء بملعقة حب أباءهم بين أفواههم"...
كانت قمر تعرف أن والدي ندى منفصلين منذ أن كانت والدتها تحملها بين أحشائها...كانت قد أخبرتها بذلك منذ أول حديث لهما على "الفايسبوك" بعد أن التقيا أيام التسجيل في الموسم الجامعي صيفا فتبادلتا أرقام الهواتف و أسماء الحسابات الشخصية....لقد حزنت قمر على حالها، و لم تتجرأ أن تسألها إن كانت تلتقي بوالدها أم لا...لكن بعد أشهر صداقتهما هذه استنتجت قمر أن ندى لا ترى والدها، فلم تذكره لها يوما... دائما ما تتحدث عن أمها و عن خالها الذي يهتم بكل صغيرة و كبيرة تخصها...
توجهت حتى تدفع الحساب و حمدت الله أن صديقتها لازالت في غرفة القياس فلا تريد أن تتعرض لإحدى نوبات فضولها كأن تقوم بالنظر إلى البطاقة البنكية فتكتشف عند قراءتها للاسم المدون عليها أنها كانت كاذبة...فالبطاقة لا تحمل اسم والدها، بل اسمها هي...و هي لا تريد أن تظهر أمام صديقتها على أنها الفتاة الغنية...
لم تكن يوما تهتم بالماديات و تتباهى بها أمام الناس...و حتى والديها لم يكونا من هذا النوع إذ استثنت منزلهم الفاخر المصمم خارجيا و داخليا ليبهر الناس، و سيارتي والديها و السيارة الرياضية الحمراء التي اشتراها لها والدها كهدية لنجاحها في الثانوية بمعدل جيد لكنها تصر على عدم استخدامها، و المزرعة الكبيرة التي تقع خارج المدينة و التي يقضون فيها معظم أيام عطلهم و غيرها من الأشياء التي ربما هي تراها مبالغة فيها قليلا لكن والدها يقول دائما أن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عباده...و أن كثيرا من الأشخاص لا يملكون نصف ما تملكه عائلتها يبالغون بأشياء عديدة كارتداء أفخر الملابس و شراء أحدث السيارات و ارتياد أغلى المطاعم فقط ليظهروا للناس أنهم أغنياء...
هي تدرك ذلك جيدا، حتى أنها قابلت فتاة من هذه الفئة و كانت في وقت ما صديقتها قبل أن تطعنها بغدرها، فتقر قمر أن بعض الناس مهما تأنقوا أو درسوا في مؤسسات خاصة بالنخبة أو خالطوا أفرادهم لا يمكنهم التخلي عن ذلك القبح و الحقد المنتشر في قلوبهم...لا يعني هذا أن الأغنياء مثاليون، فلا يوجد شخص مثالي على سطح هذا الكوكب...الجميع يخطئ في كثير من الأشياء، الكثيرون يخونون لمختلف الأسباب لكن أخطرها من يخونك فقط لأنك ملكت شيئا لم تملكه أنت: سواء أكان مالا أو جمالا أو صحة أو تعليما عاليا...
توقفت أفكارها بعد أن ظهرت ندى أخيرا، فابتسمت قمر للموظفة الشابة التي لوحت لها بأدب...ابتعدت الفتاتان لتستقلا المصعد فقالت قمر بعتاب: "أين تأخرت كل هذا الوقت؟"
ابتسمت ندى و قالت بمرح: "لم أشتري شيئا لكنني لم أمنع نفسي من التقاط صور لي بعد أن ارتديت جميع الفساتين التي أعجبتني...أخلد الذكريات معها".
ضحكت قمر عاليا ثم قالت: "ذكرتني بأمر مجنون قمت به أنا و صديقتي العام الماضي في إحدى محلات الملابس المعروفة حتى كدنا أن نطرد منها".
-"سأكون سعيدة إن أخبرتني بالقصة".
ابتسمت قمر ثم قالت: "ربما في وقت ما...الآن علي أن أتصل بالعم صلاح لأنه وعدني بأنه سيقلني من الكلية منتصف اليوم و لا أريده أن يذهب إلى هناك و لا يجدني".
غمغمت ندى باهتمام: "أهو قريبك؟"
أومأت برأسها و هي تستغفر ربها على كذبها، اتصلت به و أخبرته بمكانها ليأتي بعد دقائق...قالت قمر: "سنوصلك في طريقنا و لا أريد اعتراضا".
هتفت ندى: "لكن..."
قاطعتها قائلة: "سأجلس معك في المقعد الخلفي حتى لا تقلقي".
أومأت ندى برأسها ثم صعدتا إلى السيارة لتخبر السائق بمكان إقامة ندى بأحد الأحياء المجاورة للكلية...عرف صلاح من مناداة قمر له بعمي و من رؤيته لهذه الفتاة التي لا يعرفها أن قمر تخفي عنها بأنه سائقها الشخصي فاسترسل يسأل بأدب عن دراسة الفتاتان...عندما توقفت السيارة أمام مدخل الحي شكرته ندى لتميل ناحية قمر و تهمس: "انزلي أنت أيضا و اجلسي على المقعد الأمامي، حتى لا يبدو عمك و كأنه سائقك الشخصي".
أومأت قمر برأسها ثم ترجلت من السيارة لتجلس بالأمام، كانت ندى قد انصرفت في اتجاه المبنى حيث تقطن مع فتيات أخريات، فقال صلاح بهدوء:" يمكنك العودة إلى الخلف آنسة قمر".
قالت قمر بهدوء: "لا عليك سيد صلاح، الأمر ليس مهما".
انطلق في اتجاه المنزل، فتعلقت نظرات قمر بالنافذة، قال السائق بهدوء مبددا الصمت: "لقد أخبرني والدك بأنني سأقلك إلى مدينة (****) لحضور مناسبة عائلية، ما هو الوقت التي تحبين أن ننطلق؟"
قالت بهدوء: "بعد وجبة الغذاء بإذن الله".
رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة جديدة لم تدري حتى لما حملته لتنظر ممن رغم أنها تتوقع أنها من شركة الاتصالات فمن غيرها يرسل لها الرسائل في وجود مواقع التواصل، لكن ظنها قد خاب عندما وجدتها رسالة من تماضر، لتقرأ الجملة البسيطة المكونة من خمس كلمات بدت لها كقنبلة خبر موقوتة جعلت آلاف الأسئلة تنفجر في عقلها: "لقد قابلت شادي هذا الصباح"...
********************************************

