البدايات الجديدة (1) .. سلسلة البدايات *مميزة ومكتمله *

[نورهان الشاعر]

الفصل الثامن و العشرون
الطمع طعون صاحبه لا يصل إلى درجة الإكتفاء أبدا و هو كل ما نال شيئا زاد جشعه و شراهته لإبتلاع المزيد. جمال لم يكتفي بما أخذ في الماضي من عرق جبين و تعب أبيه، ابيه الذي ما كان برا به يوما، فأتى الأن يبحث عن بقية الإرث و كأن له كل الحق فيه بمجرد أنه إبن مصطفى حق إكتسبه بالطبيعة و هو واه مادام لم يوثق بالعمل، فكي تأخذ حقك قم أولا بواجبك فالحق و الواجب ثنائيان لا ينفصلان و لا يمكنك أخذ واحد دون الأخر.
بسمة و خميس إكتسبوا حقهم عن طريق معاملتهم الإنسانية و بذل جهدهم و عواطفهم لمصطفى رغم أن ذلك ما كان واجبا عليه بحكم أن لا صلة دم تربطهم و لم يفكروا أن أهله لم يقوموا بذلك و بالتالي لما سيفعلون هم؟
لكنهم إنصاعوا لواجب الإنسانيّة و قدموا العطاء دون إنتظار مقابل، و ما كان الله ليضيع أجر من أحسن عملا.
ربما سمر هي عقاب جمال على طمعه و جحوده، فالله يمهل و لا يهمل و بر الوالدين واجب و طاعة.
و الجحود مدلة. لا أعرف ما ستجنيه سلمى من صمتها لحد الأن و في ما تفكر. يستفزني موقفها في الدفاع عن ياسر، و جعل الرجوع إليه و كأنه تحصيل حاصل، لما جرمت خيانة سمر و لم تجرم بالمقابل خيانة ياسر؟ لما تحاول إقناع إبنتها بلزوم العودة إليه حتى و إن لم تصرح بها فهي تلمح. و خصوصا أنها تستنكر تماما طلب علا للطلاق. الخيانة لا دواء لها غير الانفصال، يستحيل متابعة الحياة مع خائن بل إن العيش معه محرم بعد ذلك، و أبداً لا أفهم موقف سلمى أو أتفهمه. بالنسبة لي هي شخصية متناقضة جدا فمرة أراها إنسانة عاقلة و ذكية، و في الكثير من الأحيان متهورة مهزوزة الشخصية، و كأن حبها القديم لخالد ترك فيها إنفصاما.
كما علاقة جمال بسمر يجب أن تنتهي علاقة علا بياسر يجب أيضا أن تنتهي و يكون بالتالي هذا عقابهما على جحودهم. علهما بعد ذلك يستطعان البداية بطريقة صحيحة، كلنا نخطئ هذا لا يغير من إنسانيتنا شيئا لكن الخطيئة العظمى هي إستمرارنا في الخطأ دون توبة.
رغم أنني أرى أن تستر سلمى عن فضح ما رأت أمر جيد لتفادي الفضيحة فأكيد أن جمال لن يبرد إلى بالقتل فكمعضم الرجال الشرقيين يسبق التهور و العنف أي تفكير أخر. و لأن فضح الناس ليس إلا خسارة، فحتى المخطئ لا يجب أن نشهر به، فرب العباد يغفر لكن البشر لا يغفرون أبداً و يقفون حائلا بين التوبة و المذنب، و كما كان الشرط في القصة الشهيرة للرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و أكمل المئة بالشخص الذي إستنكر أن له توبة، بذهابه بعيدا عن المكان الذي أساء فيه لسكانه. هكذا أرى أن التوبة دائما تستلزم منا الإبتعاد عن من أذينا. و عن المكان الذي يحمل خطيئتنا.
هناك نوعين من محدثي النعمة واحد تعب من أجلها و كافح حتى وصل إليها و الأخر حاز عليها بالمكر و الخداع، و كما يقولون "الله ينجيك من المشتاق إذا ذاق" (أتمنى أن يكون المثل مفهوما) و غالبا ما يتعشش الرعب في نفس من عاش الحرمان خوفا من قدوم يوم يعود فيه إليه، و يكون النوع الثاني الذي وصل لمبتغاه بطرق ملتوية أشد رعبا من النوع الأول، فلا يستمتع بالنعمة التي وصل إليها و هو دائم الخوف من مستقبل مجهول، ناسيا أن الضامن في كل الأحوال هو الله و ما كان الخوف مناجيا من المهالك، هو فقط يمنعنا من عيش اللحظة كما يجب.
و في كل الأحوال ليست الظروف فقط من تشكل الشخص، فلكل واحد ميزات متفردة، هذا ما يبين لنا إختلاف أشخاص تربوا في نفس البيئة و عايشوا نفس الظروف فكان أحدهم صالحا و الأخر مفسدا.
والد شريف رجل لم يبرأ من عقدته النفسية القديمة في طفولته، و تربت فيه الأنانية و حب الذات، ليسعى للخلاص بها ضاربا عرض الحائط بأهله، و هو يصرخ في الدنيا قبل الآخرة "نفسي، نفسي"، هذا النوع لا يكون في سلام عاطفي حتى مع نفسه، و يعيش حياته شقيا مهما بلغت ثروته. فسعيه لجني المال لا يتوقف فلا يجد حتى الوقت للإستمتاع بما جنى.
أعذر شريف بخوفه على بسمة من بطش أبيه، فمثل هذا السيد إن أحس بتهديد بسيط يحوم حوله، يقضي دون رحمة على كل من يحيط به و لا يكتفي إلا بجعل خصمه أشلاءا. فهل يستطيع الوصول إلى مبتغاه؟
و هل سيتوقف توفيق عند هذه النقطة مستسلما لرأي أبيه.

