شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   رواية بحر من دموع *مكتملة* (https://www.rewity.com/forum/t481045.html)

روز علي 13-02-21 08:23 PM

رواية بحر من دموع *مكتملة*
 
اهلا وسهلا فيكم بروايتي الجديدة "بحر من دموع"
اتمنى منكم المتابعة والدعم من كل قلبي ، ومني لكم اجمل تحية......


https://upload.rewity.com/do.php?img=168894

https://h.top4top.io/p_1870e44p50.jpg

"تواقيع الشخصيات"

https://i.top4top.io/p_18705xquq1.jpg


https://j.top4top.io/p_1870hjz0q2.jpg


https://k.top4top.io/p_1870ca37a3.jpg


https://l.top4top.io/p_1870vapcd4.jpg


"بسم الله الرحمن الرحيم"
المقدمة.................
"كل من ينظر إلى عينيها يلمح الجمود والقوة بهما لتضلله بنظراتها الثابتة وهي تنظر لكل من حولها بعدم مبالاة متعمدة لتدوس على كل ما يطأ قدميها بعنف قاسي مبالغ به ليتحول لرماد من تحت ضغط قدميها ، بينما هو من بين الجميع استطاع ان يلمح دموع متدفقة بعينيها بجمود لا يراها سواه وهي تتجمع بحدقتيها البحرية تأبى الخضوع لها وتركها لتتسرب من مقلتيها بحرية ، لتبقى عندها عالقة بداخل مقلتيها طويلا وهي تتلاطم بداخلها كالبحار الهائجة بينما تقفل عليها السدود بقوة ، لتزداد الشروخ والتشققات بالسدود حتى تحولت لبحار مظلمة تؤخذه وتعيده لنفس النقطة بدون ان ترحمه وتطلق سراحها ، فهل من سبيل للنجاة ؟"

مواعيد التنزيل كل يوم "سبت" من كل اسبوع
دمتم بسعادة وحب.........




روابط الفصول

المقدمة .. اعلاه
الفصل 1 .. المشاركة التالية
الفصل 2, 3 .. بالأسفل

الفصول 4, 5, 6 نفس الصفحة
الفصل7

الفصل 8, 9 نفس الصفحة
الفصل 10, 11 نفس الصفحة
الفصل 12
الفصول 13, 14, نفس الصفحة
الفصل 15
الفصل 16
الفصل 17, 18
الفصل 19
الفصل 20
الفصل 21
الفصل 22
الفصل 23
الفصل 24
الفصل 25
الفصل 26
الفصل 27
الفصل 28
الفصل 29
الفصل 30
الفصل 31
الفصل 32
الفصل 33
الفصل 34
الفصل 35
الفصل 36
الفصل 37
الفصل 38
الفصل 39
الفصل 40
الفصل 41
الفصل 42
الفصل 43
الفصل 44
الفصل 45
الفصل 46
الفصل 47
الفصل 48
الفصل 49
الفصل 50
الفصل 51
الفصل 52 ج1
الفصل 52 ج2
الفصل 53 ج1
الفصل 53 ج2
الفصل 54
الفصل 55
الفصل 56
الفصل 57
الفصل 58 الأخير والخاتمة

رابط التحميل
https://www.mediafire.com/file/7kztc...�لي.pdf/file





روز علي 13-02-21 08:30 PM

الفصل الأول
 
الفصل الأول...................
كانت تسير بخطوات جامدة وهي تصطدم بأكتاف كل من يسير بمحاذاتها بلا مبالاة وعينيها المتسعة تنظر فقط للطرقات القذرة والممهدة امامها بحيّ فقير يضم اسوء انواع البشر والتي لا يود المرء مقابلتهم وكل من وصل حاله للحضيض واقل ينضم لهذا الحيّ القذر بسبب انخفاض اسعار المعيشة فيه والسكن بهذا الحيّ بدون الاضطرار لتبذير الكثير من المال بهذا المكان ، استمرت بالسير بالطرقات الضيقة والتي اعتادت عليها منذ عشر سنوات وتحديدا منذ وفاة والدتها ليصبح هذا المكان منزلها الدائم بعد ان انتقلت من منزلها المتواضع والذي كانت تعيش فيه فيما مضى مع عائلتها الصغيرة .
توقفت عن السير ما ان وصلت لنهاية الطريق وتحديدا لموقع منزلها الصغير والذي يضم فوقه عدة طوابق كثيرة بينما منزلها يأتي بالطابق الأول الأرضي ، تنهدت بعدها بجمود وهي ترفع احداقها بلون زرقة شديدة القتامة باتجاه بناء منزلها قبل ان تخطو باتجاه الباب بهدوء ، وما ان وصلت امام الباب تماما حتى عقدت حاجبيها باستغراب وهي تنظر لباب المنزل المفتوح والموارب امامها ، دفعت بعدها الباب بحذر حتى انفتح على اتساعه لتخطو للداخل وهي تسير ببطء شديد قبل ان تخلع حقيبتها عن كتفها برفق .
ألقت بالحقيبة على الكرسي المتهالك بجانب المدخل قبل ان تسير وهي تنظر للأجواء الساكنة والتي تحوم بالمنزل لأول مرة ، صرخت بعدها وهي تنادي بارتفاع وضيق
"لقد عدتُ للمنزل ، اين انت يا عم قيس"
توقفت ببهو المنزل الصغير وهي تعض على طرف شفتيها بغيض لتتمتم بعدها بعصبية بالغة
"اين ذهب ذلك المخبول"
زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بشيء مسنن يجثم فوق صدرها يعيق عليها التنفس بطبيعية وهي تشعر بشيء غير طبيعي يحوم من حولها وهذا هو ما يحدث مع غريزتها الفطرية والتي تشعر دائما بالخطر المحدق بها والقريب منها ، قبضت بعدها على يديها بجمود وهي تقول بخفوت جاف مرتعش
"اين انتِ يا روميساء الآن ، يا ألهي ساعدني"
تحاملت على نفسها واتجهت بسرعة نحو الغرف وهي تتجه بالبداية لغرفتها والتي تضمها مع شقيقتها ، وعندما لم تجد احدا بها سارت للغرفة الأخرى والمجاورة لها من فورها والتي كانت تخص زوج والدتها او بالأحرى مربيها والتي كانت للصدفة مفتوحة لأول مرة وهو الذي يصر دائما على إغلاقها بالمفتاح بعيدا عن كل الأعين المتربصة لها وعن اي مخلوق يحاول الوصول لها وهو يخفي من خلفها اسرار خطيرة تخص اعماله المشبوهة والغير قانونية وخفايا لا يعلم عنها احد سواه وقد عرفت عنها بالصدفة عندما نسي باب غرفته مفتوحا وقد دفعت ثمن فعلتها هذه سابقا كثيرا .
دفعت باب الغرفة بكفها بحذر وهي تتوقع بأي لحظة هجوم زوج والدتها عليها بسبب تعديها على غرفته السرية واسراره الخاصة كالمرة السابقة ، ولكنها لم تهتم لكل هذه الرهبة وللخطر والذي يحيط بها بكل مكان فهو بحياته لم يستطع إخافتها او إرهابها بتهديداته وقسوته بالتعامل معها والمعتادة عليها منذ سنوات طويلة حتى اصبحت جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية الكئيبة وهي التي اعتادت على رؤيته كل يوم والتشاجر معه بكل شيء يحدث معهم .
تجمدت بمكانها وهي تبتلع ريقها بتصلب ما ان وقعت نظراتها على الخزائن المفتوحة والمقلوبة رأساً على عقب وكأن اعصار ضخم اجتاح المكان ليثير الفوضى من حوله وهذا الأمر ليس بالشيء الجيد ابدا ، اتسعت عينيها الزرقاء الداكنة ما ان لمحت الصندوق المذهب وهو ملقى على الأرض والذي كانت قد وجدت به من قبل كل الأوراق والتي تخص اعماله الغير قانونية ، سارت بعدها بسرعة للصندوق لتجثو على ركبتيها امامه وهي تدس كفيها بداخل الصندوق لتكتشف عندها بأنه فارغ تماما وهي تديره بين يديها بهلع وبارتباك احتل كل جسدها .
اوقعت الصندوق من بين يديها ليتردد صداه بأنحاء الغرفة الموحشة وهي تنظر للفراغ بعيدا بصدمة ، فهذا لا يثبت سوى شيء واحد وهو بأن (قيس) قد انكشفت كل اسراره وخباياه والتي كان يخفيها عن العالم وخرجت للنور وسيكون الآن يتلقى ثمن أفعاله وكل شيء غير قانوني فعله بحياته الرخيصة الطويلة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاعوا معرفة اسراره والوصول لها بهذه السهولة بعد سنوات من عمله بهذا المجال ليكون السجن هو مصيره الحالي ؟ فهذه الأسرار خطيرة وما ان تصل لقبضة الشرطة او لقبضة أي مخلوق ستكون عندها نهايته الحتمية بين قضبان السجن .
تنهدت بارتجاف وابتسامة شاحبة ضعيفة بدأت تحفر على شفتيها بذبول فالذي لم تستطع فعله بحياتها ولم تتجرأ على فعله لكي لا تخسر حياتها هي وشقيقتها استطاعوا آخرون فعله ليحققوا لها انتقامها والذي تاقت إليه كثيرا ، زحفت بعدها بركبتيها للخلف حتى استندت للجدار من خلفها قبل ان ترفع ساقيها لمستوى وجهها لتعانقهما بذراعيها بجمود وعينيها ما تزال تحدق بالصندوق الملقى امامها والذي لم يعد له قيمة بعد ان خرجت كل الأسرار من داخله ، دفنت وجهها بين ساقيها وهي تهتز بنحيب خافت بدون دموع وهذه عادتها الدائمة لتحمي نفسها من الظلام الموحش من حولها والسكون يلفها بكل مكان معلنة عن نهاية العذاب المسمى (قيس) وهي تفكر بالذي ينتظرها بالأيام القادمة بعد ان اختفى زوج والدتها والمربي والذي عاشت معه هي وشقيقتها لمدة لا تقل عن ستة عشرة عاما كاملة ، وهذا حدث بعد وفاة والدها وهي ما تزال بعمر الرابعة حتى اصبحت عبارة عن سلسلة من حياة طويلة لا مفر منها او مهرب .
______________________________
كان يصوب السهم بأصبعيه السبابة والإبهام بتحديد وبعين ثاقبة لا تخطئ هدفها ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بعبث كما يفعل دائما عندما يخطط لفعل شيء مهم وقيّم بالرغم من ان لا شيء يستحق اهتمامه وتقييمه بحياته الفارغة ولكن لا بأس من المحاولة وتضييع الوقت بتفاهات الحياة والتي تعتبر تسليته الوحيدة بهذا العالم الممل ، وما هي ألا لحظات حتى انطلق السهم بمسار أعوج بسبب انفتاح باب الغرفة بشكل مفاجئ ليفسد عليه متعة اللحظة وهو يخطأ هدفه المرسوم لأول مرة .
التفت برأسه بضجر للخلف وعينيه السوداء الواسعة تنظر بضيق بدون الاعتدال باستلقائه على الأريكة وهو ينظر لشقيقه الأكبر بملل ، ليقول بعدها بغيض واضح
"يا رجل من سلطك عليّ الآن ، لتفسد لحظات متعتي الخاصة بغرفتي الشخصية ام لم يعد هناك احترام لخصوصيات الآخرين"
حرك شقيقه رأسه بيأس منه ليقترب بعدها نحوه قبل ان يقف بجانبه وفوق رأسه تماما وهو يقول بجدية صارمة معتاد عليها بسبب حضوره الدائم باجتماعات دائرة أعمال العائلة
"وهل ألقاء السهام وتضييع وقتك بلا شيء يعتبر خصوصيات ام انها مجرد هدر للوقت القيّم..."
قاطعه الجالس على الأريكة وهو يقول بملل مستفز
"لا تبدأ بالمواعظ الآن يا احمد ، واخبرني ما لذي جاء بك لغرفتي يا ابن والدك"
تنهد (احمد) بهدوء وهو يدير وجهه بعيدا عن شقيقه المستهتر بضيق والذي لا يهتم لكل ما يحدث من حوله بالعائلة ، قال بعدها بهدوء وهو يعود لجديته الصارمة
"اسمع يا شادي ، ابي يريد منّا ان نجتمع عنده بغرفة المكتب بعد عشر دقائق من الآن ، فهناك ما يريد ان يطلعنا عليه ومهم جدا"
اعتدل (شادي) بجلوسه على طرف الأريكة وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة امامه ، ليتمتم بعدها بلا مبالاة
"وعلى ماذا يريد ان يطلعنا يا ترى"
ردّ عليه (احمد) ببرود جليدي
"وما يدريني انا ، لقد اخبرني فقط ان اعلمك بهذا الأمر علماً بأنه لا يراك بالجوار ابدا ليخبرك ، فأنت دائما اما غائب عن المنزل بدون ان نعرف وجهتك او ملازم لغرفتك بدون ان تخرج منها"
عقد حاجبيه بتركيز وهو ينظر مرة أخرى للهدف المعلق على الجدار امامه بتحديد ليهمس بعدها بسخرية
"وكيف لا تعرف وهو يخبرك بكل اسرار الدولة بدون ان يخفي عنك اي شيء فأنت مساعده الأيمن وشريكه المخلص والوفي بكل شيء ، والذي لا يستطيع الاستغناء عنه مهما حدث"
تجهمت ملامح (احمد) بحنق فهو يعرف جيدا إلى ماذا يرمي إليه شقيقه والذي يصغره بسنتين فقط ، وبالرغم من هذا يشعره دائما بأنه يصغره بالكثير من السنوات من تصرفاته العابثة ورعونته والتي لن تنضج ابدا ، تنهد بعدها بهدوء قبل ان يجلس بجانبه على الأريكة وهو يقول بجدية
"اسمعني جيدا يا شادي ، اعتقد بأن افضل حل لترضي والدي وترضي نفسك هو العمل معه وبالمجال والذي يختاره لك ، فالحياة هكذا لم تعد تطاق ابدا"
نقل (شادي) نظراته السوداء الباردة باتجاه شقيقه وهو يهمس بجمود متصلب
"ومن قال لك بأن هذا العمل سيرضيني ، اخبرتكم مئة مرة بأني سعيد بالعمل والذي اعمل به حالياً ويرضيني كثيرا ، ولا اريد اكثر من هذا ، واخبر والدي بأن يفعل ما يشاء فأنا لن ارضخ لطلباته وسعيد جدا بحياتي المملة كما يطلق عليها هكذا"
ادار (احمد) وجهه جانبا وهو يسند قبضتيه على ركبتيه ليهمس بعدها بحزم
"يعني تعجبك حياتك هكذا منبوذ من والدك ومستقل عن الجميع بغرفتك وكأنك تعيش بعالم آخر ولا تعطي اعتبارا لأحد ، صدقني هذا ليس لصالحك ابدا بالمستقبل يا شادي"
عبست ملامح (احمد) وهو ينظر له يعطي كل انتباهه للسهم بأصبعيه قبل ان يطلقه بعيدا ليصيب الهدف والذي يتمحور حول النقطة الحمراء بمنتصف اللوحة بنجاح ، تأفف بعدها بنفاذ صبر من لا مبالاته وكأنه كان طوال الوقت يكلم نفسه وليس مع البارد بجانبه ليتمتم عندها بشرود
"لو كانت والدتك ما تزال على قيد الحياة لما قبلت بهذه الحياة المستهترة والتي تعيشها بعيدا عن العائلة والتي تضيع مستقبلك بها"
حاد (شادي) بنظراته لشقيقه وهو يعقد حاجبيه بوجوم ليتذكر عندها والدته الراحلة والتي تركتهم ببساطة بعد إنجابها للطفل الثالث والذي كان السبب بموتها لتترك ذكرة حزينة بقلوبهم عن المرأة المضحية لعائلتها والتي كانت افضل مثال حي عن الجهاد والمحاربة لتستطيع الحفاظ على كمال عائلتها بكل معنى الكلمة ، ولكن حملها المتأخر بالطفل الثالث مع امراضها والتي كانت تعاني منها هو ما جعلها تفقد حياتها ليعيش الطفل بعد موتها بثواني من ولادتها .
قال (شادي) فجأة باستياء وهو يلتقط سهم آخر من على الطاولة بهدوء
"ولولا إصرار والدي لتنجب له طفل آخر وولد جديد يحمل اسمه لكي لا يضطر للزواج من غيرها لما كانت تركتنا ببساطة ، لنضيع بعدها بدونها بطرقات الحياة وكله من اجل طفل سيعيش المتبقي من حياته يحمل ذنب موتها"
التفت (احمد) نحوه بعنف وهو يتمتم بتصلب
"شقيقك الصغير ليس له علاقة بموتها فهذا قدرها ولا نستطيع الوقوف امام القدر فقد حدث بأن عمرها قد انتهى ، وتوقف عن لوم والدك والطفل بموتها فقد اصبح كل هذا من الماضي البعيد وعلينا نحن فقط ان نفكر بالحاضر وبالمستقبل القادم امامنا"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عنه بضجر ليعود للتركيز على الهدف امامه وهو يقول ببرود
"يمكنك انت تطبيق هذا الكلام على نفسك بعيدا عني ، واما انا فلن اتوقف عن لومهما فكلما نظرت لوجه ذلك الطفل اتذكر كل ما حدث بسببه وما نتج عن مجيئه لهذه الحياة"
زفر (احمد) انفاسه بيأس منه فهو لا يفهم كيف يفكر شقيقه الصغير والذي لم يستطع يوما سبر اغواره فقط والدته هي الوحيدة والتي كانت تستطيع التحكم بتصرفاته العابثة منذ طفولته وقلب مزاجه رأساً على عقب وخاصة بأنه مدللها والذي كانت دائما تغدقه بالحنان الخالص بينما كانت تعامله هو بحنان محدود وببعض الحزم بسبب نضجه المبكر والتصاقه الدائم بوالده ، ولكنها كانت دائما تستطيع السيطرة على الأجواء والتي تحوم بالعائلة وهي تعطي كل فرد فيها اهتمام ومعاملة خاصة به ، وبعد رحيلها اصبحت الحياة بالمنزل مشحونة بمشاعر متناقضة وقاتمة على الجميع وكأن وجودها هو الذي كان يتحكم بمصير هذه المشاعر والتي تحوم بهذا المنزل الكبير والموحش ، ليضيع عندها الجميع بعيدا عنها بعد ان كانت تمثل اساس المنزل وخاصة (شادي) والذي كان اكثرهم تعلقا بها وتشبثا بعاطفتها ليسير بعدها بحياة الاستهتار وهدر الوقت الثمين بلا شيء وهو يبحث عن هدف بعيد بدون ان يجده للآن .
وقف (احمد) عن الأريكة بصمت وهو يتمتم بغموض
"لا تنسى المجيئ لغرفة مكتب والدي وألا سحبتك بنفسي إلى هناك ، فلا نريد المزيد من المشاكل بالعائلة والتي تفتعلها على الدوام"
حرك (شادي) رأسه بلا مبالاة وتركيزه منصب نحو الهدف والذي لا يخيب ابدا ، ليغادر بعدها شقيقه بصمت لخارج الغرفة بأكملها ، بينما شدد (شادي) على السهم بأصبعيه بقوة قبل ان يطلقه بأقصى ذراعه ليصطدم باللوحة تماما بدون ان تصيب مقدمته المسننة بنقطة الهدف قبل ان يقع ارضا بإحباط ، ليبتسم بعدها ببرود وهو ينظر عاليا ليعود لاستلقائه على الأريكة وهو يفكر بمخططات جديدة ليفعلها لتسلية وحدته الدائمة بعيدا عن العائلة ، ولكن قبل كل هذا عليه اولاً الذهاب لمكتب والده فلن يتحمل المزيد من التوبيخ والكلام والذي لا طعمة له وهو ينخر اذنه بألم ليخرج من الأذن الأخرى .
_____________________________
دخل لغرفة المكتب بعد ان طرق على بابه بهدوء وهو يسير للداخل بلا مبالاة وبدون ألقاء تحية السلام على افراد عائلته وجميع الانظار تتابعه بتركيز حاد ، ليجلس بعدها على الأريكة المقابلة لأريكة شقيقه (احمد) وزوجته بأريحية ، قطع الصمت القاتم صوت (احمد) وهو يقول باتزان مبتسم
"تفضل يا ابي واخبرنا بما لديك ، فقد اصبح جميع افراد العائلة موجودين امامك كما طلبت"
ابعد الرجل الكبير نظره الثابت عن ابنه ليوزعها على ابناءه بهدوء بداية بابنه الكبير (احمد) والذي يتحمل كل اعباء العمل عنه منذ سنوات والابن المطيع والذي يتمناه كل والد ليسير معه بمشوار الحياة ويكمل عنه الطريق بعدها ، حتى انه قد تزوج بالفتاة والتي اختارها له بسبب شراكة العمل القوية والتي تجمعه بعائلتها وهو بالمقابل قد نفذ طلبه بدون اي اعتراض فهو بحياته لم يحاول يوما الاعتراض على قراراته او مناقشتها معه وكأن كل قراراته مسلم بها وكل ما عليه فعله هو تنفيذها بطاعة تامة بدون اي كلام ، وصل بنظره لابنه الاصغر والفرد الأخير بالعائلة والذي لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره وقد جاء بعمر متأخر جدا ولكن ما تزال الخيبة تحوم بالمنزل بعد مجيئه وهم يخسرون سيدة هذا المنزل بعد خروجه للحياة لتموت روح أخرى هي التي انجبته لتوهبه حياتها وترحل هي ، وبالرغم من صغر سنه يستطيع اي احد ملاحظة علامات البلوغ والذكاء والحنكة الواضحة عليه بتصرفاته المدروسة وملامحه الحادة فهو عكس شقيقيه الأكبر سنا منه فقد تربى رعاية خاصة بمحيط مجتمع من رجال الاعمال وقد اصر والده على إدخاله لتلك الحياة وبعيدا عن حنان والدته وعن حنان الأخوة والذي لم يعرف عنهم شيئاً ولم يحاول زراعته بداخله لكي لا يتحول لنسخة اخرى عن شقيقه الأهوج .
تجهمت ملامح الأب ما ان وقعت نظراته على ابنه الثاني والأهوج والذي لا يصدق بأنه من ضلعه ومن عائلتهم فهو دائما يثبت له وللعائلة بأكملها بأنه كارثة حقيقية تهدد سمعة العائلة ومركزهم الاجتماعي وهو يتصرف على الدوام تصرفات غير عقلانية وبدون ان يحسب اي حساب لأحد وكأنه لا يعيش بالمنزل معهم وبهذه العائلة ، واغلب الظن بأن السبب هو دلال والدته المفرط له وهي تميزه دائما وتغدقه بحنان خالص افسده تماما ليضيع مستقبله بعد وفاة والدته ويتمرد اكثر على الجميع ، وحتى الآن لم يستطع يوما السيطرة على اندفاعه او ايقافه عند حده وهو يضيع حياته ومكانته بالعائلة كفرد بها بتصرفاته الهوجاء والغير مسؤولة .
تنهد الاب بهدوء وهو يبعد نظراته عنهم بتصلب ليقول بعدها بصوت قوي وجهوري معتاد عليه وهو يردد صداه بالغرفة الواسعة
"اسمعوني جيدا لقد طلبتُ منكم الاجتماع اليوم لأن هناك نبأ عليكم ان تعرفوا عنه ، وهو يخص امر هام يعود للعائلة ، الحقيقة لقد تم القبض على قيس زوج مايرين بتهمة الاعمال الغير مشروعة وهو الآن متواجد بالسجن ، وانتم تعلمون بأن بنات مايرين كانوا وما يزالون يعيشون معه للآن ، وبما انه لم يبقى لديهم احد فنحن إذاً علينا إحضارهم ليعيشوا معنا بالمنزل وضمهم للعائلة قبل ان تأكلهم الناس بألسنتهم ، فبالنهاية هؤلاء بنات مايرين الفكهاني وهذا يعني بأنهم من العائلة"
عمّ الصمت بأنحاء الغرفة الواسعة بسكون ما ان انهى كلامه والذي كان يملئ المكان بصدى صوته وهو يشدد على كلماته الأخيرة بعصبية وكأنه مرغم على قولها ، ليصدر صوت آخر من الذي وقف عن الأريكة بعنف ليتبعها بصوته وهو يقول باستنكار واضح
"أتريد منّا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا فقط لأنك اكتشفت للتو بأنهم من افراد عائلتك ولكي لا تتأثر مكانتك اكثر بين الناس ، وتتوقع منّا ان نكون سعيدين بضمهم لعائلتنا بعد ان تخلى عنهم والدهم المجرم...."
قاطعه والده بصوت صارم حاد وهو يضرب على سطح المكتب بقوة
"اخرس يا شادي ولا كلمة ، لا تنسى بأنهما يكونان بنات عمتك مهما كانت الاحقاد بيننا ، وايضا لقد كانوا يعيشون مع زوج والدتهما فوالدهما قد توفي منذ سنوات طويلة ، لذا لا تنطق بكلمة قبل ان تفكر بعواقبها"
تجهمت ملامح (شادي) اكثر بعدم اقتناع وهو يشيح بوجهه جانبا ليتمتم بعدها بحنق
"غير مهم إذا كان والدهما ام لا ، فقد كانوا يعيشون معه لسنوات يعني ليس بعيدا عنهم ان يكونوا اشباه مجرمين مثله"
ردّ عليه والده بحدة اشد رجت سطح المكتب امامه
"لقد سمعتك يا شادي ، وعليك ان تعلم بأن كلامك هذا لن يغير من قراري شيئاً فعيشهم معنا هنا اصبح امرا مسلما منه"
ادار (شادي) رأسه باتجاه والده بقوة وهو يقول باستهزاء واضح
"ولما الآن اصبحت تهتم ببنات شقيقتك بعد ان اهملتهما لسنوات بعد وفاة والدتهما ، وفضلت ان تتركهما مع زوج والدتهما والذي تبين بأنه مجرم على ان تضمهما لعائلتك ، هل لديك جواب على هذا السؤال يا ابي"
عمّ صمت ثقيل واعمق من الذي قبله عليهم وكل العيون قد اتجهت للوالد الكبير ليحاولوا قراءة الاجابة بملامحه المتصلبة والساكنة تماما وكأنها تحولت لرخام بارد ، ليقول بعدها الاب بلحظات بصوت مشتد تهابه كل انواع البشر والذين عمل معهم طيلة مسيرة حياته مع اكبر المدراء بمجال الأعمال
"هذا ليس من شأنك يا ولد ، وإياك وقول هذا الكلام امامي مرة أخرى لأني عندها لن اكتفي بطردك من المنزل يا عاق ، فهمت ما أقول والآن اغرب عن وجهي"
حرك (شادي) عينيه بعيدا عن والده بملل ليلمح نظرات (احمد) وهو يشير له بعينيه بتحذير ليخرج من الغرفة فورا فقد تسبب بمشاكل بما فيه الكفاية وكله بسبب لسانه الاهوج والذي لا يفكر بالعواقب ابدا ، وقف بعدها (احمد) عن الأريكة وهو يقول بهدوء يحسد عليه
"لا تهتم لكلام شادي يا ابي لأننا اكيد سنكون اكثر من سعيدين باستقبال بنات عمتي بمنزلنا وبالعائلة ، فهما الآن ليس لديهما غيرنا..."
قاطعه صوت (شادي) وهو يقول ببرود جليدي
"انا لن استقبل احدا ولستُ راضياً عن هذا القرار ، وعن اذنكم سأرحل الآن لأنه لدي امور اهم من هذه التفاهات والتي اضعتُ وقتي بها هباءً"
غادر (شادي) لخارج غرفة المكتب بهدوء ضاربا بكل كلام والده عرض الحائط وهو يتجاهل النظرات المستنكرة بتجهم والتي كانت تلاحقه من الخلف وصاحبه يتوعد له بالويل ، بينما كان (احمد) ينظر بأثره بوجوم وهو يفكر بطريقة ليستطيع معرفة ما لذي يدور برأس شقيقه الاهوج الآن ؟ واما زوجته بجانبه فقد كانت تتمتم بامتعاض متذمر
"هذا ما كان ينقصنا ان نستقبل بنات مجرم بمنزلنا ونتقبل عيشهم معنا ووجودهم بيننا كأنهم افراد من العائلة"
حاد (احمد) بنظراته بعبوس نحو زوجته وهو يهمس باقتضاب
"اخرسي يا سلوى قبل أن يسمعكِ احد ويحدث ما لا يحمد عقباه"
ادارت (سلوى) وجهها بعيدا عنه بعدم رضا وإيباء ، ليوجه بعدها كلامه لوالده والذي ما يزال ساكنا بمكانه بجمود وهو يقول له باحترام
"لا تقلق يا ابي فأنا متأكد بأن شادي سيتقبل وجود بنات عمتي بيننا عاجلا ام آجلا ، المهم ان تخبرنا متى يمكننا استقبالهما بالمنزل لنبدأ بتحضيرات تجهيز مجيئهما"
كان الوالد شارد بأفكاره بعيدا عنهم ليتمتم بعدها بجدية حادة
"لا داعي لفعل شيء يا احمد ، فقط كونوا موجودين على الموعد فهناك سيارة ستحضرهما بغضون نصف ساعة بسبب طول المسافة بين منزلنا ومنطقتهم والتي يعيشون فيها"
حرك (احمد) رأسه بالإيجاب بدون كلام وهو يفكر بما ينتظرهم من مجيئ بنات عمته المتوفاة لمنزلهم بعد سنوات طويلة من الغربة ، وهل سيؤثر هذا على حياة شقيقه (شادي) للأسوء ام للأفضل ؟ ولم ينتبه احد للوالد وهو يفكر بعيدا بفتاة جميلة زرقاء العينين كانت تتميز بالشراسة والتهور وعلى جميع من بالعائلة ولم يستطع اي احد ان يسلم من شرها ومكائدها والتي كانت دائما تصيبها بالجميع ، حتى وصل بها التهور والجنون لترحل بعيدا عنهم وتُفضل شخصا آخر عليهم جميعا وهي تبيعهم بالنهاية لمن لا يسوى وها هي قد تلقت نتائج افعالها المتهورة ولعب القدر لعبته معها لتترك من خلفها جيل من نسبها ومن نسب زوجها المدنس .

نهاية الفصل............

دينا السيد 14-02-21 05:25 AM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
البدايه مشوقه وحاسه ان روميساء أو حد من البنات ممكن يكون اتورط ف الشغل المشبوه مع زوج امهم
وخالهم اللي ضميره صحى فجأه دا شكله وراه مصيبه هو كمان اتمني اشوف أحداث مشوقه اكتر وتبدعي اكتر أن شاء الله ❤️❤️
دمتي في حفظ الله 😘😘

دينا السيد 14-02-21 05:31 AM

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
البدايه مشوقه وحاسه ان روميساء أو حد من البنات ممكن يكون اتورط ف الشغل المشبوه مع زوج امهم
وخالهم اللي ضميره صحى فجأه دا شكله وراه مصيبه هو كمان اتمني اشوف أحداث مشوقه اكتر وتبدعي اكتر أن شاء الله ❤️❤️
دمتي في حفظ الله 😘😘

روز علي 14-02-21 01:19 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا السيد (المشاركة 15355248)
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
البدايه مشوقه وحاسه ان روميساء أو حد من البنات ممكن يكون اتورط ف الشغل المشبوه مع زوج امهم
وخالهم اللي ضميره صحى فجأه دا شكله وراه مصيبه هو كمان اتمني اشوف أحداث مشوقه اكتر وتبدعي اكتر أن شاء الله ❤️❤️
دمتي في حفظ الله 😘😘


حبيبتي تسعدني كثيرا مشاركتك الجميلة ، وقد اصبتِ بظنك فواحدة منهما قد تورطت بهذه الأعمال مع زوج والدتهما ، وخالهما تقبلهما فقط من اجل ألا تتأثر مكانته بين الناس ، وإن شاءالله بالأحداث القادمة كل شي يتوضخ 🥰❤ دمتي بسعادة وحب ❤

روز علي 20-02-21 05:58 PM

دقائق وينزل الفصل الثاني 😘🥰❤
استعدواااا.......

