|
![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() | #1 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() ![]() الرواية رائعة ومنقولة للعلم ولينال كل حقه شكرا لمن كتبها سأبقى وحدي - سلسلة لوسي غوردون (الجزء الثالث و الأخير) 350 المـــلـخص: سلينا فتاة قوية ومستقلة , ما تكسبه من مال يغطي ضروريات حياتها . عندما أحبت ليو كالـﭭـاني كانت تعتقد أنه إنسان بسيط يعيش في الريف الإيطالي . وأنه مثلها . . . وحيـد . لكن مـا إن وصلت إلى منزله حتى اكتشفت أنه المنزل الأفخم في المنطقة وأنه يملك قريتين وأن عمه كونت . ليس هـذا ليو الذي أحبته . ليو سيصبح يوماً مـا كونتاً . . إنه أسوأ كابوس بالنسبة إلى سيلينا . إذ لا يمكنها أبداً أن تصبح كونتيسة . . للتذكير فقط السلسلة مكونة من ثلاث روايات رائعة الجزء الأول بعنوان الثاني بعنوان الثالث بعنوان ![]() التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 28-09-17 الساعة 02:18 PM | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #2 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 1 ـ أنــا هنــا ـ سيلينا , أنت تحتاجين إما إلى معجزة , وإما إلى مليونير . خرج بن من تحت السيارة المعطلة , و هو يحمل المفتاح الإنكليزي في يده , بدا نحيلاً كهلاً , وقد أمضى ثلاثين سنة من عمره في العمل كميكانيكي للسيارات . وهذه السنوات الثلاثون جعلته يدرك الآن أن سيلينا غايتس تريد منه إعادة إحياء جثة هامدة . قال بكآبة وهو يتأمل الشاحنة المقفلة الصغيرة : (( لا , لا جدوى من هذا الشيء )) . فراحت سيلينا ترجوه : (( لكن بإمكانك أن تجعلها تعمل مجدداً أعلم أنك تستطيع ذلك يا بن , فأنت عبقري )) . ـ كفي عن ذلك . قال هذا بصرامة غير مقنعة , ثم أضاف : (( لن ينفع هذا الكلام معي )) . فردت صادقة : (( لطالما نفع , يمكنك إصلاحها , أليس كذلك يا بن ؟ )) . ـ حسناً , لكنها لن تقلك سوى لمسافة قصيرة . ـ حتى ستيفنقل ؟ ـ ثلاثمائة ميل ؟ لا تكوني متطلبة ! حسناً , قد تصل , لكن ماذا ستفعلين بعد ذلك . ـ عندئذ , سأربح بعض المال في الروديو . ـ أستركبين تلك البهيمة المرهقة ؟ فانفجرت قائلة : (( أليوت ليس مرهقاً , إنه في ريعان شبابه )) . إن ذكر أليوت الحبيب يمس وتراً حساساً لديهما , و كانت سيلينا على وشك أن تدافع عنه بشراسة عندما تذكرت أن بن يصلح شاحنتها بكلفة زهيدة بحكم الصداقة التي تربطهما , فهدأت . إلا أنها قالت بعناد : (( سأربح أنا و أليوت مبلغاً مـا )) . ـ سيلينا , ما من مال كافٍ في العالم لإصلاح هذه الخردة لتعود جديدة . كانت مهترئة عندما اشتريتها , وهي آخذة في التراجع . من الأفضل أن تجدي مليونيراً وتقنعيه ببعض الكلام المعسول ليشتري ك شاحنة جديدة . عبست سيلينا قبل أن تجيب : (( لا فائدة من ملاحقتي لأي مليونير )) فأنا لا أملك المؤهلات اللازمة لذلك )) . تأمل قامتها الطويلة و النحيلة , ثم اعترف : (( لعلك تفتقرين إلى الصدر الممتلئ فقط )) . ـ بن , إني أفتقر إلى كافة المؤهلات . ثم كشرت ساخرة من نفسها وأردفت : (( ما من فائدة , فأصحاب الملايين يحبون النساء الكاملات و الممتلئات الجسم , وأنا لم أكن يوماً هكذا كما أن شعري ليس جذاباً , إذ يجب أن يكون طويلاً ومتموجـاً وليس . . . )) . وأشار إلى شعرها القصير الأشبه بشعر الصبية , فقد بدا شعرها بلونه الأحمر ملفتاً يتوهج كالنار , وكأنه يصرخ للعالم : (( أنا هنا ! )) . كان من المستحيل تجاهل سيلينا , فهي ذكية , وقحة , مستقلة , ومتفائلة إلى حد الجنون . باختصار إنها فريدة من نوعها , ومن يحاول أن يتحداها سيتعلم من ذات الشعر الأحمر درساً يقول له : احترس ! ثم تابعت سيلينا مقدمة حجتها المفحمة : (( كما أني لا أحب أصحاب الملايين , فه ليسوا أناساً حقيقيين )) . حك بين جبينه وسأل : (( ليسوا حقيقيين ؟ )) . ـ لا , فهم يملكون الكثير من المال . ـ الكثير من المال هو ما تحتاجينه الآن أو أنك تحتاجين إلى معجـزة . فردت : (( المعجزة ستكون أسهل . كن على ثقة يا بن بأن معجزة رائعة تتجه نحوي من مكان ما وستصل بطريقة ما )) . * * * مد ليو كالـﭭـاني ساقيه بقدر ما ستطاع , لكن المسافة لم تكن طويلة . استغرقت الرحلة من روما إلى أطلنطا اثنتي عشرة ساعة , وقد سافر في الدرجة الأولى . ليس ليو من الرجال الذين يختارون (( الدرجة الأولى )) عند السفر , مع أنه ثري ويمكنه أن يختار الأفضل من دون أي مشكلة , لكن التكلف يثير عصبيته , وينطبق هذا أيضاً على المدن و الثياب الأنيقة . لهذا , اختار أن يسافر وهو يرتدي بنطلونه الجينز القديم وسترته , وينتعل حذاء بالياً . فهذه طريقته ليعلن للعالم أن (( الدرجة الأولى )) لن تصبح عادة لديه . وأخيراً , حطت الطائرة في أطلنطا . سيتمكن قريباً من مط ساقيه وإن لبضع ساعات قبل أن يحشر قامته المديدة في الرحلة المتوجهة إلى دالاس . * * * خفض بن الفاتورة إلى أقصى حد ممكن لشدة ولعه بسيلينا , وكان يعلم أنها ستنفق الدولارات القليلة المتبقية لديها على أليوت . وإذا ما تبقى معها أي مال فستشتري به الطعام لنفسها , لكن إذا لم يتوفر لما تذمرت ولاستغنت عن الأكل . ساعدها في تعليق عربة الجواد بالشاحنة من الخلف , ثم تمنى لها الحظ وراح يراقبها وهي تخرج بحذر من باحة مرآبه . وعندما اختفت , رفع صلاة إلى الإله الذي يسهر على الشابات المجنونات اللواتي لا يملكن سوى حصاناً وشاحنة مهترئة , وقلباً كقلب الأس والكثير من العناد . * * * عندما صعد ليو عل متن الطائرة في مطار أطلنطا , كان التعب قد تملك منه فنام نوماُ خفيفاً حتى موعد الهبوط . وفيما كان يمط قامته ـ سيلينا , أنت تحتاجين إما إلى معجزة , وإما إلى مليونير . خرج بن من تحت السيارة المعطلة , و هو يحمل المفتاح الإنكليزي في يده , بدا نحيلاً كهلاً , وقد أمضى ثلاثين سنة من عمره في العمل كميكانيكي للسيارات . وهذه السنوات الثلاثون جعلته يدرك الآن أن سيلينا غايتس تريد منه إعادة إحياء جثة هامدة . قال بكآبة وهو يتأمل الشاحنة المقفلة الصغيرة : (( لا , لا جدوى من هذا الشيء )) . فراحت سيلينا ترجوه : (( لكن بإمكانك أن تجعلها تعمل مجدداً أعلم أنك تستطيع ذلك يا بن , فأنت عبقري )) . ـ كفي عن ذلك . قال هذا بصرامة غير مقنعة , ثم أضاف : (( لن ينفع هذا الكلام معي )) . فردت صادقة : (( لطالما نفع , يمكنك إصلاحها , أليس كذلك يا بن ؟ )) . ـ حسناً , لكنها لن تقلك سوى لمسافة قصيرة . ـ حتى ستيفنقل ؟ ـ ثلاثمائة ميل ؟ لا تكوني متطلبة ! حسناً , قد تصل , لكن ماذا ستفعلين بعد ذلك . ـ عندئذ , سأربح بعض المال في الروديو . ـ أستركبين تلك البهيمة المرهقة ؟ فانفجرت قائلة : (( أليوت ليس مرهقاً , إنه في ريعان شبابه )) . إن ذكر أليوت الحبيب يمس وتراً حساساً لديهما , و كانت سيلينا على وشك أن تدافع عنه بشراسة عندما تذكرت أن بن يصلح شاحنتها بكلفة زهيدة بحكم الصداقة التي تربطهما , فهدأت . إلا أنها قالت بعناد : (( سأربح أنا و أليوت مبلغاً مـا )) . ـ سيلينا , ما من مال كافٍ في العالم لإصلاح هذه الخردة لتعود جديدة . كانت مهترئة عندما اشتريتها , وهي آخذة في التراجع . من الأفضل أن تجدي مليونيراً وتقنعيه ببعض الكلام المعسول ليشتري ك شاحنة جديدة . عبست سيلينا قبل أن تجيب : (( لا فائدة من ملاحقتي لأي مليونير )) فأنا لا أملك المؤهلات اللازمة لذلك )) . تأمل قامتها الطويلة و النحيلة , ثم اعترف : (( لعلك تفتقرين إلى الصدر الممتلئ فقط )) . ـ بن , إني أفتقر إلى كافة المؤهلات . ثم كشرت ساخرة من نفسها وأردفت : (( ما من فائدة , فأصحاب الملايين يحبون النساء الكاملات و الممتلئات الجسم , وأنا لم أكن يوماً هكذا كما أن شعري ليس جذاباً , إذ يجب أن يكون طويلاً ومتموجـاً وليس . . . )) . وأشار إلى شعرها القصير الأشبه بشعر الصبية , فقد بدا شعرها بلونه الأحمر ملفتاً يتوهج كالنار , وكأنه يصرخ للعالم : (( أنا هنا ! )) . كان من المستحيل تجاهل سيلينا , فهي ذكية , وقحة , مستقلة , ومتفائلة إلى حد الجنون . باختصار إنها فريدة من نوعها , ومن يحاول أن يتحداها سيتعلم من ذات الشعر الأحمر درساً يقول له : احترس ! ثم تابعت سيلينا مقدمة حجتها المفحمة : (( كما أني لا أحب أصحاب الملايين , فه ليسوا أناساً حقيقيين )) . حك بين جبينه وسأل : (( ليسوا حقيقيين ؟ )) . ـ لا , فهم يملكون الكثير من المال . ـ الكثير من المال هو ما تحتاجينه الآن أو أنك تحتاجين إلى معجـزة . فردت : (( المعجزة ستكون أسهل . كن على ثقة يا بن بأن معجزة رائعة تتجه نحوي من مكان ما وستصل بطريقة ما )) . * * * مد ليو كالـﭭـاني ساقيه بقدر ما ستطاع , لكن المسافة لم تكن طويلة . استغرقت الرحلة من روما إلى أطلنطا اثنتي عشرة ساعة , وقد سافر في الدرجة الأولى . ليس ليو من الرجال الذين يختارون (( الدرجة الأولى )) عند السفر , مع أنه ثري ويمكنه أن يختار الأفضل من دون أي مشكلة , لكن التكلف يثير عصبيته , وينطبق هذا أيضاً على المدن و الثياب الأنيقة . لهذا , اختار أن يسافر وهو يرتدي بنطلونه الجينز القديم وسترته , وينتعل حذاء بالياً . فهذه طريقته ليعلن للعالم أن (( الدرجة الأولى )) لن تصبح عادة لديه . وأخيراً , حطت الطائرة في أطلنطا . سيتمكن قريباً من مط ساقيه وإن لبضع ساعات قبل أن يحشر قامته المديدة في الرحلة المتوجهة إلى دالاس . * * * خفض بن الفاتورة إلى أقصى حد ممكن لشدة ولعه بسيلينا , وكان يعلم أنها ستنفق الدولارات القليلة المتبقية لديها على أليوت . وإذا ما تبقى معها أي مال فستشتري به الطعام لنفسها , لكن إذا لم يتوفر لما تذمرت ولاستغنت عن الأكل . ساعدها في تعليق عربة الجواد بالشاحنة من الخلف , ثم تمنى لها الحظ وراح يراقبها وهي تخرج بحذر من باحة مرآبه . وعندما اختفت , رفع صلاة إلى الإله الذي يسهر على الشابات المجنونات اللواتي لا يملكن سوى حصاناً وشاحنة مهترئة , وقلباً كقلب الأس والكثير من العناد . * * * عندما صعد ليو عل متن الطائرة في مطار أطلنطا , كان التعب قد تملك منه فنام نوماُ خفيفاً حتى موعد الهبوط . وفيما كان يمط قامته المديدة , أقسم ألا يركب الطائرة مجدداً في حياته , وهذا ما يفعله بعد كل رحلة يقوم بها , وما إن تجاوز جهاز الجمارك حتى سمع صوتاً هادراً: (( ليو , أيها الفتى . . . ! )) . أضـاء وجه ليو لرؤية صديقه يتقدم نحوه فاتحاً ذراعيه . ـ بارتون , أيها العجــوز ! وفي اللحظة التالية , كان الاثنان يملكان بعضهما البعض بسعادة . بارتون هانوورث في الخمسينات من عمره , وهو رجل محب , أشيب , يخفي طوله الكرش الصغير الذي بدأ في الظهور أمامه . أما صوته وضحكته فيتميزان بالضخامة , تماماً كسيارته ومزرعته وقلبه . حرص ليو على تأمل السيارة بتمعن . ففي الأسابيع الستة الماضية أي منذ تقررت رحلته , تحدث إلى بارتون مرات عدة عبر الهاتف . ولم يفوت صديقه فرصة واحدة للتكلم عن (( طفلته المدللة الجديدة )) , فهي الأحداث والأجمل والأسرع . لم يأتِ على ذكر السعر , لكن ليو تحقق من الأمر عبر الإنترنيت وتبين له أنها الأغلى ثمناً . لذا , أدرك واجباته فراح يطري على الجميـلة الفضية اللون والكبيرة الحجم , فكـافأه صديقه بابتسامة عريضة مشعة . ولم يتطلب وضع حقائبه القليلة في السيارة سوى دقائق , لينطلقا بعدئذ في رحلة تستغرق ساعتين إلى المزرعة قرب ستيفنفيل . سأل بارتون وعيناه على الطريق : (( لِمَ سافرت من روما ؟ ظننت أن بيزا أقرب إليك )). فأجاب ليو : (( كنت في روما أحضر حفل خطوبة قريبي ماركو )) . ـ أتظن أن مصير هذه الخطوبة سيكون كمصير خطوبته السابقة ؟ ـ ربما . إلا إذا أدرك سريعاً أنه متيم بهارييت . ـ وماذا عن أخيك . ألا يسلك الدرب نفسه ؟ ـ آه , غويدو يملك من الحس السليم ما يجعله يدرك أنه يتصرف بجنون حين يفعل . إنه بخير ودولسي ممتازة وهي تناسبه . فقال بارتون ضاحكاً : (( إذن , لم يبقَ سواك حراً ؟ )) . ـ أنـا حر وسعيد بذلك , ولن تتمك إحداهن من الإمساك بي . ـ هذا ما يقوله الجميع , لكن انظر من حولك . فالرجال الجيدون يتساقطون كالثمار الناضجة . ـ نعم , طبعاً ! وعندئذ , ضحك الإثنان معاً . كانت ضحكة ليو بهيجة , مليئة بالشمس والحرية , ومفعمة بالحيوية و الحياة إنه رجل يحب الأرض ويسعى غريزياً إلى الهواء الطلق . يظهر ذلك في عينيه وجسده الضخم المسترخي , كما يظهر خاصة في ضحكته . قبيل الوصول إلى ستيفنفيل , راح بارتون يتثاءب , و قال : (( إن النظر إلى مؤخرة حصان طيلة هذه المدة يصيب عيني المرء بالحول )) . إذ كانت تتقدمهما قاطرة جياد قديمة مهترئة تعرض كفل فرس عريضة , وهي تسير أمامهما منذ مدة . وعاد بارتون يقول : (( المسافة لم تعد طويلة في الواقع . وهذا من حسن حظنا , فمن يقود هذه الشاحنة لم يتعد سرعة الخمسين . لنتجاوز ! )) . وزاد من سرعته لتجاوز الشاحنة . نظر ليو من نافذته فرأى المقطورة ومن ثم الشاحنة الصغيرة أمامها , ولمح السائق , وهي امرأة شابة , شعرها أحمر لامع . رفعت نظرها إليه لبرهة , ورأته ينظر إليها . ما حصل بعد ذلك أصبح موضع خلاف بينهما لاحقاً , فهي تقول دوماً إنه غمزها , فيما يقسم هو أنه غمزته أولاً , وتقول هي إن الأمر مستحيل ! ولا بد من أنها خدعة من الضوء , وأن رأسه مليء بالأوهام . . ولم يتمكنا من حل هذا الخلاف أبداً . بعدئذ , خفف بارتون من سرعته بعد أن تركاها خلفهما . فسأله ليو : (( هل رأيت هذا ؟ لقد غمزتني – بارتون ؟ بارتون ! )) . ـ حسناً , حسناً غني أريح عيني للحظة . لكن , لعل من الأفضل أن تتحدث إلي , كنوع . . . ـ لتبقى مستيقظاً ؟ حسناً , لا أظن أن تجاوز الشاحنة تركنا بحــال أفضل . قال ليو هذا وهو يراقب شاحنة أخرى كانت تتقدمهما , وهي تتحرك بشكل غريب , منتقلة من مسارٍ إلى آخر . انحرف بارتون نحو اليمين ليتجاوزها , لكن الشاحنة انحرفت في الوقت نفسه لتسد أمامه الطريق ما اضطره إلى العودة إلى الخلف . كرر المحاولة ثانية , ولكن الشاحنة انحرفت مجدداً ثم أبطأت سرعتها بغتة . صرخ ليو بسرعة حين لم يقم صديقه بأي رد فعل : (( بارتون ! )) لكن الأوان قد فات , إذ بم يعد بإمكانه أن يخفف سرعته تدريجياً , ما اضطره إلى التوقف على الفور , فداس على المكابح ليوقف السيارة في الوقت المناسب . إلا أن الشاحنة الصغيرة خلفهما لم تكن محظوظة بقدرهما , وتعالى فجأة صوت مكابح , ثم صوت ضربة تلته هزة أصابت السيارة , لتنتهي السلسلة أخيراً بصرخة غضب وألم . أما الشاحنة التي تسبب بالمشكلة فانطلقت في طريقها , وقد بدا سائقها غافلاً عما جرى . ترجل الرجلان من السيارة و أسرعا إلى الخلف لتفقد الأضرار , و ما رأياه روعهما . رأيا انبعاجاً عظيماً في مؤخرة السيارة مصدر فخر بارتون وسروره , انعكس على مقدمة الشاحنة الصغيرة . لكن الأمور كانت أسوأ عند مؤخرة الشاحنة , فالتوقف المفاجئ أدى إلى انحراف المقطورة واصطدامها بالشاحنة بقوة ألحقت الضرر بهما معاً كانت المقطورة منقلبة جزئياً وتستند مترنحة إلى الشاحنة , فيما الحيوان المذعور في داخلها مهتاج يكمل عملية التكسير . راحت الشابة ذات الشعر الأحمر تكافح لإعادة المقطورة إلى وضعها الصحيح , وهي مهمة مستحيلة , لكنها استمرت في محاولاتها بقوة شديدة الاهتياج . صرخ بها ليو : (( لا تفعلي هذا , فسوف تؤذين نفسك )) . فالتفتت إليه مجيبة : (( لا تتدخل ! )) . كانت جبهتها تنزف , فقال : (( أنت مصابة , دعيني أساعدك )) . ـ قلت لك ألا تتدخل , ألم تفعل ما فيه الكفاية ؟ ـ إسمعي , لست أنا من كان يقود السيارة . على أي حال , لم تكن . . . ـ وبم يهمني من كان يقود ؟ فأنتم كلكم متشابهون . تسرعون في سياراتكم اللامعة كما لو أنكم تملكون الطريق كدتم تقتلون أليوت . ـ أليوت ؟ وجاءه الرد على شكل تحطم آخر داخل المقطورة . وفي اللحظة التالية , وقع الباب وخرج الجواد لتنهب حوافره الأرض , ركض ليو والفتاة خلفه في محاولة منهما للإمساك به , لكنه فر منهما واتجه إلى وسط الطريق السريع . ومن دون أي تردد , لحقت الفتاة به متجاهلة حركة السير . قال ليو بعنف وهو يلحق بها بدوره : (( امرأة مجنونة ! )) . وتعالت أصوات مكابح أخرى وانهالت الشتائم من سائقين غاضبين على ليو , لكنه تجاهلهم وركض خلفها بجنون . حك بارتون رأس وتمتم : (( كلاكما مجنون )) . ثم أخرج هاتفه الخلوي من جيبه . ومن حسن حظهما , أن إصابة أليوت كانت طفيفة ما جعله غير قادر على العدو بشكل سريع . لكنه كان مصمماً على عدم السماح لهما بالإمساك به , وذلك لسوء حظهما . وما لم يستطع أن يحققه بالسرعة حققه بالمكر , فراح يدور هنا وهناك حتى اختفى بين مجموعة من الأشجار . وصاح ليو : (( اذهبي في هذا الاتجاه فيما اسلك أنا الاتجاه الآخر , لنتمكن من الإمساك به )) . وفي اللحظة التالية , بذل ليو جهداً إضافياً , مصدراً الأمر لساقيه لكي تسرعا أكثر . وأطاعته ساقاه فنجح في الإمساك بلجام الجواد على بعد خطوات من الطريق . نظر إليه أليوت بحذر , لكن يبدو أن كلمات ليو المهدئة الأولى أحدثت التأثير المطلوب . لم يكن قد سمع هذه الكلمات من قبل لأنها بالإيطالية , لكن صوت ليو صوت رجل يحب الجياد , ويتكلم لغة المحبة العالمية , وهدأ هيجان أليوت فوقف مكانه , عصبياً ومرتبكاً إنما مستعداً للوثوق به . لاحظت سيلينا كل هذا وهي تقطع المسافة القصيرة المتبقية . و لم تساعد السيطرة السهلة على جوادها في تحسين مزاجها , كما لم تساعد الخبرة التي أظهرها الرجل وهو يتفحص حوافر الحيوان ليقول أخيراً : (( لا أظن أن الأمر أخطر من مجرد التواء بسيط , لكن الطبيب البيطري سيؤكد ذلك )) . رددت بلهجة لاذعة : (( مجرد التواء بسيط . ما كان هذا الالتواء ليحصل لو لم تتوقف سيارتك فجأة )) . قال ليو وهو يتنفس بصعوبة بعد الجهد الذي بذله : (( عفواً . أنا لم أفعل شيئاً لأني لم أكن أقود , بل صديقي . كما أن الخطأ لم يكن خطأه أيضاً , بل خطأ ذلك الرجل الذي خفف سرعته أمامنا , والذي رحل منذ زمن ؟ لكن لو كان هناك عدل في العالم . . . تباً , ماذا تعرفين أنتِ عن العدل ؟ )) . ـ أعرف عن جوادي المصاب وشاحنتي المتضررة . أعرف أن السبب في ما حصل هو أنني اضطررت إلى الدوس على المكابح في آخر لحظة . . . ـ آه , نعم , مكابحك . يهمني جداً أن أتفحص مكابحك , أراهن على أنها مثيرة للاهتمام . ـ أتحاول أن تضع اللوم علي الآن ! ـ أنا . . . ـ أعرف أمثالك , تقول في سرك : (( إنها امرأة وحيدة , ولا بد أنها ضعيفة وعاجزة . دعنا نحاول لنرى إن كنت ستخاف بسهولة )) . فرد ليو بصدق تام : (( لم يخطر في بالي للحظة أنك تخافين بسهولة . أمـا بالنسبة للعجز , فقد رأيت رجالاً شجعاناً أكثر منك عجزاً )) . وكان بارتون قد قطع الطريق ووصل إلى حيث يقفان : (( انتظر لحظة ليو . . . )) . كان ليو عادة من أكثر الرجال هدوءاً , لكن طبعه اللاتيني قد يظهر بشكل عنيف إذا ما أطلق العنان له . ـ نحن هنا ألسنا كذلك ؟ لذا , ضعي اللوم علينا و . . . و . . . وكعادته دوماً عندما تخذله لغته الإنكليزية , استعان ليو بلغته الأم فاندفعت الكلمات من فمه كالموج الهادر في اللحظات التالية . وأخيراً , صاح بارتون : (( اللعنة ليو ! هلا توقفت عن التصرف بحساسية مفرطة و . . عن التكلم بالإيطالية ؟ )) . فقال ليو : (( أردت أن أعبر عن مشاعري وحسب )) . ـ حسناً , لقد فعلت . فلما لا نهدأ جميعاً ونتعارف ؟ ثم استدار نحو المرأة الشابة وعرف عن نفسه ببساطة وهدوء : (( بارتون هانوورث . صاحب مزرعة فورتين , قرب ستيفنفيل , وهي تبع حوالي خمسة أميال )) . ـ سيلينا غايتس , في طريقي إل ستينفيل ـ حسناً , يمكننا أن نضع عربتك في التصليح عندما نصل , وسنعرض الحصان على الطبيب البيطري . شدت سيلينا شعرها : (( لكن , كيف سنصل إلى هناك ؟ هل سنطير ؟ )) . ـ أبداً . لقد أجريت اتصالاً هاتفياً , والمساعدة في طريقها إلينا , وبانتظار أ تُحل الأمور ستبقين معنا ليوم أو أكثر . رمقت سيلينا ليو بنظرة مشككة وقالت : (( لكنه يقول إن الذنب لم يكن ذنبك )) . فاعترف بارتون من دون أن يجرؤ على مقابلة عيني ليو : (( حسناً , لعل رد فعلي جاء متأخراً بعض الشيء . في الواقع , لو أنني أبطأت سرعتي قبل . . . على أي حال , لا تهتمي بما يقوله صديقي )) . ثم مال نحوها وأضاف بلهجة لا تخلو من التواطؤ : (( إنه غريب . . . ويتكلم بشكل مضحك )) . كشر ليو وقال : (( شكراً يا بارتون )) . كان اهتمامه لا يزال منصباً على أليوت , فراح يداعب أنف الجواد ويهمس له بكلمات جعلته يستعيد هدوءه . كانت سيلينا تراقبه من دون أن تنطق بأي كلمة , لكنها سجلت في ذاكرتها كل ما يجري , ومهما كانت الأوامر التي أصدرها بارتون إلا أنها بدت محددة , إذ أخذت الأحداث تتسارع بعد فترة وجيزة , فظهرت شاحنة تجر خلفها مقطورة تحمل شعار مزرعة وتكفي لثلاثة جياد . قادت سيلينا أليوت بلطف وجعلته يصعد فوق اللوح المعد للتحميل , وكان الجواد يعرج بشكل واضح . وقال بارتون : (( البيطري والطبيب في انتظارنا في المنزل . والآن اصعدي معنا في السيارة لتنطلق )) . كانت تشعر بالغضب منه من دون أن تعرف السبب , وقد تأكدت من أنه لم يكن يقود السيارة , كما أن بارتون هانوورث , السائق , عرض عليها تعويضاً مناسباً . إلا أن أعصابها لا زالت ثائرة , فهي لم تعرف هذا المقدار من الخوف من قبل . ويبدو أن سخطها كله ينصب على هذا الرجل الذي يجرؤ على إصدار الأوامر إليها , والذي يتحدث إليها بصوت مهدئ كالذي استخدمه لتهدئة أليوت , وهذه هي الطامة الكبرى ! ـ سنصل قريباً , وسوف تحصلين على الرعاية المناسبة . فردت وهي تصرف بأسنانها : (( أنـا لا أحتاج إلى الدلال )) . ـ لكنك تحتاجين إلى العناية بعد تعرضك لحادث . فقالت بنكد : (( أظن أن البعض منا أقوى من البعض الآخر )) . ولم يجبها ليو , فقد بدت مريضة واعترف بأنه يحق لها أن تظهر سوء طباعها . للوهلة الأولى , تبدو هي نفسها جميلة , باستثناء عينيها الواسعتين الخضراوين , وقد عكست بشرتها المتوردة الصحة والحياة في الهواء الطلق , ولاحظت عينا ليو , اللتان كانتا تراقبانها , حركتها باستمتاع , فهي نحيلة كلوح من الخشب , ول تكن أنيقة لكنها قوية كما أنها تتحرك برشاقة راقصة . حاول أن يرى عينيها الرائعتين مجدداً من دون أن يفضح نفسه , فامرأة لها عينان كهاتين العينين لا تحتاج إلى أي شيء آخر يثبت جمالها . قال ليو وهو يمد يده : (( اسمي ليو كالـﭭـاني )) . صافحته فأحس على الفور بقوتها , شد أصابعه قليلاً , سعياً إلى عرفة المزيد عنها , لكنها سحبت يدها على الفور إذ لم تبقها في يده إلا بقدر ما تقتضي اللياقة . بدأت المقطورة تتحرك ببطء كما أصرت سيلينا , وبعد دقائق , أدرك أنها تتأمله بحشرية , لم تكن حشرية شهوانية كالتي اعتادها أو افتتاناً رومنسياً كما صادف غالباً . . إنها حشرية وحسب , كما لو أنه خطر لها أنه قد لا يكون سيئاً كما اعتقدت في البدء , وهي مستعدة للتعويض عما بد عنها لكن ليس أكثر . . . نهاية( الفصل الأول ) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #3 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 2 ـ عالقة بين الحطــام كانت مزرعة (( فورتين )) عبارة عن أربعين ألف متر مربع من الأراضي الخصبة , حيث يرعى خمسة آلاف رأس ماشية و مئتا جواد , ويعيش خمسة موظفين وعائلة مؤلفة من ستة أفراد . أدركت سيلينا أنها حضرة ثروة طائلة عندما قفزت على عجل من المقطورة ورأت الإسطبلات حيث يضع بارتون جيده الممتازة . كانت الأمور تسير بدقة الساعة . ففيما كانت تقود أليوت , فتح رجل باب مربط واسع ومريح حيث ينتظر الطبيب البيطري . ورأت طبيباً آخر , أراد أن يجرها جانباً ليتفحص جرحها لو لم يتدخل ليو كالـﭭـاني قائلاً بهدوء : (( دعها تهتم بالجواد أولاً , فلن تهدأ حتى تطمئن إلى أنه بخير )) . رمقته بنظرة امتنان لتفهمه , وراحت تراقب البيطري وهو يمرر يدين خبيرتين على جسد أليوت ليعطي بعدئذ التشخيص نفسه الذي أعطاه ليو , مع بعض التفاصيل الإضافية ليبرر كلفة المعاينة , وقد أعطى الجواد حقنة مضادة للالتهاب ووضع له بعض الضمادات . سألته سيلينا بقلق : (( هل سيتمكن من المشاركة في الروديو في الأسبوع القادم ؟ )) . ـ سنرى , فهو لم يعد شاباً . عندئذ , سألها ليو : (( لِمَ لا تدعين الطبيب يفحصك الآن ؟ )) . أومأت وجلست فيما راح الطبيب يفحص رأسها . تحت ستار هدوئها الظاهر كانت سيلينا في الواقع تغالب بأسها , فهي تشعر بالألم في رأسها , وفي قلبها وفي أنحاء جسمها كله . سأل ليو بارتون : (( كيف حال الجياد التي بعتك إياها منذ سنتين ؟ هل تتحسن ؟ )) . ـ تعال لتراها بنفسك . وسار الرجلان معاً يتفقدان المرابط . كانت الجياد الخمسة التي اشتراها بارتون من ليو في حالة جيدة . وهي حيوانات ضخمة ذات عراقيب قوية , تُمرن بشكل قاس لكنها تعامل معاملة ممتازة . قال بارتون حين راحت تمرغ أنفها في كتف ليو : (( أقسم أنها تتذكرك )) . فابتسم ليو ورد : (( إنها لا تنسى من يحبها )) . وفيما كانا يتأملان الجياد بإعجاب , استرق ليو النظر إلى سيلينا , فرأى الطبيب يضع لها ضمادة على جبينها وهو يقول : (( استريحي ليوم أو اثنين . استريحي جيداً )) . فأصرت : (( إنه مجرد ورم بسيط في الرأس )) . قال بارتون : (( سأحرص على أن ترتاح , فزوجتي تجهز لها غرفة )) . تبعتهما رغماً عنها إلى المنزل , وهو أشبه بقصر أبيض اللون جعلها تشعر بالغرابة . وتساءلت كيف سيتصرف ليو . ففي بنطلونه الجينز الرث وحذائه البالي بدا وكأنه في غير مكانه , كما شعرت هي بالضبط , لم يبدُ عليه أن الوضع يزعجه . صرخات اللهفة جعلت ليو يرفع عينيه , وما لبث أفراد عائلة هانوورث أن أحاطوا به . كانت داليا , زوجة بارتون , مليئة بالحيوية والحماسة والمرح , وقد بدت أصغر بعشر سنوات من عمرها الحقيقي , أما أولادها فهم : فتاتان تحملان اسم كاري وبياي , وهما نسخة شابة عن والدتهما , وصبي يبدو و كأنه يعيش في عالم الأحلام . بعيداً عن بقية الأسرة . واكتملت الأسرة بحضور بول أو بولي كما تصر داليا على مناداته , وهو ابنها من زواج سابق ونور عينيها , فقد دللته بشكل منافٍ للعقل . استقبل بولي ليو كفرد من الأسرة , متنبئاً (( بأوقات رائعة )) سيقضيانها معاً , كان بولي في أواخر العشرينات , ذا وسامة سطحية , لكن ملامحه أظهرت أنه يطلق العنان لأهوائه ورغباته , فهو يعتبر نفسه رجل أعمال , لكن (( عمله )) هو عبارة عن شركة إنترنت , وهي الشركة الخامسة التي يؤسسها والتي بدا أنها تسير على طريق الفشل السريع , كما فشلت الشركات الأربع السابقة . وقد كفله بارتون مراراً وتكراراً وأخرجه من ورطاته , مقسماً في كل مرة أن تكون تلك هي المرة الأخيرة التي يساعده فيها , لكنه سرعان ما يعود ويرضخ لتوسلات داليا . ساد اللقاء جو أنيس , فبولي يحسن التصرف ويبدو أنه عرف سيلينا : (( رأيتك في الروديو في . . . )) . وراح يتلو لائحة من الأسماء ثم أضاف : (( ورأيتك تفوزين أيضاً )) . استرخت سيلينا وتمكنت من منحه ابتسامة , ثم اعترفت : (( أنا لا أربح كثيراً , فقط بما يكفي لأستمر )) . فقال بولي وهو يصافحها : (( أنت نجمة , إنه لفخر أن يلتقيك المرء )) . إذا ما ساور سيلينا الشعور نفسه فقد نجحت في إخفائه , فثمة شيء في بولي يضفي لمعاناً كريهاً حتى على محاولات الإطراء التي يقوم بها . شكرته وسحبت يدها كابحة رغبتها في حفها على بنطلونها , فقد كانت يد بولي باردتين و دبقتين . قالت داليا بلطف : (( غرفتك جاهزة وسترشدك إليها الفتاتان )) . وتكفلت كاري و بيلي بسيلينا على الفور , فجرتاها على السلالم الضخمة قبل أن يتسنى لها أن تعترض . فتبعهم بولي , الذي بدا من الصعب التخلص منه , وعندما وصلن إلى أفضل غرفة للضيوف , احتال ليتقدمهن ويدخل من الباب المفتوح ليقول بظرف : (( الأفضل لأشهر ضيف عندنا )) . وبما أن سيلينا ليست مشهورة , وهي تعلم ذلك, فقد نظرت إليه شزراً . كانت ترى فوق رأس بولي إشارة تقول : (( حذر , مصدر للمشاكل ! )) , وسرت عندما عمدت كاري إلى طرد أخيها من الغرفة . كانت الغرفة مؤثثة بالأبيض و الزهري و البنفسجي , وهي ألوان داليا المفضلة , وكان لون السجادة زهرياً ما جعل سيلينا تتحقق من أن جزمتها لا تحمل وحلاً في نعليها , أما الستائر فزهرية مطرزة باللون البنفسجي , فيما أحاطت بالسرير الضخم ستائر ناعمة بيضاء اللون . يمكن للسرير أن يسع أربعة أشخاص , هذا ما خطر لها وهي تتحقق من الفراش بحذر . وبدا الفراش ناعماً وليناً ما جعلها تتراجع خطوة إلى الخلف . كيف يمكن للمرء أن ينام فيه من دون تردد ؟ جالت في الغرفة وهي تتساءل عما إذا كانوا قد وضعوها في الغرفة الخاطئة . فقد تخرج ملكة انكلترا من الخزانة لتقول إن الغرفة غرفتها . الحمام بدوره بدا مثيراً للاضطراب , إذ بدا متكلفاً , يعكس ذوقاً أنثوياً , بمغطسه الذي يشبه صدفة بحرية ضخمة , إذا كان ثمة شيء تعرفه سيلينا عن نفسها , فهو أنها ليست متكلفة ورقيقة كغيرها من الإناث . كانت تفضل الدوش , لكن قبعة الاستحمام لا تكفي لحماية الضمادة على جبينها لذا ملأت حوض الاستحمام . وعندما امتلأ الحوض , نزلت فيه بحذر تتذوق راحة المياه الساخنة التي هدات كدماتها استعرضت أنواع الصابون المختلفة حتى وجدت أخفها رائحة وبدأت تفرك بشرتها , وراحت متاعب النهار تزول تدريجياً . ما إن وقت في المغطس حتى رأت مجموعة من القوارير الزجاجية بألوان مختلفة على رف فوق الحوض , شعرت بالفضول , فاختارت إحداها وفتحتها لتشتم العبير الذي كان أقوى من رائحة الصابون . سارعت لاهثة إلى لإقفالها , لكن أصابعها كانت زلقة فما استطاعت أن تمسك بها جيداً وانزلقت القارورة لتتحطم على حافة الحوض مصدرة صوتاً ينذر بالأسوأ . صرخت سيلينا مذعورة بسبب الاصطدام وبسبب تناثر قطع الزجاج في كل مكان حولها . كان ليو في الغرفة المجاورة , يخلع ملابسه ليستحم . وكان بالكاد قد خلع قميصه حين سمع الصرخة فتوقف وخرج إلى الممر حيث وقف مجدداً مصغياً . كان الصمت يلف المكان . ثم سمع صوتاً يائساً من خلف باب سيلينا . ـ آه , لا ! ماذا سأفعل ؟ وتمكنت من التقاط منشفة كبيرة فلفت بها جسدها دون تحرك قدميها خوفاً من شظايا الزجاج . دق بابها : (( مرحباً ؟ هل أنت بخير ؟ )) . وصل إليه صوتها ضعيفاً : (( في الواقع , لا )) فتح الباب لكنه لم يرَ أحداً في الغرفة : (( مرحباً ؟ )) . ـ أنا هنـا . بات متأكداً من أنها في الحمام , فاقترب من الباب المفتوح بحذر, محاولاً ألا يلهث بسبب الرائحة القوية التي فاحت وأحاطت برأسه كغمامة . سألها : (( هل أستطيع الدخول ؟ )) . ـ سأعلق هنا إلى الأبد إن لم تدخل . تحرك بحذر ونظر من الباب إلى الصدفة الزهرية اللون الضخمة , فوجد سيلينا واقفة في وسطها وهي تحدق إليه بعينين مسعورتين وقد غطت رغوة الصابون ركبتيها وساقيها . قالت بصوت يائس : (( حطمت أحدى زجاجات الكريستال )) . نظر حوله وسألها : (( هل تأذيت ؟ )) . ـ ليس بعد , كن قطع الزجاج تناثرت في كل مكان تحت الماء , وفي أرض الحمام , لذا لا أجرؤ على أن أتحرك . ـ حسناً , لا تهلعي . أحكت شد المنشفة على جسمها وهو يتقدم منها . أخذ ليو نفساً عميقاً . كانت المنشفة تغطي جسمها حتى ركبتيها , تمسكت بعنقه وشعرت بيديه على خصرها كانت يداه كبيرتين , تكادان تطوقان جذعها , لكنه حاول ألا يركز على قربها الشديد منه . حملها وهو يسير بحذر فوق شظايا الزجاج المتناثرة على أرض الحمام إلى أن وصلا إلى غرفتها . و تجمد دمه لسماع صوت منذ بالسوء , إذ تناهى إايه صوت قهقهة فتاة , لا بل فتاتين تقفان أمام الباب . وتعالى صوت كاري : (( سيلينا , هل بإمكاننا أن ندخل ؟ )) . ـ لا ! . جاء صوت سيلينا حاداً وقفزت على الفور , فتمكنت من أن تصل إلى الباب في الوقت المناسب ومدت يدها لتقفله بالمفتاح , فيما اليد الأخرى تمسك المنشفة بإحكام على جسمها . لكنها لم تجد مفتاحاً , وهكذا لم تتمكن من إقفال الباب صرخت وهي تسند ظهرها إلى البا بقوة : (( لا تدخلا , فلست محتشمة . سأنزل بعد دقيقة . اشكرا والدتكما بالنيابة عني )) . ولحسن حظهما أن الصوتان قد ابتعدا . تمالك ليو نفسه وهو يتساءل كم سيحتمل أكثر . إذا لم يقض احتضانها على جهازه العصبي , فرؤيتها وهي تركض في الغرفة كالغزال المذعور قضت عليه تقريباً . لكنه كان واثقاً من أمر واحد وهو أنه أفلح إنقاذها , إذ لم يرَ نقطة دم واحدة تسيل منها . هرعت سيلينا إلى الحمام واستبدلت المنشفة الطويلة بثوب محتشم يلفها , ثم عادت إلى الغرفة لتقول : (( شكراً , لقد أنقذتني من وضع مؤذٍ للغاية )) . وكان قد تمالك نفسه حين رد : (( من الأفضل أن أرحل قبل أن سمعتانا )) . ـ ماذا سأقول للسيدة هانوورث )) . ـ دعي الأمر لي , أظن أن عليك ألا تنزلي إلى الأسفل . اخلدي إلى النوم , وهذا أمر . نظر إلى الممر و شعر بالارتياح حين لاحظ أنه خالٍ . لكن , ما إن خرج من الغرفة حتى ظهرت كاري وبيلي وكأنهما كانتا تختبئان في الزاوية . ـ مرحباً ليو ! هل كل شيء على ما يرام ؟ أجاب مدركاً أنه عاري الصدر : (( لا , فقد أوقعت سيلينا إحدى زجاجات الكريستال في حوض الاستحمام فتحطمت وهي فيه )) . وتمنى لو أن الأرض تنشق لتبتلعه , فيما أضاف : (( وعدتها أن أخبر امكما عن الزجاجة , وسأفعل ذلك . . . ما إن أرتدي قميصاً )) ودخل إلى غرفته مسرعاً , محاولاً ألا يسمع ضحكة المراهقتين المكبوتة والتي حملت ألف معنى من شأنها أن تجمد دم المرء في عروقه . * * * جاء رد فعل داليا كما توقع ليو بالضبط , فأظهرت تعاطفاً ولطفاً إذ قالت : (( ما قيمة الزجاجة ؟ سأصعد لأتأكد من أنها بخير )) . ثم عادت بعد دقائق ودخلت إلى المطبخ لتأمر بحمل الطعام إلى سيلينا في غرفتها . بدا أنها تحدثت إلى ابنتيها في هذه الأثناء , إذ إن موقفها من ليو حمل بعد ذلك بعض الخبث . ـ يبدو أنك لعبت دور الفارس . لكن , من يمكنه أن يلومك ؟ فهي فتاة جميلة . ـ داليا , أقسم أنني لم أرها قبل اليوم . وكانت غلطته فادحة , إذ ابتسمت داليا ابتسامة العارف بما يجري , وقالت : (( أنتم الإيطاليون جريئون و رومنسيون , لا تفوتون أي فرصة مع النساء )) . فسألها بيأس : (( ما هذه الروائح الزكية التي تتصاعد من المطبخ ؟ إنني أتضور جوعاً )) . الحديث عن الطعام قطع الطريق على الأحاديث الأخرى . الشخص الوحيد الذي أثار المسألة مجدداً كان بولي الذي أعاد تقريباً ما قالته أمه إلا أن الكلمات من فمه بدت سوقية , كريهة و مزعجة . وعندما شرح ليو لبولي مبتسماً ما قد يفعله به إذا ما أتى على ذكر الموضوع مجدداً , انتهت المسألة عند هذا الحد . وفيما كان يرتدي ثيابه ليشارك في حفل الشواء , حاول ليو أن يتفهم ردات فعله الخاصة . فبالرغم من موقف سيلينا الدفاعي وسرعة غضبها , وهو أمر لا يمكن أن يلومها أحد عليه , إلا أنها مغرية بشكل غريب , لم يفته أي شيء فيها للوهلة الأولى , حتى إن احتضانها ما كان له أن يثيره , فهي تفتقر إلى امتلاء الجسم الذي يفضله في النساء . لكن شيئاً ما فيها تمكن منه بشكل غامض , لم يتمكن بعد من تحديده . كما أن رؤية بولي بتشدق بما يعتقد انه جرى في غرفتها أثار غضبه . وقد كبح ليو رغبته في ضربه , بعد أن ذكر نفسه بأنه ابن مضيفته . بدأ الضيوف بالتوافد وتوجهوا إلى الحفل الكبير حيث تقام الحفلة , وهو الحقل نفسه الذي جرت فيه حفلة البارحة . راقب ليو ما يجري من نافذته , عابساً متوقعاً ما سيحدث الليلة . صاح بارتون ما إن نزل ليو السلالم : (( هل أنت مستعد لقضاء يوم ممتع ؟ )) . فرد ليو بصدق : (( أنا جاهز لذلك دوماً , لكن هل يمكننا أن نلقي نظرة على الإسطبلات أولاً ؟ )) . ـ طبعاً , إذا أردت ذلك . لكن لا تقلق يا ليو , فستكون على ما يرام . ـ أليوت ذكر وليس أنثى . ـ لم أكن أعني أليوت . قال بارتون ذلك , وقد بدا وكأنه لا يوجه كلامه إلى شخص محدد . بدا أن الدواء المضاد للالتهاب أخذ مفعوله , كما بدا أليوت راضياً . الطريق إلى الحقل يمر قرب مرآب بارتون , فرأى ليو عبر الباب المفتوح شاحنة سيلينا الصغيرة وبقايا مقطورة الجواد . قال بارتون متأملاً : (( لقد أمل الزمان على هذه الشاحنة وشرب . أتساءل كيف صمدت كل هذه المدة )) . صعد ليو إلى المقطورة , وما رآه فيها أصابه بصدمة . لطالما اعتبر نفسه معتاداً على الحياة القاسية والخشنة , لكن رؤيته (( لمنزلها )) صدمته , إذ أن محتوياته اقتصرت على الحد الأدنى الضروري . رأى أريكة بالكاد تكفيها لتنام وموقداً صغيراً , ومكاناً صغيراً جداً للاغتسال . و أفضل ما يمكن أن يقال عن هذا المكان هو أنه يشع نظافة . وأدرك أن تجارب الحياة القاسية التي عاشها , ما هي إلا تجارب رجل غني , وجد لعبة يلهو بها – إذ مهما كانت الظروف قاسية , كان بإمكانه دوماً العودة إلى الحياة السهلة المريحة عندما يمل من اللعب . أمـا هي , فليس لديها مهرب ؛ هذا واقعها وهذه حياتها . ما الذي دفعها لاختيار حياة التجوال , التي يبدو أنها لا تقدم لها الكثير ؟ واتضحت له الأمور بشكل مفاجئ ومفزع . لقد سلب منها الحادث كل ما تملك تقريباً . بعدئذ , لم تعد لديه فرصة ليفكر في أي أمر كئيب , إذ فتحت الضيافة في تكساس ذراعيها له . فارتمى بينهما مستمتعاً بكل لحظة , ومذكراً نفسه بأنه سيتمكن من التفكير لاحقاً , ومرت ساعات عدة سعيدة . وعندما كان يستريح ليلتقط أنفاسه , راح يتساءل عن حال سلينا , هل أكلت العشاء الذي أرسلته داليا إليها , وهل هي جائعة من جديد . ملأ صحناُ باللحم المشوي والبطاطا ووضع زجاجة مرطبات تحت إبطه ثم توجه نحو المنزل . لكن دافعاً ما جعله يغير وجهته نحو الإسطبلات , وكما توقع , وجد سيلينا هناك , تستند على مربط أليوت لتراقبه برضا . سألها ليو : (( كيف حاله ؟ )) . أجفلت ثم ردت : (( إنه أفضل , وقد هدأ كثيراً )) . هي أيضاً كانت بحال أفضل كما لاحظ , فقد عاد اللون إلى خديها والبريق إلى عينيها . رفع الصحن لتراه فراحت تنظر إلى اللحم المشوي بلهفة تدل على شعورها بالجوع . ـ أهذا لي ؟ ـ حسناً , من الواضح أنه ليس لأليوت , هيا تعالي . جلسا سوياً على كومة من القش وقدم لها العصير , فأرجعت رأسها إلى الخلف وشربت جرعة كبيرة منها , ثم تنهدت : (( آه , هذا جيد ! )) أشار إلى الباب برأسه قائلاً : (( لِمَ لا تنضمين إلى الحفلة ؟ )) . ـ شكراً , لكني لن أفعل . ـ ألم تزوري قط منزلاً كهذا من قبل ؟ ـ بالطبع , وفي العديد من المرات . لكني لم أدخل من الباب الرئيسي . قد عملت في أماكن كهذه , ألمع الأرض أنظف المطبخ , لكني فضلت العمل في الاسطبل . ـ متى كان ذلك ؟ تتكلمين وكأنك كبيرة في السن , لكن لا يمكن أن يكون عمرك أكثر من أربعين سنة . ـ أكثر من . . . ؟ ورأت بريقاً شريراً في عينيه , فضحكت وقالت : ((كنت لأطعنك وأتخلص منك لو لم تكن تحمل صحن اللحم المشوي )) . فرد وهو يناولها الصحن : (( هذا ما أحبه , امرأة تعرف أولوياتها , إذن , إن لم يكن أربعين , فكم عمرك ؟ )) . ـ أنا في السادسة و العشرين . ـ ومتى حصلت هذه القصة القديمة كلها ؟ ـ بدأت أرعى نفسي منذ كنت في الرابعة عشرة من عمري . ـ في مثل هذه السن أليس من المفترض أن تكوني في المدرسة ؟ هزت كتفيها بلا مبالاة , وقالت : (( أفترض ذلك )) . ـ ماذا حصل لوالديك ؟ ـ وبعد صمت استمر للحظات , ردت : (( تربيت في مأوى , في أكثر من مأوى في الواقع )) . ـ تعنين أنك يتيمة ؟ ـ نعم , لقد عشت في بيوت الرعاية . ـ بيوت ؟ بالجمع ؟ ـ الأول كان جيداً , ففيه اكتشفت الجياد . بعدئذ , علمت أن أي عمل أقوم به يجب أن يكون له علاقة بالجياد . لكن الرجل العجوز توفي وبيعت الجياد فيما أُرسلت أنـا إلى مكان آخر . هناك , كان الطعام فاسداً , وكنت أنا يداً عاملة رخيصة . لم يرسلوني إلى المدرسة لأنهم كانوا بخلاء ولم يرغبوا في دفع أجرة عامل . تشاجرت معهم فطلبوا مني توضيب أغراضي لأني عصبية ولا يمكن السيطرة علي . وهذا صحيح , فلم أكن لأدعهم يسيطرون علي . سألها مبهوراً : (( ماذا حصل بعدئذ ؟ )) . ـ ملجأ جديد , لا يختلف عن سواه . هربت وقُبض علي ثم أُعدت إلى المؤسسة . وبعدئذ , أخذوني إلى ملجأ جديد حيث بقيت ثلاثة أسابيع . سألها عندما التزمت الصمت مجدداً : (( ثم ماذا حصل ؟ )) . ـ هذه المرة حرصت على ألا يقبضوا علي . كنت في الرابعة عشرة وأبدو في السادسة عشرة . لا أظن أنهم بحثوا عني طويلاً . أتعلم , هذا اللحم المشوي لذيذ . قبل تغييرها للموضوع من دون اعتراض , لِمَ قد ترغب في مناقشة حياتها إذا كانت على هذا الحال ؟ نهاية( الفصل الثاني) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #4 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 3 ـ عصر الفرسان بعد أن خف خوفها على أليوت , استرخت سيلينا أكثر , وبدا وكأنها تتقبل الحياة كما هي . فسألها : (( هل أنت و أليوت معاً منذ فترة طويلة ؟ )) . ـ منذ خمس سنوات , كنت أعمل بشكل غير منتظم في الروديو , واشتريته بسعر زهيد كم رجل يدين لي بالمال . كان يدرك أن حياة أليوت العملية انتهت , لكنني رأيت أنه ما زال بالإمكان الاستفادة منه إذا ما تمت معاملته بشكل جيد . وأنا أعامله بشكل جيد . ـ أظن أنه يقدر ذلك . قال ليو هذا فيما وقفت سيلينا و توجهت نحو أليوت لتداعب أنفه , فاقترب منها الجواد برضا و سرور . وقف ليو بدوره وسار نحوها , ماراً بالمرابط حيث راح يتأمل الحيوانات التي بادلته النظر بنظرات هادئة , جميلة , بدت وكأنها تشع في النور الخافت . انضمت سيلينا إليه وسألته : (( أنت خبير في الجياد , أستطيع أن أرى ذلك )) . ـ أربي البعض منها في بلادي . ـ أين ؟ . ـ إيطاليا . ـ إذن , أنت غريب فعلاً . ـ نعم . معظم الناس لديهم أفكار مسبقة عن الإيطاليين , فلسنا جميعاُ ممن يتحرشون بالنساء . ـ لا , أنتم فقط تغمزون النساء على الطريق السريع . ـ من يفعل هذا ؟ ـ أنت فعلت . عندما تجاوزتني سيارة السيد هانوورث , رأيتك تنظر إلي ومن ثم غمزتني . ـ لم أفعل هذا إلا لأنك غمزتني أولاً . ـ إنها خدعة من الضوء , فأنا لا أغمز الرجال الأغراب . ـ وأنا لا أغمز النساء الغريبات . . . إلا إذا غمزنني أولاً . وفجأة , راحت تضحك كما أرادها أن تفعل , فأشرقت الشمس من جديد . أمسك بيدها وقادها مجدداً إلى كومة القش حيث كانا يجلسان . فقالت : (( أخبرني عن موطنك , أين تعيش في إيطاليا ؟ )) . ـ توسكانا , شمال البلاد قرب الساحل . أملك مزرعة حيث أربي بعض الجياد وأزرع الكرمة وأشارك في الروديو . ـ روديو في إيطاليا ؟ لا بد أنك تسخر مني . ـ أبداً ! ثمة مدينة صغيرة تُدعى غروسيتو , يقام فيها سنوياً روديو ومهرجان واستعراض يجوب المدينة كلها . وهناك مبنى مغطى بصور (( رعاة البقر )) المحليين . حتى سن السادسة , كنت أظن أن رعاة البقر إيطاليون , وعندما أخبرني قريبي ماركو أنهم أمريكيون نعته بالكاذب . يومها تشاجرنا فتدخل الأهل للتفريق بيننا . وتوقف عن الكلام إذ راحت سيلينا تقهقه ضاحكة . بعدئذ , أضاف : (( في النهاية , كان علي أن آتي إلى هنا لأرى بأم عيني )) . ـ هل لديك أقارب غير قريبك ماركو ؟ ـ نعم , لدي أقارب عديدون . لكني لست متزوجاً , فأنا أعيش وحدي إذا ما استثنينا جينا . ـ هل هي صديقتك الحميمة ؟ ـ لا , جينا تجاوزت الخمسين من العمر , وهي تطبخ وتنظف وتتنبأ لي بأنني لن أجد زوجة لأن الشابات لن يتحملن ذاك البناء الذي يعصف فيه الهواء . ـ هل تيارات الهواء مزعجة وقوية فعلاً ؟ ـ في الشتاء فقط ! فهي تتغلغل في الجدران الحجرية الضخمة . ـ يبدو لمكان بدائياً . ... ـ أظنه كذلك . فقد بُني منذ ثمانمائة عام , وما أن أُنهي إصلاح جزء منه حتى يظهر الخراب في مكان آخر . لكنه جميل في الصيف , إذ يبقى بارداً . وعندما تخرجين في الصباح الباكر وتنظرين إلى الوادي , ترين نوراً ناعماً لا ترينه في أي وقتٍ آخر . لكن عليك أن تتواجدي هنالك في الوقت المناسب لأنه لا يدوم سوى دقائق معدودة . بعدئذ , يتغير الضوء , فيصبح أقوى . و إذا أردت رؤية السحر مجدداً فعليك أن تعودي في صباح اليم التالي . توقف عن الكلام , وقد فوجئ لاستخدامه هذا العدد من الكلمات , ولموجة الأحاسيس الشاعرية التي اجتاحتهما . وأدرك أنها تنظر إليه باهتمام لطيف . ـ هل لديك أخوة وأخوات ؟ ـ لدي أخ أصغر مني . . . وعبس ليو ثم أضاف : (( علماً أن غويدو هو الأكبر بالنسبة للمجتمع . في الواقع , أكاد أكون غير موجود من الناحية القانونية , إذ تبين أن زواج والدي لم يكن قانونياً . لكن ما من أحد كان يعلم ذلك حينها )) . ـ وهل يهمك الأمر ؟ ـ أبداً . فقالت برضا : (( وأنا أيضاَ . فهذا الأمر يتركك حراً نوعا ما . يمكنك أن تذهب حيث تشاء , وأن تفعل ما تشاء , وأن تكون من تشاء . هل هذا رأيك أيضاً ؟ )) . وعندما لم تسمع منه أي رد , التفتت سيلينا فوجدته مستلقياً إلى الخلف , وقد أغمض عينيه وبدا جسمه في حالة من الاسترخاء . يبدو أنه لم يستطع أن يقاوم سلطان النوم أكثر . مدت يدها لتوقظه , لكنها توقفت على بعد إنش منه وراحت تتأمله . فأحداث هذا اليوم المربكة لم تترك لها فرصة لتتأمله . إنه المنقذ الذي أجاد التعامل مع أليوت , والذي هدأت يداه وصوته الحيوان الهائج . وإذا ما تقبله محبوبها أليوت , فعليها أن تتقبله هي أيضاً . لقد أنقذها في الحمام من جروح خطرة . حينذاك لم تسمح لنفسها بأن تفكر في الأمر أبعد من ذلك . لكن يمكنها أن تفكر فيه الآن . . في شعورها حين ضمها إلى صدره . . تذكرت كيف أمسك بها بيديه الكبيرتين , حاملاً إياها إلى بر الأمان , وكيف أبعدهما عنها ما إن أصبحت سالمة . لقد تصرف كسيد مهذب , حتى في تلك اللحظات . كل ما فيه يعجبها , بدءا من جبينه العريض الذي تخفي نصفه الآن خصلة شعر شاردة , مروراً بحاجبيه الكثيفين وصولاً إلى عينيه البنيتين الداكنتين . أعجبها أنفه المستقيم وفمه . وتساءلت عن مدى جرأتها في التعامل معه . في الحياة يمكنها أن تخاطر , وتجرؤ على تحمل أي سقطة , وامتطاء أي جواد لم تتآلف معه . لكن الرجال مختلفون , وفهمهم أصعب من فهم الجياد . إنهم غريبو الأطوار وقد يسببون الأذى أكثر مما تفعل أي سقطة . ومع ذلك أرادت أن ترى ليو يبتسم مجدداً . . أرادت أن تتبع حدسها حتى النهاية . صهل أليوت بنعومة , لكن الصوت كان كافياً ليوقظ ليو . فتح عينيه فيما وجهها لا يزال قريباً منه , ابتسم قائلاً : (( لقد مت ودخلت الجنة , وأنت ملاك )) . ـ لا أظن أنهم سيرسلوني إلى الجنة . إلا إذا تم تغيير القواعد و القوانين . ضحكا معاً , وتوجهت سيلينا نحو أليوت الذي صهل مجدداً . قال ليو : (( إنه يشعر بالغيرة وحسب لأنك تعيرينني انتباهك )) . ـ ما من داع للغيرة وهو يعلم ذلك , فهو عائلتي . ـ أين تعيشين ؟ ـ إقامتي مسجلة في مكان ما حيث أدفع الضرائب , لكني لا أقيم فيه . أنا أعيش مع أليوت , فهو بيتي وأهلي , وسيبقى كذلك إلى الأبد . فأشار : (( لا يمكن أن يبقى كذلك (( إلى الأبد )) . لا أعلم كم يبلغ من العمر , لكن . . . )) . قالت سيلينا بسرعة : (( إنه ليس عجوزاً . وهو يبدو أكبر من سنه لأنه تعرض للضرب , وهذا كل ما في الأمر )) . فرد ليو بلطف : (( نعم , أنا واثق من ذلك . لكن , كم يبلغ من العمر ؟ )) . تنهدت : (( لا أعرف بالتحديد , لكن عهده لم ينته بعد )) . وأشاحت بوجهها سريعاً لئلا يرى الألم الذي غمرها . لكنه رآه وانفطر قلبه من أجلها , فهذا الحيوان الهزيل , كان كل ما لديها في العالم . وفجأة , بدا وكأنها فقدت قوتها , فأمسك بها ليو بسرعة وقال : (( هيا , ستخلدين إلى النوم . ولا تجادلي لأني لن أرضى بالرفض كجواب )) . وأبقى ذراعه حول خصرها تحسباً لقيامها بخطوة مشاكسة , لكنها كانت أكثر إنهاكاً من أن تجادل , وتركته يقودها إلى المنزل ومن ثم إلى غرفتها . وعندما وصلا إلى الباب , قال : (( عمت مساءً . أتمنى لك نوماً هنيئاً )) . كان الفجر على وشك أن يبزغ عندما غادر آخر المدعوين , ملوحاً بيده وصارخاً : (( أراكم لاحقاً )) , عندئذ , توجهت الأسرة إلى النوم بعيون غائمة وقلوب سعيدة . جلس ليو في سريره وقد تملكه شعور غامض سار . هذه الليلة شهدت الكثير من المسرات , وتخللها الكثير من المرح والضحك والرقص , لا سيما بعد أن أوصل سيلينا إلى غرفتها وودعها ليعود إلى الحفل . شعر أنه الآن في سلام مع العالم . لكن وقع الخطى التي توقفت أمام باب سيلينا لم يفته . وساد الصمت , ثم تعالى صرير الباب وهو يُفتح . وكان هذا كافياً ليجعل ليو يهب واقفاً , ويخرج إلى الممر في الوقت المناسب , ليمسك ببولي وهو يهم بالدخول إلى غرفة سيلينا . قال بصوت جعل بولي يجفل : (( أليس هذا لطيفاً ؟ كلانا منشغل البال على سيلينا بحيث لم نتمكن من النوم قبل أن نطمئن عليها )) . منحه بولي ابتسامة باردة ورد : (( لا يمكنني إهمال ضيف )) . ـ بولي , أنت مثال يحتذى به . ودخل ليو إلى الغرفة فيما هو يتكلم ثم أضاء النور . عندئذ , توقف الرجلان وقد باغتتهما رؤية السرير فارغاً . وتمتم ليو : (( تلك المرأة الحمقاء عادت إلى الإسطبلات )) . ـ لا , لم أفعل . تناهى إليه هذا الصوت من كومة على الأرض . فأضاء ليو المصباح الموضوع بجانب السرير , ورأى كومة تتضمن غطاء ووسادة وامرأة حمقاء تشعث شعرها الأحمر بفعل الصدمة , سألت وهي تجلس : (( ما الأمر ؟ هل حصل شيء ما . )) . ـ لا , أنا وبولي قلقان عليك , لذا جئنا لنطمئن إلى حالك . فقالت وقد أدركت الحقيقة على الفور : (( هذا لطف بالغ منكما . أنا بخير )) . ـ إنها بخير يا بولي . يمكنك أن تخلد إلى النوم الآن وأن تنام هانئاً . وجلس ليو على الأرض قرب سيلينا كرجل يعود إلى جذوره . ـ آ . . . حسناً , أنـا . . . تكلما بصوت واحد : (( عمت مسا يا بولي )) . اضطر بولي للاعتراف بالهزيمة , فتراجع نحو الباب ثم خرج . وآخـر ما رأياه هو تقطيبته . قالت سيلينا : (( أنت تعلم أنه كان بإمكاني أن أواجه الوضع )) . ـ بعد ما مر بك اليوم , ألا يحق لك أن تكوني ضعيفة ولو قليلاً ؟ ـ لا يحق لأحد أن يكون ضعيفاً . ـ آسف ! فقالت بندم جلي : (( لا , أنـا آسفة . لم أقصد أن أكون فظة . أعلم أنك تحاول أن تكون لطيفاً معي , لكن عمليات الإنقاذ هذه بدأت تتحول إلى عادة سيئة )) . ـ أعدك بألا أعيد الكرة . في المرة القادمة , سأتركك لمصيرك , أقسم لك . ثم قالت شاكية : (( حاولت أن أنام على السرير قد المستطاع , لكن هذا جنون . فكما تقلبت طرت في الهواء ستة أقدام . النوم هنا أفضل )) . ـ من الأفضل أن أتركك فبل أن أغفو . اقفلي بابك بالمفتاح بعد خروجي . أعتقد أن ابن داليا لن يتوانى عن المحاولة ثانية . لكنه تذكر أن الباب من دون مفتاح , ولم تستطع إقفاله حين حاولت القيام بذلك من قبل , فتنهد . لم يعد أمامه سوى حل واحد . ـ ماذا تفعل ؟ طرحت عليه هذا السؤال حين عاد إلى السرير والتقط غطاءً ووسادة . فقال وهو يرتمي أرضاً , ساداً الباب : (( ماذا يبدو لك أني أفعل ؟ إذا استطاع أن يفتح الباب الآن فهو رجل أقوى مما ظننت )) . وتغلب عليه النعاس , أما آخر فكرة خطرت له فهي أنه سيعاني الأمرين في الصباح من جراء تصرفه هذا . لكنها ستبقى آمنة على الأقل . استيقظ وهو يشعر أنه بحال أفضل بع سهرة البارحة الطويلة . شعر بالنشاط يدب في المنزل حوله , ورأى أنه يستطيع أن يتركها بأمان .من الأفضل أن يرحل قبل أن تستيقظ , فهو لا يعرف ما يمكن أن يقوله لها . وراح يسخر في سره من تصرفاته التي شبهها هازئاً (( بتصرفات عصر الفرسان )) . دنا منها ببطء وهدوء متناسياً الفروسية , وراح يتأمل وجهها . لقد استعاد وجهها بعض اللون منذ الليلة الماضية , واستطاع أن يرى أنها نامت , كما يفعل هو دوماً , من دون حراك , كحيوان راضٍ . كانت قد نزعت الضمادة , فظهر الجرح و الكدمة في جبينها . وبدا لونها متناقضاً مع شحوبها . خطر له أن وجهها صغير وأنها تبدو الآن غير حصينة كطفل صغير , بعد أن تخلت عن حذرها وحكمتها لتستسلم للنوم . ساورته رغبة جامحة في أن ينحني ويعانقها , لكنه سُر لأنه لم يفعل , إذ ما لبث أن فتحت عينيها . بدت عينيها رائعتين , واسعتين وعميقتين عمق البحار , واختفى الطفل الذي كانته منذ قليل . ـ سألها : (( كيف حالك اليوم ؟ )) . ـ بألف خير . لم أمضٍ في حياتي ليلة مريحة كهذه . ـ على الأرض ؟ ـ هذه السجادة سميكة , إنها ممتازة ! ـ تمنى لي الحظ لئلا يراني أحد وأنا أخرج من هنا . ـ سأتحقق من الممر . ونظرت إلى الممر ثم أعطته إشارة الانطلاق . وما هي إلا لحظات حتى وصل إلى غرفته وإلى الأمان . صحيح أنه سمع الفتاتين تضحكان مجدداً , لكنه كثير الارتياب على الأرجح . استـحم وارتــدى ملابسه و هــو غـــارق في التــفكـيــر لأنـه أدرك أن ضميره يؤنبه بعض الشيء . فبالرغم من أنه لم يخبر سيلينا أي كذبة , إلا أنه ترك لديها انطباعاً بأنه فقير بقدرها تقريباً . لقد رأته في ثياب قديمة وسمعته يتحدث عن العيش القاسي , واقتنعت بأنه ابن مهمل . لكنه تغاضى عن إعلامها بأن عمه هو الكونت كالـﭭـاني الذي يملك قصراً في البندقية , أن عائلته ثرية جداً . و مــا أشــار إليه على أنه مزرعته , هو في الواقع ملكية رجل ثري . و إذا ما شارك في العمل المضني فهذا نابع م رغبة لديه . لكنه م يوضح لها هذه الأمور لأنه كان مقتنعاً في أعماقه بأن فكرتها عنه ستصبح سيئة . فهو يذكر كلامها بعد وقوع الحادث . لقد قالت : (( أنتم كلكم متشابهون . تسرعون في سياراتكم اللماعة , وكأنكم تملكون الطريق )) . أمضى يومه مع بارتون , يجولان في ممتلكات هذا الأخير . فبارتون يربي الماشية لجني المال , والخيول لأنه يحبها . وكان يسعى إلى تحسين نسلها ويدربها من أجل الروديو . ولفت نظر ليو جواد كستنائي اللون , وهو فرس ربعي , قصير , قوي العضلات , تمت تربيته للعدو السريع على مسافة ربع ميل , إنه حيوان مثالي للسباق . ـ إنه جميل , أليس كذلك ؟ قال بارتون هذا وهما يتأملانه ثم أضاف : (( أصله من هنا , اشترته زوجة صديق لي , ثم عدت واشتريته منها بعد أن تخلت عن الروديو لتنجب أطفالاً )) . سأله ليو مفكراً : (( هل بإمكاننا أن نأخذه معنا ونضعه في الإسطبل ؟ )) . أومأ بارتون إيجاباً , وفي طريق العودة إلى المنزل , علق قائلاً : (( يبدو أنك غرقت حتى أذنيك يا صديقي )) . ـ هيا يا بارتون , أنت تعلم ما سيقوله خبراء التأمين , سيلقون نظرة على أليوت وأخرى على الشاحنة , وعندما يتوقفون عن الضحك , سيعرضون عليها عشرة سنتات . ـ وبِمَ يعنيك هذا ؟ فمـا حصل لم يكن غلطتك أنت . ـ ستخسر المسكينة كل شيء . ـ حسناً , لكن ما دخلك أنت ؟ صرف ليو بأسنانه : (( هلا عدنا إلى المنزل وحسب ؟ )) . وابتسم بارتون ابتسامة عريضة . وصلا إلى المنزل ليجدا الجو كئيباً . كانت سيلينا جالسة على حافة شاحنتها تحدق في الأرض , فيما تسعى الفتاتان إلى مواساتها وتعزيتها . و كان بولي يحوم حولها كما تحوم الدجاجة حول صغارها . قالت كاري : (( قال البيطري إن أليوت لن يكون بصحة جيدة للمشاركة في السباق الأسبوع المقبل . وإذا ما حولت أن تمتطيه فقد يتعرض للإصابة )) . فقالت سيلينا على الفور : (( بالطبع , لن أفعل . لكنني لن أحظى بأي فرصة لأكسب أي شيء , ولا بد أني أدين لك بالكثير . . . )) . ـ لا , لكن يمكنك أن تسدي لي معروفاً . و أشار بارتون إلى الجــواد الربعي مضيـفـاً : (( اسمه جيبرز , ثمة شخص يود شراءه , و إذا ما ربح سباقاً أو اثنين فيمكنني أن أرفع سعره , لذا , امتطيه واعرضيه و سيكون هذا أكثر من كافٍ لتفي دينك )) . أخذت سيلينا نفساً عميقاً ومررت يدها بمحبة على الحيوان , قبل أن تقول : (( إنه جميل )) . ثم أضافت بسرعة : (( لكنه ليس بجمال أليوت بالطبع )) . وأطلعها بارتون على قصة المالك السابق , فشعرت سيلينا بالصدمة : (( تخلت عن المشاركة في الروديو لتبقى في مكانٍ واحد وتنجب أطفالاً )) ؟ فأشار ليو مكشراً : (( ثمة نساء غريبات )) . وأظهرت النظرة التي رمقته بها سيلينا رأيها بهذه الفكرة . ثم قالت : (( هل بإمكاني أن أضع سرجي عليه )) ؟ ـ فكرة جيدة . خرجت الأسرة كلها لتراقب سيلينا وهو تختبر جيبرز في حلبة بارتون التجريبية , وضعت البراميل الثلاثة على شكل مثلث . وانطلقت سيلينا وجيبرز بسرعة من خط الانطلاق وتوجها إلى المثلث ثم دارا بسرعة حول البرميل الأول ليعودا على المثلث , ومن ثم دارا مجدداً حول البرميل الثاني واستدارا نحو اليسار متوجهين نحو البرميل الأخير . كل استدارة هي عبارة عن زاوية من خمس وأربعين درجة , تضع توازن الجواد رشاقته فضلاً عن سرعته تحت الاختبار . كان جيبرز سريعاً , لكنه ثابت كالصخرة , أما سيلينا , فسيطرت عليه بيدين خفيفتين إنما قويتين . حتى ليو , وهو ليس خبيراً في هذا النوع من السباق , رأى أنهما متناسبان ومتجانسان . بعد الاستدارة الأخيرة , توجها مجدداً إلى وسط المثلث ومن ثم إلى الخارج , فيما تعالى تصفيق العائلة و صراخها . صرخ بارتون : (( ثماني عشرة ثانية )) . كانت عينا سيلينا تلمعان : (( بدأنا على مهل . انتظر حتى نعتاد على بعضنا البعض . سنسجل أربع عشرة ثانية في غمضة عين )) . وأطلقت صرخة ابتهاج وصلت إلى السماء , فانضم الكل إليها . وخطر لليو , وهو يتأمل وجهها , أنه لم يرَ قط في حياته شخصاً بمثل هذه السعادة . * * * نهاية( الفصل الثالث) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #5 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #6 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 5 ـ معجزة أم مليونير ؟ لم يكن ليو ينوي حضور الروديو في ستيغنفيل وحسب , بل المشاركة فيه أيضاً . ومع أسماه بارتون (( جرأة دون إدراك )) كان مصمماً على ركوب ثور . راح يجادل بارتون : (( ثور واحد وحسب , ماذا يمكن أن يحصل ؟ )) ـ قد تدق عنقك , ألا يكفي هذا ؟ كانا يتناولان الفطور مع العائلة , وربما أنهما جلسا على طرفي المائدة , راح الآخرون ينقلون نظرهم من أحدهما إلى الآخر كمن يشاهد مباراة في التنس . حتى إن جاك , الذي اعتاد أن يدرس حتى وهم يتناولون الطعام , رفع رأسه عن كتابه ليتأملهما ويتابع جدالهما . أصر ليو قائلاً : (( أنا أدرك ما أفعله يا بارتون )) . رد بارتون : (( أشك في أنك تدرك ما تفعله )) . ـ احتاج البعض التمرين فقط . ـ وهل هذا ما كنت تفعله في إيطاليا ؟ أولاً , لديهم ثيران تطرح راكبيها أرضاً . ـ احتاج لبعض التمرين على الآلة التي تملكها فقط . ـ ليصبح الذنب ذنبي ؟ مستحيل ! تنهد ليو : (( حسناً . علي أن أشارك من دون أي تمرين . وعندما أدق عنقي , يصبح الذنب ذنبك فعلاً )) . فصاح بارتون : (( هذه ضربة تحت الحزام )) . وإذا بكاري تتدخل متوسلة : (( دعه يحاول يا أبي )) . ـ أتريدينه أن يتأذى ؟ ظننت أنك مولعة به . فهمست الفتاة وقد تملكها الإحراج : (( أبي ! )) . كانت سيلينا مستمتعة بما يجري حتى تلك اللحظة . لكنها أشفقت على الفتاة التي أُعلن حب مراهقتها على الملأ , وتضاعف بؤسها بازدياد احمرار وجهها , كانت واثقة من أن ليو سيدعي أن شيئاً لم يحصل . لكنه فاجأها حين فعل العكس , إذ أعلن مشيراً إلى كاري : (( أترى , لدي شخص يساندني . أتعتقدين أني أستطيع القيام بذلك يا كاري ؟ )) . فقالت بتحد : (( نعم )) . ـ ولا تعتقدين أني سأدق عنقي , أليس كذلك ؟ ـ أظن أنك ستبرع . ـ أسمعت يا بارتون ؟ استمع إلى صديقتي هناك , فهي تعرف ما تقوله . اضطرت سيلينا للاعتراف بأنه أجاد التصرف, إذا اختفى احمرار كاري وعادت البسمة للظهور على وجهها . في غضون ثوانٍ قليلة , حول ليو ولعها به إلى صداقة قدرها علناً . كان تصرفاً ذكياً ولطيفاً منه . غمرها الدفء والسعادة . ولم تفهم لما أثار لطف ليو حيال شخص آخر هذا الشعور لديها . لكن الأمر كان أشبه بتلقي هدية شخصية . وكلما كان ألطف من أي رجل آخر , كلما شعرت بسعادة أكبر . تذمر بارتون إلا أنه استسلم أخيراً . وبعد الفطور , توجهوا إلى حيث الثور الآلي , وهي آلة كهربائية , صُممت ليتم امتطاؤها , تهتاج وتتمايل ليتمرن راكبها على التمسك بمطيته . كانت الآلة ذات سرعات متعددة , تبدأ بسرعة خفيفة للمبتدئين , و أصر بارتون على وضعها على السرعة الأخف رغماً عن ليو . وقفت سيلينا مع بقية أفراد الأسرة تتفرج بشغف على ليو الذي تمكن من اجتياز الاختبار الأول . وبعد أن تلقى التشجيع , قرر وزيادة السرعة وتمكن من البقاء على ظهر الآلة . الصرخة التي صدرت عن بيلي جعلتهم يديرون رؤوسهم في الوقت المناسب ليروا ليو وهو يطير في الجو , ليحط على الأرض حيث بقي ممدداً من دون حراك . دفنت كاري وجهها بين يديها : (( لا أستطيع أن أنظر . هل هو بخير ؟ )) . أما سيلينا فقد ساورها شعور بأن المن توقف فيما كانت تركض إلى حيث وقع ليو . وعندما وصلت إليه , صدرت عنه شهقة قوية . أصدر هذا الصوت المفزع مرة بعد أخرى , وشعرت بأن xxxxب الساعة عادت تدور مجدداً حين لاحظت تقطع أنفاسه . عندما مرت الأزمة , بدا منهكاً فاستند إليها و هو يتنهد . ثم رفع نظره نحو الآخرين الذي التفوا حوله وابتسم لهم ابتسامته العريضة التي لا تقاوم . وقال : (( قلت لكم إني قادر على ذلك )) . اعتباراً من تلك اللحظة بدأ العد العكسي للروديو . وراحت المدينة تمتلئ بالزائرين فيما تردد إلى مزرعة بارتون عدد كبير من المشترين الذين كانوا يتفحصون جياده الممتازة ثم يفتحون محافظهم . وبدت داليا في محيطها الطبيعي , فكانت تقيم الحفلات وتشرف على مخزون ملابس رعاة البقر وعلى سجل الأشياء التي تحتاجها للكشك الـذي ستقيمه . كان ليو وسيلينا يتمرنان معاً في بعض الأحيان , وهو مصمم على امتطاء ذاك الثور حتى لو كان هذا آخر شيء قد يفعله في حياته . تمرنت سيلينا بقوة , وخاضت سباقات حول البرميل على صهوة جيبرز بغية الحفاظ على الوقت الذي سجلته وهو أربع عشرة ثانية أو حتى خفضه . وفي إحدى المرات حاولت أن تلتف من زاوية ضيقة جداً , فانتهى بها الأمر مرمية عللا الأرض . ركض ليو نحوها وكان يشاهدها من خلف السياج , لكنها نهضت على الفور وقفزت على السرج مجدداً , لتعاود المحاولة بحذر أكبر هذه المرة , فتراجع ليو وانسحب . قال لها عندما ترجلت : (( ظننت أنك تأذيت )) . فسألته جذلة : (( أنا ؟ بسبب هذه السقطة الصغيرة ؟ مررت بما هو أسوأ , ولعل ما ينتظرني في المستقبل أسوأ , المسألة ليست هامة )) . تنهد : (( ألا يمكنك أن تكوني ضعيفة وحساسة أحياناً , كباقـي النساء ؟ )) . صاحت ضاحكة : (( ليو , على أي كوكب تعيش ؟ فالنساء لم يعدن ضعيفات و حساسات في هذه الأيام )) . وضربته على كتفه فرنت على كل عظمة في جسمه المرضوض . وتساءل عما يمكن أن يفعله مع امرأة كهذه , فهو لا يستطيع أن يواسيها بالكلام , لأنها ستظنه مجنوناً وقد تدوس على قدمه لتعيده إلى صوابه . كل ما يمكنه القيام به هو الانتظار والتمسك بالأمل , وهو على ثقة بأن الجوهر العذب واللطيف سيظهر يوماً ما تحت جلدها الشائك , وبأن ما هو مقدر سيحصل في الوقت المناسب عندما تصبح مستعدة , أو . . ربما لن يحصل أبداً . ذاك المساء , كان بارتون في مكتبه ينتظر عودتها . وعند إشارته , استوقف ليو سيلينا قائلاً : (( عودي معي إلى الخارج . أريد أن أريك شيئاً )) . ورأت في الباحة منزلاً صغيراً متنقلاً , ومع أنه لم يكن فخماً , لكنه بدا كالقصر مقارنة مع ما كانت سيلينا تقوده في الأصل . كما رأت خلفه مقطورة عادية إنما مصممة بشكل جيد . قال بارتون : (( إنهما لك , بدلاً مما فقدته )) . أخذت نفساً عميقاً : (( هل أتى مسؤولو شركة التأمين ؟ )) . رد بارتون بشيء من الارتباك : (( في الواقع , لا أريد اللجوء إلى شركة التأمين من أجل هذا الأمر . لم أتقدم بأي مطالبة منذ سنوات . . . في الواقع , من الأوفر أن أستبدل ما حطمت )) . قالت سيلينا : (( لكنني . . . لا أفهم , فالضرر الذي للحق بسيارتك . . . لا يمكن أن يكون أرخص من . . . )) . قاطعها بارتون : (( اتركي هذا الأمر لي , إنه أرخص الآن . . . هكذا تحل المسألة )) . ـ لكن بارتون . . . فقال براتون يائساً : (( النساء لا يفهمن هذه الأمور )) . ـ أنا افهم . ـ لا , أنت لا تفهمين شيئاً . لقد فكرت في الأمر ملياً و . . . , لا أريد أي جدال . ستأخذين جيبرز والعربتين فنصبح متعادلين . سألته سيلينا وقد شعرت بدوار : (( أتعطيني كل هذا ؟ لكنني لا أستطيع أن أقبل . فشاحنتي ومقطورتي بالكاد كانتا جيدتين . . . )) . فقال بارتون : (( لكنهما كنتا تنقلانك من مكان إلى آخر . حسناً , هذه الشاحنة ستقلك من مكان إلى آخر أيضاً )) . ختم بارتون كلامه بهذه الجملة وقد بدت في عينيه نظرة ضياع , إذ بدأ يفقد الإلهام ويفتقر إلى حجج مقنعة . ـ لكن جيبرز . . . ـ إنه يحبك ويتجاوب جيداً معك . والمقطورة تتسع لحصانين , لذا عندما يتعافى أليوت , يمكنك أن تأخذي الإثنين . فقالت سيلينا بحزم : (( لن يطول الأمر الآن )) . ـ طبعاً , لن يطول . لكن جيبرز سيساعدك حتى ذاك الحين . راقبهما ليو بصمت . ثمة أمر يعرفه الجميع , إلا أنها غير مستعدة للاعتراف به , وهو أن أيام أليوت في الروديو ولت . ترك سيلينا تتأمل منزلها الجديد , ولحق ببارتون الذي كان في منتصف الطريق إلى البيت . دمدم قائلاً : (( ظننت أنك ستفسد المسألة كلها )) . ـ لم يكن الذنب ذنبي . من الطبيعي أن تشك بالأمر . لذا , اضطررت لأن أرتجل . فقال ليو ساخراً : (( النساء لا يفهمن هذه الأمور . ما من رجل يجرؤ على قول مثل هذا الكلام في هذه الأيام , لا سيما إذا أراد أن يبقى حياً )) . التفت بارتون إليه : (( حسناً , أظن أن أداءك سيكون أفضل . حاول أن تخبرها الحقيقة . أخبرها أنك من يدفع التكاليف لنرى رد فعلها )) . فقال ليو باهتياج شديد : (( اصمت ! يجب ألا تعرف , هل ستبقى هنا طوال الليل أم ستنضم إلي في المنزل ؟ ـ سأرافقك إلى المنزل . أستيقظ الجميع باكراً في أول أيام الرودو . وحملت داليا وابنتاها كومات من البضائع الجديدة في الشاحنة , فيما راح بارتون يراجع لائحة أعدها باسماء الأشخاص الذين ينوي عقد صفقات معهم في جو مرح . وتم تنظيف جيبرز والاعتناء به حتى بدا وبره لامعاً , ثم عن سيلينا , فوجدها كما توقع تماماً , في مربط أليوت , تداعب أنف الجواد وتهمس له بحنان : (( الأمر ليس نهائياً , عليك أن تفهم ذلك , جيبرز جواد جيد , لكنه ليس أنت . لن تكون علاقتي به كما كانت العلاقة بيننا , سنصبح سوياً من جديد . هذا وعد )) . أراحت خدها على انفه , وقالت : (( أحبك أيها الحيوان العجوز أكثر من أي شخص آخر في العالم , أسمعت ؟ )) . حاول ليو أن ينسحب بهدوء , لكنه لم يفلح في ذلك . ورفعت سيلينا نظرها إليه , فقال بلطف : (( أعتقد أنه يعرف كل ما تفكرين فيه )) استدارت نحوه وفي عينيها نظرة حادة ثم سألته : (( ليو , أتظن أني سأربح ؟ )) . ـ حسناً , إن لم تكسبي فيمكنني . . وتوقف عن الكلام بعد أن وضعت إصبعها على فمه . ـ لا تكمل . فأنا لا أقبل الصدقة , ولن آخذ أي مال منك . بقي صامتاً فالوقت غير مناسب ليعلمها كم أعطاها حتى الساعة . وتابعت تقول : (( على أي حال , لِمَ تخاطر بمالك من أجلي ؟ لو أني عجزت عن تسديد المبلغ , فماذا ستفعل ؟ )) . ـ سيلينا , أنا لست في حالة مادية سيئة بقدرك . وما العيب في أن يساعدك صديق ؟ ما من قانون ينص على أن تبقي مستقلة دوماً . ـ بلى , إنه قانوني . وأنا أعيش بمقتضاه و لا يمكن أن أتغير . سأنجز أموري بنفسي وأكسب مالي بنفسي . ـ سيلينا , قبول المساعدة ليس ضعفاً . ـ لا , لكن الاعتماد على المساعدة ضعف . تصبح ضعيفاً عندما تعتقد أن شخصاً ما سيبقى دوماً إلى جانبك , ليساندك , إذ عاجلاً أم آجلاً سيرحل ويتركك عبس وقال : (( إن كنت تؤمنين حقاً بما تقولينه , فليساعدك الرب )). ـ لِمَ نتجادل ونتشاجر يا ليو ؟ إنه يوم رائع . سنمضي وقتاً رائعاً و سوف أفوز . لا يمكنني أن أخسر . نظر إليها وقد أمال رأسه جانباً : (( لِمَ لا يمكنك أن تخسري ؟ )) . ـ لآني حصلت على معجزتي . أتذكر حين التقينا على الطريق السريع ؟ ـ ما كنت لاختار كلمة (( التقينا )) إنما تابعي حديثك . ـ قبل ذاك , كنت مع بن وهو صديق قديم يصلح لي شاحنتي . قال لي إني أحتاج معجزة أو مليونيراً , لكني قلت له أن ينسى أصحاب الملايين , فما من جدوى منهم . فسألها ليو الذي شعر بابتسامته تشرق في داخله : (( إذن , اخترت المعجزة ؟ )) . ـ هذا صحيح . قلت له إني أشعر بأن معجزتي في طريقها إلي . وابتسم أكثر : (( وهل كانت فعلاً في طريقها إليك ؟ )) . ـ أنت تعلم الرد . كان بارتون على الطريق السريع وقد قُدر لنا أن نلتقي . وذوت الابتسامة : (( بارتون ؟ )) . ـ حسناً , أليست معجزة ؟ إنه رجل صالح , صاحب ضمير , لم يتملص من واجباته والتزاماته , كما كان ليفعل الكثيرون . فقال ليو بصوت أجوف : (( هذا صحيح )) . ـ إذن , فقد حصلت المعجزة . والآن سوف أربح . ـ وأنا أيضاً . اسمعي , كفي عن الضحك . لكن سيلينا استمرت في الضحك , فأضاف : (( أنت بذلك تجرحين مشاعري . لقد ظننت أننا أصدقاء )) . وعلى الفور , تمالكت نفسها ووضعت يديها حول وجهه , والندم بادٍ عليها . ـ ليو , أنا آسفة . لم أقصد أن أجرحك بعد أن كنت طيباً معي , كنت أمازحك وحسب . . . ـ أعلم ذلك . ـ هل أنت واثق ؟ فأنا مؤذية أحياناً . لا أتعمد القيام بذلك , لكن هذا لا يمنعني من الأذى . أومأ ليو برأسه متفهماً , فهو يدرك تماماً ما معنى أن يقوم المرء بأمر لم يكن ينوي قبل عشر ثوان القيام به . وناشدته سيلينا قائلة : (( قل إني لم أجرحك فعلاً فأنت أفضل صديق لي . وإن غضبت مني فلن أكون سعيدة ومرتاحة )) . ترك ليو يديه تلتفان حول خصرها . لم تكن مشاعره مجروحة , لكنه تمكن من النظر إليها بتعاسة , بعد أن أسكت ضميره , لا يمكن لومه لأنه يحاول أن يستفيد من الموقف إلى أقصى حد , أليس كذلك ؟ قال بشجاعة : (( أنا لست غاضباً )) . فسألته وقد تمكنت من قراءة أفكاره بسهولة : (( ولست مجروحاً أيضاً , أليس كذلك ؟ )) . لكنها لم تُبعد يديها بل أنزلتهما لتضعهما خلف عنقه , كما لم تقاوم حين شدها لتدنو منه أكثر . ثم قال : (( جرحتني في الصميم )) . لم تجب بل وقفت جامدة تتأمل وجهه , فيما الإثارة تتراقص على وجهها وشفتيها المبتسمتين وفي عينيها . قال بصوت غير ثابت : (( سيلينا , قربك مني يجعلني أشعر بالتوتر )) . ـ أتظن أن علي أن أفعل شيئاً بهذا الخصوص ؟ ـ نعم . هذا ما أظنه . أمالت رأسها بطريقة جعلت قلبه يتخبط بين ضلوعه . ثم قالت وهي تدنو منه : (( حسناً , تعبت وأنا أنتظر منك القيام بالخطوة الأولى )) . كان عناقهما كما تخيله بالضبط , لذيذاً و مغوياً إنما يخفي خلفه الكثير من التحدي والإثارة . لم تكن فتاة ساذجة , بل امرأة صاحبة تصميم . راح رأس سيلينا يدور , لم تتقصد القيام بذلك , لكنها كانت تحتاج لمعرفة شيء ما , فاقت لهفتها قدرتها على التحمل , فمعانقته اكتشاف وتحد في الوقت عينيه . وأدركت على الفور أنه كان عليها أن تنتظر , فما من امرأة ينتظرها يوم حافل , يمكن أن تتحمل هذا النوع من الإلهاء . وما عليها أن تلوم سوى نفسها لأنها لطالما علمت أن هذا الرجل يستحوذ على انتباه المرأة كله . ما كان عليها أن تستعجل الأمور . بدا أن شعوره يماثل شعورها , إذ لف يديه حولها بلطف لم يخفِ قوتهما . أرادت أن تكتشف هذه القوة , فوجدتها في عناقه , هذا العناق الذي سعى من خلاله إلى اكتشاف جوهرها الحقيقي . خطر لها وهي مشوشة الذهن بأن عليها أن تتوقف , فالتوقيت غير مناسب أبداً . ـ ليو . . . ـ نعم . . . وتعالى صوت بارتون من الخارج : (( هل من أحدٍ هنا ؟ نحن جاهزون للانطلاق )) . أطلقها ليو متذمراً : (( مع أني أحب بارتون , لكن . . . )) . عادت سيلينا إلى أرض الواقع وأدركت أنها تخلت تقريباً عن كل شيء من أجل هذا الرجل . واستجمعت شتات نفسها بعد جهد جهيد وقالت على عجل : (( لا , إنه محق . علينا أن نتوقف )) . ـ هل علينا ذلك ؟ ـ سيتاح لنا الوقت لاحقاً . أما حالياً , فعلينا أن نحضر أنفسنا لهذا اليوم . أرجع كتفيك إلى الخلف وارفع رأسك . ثق بنفسك وبقدرتك . ـ أجد أن من الأسهل أن أؤمن بك , فسوف تفوزين . لقد سجلت أربع عشرة ثانية على صهوة جيبرز , وما كنت أظنك قادرة على ذلك . رقصت لفرط إثارتها : (( كنت أعلم أن بإمكانه القيام بذلك , فهو جواد رائع , سريع وقوي للغاية . . . )) . ـ حذار ! فأنت تتكلمين أمام أليوت ! وقد يُصاب بعقدة نفسية . ـ آه . . . منك ! وضربته , فأحاط كتفيها بذراعه وخرجا معاً وهما يضحكان . * * * نهاية الفصل( الخامس) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #7 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 6 ـ وداع أم لقاء . . . الوصول إلى موقع الروديو أشبه بالدخول إلى قرية . ينقسم الموقع إلى حلبة حيث تجري المباريات , ومكان مخصص لتسليم الجياد وتجهيزها , ومركز للتسوق حيث تعرض داليا والعشرات غيرها نختلف أنواع البضائع . سعى ليو إلى امتطاء الثور في اليوم الأول , (( لتنتهي الكارثة سريعاً )) , بحسب تعليق سيلينا . وكما توقع , وجد فرقاً شاسعاً بين الثور الذي تمرن على امتطائه و الثور الضخم الهائج الذي قابله الآن . ما من شيء في الأيام القليلة الماضية , بما في ذلك تمارينه على الآلة , حضرة لما يواجه . بدا وكأن الثور قرر شخصياً أن يسحق عظامه كعقاب له على محاولته الغبية هذه . عليه أن يحاول تحمل هذا مدة ثماني ثوانٍ , كما خطر له فيما كان دماغه يرتطم يميناً و يساراً بجمجمته . لكنه ثور ضخم . وتمكن من رميه خلال ثلاث ثوانٍ , حط ليو على الأرض بقسوة لكنه نجا , فقد أصبح يجيد الوقوع أرضاً , بعد كل التمارين التي مر بها . وفيما كان يخرج من الحلبة , سمع تصفيق الحشود , تعبيراً عن تقديرهم وإعجابهم بجسارته لأنه حاول الصمود على ظهر ذاك الثور . ورأى آل هانوورث يصفقون له بحرارة الأصدقاء , باستثناء بولي الذي بدت السخرية على وجهه بشكل فاضح . أما سيلينا فلم تكن تسخر منه , كانت عيناها تلمعان من المتعة لأنه نجح في محاولته , وحملت ابتسامتها وعداً وتذكيراً . ابتسم ها ليو ابتسامة عريضة , ابتسامة سعادة ورضا . وليذهب بولي إلى الجحيم ! خلف ابتسامتها , كانت سيلينا تلوى . فعندما طار ليو من فوق رأس الثور غرزت أظافرها في راحة يدها ترقباً حتى استقام مجدداً . لم يدق عنقه . . . إنه حي . . . يمكن للأرض أن تدور من جديد . وبخت نفسها لأنها بالغت في رد فعلها وقلقت حيث لا ينبغي ذلك , فكم من رجل رأته يُرمى عن ظهر الثور ؟ لكن أياً منهم لم يكن ليو . انسحبت لتتحضر بدورها , كان جيبرز ينتظرها بهدوء . لقد سجلا معاً نتائج طيبة في حلبة التمرين , لكن الأمر مختلف الآن , إنها ليلة الافتتاح . أحكمت وضع قبعتها الطويلة على رأسها , ففقدانها قد يجعلها تخسر نقاطاً قيمة . سبقها إلى الحلبة خمسة متبارين , وسجلوا كلهم نتائج طيبة . قالت لجيبرز : (( حسناً , المهم ألا تدعهم يخيفونك . أنت لا بل نحن جيدان بقدرهم . هيا يا فتى ! لنثبت لهم ذلك )) . وما إن قُرع الجرس حتى طارت فوق خط البداية متوجهة نحو أول برميل داخل المثلث ثم انعطفت بشكل حاد لكنها تركت لجيبرز مكاناً كافياً ليتحرك , دار حول البرميل ثم حول البرميل الثاني وتوجها نحو الأخير ومنه إلى خط النهاية وشعرت بالبهجة حين أظهرت الساعة أنها في الطليعة . كان ليو بانتظارها خارج الحلبة فوقفا معاً يشاهدان المتسابق التالي . قال لها بصدق : (( لا مجال لمقارنتها بك , لا أحد من المتبارين يضاهيك )) . المتباريتان التاليتان كانتا بطيئتين . وبقيت سيلينا في الطليعة . وأخيراً تعالى الهتاف مع دخول المتبارية الأخيرة إلى الحلبة . ـ لا أستطيع أن أنتظر . قالت سيلينا هذا وهي تدفن وجهها في صدر ليو , فما كان منه إلا أن طوقها بذراعيه , فيما سألته : (( ماذا يحصل ؟ )) . ـ البرميل الأول , إنها سريعة لكنك لا تزالين متقدمة , البرميل الثاني . . . والآن الثالث . . . أصبح هتاف الجمهور الآن يصم الآذان . وتنهد ليو وهو يشد ذراعيه حولها , ويريح رأسه على رأسها . صرخت : (( آه , لا ! لا , لا , لا! )) . قال ليو : (( بعُشر الثانية , أنا آسف حبيبتي )) . قال الكلمة الأخيرة بالإيطالية , فرفعت رأسها وسألته : (( ماذا دعوتني ؟ )) . ـ كانت كلمة إيطالية . ـ أعلم , لكن ماذا تعني ؟ ـ حسناً . . . لكن , وفيما راح يتساءل عما إذا كان عليه أن يخاطر ويخبرها بمعنى الكلمة , سمعا صوت بارتون العالي والعميق يهنئها ويواسيها في الوقت عينه . ومرت تلك اللحظة , وبقي ليو يفكر في أن تردده أضاع عليه الفرصة , وإن لم تضع فقد تأجلت إلى وقت لاحق . عاد الجميع مسرورين إلى البيت تلك الليلة , فقد حققت داليا أرباحاً جيدة , وفازت سيلينا ببعض الجوائز النقدية لحلولها في المرتبة الثانية , كما بقي ليو على ظهر الثور مدة ثلاث ثوانٍ , كل هذه الأسباب دفعتهم للاحتفال حتى وقت متأخر من الليل . وبالرغم من هزيمتها , شعرت سيلينا بالسعادة , فالمبلغ المخصص للمرتبة الثانية أفضل مما تجنيه عادة , وجدها ليو جالسة على الشرفة تتأمل المال بسعادة لا متناهية . ـ أنا غنية , غنية ! سألها ساخراً : (( تعتبرين نفسك غنية لأنك كسبت مئة دولار )) . ـ إنها فدية ملك حسناً , ربما ملك صغير جداً . ومن يرغب في دفع فدية ملك , على أي حال ؟ فليذهب الملوك إلى الجحيم ! كان النجاح قد أثمها , فراحت تضحك وهي تتكلم , مهاجمة مجتمع النخبة بجسارة ومرح . وعلق ليو : (( هذا كثير على الأسرة المالكة . يبدو أنك لا تؤمنين بهم )) . وسألته : (( لديكم منهم في إيطاليا , أليس كذلك ؟ )) . ـ ماذا ؟ ـ الأرستقراطيون . فاجأته كلمة أرستقراطيون , فقال بحذر : (( إيطاليا جمهورية . . . إنما لا يزال لدينـا بعضاً منهم )) . ـ هل التقيتهم يوماً , أعني هل تحدثت إليهم وجهاً لوجه ؟ ـ ليسو نوعاً من أنواع الزواحف يا سيلينا . ـ هذا ما هم عليه . يجب أن يوضعوا في قفص في حديقة الحيوانات . ـ لكنك لا تعرفين شيئاً عنهم . ـ حسناً , وهل تعرف أنت ؟ ـ أعرف أنهم ليسوا جميعاً سيئين . ـ لِمَ تدافع عنهم ؟ ينبغي أن تكون إلى جانبي . . . فليسقط الأرستقراطيون , وليحيا العمال . ـ أتودين إرسالهم جميعاً إلى المقصلة ؟ هزت رأسها : (( لا , سأجعلهم يوسخون أيديهم في الحقول , مع العمال , مثلنا )) . فقال : (( أنت لا تعرفين أني عامل , من يعلم ماذا أفعل عندمـا أعود إلى إيطاليا ؟ )) . تركت ما كانت تفعله وأخذت إحدى يديه بين راحتيها . بدت يده كبيرة وخشنة . فقالت : (( طبعاً أنا أعرف , فهذه يد عامل , لقد تعرضت للأذى مرات عدة , فيدك تحمل ندوباً )) . وكان هذا صحيحاً , لكن الحقول كانت حقوله و هي تدر عليه ثروة أكبر من ثروة بارتون . خدعته الصغيرة باتت تثقل كاهله , وفجأة لم يعد قادراً على التحمل ـ سيلينا . . . بدا وكأنها لم تسمعه , كانت تقلب يده , حاملة إياها بنعومة ولطف . ثم رفعت عينيها إليه فصدمته نظرتها البريئة , كان في عينيها بريق خطف أنفاسه وبهره فأشاح بنظره عنه . سألته بهدوء بعد أن تركت يده : (( ما الأمر ؟ )) . ـ لا شيء , أنـا . . . وابتسم لها ابتسامة عريضة , مصطنعة ثم أضاف على عجل : (( جسدي كله يؤلمني . سـأزور مجبر العظام غداً . والآن , حان وقت دخولنا نحن الاثنين إلى المنزل , كان يومك شاقاً وطويلاً )) . فهمست بكآبة : (( نعم , كان يومي شاقاً للغاية )) . في الليلة الأخيرة للروديو , تقرر أن يقيم بارتون إحدى حفلات الشواء التي اعتاد إقامتها . فما من ضيافة تضاهي تلك التي تتميز بها مزرعة فورتين . تبعتهم مجموعة كبيرة من السيارات والشاحنات وهم في طريقهم إلى المنزل . ساور ليو شعور بعدم الرضا , إذ تذكر أنه سيغادر في اليوم التالي , لكنه لم يكن مستعداً لذلك . شيء ما بدأ هنا لكنه لم ينتهِ , ولم يكن باستطاعته تسريع الأحداث لأنه لا يعرف طبيعة مشاعره بما يكفي . لقد انطبعت سيلينا في قلبه كما لم تفعل أي امرأة من قبل , إنما ثمة هوة سحيقة بينهما , تباين في أسلوب الحياة والبلاد واللغة . كما أنهما لا يؤمنان بالمستقبل نفسه , وحده حب كبير يمكنه أن يتغلب على مثل هذه المشاكل و يتجاوزها . وكيف ه أن يأمل أن امرأة لا تؤمن بالحب سوف تحبه حباً كهذا ؟ فكرة الوداع آلمته للغاية , وأمل أن تكره ذلك بقدره , لكن كان من المستحيل معرفة ذلك . و لعل هذا هو الجواب الذي يحتاجه . لم يريا بعضهما كثيراً منذ ليلة الروديو , وكان شوقه إليها يعذبه كما يغمره شعور بأنه يسير على حبل رفيع . في اليوم التالي , ارتدى ثيابه على عجل واستعد للأمسية . وتعالت من الطابق السفلي أصوات الموسيقى و الضحكات , فوقف يتأمل المشهد السار . تصاعدت رائحة لذيذة من الشواء , فيما راحت الأضواء تلمع بين الأشجار , وبدا وكأن الموسيقى تستدعيه بإغراء . لقد سبقته سيلينا إلى الحفل . استطاع أن يراها وسط مجموعة صغيرة من الناس . لا بد أن أداءها الحيوي لفت الأنظار . سيصبح مستقبلها أفضل الآن , وستأتي المساعدة التي قدمها بثمار جيدة , حتى وإن لم تعلم هي بذلك , حتى لو نسيته كلياً ولم يخطر في بالها مجدداً لبقية حياتها , وعند هذه الفكر الكئيب , نزل إلى الأسفل لينضم إلى الحفل . كان الحفل يعج بما يمكن أن يلهيه : نساء باسمات , طعام لذيذ , أحاديث مضحكة ومشوقة , لكنه فقد شهيته فجأة , وراح يراقبها والغيرة تتآكله . رقص عندما اضطر ذلك لكنه سعى دوماً لئلا تغيب عن ناظريه . عندما تفرقت الجموع لتبدأ رقصة جديدة , شق طريقه نحوها ورأى أن عينيها تلمعان . قالت بسعادة : (( أشعر أني بأحسن حال . آه , ليو , لو أنك تدرك شعوري هذا ! )) . فقال بحنان : (( هذا رائع , أريدك أن تكوني هكذا على الدوام )) . ـ لقد أجرت مع الصحيفة المحلية مقابلة للتو , وسألتني عن نجاحي . . . بعد أن هُزمت بفارق ضئيل في السباق الأول , كسبت في اليوم الثاني وحققت انتصاراً آخر في اليوم الذي تلاه , وفي اليوم الأخير , تم تنظيم حدث كبير لأفضل عشرة متسابقين من المباريات السابقة , وقد حصدت النصر . سألته بتعجب : (( هل تعلم كم كسبت من المال )) ؟ ـ نعم , لقد أخبرتني . ـ لقد جنيت أكثر مما حصلت عليه يوماً . ـ وماذا ستفعلين بهذا المال ؟ ـ سـأشارك في مسابقات أخرى , سيكفيني هذا المال للأشهر الستة القادمة . ـ وبعدئذ ؟ ـ حتى ذاك الحين , أكون قد كسبت ما يكفي للسنة القادمة . أنا على الطريق الصحيح . لم يبد من كلامها أنها ستشتاق إليه شوقاً شديداً , تأملها قليلاً ثم ابتعد ليجر كاري إلى حلقة الرقص . رقصا حتى انقطعت أنفاسهما , ثم سارا معاً إلى المقصف وهما يضحكان . سألته كاري : (( هل سويت الأمر ؟ )) . ـ الأمر ؟ ـ مع سيلينا . هل هي مولعة بك بقدر ما أنت مفتون بها ؟ منذ أن استنجد بها ليو في النقاش حول ركوب الثور , اتخذت كاري لنفسها دور الشقيقة المتفهمة . ـ من الواضح أنها ليست مولعة بي . ـ لكنك مولع بها . ـ كاري , أرجوك ! ـ حسناً أعتقد أني رأيتها تبحث عنك , وكنت أخط للانسحاب , لكن إذا . . . ـ أنت فتاة رائعة . والتفت ليرى سيلينا تتأمله وقد علت شفتيها ابتسامة صغيرة غريبة . اقتربت منه وقالت : (( لم ترقص معي بعد )) . وانسحبت كاري كما وعدت , لكن ليس قبل أن تلقي نظرة لترى ليو وسيلينا في أحضان بعضهما البعض كنصفين يتكاملان . رقصا صامتين لفترة , وكل منهما يفكر في أنهما سيفترقان وسيرحل كل منهما في طريقه في الغد . شعرت سيلينا بإرباك شديد , فقد ودعت الكثيرين من قبل , لكن الأمر مختلف هذه المرة . حاولت أن تكون عملية . كل ما عليها أن تفعله هو أن تتماسك حتى يرحل ثم تنساه . لا بد أنه من السهل نسيان رجل يعيش في النصف الآخر من العالم . لكن قلبها ينبئها بأن لن يكون يعيداً مجدداً , لأنها ستحمله معها في كل لحظة ولبقية حياتها . وفجأة تغيرت الموسيقى , وتعالى عزف كمان منفرد راح يعزف لحناً كئيباً . لحن توق ووداع . لن تراه مرة أخرى , فدنت منه أكثر فيما اعتصر الألم قلبها . أغمضت عينيها , فلم ترَ إلى أين كان يقودها . كل ما عرفته هو أنهما يرقصان , يدوران ويدوران , فيما الأصوات تخفت من حولهما . تابعت الرقص كأنها في حلم حيث لم يكن هناك سواهما , يدوران ويدوران . ـ سيلينا . . . صوته وهو يهمس اسمها جعل تفتح عينيها لتجد جهه قريباً من وجهها . ـ سيلينا . . . وداعبت أنفاسه وجهها , فهمست بسرعة : (( نعم )) . وعانقها بعنف نابع من يأسه , شعر أنها تنساب من بين أصابعه , وبدا الإمساك بها أشبه بمحاولة الإمساك بالزئبق . بادلته العناق بالشغف نفسه . شيء ما ينمو منها الآن . ستستفيد من قربه منها إلى أقصى حد مهما كلف الأمر , وستعيش بعدئذ على مجد هذه اللحظات . لم تعلمها حياتها الكثير عن الحب والحنان , وما تعرفه اكتشفته بنفسها . لكن ما يحصل في داخلها الآن تجربة جديدة لم تعشها من قبل . لم تكن تعلم أن عناق رجل قد يجعلها تتألم من فرط السعادة و التعاسة في آنٍ معاً , بحيث لم تعد تعرف أيهما أقوى . لكن هذا لا يهم . كانت تعي مشاعرها وأحاسيسها وتدرك أنها لن تندم عليها أبداً مهما كلفتها من ألم . وسوف تتألم , هذا ما علمتها إياه حياتها . إن حياة هذا الرجل مليئة بالنساء من دون شك , لكن لمسته تبدو بريئة وكأنه يختبر شيئاً ما لأول مرة في حياته . ورغم اللهفة التي تسيره ما زالت تشعر بحنانه , وكأن الحرص عليها يهمه أكثر من أي شيء آخـر . إلا أنه يريدها إلى حد يقوده إلى الجنون . كانت تشعر بارتجاف جسده الضخم والقوي وبحركة تنفسه المتسارعة . وأثارتها فكرة أنها تؤثر فيه إلى هذا الحد , أرادته أن يؤخذ بها بقدر ما هي مأخوذة به . كان هو من وضع حداً للعناق , فأمسك بها من كتفيها وأبعدها عنه قليلاً كي يتمكن من النظر إلى وجهها . بدا وجهه عاصفاً . وقال لاهثاً : (( اخترنا وقتاً غير مناسب , ربما علينا . . . )) ـ ربما علينا ماذا ؟ أن تكون أكثر عقلانية ؟ من يريد أن يكون كذلك ؟ ـ حسناً , أنا بالطبع لا أريد , لكن أنت . . . سيلينا , غداً . . . وتوقف عن الكلام , وسحبت الكلمات المتعقلة الحكيمة في الهواء وماتت قبل أن ينطق بها . همست : (( نعم , نعم . . . )) . واقتربت منهما أصوات تتعالى من مكان ما . مزاح , ضحك , غناء , ضيوف يصيحون ويهتفون فرحاً قبل أن تنتهي الحفلة . نظر ليو يائساً إلى الضوء و الضجيج اللذين تدفقا نحوه ليغمراه ثم سمعا أصواتاً . ـ انظروا من يختبئ بين الأشجار ! ـ من هذه , ليو ؟ ضحك بصوت عالٍ , محاولاً التخلص من السؤال . وقدم له أحدهم كأس عصير فأخذه . وعندما التفت بحثاً عن سيلينا , لم يجدها . * * * بدا وكأن دهراً مر قبل أن يرحل الضيوف . وأخيراً عاد المكان هادئاً واستطاع ليو أن يتنفس الصعداء , فقد يتمكنان من الاختلاء ببعضهما البعض للحظات , ليحلا المسائل التي أثاراها بين الأشجار . لكنه لم يجد أثراً لسيلينا , لقد حمل عناقها الكثير من الوعود , وها هي تتركه الآن . صعد إلى غرفته مقطب الجبين , وهو يحاول أن يفهم ما يجري . يمكن للنار أن تتجمد قبل أن يفكر في قرع بابها , فعليها أن تقوم هي بالخطوة التالية . هذا ما قاله لنفسه , وعلى الرغم من ذلك , توجه إلى بابها وقرعه بنعومة . أما أن يفعل هذا وإما أن يمضي حياته وهو يتساءل عما إذا كان قد قام بالخيار الصحيح . وعندما لم يسمع أي رد , طرق الباب بقوة أكبر ثم انتظر . لكن ما من رد . توجه إلى غرفته , وقف قرب النافذة يتـأمل الأراضي المظلمة , وقد أدرك أن من الغباء الاستغراق في الأحلام في حين أنه سيرحل غداً . لقد فات الأوان الآن . وقف هناك محاولاً أن يقنع نفسه بأن من الأفضل أن يتحلى بالوعي . لم يعلم ما الذي جعله يعي أنه ليس وحيداً في الغرفة . لم يسمع صوت تنفس واضحاً , لكن شيئاً ما تغير في الجو . وعندما مد يده إلى المصباح , همس صوت في العتمة : (( لا تضئ النور )) . قال : (( أين أنت ؟ )) . لم تجب , لكنه ما لبث أن أحس بذراعين ناعمتين تلتفان حول عنقه . سألها : (( كنت هنا طوال الوقت ؟ لقد عدت للتو من . . . )) . ـ أعلم , فقد سمعتك . وسرته ضحكتها . راحت أصابعها تداعب شعره , لتنزلق إلى عنقه وخده , فيما راحت دقات قلبه تتسارع وقد أثارت فيه لمستها مشاعر عارمة . سألته : (( هل تتذكر لقاءنا الأول )) . ـ أتعنين حين أنقذتك من الزجاج المتحطم في أول يوم لك هنا ؟ كيف لي أن أنسى ؟ ـ كان بإمكانك أن تستغل الوضع حينذاك وتعانقني . ـ خفت من رد فعلك , فبالكاد كنت أعرفك . ضحكت وعانقته عناقاً أثار فيه مشاعر لم يعهدها من قبل . بدا وكأنها تعرفه جيداً وتعرف نقاط ضعفه . دمدم : (( أيتها الساحرة )) . ـ هممم ! ـ لقد شغلت فكري منذ التقينا , كاد يقودني ذلك إلى الجنون . همست بصوت صدمه كتيار كهربائي : (( لِمَ أضعنا كل هذا الوقت ؟ )) فقال : (( ومن يأبه ؟ ما دمنا لا نضيع المزيد منه )) . كان عناقه مثله , قوياً ونابعاً من القلب , بعيداً عن الحذاقة , إنما مفعماً بالدفء والكرم والعطاء . بدا لها فريداً من نوعه , لا يشبه أي شيء حصل في العالم أو قد يحصل . وعلمت أنها ستحلم به طيلة حياتها . تبادلا النظرات بعيون لمعت في الظلام . ضحكا معاً وكأنهما يسخران من نفسيهما ومن غدهما , فما يجمعهما جميل ويشعرهما بالرضا , لكنهما سيودعان بعضهما البعض غداً . كانت تعلم أن ليو رجل يمكن للمرأة أن تقع في حبه بسهولة , لكنها تأكدت من ذلك الآن . فقد ضمها بين ذراعيه بحنان ودفء , وكأنه يريد منها أكثر من المتعة الآتية الجسدية . كيف يمكن لفتاة أن تحافظ على استقلاليتها وحريتها مع رجل يتصرف على هذا النحو ؟ وضعت ذراعيها حوله وضمته هي أيـضـاً بشغف حنون , في وداع أخير قبل الرحيل . * * * نهاية الفصل( السادس) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #8 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 7 ـ لـن أنساك أسوأ ما في المطارات هو أنه يتوجب عليك الوصول باكراً , فيطول الوداع إلى ما لا نهاية , ما يزيد الألم . وخطر لسيلينا أن الأمر يصبح أسوأ إذا ما كنت تنتظر من الآخر أن يقول شيئاً , أنت نفسك لا تعرف ما هو . لكن مهما كان هذا الشيء فإنه لم يقله . أوصلته إلى مطار دالاس , فتحققا من موعد إقلاع الرحلة المتوجهة إلى أطلنطا , وسجلا حقائبه ثم بحثا عن مقهى حيث جلسا يشربان القهوة . لكن ليو قفز فجأة من مكانه وقال : (( تعالي معي )) . سألته فيما كان يمسك بيدها ويجرها على عجل : (( إلى أين )) . ـ أريد أن أشتري لك هدية قبل أن أرحل , وقد أدركت الآن ما هي . قادها إلى متجر يبيع الهواتف الخلوية , وقال : (( شخص مثلك , ينتقل بقدر ما تنتقلين , يحتاج إلى مثل هذه الأجهزة )) . ـ لم يكن بإمكاني شراء هاتف من قبل . شعرت بسعادة قصيرة الأمد حين أدركت أنه يريد البقاء على اتصال بها . لكن سعادتها لم تدم عندما تذكرت أنه سيرحل , وأنها قد لا تراه ثانية . اختارا الهاتف معاً واشترى لها بطاقة الساعات الثلاثين الأولى . كتبت له الرقم على ورقة صغيرة وراقبته وهو يخفيه في محفظته . ـ حان الوقت لأمر على دائرة الجوازات . فقالت على عجل : (( ليس بعد . لدينا الوقت لتشرب فنجاناً آخر من القهوة )) . تملكها شعور مروع بأن الأمور تتسارع وتسر بها نحو حافة هوة سحيقة . إنها الوحيدة القادرة على وضع حد لهذا , لكنها لا تعرف السبيل إلى ذلك ؟ لم تستطع أن تجد الكلمات المناسبة , فهي لم تنطق بها قط , وبالكاد تعرفها . لقد حاولت جهدها الليلة الماضية لتكشف له حقيقة شعورها . والآن , هاهو قلبها ينفطر فيما يبدو هو غافلاً عما يجري . أمضت الدقائق القليلة الأخيرة جالسة قبالته , تحاول أن تتذكر كل حركة من حركاته وكل تفصيل من ملامحه وكل نبرة من نبرات صوته . . سوف يرحل وينساها . لم تبتسم يوماً ابتسامة متألقة بقدر ابتسامتها اليوم . ومن ثم سمعا النداء (( إلى المسافرين . . . )) . فقال ليو وهو يهب واقفاً : (( أظن أن الوقت حان . . . )) رافقته تقريباً إلى البوابة , حيث توقف ولمس وجهها بلطف , قال : (( ما كنت لأفوت هذا لقاء كنوز العالم بأسره )) . فقالت بخفة وهي سدد لكمة خفيفة إلى ذراعه : (( أحقـاً ؟ ستنساني ما إن تبدأ المضيفات بإغرائك بأهدابهن الطويلة )) . لكنه لم يبادلها الابتسام بل قال : (( لن أنساك أبداً يا سيلينا )) . بدا وجهه منقبضاً وظنت للحظة أنه سيضيف شيئاً ما إلى ما قاله . انتظرت فيما راح قلبها يخفق بأمل جامح , لكنه اكتفى بأن عانقها عناقاً سريعاً . ـ لا تنسيني . ـ من الأفضل لك أن تتصل بهذا الرقم لتحرص على ألا أنساك . ـ سأفعل . وعانقها مجدداً قبل أن يتركها ويرحل . حاولت جاهدة أن تجد في عناقه الأخير صدى لعناق الليلة الماضية , لكنها لم تفلح , فلم يكن ليو سوى رجل يرغب في العودة إلى موطنه وبيته , عندما وصل إلى البوابة , التفت ولوح لها . بادلته التلويح , وقد حافظت على الابتسامة التي تعلو وجهها بفضل إرادتها الحديدية . . . ثم رحل . . لم تغادر على الفور , كما كانت تنوي أن تفعل , بل انتظرت عند النافذة حتى أقلعت الطائرة , ثمر راقبتها إلى أن غابت عن ناظريها بين الغمام . عندئذ , قفلت راجعة إلى المرآب , حيث جلست خلف المقود وراحت تحدث نفسها . ما الأمر ! أنها كمثل مركبين التقيا في بحر الحياة ثم سار كل منهما في طريقه . هذا كل ما في الأمر . أمامها يمتد مستقبل واعد أفضل مما عرفت يوماً , وهذا ما عليها أن تفكر فيه , ضربت يدها بقوة على المقود , فهي لم تحاول يوماً أن تخدع نفسها بالأكاذيب , لكنها تحتاج الآن إلى كذبة تعزيها وتواسيها لتتغلب على ما تمر به . قالت بغضب : (( كان علي أن أقول شيئاً , أي شيء يجعله يدرك . ربما كان ليطلب مني أن أرافقه . آه , من أحاول أن أخدع ؟ كان بإمكانه أن يطلب مني مرافقته , لكنه لم يفكر في ذلك قط . لن يتصل بي . و الهاتف لم يكن سوى هدية وداع . كفي عن التصرف بغباء يا سيلينا , لا يمكنك أن تبكي في مرآب )) . بدا وكأن الرحلة بين أطلنطا و بيزا ستستمر إلى الأبد , وليس إلى يوم جديد وحسب , بل إلى بُعد آخر وعالم آخر . حاول ليو أن ينام لكنه عجز عن ذلك . غادر الطائرة وقد أصابه دوار من شدة الإرهاق , وشق طريقه عبر دائرة الجوازات والجمارك . وشعر بالغرابة مع أنه عاد إلى موطنه . توجه نحو صف سيارات الأجرة , وهو مستغرق في احتساب الوقت الذي يتطلبه وصوله إلى منزله بحيث لم ينتبه إلى صوت شخص . خلفه , لم يرَ من ضربه أو عدد الذين اعتدوا عليه , علماً أن الشهود أشاروا لاحقاً إلى أنهم كانوا أربعة . كل ما عرفه هو أنه سقط أرضاً فجأة بعد أن دفعه أشخاص أغراب . سمع صراخاً وصوت خطى تفر . جلس يتحسس رأسه متسائلاً عن سبب وجود هذا العدد من رجال الشرطة حوله . وامتدت الأيدي لتساعده على الوقوف على قديمه . وسأل : (( ماذا حدث ؟ )) . ـ تعرضت للسرقة سيدي . عبس ومد يده إلى حيث يضع محفظته , فلم يجدها . كان رأسه يؤلمه إلى حد أنه لم يستطع أن يفكر أكثر . واستدعى أحدهم سيارة إسعاف فتم نقله إلى مستشفى محلي . استفاق في اليوم التالي ليجد شرطياً يقف قرب سريره , ويحمل محفظته المفقودة . قال الرجل : (( وجدناها في أحد الأزقة )) . وكما هو متوقع , كانت محفظته فارغة . لقد اختفى المال وبطاقات الاعتماد . لكن ما روع ليو هو اختفاء الورقة الصغيرة التي تحمل رقم سيلينا . أخذه رينزو , المشرف على مزرعته , من المستشفى وقطع معه الخمسين ميلاً التي تفصله عن منزله بيللا بودينا . وما إن وجد ليو نفسه وسط تلال توسكانا حتى بدأ يسترخي . مهما كانت حياته مضطربة , فإن غرائزه تشير عليه بأن ما يهم فعلاً هو أنه عاد إلى موطنه , حيث تنمو الكرمة وتمتد حقول القمح تحت أشعة شمس ساطعة . كان يتمتع بشعبية بين العمال لأنه يدفع لهم بسخاء , ويثق بهم ويتركهم يهتمون بأعمالهم . راحوا يلوحون له وينادونه سعيدين بعودته لدى مروره بالقرب منهم . كانت أراضي أسرة كالـﭭـاني شاسعة . وخلال اجتيازهما الأميال القليلة الأخيرة , راح يتأمل حقول قريته الخاصة . مورينزا , تجمع صغير من الأبنية تعود إلى القرون الوسطى , يقوم على أراضي أسرة كالـﭭـاني يلتف حول الكنسية وحول بركة صغيرة يسبح فيها البط , قبل أن يقود إلى خارج القرية , من ثم عبر حقول الكرمة المزروعة على المنحدر لتداعبها الشمس . في الأعلى , يقع المنزل الذي بني في القرون الوسطى أيضاً , والذي يطل على منظر رائع في الوادي . دخل إلى المنزل بتنهيدة ارتياح ورضا , ورمى حقائبه على الأرض ثم التفت من حوله يتأمل الأثاث المألوف الذي يحبه . ها هي جينا قد حضرت له طبقه المفضل , وجهزت له عصيره المفضل , فيما راحت كلابه المفضلة تحوم حول قدميه . تناول وجبة ضخمة وطبع قبلة امتنان وشكر على خد جينا ثم توجه إلى الغرفة التي يستخدمها كمكتب والتي يدير منها ملكيته . وبعد ساعتين أمضاهما مع أنريكو , مساعده الذي أشرف على الأعمال المكتبية خلال غيابه , تبين له أن هذا الأخير قادر على إدارة هذه الأعمال بشكل ممتاز ومن دون مساعدته . لم يكن يحتاج إلى المزيد . غداً , سيجول على ممتلكاته مع رجال قريبين من الأرض بقدره . أمضى الساعات التالية وهو يتحدث إلى عائلته عبر الهاتف , ليسمع آخر الأخبار . وأخيراً , خرج ووقف يتأمل القرية التي تلألأت بالأنوار . وقف هناك طويلاً , يستمع إلى النسيم الذي تغلغل في الأشجار وإلى صوت الأجراس التي تردد صداها في الوادي . وفكر في أنه لم يعرف يوماً مثل هذا السلام والجمال . ولكن . . . إنها العودة الممتازة إلى المكان الممتاز . لكنه شعر فجأة بالوحدة كما لم يفعل قط في حياته . استلقى في سريره وحاول أن ينام , إنما من دون جدوى , فما كان منه إلا أن نهض ونزل إلى مكتبه . إنه الصباح في تكساس , وكان بارتون من أجاب على الهاتف , فسأله آملاً : (( هل سيلينا لا تزال عندكم ؟ )) ـ لا , فقد غادرت فور رحيلك . عادت إلى هنا لتأخذ جيبرز ثم رحلت . ألم تكن رائعة ؟ جيبرز هو الجواد الذي تحتاجه . ستصبح نجمة مع هذا الجواد . ـ عظيم , عظيم ! حاول ليو أن يبدو سعيداً ومرحاً , لكن , ولسبب لم يشأ أن يتعمق فيه , لم يسر لسماع أخبار نجاحها في الجهة الأخرى من العالم . ـ هل اتصلت بكم ؟ ـ اتصلت بالأمس لتسأل عن أليوت , فقلت لها إنه بخير . ـ هل سألت عني ؟ كان قد وعد نفسه بألا يطرح هذا السؤال , لكنه خرج من بين شفتيه رغماً عنه . ـ لا , لم تأتِ على ذكرك . لكن إذا ما اتصلت بها فأنا واثق . . . لِمَ علي أن أتصل بها في حين أنها لم تهتم حتى لتسأل عني ؟ هذا ما خطر له . ـ بارتون , لا يمكنني أن أتصل بها . تعرضت للسلب وفقدت الورقة التي كتبت عليها رقم هاتفها الخلوي . هل لي أن أحصل عليه ؟ ـ كنت لأعطيك إياه لو أني أملكه . لكنني لا أعرف كيف أتصل بها . ـ عندما تتصل في المرة القادمة , هلا شرحت لها ما حصل وطلبت منها أن تتصل بي ؟ ـ طبعاً . ـ هل قالت لك إلى أين تتوجه ؟ ـ رينو , على ما أعتقد . ـ ســأترك لها رسالة هناك . حاول أن يركز على زيارته القادمة إلى البندقية , حيث سيحضر زفاف شقيقه الأصغر غويدو , من خطيبته الإنكليزية دولسي . وسيقام زفاف آخر قبل زفاف شقيقه بيوم , إذ سيتزوج عمه , الكونت فرانشيسكو كالـﭭـاني , من ليزا , مدبرة منزله السابقة وحب حياته . سيكون هذا الزفاف خاصاً ومختصراً . كان ليو ينتظر بشوق مناسبة عائلية مفرحة , لكنه شعر الآن , وبشكل مفاجئ , بأنه لا يرغب في حضور أي عرس . أين هي ؟ ولِمَ لم تتصل به ؟ هل نسيته بهذه السهولة ؟ أرسل أكثر من رسالة إلكترونية على موقع الروديو في رينو , فصل فيها تحركاته في الأيام القادمة , كما ترك رقم هاتف عمه في البندقية , ورقم هاتفه الخلوي , وذكرها برقم هاتف منزله على سبيل الاحتياط . بقي حتى اللحظة الأخيرة متعلقاً بأمل أن تتصل به , لكن الهاتف ظل صامتاً . وأخيراً , غادر منزله متوجهاً إلى البندقية . لم يكن ليو يوماً رجلاً كئيباً . وكان من النادر أن تخرج امرأة من حياته رغماً عنه , لكنه يتصرف عادة بشكل إيجابي إذا ما حصل هذا . والعالم مليء بالنساء الضاحكات , السهلات المعشر على غراره , واللواتي يسعدهن أن يمضي الوقت معهن . لكن هذه الفكرة لم تفرحه . استقل القطار من فلورنسا إلى البندقية حيث ينتظره مركب العائلة لينقله إلى قصر كالـﭭـاني الواقع على القناة الكبرى , وعندما وصل , وجد العائلة تتناول طعام العشاء . عانق ليزا ومن ثم عمه , ودولسي , وهارييت ولوسيا , والدة ماركو . كان غويدو وابن عمه ماركو موجودين أيضاً . وبعد أن تصافحوا , انتهى الترحيب . حاول أن يبدو كعادته أثناء تناول الطعام , ولعله خدع أقاربه من الرجال . لكن عيون النساء أكثر حدة في هذه المسائل , وما إن انتهت الوجبة حتى أحاطت به دولسي وهارييت وقادتاه إلى الأريكة كزوج من كلاب الرعاة يسوق أسداً , ثم أجلستاه بينهما . قالت هارييت : (( وأخيراً وجدتها )) . سألها براتباك : (( هي ؟ )) . ـ تعرف من أعني . هي ! المرأة المناسبة . لقد علقت في الشباك . سألته دولسي : (( ما اسمها ؟ )) توقف عن المواربة إذ لن يتمكن من خداعهما . واعترف : (( اسمها سيلينا , التقينا في تكساس , وقد شاركنا معاً في الروديو )) . وصمت . فسألتاه بشوق : (( ومن ثم ؟ ومن ثم ؟ )) ـ رحلت كما رحلت أنـا . فقالت دولسي : (( إذن , ثمة قاسم مشترك بينكما )) . وافقت هارييت : (( تزاوج عقلين متماثلين )) . فاقترحت دولسي : (( لا أظن أن للعقل علاقة بذلك )) . ـ فعلاً . قال ليو هذا , وهو يتذكر نعومة سيلينا بين ذراعيه . وللحظة شعر وكأن أنفاسها الحارة تلفح بشرته وتدعوه إلى شغف وحنان عظيمين . واضاف بشكل مفاجئ : (( كان الأمر رائعاً )) . فقالت له هارييت : (( كان عليك أن تصطحبها معك لتقابلنا )) . وسألته دولسي : (( لكن ألم تتبادلا رقمي هاتفيكما وعنوانيكما )) . ـ ليس لديها عنوان , فهي تجول من روديو إلى آخر وتعيش حيثما تصل . كنت أملك رقم هاتفها الخلوي , لكن . . . لا بد أنكما تعلمان أن محفظتي سرقت مني , وكانت الورقة في داخلها . حاولت أن أتعقبها عبر الإنترنت , لكن يبدو أني , ولسبب ما , أفقد أثرها في كل مرة . وقد لا أراها ثانية . أصدرت الشابتان أصوات تعاطف . لكن ليو شك في أنهما تجدان الأمـر مسلياً في سرهما . ولعله كذلك . ليو كالـﭭـاني , الرجل الحر , فقد شهيته لأن امرأة شابة , ذات طبع متقد , اختفت من حياته , يا له من أمر مضحك ! وبعد حين , انضم إلى الرجال الآخرين , لكن حتى رفقتهم لم تنجح في تسكين ألمه . عريسان سعيدان وخطيب ليسوا ما يحتاجه في مزاجه الحالي التعيس . وبدأ الجمع يتفكك تدرجياً , فاختفى غويدو ودولسي معاً ليضعا اللمسات الأخيرة على تحضيرات عرسهما الوشيك . وغادر ماركو و هارييت ليتنزها في شوارع البندقية . خرج ليو إلى الحديقة حيث وجد الخالة لوسيا جالسة بهدوء , تتأمل النجوم في السماء . قال ليو وهو يجلس قربها : (( أظن أن ماركو و هارييت سيحددان موعد زفافهما في أي لحظة )) . فقالت لوسيا بلهفة : (( أرجو ذلك . أعلم أنهما خرجا معاً الآن , وآمل أن يعودا وقد اتفقا على التفاصيل )) . سألها بفضول : (( أنت متحمسة جداً لهذا الزواج , أليس كذلك ؟ علماً . . . حسناً , أنه ليس زواج جب , أليس كذلك ؟ )) . ـ أتعني أني دبرته ؟ نعم , لقد فعلت وأنا لا أنكر ذلك . ـ ألم يكن من الأفضل تركه يختار عروسه بنفسه ؟ ـ أخشى أني كنت لأنتظر طويلاً . يجب أن يكون في حياة ماركو امرأة , وإلا سينتهي به الأمر وحيداً , وهذا فظيع . ـ ثمة أمور أسوأ من الوحدة يا خالة . ـ لا يا عزيزي , ما من شيء أسوأ . لم يتمكن من أن يجيبها . ولأول مرة في حياته , شعر بأن ما تقوله صحيح . واستفهمت بلطف : (( أظنك بدأت تكتشف ذلك للتو , أليس كذلك ؟ )) . هز كتفيه بلا مبالاة وأجاب : (( إنها حالة نفسية وحسب . لقد أطلت الغياب . وبعد أن عدت وجدت الكثير من العمل بانتظاري . . . )) . واختفى صوته . ـ صفها لي . أخبرها قصته مجدداً , أطـال هذه المرة في وصف سيلينا . ولأول مرة راحت الكلمات تنساب من فمه بسهولة , فاستطاع أن يتكلم عن الحلاوة واللطف خلف القشرة الشائكة , وكيف استطاع اكتشاف هذه الطبيعية بلطف , كيف أسرته . سألته لوسيا : (( أنت تحبها كثيراً , أليس كذلك ؟ )) . فسارع يدافع عن نفسه : (( لا , لا أظن أني . . . في الواقع , لا أستطيع منع نفسي من أن أقلق عليها . فليس لديها من يهتم بها . لم يكن لديها أحد يوماً . لم تعرف سوى أناس حاولوا استغلالها . عائلتها الوحيدة هي أليوت . ولهذا , انفطر قلبها حين أدركت أن أيامه ولت . . . إنها وحيدة من دونه )) . ـ وفقاً لما قلته , فهي تستطيع العناية بنفسها , وقبضتاها قويتان . ـ يمكنها أن تعتني بنفسها من هذه الناحية , لكنها وحيدة في داخلها . لا أظن أني قابلت يوماً شخصاً وحيداً بقدرها . إنها تعتقد أنها أكثر سعادة هكذا . ـ لعلها كذلك . فقد قلت للتو إن ثمة أموراً أسوأ . ـ كنت مخطئاً . عندما أفكر في أنها ستستمر بحياتها على هذا النحو لسنوات . . . وهي تخدع نفسها مدعية أنها سعيدة , فيما هي تنعزل عن العالم أكثر وأكثر . . . ـ قد لا يحصل هذا . ستلتقي شاباً لطيفاً وتتزوجه . وبعد سنوات قليلة , قد تلقاها صدفة فتكتشف أنها رزقت بطفلين وتنتظر الثالث . عبس ليو وقال : (( أنت ذكية يا خالة . تعلمين أني لا أريد ذلك )) . ـ أتساءل ما الذي تريده فعلاً . ـ مهما كان ما أريده , أظن أني لن أناله . راحت الأضواء تخف تدريجياً على طول القناة . وخلفهما , بدأت الساحة الكبرى تقفل محالها ومقاهيها . وقف ليو وساعد لوسيا على النهوض يدورها . و قال : (( أشكرك لأنك أصغيت إلي . أخشى أن دولسي و هارييت تسخران مني وتعتقدان أني مهرج بعض الشيء )) . فقالت لوسيا وهي تضغط على يده : (( حسناً , كانت حياتك مليئة بالورطات والأشراك القصيرة الأمد . لكن , إن كانت سيلينا هي المرأة المناسبة لك فستجدها مجدداً . علماً أني أظنها مجنونة إن لم تأتِ للبحث عنك )) . رد ليو بكآبة : (( لعلها لا ترغب في أن تجدني . حتى وإن فعلت , فما الفائدة بالنسبة إلي ؟ فهي لا يرغب في حياة عادية , في مكان واحد , مع زوج وأولاد )) . ـ لم أكن أعم أن أفكارك وصلت إلى هذا الحد . فقال على الفور : (( لم تصل . كنت أتحدث بشكل عام )) . ـ حسناً , حسنـاً . ـ إنها تحب الترحال , الانتقال من مكان إلى آخر , عدم معرفة مـا بحمله الغد . لذا , لن أتمكن من إسعادها على الأرجح . ـ كف عن هذا الكلام . إذا قُدر لحبك أن يكون , فسيكون . والآن , لدينا حفل زفاف في الغد , وسنستمع بوقتنا جميعاً . وصلت سيلينا في وقت متأخر إلى باحة مزرعة فورتين حيث توقفت لترتاح . وكان بارتون في انتظارها . ـ سمعت أنك أبليت حسناً في رينو . فردت : (( ســأصبح مليونيرة قريباً . بارتون , هل من خطب ؟ )) . ـ اتصل بي ليو . ـ أحقاً ؟ ـ لا تدعي أنك لا تهتمين للأمر . أظنك في حالة سيئة كحاله . ـ و لِمَ هو في حالة سيئة ؟ ـ لأنه أضاع رقم هاتفك . كاد يجن وراح يتصل بك هنا وهناك , ويترك لك الرسائل كي تعاودي الاتصال به . ـ لكني لم أكن أعلم بذلك . . . ـ لا , اضطررت للتغيب فترة , لذا تركت خبراً بأن يعلموك بما يجري إذا ما اتصلت . لسوء الحظ , تركت الرسالة مع بولي . لا أدري إن كان كثير النسيان , أو أن الأمر يتعدى ذلك . . . ونظر إلى وجهها ثم أردف : (( هل ذلك علاقة بالحادثة التي تعرض لها بولي حين " داس على المذراة ؟ " )) . ـ حسناً , لم أشأ أن أخبرك , بعد أن كنت لطيفاً للغاية معي . . . ـ اعلمي أني رغبت دائماً في لكمه بنفسي . ـ لقد تصرف بشيء من الوقاحة , فقمت . . . حسناً . . . ـ أنت من فعل ذلك , وليس ليو ؟ ـ لا , لم يكن ليو . فقد وصل بعد أن انتهى الشجار . لكن , لعلي تماديت . فقال بارتون مستمتعاً : (( لا , لم تتمادي . لكنك أحسنت فعلاً حين لم تخبري والدته , فهي تبالغ في ردات فعلها على هذه المسائل . حسناً , حسناً , لقد تمكن من الثأر منك )) . ـ ربما علي أن أتصل بليو . لكن سيلينا بدت غامضة وشاردة الذهن . ـ ألا ترغبين في ذلك ؟ ـ بالطبع أرغب في ذلك , لكنه بعيداً جداً . وسيكون شخصاً آخـر في بلاده . ـ ما عليك إلا أن تذهبي وتعثري عليه في بلاده . اكتشف ما إذا كان بإمكان تلك البلاد أن تصبح بلادك . سيلينا , عندما يستمر رجل ما في الاتصال , ويبدو عليه الاضطراب كهذا الرجل , فهذا يعني أن لديه ما يقوله للمرأة التي يبحث عنها . وهذا الكلام لا يقال عبر الهاتف . ـ أتعني أن . . . أذهب أنــا إلى إيطاليــا ؟ ـ إنها ليست الجهة الأخرى من القمر , تعرفين أني سأعتني بجيبرز و أليوت أثناء غيابك . لديك مال الجوائز , فما الذي يمنعك من السفر ؟ وعندما لم تجبه , راح بارتون يقلد صوت الدجاجة وحركاتها . ـ أنـا لست جبانة كالدجاج . ـ لست جبانة في الحلبة وهذا أمر أكيد , فـأنـا لم أر يوماً من هو أشجع منك . لكن هذا الأمر سهل . أمـا العالم فمخيف أكثر , ربما عليك أن تفكري في ذلك . * * * في طريق عودته إلى منزله , كـان ليو يحاول أن يقنع نفسه بأن الأمور ستتحسن . فهذه طريقة القدر في إعلامه بأنه وسيلينا لن يجتمعا . كان الزفاف رائعاً , لكن رؤية شقيقه سعيداً للغاية بعد أن أصبح زوج دولسي جعلته غير راضٍ عن نصيبه . وهذا لا يعني أنه كان يفكر في الزواج . لكن مجرد تخيل سيلينا في الثوب الأبيض الناصع والمخرم الذي اختارت دولسي أن ترتديه , أعاد هذه الفكرة إلى الواجهة . على الأرجح , ستفضل سيلينا أن تتزوج وهي تعتمر قبعة طويلة وتنتعل حذاء رعاة البقر . عندما وصل إلى منزله , كان قد حسم المسألة في فكره , لقد أمضيا وقتاً ممتعاً معاً , لكن كل هذا انتهى , كمـا ينبغي له . لن يفكر بها ثانية . كانت جينا قد انتهت لتوها من ترتيب سريره . حيته واتجهت نحو النافذة حيث تركت منفضة الغبار . وشرعت تقول : (( أراد رينزو أن يراك بعد الظهر , لكي يتمكن . . . من هذا يا ترى ؟ )) ـ من ؟ وتقدم ليقف قريباً عند النافذة المطلة على الطريق الذي يصل من مورنزا . شخص طويل ونحيف , يرتدي بنطلوناً من الجينز وقميصاً ويحمل حقيبتين , كان يتجه نحو المنزل . كانت المرأة تتوقف أحياناً لتنظر إلى الأعلى , ويدها تظلل عينيها . بدت بعيدة جداً فلم يتمكن ليو من رؤية وجهها , لكنه عرف التفاصيل الأخرى كلها , من مشيتها المتمايلة إلى جانب رأسها حين تميل به إلى الخلف . قالت جينا : (( لا بد أنها غريبة عن هذه البلاد , لأنها . . . سيدي ؟ )) لم تجد مستخدمها إلى جانبها . لكنها سمعت وقع خطاه السريعة وهو ينزل السلالم , ثم رأته في الأسفل يركض بسرعة جعلت جينا تظن أنه سيقع في الوادي . رمت الشابة حقيبتيها وبدأت تركض أيضاً . وفي اللحظة التالية , ارتميا في أحضان بعضهما البعض وقد نسيا بقية العالم . نادت جينا إحدى الخادمات : (( سيلينا , لدينا ضيفة . اتركي مـا تفعلينه وجهزي لها غرفة )) . وأضــافت وهي تتأمل الشكلين المتعانقين : (( وأظنها ستطيل الإقامة )) . * * * نهاية الفصل(( السابع)) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #9 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 8 ـ اعترافات رجــل ـ أخبريني أني لا أحلم . أنت فعلاً هنـا ! ـ أنـا هنا , أنـا هنا ! المسني . راحت سيلينا تبكي وتضحك في آن معاً . بذل قصارى جهده لطمأنتها فسحقها في عناق قوي وتشبث بها . ـ لطالما تخيلتك وأنت تسلكين هذا الطريق , ليتبين لي لاحقاً أنها مجرد خدعة من الضوء . ـ ليس هذه المرة . لو هل أنت سعيد حقاً لرؤيتي ؟ وفجأة , خذلته الكلمات ولم يعد يجد تلك التي تعبر عن مشاعره . هل هو سعيد لرؤيتها ؟ كل ما يعرفه هو أن الغصة في حلقه جعلت من الصعب عيه أن يتكلم . وقالت سيلينا مذهولة : (( أنت تبكي )) . ـ لا , أنا لا ابكي . وحدهم الضعفاء يبكون . ذكرها بكلماتها الخاصة , لكن عينيه بدتا رطبتين , ولم يحاول تجفيفهما . إنه لاتيني , وقد تربى عل ألا يخجل من مشاعره وانفعالاته . كما لم يكن يرغب في إخفاء هذه المشاعر عن هذه المرأة . أمسك بوجهها بين راحتيه , وراح يتأملها بشوق وحنان قبل أن يعانقها عناقاً طويلاً . تجاوبت سيلينا مع عناقه من كل قلبها , مدركة أنها قطعت هذه المسافة كلها لهذا السبب , وأن ما من شيء يمكن أن يبعدها عنه . حمل إحدى حقيبتي سيلينا تحت إبطه والأخرى في يده , ثم وضع يده الحرة حول خصرها , وعندئذ , صعدا التلة معاً متوجهين إلى المنزل . سألته سيلينا بعد أن رأت بعض الوجوه عند النوافذ : (( هل أسرتك هنا لتزورك ؟ )) . ـ لا , إنهن . . . ومنع نفسه من أن يقول الخادمات , فقال : (( بنات أخوة جينا )) . وكان هذا صحيحاً , فعندما يحتاج لاستخدام شخص جديد , يكتفي بأن يعلم جينا فتأتي له بشخص مناسب من أسرتها الكبيرة . وبعد قليل اختفت الوجوه , وعندما وصلا إلى الباب لم يجدا في استقبالهما سوى جينا التي ابتسمت مرحبة وأعلنت أن غرفة الآنسة تُجهز وأن المرطبات ستُقدم على الفور . تركتهما جينا , فأخذ ليو سيلينا بين ذراعيه مجدداً , وأدناها منه ليريح رأسه على شعرها . وسألته سيلينا : (( كيف علمت بقدومي لتحضر لي الغرفة ؟ )) . ـ رأتك وأنت تصعدين التلة , وعندما قمت . . . وعندما قمنا . . . حسناً , أظن أن الجميع يعرف بقصتنا الآن . كادت تسأله ما هي " قصتهما " برأيه , لكنها عدلت عن رأيها , فهي نفسها لا تعرف الجواب و هذا ما جاءت لاكتشافه هنا . وفي هذه اللحظة , ما من شيء يهم بقدر السعادة التي غمرتها لوجودها معه . في هذا البلد الغريب الذي لا تعرفه لغته , شعرت بأنها وصت إلى بيتها وموطنها , لأنه هنـا ولأنه جزء منه . سألها ليو : (( لِمَ لم تستلقي سيارة أجرة إلى هنا ؟ )) . ـ لم أعرف كيف أقول له عنوانك . وجدت باصاً , على مقدمته لافتة كُتب عليها مورنزا , لكني لم أكن أعلم أن علي شراء التذكرة من محل السكاكر أولاً . وعندما فعلت , كـان الباص قد رحل . حسنـاً , اسخـر مني بقدر ما تشاء . كان يضحك لطريقتها في الكلام , لكنه سيطر على نفسه وقال : (( أنا آسف عزيزتي , لم أستطع منع نفسي . إنها طريقتك في رواية ما حدث . نحن مجانين بعض الشيء في إيطاليا , ونشتري التذاكر من محال السكاكر )) . ـ وماذا يحصل لو كانت محال السكاكر مقفلة ؟ ـ نسير . ضحكت ضحكة رنانة . وأنزل رأسه حتى أراح جبهته على جبهتها , وهو يبتسم برضا و سعادة لوجودها معه هنا . ثم قالت : (( وهكذا , انتظرت الباص التالي , ثم عرفت منزلك من وصفك له )) . ـ لكن , لِمَ لم تتصلي بي لآتي و أستقبلك ؟ ـ حسناً . . . أنت تعلم . . . طوال الرحلة , عذبتها فكرة ألا يرغب في وجودها هنا , وأن تسمع الحيرة والارتباك في صوته إذا مـا اتصلت . لعله اتصل بها في تكساس ليقول ألا تتصل به لأن ما حصل بينهما مجرد غلطة . وحده وجودها فوق الأطلسي منعها من التراجع و الترجل من الطائرة . ووعدت نفسها بأن تعود على الفور بعد أن تحط الطائرة , أو أن تسمع كلمات بارتون حين نعتها بالجبن , فأجبرت نفسها على المضي قدماً . رافقها إلى الغرفة التي أنهت الخادمات تجهزيها للتو , فراحت تتأمل المنزل بجدرانه الحجرية الضخمة وهما يصعدان إلى الطابق العلوي . إنه كما وصفه بالضبط , باستثناء أنه أكبر بكثير مما تخيلت . غرفتها أيضاً كبيرة جداً , و أرضيتها من الخشب الملمع . أمـا السرير فهو أكبر سرير رأته في حياتها , مع ظهر من خشب الجوز المحفور . وتحمي النوافذ مصاريع من الخشب السميك التي تمنع دخول الحر . عندما فتحتها جينا , تمكنت سيلينا من الخروج إلى شرفة صغيرة لتتأمل الوادي فكان أجمل مشهد ريفي رأته يوماً , إذ تمتد التلال على مدى النظر , خضراء و زرقاء , فيما تخفي أشجــار الصنوبر الحدود . كان الطقس لا يزال دافئاً بما يكفي لتناول العشاء في الخارج , وهما يشاهدان غروب الشمس . وقدمت لهما جينا حساء السمك , وهو خليط من الحبار والقريدس ويلح البحر والثوم و البصل و الطماطم . شعرت سيلينا وكأنها ماتت وصعدت إلى الجنة . قالت وهي ترتشف العصير : (( عدت لأجد بارتون قلقاً ومضطرباً , فقد ترك الرسالة مع بولي الذي " نسيها " )) . فغامر ليو قائلاً : (( لكن جاذبيتي التي لا تقاوم شدتك رغم ذلك ؟ )) . فرت بحزم : (( جئت لأشاهد الروديو في غروستو , هذا كل ما في الأمر )) . ـ ولا علاقة للأمر بي ؟ ـ لا علاقة للأمر بك , فلا تتباهى . ـ حسناً سيدتي . ـ و توقف عن الابتسام , هكذا ! ـ لم أكن أبتسم . ـ بل فعلت , كالقطة التي أكلت الجبن . اجتيازي نصف العالم بحثاً عنك لا يعني شيئاً , هل تفهم هذا ؟ ـ طبعاً , وتمضيتي الأسابيع القليلة الماضية وأنا أبحث كالمجنون عبر الانترنت لأحاول الوصول إليك ومعرفة أخبارك , لا تعني شيئاً أيضاً . ـ حسناً , اتفقنا ! ـ اتفقنا ! وجلسا صامتين يتأملان بعضهما البعض بسعادة . قالت : (( فعلتها مجدداً , عندما وصلت إلى هنا ناديتني بالإيطالية , لكنك لم تقل لي ما تعنيه الكلمة )) . كانت تنظر إليه , فقال وهو يمسك بيدها : (( عندما ينادي رجل امرأة بهذه الكلمة ومعناها . . . )) . وفجأة , وجد صعوبة في الكلام . فقد اعتاد في الماضي أن يستخدم الكلمة بشكل عشوائي , من دون أن يعنيها . لكن الوضع تغير الآن ولم يبق لديه سوى الكلام القديم الذي لطالما أثار الجدال و النقاش . قال : (( هذا يعني أنها أكثر من عزيزة عليه , هذا يعني . . . )) . وتوقف عن الكلام مع وصول جينا لترفع الأطباق قائلة : (( الطبق الرئيسي سيدي )) . ابتسم ليو وترك الحديث عند هذا الحد , ستتاح لاحقاً فرصة قول كل ما يرغب في قوله . أنهيا الوجبة بالعسل والكيك بالجوز . وكانت عينا سلينا تكادان تطبقان لشدة تعبها . وأخيراً , أمسك ليو بيدها و قادها إلى الطابق العلوي ليتوقفا عند بابها , ثم قال بصوت ناعم : (( تصبحين على خير , عزيزتي )) . ـ تصبح على خير . وداعب خدها قبل أن يتركها . استقى في سرير من دون أن يغمض له جفن طيلة الليل تقريباً . وجودها في بيته , تنام في الغرفة المجاوزة , جعله يشعر كرجل يخبئ كنزاً تحت سقفه . كان الكنز كنزه وسيحتفظ به , وسيحارب العالم بأسره من أجله إذا ما اضطره الأمر . استيقظ مع بزوغ الفجر وتوجه إلى النافذة ففتح مصراعيها ووقف على الشرفة الصغيرة . شعوره بالذهول لقدومها المفاجئ لم يفارقه بعد , فأراد أن يتأمل مجدداً الطريق المؤدي إلى القرية , الطريق الذي طالما نظر إليه , وقد تملكه الشوق إليه , حتى ظهرت في أحد الأيام . ظل في النافذة المجاورة جعله يلتفت . رآها تقف هناك , لكنها لم تكن تنظر إليه بل إلى الوادي , وقد بجا وجهها هادئاً ومأخوذاً , وكأنها في عالم آخر . وفيما كان يتأملها , رفعت رأسها بما يكفي لتمنحه ابتسامة قصيرة , ثم عادت كرة أخرى تتأمل الوادي . لقد فهم الآن ! وضع عباءته على كتفيه وخرج من غرفته متوجهاً إلى غرفتها . وقف خلفها عند النافذة ووضع يديه على كتفها بنعومة . عندما استندت إليه , أحاطها بذراعيه , فرفعت ذراعها بدورها لتضعهما على ساعديه . وفقا هناك في أحضان بعضهما البعض , وقد تملكهما شعور بالرضا , شعور لا يشبه كل ما عرفه في حياته من قبل . في الأسفل , لاحظا الوهج الناعم الذي راح يزحف نحو الوادي . في البدء , كان باهتاً , ثم راح يزداد قوة . بدا الضوء سحرياً , وكأنه من عالم آخر , واستمر لدقائق معدودة مباركة . بعدئذ , تغير وأصبح أكثر حدة وقوة , أصبح عادياً , جاهزاً ليوم عمل كبقية الأيام . ولم يبق منه سوى الذكرى . تنهدت سيلينا تنهيدة رضا واكتفاء , تنهيدة هادئة بحيث شعرت بها حواسه بدلاً من أن يسمعها . ثم قالت : (( هذا ما أردته . منذ أن أخبرتني عن الضوء , و أنا أتوق لرؤيته )) . ـ وما رأيك ؟ ـ إنه جميل كما وصفته . أجمل ما رأت عيناي يوماً . قال : (( يمكنك أن تريه في الغد أيضاً . أمـا الآن . . . )) . وشدها بنعومة إلى الخلف , وأخذها بين ذراعيه حيث اكتشفا نوعاً آخر من الجمال في عناق لم يرغبا في أن ينتهي . لطالما تخيل ليو اللحظة التي يعرف فيها سيلينا على باري , الفرس التي أصبحت جاهزة للبيع منذ أشهر , لكن أناقتها وحيويتها منعتاه من بيعها بانتظار الشخص المناسب . وسيلينا هي هذا الشخص المناسب . كان يشتبه في ذلك وقد تأكدت ظنونه بعد أن شهد حبهما من النظرة الأولى , وهو يعرف الآن الكثير عن الحب من النظرة الأولى . وخطر له أن يقدم باري لسيلينا كهدية زفاف . وهو لم يعد يتهرب من هذه الأفكار , فعل الرجل أن يعرف كيف يتقبل الأمر حين تنقلب حياته رأساً على عقب بسبب امرأة . أمضيا أيامهما في التجوال على ظهري جواديهما بين حقوله وكرومه , وأمسياتهما في التسامر تحت ضوء القمر , ليفترقا على مضض بعد عناق طويل يحملانه مشاعرهما التواقة كلها . وفي إحدى الأمسيات , قال لها : (( تولي الاهتمام بالجياد , تولي الاهتمام بي , بأحدنا أو بكلينا , كما تشائين )) . رفعت رأسها وراحت تنظر إلى وجهه , كان ضوء القمر ينير الشرفة , رامياً الظلال في وجهها , فلم يسمع سؤالها لشدة استغراقه في تأملها . همس : (( ماذا قلت ؟ )) . ـ قلت إن الوقت حان لتنهي شرح معنى تلك الكلمة الإيطالية التي لا تنفك تستعملها . ابتسم لها ابتسامة حنون وقال : (( هذه الكلمة تعني أنك أغلى عندي من العالم بأسره , فأنت حبي ومحبوبتي الوحيدة )) . بعد أسبوع , قصدا ماريما , وهي منطقة جنون توسكانا , تقع على الشاطئ . وهذه المنطقة معروفة غالباً باسم (( الغرب التوسكاني )) , إذ تربي المواشي فيها بأعداد كبيرة , ولا تزال تستخدم فيها كفاءات رعاة البقر التقليدية . ويحتفل بكل هذا سنوياً عبر إقامة روديو , يتألف من استعراض يخترق شوارع مدينة غروستو المجاورة كلها , وعرض يستمر طيلة بعد الظهر . اصطحب ليو سيلينا إلى المدينة ليلتقيا المنظمين , واصفاً إنجازاتها بتعابير حارة . عندئذ , فاجأته سيلينا بدورها . فطيلة الطريق على المدينة , كانت متمسكة بغرض عريض مسطح , رافضة أن يراه ليو . وتبين لاحقاً أنها صور له وهو راكب على ظهر الثور . قالت : (( أعرف الرجل الذي يلتقط الصور في الروديو , حتى للأشخاص الذين لا يربحون . بحثت عنه فوجدت معه هذه الصورة لك . تبدو رائعاً , أليس كذلك ؟ )) . بدا مذهلاً , كان قد رفع إحدى ذراعيه في الهواء , كما رفع رأسه , فيما ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة تعكس شعوره بالسرور والانتصار . قال : (( لا يمكن للمرء أن يعرف أني سقطت أرضاً في اللحظة التالية )) . تأمل أحد المنظمين الصورة ثم سعل باحترام , وقال : (( ربما بإمكانك يا سيدي أن تقدم عرضاً مشابهاً على ظهر الثور في هذا الروديو )) . فرد ليو على عجل : (( لا أظن ذلك . فلديهم في تكساس ثيران خاص , تربى لهذه الغاية وتتميز بشراستها )) . ـ أظن أننا لن نخيب أملك يا سيدي . لدينا هنا ثور تمكن حتى الآن من جرح رجلين حتى الموت . . . جاهد ليو حوالي عشر دقائق ليتخلص من هذا المأزق الذي ازداد صعوبة بسبب ضحكة سيلينا . قال لها وهما يخرجان : ؛؛قلت له إنك ستقدمين عرضاً لسباق البراميل )) . ـ جيد , لكن الأمر لن يكون مماثلاً إن لم تمتطِ أنت ذاك الثور . ـ أغربي عن وجهي ! لم تقم عائلة ليو بالرحلة من قبل . لكنهم قادمون هذه السن وبقوة , لأن الأخبار الجديدة وصلتهم , وهي أن ليو الذي يحب السيدات الممتلئات الجسم , وقع (( ضحية )) امرأة بارزة العظام , ذات قامة نحيلة ورأس أشبه بكتلة نار . وهكذا , قرر غالبية أفراد أسرة كالـﭭـاني أن يتوجهوا إلى المزرعة لقضاء الليل قبل التوجه إلى غروستو . لم يكن ينقص سوى ماركو . وسيأتي الكونت والكنتيسة كالـﭭـاني , برفقة غويدو ودولسي , من البندقية . عندما علم ليو بما يخططون له وبأن مشاريعهم جاري على قدم وساق , أدرك أن يوم الاعتراف لا يمكن أن يؤجل أكثر . عليه أن يعترف قريباً لسيلينا بكل ما أخفاه عنها , من ثروته التي تستحق الشجب إلى ارتباط اسمه الفظيع بلقب . ويبقى أن ينتظر ليرى أي من الخبرين سيروعها أكثر . وفيما كان لا يزال يحاول أن يتطرق إلى الموضوع , باغتته الأحداث . فقد دخلت سيلينا إلى مكتبه في أحد الأيام بحثاُ عنه : (( ليو , هل أنت هنـا ؟ )) . دفعت الباب لتفتحه أكثر . لم تجد أثراً لليو لكنها استطاعت أن تسمع صوته آتياً من الممر الخلفي , فدخلت إلى الغرفة لتنتظره . عندئذ , لفت نظرها شيء ما . رأت العديد من الصور على المكتب , فدفعتها حشريتها إلى التقدم والنظر إليها . ما رأته جعلها تعبس في البدء , ثم راحت تحدق بارتباك . إنها صور زواج , ما ذكرها بأن ليو حضر مؤخراً زواج شقيقه غويدو . ها هما العريس والعروس التي بدت رائعة في الثوب البيض المخرم , فيما بدا وجه العريس خطراً وفاتناً . وإلى جانبيها , وقف ليو , وقد تأنق كما لم تره من قبل , يا لها من أناقة . إنها ثياب مكلفة , ومع قبعة على رأسه ! وماذا في ذلك ؟ جميع الناس يتأنقون في الأعراس . لكن خلفية الصورة لا يمكن تجاهلها . ثريات , صور قديمة , مرايا ذات أطر مذهبة . كانت الثياب ملائمة بامتياز , وهذا ما لا تفعله الثياب المستأجرة . كما تبدو على هؤلاء الأشخاص الثقة الرهيبة التي تترافق مع المال و المركز الرفيع . شعور غريب , أشبه بالرعب , بدأ يسيطر على معدتها , ويهدد باكتساحها . ـ لقد وصلت للتو . كان ليو واقفاً عند العتبة , يبتسم لها بطريقة يمكن أن تجعلها تنسى أي شيء آخر . قال لها وهو يتقدم ليأخذ الصور : (( دعيني أعرفك إلى عائلتي . هذا أخي غويدو ودولسي . هذان الشخصان التافهان هنا هما والدها وشقيقها , و إن لم أرهما مجدداً فهذا أفضل . وهذا قريبي ماركو وخطيبته هارييت . وهذا الرجل عمي فرانشيسكو وزوجته ليزا )) . ـ ما هذا المكان خلفكم جميعاً ؟ هل استأجرتم قاعة البلدية أو شيئاً من هذا القبيل ؟ فقال بنبرة متقطعة : (( لا . . . إنه منزل عمي )) . ـ هذا ؟ أيعيش هناك ؟ إنه أشبه بالقصر . أصبحت نبرة ليو أكثر تقطعاً : (( أفترض . . أن هذا هو ما عليه . . في الواقع )) . ـ ماذا تعني ؟ ـ يُدعى قصر كالـﭭـاني ويقع على القناة الكبرى في البندقية . ـ عمك يعيش في قص ؟ هل هو من الأسرة المالكة ؟ ـ لا , لا , ليس إلى هذا الحد . إنه مجرد كونت . ـ لم أسمع ما قلته . فقد غمغمت الكلمة الأخيرة . فكرر ليو رغماً عنه : (( إنه كونت )) . حملقت فيه : (( أنت قريب كونت حقيقي ؟ )) . فأكد لها ما قاله كرجل يحاول أن يجد ظروفاً مخففة لجريمة ما : (( نعم , إنما من الجهة الخاطئة )) . اتهمته : (( لكنهم يعرفونك , أليس كذلك ؟ أنت فرد من الأسرة )) . تنهد و أقر بذلك : (( أبي كان شقيق العم فرانشيسكو . ولو أن زواجه من أمي قانوني , لكنت . . . حسناً . . . الوريث )) . عندئذ , التفتت إليه وعلى وجهها نظرة رعب . لكن ليو استرضاها بقوله : (( لكن الزواج لم يكن قانونياً . وبالتالي , لست الوريث . إنها مشكلة غويدو وليست مشكلتي , وهو غاضب مني لهذا السبب , وكأن الذنب ذنبي , فهو لا يريد هذا اللقب بقدر ما لا أرغب فيه أنا . كل ما أردته يوماً هو هذه المزرعة والحياة التي أعيشها هنا . يجب أن تصدقيني سيلينا )) . ـ أعطني سبباً واحداً يجعلني أصدق كلمة مما تقوله . ـ هيا , أنـا لم أكذب عليك يوماً . ـ كما لم تخبرني الحقيقة يوماً . ـ حسناً , هل أخبرتني قصة حياتك كلها منذ البدء ؟ ـ نعم . لقد نالت منه في هذه النقطة , فقرر أن يعدل أسلوبه , فقال : (( أنت لا تتصرفين بشك منطقي . لو كنت فقيراً , فكيف كنت لأتعرف إلى بارتون وأذهب لزيارته ؟ )) . ـ لقد أخبرتني أنك بعته بعض الجياد . كما يمكنك أن تشتري تذكرة سفر بسعر زهيد في هذه الأيام . وثمة شيء آخر . . . هذا المنزل , هؤلاء الناس , وهذه الأرض . . . عندما تكلمت عن المكان , ظننت أنك تستأجر قطعة أرض صغيرة في مكان ناءٍ , لكنك تمتلك كل هذا , أليس كذلك ؟ ـ لم أدعِ يوماً خلاف ذلك . ـ وكم تملك ؟ أنت المالك , أليس كذلك ؟ ليس هنا وحسب , بل في القرية ونصف المسافة إلى فلورنسيا أيضاً , على حد علمي . فاعترف ببؤس : (( بل أكثر من ذلك , في الواقع )) . ـ يمكنك أن تشتري بارتون , أليس كذلك ؟ هز كتفيه باستسلام : (( لا أعلم , عل الأرجح )) . ـ ظننت أنك مجرد فتى من الريف . . . تركتني أظن ذلك . لكنك ملك من ملوك المال . ـ أنا فتى ريفي . ـ أنت ملك ريفي , هذا ما أنت عليه . بدت شاحبة من شدة صدمتها . ـ ليو , كن صادقاً معي لأول مرة منذ تعارفنا . أنت بالغ الثراء أليس كذلك ؟ ـ تباً سيلينا , هل ستتزوجيني من أجل مالي وحسب ؟ ـ لن أتزوجك على الإطلاق , لقد توهمت . . . ـ لم أتقصد ذلك , وأنت تعرفين هذا . ـ كل ما قلته لك , عن أصحاب الملايين وعن أنهم ليسوا أشخاصاً حقيقيين . . . ـ حسناً , تعلمين الآن أنك كنت مخطئة . ـ بالطبع أعلم ! أظنك أثبت أني كنت محقه في ما يتعلق بالأسوأ . ما كنت لأعتقد أن بإمكانك أن تفعل هذا بي ! قال مناشداً فضاء الغرفة : (( ماذا فعلت ؟ هلا قلتم لي ماذا فعلت ؟ )). ـ ادعيت أنك شيء , في حين أنك شيء آخر . فصاح بصوت عالٍ : (( بالطبع فعلت . ما كنت لأخاطر بفقدانك . أتظنين أني لا أعلم ؟ بالطبع , أعلم . ما إن التقينا حتى عرفت أنك امرأة غير منطقية , غريبة الأطوار , وتفتقرين إلى الحس السليم . لم أشأ أن أخيفك فترحلي ؛ لذا , لعبت بحسب قواعدك و شروطك . حتى إني لم أتمكن من أن أخبرك أني قمت . . . )) . توقف عن الكلام قد وصل إلى حافة الهاوية . ـ تخبرني أنك قمت بماذا ؟ ـ نسيت . لكن , عندما التقت عيونهما أدرك أن من الأسهل أن يُعلق كالخروف المعد للسلخ . ـ حسناً , الشاحنة , ومقطورة الجياد . . . مني . ـ أنت . . . اشتريت الشاحنة . . . ومقطورة الجياد ؟ ـ وجيبرز . . . سيلينا , كان خبراء شركة التأمين ليسخروا منك . كنت تعلمين ذلك . إنها الطريقة الوحيدة لتتمكني من السفر مجدداً . أملت ألا تكتشفي ذلك , أو على الأقل ألا تغضبي مني كثيراً إذا ما عرفته . راح يتأمل وجهها , وهو بالكاد يجرؤ على تصديق ما يراه . ـ لِمَ تضحكين ؟ قهقهت : (( تعني . . . أنك كنت المعجزة ؟ وليس بارتون ؟ )) . ـ نعم , أنا وليس بارتون . ـ لا عجب في انك بدوت غاضباً للغاية عندما قلت ذلك . فاعترف ليو : (( كنت لأقتله . أردت أن أخبرك الحقيقة لكني لم أستطع , لأني علمت أنك لن ترغبي في أن تديني لي . لذا , فكرت في طريقة أخرى . يمكننا أن نتزوج , فتصبح هذه الأشياء هدية زفافنا , وتعود الأمور إلى نصابها )) . حملقت فيه : (( أنت جاد , أليس كذلك ؟ )) . ـ حسناً , بحسب رأيي , إذا ما تزوجتني , فكل هذا المال المثير للاشمئزاز سيصبح لك . عندئذ , ستضطرين للسكوت عنه . فكرت في كلامه ثم قالت : (( حسناً اتفقنا )) . حينذاك , لم تقل له إنها تحبه , قالتها لاحقاً تلك الليلة بعد أن عانقها , مطلقاً العنان لمشاعره الجامحة , وبعد أن تركها لتخلد إلى النوم . ولم يسمع همسها وكلماتها سوى وسادتها التي أخفت السر على غرارها . و في أمسية أخرى , أحضر طبقاً من الفواكه وجلسا يأكلان ويتحدثان , وسألته : (( كيف حصل أن عائلتك تملك أراضٍ هنا ؟ إذا كنتم من نبلاء البندقية , فماذا تفعلون في توسكانا ؟ )) . ـ كيف يمكنك أن تسألي ؟ الكل يعرف أن الأرستقراطيين الملاعين يصادرون الأراضي أينما استطاعوا . وبهذه الطريق , نبقى مسيطرين على رقاب الفقراء . ـ آه , أنت مضحك للغاية ! ماذا تفعلون هنا ؟ ـ جدي , الكونت أنجلو , وقع في حب امرأة من توسكانا , تدعى ماريا رينوتشي . وهذا . . . وأشار إلى الوادي مضيفاً : (( . . . كان مهرها , بما أن عليه أن يورث ملكيته في البندقية لابنه البكر ووريثه . . . وهو عمي فرانشيسكو . أما الأراضي هنا فاستخدمت لتأمين إرث لأخوي فرانشيسكو الصغيرين , برتراندو وسيلفيو . أخذ سيلفيو نصيبه نقداً وتزوج من ابنة مصرفي في روما . ابنهما هو ماركو , لكنك لن تلتقيه في الأسبوع القادم لأن مشكلة وقعت بينه وبين خطيبته الإنكليزية , هارييت . لقد عادت إلى إنكلترا فتبعها إلى هناك , ليحاول استرضاءها . وأرجو أن يعيدها ليحضرا معاً زفافنا )) . داعب وجهها , محاولاً أن يلهيها بفكرة زواجهما . تقبلت مداعبته وعانقته بحماس , لكنه لم يتمكن من إلهائها , إذ أصرت : (( ومن ثم ؟ )) . ـ أحب برتواندو العيش في الريف , فأتى إلى هنا وتزوج من أرملة تدعى أليسا , التي أصبحت والدتي . وقد توفيت بعد ولادتي بفترة قصيرة , فتزوج مجدداً من دونا , والدة غويدو . لكن تبين لاحقاً أن والدي لم يسجل زواجها الأول في الدوائر الرسمية المختصة لأن أمي كانت لا تزال متزوجة من زوجها الأول . وبالتالي , ام أكن أنا من حصل على اللقب وإنما أخي , لأن الأوان على تصحيح وضع زواجها من والدي قد فات . وتقايضنا أنا وغويدو الإرث نوعاً ما . ولا يمكن أن أقول لك كم يسرني أننا فعلنا . وإلا , فأنـا و أنت . . . ـ لا . . . قالت هذا كما توقع , ثم أضافت : (( ما كنت لأتزوجك لو كنت تحمل لقباً , فهذا مخالف لمبادئي , وفضلاً عن ذلك . . . على أي حال , لا يهم . لكن عائلتك ما كانت لتتقبلني ككونتيسة )) . ـ أنت لا تعرفين شيئاً عنهم . إنسي الأفكـار المسبقة التي تحملينها في رأسك . نحن لا نأكل في أطباق من ذهب . . . ـ يا للعار ! كنت أتشوق لذلك . ـ هلا صمت وتركتني أكمل حديثي ؟ و لا تنظري إلي بهذه الطريقة وإلا نسيت ما سأقوله . ـ حسناً , ثمة أمور مثيرة للاهتمام يمكننا أن نقوم بها بدلاً من . . . فقال وهو يمسك بأصابعها التي حامت على وجهه : (( عندما أنهي حديثي , عائلتي ليست كما تظنين . كل ما سيهمهم هو أننا نحب بعضنا البعض . لقد تزوج غويدو ودولسي مؤخراً بعد قصة حب جمعتهما , وكذلك فعل عمي فرانشيسكو الذي انتظر أربعين عاماً حتى وافقت المرأة التي يحبها على الزواج به , ورفض الزواج من امرأة أخرى . كان لديها بعض الأفكار الغريبة , وكان هــو رجلاً صبوراً , لكني لست مثله . وإذا خطر لك أني سأنتظر أربعين عاماً لتدركي ما عليك فعله , فأنت مجنونة . والآن , كنت تتحدثين عن أمور أكثر إثارة للاهتمام . . . )) . * * * نهاية الفصل(( الثامن)) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | #10 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب ![]()
| ![]() 9 ـ لن يفهمني ! حاولت سيلينا أن تأخذ الأمور ببساطة , لكن فكرة لقاء أسرة ليو جعلها تشعر بالتوتر ولم تستطع أن تسترخي . لقد قال إن رأسها مليء بالأفكـار المسبقة , وهذا صحيح جزئياً . كان خوفها كله مركزاً على فكرة الإتيان بتصرف أو النطق بكلمة قد تحرج ليو وتجعلهم يرمقونها بنظرات جليدية . إنها تفضل أن تركب ثوراً على أن تخاطر بأن تبدو حمقاء أمامهم . وقبيل الموعد بأيام قليلة , تغير المنزل رأساً على عقب . فقد بدل ليو وسيلينا غرفتيهما , وانسحبا إلى غرفتين أصغر حجماً في الجهة الخلفية من المنزل , لكي يتمكن عمه وزوجته من الحصول على أفضل غرفة , فيما ينزل غويدو و دولسي في الغرفة المجاورة . وراحت سيلينا تحدق مدهوشة إلى جينا وهي تحضر المنزل للاحتفال , بمساعدة خادمتين وطاهٍ وفتاتين إضافيتين من القرية . كما أثار أعصابها أن يقوم بخدمتها عدد من الخدم . قال ليو : (( حسناً , أنت سيدة المنزل الآن , يمكنك أن تصرفي العديد منهم . اجعلي البيت بيئتك فعلياً )) . فسألته محبطة : (( أحقـاً ؟ )) . وكانت عينا ليو مليئتين بمرح شرير و هو يقترح : (( كما يمكنك أن تتولي مهام الطبخ )) . ـ وهل تذوقت يوماً طهوي ؟ ـ أكلت منذ بضعة أيام سندويشاً أعددته , وما زلت أستيقظ ليلاً بسببه . دعيهم يقومون بعملهم يا عزيزتي , واهتمي أنت بعملك , وهو الجياد . كانت قد بدأت فعلياً بإدارة هذه الناحية من الأعمال , فالأمور أسهل مع الجياد إذ أنك تعلم ما هو متوقع منك . عملها هذا جعلها تفكر في أليوت , فتملكها شعور بالحنين إلى الوطن . كان أليوت صديقها الوفي الذي عاش معها في ظروفها الصعبة , والذي قد لا تراه مجدداً . بعد نوبة الحنين الأولى , وجدت أن هذا الشعور قد يباغت المرء في أي لحظة ومن دون سابق إنذار . فخامة المنزل المطلقة بعد أن انتهت جينا من تغييره , تركت في فسها الأثر نفسه , إذ جعلتها تفكر في شاحنتها الصغيرة التي تجر خلفها مقطورة , وفي أليوت وفي نفسها وهما يطاردان الآفاق البعيد مع مال بالكاد يكفي ليصلا إلى المحطة التالية , ثم يتكلان على بعضهما البعض ليربحا بعض المال للمرحلة التالية . ثمة آفاق بعيدة هنا , هذا ما خطر لها وهي تتأمل تلال توسكانا , لكنها بدت لها الآن خالية من المتعة بعد أن عرفت أنها ملك ليو , وبالتالي ملكها , فما من ألغاو وأسرار في أفق تملكه , و ما من إثارة أيضاً . لكنها دفعت هذه الأفكار جانباً . كانت تعلم أن هذه الزيارة مهمة لليو . ومهما قال لينتقص من خلفيته الأرستقراطية , فهؤلاء الأشخاص هم العائلة التي يحب , وهي تشك في أنه يشاركهم قيمهم أكثر مما يدرك . هذه الفكرة جعلته يبدو بعيداً بعض الشيء . مع اقتراب اليوم المنشود , راحت معنوياتها تضعف وازداد ارتباكها بحيث إنها لم تبدِ أي معارضة حين اقترح عليها ليو أن تشتري بعض الفساتين . اختارت أثواباً غير ملفتة قدر الإمكان لأنـها لم تعد واثقة من نفسها , ولم تشأ أن تلفت الأنظـار إليها . قرر الكونت فرانشيسكو كالـﭭـاني أن يقطع المسافة من البندقية إلى المزرعة في سيارته الليموزين الخاصة , لأنه شعر أنها ستكون مريحة أكثر لحبيبته ليزا التي لا تحب السفر في القطار . وسافر غويدو ودولسي في سيارتهما الرياضية الأنيقة . توقفا في فلورنسيا لتناول الغداء , فوصلا إلى بيللا بودينا في وقت متأخر من بعد الظهر . لقد انطلقا قبل الكونت ووصلا إلى مقصدهما قبله . قال غويدو وهو يصافح سيلينا : (( لم نعد قادرين على الانتظار لنلقاك )) . أحبته على الفور , لم يكن يشبه أخاه , لكن عينيه تلمعان بالمرح نفسه . ولعل الوميض في عيني ليو أكثر دفئاً فيما هو أكثر عبثاً في عيني غويدو . كانت دولسي نحيفة بقدر سيلينا نفسها , لكنها تتميز بشعر طويل أشقر متموج , حسدتها عليه سيلينا في سرها . احتضنتها المرأة , وقالت بشوق كم يسرها أن يصبح لديها أخت جديدة قريباً . وبدأت سيلينا تسترخي . . . وبعد دقائق قليلة , اجتمعوا في الخــارج لاستقبال الكونت و الكونتيسة كالـﭭـاني . انزلقت السيارة اللماعة السوداء حتى توقفت تماماً , ثم خرج منها السائق وعمد إلى فتح أحد أبوابها , ترجلت منها امرأة صغيرة البنية , ذات وجه نحيل وعينين مخيفتين . ساور سيلينا شعور غريب بأنها كانت متوترة للغاية وهي تتأمل ما حولها . وفكرت في أنها تنظر بازدراء لأنها وجدت نفسها في مزرعة , وهي التي اعتادت أن تعيش في قصر . . . ثم رأت الكونت يترجل من جهته ويبتسم لزوجته التي بادلته الابتسام ووضعت يدها على ذراعه . دخلا المنزل معاً وتم التعارف . كان الكونت كالـﭭـاني يتمتع بسحر العائلة الموروث . صافح سيلينا وكأنها ابنة طال غيابها , وراح يحدثها بإنكليزية ممتازة . ابتسمت ليزا لها وصافحتها , ثم ألقت خطاب ترحيب قصيراً و رسمياً , توجب ترجمته إلى الإنكليزية . شكرتها سيلينا بتعابير متكلفة أيضاً , تعابير ترجمها الكونت إلى الإيطالية . وبصفتها سيدة المنزل , رافقت سيلينا ليزا إلى غرفتها , وشكرت دولسي التي رافقتهما وترجمت لهما . وأخيراً , فرت شاكرة الرب على خلاصها الرحيم , وتملكها شعور رهيب بأن رد فعل الكونتيسة مماثل لرد فعلها . بدا ثوبها مزرياً إلى جانب أناقة الكونتيسة الهادئة وجمال دولسي المتوهج . وعندما سحبتها جينا إلى غرفة الطعام لتلقي نظرة على الطاولة الأنيقة , رغبت في أن تختفي عن الأنظار لاقتناعها بأن جينا تعرف أن العشاء الأنيق سر ولغز بالنسبة إليها , وأنها تستخف بها لهذا السبب . قال بيأس : (( عظيم , الطاولة تبدو رائعة يا جينا )) . ـ الطعام جاهز سيدتي . ـ في هذه الحالة . . . أفترض أن علي أن أدعوهم للدخول . قامت بذلك عبر إعلام ليو الذي أعلن الأمر بنفسه . علمت أن عليها أن تقوم بذلك بنفسها , لكنها تفضل أن تمتطي ثوراً على أن تقف أمام هذا الجمع وتدعوهم إلى غرفة طعامها . وبدأت تتساءل عن موعد الرحلات إلى تكساس . تحسنت الأمور بعض الشيء حين وجدت نفسها تتحدث إلى دولسي . تبادلت المرأتان القصص عن (( الحياة قبل لقاء احد أفراد أسرة كالـﭭـاني )) , على حد تعبير دولسي , التي أثارتها خلفية سيلينا . وقالت بتوق : (( لطالما أحببت أفلام الغرب الأميركي . أكنت تقومين بأعمال الغرب الحقيقية فعلاً ؟ كاستخدام الحبال وامتطاء الجياد وما شابه ؟ )) . ـ أنا أمتطي الجياد . لكنني لا أستخدم الحبال . . . إلا أنني أستطيع ذلك . فقد علمني أحد الشبان , وقال إني أجيد ذلك . ـ هل ستقدمين عرضاً بالحبال غداً في غروستو ؟ هزت سيلينا رأسها وردت : (( النساء لا يقدمن عروضاً بالحبال في الروديو , بل يشاركن في ساق البراميل )) . كانت عينا دولسي تلمعان وهي تقول : (( أتظنين أن منظمي الروديو في غروستو يعلمون ذلك ؟ )) . كشرت سيلينا وقالت بتقدير : (( أنت خطيرة )) . فأومــأت دولسي برأسها . ومن الجهة الأخرى من الطاولة , راح غويدو وليو يراقبان شريكتيهما برضا . وعلق غويدو : (( نحن نفعل ذلك دوماً )) . فسأله أخوه : (( ماذا نفعل ؟ )) . ـ يقول العم فرانشيسكو إن أفراد أسرة كالـﭭـاني يختارون الأفضل دوماً : أفضل طعام , أفضل شراب , وأفضل النساء . لقد أحسنا الاختيار , يا أخي , كلانا . كانت الوجبة رائعة , هنا الكونت طاهي ليو وأصبح الجو ممتازاً . واستمر هذا الجو حتى أثير موضوع الزفاف , فأعلن الكونت على الفور أنه سيُعقد بالطبع في كاتدارئية القديس مارك في البندقية . قال ليو : (( رأينا وسيلينا أن كنيسة الأبرشية في مورنزا تناسبنا )) . ـ الأبرشية . . . ؟ بدا وكـأن الكونت لا يجد الكلمات المناسبة . لكنه عاد وسأل باستهجان : (( أحد أفراد أسرة كالـﭭاني يتزوج في قرية ؟ )) . فرد ليو بثبات : (( هذا موطننا , وهذا ما نريده أنـا وسيلينا )) . ـ لكن . . . كن ليجادل أكثر , لكن الكونتيسة وضعت يدها على ذراعه وقالت شيئاً لم تفهم سيلينا منه سوى اسمها . قال يسترضيها : (( حسناً , حسناً , لن أضيف أكثر )) . وغطى يد زوجته براحته وأجابها باللغة نفسها التي استخدمتها . لا يحتاج المرء لأن يكون نابغة ليعرف ما قالاه , هذا ما رأته سيلينا . فالكونتيسة لا ترى ضرورة لهذا الهرج والمرج حول الموضوع . وكاتدرائية القديس مارك أهم وأفخم من أنت تتزوج فيها سيلينا غايتس , وقد وافقها الكونت الرأي . ولحسن الحظ , رغب الجميع في الخلود إلى النوم باكراً , استعداداً لمسرات اليوم التالي . وقد اعتادت سيلينا أن تنام بسهولة , لكنها بقيت الليلة مستلقية في فراشها لساعات وقد جفاها النوم , تتساءل عما تفعله هنا . عند الصباح , غادروا المنزل باكراً وتوجهوا إلى غروستو , لتتمركز العائلة في غرفة الفندق التي حجزها لهم ليو , والتي تشرف على الاستعراض . أما ليو وسيلينا , فتوجها مباشرة إلى نقطة انطلاق المركب . كانا اليوم مجهزين بأفضل ما وجداه عند داليا , قميصا رعاة بقر مقفلان حتى العنق , حذاءان ملونان وحزامان بإبزيم فضي . وعندما ثبت ليو القبعة الطويلة بشكل زاوية على رأسه , واعتمرت سيلينا قبعتها بأناقة , أصبحا جاهزين للمشاركة في الاستعراض . بعد الاستعراض , انتقل الجميع إل حقل مجاور حيث ستجرى المسابقات بعد الظهر . وأول المسابقات , كانت ركوب الجياد غير المروضة , وقد شارك ليو فيها , وجاءت نتيجته مشرفة وإن لم يربح . بعدئذ , وُضعت البراميل , وتعالى صوت عبر المكبرات يخبر الحشود عن إنجازات سيلينا , و يشير إلى أنها ستقطع الجولة في أربع عشرة ثانية كحد أقصى . شكل هذا الأمر تحدياً حقيقياً لها , إذ وُضعت البراميل بعيدة عن بعضها البعض , كما أن باري تفتقر إلى الخبرة و التمرين . أعطى الاثنان أفضل ما عندهما , وسجلا أرع عشرة ثانية ونصف , لكن هذا لم يمنع المعلق من أن يصرخ (( أربع عشرة ثانية )) فور انتهائها . وقد سلم الجمهور السعيد بصحة كلامه . إذا ما ظنت سيلينا أن اليوم انتهى , فقد أخطأت , إذ إن الصدمة كانت بانتظارها لاحقاً . المسابقة التالية هي مسابقة إمساك العجل بواسطة الحبال , وقد سجل شخص مؤذٍ و شرير اسمها للمشاركة في هذه المسابقة . وقد أقسم غويدو إنه ليس الفاعل . إلا أنها تمكنت , على غرار ليو , من أن تشارك بشكل مشرف , لم تفقد معه ماء الوجه , وانتهت فترة بعد الظهر في جو صاخب ومرح . هللت لها أسرة كالـﭭاني طويلاً , باستثناء الكونتيسة التي صفقت لها , إنما بهدوء , وتركت سيلينا تتساءل عما تفكر فيه حقاً . وخطر لها أن الكونتيسة تقول في سرها إنها متهورة , لا تتصرف كسيدة ولا يمكن تغييرها . انتشرت في المكان عشرات المنصات التي تبيع الأطباق والأطعمة المحلية , فتناول الكل الطعام بحرية بما في ذلك الكونتيسة التي أكلت بنهم واستمتاع . وشرح لها ليو : (( إنها من هذه الأنحاء , ولا تتاح لها غالباً فرصة تناول الطعام التوسكاني )) . وقالت لها دولسي لاحقاً فيما كانوا يشربون القهوة : (( أتعلمين , أنت كما توقعت تماماً )) . نظرت إليها سيلينا بدهشة : (( أكنت تعلمين بشأني ؟ )) . ـ عندما عاد ليو من تكساس , لم يكن بإمكانه أن يتكلم سوى عنك . أخبرنا كيف التقاك , وأنك رائعة وأنه فقد رقم هاتفك . كاد يجن . ولو لم تأتي إلى هنا , لسافر بحثاً عنك , وأنا واثقة من ذلك . رفعت سيلينا نظرها لتجد أن عيني ليو عليهما , وكان يبتسم ابتسامة عريضة محرجاً , لكن طبيعته الطبية متعته من الاعتراض على سخريتهما منه . وقال لسيلينا : (( بت تعرفين الآن ! )) . سخرت منه : (( هيا الآن , على أي حال , كنت أعلم . لطالما علمت أنك لا تستطيع مقاومة سحري )) . وضع يداً حنوناً حول كتفيها , وقال متأملاً : (( من جهة أخرى , أنت التي جئت إلي هنا بحثاً عني )) . ـ لم آتِ بحثاً عنك , بل جئت من أجل الروديو . فقال : (( حسناً , لقد انتهى الروديو الآن ويمكنك أن تعودي إلى ديارك )) . لكن ذراعيه اشتدت حول كتفيها فيما كان يتكلم . وكان الآخرون يراقبونهما مبتسمين . قالت له بتحد : (( سأرحل إذن )) . اشتدت ذراعه : (( حسناً , إرحلي )) . ـ ســأرحل . ـ حسنـاً . ـ حسنـاً . فقال غويدو بسخط : (( هيا , كفا عن ذلك وتعانقا )) . بعدئذ , سهروا حتى وقت متأخر , غير راغبين في ترك هذه المناسبة السعيدة تنتهي . وفي الصباح التالي , تفرقوا بعد أن تواعدوا على اللقاء قريباً , عندما يعقد ليو و سيلينا العزم على الزواج . حتى إن الكونتيسة ابتسمت وقبلت وجنة سيلينا , ما جعلها تشعر بأنها كانت قلقة من دون داعٍ . وقفت هي وليو , متشابكي الذراعين , حتى اختفت آخر سيارة عن الأنظار . بعدئذ , عادا مسرعين إلى عملهما . كان موسم الحصاد قد حل الآن . وكان على ليو أن يهتم بقاف العنب والزيتون ؛ لذا لن يتسنى لهما أن يتزوجا حتى ينهي عمله هذا . أصبحت سيلينا مأخوذة بهذا الجانب من حياتهما , فراحت تمضي ساعات طويلة على سرج جوادها تجول في الأراضي معه . كانا يعودان إلى المنزل كل مساء , مرهقين إنما راضيين وقانعين بما تثمر به الأراضي . وخف قلقها وتململها تدريجياً . ما من شيء تقلق بشأنه , ويمكن لهذه الحياة السعيدة أن تستمر إلى الأبد . وفي الصباح أحد الأيام , أتى الاتصال الهاتفي من العدم . خرجت سيلينا من غرفتها بعد أن استحمت لتجد ليو متضايقاً . ـ اتصل العم فرانشيسكو للتو , وهو يريدنا أن نترك كل شيء وأن نتوجه إلى البندقية على الفور , في هذه اللحظة . ـ هل هو مجنون . نحن عل وشك أن نبدأ بجمع غلة العنب . ـ هذا ما قلته له . قال إن الأمر طارئ . ـ أتظن أنه يريد فتح موضوع الزفاف مجدداً ؟ ـ أرجو ألا يكون هذا سبب استدعائه لنا . قلت له مراراً وتكراراً إننا سنتزوج في مورانزا , وهذا قرار نهائي , إذا ما جرنا إلى البندقية ليناقش الموضوع مجدداً , فسوف . . . وراح يبحث عن كلمات يمكن لطبعه المحب أن يتلفظها , ثم أضاف : (( فسأقول له إنه ما كان عليه أن يفعل ذلك )) , ـ إذن , سنذهب ؟ ـ بل سنذهب , علي أن أتحدث إلى رينزو ومن ثم ســأخرج السيارة . وتنهد قبل أن يردف : (( لمَ لم يقل لي ما حدث على الأقل ؟ حسناً , كلما أبكرنا في الوصول كلما عرفنا أسرع ما يحصل , وكلما تمكنا من العودة باكراً )) . سألته سيلينا مع اقرابهما من المدينة : (( إذا كانت شوارع البندقية من ماء , فأين سنركن السيارة ؟ )) . ـ ثمة ممر يمتد من البر الرئيسي إلى البندقية , ويمر فوق البحيرة الضحلة . وعند الوصول إلى البندقية , ثمة محطة تدعى بيازا لا روما , حيث يمكننا أن نترك السيارة ونستقل المركب لنقطع المسافة المتبقية . ـ سنستقل الغندول ؟ ـ لا , فهذه المراكب ليست كسيارات الأجرة . إنها تقوم بجولات للسياح في المدينة. سيرسل لنا عمي مركبه . لكن , عند وصولهما كانت بانتظارهما مفاجأة , إذ وجدا غويدو هناك يرحب بهما , وقد حضر لهما غندولاً وليس مركباً عادياً . هناك ليو مكشراً : (( نسيت أنك تظن نفسك سائق غندول )) . وأضاف موجهاً كلامه إلى سيلينا : (( الغويدو بعض الأصدقاء من أصحاب الغندولات , فيستعير مراكبهم عندما يحلو له ذلك , وهو يرى الكدح الشريف بهذه الطريقة )) . قال لها غويدو وهو يساعدها على الركوب : (( تجاهليه )) . حمل حقائبهما , ثم التفت إلى ليو وأشار إلى المركب بانحناءة مسرحية : (( سيدي )) . فقال ليو مكشراً : (( أنت تخطط لشيء ما يا أخي الصغير )) . ـ من , أنــا ؟ ـ لا ترمقني بهذه النظرة البريئة , فأنت تبدو دوماً بريئاً عندما تقوم بعمل ما يجعل الكل يعبس . أتعرف شيئاً لا أعرفه ؟ مازحه غويدو : (( ما أعرفه أنا ولا تعرفه يمكن أن يملأ كتاباً . لكن لا تلمني في ذلك , فهذه هي الحياة , وهذا هو القدر )) . وانطلق , فتحول انتباه سيلينا عنهما لبعض الوقت ليرتكز على أول رحلة لها في الغندول وأول زيارة لها إلى البندقية . بدا لها أنهم وصلوا سريعاً إلى القناة الكبرى , الطريق الرئيسي العريض الذي يمر وسط المدينة . قال ليو . وهو يشير إلى مبنى إلى يمينهم : (( هنا يعيش عمي )) . كان قصر كالـﭭاني مبنى ضخماً , زُينت واجهته بزخرفات حجرية أشبه بالمخرمات , وتكاد تخفي حجمه . وأدركت سيلنا أنه قصــر حقيقي , فالثقة و الجمال ينضحان منه على حد سواء . لا بد أنه كان مسكناً للوردات عظام على امتداد قرون , وعظمته لا تذعن وتنحني لأي رجل . ومع أنها استطاعت أن تقدر الجمال و الثقة , لكنها شعرت في الوقت عينه بسرور عميق لأنها ليست مضطرة إلى العيش فيه . وتعاظم إعجاباً عند وصولهم إلى مرحلة الرسو حيث سارع الخدم إلى مساعدتهم , إذ بدا وكأن المنزل الضخم , الساحر , مد يديه ليحتضنهم أيضاً . همس ليو في أذنها : (( أعلم ما تفكرين فيه , إذ يخطر لي أحياناً أني لن أخرج حياً من هنا )) . جعلها كلامه تشعر بالتحسن فضحكت . إن كان شعوره مماثلاً لشعورها , فلا بأس . واتسعت عيناها دهشة عندما رأت غرفتها , إذ حتى الغرفة التي نزلت فيها في مزرعة فورتين لم تكن خيالية كهذه . وهمست لليو : (( إنها كبيرة كملعب كرة مضرب , سأضيع فيها )) . ـ لا تخافي , غرفتي في الطرف الآخر من الممر . ورأت سيلينا ما جعلها تقفز من مكانها . ـ ليو , من هذه وماذا تفعل بحقيبتي ؟ فقالت دولسي التي ظهرت فجأة خلفهما : (( إنها خادمـة ليزا , وقد أرسلتها لمساعدتك )) . ـ تعنين أنها تظن أن لا فائدة مني ؟ فقالت دولسي : (( لا تكوني حساسة بهذا الشكل ! هذا مجرد إطراء , لأنك ضيف مبجل )) . وفكرت سيلينا في أن المرء يمكن أن ينظر إلى هذا الأمر بهذه الطريقة كما يمكنه أن يعتبره إهانة مبطنة , طريقة لتقول لها الكونتيسة إنها تعرف أنه لن يكون لها خادمة خاصة بها يوماً . هذه مشكلة هؤلاء الناس , لا يعرف المرء كيف يفسـر كلامهم وتصرفاتهم . اعتمدت على ليو ليدعمها , لكنها أدركت سريعاً أنه لا يفهمها سوى جزئياً . ومهما قال عن عدم ارتياحه في هذا المكان , تبقى حقيقة أن هذه الأسرة أسرته , وأنه يحبها . وهو يشارك أفرادها تاريخاً وأفكاراً لا يحتاجون لحديث عنها . كانوا يدعونه (( الريفي الشديد الارتباك )) بنبرة محبة , ساخرة نسبياً , لكنه واحد منهم كما لن تكون سيلينا . . كما لن تكون سيلينا أبداً ! واعتباراً من تلك اللحظة , شعرت أن كل شيء يحمل معنى مزدوجاً . عندما أتت الكونتيسة شخصياً إلى غرفتها ورافقتها إلى الأسفل لتناول العشاء , هل كان هذا إطراء أم طريقتها في أن تقول لها إنها أغبى من أن تجد طريقها ؟ وعندما وقف الكونت ليأخذ بيدها , وهمس مديحاً على أناقة ثوبها ثم قادها للطاولة , ألم يكن يشير إلى أنها اشترت ثوبها من سوق مورنزا ؟ حسناً , لن يفلحوا في تخويفها . أخذت نفساً عميقاً وجلست في المقعد الذي اختاروه لها , إلى يمين الكونت . بعدئذ , أبلت بلاء حسناً . كانت تخشى أن توقع إحدى كؤوس الكريستال الباهظة الثمن وتحطمها , لكن اللمسة الخفيفة و الماهرة التي اكتسبتها بفضل السباقات العديدة التي خاضتها , ساعدتها . عليها أن تتعامل مع هذه الأغراض كما تتعامل مع أي جواد , ببراعة تتميز بالخفة لا بالقوة . كان الطعام رائعاً , حتى إن حساسيتها المفرطة و المرضية لم تفلح في أن تحوله إلى إهانة . وكانت قد بدأت تسترخي حين تعالت فوضى خفيفة من خارج غرفة الطعام . وفي اللحظة التالية , هبت أسرة كالـﭭـاني كلها واقفة لترحب برجل وامرأة دخلا إلى الغرفة . صرخ الكونت فرحاً : (( ماركو ! هارييت ! )). ورأت رجلاً وسيماً , أنيقاً وطويل القامة ترافقه امرأة شابة ذات جمال كلاسيكي . قال الكونت : (( أملت أن تنضما إلينا )) . وتقدم بشوق ليصافحهما . وقال ماركو : (( بالكاد تمكنا من العثور على تذكرتي سفر . لم نكن لنفوت المناسبة العظيمة إذا ما استطعنا المساعدة . هل . . . ؟ )) . فقاطعه الكونت على عجل : (( لا , لا , ليس بعد . تعالا لتتعرفا إلى الفرد الجديد في أسرتنا )) . التفت عينا سيلينا بعيني ليو عبر الطاولة , وقد بدا الارتباك و التشوش على كليهما . المناسبة العظيمة ؟ إذن ماركو ! القريب الذي ذكره ليو , الشخص الذي لم يظهر يوماً مشاعره , لكنه مع ذلك سافر إلى إنكلترا , مهملاً عمله كمصرفي في روما , بغية استرجاع المرأة التي يحب . بدت تصرفاته الآن باردة ومتكلفة , وكأن تصرفه العاطفي الانفعالي ذاك انتهى إلى غير رجعة . لكنها لاحظت كيف تعود عيناه دوماً تتأملا هارييت , وكأنه لا يستطيع أن يصدق أنها معه . لقد أحبت دولسي على الفور , ووجدت نفسها الآن تحب هارييت التي جلست إلى جانبها و تبادلت معها أطراف الحديث بين اللقمة و الأخرى , فيما كانت تتناول الطعام بسرعة لتدرك المرحلة التي وصلت إليها الوجبة . قالت : (( أنـا سعيدة للغاية لأنكمـا , أنت وليو , تمكنتما من الاجتماع . هذا ما أملناه , أنـا و دولسي )) . تدخلت دولسي في الحديث : (( لقد أخبرتها كم تحدث عنها )) . فأومـأت هارييت : (( أتذكر ذلك )) . عندئذ , قال ليو : (( في الواقع , وجدتما الأمر مسلياً للغاية أنتما الاثنتان )) . ثم وجه ابتسامة عريضة لهارييت وتابع : (( لكننا سنسخر من ماركو الآن . قلا بد أنك تغلغلت في مسام جلده حتى جعلته يلحق بك إلى لندن و يبقى هناك لأسابيع . متى ستجعلين منه رجلاً شريفاً ؟ )) . قالت هارييت ضاحكة : (( حسناً ’ لا بد أن يحصل ذلك قريباً , سيعطيني المتجر كهدية زفاف )) . ثم وجهت الكلام إلى سيلينا : (( لدي متجر لبيع القطع الأثرية , لكن المشكلة أني فاشلة في إدارته . لذا , يحاول ماركو أن يعلمني (( الحس المالي السليم )) , أي أبسط القواعد المالية )) . فسألتها سيلينا بصوت مكتوم : (( أثريات ؟ أتعنين . . . ؟ )) . والتفتت من حولها تتام ثريات الكريستال و اللوحات الثمينة , ثم أردفت : (( أتعنين . . . هذا النوع من الأشياء ؟ )) . فقالت هارييت بلهفة : (( نعم . هذا المكان يثير إعجابي , فهو مليء بالجمال و التاريخ . يمكنك قراءة تاريخ البندقية في هذا المنزل , الناس , المناسبات . . . )) . لم تسمع سيلينا المزيد , فقد غمرت قلبها الكآبة وأثقلته . أملت للحظة أن تجد في هارييت توأم روحها , أملت أن تشعر مثلها وكأنها سمكة خارج المياه في هذا المحيط الثري , ولكن تبين لها أنها تنتمي إلى هذا المكان , كـأي فرد من أفرد أسرة كالـﭭـاني . يمكنها أن تنسجم مع الأسرة بسهولة وتشكل جزءاً منها , ما يظهر بوضوح أن سيلينا نفسها تبرز بينهم كإبهام متقرح . لكن , يبقى هناك دولسي , التحري الخاص , الفتاة العاملة التي عرفت معنى الكفاح من أجـل كسب لقمة العيش . عليها أن تتمسك بهذه الفكرة , لأنها أدركت أن ثمة أفكــار لا يمكنها أن تطلع عليها ليو . فبكل بساطة , هو لن يفهمها . وهذا أسوأ ما في الأمــر ! * * * نهاية(( الفصل التاسع)) . . . | ||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|