[نورهان الشاعر]

الفصل التاسع و العشرون
جمال و هو يفكر و يخطط لجني ثروة جديدة و إسترجاع مال يتوهم أنه حقه لم يعلم الباب الذي سينتهي عنده سيعه، و هو يرى بعينيه خيانة واضحة لا شك فيها متمثلتا أمام عينيه، فلم يرى في لحظة غضبه الجنونية إلي قتل المجرمَين بيده، و لو لا أن الجيران قد أبعدوه عنها لكان قتلها في تلك اللحظة، و لم تهرب سمر منه إلا لتتلقى مصيرها على يد السيارة التي خرجت في وجهها و هي تجري برعب أعماها.
جمال يحبها بحق فرغم كل ما فعلته لها إلا أن رؤيتها بين يدي الموت مدرجة في دمائها جعلته يضعف تماما و يرتعب عليها، ناسيا أي طعنة نجلاء غرستها في صدره.
نادر قد عرف بالموضوع من الطرف الأخر و قد أجاد بحنكته التحكم في الموضوع ، و الخروج منه بأقل الخسائر تفاديا للفضائح، أعجبني صراحة السيناريو الذي إخترعه فما كان أحد ليشك بصدقه.
نحن نولد سواسية على نفس الفطرة، لكن الظروف و عوامل عديدة هي من تتحكم فينا و تأخذنا إلى طرق مختلفة، فمنا من يصل و منا من يتأخر في الوصول و هناك من يظل طريقه و لا يصل أبدا.
سمر قد ظلت طريقها لتغوص في لجة مظلمة لا يتقبلها لا الله و لا الإنسان، فكانت عاقبتها وخيمة، ليتها تصحوا من وهمها بعد هذا الحادث القاسي و تبني حياتها بعيدا عن جمال الذي ما ظل لها معه مستقبل بعد ما فعلت به.
ربما كان أفضل لسلمى أن إلتجأت من الأول لنادر حتى يستلا الشوكة دون دم و دون أن تسوء العواقب. فالأمر كان سيكشف في جميع الأحوال، سكوتها العاجز ما كان مفيدا أبداً.
و هكذا بعد والدهم تجري بهم الحياة لأنفاق مظلمة حتى يعرفو عاقبة التخلي و الجحود، ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، و السوء لا يلقى إلا سوءا مثله.
الأن وجب على سلمى التحدث مع إبنتها علا بتعقل حتى لا تكبر المشكلة و تتضخم أكثر. رغم أنني أرى التعقل حاليا أبعد ما يكون عن سلمى، فهل إتصالها بخالد سيقلب الأحداث من جديد؟ أم أنها ستتراجع في اللحظة الأخيرة.
المسكين أمجد لم يجد ممن يأخذ النصيحة إلا خالد، حقا يا ليته ظل صامتا و أراح نفسه، و لم يسر لخالد الذي لم يأخذ من تجربته أي عبرة. عجيب كيف يرون في الزواج حالا لكل المشاكل. فيصير مشكلة جديدة أكثر تعقيدا. هو الأمر هكذا أريد أن أتزوج فقط فأتزوج؟ أبسط المشاريع تحتاج للتفكير الطويل و وضع الحسابات، لكننا في أمر الزواج ندخل بتهور كبير و مشاكل أكبر نطمح وضعها في هذا المشروع المبهر لتختفي. لا أرى سببا يجعل أمجد يعترف لنيفين بجنونه الذي ليس له معنا و يجرحها بتلك الطريقة. على الأقل ليتمهل حتى يصبح متأكدا من قراره.
حتى الصعيد فيه مسيح و لهم نفس تفكير أهل الصعيد المسلمين؟! أمر غريب لكنه يؤكد حقيقة هامة. و هي أننا لم نعد نحتكم بالدين بقدر ما نحتكم بالعادات و التقاليد الظالمة و القاسية.
في الحقيقة لحد الأن مستمتعة جدا بالرواية و لم أشعر بالملل أو القنوط أبداً و أنا أقرؤها و كلما توقفت أعود بلهفة لأتابعها، طريقة سير الأحداث سلسة و جميلة خصوصا مع كثرة الأحداث و الشخصيات دون أي مبالغة فقد تمكنت من التحكم في الأبطال رغم كثرتهم.
راضية على سير الأحداث و المواضيع الجميلة التي طرحتها و متشوقة للقادم.
فعلا أحييك على مقدرتك الفدة بالإلمام بكل هؤلاء الشخصيات المختلفين جملة و تفصيلا في نفوسهم فلا تجد أحدا يشبه الأخر. كما أن لديك أبطال عاديون جدا ليسوا بالأشخاص المثاليين الذين لا يخطئون بل هم شخصيات منا نراهم كل حين. دوما ما كان البطل الخير خيرا إلى النهاية و الشريرة شريرا للأبد. لكن معك لا نجد هذا، أحييك على هذا التمازج الرائع الذي جعلته بين الخير و الشر، فنحن قد نكون خيرين أحيانا و أشرارا في الحين الأخر. في الأخير نحن لسنا ملائكة و لا شياطين. بل إنسان.