روز علي 20-02-21 06:14 PM

الفصل الثاني
 
الفصل الثاني...............
كانت تتنهد بهدوء بين الحين والآخر لتحين منها التفاتة نحو شقيقتها الساكنة بمكانها وهي تريح جانب رأسها على زجاج النافذة منذ بدء رحلة ذهابهما لمنزل خالهما والذي اكتشفوا وجوده حديثا بعد دخول زوج والدتهما للسجن ليتبين عندها بأن هناك احد من افراد العائلة ما يزال موجودا بعالمهما المظلم بعد ان انقطعت كل السبل للوصول لأحد منهم منذ سنوات ، ولكن هذه بحد ذاتها تعد فرصة ذهبية ليستطيعوا البدء بحياة جديدة بعيدا عن قذارة ودناءة زوج والدتهما والتي تحملاها كثيرا على مدار سنوات .

عادت للنظر لشقيقتها والتي تصغرها بخمس سنوات كاملة ولكنها دائما ما تكون النقيض عنها تماما فبالرغم من التقارب الكبير بينهما ألا ان الحواجز دائما ما تبعدها عنها والتي تصر على بناءها من حولها بقوة ، ما تزال تذكر قوة علاقتهما بالماضي وتحديدا عندما كانت والدتهما ماتزال على قيد الحياة لتبدأ العلاقة بعدها بالتضاؤل رويدا رويدا حتى اختفت نهائيا ولم يبقى منها سوى السراب .

رفعت يدها ببطء لتمسك بها كتف الجالسة بجانبها برفق وهي تهمس بحنان
"ماذا هناك يا ماسة ، بماذا انتِ شاردة"

ردت عليها (ماسة) ببرود بدون ان تستدير لها
"لا شيء مهم يستحق الذكر"

عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تمسد على كتفها بهدوء ، لتقول بعدها بحزن عميق لمع بمقلتيها الخضراء الشاحبة وهي ما تزال تحدق بجانب وجهها
"اخبريني يا ماسة واصدقيني بالقول ، أما زلتِ متضايقة من قرار الذهاب لمنزل خالنا محراب"

مرت لحظات مشحونة بالتوتر على كليهما قبل ان تستدير (ماسة) نحوها بعنف وهي تقول بخفوت حاد زاد من قتامة زرقة عينيها
"وهل ترينني سعيدة بهذا القرار ، انتِ من ارغمتني على الذهاب لمن يسمى خال والذي اعترف بوجودنا الآن بعد ان تدمرت حياتنا وانتهى كل شيء ، حتى لم يعد لدينا لا سمعة ولا كرامة نحتفظ بها امام الناس...."

قاطعتها (روميساء) ببعض الحدة وهي تلتفت نحو السائق بحذر والذي يعطي كل تركيزه للطريق امامه
"اخفضي صوتكِ يا ماسة فلا تنسي بأننا لسنا وحدنا هنا ، وقد اخبرتكِ من قبل بأنه ليس لدينا خيار آخر فالعيش بشقة العم قيس اصبح مستحيلا بعد ان تلطخت سمعتنا بين الناس وبالحيّ بأكمله ، فمن الذي سيقبل بأن يؤجرنا شقته بعد ما فعله العم قيس والجميع اصبح يطلق علينا لقب بنات المجرم"

تجهمت ملامح (ماسة) وهي تتمتم بسخرية واشمئزاز
"وكأن باقي الناس بالحيّ يتحلون بالشرف والنخوة حتى يحكموا علينا من افعال قيس ، وليسوا مجرد فاجرين مثل قيس واسوء فهذا الحيّ لا يضم سوى ابشع المخلوقات على وجه الأرض واستطيع ان افضح اقبح اعمالهم واحدا واحدا وبالحرف والاسم"

امسكت (روميساء) بكتفي شقيقتها بقوة وهي تهمس بحزم قاطع
"اسمعي يا ماسة نحن لا نريد مشاكل مع اي احد منهم ، لذا لا تحاولي اللعب بالنار فهؤلاء الاشخاص خطيرين واكثر مما تتوقعين وقد يؤذونكِ إذا حاولتِ التعرض لهم بشيء ، لذا ارجوكِ افعلي ما اقوله وكفى تهورا فقد وصلنا لطريق مسدود الآن وكل ما علينا فعله هو اختيار مسلك آخر بحياتنا لنستطيع الاستمرار والسير قدمٌ بهذه الحياة"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عن نظرات شقيقتها وهي تهمس بشرود بارد
"انا التي اعرفهم ، لذا لا تقلقي لن اتهور وسأسير معكِ لأرى إلى اين ينتهي هذا الطريق الطويل"

تنهدت (روميساء) براحة وهي تبتسم بهدوء ، لتعود (ماسة) للنظر لشقيقتها بغموض وابتسامة ساخرة بدأت تحفر على شفتيها الحمراوين كلون الدم وهي تفكر بعيدا عنها فما لا تعرفه بأن شقيقتها الصغرى تعايشت مع هؤلاء الناس واصبحت تعرف كل صغيرة وكبيرة تخصهم بعد ان اعتادت على زيارات شركاء (قيس) والذين ادخلهم لعالمها رغما عنها لتصبح فرد منهم وجزء من زمرتهم اللعينة بينما كانت (روميساء) خارج نطاقهم دائما بسبب انشغالها الدائم بالعمل خارج المنزل ليل نهار ، همست بعدها بلحظات بخفوت مشتد وهي ما تزال تبتسم لها بسخرية
"ولكن بشرط بأن تعديني الآن بأن هذه الإقامة ستكون مؤقتة حتى تجدي لنا مسكنا آخر نعيش فيه ، فأنا لن ابقى بضيافة احد او ان اكون ضيفة عند احد بمكان رفضنا منذ سنوات ولم يكن له وجود من قبل بعالمنا"

اخفضت (روميساء) يديها عن كتفيها لتميل بعينيها الخضراء الحزينة ببهوت وهي تفهم جيدا إلى ماذا تلمح شقيقتها ؟ لتتذكر بعدها عبارة قالها (قيس) منذ سنوات وما تزال مطبوعة بذاكرتهما كذكرة ضربتهما بالصميم
(لا احد من اقاربكم وافق على استقبالكم او رحب بكم وهذا يعني بأنه لم يتبقى لكما سواي ، فأما ان تعملا عندي وتحت رحمتي لأضمكما لجناحيّ ، واما ان ألقي بكما بالملاجئ فهو المكان الوحيد والمناسب لحالتكما هذه)

نفضت الذكرة من رأسها وهي ترفع كفها لتربت على رأس شقيقتها الناعم قائلة بلطف ومودة
"انا اعدكِ ، وكل شيء تريدينه سيحدث يا ماسة فقط اريدكِ ان تكوني سعيدة"

ابتعدت (ماسة) عن مرمى كفها لتعود لشرودها بالنافذة وهي تريح جانب رأسها على زجاجه بجمود ، بينما قبضت (روميساء) على كفها وهي ترفعها لصدرها بهدوء لتدعوّ عندها بقلبها المفطور بأن يسير كل شيء على ما يرام بعائلة خالها وللحياة المقبلين عليها الآن .

وقفت السيارة امام المنزل الكبير والمسيج بسور عريض من النباتات والازهار حول الحديقة والتي اقل ما يقال عنها بأنها الجنة بعينها ، خرجت بعدها (روميساء) من السيارة قبل ان تتبعها (ماسة) وهي تخرج بهدوء ناظرة لكل الاجواء من حولها والتي تختلف تماما عن قذارة الحيّ والتي كانوا يعيشون فيه وهي تتنقل بنظرها بين النافورة الحجرية والتي تخرج منها المياه بصفاء عذب بدون اي شوائب للأضواء الخافتة والمنتشرة بكل مكان وبزوايا الحديقة لتصل للطريق الطويل والممهد امامها بالأحجار الصغيرة الملونة والمرصوصة بجانب بعضها البعض والتي تصل لباب المنزل الكبير بفخامة ورقي .

اخفضت نظرها للأسفل وتحديدا لموضع قدميها ولحذائها الرياضي البسيط وهي تبتسم بشحوب واجم فبالوقت والذي كانوا يعيشون فيه اتعس لحظاتهم بعد ان تخلى عنهم الجميع كان هناك منزل كبير يملك رفاهية بلا حدود رفض ان يستقبلهم به صاحبه وقد اغلق عليهم كل سبل الحياة الهانئة والتي كانت اقصى احلامهما بالماضي ، شعرت بعدها بدفعة طفيفة من خلفها قاطعة افكارها من شقيقتها وهي تربت على كتفها بخفة قبل ان تتقدمها بهدوء .

زفرت انفاسها بحشرجة وهي تبتلع غصة قديمة عالقة بصدرها منذ زمن حتى شطرته لنصفين قبل ان تتابع سيرها خلف شقيقتها بثبات وهي تعدل من حزام حقيبتها على كتفها ، وما ان دخلت الفتاتان من باب المنزل المفتوح المذهب حتى اصطدمت نظراتهما بتجمد بأفراد العائلة والمنتظرين ببهو المنزل الواسع .

قطع الصمت المحدق من حولهم والذي طال لثواني صوت (محراب) وهو يتقدم بخطوات ثابتة قوية قبل ان يقف امامهما قائلا بكل هيبة ووقار
"مرحبا ببنات مايرين ، شرفتما منزلكما الجديد وعائلتنا"

ابتسم (محراب) باتساع متصلب حتى تغضنت زوايا شفتيه وهو يتابع كلامه بانبهار وتركيز حاد
"سبحان مغير الأحوال ، لا اصدق كيف كبرتما هكذا وتحولتما على هذه الصورة الساحرة لشابتين بغاية الجمال وهذا ليس بعيدا عن بنات شعلة الفتنة مايرين"

تصلبت ملامح (ماسة) عند هذه الكلمات لتتمتم عندها بدون ان تستطيع منع نفسها
"أليس هذا الكلام فائت لأوانه ، ام ان السنوات كانت بالنسبة لكم مجرد ايام فاصلة بحياتكم المرفهة"

ساد صمت طويل بكل ارجاء بهو المنزل ولم ينتبه احد لنظرات (محراب) الحادة وبعض الصدمة ظاهرة على ملامحه وهو ينظر بتركيز للفتاة زرقاء العينين والتي تبدو نسخة مصغرة عن والدتها فلم تأخذ شراستها وجرأتها فقط بل اخذت زرقة عينيها القاتمة والتي تستطيع اصابة هدفها بنجاح فقط الفرق بينهما هو سواد شعرها الفاحم والذي يختلف تماما عن شعر والدتها الفاتح والذي يميل للبني الذهبي ، بينما كان (احمد) ينظر بوجوم لوقاحتها وهو يرى الفرق الشاسع بين الفتاتين فقط تتشابهان بسواد الشعر الفاحم والعينان الملونتان ، واما زوجته فقد كانت تشتعل بكل معنى الكلمة بجانبه بدون ان يشعر بها احد وهي تنظر لقنبلتيّ الفتنة والتي اجتاحت منزلهم الآن ليقلبوه رأساً على عقب وقد بدأت تشعر بسحر وجودهما يسيطر على عقول ساكني المنزل .

كانت (روميساء) تتنحنح قاطعة الوجوم والذي لفهم جميعا معا لتقول بعدها باحترام وإحراج شديد
"نحن سعداء حقا باستقبالك لنا بمنزلك وشاكرات جدا على ترحيبك الكريم بنا يا سيد محراب ، واتمنى ألا نخيب ظنك بنا..."

قاطعها (محراب) بحزم صارم
"لا تناديني هكذا يا ابنتي فأنا اكون خالكِ شقيق والدتك ، وهذا المنزل قد اصبح منزلكما من الآن لذا لا داعي لكل هذا الكلام الرسمي معي ، واخبروني فورا بأسمائكما فذاكرتي تخونني وبعض التفاصيل تضيع مني"

كانت (ماسة) على وشك الكلام بفظاظة لولا سبقتها شقيقتها وهي تقول بابتسامة صغيرة
"انا اسمي روميساء وبالخامسة والعشرين من عمري ، وهذه شقيقتي الصغرى ماسة وهي الآن بالعشرين من عمرها"

حركت (ماسة) عينيها بعيدا عنهم ببرود وهي تتأفف بنفاذ صبر ، ليقول بعدها (محراب) بابتسامة متزنة
"عاشت الاسامي واتمنى لكما العمر المديد ، إذاً دعوني اعرفكم انا على عائلتي"

استدار (محراب) نحو افراد عائلته ليشير لهم بكفه واحدا واحدا وهو يقول بهدوء بالغ
"هذا ابني الاكبر احمد ، وهذه الفتاة الجميلة بجانبه فهي زوجته سلوى ، واما هذا الصغير فهو الفرد الاخير بالعائلة واسمه زين"

قبض على كفه الممدودة ما ان تذكر ابنه الغائب والذي لم يعد للمنزل بعد خروجه من غرفة المكتب غاضبا متجهما وهو يعصي اوامره بكل وقاحة ، قالت (ماسة) فجأة ببرود جليدي
"هل انتهينا من هذا"

امسكت (روميساء) بذراع شقيقتها بقوة وهي تعض على طرف شفتيها ناظرة لها بتحذير غاضب ، لتقول بعدها باتزان خافت وهي تبتسم باتساع
"ان شقيقتي تقصد بكلامها بأنها متعبة من الطريق الطويل بسبب طول المسافة بين منزلنا وهنا ، لذا هل نستطيع الذهاب للغرفة والتي سنقيم بها يا خال محراب"

التفت (محراب) باتجاههما بغموض قبل ان يتمتم بابتسامة متصلبة
"اجل لا بأس خذا راحتكما فهذا منزلكما بالنهاية"

رفع بعدها رأسه عاليا وهو يقول بصوت جهوري خشن
"اسماء ، سندس ، تعاليا لمساعدة بنات شقيقتي للوصول لغرفتهما الجديدة والتي جهزت من اجلهما ، هيا بسرعة"

خرجت الخادمتين لتجريا بسرعة باتجاه بهو المنزل قبل ان تقفا امام العائلة باحترام ، بينما سارت (ماسة) بعيدا عنهما ببرود لتسبق الخادمتين بدون ان تعيرهما اي اهتمام لتلحقا بها بعدها من الخلف بطاعة تامة ، واما (روميساء) فقد كانت تتنهد بيأس منها قبل ان تلتقط حقيبة ملابسهما من على الأرض والتي ادخلها السائق معه لتسير بعدها باتجاه الطريق والتي اتخذوها وهي تبتسم لأفراد العائلة باعتذار صامت حتى اختفت عنهم مع الباقين ، ولم ترى نظرات (احمد) العالقة بمكان اختفائهم وهو يفكر ببريق الحزن والذي لمحه بعينيها الخضراء وهي تبتسم لهم باعتذار حزين كغابة عشبية باهتة بعد يوم طويل من هطول المطر فيها لتصبح شاحبة بدون اي لون او نكهة .

_____________________________
كان يقف مستندا بالجدار من خلفه وهو يدس يديه بجيبي بنطاله بشرود ونظراته ساهمة بالبعيد وتحديدا بالحفل الرخيص امامه والمبتذل اكثر من الازم وهو يضم اناس من جميع طبقات المجتمع العريقة ، ولكن لا حل امامه الآن لإضاعة الوقت بمكان يستقبل زبائنه بأي وقت وهذا الخيار الوحيد والذي طرأ على ذهنه المشتت منذ الخبر والذي اعلن عنه والده اليوم وهو يتوقع قبول وترحيب بطلبه المستحيل ، شدد بعدها من قبض يديه بجيبي بنطاله بغضب وهو يفكر بالأفراد الجدد والذين سيجتاحون حياته ومنزله وهو عليه تقبل كل هذا مرغما وكأنه لا يكفي وجود عائلته المشؤومة من حوله ليزيد على افرادها اثنين ومن عائلة المجرمين ، ولا يعرف حتى الآن ماذا ينتظره من اوامر عليه تحمل تبعاتها ؟

تصلبت ملامحه ببرود ما ان شعر بملمس كف ناعمة على كتفه وصوتها الانثوي الرقيق يرن بأذنيه وهي تقرب شفتيها من جانب اذنه
"بماذا يفكر حبيب القلب ، ولما كل هذا التجهم والعبوس والذي لا يناسبك ابدا ، يبدو بأن مشكلتك كبيرة هذه المرة"

ابتسم (شادي) باستهزاء وهو يتمتم بغموض
"ليس هناك من جديد نفس الروتين الممل"

عبست زاوية من شفتيها المائلتين لترفع بعدها كفها اكثر وهي تمسد على رأسه قائلة بتباطء وسلاسة
"فقط اخبرني بما تعاني وانا اعدك بأن ابعد عنك كل هذا الألم ، ام تشك بمهاراتي بتهدئة نمر مدلل مثلك"

حرك (شادي) رأسه قليلا وهو يبتعد عن مرمى كفها قبل ان يلتفت نحوها ليلتقط كأس العصير من كفها وهو يهمس بسعادة مصطنعة
"واخيرا اتى العصير ، لقد كنتُ بانتظاره بفارغ الصبر"

رفع (شادي) كأس العصير بسرعة لشفتيه ليرتشف منه بهدوء وببطء متسلي وهو ينظر بعيدا عنها بتركيز ، بينما امتعضت ملامح الفتاة الفاتنة وهي تنظر له بعينين خضراوين حانقتين لترجع بعدها خصلات شعرها الشقراء القصيرة لخلف اذنيها بصمت وانسيابية ، تجمدت بعدها بلحظات بمكانها وهي تفغر شفتيها بصدمة ما ان ألقى (شادي) بكأس العصير بعيدا لتتحطم لشظايا بعد ان اصابت زاوية من رأس الرجل والذي يبعد عنهما بمسافة قصيرة ليسبب له خدش عند زاوية جبينه .

توقف الجميع عن الرقص والاحتفال والعيون مصوبة نحو الرجل المصاب وشظايا الحطام متجمعة امام قدميه ، لتشهق بعدها الفتاة بهلع ما ان اقترب الرجل بسرعة باتجاه (شادي) والذي سبب له جرح بزاوية جبينه ، امسك بياقة قميصه وهو يهزه بها هامسا امام وجهه بشراسة متوحشة
"كيف تتجرأ على فعل مثل هذا التصرف المجنون معي ، من تظن نفسك يا هذا"

ردّ عليه (شادي) بلا مبالاة وكأنه لم يفعل شيئاً للتو
"اترك قميصي لو سمحت فهو ثمين وغالي جدا بالنسبة لي"

ازدادت شراسة الرجل بقتامة وكأنه قد فتح على نفسه ابواب الجحيم وهذا ما جعله يرفع قبضته عاليا ليلكمه بقوة على وجهه جعل الدم يسيل من انفه بعنف ، وما هي ألا ثواني حتى تماسك (شادي) امامه ليرد له الضربة وهو يدفع رأسه امامه بقوة ليصدمه بوجهه حتى تراجع للخلف بعيدا عنه باهتزاز عدة خطوات من تأثير الضربة ، تدخلت بعدها الفتاة وهي تقف امام الرجل قائلة بانفعال حاد حازم لا يخلو من الإيباء
"هذا يكفي لا تنسوا بأننا الآن بحفلة ولسنا بحلبة مصارعة لتتصرفوا على هذا النحو ، وارجوك يا سيد ان تقبل اعتذاري على ما سببه حبيبي لك فهو اكيد لم يكن يقصد فعلها"

تصلبت ملامح الرجل بغيض وهو يتمتم بحقد
"ولكنه لم يعتذر مني على ما فعله معي من وقاحة ، وانا حتى الآن لا اعرف بماذا اخطئتُ معه ليقذفني بالكأس هكذا والتي كادت ان تهشم رأسي وعلى العلن"

ردّ عليه (شادي) ببساطة وهو يمسح انفه بكفه بهدوء
"لن اعتذر فأنا لم اخطئ بشيء"

ما ان كان الرجل سيعاود الهجوم عليه بوحشية حتى اوقفته الفتاة وهي تدفعه بعيدا بصدره بقوة لا تناسب مظهرها قائلة بتهديد واضح بنبرة متعالية
"لقد اعتذرتُ منك وانتهينا من الأمر ، لذا من فضلك انهي هذا الموضوع رجاءً وألا سيحدث عندها ما لا يحمد عقباه ، وهذا الكلام خارج من ابنة الوزير شخصياً لينا رواشدة ، وها أنا قد حذرتك والباقي عليك"

ابتلع الرجل ريقه بتشنج ما ان عرف بهوية الفتاة امامه ومن تكون حقا ، بينما كانت العيون ما تزال تراقب برهبة الحدث المهم امامهم والذي اخرجهم من جو الحفلة الصاخبة والذي كانوا يعيشونه قبل دقائق ، لتمسك بعدها (لينا) بذراع (شادي) لتسحبه بقوة لخارج قاعة الحفلة وهي تسير بإيباء وغرور يناسبها تماما وخاصة مع مكانة عائلتها المرموقة بين الناس والتي انكشفت الآن .

كان (شادي) يسير معها بهدوء بدون اي اعتراض وهو يرفع عينيه بعيدا للسماء المظلمة والمتلألئة بالنجوم من فوقه ، وقفت (لينا) ما ان وصلت لسيارتهما المصفوفة بمرآب القاعة ، لتلتفت بعدها نحوه وهي تقول بوجوم حزين
"هل انت بخير ، هل تألمت من الضربة او تعاني من شيء..."

ردّ عليها (شادي) بصوت قاطع وهو يفلت ذراعه بعيدا عن كفها
"لا داعي لكل هذا القلق الغير مبرر فأنا بخير ، ومن المستحيل ان يصيبني مكروه من نكرة غير مهمة بالمقارنة مع قوة نمر مثلي"

تنهدت (لينا) بارتياح وهي تبتسم بحالمية شاردة بتفاصيل وجهه الواثقة بوسامة محببة والتي لا تتأثر من شيء من حولها فقط هو الذي يؤثر بالآخرين بدون ان يتأثر منهم وهذه طبيعته والتي تعشقها منذ الأزل ، وهذا حالها منذ اول يوم رأته بها ووقعت عينيها عليه بحفلة من تلك الحفلات والتي كانوا يحضرونها الآن وقد كان بالنسبة لها الاستثنائي الوحيد بتلك الحفلة الصاخبة وهي تكتشف بأنه لا يشبه اي احد من جميع من قابلتهم من قبله وتعايشت معهم بمجتمعها المرفه .

ضربت (لينا) على صدره بقبضتها بخفة وهي تقول بعبوس صارم
"لما فعلت هذا بالرجل ، بماذا كنت تفكر يا مجنون من تلك الحركة والتي كانت ستنشب عنها معركة ضارية لن تخرج منها حيا"

عبست ملامح (شادي) بتصلب وهو يتمتم باقتضاب ناظرا بعيدا عنها
"لقد كان يستهزئ بي وقد كان هذا واضحا من نظراته وابتساماته المسلطة نحوي ، لذا قررت ان اريه القليل من حجمه لكي لا يتجرأ على فعلها معي مرة أخرى لأني بالمرة القادمة لن اخطئ هدفي وسأهشم وجهه نهائياً"

زفرت انفاسها بضيق قبل ان تمسك بذراعيه برفق وهي تنظر له بحدقتيها الخضراء الحادة هامسة بتمهل رقيق
"اسمع ما سأقوله جيدا يا شادي ، لقد اخبرتك من قبل بأن ليس كل من يبتسم بوجهك او ينظر لك بريبة سيكون عدوك اللدود والذي ينوي لك على الشر ، ودائما قبل ان تُقدم على فعل أي خطوة متهورة فكر بها مئة مرة وتذكر العواقب والتي ستنشب عنها ، لأنه ليس من العدل ان تفتعل نفس المشاكل بكل مرة ومع اشخاص مختلفين ومن طبقات اجتماعية عريقة ، هذا ليس من صالحك ابدا"

ابتسم (شادي) بسخرية مريرة ليتمتم بعدها بغموض وهو يربت على كتفها بخفة
"تتكلمين مثل شقيقي احمد تماما ، يبدو بأن مهنة المرشد النفسي معي تعجبكم كثيرا"

اخفضت كفيها عن ذراعيه بعبوس واجم وهي تتنهد بحنق منه ، لتُخرج بعدها منديل من جيب ثوبها القصير المحمر قبل ان تقربه من وجهه قائلة برفق
"انا لستُ فقط مرشدة نفسية بالنسبة لك بل انا مستعدة ان اكون حبيبتك ورفيقتك ومسعفك الخاص ومنقذك بوقت الأزمات ، وخاصة مع شخص مشاكس مثلك كثير المشاكل ويسبب الشقاء للجميع"

كانت (لينا) تمسح انفه من الدماء المتجمدة عليه برفق شديد وبنعومة ، بينما كان (شادي) ساكن بمكانه وهو يتركها تكمل عملها المعتاد عليه والذي يحدث معه كلما تشابك مع احدهم بالأيدي وتطاول معه وقد اعتاد على هذا الروتين اليومي والذي يحدث معه بكل يوم ، فمنذ تعرفه بابنة وزير الثقافة (لينا) وقد اصبحت تحتل مكان ممرضته الخاصة ورفيقته الوحيدة بهذا العالم بدون ان تتجاوز حدود صداقتهما المرسومة وهو يجد بها حنان والدته والذي كانت تغدقه عليه منذ صغره حتى اختفت من حياته نهائيا مخلفة من وراءها فجوة كبيرة وخواء بداخله لم يستطيع اي احد ان يملئه بوجوده ، ولكن وجود (لينا) بجانبه دائما يواسي القليل من وحدته ويملئ فراغ وقته الطويل ، بالرغم من انه يشعر بالذنب اتجاهها من استغلالها ناحيته بهذه الطريقة واستخدامها لتسلية وقته واقحامها بمشاكله الخاصة كما حدث قبل قليل ، ولكن بما انها لا تمانع كل هذا فلن يجدي التفكير بهذا الأمر فكل ما يهمه هو ان يبتعد بتفكيره عن العائلة المملة وعن كل شيء يخصها .

قطع عليه شروده صوت (لينا) الرقيق الخافت وهي ما تزال مستمرة بمسح انفه ببطء شديد
"لم تخبرني بعد عن السبب والذي يجعلك متضايق هكذا ويعكر عليك مزاجك ، هل هي مشاكل مع والدك مجددا"

تجهمت ملامحه بامتقاع وهو يقول بجمود بعد ان تذكر الخبر والذي قاله والده ضاربا عقله عن التفكير
"هذه المرة مختلفة فقد قرر والدي ان يقحم بعائلتنا بنات عمتي المتوفاة وزوجها المجرم بعد ان نبذهم لسنوات ، وليس محبة فيهم بل من اجل سمعة العائلة عندما يلطخونها بالعار بعد ان تخلى عنهم الجميع ولم يعد هناك شيء يمنعهم من فعلها"

عقدت (لينا) حاجبيها الاشقرين بتفكير لتقول بعدها بحيرة
"وما لمانع من سكنهما بمنزلك ، أليسوا من العائلة وهذا حقهم منذ سنوات وانتم من رفضتم عليهم هذا الحق"

ردّ عليها (شادي) بشرود واجم
"لستُ انا المخطئ فلم يكن بيدي شيء افعله حينها وابي يقرر عدم استقبال اي احد من عائلة عمتي مايرين بالعائلة ، وحتى اكد هذا على كل اقارب العائلة وعلى شقيقاته بالخارج بصرامة وهو يهددهم ان يحرمهم من ميراثهم إذا حاولوا عصيان اوامره ، والآن بعد كل شيء حدث قرر إدخالهم لحياتنا رغما عنا من اجل السمعة فقط"

عضت (لينا) على طرف شفتيها بعبوس وهي تقول بعدم مبالاة
"ارى بأنك تحمل هذا الموضوع اكثر من حجمه ، فليس هناك فرق إذا استقبل والدك بنات شقيقته او رفضهم فأنت بالنهاية لا علاقة لك بما يحدث معهم فهذه الأمور وقصص الحقد تبقى عائلية بينهم ، وانت ترهق تفكيرك بأمور تافهة كهذه"

امسك (شادي) مرفقها فجأة ليبعده عن وجهه بهدوء وهو يقول بصرامة خافتة
"يكفي كلام عن هذا الموضوع فهي أمور تخصني وحدي ولا احبذ التكلم عنها امام احد او التعمق بها كثيرا"

افلت مرفقها ليستدير بعيدا عنها بجمود وهو ينظر بعيدا بتصلب بارد ، بينما اخفضت (لينا) يدها وهي تلقي بالمنديل بعيدا قبل ان ترجع خصلات شعرها القصيرة خلف اذنيها بنعومة وهي تتمتم بندم شديد
"اعتذر يا شادي إذا كنتُ قد ضايقتك بكلامي فأنا لم اكن اريد إغضابك ، وصدقني لن اعيدها مجددا فأهم شيء عندي هي راحتك وهذا ما اسعى إليه دوما"

ابتلع (شادي) ريقه بتصلب وهو يشعر بالذنب يعود ليعتصره وينهشه بقوة من الذي يفعله معها الآن ، ليلتفت بعدها بسرعة نحوها وهو يتمتم بابتسامة جانبية بدون اي مرح
"لا داعي للاعتذار يا لينا فأنتِ لم تخطئي معي بشيء ، فقط اشعر بالضيق لذا انفث غضبي بكل من حولي بدون اي تفكير بأحد ، لذا اعذري غبائي وتهوري"

اتسعت ابتسامة (لينا) بسعادة قبل ان تقترب منه بنعومة لتعانق ذراعه وهي تتشبث بها بكفيها بقوة هامسة بخفوت رقيق
"ولهذا انا موجودة بجانبك لأخفف عنك الضيق واخرجه من داخلك نهائيا وبعدها ستتحسن وستنسى كل ما كان يضايقك سابقا ، ما رأيك الآن ان نذهب لملعب البولنج لنستمتع قليلا بوقتنا وننسى ما حدث معنا الآن ، ولكن ارجوك حاول ضبط اعصابك لكي لا نضطر لمغادرة المكان مرة أخرى"

حاد (شادي) بنظراته نحوها وهو ينظر لعينيها الخضراء المشعة حماس وتفاؤل دائما ما يلازمها معه ، ليبتسم بعدها بميلان وهو يرفع حاجبيه قليلا قائلا ببساطة
"موافق إذا كان سيخرجنا من هذا الملل والذي اشعر به سيفتك بي"

يتبع.................