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:56 PM

قبل ساعات:

لقد قابلتْ شادي هذا الصباح...و لا تزال لا تصدق أنها قابلته...أن عينيها الزيتونيتان عانقتا عينيه السوداوين كسواد سماء ليلة صيفية...أنه همس باسمها بحيرة و اندهاش جعل قلبها يهوي أرضا عندما فكرت أنه لم يتذكرها، ليعانق سحب السماء عندما قال لها أنه لم يعرفها لأنها تغيرت كثيرا عما كانت عليه قبل ثلاث سنوات...
لقد قابلت شادي هذا الصباح و كلما همست الجملة لقلبها و كأنها تريد أن تخبره أن اللقاء لم يكن حلما تتذكر الدقائق القليلة التي كان أمامها و ما حدث فيها بأدق التفاصيل...ابتداءً بتعثرها و التفاته ناحيتها و انتهاءً بأخذه لهاتفها الذي كانت تحمله ليدون رقمه عليه مصرا أنها ستظل زميلة قديمة له و أن رغم ما حدث بينهما ستظل غالية على قلبه و أنه لم يسامح نفسه قط على ما فعله بها بسبب طيشه و غروره...
لقد كان لقاءهما كسحابة وردية لفتها، جعلتها تترنح بسعادة و تظل واقفة كالبلهاء بعد انصرافه ناحية المدرسة التي يدرس بها -و التي تقع قرب منزل عائلتها- حتى تفاجأت بمرور والدها بسيارته أمامها ليسألها بفظاظة عن سبب وقوفها الأخرق فأخبرته بهدوء أن الحافلة قد تأخرت و أنها كانت عائدة إلى البيت حتى تطلب منه أن يقلها...أشار لها حتى تصعد و ما إن انطلق حتى تحررت ذكريات أول لقاء لها مع شادي قبل ثلاث سنوات...
*********************************************
قبل ثلاث سنوات:
ترجلت من سيارة والدها بعد أن ودعته ثم سارت ناحية باب الثانوية الكبير لتقف أمامه...التفتت لتجد والدها لازال يراقبها من نافذة سيارته، فأومأ لها برأسه مشجعا فأخذت نفسا عميقا لتخطو خطوتها الأولى بقلب عالمها الجديد، بقلب الثانوية التي لطالما حلمت بارتيادها فكان شرط والدها ليحقق مطلبها بأن تحصل على نقطة عالية في آخر سنة لها بالإعدادية، فدرست بجد لتحصل على أول معدل في مدرستها، فوفى والدها بوعده و سجلها هنا رغم الصعوبات التي واجهته فلم تكن تدرس في مدرسة دولية في السابق، لكن يبدو أن سمعة مدرستها الجيدة و معدلها العالي قد كانا سببا في تحقيق حلمها بارتياد ثانوية أحلامها التي لا يدرس فيها سوى أبناء الطبقة الثرية...
لا يعني هذا أنها من عائلة بسيطة، فعائلتها ميسورة الحال...والدها يعمل أستاذا جامعيا ووالدتها محاسبة في إحدى الشركات الضخمة، لكن رغم ذلك كان رفض والدها قاطعا بأن تدرس في مدرسة لا يدرس تلاميذها اللغة العربية حتى آخر سنة من السلك الابتدائي فقط من أجل الامتحان الإشهادي، فقد رأى بأم عينيه ابنة أخيه التي كانت تدرس هناك و لم تكن تستطيع تكوين جملة وحيدة مفيدة باللغة العربية، لذا كان يعتبر هذه المدارس أنشئوا فقط لتخريب الثقافة العربية بجعل الثقافة الأجنبية هي السائدة بقلبها، فاختار لكلتا ابنتيه الدراسة في مدرسة خصوصية لها وزنها أيضا في المدينة كما يطبق فيها نظام التعليم العادي...لكنها الآن في الثانوية، و من حقها أن تحقق حلمها بالدراسة هنا، فالأمر سيفيدها كثيرا في دراستها الجامعية خصوصا أنها تطمح بالدراسة خارج البلاد...مررت أنظارها على التلاميذ المنتشرين في الساحة و خصوصا على الفتيات التي كن يرتدين تنانير قصيرة و يسدلن شعورهن الناعمة فتتراقص خصلاتها برقة كلما حركت إحداهن رأسها، فأشفقت على هيئتها بسروال الجينز الواسع رغم أناقته و على قميصها وردي اللون و شعرها الأشقر الأجعد التي جدلته لها والدتها بعد أن رفضت طلبها بأن تذهب ليلة أمس إلى مركز التجميل حتى تصففه مغمغمة أنها ستذهب إلى الثانوية لا إلى عرس...
توجهت بإحباط إلى الجناح الخاص بدراسة علوم الحياة و الأرض و علوم الفيزياء حيث حصتها الأولى...
دخلت إلى القسم الذي يبدو كالمختبر لتتخذ مقعدا في الخلف بعد أن شعرت و كأنها فضائي يرى بشرا لأول مرة في حياته...