[Mamdouh El Sayed]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورهان الشاعر

الفصل التاسع و العشرون
جمال و هو يفكر و يخطط لجني ثروة جديدة و إسترجاع مال يتوهم أنه حقه لم يعلم الباب الذي سينتهي عنده سيعه، و هو يرى بعينيه خيانة واضحة لا شك فيها متمثلتا أمام عينيه، فلم يرى في لحظة غضبه الجنونية إلي قتل المجرمَين بيده، و لو لا أن الجيران قد أبعدوه عنها لكان قتلها في تلك اللحظة، و لم تهرب سمر منه إلا لتتلقى مصيرها على يد السيارة التي خرجت في وجهها و هي تجري برعب أعماها.
جمال يحبها بحق فرغم كل ما فعلته لها إلا أن رؤيتها بين يدي الموت مدرجة في دمائها جعلته يضعف تماما و يرتعب عليها، ناسيا أي طعنة نجلاء غرستها في صدره.
نادر قد عرف بالموضوع من الطرف الأخر و قد أجاد بحنكته التحكم في الموضوع ، و الخروج منه بأقل الخسائر تفاديا للفضائح، أعجبني صراحة السيناريو الذي إخترعه فما كان أحد ليشك بصدقه.
نحن نولد سواسية على نفس الفطرة، لكن الظروف و عوامل عديدة هي من تتحكم فينا و تأخذنا إلى طرق مختلفة، فمنا من يصل و منا من يتأخر في الوصول و هناك من يظل طريقه و لا يصل أبدا.
سمر قد ظلت طريقها لتغوص في لجة مظلمة لا يتقبلها لا الله و لا الإنسان، فكانت عاقبتها وخيمة، ليتها تصحوا من وهمها بعد هذا الحادث القاسي و تبني حياتها بعيدا عن جمال الذي ما ظل لها معه مستقبل بعد ما فعلت به.
ربما كان أفضل لسلمى أن إلتجأت من الأول لنادر حتى يستلا الشوكة دون دم و دون أن تسوء العواقب. فالأمر كان سيكشف في جميع الأحوال، سكوتها العاجز ما كان مفيدا أبداً.
و هكذا بعد والدهم تجري بهم الحياة لأنفاق مظلمة حتى يعرفو عاقبة التخلي و الجحود، ما جزاء الإحسان إلا الإحسان، و السوء لا يلقى إلا سوءا مثله.
الأن وجب على سلمى التحدث مع إبنتها علا بتعقل حتى لا تكبر المشكلة و تتضخم أكثر. رغم أنني أرى التعقل حاليا أبعد ما يكون عن سلمى، فهل إتصالها بخالد سيقلب الأحداث من جديد؟ أم أنها ستتراجع في اللحظة الأخيرة.
المسكين أمجد لم يجد ممن يأخذ النصيحة إلا خالد، حقا يا ليته ظل صامتا و أراح نفسه، و لم يسر لخالد الذي لم يأخذ من تجربته أي عبرة. عجيب كيف يرون في الزواج حالا لكل المشاكل. فيصير مشكلة جديدة أكثر تعقيدا. هو الأمر هكذا أريد أن أتزوج فقط فأتزوج؟ أبسط المشاريع تحتاج للتفكير الطويل و وضع الحسابات، لكننا في أمر الزواج ندخل بتهور كبير و مشاكل أكبر نطمح وضعها في هذا المشروع المبهر لتختفي. لا أرى سببا يجعل أمجد يعترف لنيفين بجنونه الذي ليس له معنا و يجرحها بتلك الطريقة. على الأقل ليتمهل حتى يصبح متأكدا من قراره.
حتى الصعيد فيه مسيح و لهم نفس تفكير أهل الصعيد المسلمين؟! أمر غريب لكنه يؤكد حقيقة هامة. و هي أننا لم نعد نحتكم بالدين بقدر ما نحتكم بالعادات و التقاليد الظالمة و القاسية.
في الحقيقة لحد الأن مستمتعة جدا بالرواية و لم أشعر بالملل أو القنوط أبداً و أنا أقرؤها و كلما توقفت أعود بلهفة لأتابعها، طريقة سير الأحداث سلسة و جميلة خصوصا مع كثرة الأحداث و الشخصيات دون أي مبالغة فقد تمكنت من التحكم في الأبطال رغم كثرتهم.
راضية على سير الأحداث و المواضيع الجميلة التي طرحتها و متشوقة للقادم.
فعلا أحييك على مقدرتك الفدة بالإلمام بكل هؤلاء الشخصيات المختلفين جملة و تفصيلا في نفوسهم فلا تجد أحدا يشبه الأخر. كما أن لديك أبطال عاديون جدا ليسوا بالأشخاص المثاليين الذين لا يخطئون بل هم شخصيات منا نراهم كل حين. دوما ما كان البطل الخير خيرا إلى النهاية و الشريرة شريرا للأبد. لكن معك لا نجد هذا، أحييك على هذا التمازج الرائع الذي جعلته بين الخير و الشر، فنحن قد نكون خيرين أحيانا و أشرارا في الحين الأخر. في الأخير نحن لسنا ملائكة و لا شياطين. بل إنسان.