روز علي 20-02-21 06:19 PM

كان يسير بخطوات متمهلة قريبة من التسلل على اطراف اصابع قدميه بمنتصف الليل وهو يتجه بمساره لطريق المطبخ بنهاية البهو الواسع ، ليقف بعدها لبرهة وهو ينظر للظلام الحالك والذي يسود بالمطبخ الفارغ بوجوم ، تحرك للداخل بدون ان يهتم بإشعال النور قبل ان يصل للثلاجة والتي كانت تحتل الجدار بأكمله ليُخرج منها زجاجة ماء معدني وهو يتلفت من حوله برهبة ، اغلق بعدها الثلاجة بكفه الأخرى قبل ان يفتح غطاء الزجاجة وهو يقربها من شفتيه ليرتشف منها بنهم دفعة واحدة .

اخفض الزجاجة بعيدا عنه بهدوء وهو يمسح شفتيه بذراعه الأخرى قبل ان يتصلب بمكانه وهو يشعر بشيء بارد يلمس جانب عنقه مثل نصل سكين حاد ، شدد بيده على الزجاجة البلاستيكية حتى تجعدت بقبضة كفه وهو يعقد حاجبيه بقتامة مظلمة وبتفكير بالذي سيتجرأ على مهاجمته بمنتصف منزله ؟ ولكن ما هي ألا ثواني حتى كان يمسك بمعصم الغريب والمرفوعة بالسكين لعنقه قبل ان يلويها بقوة وهو يديره نحوه ليسحبه امامه بعنف قاسي .

تجمدت ملامحه بين الدهشة والغضب الناري وهو ينظر للفتاة الواقفة امامه والممسك بمعصمها النحيل رغم مقاومتها الشرسة وهي منحنية الرأس امامه لا يظهر منها سوى شلال شعر شديد السواد منثور حولها بهمجية ، ابتلع بعدها ريقه بتشنج وهو يعود للتركيز على ما كانت تفعله بالمطبخ بل بالمنزل بأكمله وهي تفكر بمهاجمته بهذه الطريقة المجنونة .

زاد (شادي) من تشديده على معصمها وهو يقربها امامه مانعا اي محاولة منها للهروب منه ، ليقول بعدها بتصلب جامد وهو يركز على كومة شعرها المتساقطة من حولها كستار يغطيها عنه
"من انتِ"

توقفت (ماسة) عن الحركة المستميتة للتخلص منه وهو ما يزال يقيد معصمها الممسكة بالسكين بقسوة ، لتنظر بعدها للأسفل بوجوم وهي تفكر بطريقة لتتخلص مما اوقعت نفسها فيه بسبب غباءها واندفاعها المتسرع وهي تظنه شخص غريب عن المنزل وهي التي اعتادت على مهاجمة اي احد يحاول الدخول لشقتهم القديمة بسبب ابوابها المفتوحة على الدوام وقد نسيت بأن هذا المنزل مختلف تماما عن شقتهم ، والذي اكتشفته بأن هذا الشخص اكيد سيكون فرد من هذه العائلة الكئيبة ، ولكن ما يحيرها هو لما لم يتكلم عنه احد ولما لم يظهر بين افراد العائلة عند استقبالهم ؟

ارتفع حاجبي (شادي) بدهشة من استكانتها الغريبة وهو يفكر بتوجس من اين هبط هذا الكائن الانثوي الغريب امامه ؟ لا ويهاجمه بمنزله بكل وقاحة ، قال بعدها بحدة وهو يلقي بالزجاجة والتي ما تزال بقبضته بعيدا بقوة
"هيا تكلمي يا فتاة من تكونين ، وماذا تفعلين بهذا المنزل ، هل انتِ ابنة احد الخدم"

تحركت (ماسة) فجأة بجسدها نحوه لتدفعه بعيدا عن طريقها بقبضتيها وهو يحرر معصمها من قيده اخيرا ، ولكن ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه حتى عاد ليمسكها من ذراعها بقوة ليعيدها ليحتجزها امامه بعنف اشد وهو يدفعها لتستند على باب الثلاجة من خلفها ، امسك بعدها بمعصميها معا ليرفعهما عاليا بمستوى رأسها المنحني والذي تصر على احناءه امامه وهو يضغط على الكف الممسكة بالسكين بقوة حتى كاد يحطم مفاصل اصابعها بين خشونة كفه ، لتضطر عندها لفتح قبضتها والتي افلتت السكين الصغيرة لتسقط على أرض المطبخ الرخامية مصدرة ضجة بسكون المكان المخيم من حولهم .

ابتسم (شادي) بتسلية وهو يلاحظ اضطراب انفاسها بتقطع ما ان سقطت السكين امام قدميها وكأنها قد خسرت سلاح القوة والذي كانت ستستخدمه للقضاء عليه ، نظر بعدها لخصلاتها المتطايرة والتي كانت تتحرك مع انفاسها والتي ازدادت حدة بثواني ، عقد (شادي) حاجبيه بتجهم ما ان تذكر امرا مهما كان قد غفل عنه بخضم ما حدث معه اليوم ، فمن طول الوقت والذي اضاعه بالخارج نسي بأمر وجود بنات عمته (مايرين) واستقبالهم بمنزله اليوم وهذا يحتم عليه تقبلهم بحياته وبعالمه مرغما .

قال بعدها بلحظات قاتمة عليهما بعبوس مستنكر
"انتِ تكونين ابنة عمتي مايرين صحيح ، والتي لم استقبلها بمنزلي ولم ارحب بوجودها اصلا"

تغضن جبين (ماسة) بحيرة وهي تشعر بنبرة كراهية صادرة من صوته وهو يقول امرا واقعا غير قابل للنقاش ، ولكنها تحاملت على نفسها وابتلعت الاهانات والتي كانت تفكر بتوجيهها نحوه فهي المخطئة الوحيدة هنا بتسرعها الاحمق ومحاولتها لمهاجمته بطريقة لا تمت للتفكير بصلة ، عضت بعدها على طرف شفتيها بغيض وهي تلعن السبب والذي جعلها تخرج من الغرفة بعد ان شعرت بجدرانها العالية ستطبق على صدرها وهي المعتادة على السير الطويل قبل النوم والذي يؤخذها لعالمها الموحش والمنعزل بعيدا عن الجميع .

تنهد (شادي) بملل وهو يزيد من التشديد على معصميها المستكينين بكفيه ليتمتم عندها بابتسامة غامضة باستهزاء
"كان عليّ توقع مثل هذا الاستقبال الرائع من الضيفة الجديدة بالعائلة والتي ادخلناها لمنزلنا بكل طيبة قلب ، ولكن ماذا كانوا يظنون من ابنة مجرم عاشت طيلة حياتها بعالم الإجرام والقذارة مع والدها ، ان تتغير بمهلة دقائق من ساقطة وضيعة ابنة مجرم لفتاة نبيلة تنتمي لهذه العائلة العريقة والتي تكون ابعد ما يكون عنها"

تجمدت نظرات (شادي) ما ان رفعت رأسها نحوه بعنف وكأنها قد تلقت للتو صفعة غير مباشرة موجهة نحوها ونحو شقيقتها ، بينما كان هو ينظر لوجهها والذي ظهر اخيرا من بين كومة شعرها السوداء وهو يكاد يقسم بأنه لمح بعض البريق والوميض يشع من حدقتيها والتي لم يتبين لونها من الظلام الحالك والذي كان يسود بالمكان وبالرغم من ذلك فهو متأكد بأن ملامحها الآن ستكون تنطق بالشراسة والتحفز بدون ان يستطيع تحديدها وقد تبين كل هذا من ذبذبات جسدها والتي يشعر بها تصله بوضوح عبر جسده .

زمت (ماسة) شفتيها بقوة وهي ما تزال تشعر بكلماته تطعنها بعنف بالرغم من انها معتادة على مثل هذا النوع من الكلام والذي ينتج عنه بعض التشنجات بأمعائها وبأطراف من جسدها وكأنها قد شلت عن الحركة لثواني لتعود لاستعادة قوتها مرة أخرى ، عقدت بعدها حاجبيها بتمهل وهي تحبس انفاسها بترقب قبل ان ترفع ساقها بلمح البصر لتركل بمقدمة قدمها العارية ركبته بقوة بحركة مباغتة سمعت معه طرقعة عظام ركبته ، افلتها (شادي) من كفيها بسرعة وهو ينحني جاثيا على الأرض بعد ان اصابت ركبته بشل مؤقت لترتخي للأسفل بتهدل وهو ينصب ساقه السليمة مستندا بكفيه على الأرض بامتقاع .

اتسعت حدقتيّ (شادي) السوداء بعدم تصديق وألم لما وصل له حاله من حركتها السريعة والغير متوقعة والتي جعلته يركع على ساقيه امامها بقتامة وكأنه تحول لعاجز بغمضة عين ، ليرفع بعدها عينيه بتجهم نحوها قبل ان يعبس بغضب ما ان رأى نظراتها المتشفية نحوه بظلمة المكان من حولهم وابتسامة جانبية استطاع لمحها بزاوية شفتيها ، ليختفي عندها كل هذا ما ان تحركت ببطء بعيدا عنه وهي ترجع خصلاتها السوداء المجنونة خلف كتفيها بلا مبالاة .

كان ما يزال يتتبع خطواتها وهي تنحني لتلتقط السكين الصغيرة والملقى على الأرض قبل ان تستقيم بوقوفها لتسير باتجاه باب المطبخ بهدوء قاتل بعد ان اصابت غريمها ، سمع بعدها بلحظات صوت انثوي خافت يكاد لا يسمع يحمل من الاشمئزاز الكثير وبحة غريبة تطغى على صوتها
"فرصة سعيدة يا ابن الخال"

اختفى بعدها كل شيء يخصها خلف باب المطبخ كالسراب ليتبقى فقط صوتها وهو يتردد بأعماق المكان وبأعماق روحه المظلمة وهو ما يزال يشعر بذبذبات جسدها ما تزال تسيطر على كل خلايا جسده كلعنة ألقتها عليه ورحلت ببساطة لتترك وصمتها على ركبته المتهدله امامه وهو يمسد عليها بوجوم قاتم .

_______________________________
كان يسند مرفقيه فوق الحاجز الرخامي للشرفة وهو يزفر انفاسه بضيق واضح وحدقتيه ثابتتين على السماء الشاحبة من فوقه وللغيوم الكثيفة والتي تضامنت معا لتحتل السماء بقوة مخفية الشمس من خلفها قبل موعد الشروق بساعات ، اخفض بعدها رأسه ليسند ذقنه لقبضته والتي يريح مرفقها على حاجز الشرفة وهو يفكر بأنه لم يستطع النوم جيدا بليلة امس بعد ما حدث معه على يدي ابنة عمته المجنونة بأول مقابلة بينهما والتي كانت توشك على إنهاء حياته فيها بغمضة عين لتتركه بالنهاية جاثيا على الأرض وهو يغلي من الخزي والغضب بالرغم من انه معتاد على التعامل مع كل شيء يحدث معه ببساطة وسلاسة لتدمر هذه الفتاة مبدأه بالحياة بأول لقاء بينهما ، ولا يعلم ماذا ينتظره ايضا بالأيام المقبلة مع هذه الفتاة المجنونة وكأنه ينقصه افراد يعكرون عليه صفو حياته الرتيبة ؟

مسح وجهه بكفه الأخرى وهو يستغفر ربه بصمت مكبوت ، ليخفض بعدها كفه بسرعة ما ان لمح الجسد الممشوق المتحرك بمدخل المنزل والقريب من الحديقة وهي تسير بخطوات متزنة قوية تكاد تخترق الأرض من قوتها ، اتسعت عينيّ (شادي) بتركيز وهو يحاول ان يتبين هوية الخارج من منزله والذي اكيد سيكون واحدة من بنات عمته فهو يعرف جيدا كيف تكون هيئة زوجة شقيقه (احمد) والبعيدة كل البعد عن هذا الجسد المتناسق والملفوف بسترة جلدية زرقاء مع بنطال اسود ضيق اظهر تفاصيل منحنيات جسدها المغرية وشعرها مرفوع فوق رأسها على هيئة كتلة مستديرة فوضوية بنعومة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما لذي يخرج فتاة من منزلها قبل الشروق بساعات عندما يكون جميع من بالبشر ما يزالون نيام بمنازلهم للآن ؟ ولكن كل شيء متوقع منها فهي بالنهاية ابنة مجرم حتى لو كان زوج والدتها فهي قد عاشت معه تحت سقف منزل واحد لسنوات طويلة ومن المرجح بأن طريقة حياته قد طبعت عليهما بقوة .

عقد حاجبيه بحيرة ما ان لاحظ توقف الجسد بمنتصف الطريق لتحيد بعدها بخطواتها وهي تغير مسارها نحو الحديقة الواسعة من حول الطريق الحجري امامها ، تابع مراقبتها بانتباه وهو الذي لم يعر بحياته انتباهه لأي احد لتجذب هذه الفتاة انتباهه ونظراته بفضول يشعر به لأول مرة وهي تشعل بداخله غريزة الحذر نحوها بقوة .

توقفت خطوات (ماسة) امام النافورة الحجرية والتي كانت ما تزال تُخرج الماء بانسيابية ونعومة وصوت خريرها يملئ الأجواء الساكنة من حولهم بانبهار ، كان ما يزال يراقب حركاتها بتمعن حتى صدم بانحناء ذلك الجسد امام النافورة لتضع رأسها تحت شلالات الماء المنسابة بتدفق لتنزل فوق رأسها وتغرقه بعذوبة مياهه وكأنها تغتسل من مياه النافورة بطريقتها الخاصة ، كان (شادي) يحرك رأسه بعدم استيعاب من حركتها الغريبة وهو ما يزال يعطي كل تركيزه على جسدها المهتز بارتجاف ورأسها ما يزال غارق بشلال المياه المتدفقة بدون ان تخرجه من هناك وكأنها تستمتع بوضعها المريب هكذا .

تصلبت شفتيه بامتقاع وهي ما تزال على حالها منذ عشر دقائق كاملة وقد تختنق بالماء إذا بقيت على وضعها هكذا مع برودة الجو الآن ببداية الشروق ، استقام بعدها بوقوفه وهو يبعد مرفقيه عن حاجز الشرفة ليرفع عندها يده لشفتيه قبل ان يطلق صوت تصفير مرتفع باستخدام السبابة والإبهام بمهارة معتاد على فعلها منذ شب عن الطوق ليخترق الأذن بإزعاج وسكون الأجواء من حولهم .

اخفض كفه ما ان وصل لمراده وهو ينظر لرأسها المتهدل وهو يبتعد عن مسار الشلال المتدفق بعد ان اغرق رأسها وكتلة شعرها المستديرة بالكامل وقد تساقطت عدة خصلات مبللة بفعل قوة المياه العذبة لتحولها لخصلات مجعدة ما تزال تقطر ماءً من حول رأسها ، لتسقط بعدها ذراعه بجانبه بتجمد بعد ان رفعت رأسها نحوه بهدوء وببطء متعمد يشعر به ولكن ليس هذا ما جمده عن الحركة تماما بل منظر عينيها البحرية وهو ينظر لأول مرة للون عينيها الغريب والذي يميل لزرقة قاتمة استطاع لمحها بليلة امس بدون ان يتمعن بها جيدا وها هو الآن ينظر لبحار غاص بها بدون إرادة منه مثل الوقوع بالفخ وهو يحاول إيجاد نقطة النجاة بتلك البحار المظلمة بقتامة ، ارتفع حاجبيه برهبة مشدوهة وهو يلمح دموع متدفقة بزوايا حدقتيها ممزوجة مع مياه النافورة تأبى الخروج وتركها للحرية وكأنها تحتجزها بداخل ظلام احداقها رغما عنها ، ليدور بعدها على باقي ملامحها الشاحبة والتي كانت تنضح قوة وشراسة صامتة ولكنها لم تخفي جمالها الغريب والذي يأسر النظر ما ان يقع عليه لشيء نادر الوجود ولا تقع عليه العين دائما .

ابتلع (شادي) ريقه بتصلب وهو يرمش بعينيه عدة مرات بتركيز عندما انتبه بأنها لم تعد تنظر له وهي تشيح بوجهها بعيدا عنه بقوة ، كانت (ماسة) بهذه الاثناء ترجع خصلات شعرها المبللة خلف اذنيها بهدوء قبل ان تعود للسير باتزان وهي تتمسك بحزام حقيبتها على كتفها بقوة لتعود لمسار سيرها نحو بوابة المنزل الخارجية متجاهلة النظرات المشحونة بمشاعر متضاربة وهو يتتبع كل حركاتها بتمعن وببطء شديد وشكل عينيها البحرية لا يبارح ذهنه بتاتا ، وكل الذي يريد ان يعرفه إذا كان ما رآه بعينيها دموع حقيقية ام تكون مجرد قطرات ماء عالقة من مياه النافورة وما زادها تأثير برودة الطقس عليها ؟

______________________________
كانت تحرك الملعقة بداخل كوب القهوة بصورة رتيبة وعينيها شاردتين بالسائل الاسود اسفلها والذي شكل دوامات وحلقات صغيرة حوله بدون ان تهتم للنظرات الكثيرة من حولها والتي اصبحت تلاحقها مؤخرا بكل مكان بالرغم من انها معتادة على مثل هذه النظرات والتي لا تتركها وشأنها ولكن هذه المرة مختلفة فقد اصبح يرافق تلك النظرات تمتمات خافتة تصلها بوضوح وكأن صاحبها يتقصد وصولها لمجرى اذنها وهي تحوم من حولها بكل زاوية تكاد تخنقها بمكان تواجدها ، بينما لم تنتبه لنظرات عسلية أخرى جالسة امامها بكافتيريا الجامعة وهي تحدق بها بحزن متوجس لما يدور بذهن صديقتها المقربة والشقيقة والتي لم تلدها والدتها والتي تعرفها منذ كانت طفلة تلعب بجنينة منزل عمها (قيس) والذي كانت دائمة الذهاب إليه بشكل شبه يومي لتلعب مع بنات زوجة عمها ، ولكن تلك الزيارات قد اختفت تماما وقد اصبحت شبه معدومة منذ وفاة زوجة عمها وانتقال عائلة صديقتها لمنزل بعيد بحيّ يبعد مسافة طويلة عن منزلهم .

زفرت انفاسها بابتسامة ناعمة وهي تهمس بمودة ناظرة لكوب القهوة امامها
"إذاً يا ماسة كيف حالكِ ، ألن تخبريني عن طبيعة السكن الجديد مع عائلة خالك ، فأنتِ لم تخبريني بشيء عنهم منذ انتقالك للسكن عندهم"

لم يظهر على (ماسة) بأنها قد سمعتها وهي تحرك الملعقة بالكوب بصورة مستمرة واكثر حدة ، لتعقد بعدها صديقتها حاجبيها وهي تفهم جيدا جمودها والذي يجعلها دائما بعيدة عن الجميع وعن كل ما يحيطها ، وما ان كانت ستعاود الكلام حتى سبقتها (ماسة) وهي تقول ببرود مشتد
"لا جديد اخبرك عنه ، وكما ترين ما زلت كما انا"

زمت المقابلة لها شفتيها الورديتين بضيق وهي تضم كفيها امامها فوق الطاولة قبل ان تقول بنفاذ صبر
"حقا يا ماسة ، أتريدين خداعي وتصديق بأنكِ مرتاحة حقا بحياتكِ مع عائلة خالك والتي كنتِ من قبل تقسمين بأنكِ لن تدوسي عتبة بيتهم"

توقفت (ماسة) عن تحريك الملعقة وقد وصلت صديقتها لما تريده وهو جذب نظرها وتركيزها لها بعيدا عن قوقعة جمودها ، لترفع بعدها احداقها الزرقاء الداكنة بجمود وهي تهمس بانقباض
"لن يدوم هذا الحال كثيرا يا صفاء ، فهذه الإقامة مؤقتة حتى تجد روميساء سكن آخر لنا وتستطيع تأمين المال الكافي لذلك"

عبست ملامح (صفاء) وعينيها العسلية متسعتين بوجل لتقول بعدها بهدوء وهي ترفع يدها لتمسك بيد صديقتها من على الطاولة
"اسمعي يا ماسة انا ارى بأن الحياة قد ابتسمت لكِ اخيرا ولشقيقتك روميساء بعد ان تخلصتما من شرور عمي قيس وها هو الآن يتحاسب على ما ارتكبه بحياته ، لذا لما تضيعين فرصة العيش بين عائلة تحبك وتقرب لكِ ويتقبلونكِ بينهم وغير هذا حياة مرفهة بدون الاضطرار للتعرض للمزيد من الذل والهوان"

تجمدت ملامح (ماسة) بدون اي تعبير قبل ان تسحب كفها برفق وهي تهمس بابتسامة ساخرة بمرارة
"لقد فات الأوان على مثل هذا الكلام يا صفاء ، وما فعلته حياة السنين السابقة لن تغيره بضعة ايام مع خال ظهر من العدم بعد ان اقتنعنا وآمنا بأنه ليس هناك اي احد موجود بعالمنا المظلم ، فبالنهاية كان قيس هو الوحيد والذي اعترف بوجودنا وتقبلنا بحياته بعكس اقاربنا المزعومين والذين كانوا يعيشون برفاهية وترف"

قبضت (صفاء) على كفيها وملامحها ذات القسمات الناعمة تتصارع بتفكير عميق قبل ان تتمتم ببعض الامتعاض
"ولكنها مع ذلك لم تكن تلك بحياة فقد كان عمي قيس رجل فاشل بحياته واتكالي لأبعد الحدود وقد استخدمكِ انتِ و روميساء كخدم عنده لكي تساعدوه بمهام حياته اليومية ، وقد استغل بأنه لم يعد هناك اي احد لكما ليتكفل هو مسؤوليتكما بذلك السن ، حتى انني لم اصدق عندما عرفتُ بدخوله للسجن وعمله بصفقات غير قانونية وقد صُدم والدي بشدة من هذا الخبر واخبرني بأنه يستحق كل ما يحدث له"

كانت (ماسة) من بين حديث صديقتها شاردة بعيدا بعالمها القاتم وهي تفكر بأنها لم تنسى ولن تنسى ابدا حياتها والتي انقلبت رأساً على عقب بعد وفاة والدتها عندما اصبحت هي وشقيقتها كالعبيد عند زوج والدتهما وهما تنفذان كل اوامره بطاعة تامة لكي لا يطردهما من حياته ويصبح الشارع هو بيتهما ، كانت بوقتها بالعاشرة من عمرها وشقيقتها بالخامسة عشر عندما وزع عليهما ادوارهما الجديدة بحياته لكي يتقبلهما بمنزله لتصبح هي خادمة المنزل الصغيرة والتي تهتم بالطبخ والتنظيف على طفلة بالعاشرة لا تعرف سوى اللعب واللهو بينما جعل شقيقتها (روميساء) تعمل بمحل بقالة لصديقه ليل نهار لتوفر له المال ثمن سكنهما بمنزله وتناول الطعام معه .

تنهدت بكبت وهي تشدد من القبض على الملعقة بكفها قائلة بقتامة كزرقة عينيها المظلمة
"ولكنه يبقى افضل من العيش بالملاجئ"

زفرت (صفاء) انفاسها بحزن على حال صديقتها والتي وصلت لها فهي كانت معها منذ بداية مشوار الحياة وكم تشعر بالغيض من مسبب كل هذه المشاكل بحياتها والذي يكون عمها الوحيد وهي التي لم تحبه يوما او تتقبله طول سنوات حياتها السابقة وحتى والدها وكل العائلة لم يتقبلوا وجوده فيها وما كان يفعله ويسببه بحياته دائما ، قالت بعدها بلحظات مخترقة غمامة الحزن والتي لم تفارقهما ابدا وهي تقول بخفوت شديد
"ولكن هذا لا ينفي بأنه كان السبب..."

قاطعتها (ماسة) بعصبية وهي تعود لتحريك المزيج بداخل كوب القهوة بالملعقة بقوة
"توقفي عن إعادة نفس الموضوع بكل مرة وكأنه ليس هناك شيء تتكلمين عنه سوى عن حياتي"

عضت (صفاء) على طرف شفتيها بحنق وهي تسكتها بطريقتها الخاصة وقد عادت لتعصيبها والذي نادرا ما يخرج منها ، لترفع بعدها يدها بهدوء وهي ترجع خصلات شعرها البنية بميلان عسلي والمنفلتة من ذيل حصانها الطويل للخلف بهدوء لتنساب مع باقي خصلات شعرها الأخرى ، قطع الصمت صوت (ماسة) وهي تقول ببرود جليدي
"كيف احوال العم جلال ، وكيف هي صحته الآن"

اتسعت ابتسامة (صفاء) بهدوء وهي تتمتم بشرود حزين
"لقد اصبح بأفضل حال ولم يعد يصاب بالانتكاسات بعد النوبة القلبية الأخيرة والتي اصابته قبل اسابيع ، ولكني ما ازال قلقة على حالته والطبيب قال بأن عليه الراحة بين الحين والآخر وهو يصر على الدوام على عمله بدار النشر كل يوم ضاربا بكلام الطبيب عرض الحائط"

اخفضت (ماسة) كفها عن الملعقة وهي تنظر بسكون للموجات الصغيرة السوداء بكوب القهوة والتي لونت حياتها لسنوات وهي تفكر بالرجل الكبير شقيق (قيس) ووالد (صفاء) ذلك الرجل والوحيد والذي كان يزورهم بمنزلهم القديم لرؤية شقيقه الوحيد ، ولكنه اختفى بعدها من حياتهم بعد انتقالهم للمنزل الآخر والبعيد عن مكان سكنهم ، وحتى الآن لم تستطع نسيان الرجل والذي لطالما كان النقيض عن (قيس) تماما ليس بالشكل فقط بل بالتعامل وبطريقة الحياة وهي التي لم ترى منه سوى كل خير وهو يعاملها كابنته (صفاء) تماما بوقت كان الحنان ابعد ما يكون عنها بعائلة تسودها مشاعر من الجشع والأنانية والقسوة هي عنوانها .

زمت (ماسة) شفتيها بغيض وهي تلقي نظرة حادة للجمع الغفير والذي ازداد بقرب طاولتهما وكل واحد منهم يضع رأسه بأذن الآخر واعينهم ملتصقة بطاولتهما بتركيز ، لتقبض بعدها على يدها وهي ترفعها لذقنها باهتزاز كعلامة التحفز وما ان كانت على وشك النهوض حتى اوقفتها (صفاء) وهي تمسك بذراعها قائلة بتصلب وروية
"اهدئي يا ماسة وتجاهلي وجودهم تماما فهذا ما يريدون الوصول له وهو استفزازك ، لذا كل ما عليكِ فعله هو الصبر والتروي وعدم اعطائهم ما يريدون"

نفضت (ماسة) ذراعها بعيدا وهي تنظر من حولها بجمود بحدقتيها الزرقاء والتي ازدادت قتامة قبل ان تعود بنظرها لصديقتها وهي تقول بإصرار غريب
"صفاء اريد منكِ ان تجدي لي عمل"

انفرجت شفتي (صفاء) الورديتين بصدمة قبل ان تهمس بعبوس متوجس
"ما هذا الكلام يا ماسة ، لما تريدين العمل وما حاجتك به ما دامت روميساء تعمل بالفعل ، وانتِ لم تنهي دراستك الجامعية..."

قاطعتها (ماسة) بحنق متجهم
"انسي موضوع الدراسة يا صفاء فأنا احتاج لهذا العمل بشدة لأساعد روميساء بتوفير المال لنخرج من عائلة محراب بشكل اسرع ، وايضا عمل روميساء كمعلمة للصفوف الابتدائية اصبح مهدد بخسارته بعد ان تلطخت سمعتنا بين الناس ، لذا اريد منكِ ان تجدي لي العمل ولو بدار النشر الخاص بوالدك"

عقدت (صفاء) حاجبيها بوجوم وهي تهمس بتفكير
"ولكني لستُ متأكدة إذا كنتُ سأستطيع إيجاد عمل مناسب لكِ بدار النشر ، فأنا اعمل بها بأيام عطلتي لأساعد والدي هناك وحسب معرفتي فهي ليست من مجال دراستنا ابدا"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تتمتم بسخرية
"وماذا عن شقيقك المهرج ألا يعمل بدار النشر مع والده ام ما يزال يتسكع بالطرقات بدون عمل"

زفرت انفاسها بغضب وهي تنفخ خديها الورديين بضيق قائلة بتجهم خافت
"لا اريد التكلم عنه ابدا ، وأنا لا اعلم شيئاً عنه منذ شجاره مع والدي قبل ايام ومغادرته للمنزل غاضبا ناقما"

امتقعت ملامح (ماسة) بشحوب وهي تحرك عينيها بعيدا عنها باشمئزاز ما ان تذكرت المدعو شقيقها والذي لا يشبه والده بشيء ذلك المهرج السمج ورئيس عصابات الحارات والتي كان يقودها بكل مكان منذ طفولته ليتنمر على كل اطفال الحيّ بالطرقات وبالمدرسة وبالحدائق العامة ولم يستطع اي احد ان ينفذ من شره .

عادت بنظرها لصديقتها والتي كانت تقول بتلعثم مرتبك
"لم اكن اريد قول هذا ، ولكنه قد صرعني كثيرا من إلحاحه عليّ لأخبركِ بأنه لن ينسى ابدا الاتفاق بينكما وحتى لو ابتعدتِ لآخر العالم وانتِ بالمقابل عليكِ ألا تنسي حفاظاً على كرامتك"

تجمدت ملامح (ماسة) بتصلب وهي تنظر بعيدا عنها وكلامه ما يزال يتردد بذهنها منذ ايام قبل دخول (قيس) للسجن وهو يقول ببساطة مستفزة
(ماسة الفاروق استسلمي لمالككِ الحقيقي والذي انتظر كثيرا لتأتي هذه اللحظة بالذات وتقعي بين يديه ليتلقفك هو بكل رحابة صدر فقد تحملتُ مقاومتكِ وكبريائكِ كثيرا ولسنوات طويلة ، لذا قد حان الوقت الآن لنصفي كل ما كان بيننا بهدنة طويلة يا دمية عمي قيس)

انتفضت فجأة واقفة عن الكرسي باندفاع وكلامه يضرب اذنيها بقوة مثل جميع كلماته المستنفرة والتي كان يقولها لها دائما بكل مواجهة تحدث بينهما وهو يصر على تلقيبها (بدمية قيس) وكل هذا بسبب قبولها بالسكن مع عمه (قيس) وامتلاكه لحياتها وخدمته بكل شيء ، وقد كان دائما يزورهم بالمنزل القديم وحتى الجديد بشكل شبه يومي ليضايقها بكلامه وبتصرفاته المزعجة والتي كانت تغيظها على الدوام وهذا بجانب اصدقاء (قيس) والذي كان يتجمع معهم دائما .