كانت تراقب الدالفين إلى القاعة بصمت، لتتسع ابتسامتها فور أن تعلقت عينيها بفتاة ترتدي سروالا من الجينز و قميصا بسيطا...شعرها الأسود مرفوع بعفوية كملابسها، كانت تريد أن تناديها حتى تشاركها الطاولة لكنها لمحتها تجلس في المقدمة لتخرج كتابها من حقيبتها و تبدأ بقراءته غير مهتمة بمن حولها...هتفت في سرها: "لا بد أنها نابغة القسم".
-"مرحبا".
التفتت لتجد أمامها شاب متوسط القامة، شعره الأشقر فوضوي و عيناه الخضراوين تظهران شقاوة محببة و كأنه لم يغادر مرحلة الطفولة ...ردت عليه التحية فقال بمرح و هو يمد يده ناحيتها: "أنا أكرم، و أنت؟".
قالت بتردد: "تماضر".
تمتم و ابتسامة شقية ترتسم على شفتيه: "اسمك جميل يا تماضر".
غمغمت بشكر، فسألها إن كان المقعد بجوارها شاغرا و قبل أن تجيبه سمعت صوت فتاة يهتف من خلفهما: "لقد أصبحت طريقتك هذه في اجتذاب الفتيات قديمة جدا يا أكرم".
التفتتا معا ليقول بملل: "هل من الضروري أن يجعلوني في نفس القسم مع نبع الكآبة كل سنة...حقا، لقد كانت السنتين التي درستهما حيث تعيش جدتك من أسعد سنوات حياتي".
بدون أن تجيبه الفتاة كانت تجلس على المقعد الذي كان يسأل إن كان شاعرا؟ صاح باستنكار و هو يخبرها أنه من أتى أولا ليجلس عليه فقالت بنية الشعر ببرود: "لا داعي لأن أذكرك بما فعله بك والدك العام الماضي أمامنا عندما دلف إلى القسم ووجد جالسا بآخر طاولة في الصف".
قال أكرم باستفزاز :"و لا داعي لأذكرك أن والدي مدير الإعدادية التي درسنا فيها و ليس مديرا لهذه الثانوية".
هزت قمر كتفيها و قالت: "و لا داعي لأذكرك أن السيد المدير الحالي صديق والدك، كما أن مدرستنا القديمة مجاورة لثانويتنا و الأخبار تصل بسرعة".
ابتسمت تماضر بإعجاب للفتاة التي جعلت وجه أكرم يحتقن بحمرة الغضب قبل أن يبتعد عنهما ليجلس بجوار النابغة، ليخرجها صوت قمر من تأملها له: "لا تحتكي بأكرم كثيرا حتى لا تتأذي يا تماضر...لا تغرنك ملامحه الصبيانية لأن ما يدور داخل عقله مختلف تماما".
غمغمت تماضر باستغراب: "ما قصدك؟"
أحابتها قمر بهدوء: "ثقي بي فقط، و ستعرفين قصدي مع مرور الأيام".
أومأت تماضر برأسها لتسألها هذه المرة: "كيف عرفت اسمي؟"
-"سمعتكما أثناء تعارفكما...بالمناسبة اسمي قمر".
قالت تماضر بهدوء: "تشرفنا"...ثم صمتت كلتاهما عن الكلام بعد أن دخلت الأستاذة لتبدأ الدرس منذ أول حصة، لم تخصص حتى وقتا للتعارف كما جرت العادة كل ما فعلته أنها مدت لأول تلميذة ورقة لتكتب معلومات حولها و تمرر الورقة ليمرر كل واحد الورقة بالدور إلى صديقه...
فتح باب القسم فجأة ليلتفت الجميع إلى القادم الجديد، لتهتف الأستاذة: "كم الساعة الآن يا هذا؟"
قال بهدوء و هو يدلف إلى القسم ببساطة مغلقا الباب من خلفه: "آسف أستاذتي، لقد كان لدي موعد عند طبيب الأسنان".
أعطاها ورقة طبية، فقالت بعد أن طالعتها: "هذا لا يخول لك أن تقتحم درسي منتصف الحصة دون أن تطرق الباب حتى".
لم يهتم الولد لما تقوله، بل جلس على الكرسي الشاغر بجوارهما واضعا حقيبة جيتاره على الأرض، همست قمر بنبرة خافتة ساخرة: "كالعادة، العادات القديمة لا تموت أبدا يا شادي".
قال شادي ببرود: "لا يعني أنني جلست بجوارك أنني أريد أن أفتح معك حديثا اجتماعيا يا قمر".
لتجيبه قمر باستفزاز: "و كأنني أنا مولعة بحديثنا هذا".
أخرج دفاتره من حقيبته و هو يقول بتهكم: "إذن ابتلعي لسانك".
غمغمت قمر بكبرياء: "لم يخلق بعد من يأمر قمر بن سودة".
أرادت تماضر تلطيف الجو المشحون بينهما فقالت بابتسامة: "هل تعزف الجيتار؟"
انتبه أخيرا إلى الفتاة التي تشاركهما طاولة المختبر الطويلة، فقال بهدوء بعد أن قيمها بنظراته المتفحصة: "أجل".
ثم تابع بازدراء و هو ينقل نظراته بينها و بين قمر: "يبدو أنك جديدة، نصيحة مني لا تصادقي هذه الآنسة، فلا نريد مزيدا من النسخ الكئيبة في قسمنا".