بل انا من عليه شكرك .. فبتفاعلك الرائع هذا مع احداث الرواية وشخصياتها جعلتينى اشعر بقيمة ما كتبت .. شكرا جزيلا ابنتى .. (اذا سمحتى لى ان اصفك بها)..

[نورهان الشاعر]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mamdouh el sayed

بل انا من عليه شكرك .. فبتفاعلك الرائع هذا مع احداث الرواية وشخصياتها جعلتينى اشعر بقيمة ما كتبت .. شكرا جزيلا ابنتى .. (اذا سمحتى لى ان اصفك بها)..

العفو كله من فضلكم و حقا يشرفني أن تناديني بإبنتي

[نورهان الشاعر]

مساء النور....
الفصل الثلاثون
إجلال بلينها و رجاحة عقلها إستطاعة أن تربح عبد القادر و تقنعه بما تريد رغم الفروق المهولة التي تفصلهما سواء في السن أو في المكانة الإجتماعية، لكن في الأول و الأخير ليست الجيوب أو الأعمار من ترتبط بل القلوب و العقول، و إجلال مع عبد القادر متفقين فكريا و قريبين بعواطفهم و بذلك كان الطريق لإجتماعهما سهلا، فخوف عبد القادر لم يكن مبررا و ليس عليه أن يحرمها من تجربة الأمومة بسبب إحتمال، كما أني لا أرى سببا لمنعها للعمل على الأقل في عيادته، فالعمل مهم جدا ليس فقط لعائده المادي بل لأنه يعلمنا المسؤولية و يمنحنا الإستقلالية، و بالتالي كان في شروطه إستبداد شديد، و إجلال بطبيعتها المسالمة وافقت على واحد و رفضت بلين أخر. الحياة لا مأمن لها فحتى الأصحاء لا يظمنون أن صحتهم دائمة فالأمراض تتجول أشكالا ألوانا في الدنيا.
جميلة مبادرة عبد القادر بشراء ملابس جديدة لها كي تدخل للمطعم الراقي مرتاحة، فالإهتمام بنفسنا و مظهرنا يجلب السكينة و الراحة لأروحنا و يمنحنا الثقة في النفس، ليس بالضرورة أننا نتزين أو نهتم بنفسنا لجلب نظر الغير. فأهم شيء أننا بذلك نتصالح مع ذاتنا و نهتم بها، فمن لا يحب نفسه لن يقوى على حب الأخرين.
أمير يقف على أنقاض حب بناه وحيدا، فكرس وقتا من عمره يبني في قصور عشق و يزينها بنفس حالمة يحركها الغرام، لكنه ما كان يعلم أنه يبني بنيانه على رمال هشة، سرعان ما إنهارت أمام الواقع و تلاشت دون عودة.
ربما كان قاسيا مع رغد بسخريته المريرة، لكنها كانت نابعة من نفسه العاشقة، و لا تلام الفتاة لأنه هو من تكتم على حبه و لم يصارحها مرة أو يلمح لها فكان سهلا بالنسبة إليها أن تنجرف أمام مشاعرها لأيمن، حبه لها كان مجرد جنين لم يرى النور، و قد أجهض الأن و إنتهت حياته قبل أن تبتدأ، ستكون تجربته صعبة في البداية لكن أؤمن أنه سينساها بسهولة فهو لم يعش حبا متبادلا.
لم يقل نزار عن عبث "أعطيني من الحب البدايات"، فغالبا ما تكون البداية هي الأجمل و الأقل خطورة، لكننا نستطيع المحافظة على ذلك الحب متوهجا كما البداية لو كن جديرين به، لا نصبح أبطالا حين نحب فذاك أمر خارج إرادتنا و ذاك قدر القلوب، لكننا نصبح أبطالا حين نستطيع الحفاظ على هذا الحب و الإعتناء به دوما دون تقصير.