زفرت انفاسها باضطراب وهي تقول بحدة بالغة ممسكة بحزام حقيبتها لتضعها على كتفها باتزان
"لا تنسي ما اخبرتكِ به يا صفاء حاولي ان تجدي عمل لي وبأسرع ما يمكن ، انا اعتمد عليكِ بهذا لذا لا تخذليني"

كانت (صفاء) على وشك قول شيء قبل ان تسبقها (ماسة) بالانسحاب بعيدا عن الطاولة وهي تتجه لباب الكافتيريا بهدوء ، لتقول بعدها بسرعة من خلفها بارتفاع حانق
"إلي اين انتِ ذاهبة يا ماسة ، لم تبدأ المحاضرة بعد"

عبست ملامحها الرقيقة ما ان نظرت لأثر صديقتها والتي اختفت عن نظرها تماما وما تزال العيون تراقب انسحابها بإصرار غريب وبعض الكلام بدأ بالارتفاع ليصل لأذن (صفاء) العابسة بحزن
"أرأيتِ هذه من اخبرتكِ عنها ابنة المجرم قيس ورئيس العصابات المعروف بالبلد ، وهم يعيشون بحيّ الحبشة والمعروف بحيّ المجرمين وخريجين السجون ، لا اعرف حقا كيف يستقبلون مثل هذه الأشكال بالجامعات المرموقة"

حركت (صفاء) عينيها العسلية الحزينة بعيدا عنهم وهي تنظر لكوب القهوة الخاص بصديقتها والذي لم تشرب منه ولا رشفة وهو ما يزال ممتلئ بالسائل الأسود والذي تصر دائما على طلبه بدون ان تشربه وكأنها تثبت لهم بأن سبب مجيئها لهذه الكافتيريا ليس شرابهم ، بل من اجل إمتاع نفسها بكلام الناس الجارح وبنظراتهم المهينة لها والتي لم تتركها وشأنها لسنوات .

نهاية الفصل..............

زهرة الخلود والبنفسج 21-02-21 02:34 PM

💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜 💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜💜

روز علي 27-02-21 07:07 PM

الفصل الثالث
 
الفصل الثالث.............
كانت تنزل درجات السلم بعجلة وهي تعدل من وضع حقيبتها على كتفها قبل ان تتوقف بنهاية السلالم ما ان اصطدمت بالجسد الواقف والذي ظهر امامها فجأة بدون ان تراه ، لترفع بعدها بسرعة نظراتها الخضراء المرتبكة وهي تنظر لهوية الرجل امامها لتتسع عندها عينيها الشاحبة بتوجس وهي تتعرف عليه وهو يكون ابن العائلة الكبير وابن خالها البكر .

كانت (روميساء) تتنقل بنظرها بتفاصيله عن قرب من ملامحه الهادئة بسكون وبعض الشعيرات البيضاء قد غزت جزء من مقدمة ذقنه بدون ان تقلل من مهابته كوالده تماما وهو يملك عينين سوداوين تداخلت بهما بعض الخيوط من اللون الرمادي لتصل بالنهاية لابتسامته الرزينة والتي زادته قوة تناسب مكانة عائلته العريقة ، بينما كان (احمد) بالمقابل ينظر لها بتركيز وهو يدور بعينيه بملامحها الشاحبة والناعمة والتي لم تستطع اخفاء آثار الخطوط المنتشرة بقسمات وجهها المحفورة والتي تدل على الإرهاق الشديد وقلة النوم والتي تعرضت لها بالأيام السابقة ليتوقف كالعادة امام عينيها الخضراء الشاحبة ببهوت واضح يكاد يختفي اللون من حدقتيها الكبيرتين باتساع غريب .

رمشت (روميساء) بعينيها عدة مرات قبل ان تبعد وجهها بعيدا عنه وهي تقول بإحراج
"اعتذر فلم ارك امامي عندما كنتُ انزل درجات السلم من فوق"

حرك (احمد) رأسه باتزان وهو يهمس بخفوت
"لا بأس مرت على خير"

نزل بنظراته لملابسها العملية والبسيطة والتي تدل على انها كانت ستغادر المنزل الآن وهي ترتدي قميص بني باهت طويل يصل لركبتيها واكثر تقريبا وحزام من الجلد معقود حول خصرها مع بنطال جينز بلون الذهبي ، عاد بعدها بنظراته لوجهها وهو يتمتم بغموض
"هل كنتِ على وشك مغادرة المنزل"

حركت عينيها نحوه بهدوء وهي تعقد حاجبيها بريبة لتقول بعدها بابتسامة صغيرة
"اجل صحيح ، فأنا اعمل بمدرسة الزهور الابتدائية بدوام يومي وعليّ الذهاب الآن لعملي"

ارتفع حاجبيه باستنكار ولم تعجبه فكرة عملها ابدا بل لم تدخل عقله بتاتا وهو يفكر بأن فتاة من عائلة كبيرة مثلهم تعمل عند اناس لتكسب منهم بعض القروش ، قال بعدها بتجهم مستاء وبدون ادنى تفكير
"ولكن لما العمل وكل شيء موجود بحياتكما بدون الحاجة للعمل عند احد من اجل بعض المال والذي يوجد الكثير منه عندنا"

عبست زاوية من شفتيها بضعف وهي تتذكر كلام (ماسة) بالأمس عن الخروج من هذه العائلة والتي لم تقدم لهما شيء بحياتهما عندما كانا يحتاجان لأي قريب ليعترف بوجودهما ، رفعت (روميساء) رأسها بقوة وهي تهمس بخفوت مشتد
"شكرا على كرمك يا سيد احمد ، ولكني لا اعتقد بأنني سأستطيع تقبل هذه الحياة الجديدة عليّ وعلى شقيقتي او ان اغير من نمط حياتي والذي سرت عليه لسنوات ، لذا ارجو منك ان لا تتدخل بسير حياتنا فنحن نعرف جيدا مصلحة انفسنا"

اتسعت عينيّ (احمد) بتجهم ليس من كلامها الواثق والذي ضربه بمقتل بل من تلقيبها له بسيد (احمد) وكأنه غريب عنها او رئيسها بالعمل وليس ابن خالها البكر ، وما ان كان سيرد عليها بغضب حتى تجاهلته تماما وهي تتجاوزه بسرعة لتسير باتجاه البهو الواسع ، ليقول بعدها من خلفها بقوة صارمة
"انتظري على الأقل حتى تتناولي طعام الفطور مع العائلة بقاعة الطعام ، ام تريدين الرحيل لعملكِ وإغضاب كبير العائلة بعد ان استقبلكم بمنزله ورحب بكم ببشاشة"

توقفت بمكانها وهي تعض على طرف شفتيها بتفكير وجزع من الورطة والتي قد تقع بها الآن فهي لم تصل لهذا المنزل سوى بالأمس وإغضاب كبير العائلة لن يكون بصالحهما ابدا وهي حتى الآن لا تستطيع التضحية بأي شيء بعد ان خسروا كل ما يملكون بحياتهما وقد يكون عملها هو الخسارة التالية .

ابتسم (احمد) بهدوء ما ان قابله الصمت والسكون منها والذي يدل بأنها قد فهمت مقصده جيدا ، ليسير بعدها بعيدا عنها ببرود وتحديدا باتجاه قاعة الطعام ، بينما كانت (روميساء) تبتسم بحزن شارد وهي تفكر بشقيقتها والتي ذهبت لجامعتها قبل ان تشرق الشمس بساعات كعادتها بدون ان تعطي اي اعتبار لأحد بالعائلة وبأنها قد انتقلت لمنزل جديد يبعد عن مقر جامعتها بمسافة تبعد امتار ، سارت بعدها بلحظات بخطى ثابتة باتجاه قاعة الطعام قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه بما انه ما يزال لديها متسع من الوقت قبل دوامها بالمدرسة .

دخلت (روميساء) خلف (احمد) تماما لتتجه كل العيون نحوهما بين حائر وممتعض وجو من الوجوم بدأ يسود من بينهم بثقل ، قطع الصمت بعدها صوت (سلوى) وهي تنتفض بعيدا عن مقعدها قبل ان تتعلق بذراع (احمد) وهي تقول بغيض ودلال
"اين كنت يا احمد ولما تأخرت عني ، أيعجبك ان تجعلني انتظرك كل هذا الوقت الطويل وانا اكاد اموت من الجوع والشوق إليك"

كان (احمد) يحرك رأسه بوجوم من تصرفاتها الوقحة امام العائلة بدون اي حياء ، ليخترق بعدها سكون القاعة صوت (محراب) والذي كان يجلس على رأس الطاولة وهو يقول بقوة
"كفى كلام ، وليجلس الجميع بمقاعدهم امام المائدة بهدوء"

سحبت (سلوى) زوجها من ذراعه بسرعة وهي تلقي نظرة مشمئزة متعالية نحو (روميساء) والتي كانت تفكر بعيدا عنها ، لتتقدم بعدها (روميساء) بصمت نحو المائدة وهي تتخذ مقعدا بعيدا عنهم بجانب الصغير (زين) وبالجهة المقابلة لهما كان يجلس فيها (احمد) وزوجته ومعهم يجلس بجانبهم (شادي) والذي كان يتناول الطعام امامه بشرود غير آبه بأحد .

قال (محراب) بعدها بلحظات بحيرة متصلبة
"اين هي شقيقتكِ ماسة ، انا لا اراها معكِ"

رفعت نظرها بارتباك نحو (محراب) قبل ان تقول بإحراج خافت
"الحقيقة لقد ذهبت ماسة لجامعتها بوقت مبكر جدا ، فهي لا تستطيع التأخر عن محاضرتها الأولى والتي تبدأ من الساعة السابعة صباحا"

كان (محراب) يحرك رأسه باتزان جامد ، ولم ينتبه احد للنظرات الحادة والتي كانت موجهة من (شادي) نحوها وقد عرف الآن ما لسبب والذي جعلها تخرج بذلك الوقت المبكر جدا خارج منزلها ؟ ونفسها من رآها بليلة امس بالمطبخ وقد عرف الآن كل شيء يخصها فدراستها بالجامعة تعني بأنها لم تتجاوز عمر الشباب بعد وقد تكون ما تزال ببداية العشرين للآن وهذا يعني بأن فورة المراهقة المجنونة هي ما تحركها الآن نحوه ، وليس هناك تفسير آخر على تصرفاتها الغريبة معه بأول مقابلة بينهما .

عاد (محراب) للكلام وهو يقول بصوت جهوري مبتسم بوقار
"اخبريني القليل عن حياتكما وما هي مجال دراستكما ومن الذي كان يتكفل بكل مصاريف تعليمكما آنذاك ، فهذه التفاصيل تهمني كثيرا معرفتها عن حياة بنات شقيقتي مايرين"

تنهدت (روميساء) باهتزاز ما ان اجتاحتها ذكريات الماضي وهو يتكلم عن عدم معرفته بطريقة حياتهما ببساطة وكأنه ليس نفسه من نبذهما منذ سنوات ولم يعد احد يعترف بهما ليتقبلا عندها بأقل احتياجات الحياة والتي تؤمن لهما الاستمرار بالعيش بأمان وتحت سقف منزل على من في مثل سنهما ، شددت بعدها بقبضتيها على مائدة الطعام وهي تتمتم بدون اي تعبير بعد ان حل السكون بكل انحاء القاعة
"لقد كان عمي قيس هو من يهتم بمصاريف تعليمنا بجانب عملي الدائم بمحل بقالة قريب من منزلنا ، وهو من اختار مجال دراستي بمهنة التعليم وتكفل بمصاريف الجامعة كاملة ، بينما ماسة هي من اختارت مجال دراستها بنفسها بما انها قد حصلت على منحة من وزير التعليم بسبب تفوقها الاكاديمي بالمدرسة تؤمن مصاريف تعليمها كاملة وهي الآن تدرس بمجال الهندسة الاقتصادية"

تنفست بعدها بارتجاف ما ان انتهت من كلماتها والتي قالتها بكل برودة تملكها بقلبها وكأنها تقص عليهم قصص من وقائع حياة الناس وليس عن حياتها ، ساد جو من الهدوء القاتم والذي حل على كل ساكني المنزل للحظات قبل ان تقطعه (روميساء) وهي تتابع كلامها ببساطة ناظرة لكل الوجوه الواجمة بابتسامة متسعة
"وايضا نسيت ان اخبركم بأنني اعمل بمدرسة الزهور الابتدائية وقد تأخرتُ على عملي بالفعل ، لذا عذرا منكم عليّ الذهاب الآن"

نهضت (روميساء) بسرعة من على الكرسي امام نظراتهم المصدومة قبل ان تنسحب بعيدا عنهم لخارج قاعة الطعام بصمت وبدون ان تلمس طبقها حتى او ان تتناول شيئاً من الأطعمة المنوعة والموزعة بترتيب على مائدة الطعام ، لتخلف من بعدها سكون تام وكل واحد منهم قد عاد لتناول الطعام من على المائدة بصمت وكأن شيء لم يكن ، بينما كانت نظرات (محراب) القوية عالقة بمكان اختفاءها وهو يحرك رأسه بتفكير عميق شارد فيبدو بأن بنات شقيقته ما يزالون يحملون بقلوبهم الضغينة لكل من حولهم ومن يربط بهما قرابة تخلى عنهما يوما ما .

______________________________
"لم يعد هناك اي وظائف شاغلة لكِ ، فأنا لا اتشرف بعملكِ هنا بعد الآن ، فأهم شيء عندنا بهذا المكان هي سمعة المدرسة والتي ستبقى دائما نظيفة بعيدا عن امثالكم"

كان يصرخ بحدة وفظاظة وهو يجلس امام المكتب ناظرا امامه بعبوس متجهم ، بينما كانت (روميساء) تخفض رأسها بخزي وإحراج وهي تتلقى ما كانت تتوقعه وتخشاه وعملها الطويل بهذه المدرسة لم يشفع لها ليطير مع مهب الريح وكأن كل شيء قد اصبح ينقلب ضدها بعد دخول (قيس) للسجن ، رفعت بعدها كفها بارتجاف لتعيد الخصلات السوداء بعيدا عن جانبيّ وجهها قبل ان تهمس بوجوم خافت
"ولكني قد اخبرتك يا سيدي المدير بأنه لا علاقة لي بما فعله زوج والدتي قيس ، لتتهمني انا بأفعاله بدون اي وجه حق ، ولا شيء يربطني به سوى سقف المنزل والذي كنتُ اعيش فيه معه"

ضرب المدير على سطح المكتب بكفه بصلابة وهو يتمتم ببرود جليدي
"بغض النظر فهو يكون والدك الروحي وزوج والدتك والذي تربيتِ معه تحت سقف منزله واي شيء يمسه ويفعله سيمسكِ انتِ ايضا ، ولا اعلم حتى الآن ما لذي سيخرج من عائلة غريبة الأطوار مثلكم تدور من حولها الشبهات دائما والتي تربت على اكل مال الغير والعمل على مخالفة القانون"

ابتلعت ريقها بتصلب وهي تنظر بعيدا عنه بشرود وكلماته تخترق سمعها بألم من كلام اعتادت على سماعه من كل من تصادفهم وتقابلهم بحياتها وكله بسبب ماضي والدتها وزوجها والذين لطخوا سمعتهما لتكون وصمة عار تلاحقهما طيلة العمر ، وحتى عملها هنا كان دائما مرهون بالفشل ولولا الواسطة والتي حصلت عليها من اصدقاء (قيس) والذين لا يقف امامهم حائل لما كانت استطاعت ان تتوظف بهذه المدرسة المحترمة والعريقة .

عادت بنظراتها الخضراء الشاحبة بجمود نحو المدير وهي تقول بابتسامة هادئة
"وماذا عن سنوات عملي المتواصلة بهذه المدرسة ، منذ خمس سنوات وانا اقدم لكم كل ما املكه من خبرة وجهد والتزام بدون ان يصدر مني اي خطأ يسيء لسمعتكم ولسمعة مدرستكم ، أهكذا تكافئني على تعب السنين والتي بذلتها بالرفع من مكانة مدرستكم لتبقى بالقمة دائما"

امتقعت ملامح المدير وهو يقول بصرامة حادة
"كل هذه الإنجازات والتي فعلتها للمدرسة لن تنفعكِ بشيء عندما يتعلق الأمر بسمعة الموظفات هنا وخلفية كل واحدة منهما واقصد بكلامي طريقة حياتهما ومكان معيشتهما وسمعة عائلاتهما ومن هذا القبيل ، ومثل هذه الأمور تؤثر كثيرا ليس على سمعة المعلمة فقط بل على سمعة المدرسة بأكملها ، وليكن بعلمكِ فقط بأن توظيفكِ بهذه المدرسة كان خطأً كبيرا مني ولا يغتفر مع سمعة عائلتكِ وخلفية مكان سكنكِ والذي لا يسر مخلوق ابدا"

زمت شفتيها بحزن قبل ان تهمس بوجل
"ولكن يا سيدي المدير انا لا استطيع خسارة هذه الوظيفة..."

قاطعها المدير بحزم وهو يصرخ بنفاذ صبر
"روميساء الفاروق لقد انتهت مهلة عملكِ معنا هنا ولم يعد يلزمنا شيء من خدماتكِ والتي قدمتها لمدرستنا لفترة طويلة ، لذا من فضلكِ اخرجي من هنا من غير مطرود"

شددت (روميساء) من القبض على كفيها بجانبيّ جسدها بقهر وهي تشعر بظلم غير مبرر موجه نحوها من كل صوب ومنذ سنوات طويلة ، لتخفض بعدها عينيها الشاحبة بعيدا عنه بخذلان قبل ان تسير بتثاقل باتجاه باب المكتب وما ان امسكت بمقبضه حتى قالت بخفوت لا يكاد يسمع
"وداعا سيدي المدير وشكرا لك على كل شيء قدمته مدرستكم لي ، فقد تشرفتُ كثيرا بالعمل معكم"

غادرت بعدها لخارج غرفة المكتب بدون ان تضيف كلمة أخرى قبل ان تستند بظهرها على سطح الباب من خلفها وهي تشعر بخنوع ورخاء تام احتل كل اطراف جسدها بعد ان خسرت النور الوحيد والمتبقي لهما بحياتهما المظلمة ، رفعت بعدها نظراتها الجامدة للأعلى وهي تتنفس بنشيج واضح وكفيها ما يزالان مقبوضين بقوة حتى ابيضت مفاصل اصابعهما .

اغمضت عينيها بقوة وهي تستغفر ربها بخفوت ليلهمها الصبر لما هي مقدمة عليه الآن بعد ان خسرت بارقة املهما الأخيرة للحياة الهانئة والتي حلما بها كثيرا ، استقامت بعدها بسرعة بعيدا عن الباب وهي تمسح عينيها بكفها برفق حتى احمرتا بشدة بإنهاك ، لتسير عندها بخطوات حاولت جعلها متوازنة وهي تنظر لموقع قدميها بلا مبالاة ونظرات كل من تمر بهم تلاحقها بغموض وهي تشدد من القبض على حزام حقيبتها بضعف شديد يداهمها لأول مرة بعد سنوات طويلة من الكفاح بالعمل وبالدراسة من جهة وبالاهتمام بالمنزل مع شقيقتها من جهة أخرى حتى اصبحت حياتها بأكملها مكرسة فقط للجميع دون سواها .

كانت تسير بساحة المدرسة باتجاه باب الخروج بخطوات متمهلة قبل ان تتوقف فجأة ما ان سمعت الهتاف باسمها من الخلف ، لتستدير بعدها بسرعة للخلف وهي تنظر بصدمة للطفلتين واللتين كانتا تجريان نحوها بأقصى سرعة وزيهما المدرسي يتطاير من حول ساقيهما بحرية ، وما ان وقفتا امامها حتى قالت احداهما بحزن طفولي
"هل حقا ستغادرين المدرسة يا معلمة روميساء"

ابتلعت (روميساء) ريقها بتشنج وهي تنظر للطالبتين المميزتين عندها بالفصل والمقربتين منها من بين جميع الطلاب بل جميع كل من بالمدرسة طلابها المفضلين وابناءها والذين وجدت بهم وحدتها وطفولتها الضائعة ، تصلبت شفتيها بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تحرك رأسها بالإيجاب بوجوم وحزن يقارب حزن الطفلتين ، لتقول بعدها الطفلة الأخرى برجاء وهي تمسك بكفها بقوة
"لا ارجوكِ يا معلمة روميساء لا تتركينا الآن ، ونحن نعدكِ بأننا من الآن وصاعدا سنكون اكثر تهذيبا ولن نسبب لكِ المشاكل بالفصل"

حركت الطفلة بجانبها رأسها بلهفة وهي تضم قبضتيها الصغيرتين قائلة بتوسل طفولي
"اجل يا معلمة روميساء لا تتركي المدرسة وكل من فيها ، فنحن نحبكِ كثيرا وجميع من بالفصل يحبكِ ايضا"

ابتسمت بضعف وهي تحاول الحفاظ على ثباتها امام الطفلتين ورجائهما يخترق هشاشة مقاومتها وقلبها والذي تعلق بأصحاب هذا المكان اكثر من الوظيفة نفسها بعد ان اصبحت جزء من عالمهم واصبحوا يمثلون لها راحتها المؤقتة ، عضت بعدها على طرف شفتيها بقهر المظلوم من خسارتها الفادحة واكثر من أي خسارة سابقة وهي تفقد كل حياتها المريحة والذي يمثلها لها هذا المكان بغمضة عين .

عادت بنظرها للطفلتين بحزن قبل ان تنحني على ساقيها لتصل لمستواهما لترفع عندها ذراعيها معا وهي تعانق اكتافهما الصغيرة بكل حنية تملكها لهذا المكان ، لتبعد بعدها ذراعيها بسرعة عنهما قبل ان تنحدر اكثر مع عواطفها المنهارة لتقول عندها بابتسامة حاولت جعلها لطيفة رغم الألم المحفور بداخلها
"لا داعي لكل هذا القلق فأنتما ليسا لكما علاقة بمغادرتي للمدرسة ، فقد انتهت وظيفتي بهذا المكان وقد حان الوقت لأغادر بعيدا وابحث عن حياة اخرى تتقبل وجودي بها ، لهذا اريد منكما ان تعداني بأنكما ستبقيان دائما كما اعرفكما وحتى لو ابتعدتُ لآخر العالم فأنا من المستحيل ان انسى طلابي المجتهدين والمميزين بكل شيء لأني من ربيتهم وعلمتهم كل شيء اعرفه بنفسي"

عبست الملامح الصغيرة للطفلتين قبل ان يحركوا رؤوسهما بحزن لمع بحدقتيهما الصغيرتين ، بينما كانت (روميساء) تربت على رؤوسهم بكفيها بحنية وهي تحاول الابتسام بسعادة بقدر ما تستطيع امامهما ، لتستقيم بعدها بوقوفها بعيدا عنهما بدون ان تفقد ابتسامتها وهي تهمس لهما بحزم مزيف
"هيا الآن اذهبا لفصلكما قبل ان تعاقبا ، واياكما والخروج بوقت الحصة مرة أخرى كما فعلتما الآن وألا غضبتُ منكما بشدة"

تحركت الطفلتين بسرعة بعيدا عنها باتجاه نفس الطريق والتي جاءوا منها وهم يلوحون لها بأيديهم الصغيرة بمرح عاد للتوهج بملامحهما ، لتختفي بعدها ابتسامتها ما ان اختفوا عن نظرها تماما ككل شيء جميل بحياتها لتشيع عندها بنظراتها الأخيرة لبناء المدرسة الحديثة والتي ستشتاق لمرآها كثيرا بعد ان اصبحت منزلها الثاني منذ خمس سنوات .

استدارت بعيدا عن البناء لتتابع سيرها لخارج البوابة بخطى سريعة وهي تفكر بالخطوة القادمة والتي عليها فعلها وتتضمن العمل بمكان آخر يتقبل خلفيتها المشوهة ، وما ان سارت على الطريق المقابل للمدرسة حتى رفعت كفها بسرعة وهي تلوح لأي سيارة أجرة تخرجها من هذا المكان والذي يحمل لها كل ذكرى جميلة ستبقى محفورة بقلبها اليتيم للأبد .

يتبع..............

على هذا الرابط

https://www.rewity.com/forum/t481045-2.html

روز علي 27-02-21 07:14 PM

دخلت للمنزل بهدوء قبل ان تشعر بقبضة من حديد تمسك بذيل حصانها من الخلف حتى كادت تقتلع خصلاته قبل ان يقربها امام وجهه وهو يهمس بفحيح خافت
"اين كنتِ يا منحلة بمثل هذا الوقت المتأخر من الليل متناسية بأنكِ تحملين سمعة العائلة بين يديكِ وانتِ تدورين بها بكل مكان تدوسين عليه ، ام تظنين بأنه ليس هناك أي رجال يحاسبونكِ على افعالكِ والتي تجاوزت حدودها"

رفعت (صفاء) كفيها بألم وهي تحاول إفلات بعض من خصلات شعرها والتي تقطعت بين قبضتيه بدون ان تذرف اي دموع وقد اعتادت على هذه المعاملة الفظة من شقيقها الكبير والذي يجدها دائما متنفس عن غضبه المقيت ، قالت بعدها بانتحاب غاضب وهو يشدد من هزها من ذيل حصانها بعنف
"لقد كنتُ عند صديقتي وقد اخبرت والدي بهذا ، لذا توقف عن حشر نفسك دائما بخصوصياتي فأنت لست ولي امري"

امتقعت ملامحه بحنق وهو يحرك عينيه بعيدا عنها بلا مبالاة قبل ان يقترب من اذنها اكثر وهو يهمس بتفكير
"ومن هي تلك الصديقة ، هل يعقل بأن تكون دمية قيس"

عقدت حاجبيها بتجهم وهي تضيق عينيها العسلية بقتامة قبل ان تقول بوجوم خافت
"توقف عن مناداتها بهذا اللقب فهي لم تعد تعيش مع عمي قيس لتلقبها هكذا ، فقد عادت لبيت خالها ولعائلته ولمكانها الصحيح"

تصلبت ملامحه بشراسة وهو يعود لهزها من ذيل حصانها بقوة اكبر قائلا بهدوء ينذر بالشر
"اخرسي يا صفاء واجيبِ هل كانت هي ام لا"

صرخت (صفاء) بانفعال وهي تتلوى بألم بدون ان يرحم خصلات شعرها من قبضته
"لا لم تكن هي بل صديقة أخرى ، واترك شعري فورا فأنت تؤلمني كثيرا إذا لم تكن تعرف"

كان يتنفس بغضب اهوج وهو يرجع ذيل حصانها للخلف مع رأسها قبل ان يتمتم بتصلب جامد
"وماذا عن رسالتي ، هل اخبرتها عنها"

توقفت (صفاء) عن المقاومة بعد ان شلت حركة عنقها وهي ترفع حدقتيها العسليتين والمتسعتين بحزن نحو شقيقها من فوقها ، لتتمتم بعدها بابتسامة شاحبة ببرود
"لم اكن اريد اخبارها ، ولكن ما باليد حيلة لأتخلص منك ومن هرائك وسخافاتك"

صرخ فجأة ما ان انهت كلماتها وهو يرفع كفه الآخر نحوها قبل ان يوقفه صراخ آخر من خلفه صارم بوهن
"توقف يا مازن واترك شقيقتك فورا"

عبست ملامح (مازن) بغضب قبل ان يفلت ذيل حصانها من قبضته بقسوة وهو يخفضها للأسفل بوجوم بدون ان يلتفت لمصدر الصوت من خلفه ، بينما استغلت (صفاء) الفرصة لتبتعد عنه وهي تنظر له بنظرات حادة بحزن لتعدل بعدها من خصلات شعرها البنية والتي انفلتت من ذيل حصانها وهي ترجعها لخلف اذنيها برفق ، سارت من فورها نحو والدها والذي كان ينظر امامه بشرود متجهم لتمسك عندها بكفه المجعدة وهي ترفعها لمستوى وجهها لتقبل ظاهرها باحترام كبير تكنه لهذا الرجل والذي يحمل كل معاني الأبوة بالنسبة لها .

رفع (جلال) كفه ببطء شديد لرأسها وهو يربت عليه بحنية وهدوء اعتادت على الحصول عليها منه منذ ولادتها ، ليرفع بعدها نظراته الواهنة لابنه الكبير والذي ما يزال واقفا بمكانه وهو ينظر لهما ببرود جليدي وكأنه ليس من العائلة فهو حقا لا يحمل اي شيء من بوادر الانتماء لهذه العائلة وهو يثبت له بكل مرة يتقدم فيها بالعمر بأن مجيئه لهذا العالم كان اكبر خطأ يقترفه بحياته للآن ، وكأن ولادة الذكور بالنسبة له هي اكبر نقمة بحياته وليس لتخفيف الأعباء عن الوالدين والاهتمام براحتهما بعد هذا العمر الطويل ، بل من اجل التسبب لهما بالمشاكل على الدوام وزيادة الهموم على الوالدين وكأنه ينقصهما هموم والتي ستجلب له يوما ما ازمة قلبية لن يخرج منها حيا .

حرك (جلال) نظراته بعيدا عن ابنه ما ان تمسكت (صفاء) بذراعه وهي تسحبه معها بعيدا باتجاه الأريكة ببهو المنزل البسيط وهو يسير معها بثبات بدون اي اعتراض وكأنها العصا والتي يرتكز عليها ويسير معها بطريق الحياة الطويلة ، وما ان وصلت به (صفاء) للأريكة الوثيرة حتى ساعدته بالجلوس عليها برفق لتفلت بعدها ذراعه وهي تلتقط علبة الحبوب من على المنضدة الجانبية ، لتُخرج عندها حبة دواء صغيرة منها وهي تعيد العلبة لمكانها قبل ان تمسك بأبريق الماء وهي تسكبه بالكأس بجانبه بحذر ، مدت بعدها قرص الدواء امام والدها وهي تعيد الابريق لمكانه فوق المنضدة قائلة بابتسامة رقيقة
"لقد حان موعد الدواء يا ابي ، وعليك ألا تتأخر بتناوله كما قال الطبيب"

اتسعت ابتسامة (جلال) بشحوب وهي تحفر بوجهه بوهن واضح قبل ان يلتقط قرص الدواء من كفها وهو يقربها لشفتيه ليلقي بها بفمه بصمت وانصياع تام فهو يعلم جيدا نتائج اعتراضه فهي لن تتركه وشأنه قبل ان يتناول دواءه على الموعد المحدد وكما قال الطبيب ، بينما قدمت (صفاء) كأس الماء امامه ليلتقطها منها كذلك وامام نظراتها الحزينة مترافقة مع ابتسامة صغيرة بحنية نابعة من قلبها المفطور على والدها والذي اصبح اضعف واوهن من أي مرة بعد ان سيطر عليه المرض تماما بدون أي رحمة ليظهره اكبر من عمره الحقيقي بكثير .