اكتفت قمر بابتسامة ساخرة، في نفس الوقت الذي رمقته تماضر بنظرة مؤنبة و قبل أن تدافع عن صديقتها الجميلة قالت لها قمر بهدوء أثار إعجابها: "لا تبالي بما قال، فلن يلتصق لغوه الفارغ على جبيني...إنه يؤدي به نفسه فقط".
زفر شادي بصوت مسموع و هو ينظر إليها أثناء نقلها للمكتوب على شاشة العرض متسائلا في نفسه متى سينجح في استفزازها و كسر برودها الشهير، لتتعلق عيناه بالفتاة الجديدة التي فاحت منها شحنات الارتباك، فتلتمع عينيه بخبث لما يدور في عقله من أفكار...
بعد انتهاء الحصة كان شادي أول المندفعين لمغادرة القسم، في الوقت الذي كانت تلملم فيه قمر و تماضر أوراقهما...عندما أرادت تماضر الانصراف لمحت حقيبة الجيتار الخاصة بشادي، فقالت باندهاش: "انظري إنها حقيبته، سآخذها إليه".
قالت قمر بسخرية: "لا داعي ستجدينه عائدا بعد لحظات، او اعطيها لصديقه المقرب...إنه هناك".
قالتها و هي تشير لشخص ما، فقالت تماضر: "هذا لا يجوز، سآخذها له بنفسي".
هزت قمر كتفيها بمعنى أنها لا تهتم ثم وضعت يديها في جيبي بنطالها الترابي لتسير برفقتها، رفعت تماضر عينيها فجأة لتسألها: "قبل قليل قلت اسمك الكامل: قمر بن سودة أليس كذلك؟ هل أنت ابنة رجل الأعمال كمال بن سودة التي كادت تختطف قبل عشرة أيام؟"
ارتسمت الدهشة على ملامحها لتقول باستفهام: "من أخبرك بأمر اختطافي؟"
همست تماضر بحرج: "عمي عضو في أحد الأحزاب المرشحة للانتخابات التشريعية، الحزب نفسه الذي يضم الرجل الذي حاول أذيتك".
ربتت قمر على كتفها ثم قالت: "لا داعي لحرجك، لا أحد يتحمل وزر ذنوب البقية...لقد طرد الرجل من الحزب كما أخبرني والدي و تم اعتقاله بتهمة الاعتداء و محاولة الاختطاف هو و رجليه الذي وكل لهما المهمة".
تساءلت تماضر عن السر الذي يجعلها بهذه القوة فلم يهزها حدث كالذي حدث لها؟ السر الذي يجعل هالة السلام و الثقة تحيطان بها؟ رغم عدم مرور أكثر من ساعتين على تعارفهما إلا أنها أحست أن الهالة الغريبة التي تحيط بهذه الفتاة تسحبها رويدا رويدا لتكون جزءا منها....و كم تمنت أن تكون كذلك...
لمحت شادي يقف مع فتاة من صفهم، فناولته جيتاره ليشكرها ثم يدعوها لمشاركتهم الغذاء عندما يحين منتصف اليوم...التفتت إلى قمر التي كانت تقف بعيدة عنهما، لكن المسافة كانت تسمح لها بسماع ما يدور بينهما...يريد منها أن تتناول الغذاء معه و هي تريد منها المشورة...هزت قمر كتفيها بمعنى أنها لا تهتم قبل أن ترى تماضر تخرج هاتفها من جيبها و تتصل بأحدهم لتنهي الاتصال بعد دقائق و تقول لشادي بهدوء: "كنت أود مرافقتكم حقا، لكن أبي سيمر لاصطحابي حتى أتناول الغذاء في البيت".
أومأ شادي برأسه و قال لها أن السنة لازالت في بدايتها و أنها دائما مرحب بها معهم، ثم انصرف هو و الفتاة الأخرى لتتحرك قمر ناحية تماضر ثم تقول: "القاعدة الأولى: كوني دائما ملك نفسك، قومي بما تريدينه دون مشورة من أحد...حتى لا يتنمر عليك أحدهم إن رآك ضعيفة".
ثم نزلت الدرج برشاقة لتظل تماضر تحدق بها بإعجاب، قبل أن تلحق بها و هي تقول: "إنها حقا فتاة مميزة"...
*********************************************
وضع السائق حقيبتها في السيارة ثم صعد إلى مقعده منتظرا لحاقها به...ظهرت قمر بعد لحظات حاملة حقيبتها اليدوية بيدها اليسرى، أما اليمنى فكانت تحمل الهاتف...توقفت لتفتح باب المقعد الخلفي لينطلق السائق في الاتجاه المؤدي إلى خارج المدينة حيث يقع الطريق السيار...جلست قمر بارتخاء في مكانها ثم وضعت سماعات هاتفها لتتصل بتماضر...عليها أن تعرف ما الذي حصل بينها و بين شادي عند لقائهما صباح هذا اليوم...منذ أن وجدت تلك الرسالة قبل أكثر من ساعة و آلاف الأسئلة تتقافز في ذهنها، حول الطريقة التي التقيا فيها، و ما الذي حدث عند لقائهما؟ أتراها تجاهلته؟ أم هو من تجاهلها؟ أو لم يتجاهل أحدهما الآخر و قررا وضع الآلام جانبا و التحدث بشكل عادي و كأن شيئا لم يكن...أسئلة كثيرة و شكوك أكثر إذ بعد أول لقاء لصديقتها مع ذلك الابراهيم الذي لا تعرف علاقته مع شادي، ظهر شادي في الصورة أيضا...أترى الأمر مجرد صدفة أم أنه مدبر؟