يعيش الحب بالمودة بالتفاهم بالإهتمام بالتحاور، خطؤنا أننا نعتبر الحب مخلوقا أسطوريا قادرا على حماية نفسه بنفسه بينما هو طفل صغير لا يكبر إلا بالعناية و الإهتمام.
و في الأخير أهم خاصيات الحياة أنها لا تستند أبداً على أسس ثابتة، بل هي دائمة التغير فليس شرطا كل زواج عن حب فاشل و كل إرتباط لا يخدع للمشاعر ناجح، فالمشكلة فينا لا في الحب أو غيره نحن من نملك القرار و في يدينا إدارة شؤوننا سواء العاطفية أو العقلية.
غادة جعلتها تجربتها تكبر فالعقل لا ينموا بعدد السنين المتراكمة عليه بل بالتجارب التي عايشها، و مع ذلك أرى نظرتها للحب باهثة فهي لم تخرج بعد من ألم التجربة التي مرت بها. و رغما عنها ستظل متأثرتا بها لمدة قبل أن تتصالح مع ذاتها.
أما أمير فلايزال الطريق أمامه طويلا، و بتفكيره الأن بسارة أحس انه يعيد عيش نفس تجربة أبيه سابقا، فعلى الشخص أن يتعفى من الحب قبل الدخول في حب أخر، فالقلب يضعف و يتوه حين لا يحصل على فاصل راحة يعيد فيه حساباته، ليس عليه أن يستبق الأحداث فربما سارة تكتسب قلبه حقا مع الوقت فيحبها

[نورهان الشاعر]

الفصل 31
ليس كل الأباء يستحقون التسمية، فالأبوة لا تكون فقط عن طريق الإنجاب، بل هي إهتمام حب عطف رأفة، و كل هذا لا يحمل والد شريف شيئا منه.
طمعه و جشعه جعله عبدا للمال خاسرا لإنسانيته، و هو لا يفكر إلا في جني المزيد، و ما هذا المال الذي يعبده إلا زينة فانية للدنيا، و القناعة كنز لا يفنى أبداً. هو كان قاسيا جدا مع إبنه يحارب فيه أشباح الماضي التي هاجمته، و الرعب يقتله من إقتراب ذلك الماضي بأي طريقة لحاضره.
فكان أن تسبب في صدمة لإبنه الذي لا يشبهه بشيء، و الذي من الواضح أنه كان أقربا لأمه، سيدة ثرية بأخلاقها و مبادئها التي علت على المادة الفانية و قدست الروح الغالية.
على الأقل كان هناك مساند في قصة شريف و بسمة و المتمثل في أمه، لهذا أظن أن لقصتهم أمل.
هموم الدنيا لا تنتهي أبدا فسلمى و هي تقرر الإتصال ببسمة لتفضفض لها بألامها لم تعلم أن بسمة الأخرى غارقة في همها. سلمى الكتومة إحتاجت للفضفضة و من أحسن من صاحبة القلب الكبير و الروح الرائعة بسمة.
انا أيضا رأيي من رأي بسمة لم يعد ينفع الإستمرار في علاقة مسمومة كهذه. و حجة أن هناك أطفالا فلا يجوز الطلاق لا أساس لها، الأطفال سيتأثرون أكثر إن تربو في جو مشحون، ملوث بسبب الخيانة و ستكبر فيهم أمراض نفسية شتى، و الطلاق أيسر للجميع في هذه الحالة.فحين حلل الله الطلاق، لم يقل أنه حلل فقط لمن ليس له أولاد.
الفراغ قاتل حقا فهو ضد طبيعة الكون، على أمينة أن تلهي نفسها بشيء كهواية أو عمل بسيط بدل أن تظل تلوك في الأحداث و ترهق نفسها بالتفكير في ما إنتهى إختارت العفو عن خالد و الوثوق به إذن لا طائل أبدا مما تفعل.
لا أظن أن حمل رنيم سيمر بسلام عند شخص كأشرف، فهو بطبعه من الناس المغرورين برجولتهم، فيستبد كي لا يخسر سلطته التي منحتها له الطبيعة.