لم ينتبه احد منهما للواقف بجمود والذي تحرك نحوهما بخطوات متمهلة بثبات قبل ان يرتمي بلحظات جالسا على الأريكة المقابلة لأريكة والده بارتياح وهو يتمتم ببساطة
"اذهبي وحضري طعام العشاء يا صفاء فأنا اشعر بالجوع الشديد ينهش امعائي الفارغة منذ أيام"

عبست ملامحها بامتعاض قبل ان تحيد بنظراتها نحو والدها والذي كان يبتسم لها بهدوء شاحب ، لتنسحب بعدها بعيدا عنهما بصمت باتجاه المطبخ بنهاية البهو بدون ان تعود للالتفات لهما ، ونظرات والدها تلاحقها بتركيز وهو يضع الكأس فوق الطاولة امامه بهدوء ، لينقل بعدها نظراته لابنه البكر وهو يشرد به بتفكير وقد وصل عمره للثامنة والعشرين وهو ما يزال يمرح هنا وهناك بدون ان يحدد هدفه بالحياة او ان يعتمد على نفسه بشيء ، قال (جلال) فجأة بحدة وهو ينظر له بتركيز غامض
"إذاً اخبرني ما لذي اعادك للمنزل بعد ان تركته منذ شجارك مع والدك ، ام تظنه منزلك ترحل منه وتعود إليه ريثما تشاء"

ادار (مازن) عينيه بعيدا عنه وهو يتمتم بابتسامة باردة باستخفاف
"لما كل هذا الغضب يا جلال فهذه ليست أول مرة نتشاجر فيها معا وأغيب عن المنزل ، وايضا لقد قلقت عليك من ان تصيبك نوبة قلبية جديدة ، لذا عدتُ إلى هنا على وجه السرعة لأطمئن عليك ام غير مسموح لي بالاطمئنان على صحتك"

ردّ عليه (جلال) بصرامة قاطعة وهو يسند قبضتيه من فوق ركبتيه
"احترم نفسك يا مازن وتذكر مع من تتكلم يا وقح ، وايضا من طلب منك ان تقلق عليّ او تأتي للاطمئنان على صحتي وانت تعلم بأنك المسبب الرئيسي لحالتي هذه ، ولكن لما اتعب نفسي بكل هذا الكلام ولا شيء يجدي معك ابدا"

اسند (مازن) ذقنه فوق قبضته بكسل وهو يهمس بملل ونفاذ صبر
"انت على حق يا ابي الكلام لا يجدي معي ابدا ، لذا ارجوك ان تتوقف عن تكرار نفس الأسطوانة معي فقد مللت منها حقا"

تنفس (جلال) بهدوء متعب وهو يرفع كفه لصدره المهتز بارتجاف وهو يخفض نظره لقبضته المشدودة بقوة ، قال بعدها بصلابة جادة وهو يعود بنظره لابنه بجمود
"اسمع يا ولد ، سأمنحك فرصة أخرى لتثبت لي حقا بأنك ابني من صلبي ودمي ، وستفعل هذا بعملك معي بدار النشر ولا يهمني الوظيفة والتي ستعمل بها هناك فأهم شيء عندي ان يتوقف هذا التهريج عند حده ، وهذه المرة اي خطأ سيصدر منك لن تتوقع عندها ما ستكون عليه ردة فعلي"

التفت (مازن) بوجهه نحو والده ببطء شديد وهو ينظر له ببرود قبل ان يقول بغموض خافت
"أنسيت ماذا حدث يا أبي بآخر مرة عملتُ فيها معك بدار النشر الخاص بك"

تصلبت ملامح (جلال) وهو يتمتم بحزم قاطع
"لن يتكرر هذا مجددا لأني هذه المرة سأضع لك قوانين صارمة وانت عليك بالالتزام بها لتستطيع عندها العيش معنا بهذا المنزل ، وهذا هو الثمن والذي عليك ان تدفعه لأتقبل وجودك معي بمنزلي وغير هذا لا تتوقع مني ان ارحب بك بالمنزل"

كان (مازن) ينظر له ببرود جليدي بدون ان يظهر على ملامحه اي تعبير مقروء ، ليتابع بعدها والده كلامه وهو يقول بجدية هادئة
"وشيء آخر لقد وجدت لك الزوجة المناسبة لنا تماما والقريبة من مستوانا ، لتستطيع معها الاستقرار بحياتك اخيرا وتحمل بعض مسؤوليات الحياة بجانبها ، فقد اصبحت بعمر مناسب جدا لتبني عائلة خاصة بك وتحضر الاولاد...."

قاطعه (مازن) بجفاء حاد وهو ينظر بعيدا عنه
"طلبك مرفوض"

ردّ عليه والده بانفعال حاد وهو يحرك ساقيه بعصبية بالغة
"ولما ترفض اخبرني ، ما لمانع بزواجك وجميع من هم اصغر منك سنا قد اصبح لديهم عائلة كاملة لا ينقصها شيء ، بينما انت تضيع سنوات حياتك بلا شيء ، ام لا تريدني ان افرح بأحفادي قبل موتي"

ابتسم (مازن) بسخافة وهو يقول ببرود مستفز بدون ان ينظر إليه
"بعيد الشر عنك يا كبير العائلة ، ولكني لا اريد الزواج الآن بل سأتزوج بالوقت الذي أراه مناسبا لي ومع الشخص الذي أراه يناسبني ، فهذه الحياة تخصني انا وحدي ولا احد يستطيع التدخل بها"

ادار (جلال) وجهه بعيدا عن ابنه وهو يتنفس بإنهاك وببعض الصداع والذي اصبح يداهمه مؤخرا بكل مرة يدخل بجدال مع ابنه والذي لا يفهم كيف هي طبيعة تفكيره ابدا ؟ بينما شرد (مازن) بأفكاره بعيدا جدا وهو يشعل سيجارة اخرجها من جيبه وهو يشعلها بعود كبريت لينفث بعدها دخانها بشرود وابتسامة جانبية خبيثة تعلو ملامحه ببطء وكل ما يدور بذهنه الآن هي صورة عينان بحريتان تنظران له بكل كره العالم اعتاد على رؤيتهما فيها منذ سنوات طويلة حتى اصبحت جزء من ممتلكاته الخاصة منذ الأزل ولن يتنازل عنها بسهولة مهما حدث .

____________________________
كانت تسير بخطى متخاذلة باتجاه بوابة المنزل الداخلية بعد ان اجتازت البوابة الخارجية بصمت قاتم ونظراتها معلقة بالأرض والتي تدوس عليها بهدوء كهدوء الليل من حولها وهي تشعر بكل الأعباء والتي كانت تتحملها لسنوات تزداد حملا على ظهرها حتى كادت تقسمه لنصفين وجميع خيوط الأمل والتي كانوا يملكونها من قبل قد بدأت بالتسرب من بين ايديهم تدريجيا حتى لم يتبقى لهم شيء يتشبثون به للنجاة بهذه الحياة ، توقفت بهدوء امام درجات السلم القليلة للباب وهي ترفع كفها بهدوء لتمسح بها عينيها الخضراوين بتشوش اصبح يغيم على نظراتها بعد يوم طويل متعب من التنقل بين المدارس الواحدة تلو الأخرى املاً بالوصول للمدرسة والتي تتقبل وجودها فيها ، اخفضت بعدها كفها لترفع قدمها بثبات وهي تحاول صعود الدرجات بكل ما تستطيع من اتزان فقدته بأثقال الحياة ليتحول لاختلال احتل كل طرف من اطراف جسدها المنهك .

لم تنتبه عندما توقفت بسبب الجسد والذي اعاق عليها الطريق وهو يظهر امامها فجأة عند آخر عتبة صعدتها للتو ، ليختل عندها توازنها تلقائياً وهي تتراجع للخلف درجتين من السلم ودوار طفيف بدأ يلفها بقوة مانعا لها من استرجاع توازنها والتشبث بالأرض والتي بدأت تشعر بها تطير بعيدا عن قدميها .

"روميساء افيقي ، هل انتِ بخير"

تغضنت ملامحها بشحوب عندما اخترق الصوت الهادئ بصرامة غمامة دوارها والتي شوشت ذهنها تماما ، لتفتح بعدها عينيها بضيق نصف فتحة ليقابلها عينين رماديتان معتمتين بقتامة تنظران لها بقوة اخترقت هشاشة عينيها الشاحبة وبعض الاحمرار كان يغزو بعض اطراف احداقها المستديرة ، بينما كان (احمد) شارد بشحوب ملامحها الواضح وهالات سوداء طفيفة تحتل اسفل عينيها وفوق جفنيها الواسعين لتحيط بهما حدقتيها الخضراوين مع الاحمرار والذي زاد فتنتهما .

انتفضت (روميساء) بسرعة وهي تفتح عينيها على اتساعهما بانشداه لتخفض عندها نظرها للأسفل وهي تكتشف بأنها محمولة بين ذراعيه بدون ان تشعر ، لتقول بعدها بضيق وببعض الوجل
"لو سمحت هلا انزلتني للأرض رجاءً ، لأستطيع الوقوف لوحدي"

افاق (احمد) من افكاره قبل ان ينظر للأسفل بتفكير وهو يتمتم بوجوم
"هل حقا تستطيعين الوقوف لوحدكِ الآن لأنك كدتِ تقعين عن درجات السلم من صدمة رؤيتكِ لي ، وانا حتى لم ألمسكِ بجسدي بعد"

تنفست (روميساء) بإنهاك وهي تلعن حظها والذي يجعلها دائما تتقابل مع نفس الشخص وبكل مرة تصطدم به لتكتمل صورتها الخرقاء امامه ، قالت بعدها بحدة خافتة وهي تحاول التلوي بضعف بين ذراعيه
"ارجوك يا سيد احمد انزلني ، منظرنا هكذا لا يليق ابدا بسمعة عائلتك وقد يظنون بنا السوء"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يشدد من ضم جسدها اكثر وكلمة سيد تضرب لباقته معها بالصميم ، ليقول عندها بجفاء وهو ينظر لها بقوة
"ولكنها عائلتكِ انتِ كذلك ، وهذا يعني بأن سمعتكِ انتِ ايضا ستتأثر"

اتسعت عينيه الرمادية بتركيز وهو ينظر لارتجاف حدقتيها بخضار باهت قبل ان تهمس بشرود حزين استشفه بصوتها المنغم
"لن تتأثر اكثر مما هي متأثرة به يا سيد احمد"

عاد (احمد) لعبوسه وهي تصر على مناداته بلقب سيد وبكل مرة يشعر بنفس الصدمة وكأن احدهم قد ضربه على رأسه للتو بمطرقة من حديد ، ليقول بعدها بتصلب وهو يبتسم بصعوبة امام نظراتها الحائرة
"إلى متى ستبقين تناديني بلقب سيد وكأني شخص غريب عنكِ"

انفرجت شفتيها الممتلئتين ببلاهة وهي تهمس بانشداه
"ماذا..."

قاطعها صوت انثوي بارتفاع وهو يقول من خلفه عند باب المنزل بقوة
"احمد ماذا تفعل..."

ابتلعت (سلوى) المتبقي من كلامها بصدمة وملامحها تتحول بلحظة للغيض الشديد والذي ينبأ على نواياها بأحراق الاخضر واليابس من حولهما وهي تنظر لزوجها يحمل ابنة خاله بين ذراعيه بكل اريحية ، بينما تمالكت (روميساء) نفسها وهي تتملص بين ذراعيه بشراسة وقوة تداهمها لأول مرة من فعل الصدمة والخوف من هيئة زوجته الشرسة والتي تبدو عليها إمارات الجنون ، ليفلتها بعدها (احمد) رغما عنه بهدوء وهو ينزلها على الأرض برفق شديد ، وما ان فعل هذا حتى ابتعدت (روميساء) بسرعة عنه وهي تدفع ذراعيه بعيدا عنها لتعدل من خصلات شعرها السوداء للخلف بارتباك .

تقدمت (سلوى) نحوهما عند مدخل المنزل بخطوات جامدة ونظراتها معلقة ب(روميساء) بتركيز حاد ، لتقف بعدها امامهما وهي تنقل نظراتها بينهما ببرود جليدي يخفي من خلفه الكثير ، وما ان كانت على وشك الكلام بجنون ظاهر بوضوح على ملامحها حتى قاطعتها (روميساء) وهي تقول بخفوت شديد بدون ان تنظر أليهما
"عن اذنكما"

انسحبت بعدها بسرعة بعيدا عن نظراتهما قبل ان تسمع اي تعليق منهما وهي تشعر بأن قوتها قد خارت تماما امام كل هذا الضغط والذي تعرضت له لليوم ولا ينقصها المزيد من الشد والعطا مع اي فرد من افراد العائلة الغريبة بكل شيء يصدر منهم .

صرخت (سلوى) فجأة وهي ما تزال تتابع مسار خطواتها من مكانها
"توقفي بمكانكِ يا ابنة المجرم فأنا لم انهي كلامي معكِ بعد ، إياكِ وأن تتجاهليني..."

قاطعها (احمد) وهو يمسك بذراعها بصرامة حادة
"اتركيها وشأنها يا سلوى فهي لم تفعل شيء لتحقدي عليها هكذا"

استدارت نحوه بعنفوان مشتعل وهي تدفع كفه بعيدا عنها وبعد ان اختفت (روميساء) عن انظارهما بداخل البهو الواسع ، قالت بعدها باستهزاء واضح وحدقتيها تنظران له باشتعال ناري
"ومن الذي فعل إذاً ، هيا اجبني يا احمد من الذي كان يحمل تلك الفتاة بين ذراعيه وامام مدخل المنزل ايضا وكأنه كان ينتظر مجيئ الاميرة للمنزل بفارغ الصبر"

امتقعت ملامحه فجأة من كلامها السافر بحقهما قبل ان يقول باستنكار حانق
"اخرسي يا سلوى واسمعي ما سأقوله لكِ قبل ان تحكمي على ما حدث من تفكيرك المريض وما يوهمه لكِ به عقلكِ الصغير ، فهذا الكلام لا يخرج ابدا من زوجة محترمة تثق بزوجها اكثر من نفسها"

عضت (سلوى) على طرف شفتيها بغيض وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها لتهمس بعدها بعصبية بالغة
"وماذا تتوقع مني ان افعل مثلا وانا أرى زوجي يحمل فتاة أخرى بين ذراعيه"

حرك عينيه بعيدا عنها بملل وهو يقول بتصلب مشتد
"كان عليكِ الاستفسار اولاً والسؤال قبل ان تطلقي لسانكِ الأحمق كالمبرد ، وبالمناسبة تلك تكون ابنة خالي وليست فتاة غريبة"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بحقد دفين بدون ان تمنع نفسها
"ولكنها بالرغم من ذلك تبقى فتاة غريبة عن العائلة ومن بيئة ومستوى مختلف عنا تماما ، وهذا النوع يستطيع جذب اعجاب الجنس الآخر له بكل سهولة وباستخدام حيلهن الرخيصة والمقنعة للرجال الاثرياء"

ارتفع حاجبيه بصدمة وهو يستمع لصوتها الساخر بعدم تصديق ، ليقول بعدها بشراسة وهو يرفع كفه ليمسك بذقنها بقسوة ليديره نحوها بقوة
"أتسمعين نفسكِ وانتِ تتفوهين بهذا الكلام والذي لا يخرج ابدا من امرأة محترمة ، لقد سامحتكِ على لقب ابنة المجرم والذي اطلقته عليها ولكن اي تجاوزات أخرى بحقها لن ارحمكِ بها ابدا يا سلوى ، وإذا كررتِ هذا الكلام امامي مرة أخرى فلن تتوقعي عندها ردة فعلي"

ردت عليه بعبوس حانق
"كل هذا من اجل ابنة المجرم ، انا لم اقل شيئاً سوى الحقيقة والتي عليكم جميعا تقبلها..."

قاطعها بصراخ مرتفع ارجف بدنها وهو يخرج منه لأول مرة
"كفى"

صمتت (سلوى) بالفعل ليدفعها (احمد) من ذقنها بعيدا بالجهة الأخرى بقسوة قبل ان يسير بعيدا عنها بثبات وهو يحاول ضبط اعصابه والتي انفلتت منه لأول مرة وهو المعتاد على وقاحة زوجته وطول لسانها منذ فترة طويلة ليفقد عندها اعصابه دفعة واحدة ما ان اخطئت بالكلام بحق (روميساء) امامه ، بينما كانت (سلوى) تصرخ من خلفه بانفعال متشنج
"انتظر يا احمد واسمع ما سأقوله ارجوك ، فأنت لا تفهم ما اريد ان اوصله لك"

ولكن (احمد) كان قد تجاهلها تماما وهو مستمر بالسير بعيدا عنها قبل ان يختفي عن نظرها تماما بداخل ظلام البهو الموحش ، لتضرب بعدها أرض المدخل بقدميها بغيض مشتعل وهي تتنفس بقوة ولهيب ، ولأول مرة بحياتها تشعر بالنقص بجانب زوجها المثالي والذي لن يكمله سوى وجود طفل صغير يحمل اسمه ويضمن بقاءها معه بهذه العائلة ، فيبدو بأن تهديد خسارته قد اصبح قريبا جدا بعد خمس سنوات من العيش معه بثبات وهدوء وبدون اي اطفال يحملون لقب العائلة .

______________________________
فتحت باب الغرفة بهدوء ليقابلها سريرين منفصلين بجانب بعضهما البعض مع ردهة واسعة بالغرفة والتي اقل ما يقال عنها بأنها اجمل غرفة رأتها بحياتها وهي تجمع منزل بأكمله بغرفة واحدة والمتناقضة تماما عن شكل غرفتهما السابقة والتي لا تصل لربع هذه الغرفة ، استمرت بالتنقل بنظرها بزوايا الغرفة بانشداه منبهر قبل ان تصل بنظرها للتي كانت تتوقع رؤيتها بأية لحظة وهي تأخذ حيزا كبيرا بحياتها ومن لم تبارح تفكيرها منذ خسارتها للعمل ، فكل آمالهما والتي رسماها معا ضاعت بخسارتها للعمل نهائياً .

ابتسمت بحزن وهي تنظر لجلوسها المتكور بمنتصف السرير كعادتها وهي تدفن وجهها بين ساقيها لتطوقهما بين ذراعيها وشعرها متحرر حول رأسها وكأنها بهذه الطريقة تفصل نفسها عن العالم من حولها بدون ان تعرف السبب لتعلقها بهذه العادة ، وهي من طلبت من الخدم تجهيز غرفة مشتركة لهما بدلا من فصلهما كل واحدة بغرفة فهي لن تستطيع ان تنام براحة قبل ان تطمئن على شقيقتها الصغرى والجزء الملتصق بها دائما منذ ولادتها .

تقدمت (روميساء) نحو سريرها بحذر قبل ان تقف بجانبها تماما لتمسك عندها برأس شقيقتها بذراعها وهي تعيده للخلف لتسنده بذراعها الآخر وهي تعيد جسدها للخلف على طول السرير قبل ان تضع رأسها فوق الوسادة برفق شديد ، استقامت بعدها بوقوفها وهي تمسك بساقيها بكفيها معا لتحنيهما على استقامتهما بهدوء لتريحهما على ملاءة السرير من تحتها .

تنهدت (روميساء) بهدوء وهي تحدق بوجهها المتصلب الساكن حتى بنومها والذي لم يمنع جمال ملامحها الباردة من الظهور امامها ليذكرها دائما بصورة والدتها والتي حفرت بداخل شقيقتها الصغرى كوصم لا يزول ، جلست بعدها على طرف السرير لترفع كفها بهدوء وهي تربت على خصلات شعرها بصمت قاتم دام لدقائق ليتضامن مع سكون المكان من حولها بالغرفة الموحشة والشبيهة بغرف القصور ، وما ان كانت ستبعد كفها عن رأسها حتى شعرت بكف تمسك بمعصمها بقوة قبل ان تلتفت بسرعة نحوها بصدمة وهي تكتشف عدم نومها للآن ، وهي التي نسيت بأن (ماسة) غير معتادة على النوم بوقت مبكر وقبل موعد منتصف الليل .

استقامت (ماسة) بجلوسها من على السرير وهي تنظر لها بأحداق قاتمة بتركيز قبل ان تفلت معصمها وهي تهمس بجمود خافت
"لما تأخرتِ بالعودة للمنزل"

ادارت (روميساء) وجهها بعيدا عنها وهي تقول بابتسامة شاحبة
"لقد تأخرتُ بالعمل ، ولم يكن عليكِ انتظاري لهذه الساعة بل كان عليكِ الخلود للنوم من اجل الاستيقاظ مبكرا للذهاب لجامعتك غدا"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بوجوم حاد
"لما تكذبين عليّ ولا تصارحيني بالحقيقة ، وبأنكِ قد خسرتِ عملكِ بالمدرسة بسبب سمعة بنات المجرم"

زمت (روميساء) شفتيها الممتلئتين بمرارة وهي تشعر بنفس الألم والذي شعرت به عندما اعلموها بطردها من العمل بكل دناءة واجحاف وبدون سماع اي تبرير يخصها وكأنهم قد سلموا بالأمر وبأنها مجرمة مثل زوج والدتها ، لتلتفت بعدها بسرعة نحو (ماسة) ما ان نطقت بكل شر وكل الحقد متجمع بحدقتيها القاتمة
"إذاً فقد فعلوها الأنذال وهذا ليس بعيد عنهم ، ما ان خسرتِ دعم قيس والذي ضمن لكِ الوظيفة حتى تخلوا عنكِ فورا وبدون أي تفكير بالعشرة وكل الوقت والذي قضيته بخدمة مدرستهم العتيقة ، فما كان يدفعهم لتوظيفكِ هو الخوف من بطش قيس فهو بالنهاية رجل عصابة لا يستهان به وليس من الجيد قلبه ضدهم ، فكل ما يهمهم هي السمعة والمظاهر بدون ان ينظروا لماضيهم الأسود والملطخ بالعار"

اتسعت عينيّ (روميساء) بجزع قبل ان تمسك بكتفيها بقوة وهي تتمتم بصرامة حادة
"إياكِ وان تفكري بفعل اي حركة خرقاء نحوهم ، فهذه ليست المدرسة الوحيدة بالعالم والتي سأتوظف بها ، وخسارتي للعمل عندهم ليس نهاية العالم"

عبست ملامح (ماسة) وهي تقول بجفاء بارد
"حقا ليست المدرسة الوحيدة ، اراهن بأنكِ لم تجدي للآن المدرسة والتي توافق على توظيفك"

ضيقت (ماسة) عينيها الزرقاء بحدة وهي تنظر لملامح شقيقتها الحزينة والقريبة للانكسار والتي كانت تتوقعها طول اليوم فهذه هي نتائج السمعة السيئة والتي عانوا منها كثيرا فيما مضى وللآن ما تزالوا تؤثر على حياتهما بسلبية ، قبضت بعدها على كفيها بقوة وهي تهمس بلا تعبير فقط حدقتيها تنظران بعيدا بشرود
"لقد قررت يا روميساء ، انا سأعمل"

رفعت (روميساء) نظراتها نحوها بعدم تصديق لما تسمعه منها لأول مرة ، لتنطق بعدها باستنكار واجم وهي تشدد من القبض على كتفيها
"هل جننتِ يا ماسة ، تريدين ان تعملي بهذا السن بدلا من ان تهتمي بدراستكِ الجامعية والتي تكون أهم عندكِ من كل اعباء العمل"

ردت عليها (ماسة) ببرود وهي تدير احداقها نحوها بلا مبالاة
"وما لمانع وانتِ كنتِ تعملين بالماضي بمحلات بقالة بسن الخامسة عشرة فقط"

صمتت (روميساء) بوجوم حزين للحظات والذكريات السوداء بدأت باجتياحهما لتكون ثالثهما بالغرفة الموحشة بسكون ، قالت بعدها قاطعة الصمت الطويل بقوة وحزم
"ولكنكِ تعلمين جيدا ما لظروف والتي كنا نمر بها بوقتها والتي ارغمتني على العمل ثمن العيش بمنزل يحتوينا بسلام ، ام تظنيني كنتُ سعيدة بذلك العمل"

اخفضت (ماسة) عينيها بهدوء وهي تتمتم بابتسامة غامضة
"ولكنه يبقى افضل من العمل خادمة تحت اقدامهم حتى اصبحتُ بساط قذر تحت افعالهم الدنيئة"

عقدت (روميساء) حاجبيها بريبة وهي ما تزال تدلك على كتفيها بهدوء هامسة بخفوت
"ماذا قلتِ للتو"

رفعت (ماسة) رأسها بسرعة وهي تبعد كفيها عن كتفيها بصمت قبل ان تتمتم بتصلب
"كنتُ اقول بأنني سأعمل وهذا القرار لا رجعة فيه ، وحتى تجدي عمل جديد بمدرسة أخرى انا لن افكر بترك العمل ابدا ، فهذا الحال لم يعد يطاق ابدا فأما ان نرحل من هنا بمهلة اسبوع لا اكثر ، وأما ان نعود لمنزل قيس فأنا اُفضله اكثر من هذا القصر الموحش كأصحابه والذي لا يمت بالبيئة الوضيعة والتي تربينا عليها بصلة"

زفرت (روميساء) انفاسها بإنهاك وهي ترفع كفها لجبينها لتمسد عليه بهدوء وتفكير ، قالت بعدها بلحظات بابتسامة هادئة بتعب
"حسنا يا ماسة سأدعكِ تنفذين ما برأسكِ ، ولكن هذا سيحدث بشرط وهو بأنكِ لن تحاولي العمل بأي مجال قبل ان نفقد الأمل تماما بإيجاد مدرسة توظفني عندها"

حركت (ماسة) رأسها بشرود صامت بدون ان تنظر لها وهي ساهمة بعالم آخر بعيدا عن الجميع ، لتنهض بعدها (روميساء) عن طرف السرير وهي تنظر لها بوجوم قبل ان ترفع كفها لتربت على رأسها بصمت وهي تهمس بخفوت مبتسم
"تصبحين على خير يا ماسة"

لم تردّ عليها (ماسة) بشيء وكأنها لم تعد تسمع اي شيء مما يدور من حولها وهي تنظر بعيدا عنها بتجمد حول ملامحها للرخام البارد ، لتنسحب بعدها (روميساء) ببطء وهي تخفض كفها عن رأسها قبل ان تخلع الحقيبة عن كتفها لتلقي بها على السرير بإهمال ، بينما عادت (ماسة) لتطويق ساقيها بذراعيها بقوة وهي تتنفس باضطراب متهدج ملئ سكون الغرفة بصوت انفاسها الباردة .

مرت لحظات واجمة على كليهما قبل ان تحيد بنظراتها نحو (روميساء) والتي كانت تُخرج ملابس مريحة من حقيبة ملابسهما والملقاة ارضا بزوايا الغرفة لتتجه بعدها للحمام الملحق قبل ان تقفل الباب من خلفها بهدوء ، اخفضت بعدها نظراتها بضعف لا تظهره سوى امام نفسها عندما تحاصرها هموم الحياة ومشقاتها وعندما تلفها الوحدة لتكون انيسها الوحيد طول الليل ، فلن يستطيع اي احد ان يفهمها اكثر من وحدتها والتي تعاملت معها منذ سنوات وهي تُخرج لها كل ما يعتمل بصدرها بدون اي خوف بعيدا عن حياة شقيقتها والتي دائما ما تكون حافلة بمواجهة العالم من الخارج بينما هي محبوسة بجدران خدمة ابشع المخلوقات على سطح الأرض .

رفعت ذراعها بارتجاف نحو نظرها وهي تبتسم بهدوء لعلامات طبعت بداخلها لتبقي آثارها على ذراعها وهي عبارة عن حروق صغيرة منتشرة على طول بشرتها بفعل سيجارة كان يطفئها ببشرة ذراعها كعقاب على عصيان اوامره حتى تحولت لخريطة ستلاحقها لبقية حياتها القادمة لتذكرها بدناءة البشر وما يحملونه بقلوبهم من بشاعة سيفيض بها سطح الكوكب بأكمله .

نهاية الفصل.............

روز علي 06-03-21 07:28 PM

الفصل الرابع
 
الفصل الرابع..................
خرجت من الحافلة بسرعة وهي تسير بثبات بطرقات الحيّ والتي حفظتها عن ظهر قلب بينما كانت تمسك بمقدمة قبعتها الخاصة بالفتيان وهي تتنقل بنظرها بجميع من حولها بحذر وبكل من تصطدم بهم عن قصد ، فكل ما يهمها الآن ان لا تُكشف هويتها امامهم بعد ان اصبحت معروفة بالسمعة السيئة والتي اهداها لهم زوج والدتها قبل دخوله للسجن ، ولن تخرج من هذا الحيّ قبل ان تحصل على ما أتت من اجله .

وصلت بالنهاية للشقة القديمة والخاصة بزوج والدتها وهي ما تزال كما هي على حالتها والذي يرثى لها فيبدو بأنها بالنهاية لم تعجب احدا لتأجر له من قاطنين الحيّ ، وهذا كان من حسن حظها فما تزال هناك امور عالقة بالمنزل وعليها استعادتها والتي لم تجد لها أثر بالحقائب والتي احضروها معهم .

سارت بسرعة باتجاه الشقة قبل ان تفتح الباب الصدئ والموصد بمفتاح الشقة والذي ما يزال بحوزتها للآن قبل ان تدسه بجيب بنطالها الجينز وهي تدخل للشقة بصمت ، لتشعر بعدها بغمامة حزن غريبة مترافقة مع غيوم من الغبار وهي تحوم بالمكان وكأنها قد غابت عن المنزل لمدة سنين وليس مجرد يومين ، اغلقت الباب من خلفها بهدوء لتسير من فورها نحو بهو المنزل الصغير وهي تشعر بأنفاسها ستزهق من رائحة غبار الطلع والذي يملئ المكان على غير العادة بالرغم من حرصها اليومي على تنظيف هذا المكان وتعزيله فيما مضى ولكنه يعود ويتحول لمكان قذر ولا يطاق العيش فيه ابدا فهذا عائد للبناء المتهالك والضعيف وللشقق بأقذر مكان على وجه الأرض .

تنفست بهدوء وهي تحاول حبس اكبر قدر من الهواء النظيف والمتبقي بهذه الأجواء ، لتتجه بعدها لغرفتها وهي تفتح بابها بهدوء قبل ان يقابلها الفراشين المقابلين لبعضهما والذين كانا ينامان عليهما من قبل ، تجاهلت النظر لمحتويات الغرفة والمليئة بالغبار وهي تسير للداخل بحذر قبل ان تجثو على ركبتيها امام فراشها بهدوء ، لترفع بعدها كفها بتوجس وهي تدسها داخل بطانية الفراش الناعمة قبل ان تُخرج منها مفكرة صغيرة بلون الوردي وبعض الغبار يحتل غلافها الباهت وقد كانت تكتب عليها كل ذكرياتها واحداث الأيام منذ طفولتها وهي تتنقل معها لكل مكان تذهب إليه ومن منزل لآخر وستلحقها الآن لمنزل المدعو خالها ، فلم تستطع النوم جيدا باليومين السابقين بسبب عدم كتابة ما يدور برأسها بمفكرتها الصغيرة .

شددت من القبض على مفكرتها بكفيها معا وهي تتصفح بها قبل ان تتوقف عند الصفحة والتي تحوي شفرة صغيرة حادة بشكل مستطيل تستطيع تمزيق اي شيء تلمسه وقد كانت دائما سلاح فعال تستخدمه بطفولتها لتحمي نفسها من دناءة البشر والتي لم تتركها وشأنها لسنوات وخاصة من اصدقاء (قيس) والذين كان دائما يجلبهم معه لمنزله لتضطر عندها لتحمل كل مضايقاتهم وخدمتهم بكل طيبة قلب مرغمة عليها فهذا كان دورها الثابت بمنزله ، نقلت نظرها لأوراق المفكرة وهي تلمح بعض الأوراق المالية والظاهرة من بين صفحات المفكرة والتي كانت تخبئها بمكانها السري لوقت الأزمات بدون ان يعلم عنها احد ، لتخفض بعدها كفها وهي تدس الأوراق المالية بقوة لداخل صفحات المفكرة بجمود حتى اختفت عن مرأى نظرها تماما .