أجابتها تماضر أخيرا، سمعتها تتكلم بخفوت يخالف الصخب الذي يحيط بها: "لدينا ضيوف على الغذاء يا قمر...عندما أجد وقتا مناسبا سأخبرك بما حدث في رسالة صوتية"...تفهمت قمر الأمر و أغلقت الخط لتخرج كتابها من حقيبتها و تقرأه...بعد مرور خمس و أربعين دقيقة رن هاتفها معلنا عن وصول رسالة على أحد التطبيقات، فوضعت السماعات و فتحت الرسالة ليصلها صوت صديقتها المتسارع و كأن أحدا يهرول من خلفه: "لقد رأيته في موقف الباص عند انتظاري للحافلة التي ستقلني إلى مدرستي...تفاجأت بالتغيير الذي طرأ عليه، فقد اختفت النظارة ذات الإطار الأسود و أصبح شعره الأجعد الفوضوي ناعما و مصففا في تسريحة شبابية...وجدته يبتعد في الاتجاه الذي أسلكه في طريقي إلى المنزل فلحقت به بدون أن أشعره بأنه ملاحق...لأتعثر فجأة كالغبية و يلتفت على صوت الارتطام فيراني".
وجدت قمر نفسها تضحك من أعماقها حتى سألها السائق إن كانت بخير...ضغطت على الرسالة التالية ليصلها صوت صديقتها غاضبا و كأنه يتفاعل مع الأحداث التي ترويها لها: "لم يعرفني الأحمق...لقد همست باسمه فظل ينظر إلي باستغراب قبل أن يهمس باسمي بتساؤل...فوجدت نفسي أهتف ببرود: (يبدو أنك لم تعرفني) ، ليجيبني ببساطة أنه بالفعل لم يعرفني في البداية لأنني تغيرت كثيرا...و إلى الأفضل بالتأكيد. قال لي أنني أصبحت أكثر جمالا و أنوثة مما كنت عليه في السابق".
وجدت قمر نفسها تسبه متسائلة إن كانت هذه لعبة قذرة جديدة من ألاعيبه...تماضر لم تكن موجودة طوال سنتين و لم تعلم بالتغيرات التي طرأت على شادي و جماعته عندما أصبحوا أصدقاء مقربين لأكرم...شغلت الرسالة التالية ليصلها صوت تماضر المنهك: "لن أكذب عليك قمر، لقد هزتني عبارته تلك...لقد روت قلبي المجروح بسبب ما أفعله...لقد كانت الترياق الحقيقي لها...لطالما كانت العلاقات التي عشتها طوال سنتين مجرد مسكن لذلك الألم الذي سببه لي حبه".
كانت قبضة قمر تشتد و هي تسمع هذا الكلام، و كم تمنت لو تلكم وجه شادي المستفز ووجه صديقتها حتى تعود إلى رشدها...همست تماضر تتابع بنبرة غريبة لم تستطع قمر تفسيرها: "لكن هذا لا يعني أنني ستأثر، لا يعني أنني سأنسى ما فعله بي... لا يعني أن أنسى لحظات السخرية و المحادثات المكتوبة التي كانت تشعرني بالغثيان...لا يعني أنني سأنسى الكلام الذي تداوله عني جميع زملائنا في القسم حتى صرت أنتظر متى ينتهي العام الدراسي حتى لا ألتقي بهم... حتى لا أنظر لوجوههم فأرى فيها الشفقة و السخرية".
كتبت لها قمر كجواب: "ما الذي تقصدينه من آخر تسجيل".
وصلها الجواب بعد لحظات لتكون أول ما سمعته تنهيدة عميقة لصديقتها قبل أن تقول: "لقد طلب مني فتح صفحة جديدة، كزميلين درسا مع بعضهما سابقا...لقد قال لي أن ما حدث في الماضي سيظل ماضيا و هو آسف على ردة فعله وقتها لأنه كان متهورا و مغرورا، لكنه لم يشأ أن يجرحني، لقد أخذ هاتفي من يدي و كتب رقمه و طلب مني أن أتصل به فكذبت عليه و أخبرته أنني لا أملك رصيدا للقيام بذلك، فقال لا بأس و أنه سينتظر مني رسالة أو اتصال قريبا".
بحدة كانت أصابع قمر تكتب على شاشة هاتفها: "إياك أن تفعلينها تماضر".
-"لا، لن أفعلها...أنا لست مجنونة، لقد كنت أكثر أدبا معه، إذ كان علي أن أحذف رقمه أمام عينيه حتى يعرف أنني أرفض فتح تلك "الصفحة الجديدة" التي يريدها".
سألتها قمر: "و هل عرفت ما الذي كان يفعله بجوار المكان الذي تعيشين فيه؟"
غمغمت تماضر مجيبة: "أجل عرفت...إنه يدرس في مدرسة خصوصية للأقسام التحضيرية لولوج كليات الهندسة تقع بالقرب من منزلنا"...
*********************************************
زوال اليوم الموالي:
أثناء عودتها إلى العاصمة برفقة والديها، وصلتها رسالة من ندى: "كيف كان حفل الخطوبة قمري؟"
ابتسمت قمر ثم كتبت: "جميل جدا يا ندى أيامي".
ثم تابعت في سرها بغضب: "باستثناء التقائي بزيد بالتأكيد".
كانت مفاجأتها كبيرة عند بداية الحفل أن تلمح زيد -صديق مالك المقرب- متأنقا في حلة سوداء و كأنه هو العريس، ليزداد اندهاشها أكثر عندما رآها و اقترب منها ليصافحها هي ووالديها و عندما سألته عن سبب حضوره أخبرها ببساطة أن مجد -خطيب ماجدة- أخوه الأكبر...
حسن، هي تعرف أن أخاه يعمل في دبي، كما كانت تعلم أن مجد و ماجدة قد التقيا هناك أول مرة لأنها تزور دبي باستمرار بما أنها صانعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي...لكنها لم تتوقع أبدا أن يكون خطيب حفيدة عم والدها أخا للشاب الذي يلاحقها منذ سنتين...و الذي بدا و كأنه يستغل هذا الحفل ليتعرف عليها أكثر و على والديها و كأنه يحاول أن ينال رضاهما ...لم تمنع نفسها من الاستمتاع بالحفل رغم وجوده الذي يزعجها...التصقت بقريبتها ماجدة التي تألقت في فستان لؤلؤي اللون و لم تتوقف عن المزاح معها و غمزها بشقاوة في كل مرة كان مجد يميل ليهمس شيئا في أذنها...لم تكن تعرف أن زيد كان يتابعها بنظراته وأنه كان مندهشا عندما لمح وجها آخر لها لم يسبق له أن رآه...وجه يبدو أن عائلتها فقط من لها الحق في النظر إليه...
قاطع أفكارها صوت رنين هاتفها، فتحفزت عندما رأت رقم سليم لتجيب على الاتصال بهدوء: "مرحبا".
رد التحية و سألها عن حالها و حال والديها قبل أن يقول بهدوء:" لقد حصلت على المعلومات التي تريدينها".
قالت باندهاش: "لم أتوقع أن يحدث ذلك بهذه السرعة".
-"و لا أنا...كما أنه لا يمكنني أن أخبرك عبر الهاتف بها".
قالت بهدوء: "بعد ساعة سأصل إلى العاصمة، ما رأيك أن نلتقي بعد ساعتين بجانب الكورنيش لأحصل على ما أريده".
-"حسنا إذن، سأنتظرك... إلى اللقاء".
أغلقت الخط فسألتها والدتها بهدوء: "مع من كنت تتحدثين؟"
أجابتها قمر: "مع سليم".
ارتفع حاجب والدتها ثم قالت: "سليم ما الذي يريده منك؟"
أسبلت أهدابها و قالت بغموض: "لقد استعار لي كتابا أحتاجه من المكتبة العامة بما أنه يعيش قريبا منها و سيحضره لي".
تدخل والدها في الحديث قائلا :"لماذا إذن لم تطلبين منه إحضاره لك إلى البيت بدلا من الذهاب إلى الكورنيش؟"
همست بإيجاز: "أحتاج للسير بجوار البحر".
أومأ والدها بتفهم دون أن يتدخل أكثر، فلقد اعتاد أن يمنح ابنته الحرية التامة في حياتها بما أنه يعرف أنها عاقلة و لن تتصرف بتهور... كما أنه يعرف أن سليم بمثابة أخ أكبر لها...و صمتت والدتها أيضا و كانت قمر مهتمة لصمتهما لأنها لا تحب أن تكذب كثيرا على والديها...
*********************************************
بعد ساعتين:
ترجلت من سيارة الأجرة لتجده مستندا على سيارته...تحرك في اتجاهها ليسيرا بهدوء على الشارع شبه الخالي و نظراتهما معلقة بالأفق البعيد...همست قمر بعد لحظات من الصمت: "ماذا لديك؟"
قال سليم بهدوء: "اسمه ابراهيم معقول، 24 سنة يدرس في معهد (****) تخصص تقني الصوت...و يعمل في مركز للاتصال، و مساءً في معهد يقدم دروس التقوية للتلاميذ".
غمغمت قمر بهدوء: "أهذا كل ما لديك؟"
أومأ برأسه نفيا ثم قال: "والده متوفي منذ سنتين لذا أصبح هو معيل أسرته الصغيرة المتكونة من أم و أخ و شقيقتين كما أنه..."
توقف عن الكلام لتقول قمر بنفاذ صبر: "كما أنه ماذا؟"
-"إنه ينتمي بشكل ما لعائلة مفيد التي تملك أكبر مصح في المدينة...إذ أن زهير مفيد هو خاله الوحيد...لقد كانت علاقة العائلتين منقطعة تماما منذ زواج والديه ليتجدد التواصل بينهما بعد وفاة الأب".
قالت قمر بصوت هادئ بدا و كأنه يخفي عاصفة عاتية من خلفه: "هل تتكلم عن زهير مفيد مالك مصحة الشفاء؟"
أومأ سليم برأسه ثم قال: "أجل، هو بعينه...الدكتور زهير مفيد، مالك مصحة الشفاء ووالد زميلك القديم شادي مفيد"...