[نورهان الشاعر]

الفصل 32
أظن أن كل واحد من أبطلنا لحد الأن قد كتب بدايته الجديدة بأحرف سميكة، و تبدوا البدايات مشرقة مليئة بالتفاؤل. العلاقة بين خالد و أمينة أصبحت كما لم تكن من قبل، و رغم أن هذه البداية تأخرت لتأتي إلا أنها أتت جميلة و مبشرة.
و فكرة شهر عسل جديد يقوم بها خالد مع زوجته هي فكرة رومانسية و جميلة جدا من شأنها أن تعيد الحياة لعلاقتهما.
لا أجمل من الحب الأسري و العلاقة بين الزوجين تنعكس بشكل مباشر على أبنائهم و شخصيتهم، فإن وجدوا الحب بين والديهم تستقر حياتهم و يتعلمون بدورهم أن يقابلوا الحب بحب.
ماذا بعد هذه البداية الجميلة ؟ هل سيتمكنان من الحقادمة ليها حتى النهاية أم ستفلت منهم الخيوط اثناء سير الحكاية؟ هل سيقتنع خالد بحب أمينة و أسرته أم يخون قلبه ليحن إلى أول صاحبة له، خصوصا أن سلمى لم بفتر حبها يوما.
حتى البداية التي خطتها إجلال مع عبد القادر تبدوا بداية مبشرة، و كأنها عوض للإثنين عن كل ما عانوه في حياتهما سابقا و كأن هذا الحب أتى ليلف حياتهما بالهناء و يعالج جروحا قديمة، العلاقة بينهما تبدوا مثالية جدا خصوصا أنها حامل الأن و يبدوا كل شيء يسير على أحسن ما يرام فهل ستنتهي هنا القصة بالعبارة التقلدية "و عاشوا في ثبات و نبات" أم أن هناك قادما مجهولا قد لا يكون في جمال البداية، توصية عبد القادر بإعطاء الوصاية لإجلال إن حدث له شيء و خوفه من عائلته، لا تبشر بخير أبداً. و كأنها ربما تكون إنذارا بمصيبة قادمة. إن كانت هناك قاعدة قارة للحياة، فهو أنه لا مكان وسط هذه الأرض للثبات،

[نورهان الشاعر]