انتفضت واقفة على قدميها وهي تغلق المفكرة على الشفرة بقوة ما ان سمعت صوت خطوات خافتة قادمة من خارج الغرفة ، لتعقد عندها حاجبيها بتوجس وهي تفكر بهوية المزعج والذي تجرأ على دخول المنزل مع عدم وجود اصحابه ، فهي تعلم علم اليقين بأن صاحب البناية لا يأتي للاستطلاع على شققه بنفسه بل الزبائن هم من يذهبون لمنزله للاتفاق معه على تأجير الشقق لهم ، فمن معرفتها عنه انه اكسل واطمع من ان يأتي ليلقي ولو نظرة واحدة على شققه والمستأجرين فيها وقد عرفت هذا بسبب تحملها مسؤولية دفع الإيجار له .

تقدمت (ماسة) بجمود لباب الغرفة وهي تخرج السكين من جيب بنطالها الخلفي بهدوء ، وما ان خرجت من الغرفة حتى قابلها الصمت القاتم والذي خيم على كل زوايا الشقة بغموض ، زمت شفتيها بجزع وهي تشعر بارتجاف يحتل كل اجزاء جسدها كعلامة غير مبشرة وغير محمودة العواقب ، وما ان التفتت قليلا برأسها جانبا حتى شعرت بذراع تطوق عنقها برفق من الخلف وانفاس تهدر فوق رأسها هامسا بانفعال خافت
"لقد تأخرتِ كالعادة وانا قد سبقتكِ بخطوة ، لذا اعلني عن انهزامك بسرعة وألقي بسلاح الجريمة"

تصلبت ملامحها بغضب وهي تحاول التلوي بعيدا عن ذراعه الخانقة لعنقها ، لتشعر بعدها بسكين حاد تلامس اذنها بهدوء ورفق والصوت يعود ليهدر بأذنها بفحيح
"إياكِ وان تفعلي اي حركة خرقاء ستعاقبين عليها بشدة ، أنسيتِ قوانين اللعبة والتي وضعتها بنفسكِ ذات يوم"

زفرت أنفاسها بهدوء قبل ان تلقي بالسكين بعيدا بغضب ، ليقول بعدها بابتسامة عريضة شعرت بها بصوته
"احسنتِ هكذا اريدكِ دائما"

ابتسمت (ماسة) ببرود قبل ان ترفع ذراعها برفق لتدس مرفقها بمعدته من الخلف بقوة حتى أفلتها اخيرا وهو يتراجع للخلف ضاحكا باستمتاع مستفز ، لتستدير بعدها نحوه بسرعة بعنفوان وهي ترفع كفها لتعدل من اتجاه قبعتها من فوق رأسها وهو ما يزال مستمر بضحكه الساذج قائلا بابتسامة جانبية مهتزة
"لقد خرقتي قوانين اللعبة عندما استخدمتِ سلاح آخر من اطراف جسدك ضد خصمك"

انحنت (ماسة) على ركبتيها لتلتقط السكين من على الأرض وهي تتمتم بلا مبالاة
"انا من وضعتُ قوانين تلك اللعبة ، لذا من حقي ان اعدل من قوانينها كما يحلو لي"

توقف (مازن) عن الضحك وهو يحاول ضبط انفاسه ناظرا لرأسها المحني وللقبعة الرجالية من فوق رأسها ، ليقول بعدها بابتسامة صغيرة بتباطء
"وانا لا امانع هذا من الطفلة والتي غلبتني ذات يوم بمصارعة الأيدي ، فكل شيء رائع من دمية قيس"

تجمدت ملامحها ببرود كالصخر وقبل ان تعود لتقف على قدميها كان قد سحب القبعة من فوق رأسها بخفة وشعرها معقود لفوق رأسها بأحكام بدون ان تسقط منه اي خصلة ، لتتسع بعدها عينيها بغضب اهوج وهي تمد يدها لتلتقط قبعتها منه قبل ان يعود للخلف وهو يقول بتسلية ملوحا بالقبعة بكفه
"اريد ان افهم امرا واحدا لما ترتدي دمية قيس قبعة للفتيان ام اختفت كل القبعات الخاصة بالفتيات من العالم ، ولما تحتاجين اصلا لارتدائها ، هل يعقل بأنكِ تتخفين بها"

عضت (ماسة) على طرف شفتيها بغيض من وقاحته الا متناهية معها والمعتادة عليها منه منذ سنوات وهي تقبض على المفكرة مع السكين بقبضة واحدة بقوة ، عادت بعدها لمد كفها الحرة نحوه بحزم وهي تتمتم ببحة غاضبة لا تظهر بصوتها ألا عندما يصل الغضب عندها لأوجهه
"اعد لي قبعتي فورا يا مازن ، وإياك وان تحشر نفسك بما لا يعنيك فليس لديك الحق بسؤالي عن اي شيء يخصني يا ابن جلال"

اتسعت ابتسامة (مازن) باستفزاز وهو يفترسها بنظراته قائلا بانبهار مصطنع
"كم اعشق نبرة صوتكِ الغاضبة وانتِ تنطقين باسمي ، فهي تشكل لدي نغمة عذبة تخترق روحي على الفور"

ردت عليه بعبوس متجهم وهي تخفض كفها بمكانها
"لا فائدة ترجى منك فالمختل سيبقى مختل طوال حياته ، ولن احاول مجاراتك اكثر من هذا فأنت لست من مستواي"

قال (مازن) وقد عبست زاوية من شفتيه بغموض
"هل افهم من هذا الكلام بأنكِ الآن لم تعودي من مستواي بعد ان انتقلتِ لمنزل قريبك الثري ، ولكنك نسيتِ بأنه مهما حاولتِ تغيير اصلك ومكان سكنك فستبقى طبيعتك الثائرة والتي تربيتِ عليها معي تسيطر عليكِ وليس هناك مهرب منها ، وهذا واضح من طريقتكِ باستقبالي يا دمية قيس"

كانت (ماسة) تنظر له بتصلب جمد احداقها الزرقاء حتى تحولت لأحجار منحوتة بالرخام بدون ان تظهر اي مشاعر وهو يذكرها بطبيعتها والتي اعتادت عليها منذ الصغر وليس من السهل ترويضها مجددا فقد عانت كثيرا لتصبح على هذه الصورة الصلبة والتي لا تهزها شيء ، بينما كان (مازن) ما يزال يراقبها بتمعن خبيث قبل ان يرفع كفيه ليمسك بهما كتفيها بقوة وقسوة وهو يقرب وجهه امامها مباشرة قائلا بأنفاس باردة لفحت وجنتيها
"لا تحزني من كلامي ولكنها الحقيقة ، وعليكِ تقبلها بروح مرنة ، ومهما حاولتِ تغييرها فلن تستطيعي تغيير روحكِ الشرسة البدائية والتي اعشقها منذ زمن واحاربها لسنوات ، لذا ألا ترين بأنه قد حان الوقت المناسب لتعلني السلام على روحكِ الأبية"

انتفض (مازن) وهو يبعد كفيه بعيدا عن كتفيها ما ان شعر بسكين تغرز بأصابع كفه بدون ان ينتبه لينفض كفه بحنق ، لترفع بعدها السكين لوجهه وهي تقول بتهديد مشتد
"هذا سيكون بأحلامك يا مازن جلال ، ويمكنك ايضا الاحتفاظ بالقبعة فلم اعد اريدها بعد ان تلطخت بقذارة يديك"

وما ان استدارت بعيدا عنه وهي تنوي الاتجاه لباب المنزل حتى سد عليها الطريق بسرعة وهو يقف امامها بكل همجية ، وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقها وهو يضع القبعة فوق رأسها بهدوء قائلا وهو يعود للابتسام مجددا
"اهدئي فكل شيء يهون ألا غضبكِ عليّ ، وتذكري بأني لن انسى لكِ هذه الحركة المباغتة وسأردها لكِ قريبا"

ما ان انهى كلامه حتى اخفض كفه عن القبعة ليلامس مقدمة انفها بأصبعه بخفة قبل ان تدفع اصبعه بعيدا عنها ببرود ، ليرفع بعدها ذراعيه عاليا بابتسامة ما تزال تحتل محياه وهو يرجعهما لخلف رأسه بكسل ، بينما كانت (ماسة) تنظر بتركيز لعينيه الناعسة بلون العسل القاتم والقريب من لون حدقتي شقيقته (صفاء) ولكنها دائما ما تلاحظ اختلاف بطبيعة لون احداقهما ، عادت بعدها للسير بعيدا عنه لتتجه نحو باب المنزل بثبات قبل ان تعود للتوقف لتلتفت عندها برأسها نحوه وهي تهمس بوجوم
"فقط سؤال ، ما لذي تفعله بشقة قيس بهذا الوقت ، واكيد ليس لتستطلع ان كان عمك قيس قد عاد من السجن ام لا"

كان (مازن) يبتسم بسخافة وهو يتمتم ببرود جليدي
"ألا تعلمين لقد قررتُ السكن بشقة قيس حتى عودتكما وقد وافق السمسار على تأجير الشقة لي ، لأنه ليس من العدل ان تؤجر هذه الشقة لأناس لا نعرفهم وعندها لن تستطيعي انتِ وشقيقتك العودة للسكن بها ، لذا ضمنتها لكِ حتى عودتكِ ، فأنا اعرف بأنكِ ستعودين أليها فهذا مكانكِ بالنهاية ومنزلنا المستقبلي"

اعادت وجهها للأمام بقوة وهي تزفر انفاسها بنشيج خافت متجاهلة تلميحاته الواضحة ، لتسير بعدها بسرعة بخطوات جامدة لخارج الشقة بأكملها بدون ان تعلق على كلامه وهي تشدد من الإمساك بمقدمة قبعتها بأصابعها بهدوء ، بينما كانت النظرات المتسلية ما تزال تلاحقها بترقب وهو يقبض على كفيه بقوة بجانبي جسده بتصلب قبل ان يرخيهما وهو يهمس بشرود هائم
"ستعود ، إلى اين ستهرب مني"

____________________________
دخلت للمنزل بهدوء وهي تسير باتجاه السلالم بصمت وبخطوات متمايلة بعض الشيء وهي تحاول الارتكاز قدر الإمكان على كعبي حذائيها المسننين والذين حفرا بقدميها بسبب السير الطويل عليهما ، لتصعد بعدها درجات السلم بهدوء قبل ان تصل بالنهاية لأروقة الممرات لتقف عندها بمحاذاة الغرفة والتي كان يخرج منها الصراخ والعويل والذي اخترق سكون المكان من حولهم وهو يصلها بعض من الصراخ المترافق مع النواح المزعج
"ماذا افعل يا أمي لقد انهارت حياتي الزوجية بأكملها ، فمنذ دخول تلك الساحرات للمنزل وقد ألقوا بلعنة على جميع ساكني المنزل ، وكل الأنظار تلتف من حولهما فقط ، وخاصة الفتاة ذات العينان الخضراء والتي تنوي على سرقة زوجي مني والمسحور بها وكأنه لم يرى فتيات بالعالم غيرها"

ردت عليها المقابلة لها باتزان تحسد عليه
"هدئي من نفسكِ عزيزتي فهذا الضعف والهراء والذي تقولينه لن يفيدكِ بشيء ، بل سيزيد حالتكِ سوءً وستدفعين زوجك للهروب منكِ اكثر بغبائك هذا وبحالتكِ المثيرة للشفقة"

ازدادت دموع الجالسة امامها بانهمار وبحقد دفين وهي تصرخ بانفعال حاد
"إذاً ماذا تريدين مني ان افعل يا امي بعد كل ما شاهدته امامي من خيانة وانا اكاد اجن بكل مرة يتقابل فيها معها ، حتى انه صرخ بوجهي وتجاهلني لأول مرة بحياته"

كانت والدتها تضع كفها على ذقنها وحاجبيها الرفيعين مرفوعين بحدة وهي تقول بتفكير
"ولما تصرف معكِ هكذا ، تكلمي"

ابتلعت ريقها بارتجاف وهي تقول بابتسامة شرسة وما تزال دموعها تسقي وجنتيها
"لأني نعتُ ابنة خاله بكلمات لا تجوز ، لذا ثار عليّ وغضب مني"

ردت عليها والدتها بعبوس متجهم وهي تمسك بشعرها بقسوة
"غبية ومتسرعة ولا تفكرين بعواقب لسانكِ الطائش والذي سيوصلكِ بالنهاية لحافة الهاوية بعلاقتك الزوجية مع زوجك ، فلا تنسي من يكون زوجك وعائلته ومن نكون نحن وانتِ تنزلين لمستوى منحدر اقل منكِ بكثير ، فقط لترضي غروركِ وغيرتكِ الحمقاء"

اخفضت رأسها بخنوع امام والدتها وهي تعود للعويل والبكاء بقوة وإحباط
"ولكني لم اتحمل يا أمي ، لم اتحمل ، لقد فقدتُ زمام السيطرة على الأمور بسبب تلك الشاذة ، وجعلتُ احمد يغضب مني ، واكيد سيفكر جيدا بسير علاقتنا والانفصال عني بما انه ليس هناك اي طفل يربطه بي"

افلتت والدتها شعرها بهدوء وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بقوة ناظرة لرأس ابنتها المنكس امامها وبكاءها يعلو اكثر وأكثر مع نواح مؤذي للأذن ، بينما كانت ما تزال الواقفة خارج الغرفة تراقب الأجواء الخانقة بالداخل والمعتادة عليها بكل مرة تأتي شقيقتها بزيارة لمنزلهم لتقلب حياتهم لمواجع ونواح .

تنهدت بهدوء وهي تعود للسير بعيدا قبل ان توقفها والدتها وهي تقول بحدة صارمة
"غزل تعالي إلى هنا ، وسلمي على شقيقتك سلوى ، فليس من الأدب تجاهل وجود شقيقتك الكبرى بمنزلنا"

زمت (غزل) شفتيها المتكورتين بحنق طفولي وهي تفكر بالمصيبة والتي وقعت على رأسها لتجعلها تواجه والدتها وهي بهذه الحالة من العصبية البالغة على مشاكل شقيقتها الزوجية ، التفتت بعدها برأسها بهدوء نحو والدتها وهي تحاول طبع ابتسامة صغيرة على شفتيها قائلة بمودة
"لا اعتقد بأن شقيقتي بحالة تسمح لها بأن تستقبل سلامي ، لذا سأترككما لحل مشكلتكما العويصة وبعدها سنتكلم معاً"

زاد عبوس والدتها واتساع عينيها الحادة بطريقة تنبؤ بالشر ، لتزفر بعدها انفاسها بغيض وهي تهمس ببرود ناظرة بعيدا عنهم
"كيف حالكِ يا سلوى ، اتمنى ان تجدي عندنا ما اتيتِ من اجله ، وان لا تطول زيارتكِ مثل المرة السابقة"

وعندما لم تجد اي ردّ من الساكنة بجلوسها منكسة الرأس بانهيار لا تشعر بما حولها حتى انسحبت بسرعة بعيدا عن الغرفة وامام نظرات والدتها المصدومة باستنكار من كلامها الأخير الوقح ، بينما وصلت (غزل) لغرفتها اخيرا لتفتح الباب من فورها وهي تتقدم للداخل قبل ان تغلق الباب من خلفها بقوة وهي تتنفس بلهاث وتعب بعد هروبها من مصيرها الحالك مع والدتها .

عضت على طرف شفتيها بألم سرى بكل إنحاء جسدها وهي ترفع ساقيها لتخلع الحذاء العالي من قدميها الصغيرتين بقوة لتلقي به بعيدا عنها ، لتسير بعدها للداخل وهي تخلع هذه المرة الحقيبة عن كتفها لتلقي بها فوق السرير الواسع بإهمال ، وصلت لطاولة الزينة لتقف امام المرآة كالعادة كلما مرت بجوارها بدون ان تمنع نفسها من النظر لشكلها بنظرة تقييمية ومطالعة نفسها بدقة ، كانت تنظر لعينيها العسلية والمائلة للون الغروب المخضر ولشكلها البسيط والمتناقض تماما عن شكل شقيقتها الكبرى وصاحبة صوت العويل ، لطالما كانت هناك فروق شاسعة بينهما والتي تظهرها دائما اقل بكثير من شقيقتها الفاتنة والتي كان يتمناها الكثيرون من قبل فهي تمتاز بالكثير من المميزات والتي تأهلها لتكون افضل منها بينما هي تعاني من العيوب والتي ماتزال تلاحقها منذ طفولتها فهي بالنهاية عليلة القلب وستبقى هكذا دوما للمتبقي من حياتها .

رفعت كفها بهدوء وهي تتخلل شعرها القصير بنعومة والذي لا يصل لكتفيها وهي تعيده لخلف اذنيها بشرود ، لتفكر بعدها بحزن بأنها قد تقبلت بساطتها بالفعل ولم تعترض عليها ووجدت من يناسب ويكمل بساطتها تلك ولكنهم مع ذلك افسدوا كل شيء عليها ولم يهنئ لهم بال حتى كسروا قلبها العليل وحولوه لشظايا متناثرة من المستحيل إعادتها كما كانت فما يتحطم لا يعود كسابق عهده ومهما حاولوا ترميمه بشتى الطرق .

اخفضت كفها باهتزاز ما ان لمحت دمعة صغيرة عالقة برموشها السفلية بدون ان تفارقها ، لتتلمس بعدها بكفها على سطح الطاولة بارتجاف حتى وجدت مبتغاها وهي ترفع سلسال لعقد رفيع وطويل بعض الشيء لأمام وجهها لتقربه من شفتيها وهي تقبله بهدوء بدون ان تنتبه للدمعة الصغيرة والتي انحدرت على وجنتها بعد ان فارقت رموشها وهي تهمس برقة وحزن على أيام ذهبت خلف الأفق
"اشتقتُ إليك كثيرا يا عاصم"

تنهدت بحزن ومرارة وهي تحاول السيطرة على انفاسها الثائرة بصدرها والتي جعلت قلبها العليل على وشك الانفجار بأية لحظة وهو يضخ نبضاته بإنهاك وضعف ليبقى على قيد الحياة قدر المستطاع ، وهو على وشك فقدان وجوده بعد صبر طويل عليه دام لسنوات لتتحول لسلسلة من معاناة طويلة وكأنه يحارب بمعركة خاسرة تحددت نتيجتها منذ سنوات وتحديدا عندما حرمت من العيش بطفولة طبيعية كجميع الأطفال بسنها آنذاك .

______________________________
كانت تلتقط الأوراق المبعثرة من على أرض المكتب والتي سقطت منها عن طريق الخطأ ، لتستقيم بعدها بوقوفها ما ان انتهت من جمع الأوراق بين ذراعيها وهي تمرر اصابعها على اطرافها برفق لتتأكد من وجود جميع الأوراق كاملة بحوزتها قبل ان يكتشف والدها فعلتها الخرقاء ويحرمها من مساعدتها له بالعمل بأيام العطلة ، فهذا العمل ليس لمساعدته فقط بل من اجل الاطمئنان على حالته كل حين والتأكد من انه تناول ادويته بمواعيدها المحددة بدون اي تأخير ، وكم تتمنى لو يشارك شقيقها ايضا بالعمل مع والده بدون ان يسبب له المشاكل كعادته لتكون عندها اكثر اطمئنانا على صحة والدها المتقلبة إذا تعب او تدهورت حالته فجأة بخضم العمل .

اخفضت (صفاء) كفها عن الأوراق وهي تنظر للأسفل بعبوس لتوزع عندها نظراتها بكل زوايا المكتب بوجوم وهي تتمتم بتفكير
"اين اختفت تلك الورقة يا ترى"

التفتت بسرعة ما ان شعرت بأحدهم يربت على كتفها ليظهر امامها الجسد الطويل صاحب الابتسامة العملية والمحفورة بملامح وجهه المتصلبة بغموض وهو يمد امامها الورقة والتي كانت تبحث عنها للتو ، ولا تعلم كيف طارت تحديدا لكفه هكذا ؟ فكل الذي تعلمه بأن هذا الرجل لم يبارح تفكيرها منذ ايام بل منذ عملها بهذا المكان بأيام العطلة وهو يظهر امامها فجأة عندما تحتاج للمساعدة بشيء او عندما تقع بمشكلة بالعمل وكأنه يقرأ افكارها بدقة لا متناهية وبطريقة معقدة شوشت تفكيرها واحتلته .

ابتلعت ريقها برهبة وهي تخفض نظرها بعيدا عنه بإحراج ما ان قال المقابل لها ببعض الضيق وهو يلوح بالورقة امامها
"ما بكِ ، أليست هذه الورقة هي التي كنتِ تبحثين عنها للتو بكل زوايا المكتب"

زمت شفتيها بابتسامة صغيرة وهي ترفع كفها باتجاه الورقة لتمسك بها وهي تتمتم بامتنان
"اجل ، شكرا"

سحبت الورقة بسرعة منه لتضمها لباقي الأوراق بين ذراعيها وهي تهمس بهدوء
"عذرا ، ولكن كيف وصلت الورقة لك وكيف عرفت بأنها ما ابحثُ عنه ، انا اشعر بأنك تراقبني"

مرت عدة لحظات بدون ان تنظر له وهي تستمع لأنفاسه المكتومة والتي تشعر بها تكاد تلامسها لتجمدها بمكانها من برودها ، لترفع بعدها نظرها نحوه بعد ان استبد بها الانتظار لتفاجئ بنظراته الغريبة وهو يضيق عينيه بقتامة نحوها قبل ان يبعد نظره بعيدا عنها وهو يقول ببرود شعرت به بحزن غير مبرر
"لقد اتيتُ لرؤية المدير ولم اكن اتوقع عدم وجوده بالمكتب وبمحض الصدفة وجدتُ ورقة ملقاة عند إطار الباب ، وعندما رأيتكِ وانتِ تتلفتين من حولكِ بهلع عرفتُ بأنكِ هي ما تبحثين عنها ، لا تحتاج للكثير من الذكاء أنتِ فقط من ابتعدتِ قليلا بتفكيرك يا صغيرة"

عبست ملامحها وهي تنهر نفسها على كلامها بسبب تفكيرها الأحمق وشكوكها الدنيئة نحوه فقد اصبحت مضطربة التفكير كثيرا بالآونة الأخيرة وقد يرجع السبب لمشاكل (ماسة) وصحة والدها المتدهورة ، عضت بعدها على طرف شفتيها بحنق وهي تتمتم بامتعاض
"لستُ صغيرة يا سيد جواد ، ووالدي لم يأتي للعمل بعد ولكنه سيصل بعد عشر دقائق"

ردّ عليها (جواد) بهدوء غامض
"إذاً سأنتظره بمكتبه هنا حتى يصل ، وهذا إذا لم يكن لديكِ مانع يا صفاء جلال"

شددت من ضم الأوراق بين ذراعيها بارتجاف وهي تعيد خصلات شعرها الطويلة لخلف اذنيها قبل ان تهمس بوجوم
"لا لا امانع"

كانت نظرات (جواد) موجهة نحوها بقوة وبدون اي مواربة وهو يتنقل بنظره بداية من شعرها البني الناعم وهو معقود على هيئة ذيل حصان طويل مستريح على كتفها الايمن ليصل لجسدها الممشوق والملتف بكنزة صوفية بيضاء تخفي معالم جسدها بوضوح وهي تبدو كقطة صغيرة ناعمة ضلت طريق العودة ، ليشيح بعدها بوجهه بعيدا عنها ببرود وهو يتمتم بخفوت مشتد
"اخبريني كيف هي صحة الوالد الآن"

رفعت نظرها بسرعة نحوه وهي تعقد حاجبيها بريبة من نبرة صوته الخشنة والتي يطغى عليها البرود وهو يسألها عن حال والدها ببساطة والذي يكون رئيسه بالعمل ، لتقول بعدها بابتسامة لطيفة احتلت شفتيها الورديتين بانتفاخ
"انه بأحسن حال والحمد الله على كل شيء ، شكرا لك على السؤال"

اعاد نظراته الحادة باتجاهها وهو يشرد بابتسامتها لثواني قبل ان يقول بجفاء
"جيد ، فكل ما اتمناه حقا ان يبقى دائما بأحسن حال"

ارتجفت زاوية من شفتيها قبل ان تذوي الابتسامة بمحضرها وهي تشعر بعدم الراحة بكلماته الباردة والتي بعثت القشعريرة بكل انحاء جسدها ، لتحيد بعدها بنظراتها جانبا وهي تدعوّ بداخلها ان يأتي والدها بسرعة لينقذها مما هي فيه الآن وهي تشعر بنفسها تكاد تختنق من الأجواء الكاتمة بالمكان ، انتفضت بوجل ما ان قال (جواد) بجفاء مقيت فاجئها
"واين هو مازن جلال لم اعد اراه بالعمل ، ام انه قد طُرد من العمل اخيرا بعد ان سبب الكثير من المشاكل لصاحب المكان ولكل العاملين بالدار وكل ما يهمه هو ان يحصل على بعض المتعة بالعمل على حساب الآخرين"

عضت (صفاء) على طرف شفتيها بضيق فهذا الرجل قد بدأ يتمادى بالكلام معها وهو يسخر من شقيقها امامها فحتى لو كان (مازن) شخص مقيت ولا يطاق ابدا فهو يبقى بالنهاية شقيقها وجزء من عائلتها وابن والدها الغالي ، لذا لن تسمح بأن يهينه اي احد بهذه الطريقة امامها وتبقى صامتة امامه بخنوع ، قالت بعدها بقوة وهي تشدد من ضم الأوراق لصدرها
"لا لقد توقف عن العمل منذ فترة فقد تبين بأن هذا المكان لا يناسبه وليس من ميوله ، وإذا كان قد سبب لك اي مشاكل من أي نوع فأنا اعتذر بالنيابة عنه ، فهو اكيد لم يتقصد فعل كل هذا مع اي احد من الموظفين بالمكان"

كان (جواد) ينظر لها بتركيز قبل ان يبتسم باتساع متصلب بدون اي مرح قائلا بجمود صخري
"وهل تظنين بأن الاعتذار سيكفي لتدفعي ثمن اخطاء شقيقك والتي لا تغتفر ابدا ، وانتِ تحتاجين للتضحية بالكثير من اجل إرضاء اعداءه الكثيرين"

انفرجت شفتيّ (صفاء) بذهول وهي ترفع حاجبيها البنيين بعدم استيعاب وكأنها تحاول فك شفرة كلامه الغامض ، لتهمس بعدها بتوجس واجم
"ماذا تقصد بكلامك ، ولما تتكلم عن شقيقي بهذه الطريقة ، أتحب مثلاً ان اتكلم عن اشقائك بطريقة مهينة كما تتكلم انت عن مازن"

تراجعت (صفاء) للخلف بحذر ما ان شعرت بصلابة ملامحه واشتعال عينيه والتي تكاد تبتلعها حية وهي لا تعلم بماذا اخطئت تحديدا بالكلام معه ؟ وكل ما نطقت به هي الحقيقة فهو الذي بدأ اولاً بهذا الجدال واهان شقيقها امامها .

ابتلعت (صفاء) ريقها بتشنج وحدقتيها العسلية متسعتين بذعر ما ان قال بخفوت بارد بعد ان عادت ملامحه لهدوئها
"ليس لدي اي اشقاء او اي عائلة ، فأنا وحيد واعيش وحدي منذ زمن"

زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بحزن عميق غير مبرر نحو هذا الشخص الغريب وقد اصابت بكلامها وتر حساس بحياته بدون ان تقصد ، فلو انها اوزنت كلماتها اكثر قبل ان تنطقها لما حدث كل هذا معها وهي تشعر بالذنب ينهش احشاءها ، قالت بعدها بابتسامة حزينة نادمة
"انا اعتذر حقا على ما قلته فلم اكن اعلم..."

قاطعها بلا مبالاة وهو يشرد بعيدا عنها
"لا بأس فليس بالأمر المهم لتعتذري منه ، ولكن احذري مرة أخرى من كلماتكِ يا صغيرة فلن استطيع مسامحتكِ عليها بكل مرة"

عبست ملامحها والخوف يعود ليجمد اطرافها من جديد من كلماته الغامضة والغير مريحة ابدا بالنسبة لها ، لتقول بعدها بسرعة وهي تحاول تجاوزه بالسير بعيدا عنه باتجاه باب المكتب بعد ان ضاق بها المكان
"حسنا يا سيد جواد ، يمكنك انت انتظار والدي هنا ، وانا سأذهب لأنجز بعض الأعمال بالمكتب المجاور"

بعد ان انهت كلامها اختفت بسرعة خلف باب المكتب قبل ان تسمع تعليقه وهي تتنهد براحة اخيرا بعد ان تخلصت من وجوده والذي كان يسبب لها الخوف على الدوام ، بينما كانت النظرات الشاردة بحدة تنظر بعيدا جدا بنافذة غرفة المكتب وابتسامة جانبية تحمل من الحقد والكره الكثير محفورة بزاوية شفتيه المتصلبة وهو يتوعد بالكثير لعائلة جلال والمسبب الرئيسي لما يشعر به من فراغ بحياته .

يتبع....................

روز علي 06-03-21 07:41 PM

خرجت بخطوات متخاذلة بتباطء من بناء المدرسة البسيطة والتي رفضت وجودها بعد عدة محاولات مع مدارس أخرى غيرها مشابهة لها وهي لم تعد تقترب من المدارس العريقة وحديثة البناء والتي كانت تعمل بهم ذات يوم لكي لا تبدأ نظرات السخرية والاستهزاء بالتوجه نحوها من كل صوب بالرغم من انها لم تتركها وشأنها طول مسيرتها بالتنقل بين المدارس البسيطة ومتوسطة الحال ، تنهدت بعدها بهدوء وهي ترفع نظرها للشمس المتوهجة بمثل هذا الوقت من الظهيرة والذي تكون به الشمس بأقصى درجات حرارتها .

اخفضت (روميساء) نظرها بسرعة نحو الشخص الذي دخل من بوابة المدرسة الخارجية وهي تنظر له بعينين متسعتين بشحوب ، وما هي ألا ثواني حتى رفعت (صفاء) نظرها نحوها قبل ان تتجمد بمكانها بفعل الصدمة وهي ما تزال واقفة بمكانها عند البوابة ليطول صمت العيون بينهما لدقائق قليلة وبعض من المشاعر الحبيسة والتي تخص الماضي بدأت بالتحرر بينهما برقة ، لتقطعه بعدها من تحركت بعيدا عن البوابة لتسير نحو (روميساء) وابتسامة رقيقة تحتل محياها قبل ان تعانقها ما ان وقفت امامها وهي تحاوط كتفيها بذراعيها بهدوء ، بينما افاقت (روميساء) على عناقها لترفع كفها بارتجاف وهي تربت على رأسها بكل حنية تملكها لهذه الفتاة والتي عرفتها منذ كانت طفلة تلعب مع شقيقتها بفناء المنزل .

بعد عدة دقائق صمت أخرى ابتعدت (صفاء) بسرعة عنها وهي تقول بابتهاج بالغ
"انا سعيدة جدا لأني رأيتكِ اخيرا ، فلم اركِ منذ مدة طويلة ، وتقريبا منذ اشهر فأنا لم اعد اعرف شيئاً عن اخباركِ سوى بما تخبرني عنه ماسة وهي كما تعلمين لا تحب الكلام كثيرا"

اتسعت ابتسامة (روميساء) بلطف وهي تنظر لها وهي تتكلم بحزن رقيق يناسبها تماما وهي التي تراها دائما النقيض عن (ماسة) بكل شيء ولم تفهم حتى الآن طبيعة صداقتهما المختلفة والفريدة من نوعها ، ولكنها بالتأكيد مميزة بسبب طول مدتها منذ الطفولة لترافقهما حتى المراهقة لتصل لدخولهما للجامعة معا وهي تشعر برباط قوي متين يربطهما سوياً طول مسيرة حياتهما ، بينما كانت هي شاهدة على صداقتهما وقد كان دورها آنذاك الاهتمام بهما وتقليل تعرضهما للإصابة بسبب انها اكبر منهما سنا وارجح عقلاً لهذا كانت دائما تحميهما من لعبهما المتهور وعدم تفكيرهما بالعواقب وهو قد كان اقصى احلامهم .