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 07:58 PM

نهاية الفصل الاول
قراءة ممتعة⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩⁦❤️⁩

affx 30-07-19 08:45 PM

تماضر توقعت انها تكون اقوى من هيك مع شادي مو تكون متل الهبلة ...يعني افعالها هلأ بتدل ع وحدة جريئة وقوية بس مع شادي هبلة شكلوا شادي لعب عليها ومثل الحب وتركها ع كل حال بتمنى تتعلم من قمر وتبطل الهبل اللي بتعملوا وتبطل ملهوفة ع شادي.
قمر ليش مالك بطلع عليها بحقد وكره؟؟
قمر حتختار زيد ولا مالك ؟
حبيت شخصيتها وقوتها وثقتها بنفسها .
بس هي بتدرس بجامعة عادية ؟لحتى تصاحب ندى !
علاقة قمر واهلها خاصة ابوها كتيير حلوة حبيتهم

رنا رسلان 30-07-19 08:50 PM

#قمر المحبة والشغوفه بالقراءة والكارهه للرفاهيات وتعامل والدها معها الشديد بسبب دخوله الانتخابات لخوفه عليها من اعدائه
#تذكرها للقاء مالك الاول وحبها من طرف واحد واللي انقذها بس ايه السبب في نظراته الكارهه و ونظرتها الباردة له لتخفي مشاعرها عنه والعلاقة اللي انتهت بسبب شجار بينهم ولا يزيد صديقه ااي يلاحقها ويطلب منها ان تواعده ورفضها المستمر له
#وتماضر هي الاخري بسبب رفض شادي لحبها اصبحت تعيش بعلاقات عابرة عندما تتأكد من حبهم تنهي العلاقة ببرود اكيد حد من اللي بتعمل معاهم كده هيأذيها
#علي ما اظن الانهيار اللي اصاب قمر له علاقة بمالك وبسببه لم تسطع ان تدخل كليه الصيدله حلمها
#عجبتني جدا بتواضعها مع ندي وعدم احراجها
فعلا القلب يهوي من لا يهواه فهي تعشق مالك الذي لا يراها ويزيد يعشقها لكنها لاتراه
#قمر التي جعلت سليم يبحث لها عن معلومات عن ابراهيم لقلقها علي تماضر واكتشافها انه ابن خال شادي
#واكرم ليه خايفه منه علي تماضر ولا شادي اللي نضم لهم
الفصل جميل جدا حبيبتي 😍

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 09:17 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة affx (المشاركة 14383453)
تماضر توقعت انها تكون اقوى من هيك مع شادي مو تكون متل الهبلة ...يعني افعالها هلأ بتدل ع وحدة جريئة وقوية بس مع شادي هبلة شكلوا شادي لعب عليها ومثل الحب وتركها ع كل حال بتمنى تتعلم من قمر وتبطل الهبل اللي بتعملوا وتبطل ملهوفة ع شادي.
قمر ليش مالك بطلع عليها بحقد وكره؟؟
قمر حتختار زيد ولا مالك ؟
حبيت شخصيتها وقوتها وثقتها بنفسها .
بس هي بتدرس بجامعة عادية ؟لحتى تصاحب ندى !
علاقة قمر واهلها خاصة ابوها كتيير حلوة حبيتهم