مرحبا..
الفصل 33
أرى أن سفن أبطالنا بدأت تحط على بر الأمان بعد رحلة هوجاء مليئة بالعواصف و التقلبات.
بينما منهم من لازالت اليابسة بعيدة عنه و لا زال سيتصارع قليلا مع أمواج البحر العنيفة.
كان طبيعيا أن تتراجع عزيمة علا عن طلب الطلاق. فسلمى أخطأت كثيرا و هي تصور لها أن هناك أمل، لتنسى خيانته على أنها شيء عابر، رغم أنه في الحقيقة لا يوجد شيء إسمها خيانة عابرة، إلا أن حبها لياسر أضعف قلبها.
علا تعرضت للطعن ببشاعة مرتين، الأولى يوم علمت بخيانة زوجها و الثانية لما علمت مع من خانها.
لما علمت أن صديقة عمرها و من إئتمنتها على أسرارها كانت تطعنها في ظهرها و تخونها دون ذرة ضمير.
هناك كلام لا يظل مخبأ و لا نفع في ستره، سلمى وجب عليها بدل أن تعطيها الأمل أن تعرفها أولا بالحقيقة التي كانت ستنكشف عاجلا أو أجلا. كان أفضل أن تعلم منها لتخبرها بهدوء يستوعبه عقلها و تجنبها الصدمة الشديدة.
لقد فضلت العودة إلى منزلها مع أولادها طمعا في حياة جديدة، فربما تكون هذه النهاية البشعة تمهيدا لبداية جميلة تستقر عليها سفينتها بعد أن ضاعت طويلا في بحر مظلم.
تلك الهواجس التي كانت تنتاب جمال لقتل سمر كان من الممكن أن تصبح حقيقة لولا لطف الله، فهو يعيش أنهيارا عصبيا يجعله ممزقا بين مشاعر متباينة، كان الأفضل له أن يذهب ليعالج عند طبيب نفسي حتى تهدأ روحه و يستطيع العودة إلى أولاده.
سمر أحبت أن تفعل شيئا جيدا في حياتها قبل أن تموت فشهدت لزوجها، ثم سلمت روحها بعد أن طلبت منه المسامحة، كان ذنبها عظيما، إبتدأت بداية سيئة فكانت نهايتها مأساوية، لكننا في الأخير لا نطلب إلا الغفران لمن هو في يد الله.
و حقا لا أفهم لما كان محتملا أن يتهم جمال في حادثة زوجته فهو لم يدفعها للشاحنة و هي من صدمت نفسها بنفسها.
قلت قبلا أن أشرف شخص غير ناضج و لا يستطيع تحمل مسؤولية أسرة، لكنني أرى الأن أنه نضج لما فيه الكفاية بعد ما حدث لصديقه، فأصبح رب أسرة عن حق.
و هذا ثنائي أخر وجد طريقه و رسى سالما على بر الأمان في إنتظار أن يصل إليه الباقي.

[نورهان الشاعر]

مساء الخير

الفصل 34
أخطر الأكاذيب، هي تلك الأساطير الجماعية التي نخترعها يوما حتى نصدقها في ما بعد و تظل وهما يتوارث مع الأجيال، و من بين هذه الأساطير، خرافة الطبقية التي إبتدأت في زمن غابر ما. بعد أن إبتدعها إستغلالي حتى يمنح لنفسه مكانة دون سائر الناس ، ثم ظلت منتشرة تتناقل عبر الأجيال.
طبقة غنية تتربع في العرش عالية، و طبقة دنيا منحدرة للحضيض. و كيف هذا التقسيم؟ عن طريق المال و السلطة، ذاك المال الذي ليس إلا واحدا من أوهام البشر الكبيرة و التي إكتسبت قيمتها بإيماننا بها، و لن تكون أبداً ذات أهمية لو نحن فقدنا إيماننا هذا بها و توقفنا جميعا عن الوثوق فيها لن تعود ذات قيمة، ذاك أنها تمتلك قيمة في خيالنا المشترك فقط، فقيمتها ليست متأصلة في التركيب الكميائي لهذه العملات، فالمال ليس واقعا ماديا بل بناء نفسي. فالثقة هي المادة الخام التي تصك بها جميع العملات.
و قد كانت شرطا أساسيا لبناء المجتمعات و إستمرارها، لكننا للحظة فقدنا إنسانيتنا حين ربطنها فقط بأشياء مادية. و صارت لنا غاية بدل كونها وسيلة.
أمل يوما أن يتوقف إيماننا بهذه الطبقية لننظر لها نظرة تحقير كما نفعل اليوم حين نقرأ عن التاريخ فتجد البشر مقسمين بين أحرار و عبيد.
ربما العبودية لم تختفي فعلا نحن فقط إبتدعنا لها تسميات جديدة أقل وطأة على الروح، لكننا حققنا تقدما لا بأس به.
ذاك الحوار الذي دار بين والد شريف و بسمة جعلني أتعمق كثيرا في الموضوع فعذرا إن إبتعدت عن سير الأحداث في كلامي.
شخص كوالد شريف يكون شديد الحيطة و الحذر، متربصا بتصرفات كل من حوله يخشى التعرض للخيانة و لا يجيد غير الشك، فمن بطبعه الخيانة لا يصدق وجود بشر أمناء على الأرض يستحقون الثقة. و أظن أن هذا عقاب الله له أن يعيش في شك و تحفز دائم. تلك الأصوار العالية التي بناها على نفسه معتقدا أنه فوق الخلق و لا أحد يستطيع أن يصل إليه، ما هي إلى حصن من رمال، مجرد ريح خفيفة ستطمس ملامحه. فالغني الذي يرى نفسه على الخلق ينسى أنه ليس إلا مستخلفا في مال الله، و هو الأشد فقرا أمامه.
قد يكون قادرا على تنفيد تهديده و القضاء على مستقبل بسمة إن أراد، فمثله من تخلو على مبادئهم يصبحون وحوشا بشرية لا يردعهم شيء.
فمن يتاجر بعواطف أقرب الناس إليه و يساوم فيها. هل لازالت بحوزته أي نوع من المبادئ.؟
كنت أفضل لو إنصاعت بسمة له ظاهرا فقط، و إعترفت لشريف أو أمه على الأقل بكل شيء، بدل أن تسلم رقبتها للطاغية، أنا مدركة أنا هذا النوع من البشر لا حل معهم. لكننا نزيد طغيانهم بخفض رؤوسنا لهم.
لم يكن عيبا في شريف أن والده شخص جاحد خسيس، فهو لم يكن إختياره، و سيكون ظلما له أن تتخلى عنه بسبب والده.
أشفقت على بسمة الطيبة بريئة النفس و هي تقف أمام طاغية متجبر يحرمها من الإنسان الذي أحبت و أحبها، و يهينها في نفسها و أهلها.
ليس عمر الشخص هو بعدد تراكم السنوات، فالعقول لا تتشابه في موعد نضجها، نشأت صداقة بين سلمى و بسمة لأنهما على نفس الدرجة من الإستعاب و الوعي، و يستطعان التحاور دون أي قيود، و الإنسان بطبعه يحتاج إلى ملجئ و صديق يناقشه و يفضي له بمشاعره و أفكاره.
سيكون أمام جمال و علا طريق طويل جدا و شديد الصعوبة حتى يتمكنا من بناء حياتهما من جديد، و ليتهم يستفيدون من أخطائهما القديمة فلا يكرروها