نظرت لها (روميساء) بهدوء وهي تهمس بابتسامة منشرحة
"وانا ايضا سعيدة جدا برؤيتكِ وبالصدفة والتي جمعتنا ، واتمنى ان تكون كل اموركِ على ما يرام وان تكون عائلتكِ بأفضل حال"

ردت عليها (صفاء) من فورها وابتسامة جميلة تحتل شفتيها الورديتين
"بل انا اكثر من سعيدة برؤيتكِ ، وجميع افراد عائلتي بأفضل حال ولكن ما يزال والدي يعاني من التعب بعض الشيء ، واما باقي الأمور فهي جميعها تمام"

زفرت أنفاسها بهدوء وهي تحرك رأسها بالإيجاب بشرود قبل ان يقطع عليها غمامة شرودها صوت (صفاء) وهي تقول بحيرة عاقدة حاجبيها البنيين بتفكير
"ولكن ماذا تفعلين بهذه المدرسة يا روميساء ، فأنا اعلم جيدا بأنها ليست المدرسة والتي تعملين بها منذ سنوات"

رفعت نظراتها الخضراء الحزينة نحوها بصدمة وقد نسيت بأنها ما تزال موجودة بمدخل المدرسة الخارجية بسبب ذكريات الماضي والتي اجتاحتها بهذه اللحظة بالذات ، لتقول بعدها بسرعة وهي تبتسم بجدية صارمة
"بل انتِ ماذا تفعلين بهذا المكان وبهذا الوقت والذي من المفروض ان تكوني به بالجامعة ، ام انكِ تريدين العودة لأيام الهروب من المدرسة كما كنتِ تفعلين مع ماسة"

انفرجت شفتيّ (صفاء) الورديتين باندهاش قبل ان تبدأ بالضحك بمرح وهي تتمتم بامتعاض تمثيلي
"لا تغضبي هكذا وقبل كل شيء عليكِ ان تعلمي ان اليوم يكون عطلة عندنا من الجامعة ، يعني لم احاول الهرب ولن احاول ابدا فقد كبرنا على هذه الحركات"

عبست زاوية من شفتيها الممتلئتين وهي تتمتم بوجوم
"اجل صحيح ، كيف فاتتني هذه"

زمت (صفاء) شفتيها بابتسامة صغيرة حالمة وهي تتمتم بامتعاض
"وايضا سبب قدومي لهذا المكان هو من اجل العمل والذي يخص هذه المدرسة ، فهناك اوراق من دار النشر عليّ ان اوصلها لهم وهي تتعلق عن منشورات تخص صحيفة المدرسة"

أومأت (روميساء) برأسها بهدوء وهي تتمتم بإحراج
"حقا لم اكن اعلم ، إذاً بالتوفيق بعملك"

اختفت ابتسامة (صفاء) تدريجيا وهي تنظر لها بتركيز قبل ان تقول بخفوت جاد
"هل حقا خسرتِ عملكِ بتلك المدرسة يا روميساء"

ارتفع حاجبيها السوداوين بتوجس وهي تشدد من القبض على حزام حقيبتها بكفيها لتقول بعدها باستياء واضح
"هل اخبرتكِ ماسة بهذه السرعة"

شهقت (صفاء) بخفوت وهي تهمس بعدم تصديق
"لقد اخبرتني بأنكِ قد تخسرين عملكِ ، ولكن لم اظن بأن هذا سيحدث فأنتِ تعملين هناك..."

قاطعتها (روميساء) بجمود متصلب
"اجل يا صفاء هذا ما حدث ، وانا الآن احاول إيجاد مدرسة أخرى تتقبلني مع سمعتي الجديدة"

صمتت (صفاء) بوجوم وهي تخفض حدقتيها العسليتين بحزن بعيدا عنها وهي تعلم جيدا ما يمثله ذاك العمل من أهمية بالنسبة لهما وهي تتمنى لو تستطيع تقديم يد المساعدة لهما ولو بشيء صغير من اجل الأناس والذين لطالما اعتبرتهم جزء من عائلتها الصغيرة ليكملوا النقص بحياتها والذي كانت دائما تشعر به منذ ولادتها بين عائلة من الذكور بعد وفاة والدتها قبل ان تعي للحياة حتى .

عادت (روميساء) بنظرها نحوها بجمود ما ان نطقت المقابلة لها بارتباك وتوتر
"كنتُ اريد اخباركِ بأن ماسة قد طلبت مني ان ابحث لها عن عمل بأقصى سرعة ، هل اخبرتكِ شيء عن هذا الموضوع"

تغضن جبين (روميساء) بوجوم وهي تفكر بأنها قد فعلتها حقا ولم يكن كلامها السابق مجرد كلام عابر فيبدو بأنها قد بدأت بتنفيذ ما برأسها بدون الرجوع لأحد كما تفعل دائما ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بتوجس قبل ان تتمتم بتمهل شديد
"وماذا حدث بعدها ، هل وجدتِ لها عمل"

حركت (صفاء) رأسها بسرعة بالنفي وهي تقول بخفوت
"لا لم اجد لها عمل حتى الآن ، ولم نعد نتكلم عن هذا الموضوع مرة أخرى"

زفرت انفاسها براحة وهي ترفع كفها بهدوء لتعيد خصلات شعرها السوداء لخلف اذنيها وهي تفكر بعيدا عنها ، عادت (صفاء) للكلام وهي تهمس بوجل
"ولكن ماذا ستفعلين معها فهي تبدو مصرة بشدة على إيجاد عمل مهما كان ، وخاصة بأنكِ قد خسرتِ عملكِ الآن...."

قاطعتها (روميساء) بابتسامة جانبية وهي تربت على كتفها برفق
"لا داعي للقلق يا صفاء ، فأنا اعرف جيدا كيف تفكر شقيقتي وسأهتم بهذا الموضوع ، وانتِ من جهتكِ حاولي ان تماطليها ولا تفعلي ما تريد"

اومأت (صفاء) برأسها وهي تبتسم بنعومة هامسة بمودة
"اعرف بأنكِ ستهتمين بالأمر جيدا ولن تسمحي لها بالعمل وهي بهذا السن ، وهي محظوظة جدا لأن لديها شقيقة كبرى مثلكِ"

اخفضت (روميساء) يدها وهي تبتسم بشرود ولسان حالها يردد (اشك بهذا) ولم تعلم بأن عبارتها قد خرجت من شفتيها العابستين لأذن المقابلة لها ، لتقول بعدها (صفاء) بعدم استيعاب
"ماذا كنتِ تقولين"

عادت (روميساء) للابتسام بارتباك وهي تقول بحزم خافت
"هذا يكفي عليكِ الذهاب لإكمال عملكِ فقد أخرتكِ كثيرا بالوقوف هنا ، لذا هيا غادري بسرعة فلا نريد ان نسبب لكِ المشاكل مع السيد جلال"

اتسعت ابتسامتها بسعادة وهي تحرك رأسها قائلة بطاعة
"حاضر يا معلمتي روميساء الفاروق"

لم تشعر (روميساء) بنفسها وهي تضحك بخفوت محرج على اللقب والذي كانوا يطلقونه عليها كل من (ماسة) وصديقتها فيما مضى عندما كانت تلعب دور المعلمة عليهما ، بينما تجاوزتها (صفاء) وهي تسير باتجاه البوابة الداخلية للمدرسة قبل ان تعود للوقوف وهي تستدير من فورها نحو مصدر الصوت وهو يقول بهدوء
"صفاء ، اريد منكِ ان تبقي دائما بجانب ماسة وان لا تتركيها وحدها ابدا ، فأنا لا اثق بأحد غيركِ ليهتم بها بغيابي"

ابتسمت (صفاء) باتساع وهي تلوح لها بيدها بقوة قبل ان تعود للسير بعيدا عنها بهدوء ، وما ان اختفت عن نظرها تماما حتى استدارت هي الأخرى لتسير بالطريق المعاكس لها وهي تخرج من البوابة الخارجية للمدرسة ، لتقف بعدها عند قارعة الطريق وهي تعود للنظر بحدقتيها الخضراء الشاحبة ببعض الاحمرار للشمس المتوهجة من فوقها بدون ان تحمي عينيها من اشعتها القوية والتي اخترقت نظرها بتشوش ، وهي تفكر بأنه قد حان الوقت الآن لاستخدام الخطة البديلة والتي تخص التقدم بالعمل للمدارس والتي ستتقبلها بدون اي عناء او جهد وسمعتها هي آخر ما يفكرون به ، فهي من سابع المستحيلات ان تسمح لشقيقتها الصغرى بالخوض بعالم العمل بدون اي شهادة او خبرة بين وحوش جائعة تبحث عن الفريسة الأسهل للانقضاض عليها بدون اي رحمة ، فهذه هي حرب الحياة إذا لم تقاتل بها بكل قوتك ولم تحمل معك سلاح الوظيفة فأنت خاسر ولا تستحق هذه الحياة من الأساس .

_____________________________
كانت تسند جانب وجهها بسطح الطاولة وحدقتيها تنظران لحركة البشر المتزامنة جيئاً وذهاباً بدون توقف او تمهل وكل منهم ينطلق لوجهة معينة بهذه الحياة الوسيعة ، رفعت احداقها ببطء بعيدا عن الواجهة الزجاجية للمقهى لتنظر للشاب الواقف امامها وابتسامة مهذبة تحتل محياه البشوش ، ليقول بعدها الشاب بسرعة باحترام شديد بدون ان يفقد ابتسامته البلهاء
"ما هي طلباتكِ يا آنسة"

مرت لحظات وهي ما تزال تنظر له بقوة بدون ان ترفع رأسها بعيدا عن سطح الطاولة ، لتعود بعدها للنظر للواجهة الزجاجية بجانبها وهي تهمس بجمود
"نفس طلبي المعتاد"

حرك الشاب رأسه بتأكيد وقد اهتزت ابتسامته قليلا قبل ان يقول بثقة بالغة
"ثواني ويكون الطلب عندكِ"

لم تعيره (ماسة) اي اهتمام وهي ما تزال شاردة بعيدا عن الجميع ، ليبتلع بعدها الشاب ريقه بتوتر قبل ان يتراجع بخطواته بعيدا عنها بخذلان ، بينما كانت (ماسة) تستمع لخطواته المبتعدة بسمع مرهف قبل ان يختفي ليحل محلها خطوات رواد المكان المتزنة بكل مكان يتبعها اصوات تحريك المقاعد وارتطام اجسداهم بالطاولات .

اخفضت جفنيها على احداقها الداكنة بهدوء بعيدا عن مرأى الناس وهي تحاول التمتع ببعض اللحظات الاستقلالية لوحدها بالمكان المفضل عندها والذي يطلقون عليه مقهى السعادة بالرغم من ان اسمه يتناقض مع حقيقته فجميع زواره من انواع الناس المهمومين من الحياة والطلاب الفاشلين بحياتهم اكاديميا وعاطفيا والذين يبحثون عن بعض الراحة بالمقهى والذي يحتل وسط البلد ، ولكن بما ان الاسم يجذب جميع انواع البشر إليه فلا فائدة من التفكير بتناقض اسمه عن هدفه وحقيقة رواده ما دام يجلب كل السكان إليه من كل المحافظات .

قبضت (ماسة) فجأة على كفيها من تحت الطاولة ما ان شعرت بالخطوات الهادئة المتجهة نحو طاولتها باتزان ثابت ، لتعض بعدها على طرف شفتيها وغريزة الحذر بدأت بنهش اطرافها بقوة فهذه الخطوات تحفظها منذ كانت طفلة وتعرف جيدا لأي نوع من الناس تكون وخاصة مع رائحة العطر والتي زكمت انفاسها وهي تسبق وصول صاحبها ، ليتبعها بعدها الصوت الخافت ببحة خشنة ما ان وقف امام طاولتها تماما
"مرحبا ماسة الفاروق ، لقد مرت فترة طويلة منذ رأيتكِ بها آخر مرة ، هل يعقل بأنكِ قد نسيتنا بهذه السرعة"

تجمدت ملامح (ماسة) بدون أي تعبير فقط انفاسها ازادت حدة عن السابق وهي تستمع للكرسي المقابل لها وهو يرجعه للخلف قبل ان يجلس فوقه بهدوء بالغ ، مرت لحظات ساكنة قبل ان ترفع وجهها بعيدا عن سطح الطاولة ببطء شديد وهي ترفع يدها لتعيد خصلات شعرها المتحررة عن عقدتها لخلف اذنيها ، لترفع بعدها نظراتها الجامدة نحوه وهي تنظر للشكل والذي حفظته من بين اشكال كثيرة كانت تلازم منزلها ليل نهار مع اصدقاء (قيس) الكثيرون والذين لا يحصون .

كانت (ماسة) تنظر للوجه الملثم بوشاح حول عنقه يرتفع لطرف ذقنه بقليل وللعمامة من فوقه والتي كانت تغطي شعره لتصل بنظرها لنظارته الداكنة والتي تغطي سواد عينيه الحاد ولكن لم تستطع اخفاء خباثة ملامحه والتي تستطيع التعرف عليها من مسافة ميل ، تقدم بعدها النادل باتجاه الطاولة وهو يحمل كوب قهوتها ، وما ان وصل امامها حتى وضع الكوب عند طرفها من الطاولة وهو ينظر بحيرة للرجل الجالس امامها بغموض ، ليرفع بعدها الرجل يده وهو يشير له ليبتعد من امامهما بأمر وفظاظة ، ليرحل الشاب بعيدا عن طاولتهما بخنوع وهو ينظر للرجل بامتعاض واضح وتذمر يكاد ينطق من ملامحه العابسة .

عادت (ماسة) بنظرها للرجل وهي تقول بابتسامة جامدة
"ألا تظن بأنه من الخطر عليك التنقل هنا وهناك على رجل مثلك مطالب من القانون ، حتى أنني ما زلتُ مصدومة من استطاعتك الهروب منهم بينما لم يستطع قيس والباقون فعل ذلك"

اتسعت ابتسامة الرجل بغموض وهو يخلع النظارة من فوق عينيه ليضعها امامه قائلا بتصلب وخبث ببحة خشنة
"لا شيء يستطيع الوقوف امامي يا حلوة ولا تفكري ولو قليلا بأن رجال الشرطة الحمقى يستطيعون اخافتي ببدلاتهم وصفارات الشرطة والتي تلازم قدومهم والتي تلاحقهم بكل مكان ، واما باقي الرجال فلم يستطيعوا الهروب بسبب ثقتهم العمياء بقيس والذي يكون حديث بعالم الإجرام وحتى الآن ما يزال يتصرف بحماقة وتهور وحتى انني ما زلتُ اشعر بالخزي لأنني فكرتُ ان اعطيه ثقتي منذ البداية"

اخفضت (ماسة) نظرها لكوب قهوتها وهي تتمتم بلا مبالاة
"إذاً بماذا استطيع مساعدتك يا سيد راكان"

رفع (راكان) يده ليسند ذقنه عليها وهو يتمتم بقوة
"لما لا تشربين القهوة الخاصة بكِ قبل ان تبرد"

ردت عليه (ماسة) ببرود جليدي وهي تشيح بنظرها بعيدا عنه
"لا أحب القهوة"

حرك (راكان) رأسه بتفكير وهو يقول بوجوم
"ولما طلبتها إذا كنتِ لا تحبين القهوة"

نظرت له (ماسة) بحدة وهي تهمس بنفاذ صبر
"هل ستجيب على سؤالي ام لا ، فإذا كنت قد نسيت انا من سألتك اولاً ، لذا ليس من اللائق تجاهل اسئلتي"

ابتسم (راكان) بهدوء وهو يقول بروية وتمهل شديد
"لا تنفعلي هكذا ، سأجيبكِ على سؤالك اريد منكِ العودة للعمل معنا بقوانيني انا وليس بقوانين قيس"

شددت (ماسة) من القبض على كفيها معا وهي تعقد حاجبيها السوداوين بحدة وحدقتيها تتحول لأمواج بحار معتمة قبل ان تقول بعصبية بالغة وهي تحاول تنظيم انفاسها بشق الأنفس
"هذا سيكون فقط بأحلامك يا سيد راكان ، فما لا تعرفه بأني قد توقفت عن العمل كعبيد عندكم وتنفيذ اوامركم بالحرف الواحد ، فالشخص الذي كان يملك حياتي رحل واختفى وهذا يعني بأن جميعكم ايضا ستختفون من حياتي وللأبد"

انتفضت (ماسة) بجمود ما ان ضرب (راكان) على سطح الطاولة بقوة اهتز معها كوب قهوتها بارتجاف والسائل بداخلها يتموج معها بهدوء ، لتخفض بعدها نظرها لكوب قهوتها وهي تنظر لانعكاس صورتها بمرارة لتلمح بعض الانكسار وهو يحتل حدقتيها البحرية ما ان مرت امامها ذكريات الماضي عندما كانت مجرد خادمة وضيعة ووسيلة للوصول لأعمالهم الدنيئة والغير قانونية .

رفعت وجهها بسرعة نحوه ما ان قال باستياء متجهم
"انتِ بهذه الطريقة تضيعين فرصة ذهبية بالعمل معنا وهذه المرة سنضاعف لكِ مكافئتك المالية والتي ستحصلين عليها ، ولن يكون صعبا كما كان بوقت قيس بل سيكون عبارة فقط عن اختراق الأجهزة الأمنية وكلمات المرور المعقدة ، وهذا ليس بالصعب على الفتاة والتي اقنعت وزير الداخلية ليعطينا دعمه وثقته...."

قاطعته (ماسة) بانفعال حاد متشنج
"كفى ، لا اريد التكلم عن هذا الموضوع وطلبك مرفوض تماما"

تصلبت ملامح (راكان) بجمود وهو يضيق عينيه بتركيز حاد ، لتتابع بعدها كلامها وهي تنظر له بعبوس متصلب
"الظروف الآن قد اختلفت يا سيد راكان ، وما كان يدفعني لفعل كل هذا هو الحفاظ على حياتي بمنزل قيس ، واما الآن فأنا لا احتاج لأي احد منكم ولا اريد ان ألطخ نفسي بمستنقعكم بعد الآن"

اشاح (راكان) بوجهه بعيدا عنها وهو ينظر من الواجهة الزجاجية بتصلب وكفه ما تزال تشدد على ذقنه بقوة يكاد يخلع فكه من مكانه ، بينما كانت (ماسة) تتابع حركاته وكل تشنجات جسده الواضحة بانتباه ولولا وجودهما بمكان عام لكان انقض عليها بشراسة واذاقها من قسوته المعتادة كما كان يحدث معها بالماضي عندما كانت تخطئ بعملها معهم ولو خطأً صغيرا غير مقصود .

رفعت يدها بسرعة وهي تمسح خديها بعنف من الشحنات والتي اصبحت تحتل كل اطراف جسدها بانتفاض وهي تحوم من حولها تكاد تخنقها ، لتصطدم عندها بنظراتها بالشخص والذي كان يجلس بطاولة بعيدة عن طاولتهما بأميال ونظراته السوداء عالقة بوجهها بدون ان يرمش ولو للحظة ولا تعلم كم المدة والتي طالت بينهما وهما على هذه الحال ، لتقطعها بعدها (ماسة) وهي تخفض نظرها بارتباك نحو كوب قهوتها البارد والذي اختفت عنه الأدخنة ليحل محلها البرود فقط وقد تحول السائل للون قاتم لا طعم له .

ابعد (شادي) نظره بعيدا عن تلك الطاولة وهو يفكر بما لمحه الآن بعينيها الزرقاء القاتمة من ذبول يراه بها لأول مرة بعيدا عن الجمود والمعتاد على رؤيتهما بها ، ولكن ما يحيره هو من يكون ذلك الشخص والذي يجلس مقابلا لها ومن سبب لها كل هذا الحزن بملامحها الباردة الحادة ؟ عاد (شادي) بنظره للأمام ما ان قالت المقابلة له بنعومة وجمال
"اين شردت يا شادي ، انا اتكلم معك منذ ربع ساعة وانت تعيش بعالم آخر بعيدا جدا عني ، إذا كنت لم تحب المكان والذي اخترته لك فصارحني بذلك ولا تقلق لن اغضب عليك"

ردّ عليها (شادي) بابتسامة طريفة
"لا لم يعجبني"

عبست ملامح (لينا) وهي على وشك البكاء ليسبقها بعدها بالكلام وهو يقول بابتسامة جانبية بمرح
"اهدئي فقد كنتُ امزح معكِ ، والمكان رائع جدا ويعجبني كثيرا"

عادت (لينا) للابتسام باتساع مغري وما ان كانت على وشك الكلام حتى عادت للصمت وهي تنظر بحيرة للذي وقف عن الكرسي بقوة وهو يغادر بعيدا عن الطاولة باندفاع متجاهلا هتافها باسمه من الخلف بانشداه ، بينما كان (شادي) ينظر لطاولتهما وتحديدا للرجل والذي كان يمسك بمرفق (ماسة) بقوة رغم ممانعتها ، وما ان وصل خلف الرجل تماما حتى قال بخفوت خطير
"مرحبا يا ابنة عمتي ماسة ، صدفة جميلة ان اراكِ هنا وبصحبة هذا الرجل الغريب ، إلا إذا كنتِ تريدين ان تعرفيني عليه"

انتفض الرجل وهو يفلت مرفق (ماسة) وما ان استقام بوقوفه حتى عاد ليضع النظارة فوق عينيه وامام نظرات (ماسة) المتوجسة من ان يكشف امره الآن امام الجميع ستكون عندها قد اوقعت نفسها بمشاكل هي في غنى عنها ، عقد (شادي) حاجبيه بتفكير من انتفاضته وهو ما يزال يعطيه ظهره وما ان رفع يده نحوه حتى اندفع (راكان) وهو يستدير للخلف ليتجاوزه بعنف بعد ان دفعه بعيدا عن طريقه ليكمل سيره لخارج المقهى بلمح البصر ، بينما توازن (شادي) بوقوفه وهو ينظر لأثر الرجل والذي اختفى لخارج المقهى بدون اي كلمة وهو يشعل الشك بداخله نحوه تدريجيا فهذا التصرف لا يخرج ابدا من رجل عاقل شريف .

حاول اللحاق به بسرعة ليوقفه فجأة من امسكت بذراعه لتعيده للخلف بقوة قبل ان تقف امامه قائلة باندفاع شرس حاد
"ما لذي تفعله هنا ، وماذا تظن نفسك فاعلا وانت تخيف بطريقتك الهمجية هذه اصدقائي ، ولم يطلب منك احد ان تُعرف القرابة والتي تجمعنا معا لكل من تراه امامك"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يحرك رأسه باستفزاز امامها قائلا بسخرية واضحة
"أتقصدين بأني قد اخطئتُ عندما عرفته بالعلاقة والتي تجمعني بكِ يا ابنة عمتي ، واي نوع من الاصدقاء هذا والذي يفر هاربا ما ان يقترب منه اي شخص ، حتى أنه لم يعرفني على نفسه ودفعني بعيدا عنه بكل وقاحة"

ردت عليه (ماسة) بانفعال وهي تشير له بكفها بقوة
"أولاً ليس هناك اي علاقة تجمعنا معا ، وثانيا لستُ مضطرة لأبرر لك تصرفات اصدقائي فهذا ليس من شأنك يا ابن عائلة الفكهاني"

امتقعت ملامحه بعدم رضا وهي تطرده من دائرة اهتمامها ومن عائلتها بأكملها ، ليقاطع الأجواء المشحونة بينهما والتي تكاد تحرق المقهى بأكمله صوت أنثوي رقيق يقول من خلفهم بنعومة
"مرحبا انا هنا ، ألن تعرفني على الفتاة يا شادي"

زفر (شادي) أنفاسه بإنهاك فهذا ما كان ينقصه ان تدخل (لينا) معهما على الخط والتي لن تنجو ابدا من نيرانهما وقد تخرج الآن الفتاة الشرسة من داخلها لتدافع عن صديقها بكل اسلحتها كعادتها وهذا واضح من نبرة التهديد والتي تحملها بصوتها ، ليستدير بعدها بسرعة نحوها وهو ينظر لها وكما توقع كانت تكتف ذراعيها فوق صدرها بهدوء وملامحها بعيدة تماما عن الرقة ، قال عندها (شادي) باتزان قاطعا الأجواء القاتمة والتي بدأت تدور بين ثلاثتهم
"لا ليس كما تظنين يا لينا ، فهذه تكون ابنة عمتي ماسة وهي من اخبرتكِ عنها من قبل"

لانت ملامح (لينا) وهي تبتسم بدلال لتعود للعبوس وهي تنظر بعيدا عنه من خلف كتفه قائلة بحزن مصطنع
"ويبدو بأنها لا تطيقك ابدا وهذا واضح تماما"

عقد حاجبيه بتفكير قبل ان يستدير بسرعة برأسه للخلف وهو يلمح خيالها الخارج من بوابة المقهى بهدوء وبدون ان تنتظر تعليقه على كلامها ، ليعض بعدها على شفتيه بغيض من تصرفاتها الوقحة والمستفزة وهي تصر على تحويله لشخص مختلف تماما عن صورته الباردة والمعتاد على تمثيلها منذ سنوات ، ولكن الذي لا يفهمه هو لما تثير عنده كل هذه الحيطة نحوها والانجذاب لشيء فريد نادر الوجود بعالم لا يعرف سوى تمثيل الأدوار الرخيصة وارتداء الأقنعة المزيفة خلف حقيقتهم الشنيعة والتي لا تسر مخلوق ابدا ؟

____________________________
كانت تسير بهدوء وهي تنظر امامها بشرود مشوش تكاد تفقد توازن جسدها المنتفض بارتعاش بعد ان قابلت ماضيها الملطخ بالسواد والذي ما يزال يلاحقها للآن وهو مصر لأعادتها لتلك الدناءة ولعالم الإجرام والذي خرجت منه بعد عناء طويل ، لتخفض بعدها نظرها للأسفل باهتزاز وهي تعود بذاكرتها للخلف لأكثر من خمس سنوات عندما كانت جالسة على طرف الأريكة المهترئة وجسدها يرتعش لا إراديا ونظراتها معلقة بالورقة والقلم من اسفلها وكلمات ورموز مبهمة مكتوبة على طول الورقة ، بينما كانت محاطة بجميع انواع الرجال وكل منهم يتميز بخلفيته الإجرامية والظاهرة بخبث ملامحهم وزوج والدتها فرد من هذه الزمرة وهو من كان يجلس امامها تماما ويتأملها بانتظار وقد كان مشغول بنفث الدخان من سيجارته بكفه بنفاذ صبر ، نطقت الصامتة اخيرا بعدها بلحظات وكأنها تعلن عن حكمها وهي تقول بشفتين مرتجفتين بوجل
"انا لم افهم ، ماذا تريدون مني بالضبط"

اخفض (قيس) السيجارة عن شفتيه وهو يشير للورقة بالسيجارة بكفه قائلا ببرود خبيث
"هل رأيتِ هذه الورقة امامكِ ، اريد منكِ ان تحلي الرموز بها لتخرجي لنا بكلمات السر والتي تحتوي بها ، واعلم بأنكِ قادرة على فعلها"

عضت على طرف شفتيها المرتجفتين بألم وهي تتمتم بعبوس
"غير صحيح انا لا أعرف كيف تحل ابدا ، لذا بحثُ عن شخص آخر يساعدكم بها"

تقدم (قيس) فجأة بجلوسه ليصبح على مسافة قصيرة بين رأسيهما قبل ان يهمس بتشديد وهو يسحق طرف السيجارة بقوة فوق سطح الطاولة
"لا تحاولي خداعي يا شبيهة والدتك ، ام تريدين مني التعامل معكِ بطريقة أخرى لن تعجبكِ ابدا ، فالصبر عندي له حدود ، فهمتي"

رفعت (ماسة) نظراتها الدامعة بشحوب وخصلات شعرها السوداء ملتصقة بجانبي وجهها من العرق الغزير والذي يغطي خديها ، لتهمس عندها بارتجاف متصلب
"انا افعل كل جهدي لإرضائك يا عمي قيس ، واحاول دائما إتقان دور خادمتك الوضيعة ، ولكن امور اخرى لا علاقة لي بها وليست من مهام دوري"

رفع (قيس) قبضته فجأة وبلمح البصر ليمسك بمؤخرة شعرها بقوة وهو يقول بابتسامة جامدة تنطق بالكثير
"وانا اعلم ايضا بأنكِ متفوقة جدا بالبحوث العلمية والتي تحتاج للكثير من الحلول والبراهين ، وهذا الكلام ليس من عندي بل من شهادة اساتذة كثيرين يهتمون بتعليمكِ"

تغضنت ملامحها بألم بدون ان تهتم بخصلات شعرها والتي على وشك اقتلاعها وهي تتمتم بامتعاض
"الدراسة بحقول علمية مقتصرة فقط على الفهم شيء والتطبيق بالواقع شيء آخر يا عمي قيس"

شدد (قيس) من القبض على خصلات شعرها وهو يرجع رأسها للخلف ببطء قائلا بتصلب شرس
"لا يهمني كل هذا الكلام الفارغ فأنا اعلم جيدا بالمهارات والتي تملكينها خلف سحر والدتك ، المهم عندي الآن ان تنفذي ما اخبركِ به وتزيدي على مهامكِ مهمة جديدة يا شبيهة والدتك"

انتفضت (ماسة) وهي تقرب وجهها امامه رغم الألم برأسها وهو يكاد يخلع رأسها عن جسدها ، لتقول بعدها بحنق مشتعل والدموع تتجمد بحدقتيها بحرارة بدون ان تسيل اي دمعة منهما
"لن افعل فأنا لستُ مضطرة لتحمل كل هذه الأوامر ، يكفي اني اخدمك انت واصدقائك المجرمين واتحمل قرف حياتكم الرخيصة ، وتريدون مني ايضا اشراكي بعالمكم الإجرامي الرخيص وكأنني حيوان عندكم"

ما ان انهت كلامها حتى ادارت وجهها بعيدا عنه بعنف للجانب الآخر بفعل الصفعة والتي طبعت على خدها بقوة من كفه القاسية قبل ان يعود ليدير وجهها نحوه بيده القابضة على خصلات شعرها وهو يقول بتحذير شرس تعرف نتائجه جيدا
"إياكِ وان تعيدي هذا الكلام على اسماعي مرة أخرى ، فلا تنسي بأنكِ تعيشين هنا انتِ وروميساء تحت رحمتي وسلطتي وألا لكنتما الآن تعيشان بالملاجئ كباقي الأطفال المنبوذين ، لذا نفذي كل ما أقوله لكِ بدون أي مشاكل لكي لا اضطر للتفكير عندها بثمن سكنكما بمنزلي"

اغمضت (ماسة) عينيها بقوة وهي تحاول منع انهيارها من الخروج امامه وجسدها يزداد ارتعاشا وهي تشعر بانقباض حاد بصدرها بدون ان تظهر ايً من هذا على ملامحها الجامدة فهو دائما يصيبها بشعور بالانكسار من كلامه الحقير وهو يذكرها على الدوام بأنه الوحيد والذي بقي لهما بهذا العالم القاسي ، لتهمس بعدها باستسلام خانع وكأنها تعطيه وثيقة حريتها منه
"سأفعل ما استطيع"

افلت (قيس) خصلات شعرها بعد ان حولها لخصلات مجعدة فوضوية من فعل قبضته عليها ، ليربت بعدها على خدها برفق وهو يقول بابتسامة جانبية برضا
"احسنتِ لقد بدأتِ تفهمين ما هو دوركِ بهذا المكان ، لذا لا تحاولي استفزازي مرة أخرى لأني احيانا لا أستطيع السيطرة على اعصابي والتي تنفلت مني بسرعة فقط من خطأ واحد مهما كان صغيرا"

افاقت من ذكرياتها ما ان كادت تتعثر من الحجر الصغير والذي اصطدمت قدمها به ، لترفع بعدها يدها وهي تمسد على جبينها بحنق بسبب الذكريات والتي اخذتها بعيدا جدا لتعود للغرق بالوحل والذي لطخت نفسها به من قبل ، وهي التي عاهدت نفسها بأنها لن تفكر بكل احداث الماضي فقد كانت كلها تحدث فوق إرادتها الحرة وحياتها معلقة بيد شخص واحد هو من يملك مقاليد حياتها بأكملها بدون ان تملك حق الرفض او القبول بأي شيء يخصها .