ضحكت كثييير على الهبلة😂😂😂😂
تماضر المراهقة اللي حبت شادي هبلة و بعد اللي حصل ليها لما عرف بحبها قررت تصير واحدة ثانية سلكت طريق سيء بمواعدتها للشباب و كل مرة كانت بتنفصل على واحد أو ترفض حبه تحس إنها ترفض شادي بذاته
و واجهتها الجديدة مجرد واجهة مزيفة تخفي خلفها كل شيء و هنعرف في الفصول القادمة إذا الواجهة هتتصدع أمام شادي أو لا
مالك ما بيكره قمر...بداية الفصل مجرد حلم يقظة كتبته قمر (تخيل للقائها الأول مع مالك في الجامعة) و هنشوف في الفصل الجاي إذا كان لقاؤهم كما تخيلت
و الفصول هتبيلنا إذا هتظل متعلقة بمالك أو أن زيد سييتحوذ على قلبها
بالنسبة للجامعة أكيد بتدرس فجامعة عادية و كأي جامعة بيكون فيها اختلاف طبقي بين الطلبة...أكيد في جامعة دولية و مدارس خاصة بس هدوول فيهم تخصصات معينة مش كل التخصصات...و البايلوجي بيتدرس في جامعات عادية و بس
تسلميلي يا قلبي⁦❤️⁩

Fatima Zahrae Azouz 30-07-19 09:18 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ahmedman2010 (المشاركة 14383462)
#قمر المحبة والشغوفه بالقراءة والكارهه للرفاهيات وتعامل والدها معها الشديد بسبب دخوله الانتخابات لخوفه عليها من اعدائه
#تذكرها للقاء مالك الاول وحبها من طرف واحد واللي انقذها بس ايه السبب في نظراته الكارهه و ونظرتها الباردة له لتخفي مشاعرها عنه والعلاقة اللي انتهت بسبب شجار بينهم ولا يزيد صديقه ااي يلاحقها ويطلب منها ان تواعده ورفضها المستمر له
#وتماضر هي الاخري بسبب رفض شادي لحبها اصبحت تعيش بعلاقات عابرة عندما تتأكد من حبهم تنهي العلاقة ببرود اكيد حد من اللي بتعمل معاهم كده هيأذيها
#علي ما اظن الانهيار اللي اصاب قمر له علاقة بمالك وبسببه لم تسطع ان تدخل كليه الصيدله حلمها
#عجبتني جدا بتواضعها مع ندي وعدم احراجها
فعلا القلب يهوي من لا يهواه فهي تعشق مالك الذي لا يراها ويزيد يعشقها لكنها لاتراه
#قمر التي جعلت سليم يبحث لها عن معلومات عن ابراهيم لقلقها علي تماضر واكتشافها انه ابن خال شادي
#واكرم ليه خايفه منه علي تماضر ولا شادي اللي نضم لهم
الفصل جميل جدا حبيبتي 😍

بالمناسبة البارت بتاع نظراته الكارهة و نظراتها الباردة مجرد حلم يقظة كتبته بنفسها...هي بالفعل حصل بينها و بينه مشكل قديم و هنعرفه في الفصول القادمة، بس ما رح يكون لقائهم الأول في الجامعة كما تخيلته
و العلاقة اللي بيناتهم مش علاقة حب هي صداقة و خلصت بسبب الشجار
تماضر متهورة...تظهر بمظهر القوية و الفتاة اللعوبة أمام الجميع بعد اللي حصلها مع شادي...بس هي لسه بتحبه و قمر تعرف ها الشيء رغم إدعاءها العكس
التفاصيل الباقية رح تظهر تباعا مع تطور الأحداث في الفصول القادمة
تسلميلي يا قلبي⁦❤️⁩

عبير سعد ام احمد 30-07-19 10:05 PM

شخصية قمر رائعة قوية واثقة من نفسها
مخلصة لاصدقائها مش مغرورة بسبب ثرائها ولا شخصيتها تافهة
علاقتها بوالديها رائعة بس اية سر علاقتها بمالك والبرود اللى بينهم
واضح ان حصل مشكلة بينهم فى الماضى سبب بردوهم مع بعض
تماضر مش قدرة تنسى شادى رغم انه اذاها حسب مافهمت من الاحداث
وسخر منها امام زملائها
زيد مش عارفة هو معجب فعلأ بقمر والا عايز يأذيها وحطهه فى دماغه
يمكن لشخصيتها القوية او عدم انتباهه ليه

Khawla s 31-07-19 02:06 AM

مبروووك ياقمر 😘😘
قمر حبيت شخصيتها وقوتها وثقتها بنفسها
مالك ليه بعامل قمر هيك وشو الي حصل معهم لتكون علاقتهم بهذا السوء
تماضر العبيطه عم بدمر حالها عشان حب شادي الي مش سائل فيها وكل يوم مع شخص جديد غبيه غبيه
علاقه قمر وابوها حبيتها بينهم ثقه عكس علاقه تماضر مع ابوها
تسلم ايدك ياقمر 😘♥♥

اللؤلؤة الوردية 31-07-19 05:59 PM

ألف مبروك الرواية الجديدة متابعة معك إن شاء اللّٰه 💞

أحببت شخصية قمر إنسانة قوية واثقة من نفسها رغم صغر سنها، علاقتها مع مالك من طرف واحد ولم نعلم سبب نظراته لها بكراهية.

تماضر عكس قمر مستهترة وفوضوية، أتوقع شادي من أرسل أكرم؟

ندى فتاة محتاجة الإهتمام بسبب بعد الأهل وعدم اهتمامهم

الفصل جميل وطويل سلمت يداك 💖💖💖


الساعة الآن 10:15 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.