[نورهان الشاعر]

الفصل 35
هكذا هو هوى القلوب يهيم بنا بعيدا في طرقات متباعدة و متشعبة، قد نلتقي في نقطة معينة. لكن قل ما نستطيع المتابعة معا، بينما كان قلب أمير يهفو إلى رغد و ينبض بحبها و شوقه لها، رغم معرفته أنها أضحت ملك شخص أخر إلا أن لا سلطة كانت لديه على قلبه. في هذا الوقت و هو يقتات على ألامه و شوقه، كان قلب سارة يحن إليه و يحلم به، فعشقه قد أصابها سهوا في وقت كان قلبه معلقا بأخرى، فأنتهزت الفرصة و بادرت هي بالإتصال، إتصال رحب به أمير بشدة و إن كانت أسبابه. مختلفة، فهو يحتاجها هذه اللحظة صديقة و مؤنسة، حين كانت هي تحلم بقربه كحبيب و رفيق درب.
أمير لم يشأ في الوقوع بنفس خطئ أبيه، فحاول وضع مسافات بينه و بين سارة كي لا يمنحها أملا فارغا لا أساس له، و هي تلقت رسالته بوضوح فأثرت الإبتعاد بنفسها، فلم تكن كرامتها لتسمح لها بفرض نفسها على شخص كان و إن أحبته بصدق.
غير أن أمير كان من الواضح أنه لم يستلطف هذا البعد الذي فرضه بنفسه و عاد شوقه للإقتراب من جديد.
ربما من الأفضل أن يكونو أصدقاءا أولا و لا يفكر في خوض علاقة جدية إلا بعد تأكده من أن حب رغد في قلبه لم يظل إلا مجرد ذكرى، و هكذا لا يكون قصة مكررة لوالده و يضيع سنينا طويلة من عمره في التيه، غارقا في بحور الوهم.
لا أعلم أي نوع من الحديث سيفتحه أمير مع سارة في الموعد المرتقب، هل سيصارحها بمشاعره و حبه اليتيم الذي لم يصارح به أحد، أم سبختلق موضوعا أخر؟
حتى لو كان حب رغد و أيمن كبيرا جدا فمن حقها أن تتسأل عن سبب تأخره في عرض الزواج عليها، مثل هذه الثغرات بالعلاقات هي من تتسلل منها المشاكل و سوء التفاهم، مهما وصلت درجة إرتباطنا ببعضنا علينا أن نعلم أن الأخر لن يتمكنا بسهولة من معرفة ما يعتمر في عقولنا، لهذا يستحسن أن نكون أكثر وضوحا و لا نترك كل شيء في ظنون لأنها مواطن للشياطين تضع فيها فخاخها لتفرق بين الناس.
على المحبين أن يتشاركوا الضراء قبل السراء، خطأ أن نؤجل عيش سعادتنا خوفا من أمر قادم. و ذاك الأمر قد لا يحدث. لا شيء في الحياة مؤكد لذا علينا أن نتوقف عن الخوف و الترقب لما هو آت، فلنعش اللحظة فقط بكل ما تحمله من مشاعر و لنترك القادم لله.