جلست بعد ان سارت عدة خطوات للأمام على مقاعد انتظار الحافلة وهي تضع حقيبتها فوق حجرها ، لتنظر بعدها للطريق السريع امامها والسيارات تتحرك امامها بلمح البصر بدون التفكير بالأرواح والتي قد يدهسونها امامهم فقط من اجل الوصول على وجهاتهم بالموعد المحدد لهم وكأنهم يقولون للعالم كل شخص مسؤول عن حياته وهو من سيتحمل ملامة إصابته .

رفعت كفها لتعيد خصلات شعرها المتطايرة امام نظرها وهي تدسها خلف اذنيها بقوة ، لتعود لذكرياتها البعيدة مرة أخرى بدون ان تمنع نفسها من التذكر وتحديدا بعد ان اصبحت شريكتهم بأعمالهم الغير قانونية ومهمتها الجديدة قد اصبحت اختراق كلمات مرور الأجهزة الأمنية والتكلم مع المدراء الكبار لتحصل منهم على المعلومات المهمة والتي تساعدهم بما يسعون إليه من دناءة ، ولكن كلما كانت تخطئ بعملها بقصد او بدون قصد او كلما حاولت خداعهم بكلمات المرور لتعريضهم لخطر الانكشاف امام العالم تتحول عندها حياتها لجحيم من تعنيف جسدي وحشي وضرب لم تذقه بحياتها لحرمان اسابيع من تناول الطعام ، وهي ما تزال تذكر بكل مرة يحدث نفس الشيء تبدأ بالرجاء والتوسل بلهاث وانفاسها ستزهق منها من الألم الشديد والذي تشعر به دائما فأهم شيء بالنسبة لهم هي الحفاظ على سرية اعمالهم بعيدا عن العالم
"كفى توقف أليس بقلوبكم أي رأفة او رحمة يا مستبدين ، لقد اكتفيت حقا واعدك بأني لن اعيدها مرة أخرى ، فقط كفى"

ولكن المجرمين والذين يحومون من حولها لا يفكرون سوى بعملهم والذي كان على وشك الدمار بسبب خطأ صغير منها كانت تتعمده لتكون نهايتها جسد هامد بفعل ضربات (قيس) المبرحة لها والقريبة للوحشية باستخدام كل انواع الأسلحة وبدون اي شفقة نحوها ، وما أن تغيب عن الوعي بعيدا عن كل انواع الضجيج وبعد ان اشبعت بالضربات بكل انحاء جسدها الهامد حتى يتوقف الضرب ليختفي بعدها صاحب الضجيج يتبعه باقي اصدقائه وكل واحد منهم يأخذ دوره بضربها كلما حاولت ان تخطئ مع احد منهم ، واحيانا اخرى يستخدم الطريقة الأسهل معها وهي اطفاء سجائره ببشرة ذراعها لتشعر بألم حارق يكاد يحرقها من الحرارة المشتعلة بداخلها وهو يستمتع بما يفعله بتعذيبه البطيء لها لتبقى آثارها عالقة معها للآن .

زفرت انفاسها بتهدج وهي تقف بعيدا عن المقعد ما ان وقفت الحافلة امام الواقفين منتظرين قدومها ، لتسير بعدها باتجاه الحافلة باتزان وهي تنظر لتجمعات الناس والتي تكومت عند باب الحافلة وكأنها نهاية العالم وعليهم اللحاق بركوب آخر حافلة موجودة على سطح الكوكب مثل حياتها والتي فاتتها الكثير من الحافلات ولم يبقى لها اي حافلة تستقلها بعيدا لتخرجها من كل هذه القسوة والتي كانت تحيط حياتها دوما .

نهاية الفصل يا حلوين..................

Giba.22 20-03-21 07:49 PM

كل الشكر لك على الرواية

شكرا لك على تعبك

روز علي 20-03-21 08:00 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة giba.22 (المشاركة 15421316)
كل الشكر لك على الرواية

شكرا لك على تعبك


كلك ذوق حبيبتي واتمنى ألا اخيب ظنك بالفصول القادمة ❤❤

روز علي 20-03-21 08:08 PM

الفصل الخامس
 
الفصل الخامس...............
كانت واقفة امام باب المكتب وهي تمسح يديها من العرق بسترتها الخريفية بارتباك خوفا من ان تتعرض للرفض مرة أخرى بعد يوم شاق طويل مهلك وقد اصابها إحباط كبير من كل ما تعرضت له لليوم وهي تحاول بكل جهدها بوظيفة مستحيلة كانت يوما ما بين يديها ، تنفست بعدها بهدوء وهي تدعوّ ربها بالتوفيق بما هي مقدمة عليه فقد تعبت كثيرا من الدوران حول المدارس واحدة تلو الأخرى بدون اي نتيجة وهذه ستكون القشة الأخيرة بالنسبة لها والتي ستحدد مصير وظيفتها المحتومة .

رفعت قبضتها المتصلبة لتطرق على باب المكتب بهدوء قبل ان تسمع الإذن بالدخول لتفتح عندها الباب من فورها بارتباك وهي تنظر امامها بحذر ، تقدمت بعدها بعيدا عن باب المكتب وهي تنظر بريبة للشخص والذي من المفروض ان يكون المدير وهو لا يظهر منه سوى قدميه المستريحتين فوق سطح المكتب بكل وقاحة وصوت خافت يخرج من خلف المكتب وهو يجلس نصف استلقاء على كرسيه لتصلها نبرة صوته الخافتة وهو يبدو يتكلم مع احدهم على الهاتف بنبرة غريبة
"حبيبتي لا تقلقي سأحاول كل جهدي المجيئ للمنزل مبكرا ، ولكن لن اعدكِ فأنا لدي اعمال كثيرة عليّ إنجازها بسبب مركز المدير والذي اصبحت احتله منذ فترة ، بالرغم من انني لا احبذ كثيرا هذه الوظيفة"

وقفت (روميساء) امام المكتب وهي تبتلع ريقها بتشنج احتل كل اطرافها من كلامه الخاص والذي جعل وجهها الشاحب يتلون باحمرار قاني وهي التي تحاول دائما عدم الدخول بخصوصيات الآخرين وأحاديثهم الخاصة بينهما على انفراد ، لتسعل بعدها بقوة بامتقاع ما ان وصل لسمعها المزيد من كلامه الخافت والذي ضرب اذنها بإيذاء سمعي
"لا تنسي يا حبيبتي إياكِ والنوم مبكرا حتى انهي باقي اعمالي ، لأن اليوم ستكون سهرتنا طويلة بطول ايام عمرنا"

تنهدت براحة وهي تحاول تنظيم انفاسها المرتجفة ما ان اخفض الهاتف عن اذنه اخيرا بعد ان ودعها بقبلات على الهاتف بدون اي حياء او اهتمام بوجودها ، ليستقيم بعدها بجلوسه وهو يخفض قدميه عن سطح المكتب قبل ان يدس هاتفه بجيب سترته قائلا ببرود بدون ان ينظر إليها
"نعم ، بماذا استطيع المساعدة"

زمت شفتيها بحنق وهي تفكر بالهروب من هذا المكان الموبوء بكل شيء فيه وخاصة بمديرها والذي يبدو عليه غير مباليا بالأصول ولا يعلم اي شيء عن مهنة المدير حتى ، وكيف سيعلم وهو يبدو صغير على هذه المهنة بل اقرب لطالب مجنون نجح بحياته بواسطة من والديه ؟ وهذا غير سمعة المدرسة المنحدرة والتي تكون تحت المستوى ولا يدخل إليها سوى الطلاب والذين يعانون من نقص بالميزانية بسبب عدم مطالبتها بأي رسوم او دفع اقساط وكل هذا لأن الحكومة هي من تهتم بالكتب والقرطاسية المدرسية الخاصة بالطلاب وحتى رواتب الموظفين ايضا وهي تستقبل جميع الأطفال من كل المناطق النائية الفقيرة .

زفرت انفاسها بقوة وهي تضيق عينيها الخضراء بتركيز لتقول بعدها بلحظات بابتسامة عملية
"لقد اتيتُ للتقدم على وظيفة معلمة بمدرستكم ، وانا جاهزة لأي اختبارات او معاملات لأستطيع التعين عندكم بهذه اللحظة"

رفع المدير رأسه بسرعة نحوها وكأنه قد اكتشف شيء كان قد غفل عنه ، ليدور عندها بعينيه من رأسها حتى اخمص قدميها بتباطء متعمد وابتسامة صغيرة بدأت بالحفر على شفتيه العابثتين ، بينما عقدت (روميساء) حاجبيها بحيرة وهي تنتظر مصير طلبها ، ليقف بعدها المدير عن مقعده بهدوء وهو يقول بصوت غامض ارهبها
"ما هو اسمكِ يا آنستي"

امتعضت ملامحها من كلمته الأخيرة وهو يضيف عليها حرف الملكية ، لتهمس بعدها بعبوس متصلب
"اسمي هو روميساء الفاروق"

قبضت على كفيها وهي تنتظر ما سيحدث وما يتبع اسمها عادةً والملطخ بالسمعة السيئة بالرغم من انه اسم عائلة والدها الراحل ولكنه قد تثبت بعقول الناس بذلك الاسم والمقترن مع السمعة السيئة بعد ان اصبحت قصتهم على كل لسان ، رفعت نظرها بسرعة نحو المدير والذي قال بابتسامة مندهشة
"انتِ تنتمين للعائلات الريفية ، أليس كذلك"

ردت عليه (روميساء) وهي تحرك رأسها باهتزاز
"اجل عائلة والدي تنتمي للريف ، ولكنه قد انتقل للعيش للمدينة منذ سنوات طويلة"

حرك المدير رأسه بتفكير قبل ان يدور حول المكتب ليقف امامها تماما وهو يقول بنفس ابتسامته المتسعة
"يشرفني كثيرا التعرف على فرد من العائلات الريفية ، فأنا إذا لم تكوني تعلمي اعشق كل شيء يخص تلك العائلات البسيطة وطريقة حياتهم والتي تختلف تماما عن حياة المدن"

ابتسمت (روميساء) بارتجاف وهي لا تعلم إذا كانت هذه بداية مبشرة للحصول على الوظيفة ام لا ؟ لتنتفض بعدها بجزع ما ان شعرت بيده تمسك بذراعها وهو يمد ذراعه الآخر امامها قائلا بسعادة بالغة
"تفضلي لا تبقي واقفة هكذا ، واجلسي على الأريكة هنا لنستطيع التفاهم بحرية اكبر"

أومأت (روميساء) برأسها بسرعة وهي تنزع يده عن ذراعها لتتقدم باتجاه الأريكة قبل ان تجلس فوقها باتزان ، بينما سار المدير امامها ليجلس بنفس الأريكة بجانبها تماما بدون اي حواجز ، وهذا ما دفع (روميساء) للزحف بعيدا عنه بجلوسها وهي تضم قبضتيها معا فوق ساقيها بتوتر ، ليقول بعدها المدير بخفوت وهو يتأملها بنفس التركيز البطيء
"إذاً دعيني اعرفكِ على نفسي يا روميساء ، انا اسمي نادر سلطان ولا احب الألقاب بالعمل ابدا ، لذا تستطيعين مناداتي باسمي بدون لقب"

تشنجت ملامحها بغضب قبل ان تندفع واقفة عن الأريكة وهي تقول بأعصاب منهارة من الضغط والذي تعاني منه منذ دخولها لهذا المكان
"سيدي المدير لقد اتيتُ من اجل التقدم على وظيفة بمدرستكم ، لذا اخبرني هل ستقبل بتوظيفي ام لا"

كان (نادر) ينظر لها بهدوء بدون ان يتأثر من كلامها قبل ان يقول ببرود مريب
"الأمر لا يحتاج كل هذا الغضب ، كل ما عليكِ فعله هو طلب التوظيف مني بلطف وانا بكل سعادة سأوافق على طلبكِ بكرم ، فيبدو بأنكِ متحمسة جدا لهذه الوظيفة"

التفتت (روميساء) برأسها نحوه وهي تبتسم بإحراج مما بدر منها امامه لتهمس بعدها بتلعثم
"انا اعتذر منك ، لم اقصد ان..."

قاطعها (نادر) وهو يرفع كفه باتزان مبتسم
"لا اريد اي اعتذار منكِ ، فليس هناك اي اعتذارات بين الأصدقاء"

عبست ملامحها وهي تفكر منذ متى اصبحوا اصدقاء وهي لم تدخل مكتبه سوى منذ عشر دقائق ؟ لتنفض بعدها كل هذه الأفكار عن رأسها وهي تقول بابتسامة مبتهجة
"هل هذا يعني بأنك قد وافقت على توظيفي بمدرستكم"

وقف (نادر) عن الأريكة بكسل لينظر لها بهدوء قبل ان يقول بابتسامة صغيرة
"اجل موافق ، ويمكنكِ ان تبدأي بالعمل بالوقت الذي تريدينه"

اتسعت حدقتيها الخضراء الشاحبة بالبريق والذي عاد ليملئ غابة عينيها وقد عادت بارقة الأمل بحياتها بحوزتها قبل ان تخسر عملها والأحب على قلبها ، لتختفي الابتسامة بلحظة عن شفتيها ما ان قال المقابل لها وهو يتقدم امامها لا يفصلها عنه سوى خطوة واحدة
"ولكن هل ستدفعين ثمن موافقتي على عملكِ بمدرستي هنا وقبولي بكِ رغم سمعتكِ السيئة والتي دفعت الكثيرين ليرفضوا توظيفك"

تراجعت (روميساء) للخلف عدة خطوات بحذر وهي تتنفس بنشيج وتوجس من فحوى كلامه ، وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقها (نادر) وهو يقول بضحكة صاخبة بسخرية
"أهدئي يا روميساء فقد كنتُ اختبركِ فقط وقد نجحتِ بالاختبار بالفعل ، لذا اهنئكِ على استلامكِ للوظيفة"

ارتفع حاجبيها بانشداه وعدم استيعاب وهي تحاول فهم كلماته الغريبة والتي تبدو كالطلاسم بالنسبة لها ، وهي ما تزال تطرح على نفسها نفس السؤال كيف حصل على وظيفة المدير ؟ لتحرك بعدها رأسها بقوة وهي تقول بوجوم جاد
"اذاً هل استطيع العمل الآن ، ام سأنتظر إلى ان يتم توظيفي رسميا"

ردّ عليها (نادر) بسرعة بثقة بالغة
"لا ليس هناك داعي للانتظار ما دمتِ قد اتيتِ إلى مكتبي بنفسكِ ومستعدة حقا للبدء بالعمل ، فأنا لن امنعكِ ولا احب ان اخذل احد من الموظفين عندي طلب مساعدتي ، واما باقي معاملات توظيفك فأنا من سأهتم بها بنفسي"

ابتسمت باهتزاز وهي تقول بامتنان شديد
"شكرا لك سيدي المدير ، واتمنى حقا ان اكون عند حسن ظنك ، ولكن ألن تخبرني كيف سيكون برنامج الفصول والذي سأعمل عليه"

تراجع (نادر) بخطواته للخلف وهو يلتقط الورقة من على سطح المكتب ، ليرفع بعدها الورقة امام نظره وهو يضيق عينيه بتركيز قائلا بجدية
"ستأخذين مكان المعلمة ليلى لتدرسي فصولها بدلا عنها ، ويمكنكِ ان تسألي رئيسة مكتب الطابق الثاني عن اماكن فصولها ، وهذا كل شيء عندي"

اومأت برأسها بطاعة وهي تقول بدون ان تمنع نفسها بحيرة
"وماذا حدث للمعلمة ليلي"

اتسعت ابتسامة (نادر) وهو يقول بهدوء
"هذا ليس من اختصاصكِ يا روميساء"

اخفضت نظرها للأسفل بامتقاع قبل ان تتمتم بجمود
"حاضر يا سيدي المدير ، انا ذاهبة لعملي الآن ، وشكرا لك على الوظيفة مرة أخرى"

كان (نادر) يحرك رأسه بهدوء ونظراته ما تزال تدور على جسدها الطويل امامه بتمهل متعمد ، لتستدير بعدها (روميساء) بعيدا عنه بصمت قبل ان تغادر المكتب بأكمله بسرعة وابتسامة جميلة تحتل شفتيها الممتلئتين بسعادة ، بينما كان (نادر) ما يزال يبتسم بغموض قبل ان يحيد بنظراته باتجاه الورقة بيده وهو يتمتم ببرود مريب
"سامحيني يا ليلى ، ولكن للضرورة أحكام"

__________________________
كانت تصعد درجات السلم باتزان على كعبيّ حذائيها المسننين وهي تمسك بحاجز السلم بيدها بقوة وتمسك بمذاكراتها بيدها الأخرى ، لتشعر بعدها بما يصدمها من الخلف باندفاع لتقع على الجانب الآخر من حاجز السلم وهي تتمسك به بكفيها بتشبث بعد ان اوقعت مذاكراتها لتتدحرج على الدرجات من خلفها وانفاسها تخرج بنشيج متقطع ، التفتت بعدها برأسها للخلف وهي تنظر للفتاتين الضاحكتين على وضعها بسخرية واحداهما تقول باستهزاء ذات الوجه المتبرج بكل انواع مساحيق التجميل
"كان عليكِ الانتباه امامكِ وانتِ تسيرين يا صغيرة ، ام تريدين مني ان اعلمكِ كيف تسيرين بالشكل الصحيح"

ضحكت بعدها بصخب لتشاركها صديقتها الأخرى الضحك وكأنهما ليس لديهما شيء يفعلانه غير اغاظتها على الدوام مثل ايام بداية دوامها بالجامعة قبل سنتين بالرغم من انها بدأت تعليمها بعمر متأخر بسبب حالتها الحرجة والتي ارغمتها على ملازمة المنزل وخوض عالم التعليم بداخل جدران المنزل بسنوات طفولتها ، تحاملت بعدها على نفسها وهي تبتعد عن حاجز السلم لتنحني عندها على الدرجات الرخامية امامها وهي تلتقط مذاكراتها والتي سقطت من فوقها بدون ان تعيرهما اي اهتمام ، لتسمع بعدها كلام الفتاة الأولى المتبرجة وهي تكلم صديقتها بجانبها بخبث
"انظري إليها لم تتغير ابدا ، ما زالت غزل تلك الطفلة البريئة والساذجة والتي تحاول دائما جذب جميع المخلوقات إليها بدافع الشفقة لا أكثر ، ولا تعلم بأنها ليست مرغوبة من الجنس الآخر ابدا فهي لا تمتلك صفات الانوثة والجاذبية وكل ما يدفعهم نحوها هي الشفقة فقط"

كانت (غزل) مستمرة بجمع مذاكراتها وكلماتها تصيبها بنقطة ضعفها لتنحر روحها بانكسار قبل ان تستقيم بوقوفها بحذر شديد ، لتنظر بعدها للكتاب بآخر درجات السلم والذي لم تنتبه لوجوده وما ان كانت متجهة نحوه حتى سبقتها الفتاة الوقحة لتلتقطه من على الدرجة وهي تلوح به قائلة بحزن مصطنع
"هل تريدين هذا الكتاب حقا ، إذا كنتِ تريدين استعادته فعليكِ اولاً ان تجيبي على سؤالي ، كيف استطعتِ مواعدة عصام شرفات وجعله يتعلق بكِ"

تجمدت ملامح (غزل) بصدمة وهي تدير عينيها العسلية بعيدا عنها ما ان نطقت باسم من كانت تحاول جاهدة نسيانه واعتباره صفحة من حياتها وانطوت لتعود هي للنبش بالماضي وجعل قلبها يأن ألماً بصدرها وهو ينزف دما منذ خروجه من حياتها ، همست بعدها بعبوس مرتجف وهي تشدد من احتضان مذاكراتها
"انا لا اعلم عن ماذا تتكلمين"

عبست ملامح الفتاة المقابلة لها وهي تنطق بالشر قبل ان تقول بامتعاض ساخر
"بل تعلمين جيدا عن من اتكلم ، ذلك الشاب الهادئ والذي ترككِ واختار أخرى ونبذكِ مثل الشيء المستهلك والذي انتهت صلاحية استخدامه ، ولكن ما يحيرني هي الفترة الطويلة والتي قضاها برفقتكِ ، وانا لا اعلم ماذا وجد بكِ ليميزكِ عنّا"

عضت (غزل) على طرف شفتيها بتشنج وهي تحاول السيطرة على اعصابها من الذكريات والتي عادت لاختراق غمامة ذهنها المشوش ، تدخلت بعدها الفتاة الأخرى وهي تصرخ بصديقتها بهلع
"سامية انظري خلفكِ"

التفتت المدعوة (سامية) برأسها للخلف لتصطدم نظراتها بارتعاد بجسد فائق الطول قبل ان يسبقها صاحب الجسد وهو يقول بصرامة متزنة
"ما هذه التصرفات الصبيانية يا سامية ، ألم يأتي الوقت المناسب لتتعقلي وتتركي الناس وشأنها بعيدا عن جنونك"

اخفضت (سامية) نظراتها بعيدا عنه بإحراج وخزي قبل ان تقول بخفوت نادم
"انا اعتذر يا استاذ هشام ، ارجوك ان تسامحني"

كان (هشام) ينظر لرأسها بهدوء وهو يحرك رأسه بتركيز ليقول بعدها بجدية صارمة
"لا بأس سامحتكِ ، ولكن لا تعيديها مجددا ، وهيا غادري لكي لا تفوتي موعد محاضرتكِ وتوقفي عن اللهو بالأرجاء واضاعة وقت المحاضرة بالسخافات والتي لن تفيدكِ مستقبلا بشيء"

اومأت (سامية) برأسها بامتعاض واضح وهي تحاول السير وتجاوزه بعيدا ، ليعود ليقف امامها بقوة وهو يرفع يده قائلا بأمر
"اعطيني الكتاب اولاً وبعدها غادري"

تجهمت ملامح (سامية) وهي تضع الكتاب بيده بعنف قبل ان تسير بعيدا عنه بصمت وهي تكاد تشتعل من الغيض ، لتتبعها بعدها صديقتها وهي تتجاوز الاستاذ بحذر قبل ان تسرع بخطواتها باتجاه صديقتها .

افاقت (غزل) من شرودها بخضم ما حدث على صوت (هشام) وهو يوجه كلامه لها بهدوء
"هذا الكتاب لكِ صحيح"

اخفضت نظراتها نحوه وهي تنظر لأول مرة للأستاذ الجديد والذي بدأ يعمل بجامعتها من فترة وجيزة وقد حضي على إعجاب الكثير من الشبان والفتيات بالجامعة من وسامته والتي تنضح بملامحه الرزينة ومن ثقافته الواسعة وذكاءه الظاهر بطريقة ألقاءه للمحاضرة بقاعة تعج بكل انواع الطلاب ، اكملت بعدها نزولها الدرجات المتبقية قبل ان تقف امامه وهي تقول بخفوت شديد يكاد لا يسمع
"اجل هذا الكتاب لي ، هلا اعدته إلي لو سمحت"

كان (هشام) يجول بنظراته بهدوء نحوها من شعرها الأسود القصير والذي يحف اذنيها لعينيها الغريبتين بلونهما العسلي ومع اخضرار بسيط بحدقتيها ، ليشيح بعدها بوجهه بعيدا عنها وهو يرفع الكتاب امامها لتلتقطه من جهتها وهي تدسه بين مذاكراتها ، ليسمع بعدها همسها الخافت والذي يرف بأذنيه مثل صوت عصفور جريح يأن
"شكرا"

اعاد نظره نحوها وهو ينظر لها بتفكير تثيره دائما بداخله وهو لا يستطيع تحديد نوعها للآن إذا كان من صنف تلك الفتيات المدللات واللواتي قابلهن منذ لحظات ام من الصنف الآخر من الفتيات المجتهدات واللواتي لا يهمهن سوى الحصول على الشهادة والتي تؤهلهم للوظيفة ، اخفض نظره لوجهها والذي ارتفع نحوه ببطء وهي تهمس بنفس النغمة الحزينة
"عذرا منك ، ولكن عليّ الذهاب للقاعة فقد بدأت محاضرتي"

تصلبت ملامحه وهو يدس كفيه بجيبي بنطاله بهدوء ليقول بعدها ببرود قاسي
"ومن منعكِ من المغادرة ، هيا اذهبي"

عضت (غزل) على طرف شفتيها المتكورتين بحنق من اسلوبه البارد معها وكأنها تعمل عند سيادته لتنتظر الإذن منه للمغادرة ، ولكن كل هذا بسبب غباءها والذي دفعها لتبقى صامتة امامه بدلا من الرحيل بعيدا عنه وهي تظنه ما يزال لديه المزيد من الكلام بجعبته لها ليتبين بأنه كان فقط يتسلى بوقوفها جامدة امامه كالبلهاء .

تحركت (غزل) بعيدا عنه وهي تتجاوزه بصمت وحذائها العالي يطرق الأرض الصلبة من اسفله بقوة ليعبر عن مدى القهر والذي تشعر به بهذه اللحظة ، لتتابع بعدها سيرها بتمايل متقن وهي تعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها ، بدون ان تنتبه للنظرات والتي كانت تلاحقها بوجوم وحتى بطريقة سيرها الغريبة والتي تختلف عن طريقة باقي الفتيات وهي تدل على صعوبة سيرها بكعبيّ حذائيها المسننين وكأنها تتعمد فعل كل هذا بإرادتها او بدونها .

________________________________
كانت تنظر للدفتر بحجرها وهي تتلمسه بكفها بحالمية وكأنه شيء ثمين افتقدته كثيرا بحياتها منذ زمن ، وكم كان شعورا رائعا العودة لحياتها والتي تمثلها لها تلك الوظيفة رغم الاختلافات الشاسعة بين طبيعة ومكان الوظيفتين ، فأهم شيء بالنسبة لها الآن هو العودة لما كانت عليه والشيء الوحيد والذي تتقنه بجدارة بحياتها الفارغة ليملئ الفجوة والتي يحدثها اليتم بحياتهم .

حادت بنظراتها نحو مصدر الصوت وهو يقول بجمود متصلب
"انا سعيدة جدا لأنكِ استطعتِ إيجاد المدرسة والتي تقبل بتوظيفك ، ولكن ألن تخبريني ما نوع تلك المدرسة بالضبط واين هي"

اخفضت (روميساء) نظراتها بعيدا عنها للدفتر بحجرها وهي تتمتم ببرود متعمد
"لا يهم ما هو نوعها واين مكانها ، فالمهم الآن بأني وجدتُ وظيفة بمدرسة ستضمن لنا راتبا شهريا سنستطيع العيش عليه بالأيام القادمة"

شددت (ماسة) من ضم ركبتيها لصدرها وهي تجلس بتكور بمنتصف السرير ، لتقول بعدها بابتسامة غامضة غير معبرة عن شيء
"ولكني لم اقتنع بعد بكلامكِ ، واريد ان اعرف كيف وافقت المدرسة على توظيفك إلا إذا كانت مدرسة فاشلة معتادة على استقبال مشوهين السمعة ، ام انكِ دفعتي لهم شيء قيّم مقابل توظيفك"

ردت عليها (روميساء) بانفعال حاد
"ماسة كفى"

ادارت (ماسة) حدقتيها بعيدا عنها بدون اي كلمة ، بينما شردت (روميساء) بكلام المدير عن الثمن وهي لم تفهم بعد ماذا كان يقصد بكلامه وإلى اين كان يريد ان يصل ؟ كل الذي تتمناه ألا تضطر لترك العمل بتلك المدرسة بسبب أي ظرف كان فهي لن تتحمل المزيد من الإحباط واليأس بحياتها .

قالت بعدها بلحظات بخفوت وهي تتلاعب بأوراق الدفتر امامها والذي يحوي على جميع اسماء الطلاب بالفصل
"اعتقد بأن الفضل يعود لأسم عائلة والدنا فهو بعد كل شيء ما يزال نظيف ولم يلطخ بالسمعة السيئة"

عقدت (ماسة) حاجبيها بتركيز وهي تتمتم بوجوم
"أتعنين عائلة الفاروق والتي لا نعلم عنها شيئاً إذا كانت على قيد الحياة ام لا ، وحتى لو كانوا موجودين بالواقع فلم يحاول احد منهم السؤال عنّا طيلة السنوات الماضية"

عبست ملامح (روميساء) وهي تنظر لها بحزن قبل ان تهمس بحنق
"توقفي عن التصرف بهذا التشاؤم ، فليس هذا ما قصدته بكلامي"

حركت (ماسة) رأسها بلا مبالاة لتتابع بعدها (روميساء) كلامها قائلة بابتسامة حزينة
"لولا اسم عائلة والدنا والذي ما يزال يحتل مكان بسمعتنا لما استطعتُ الحصول على هذه الوظيفة ، فلا تنسي بأن والدي لم يخطئ بحياته ولم يفعل شيئاً يمس سمعته وسمعة عائلته بل بقي محافظا على اسمه نظيفاً حتى رحل بعيدا عن العالم"

كانت (ماسة) تسند ذقنها فوق ركبتيها بجمود وهي تستمع لكلام شقيقتها الحالم بتركيز ، لتهمس بعدها بشرود واجم
"أتقصدين بأن حياتنا كانت ستختلف لو ان والدي ما يزال على قيد الحياة"

تنهدت (روميساء) بهدوء وهي تتنفس بنشيج واضح بدون دموع قبل ان تهمس بشحوب حزين
"ربما"

عضت (ماسة) على طرف شفتيها بألم بدأ ينهش بأطرافها ببرودة اعتادت عليها وهي تفكر بطبيعة حياتها والتي عاشتها بدون اي سند او والد تحتمي من خلفه فقط كانت تعيش طول حياتها تحت ظل زوج والدتها والذي هيمن على حياتها بأكملها حتى اصبح مالكها الأصلي ومن يملك زمام امورها ، ليقطع بعدها الوجوم والذي خيم على الغرفة بأكملها صوت (روميساء) وهي تقول بحزم قاطع
"بما اني قد عدتُ للعمل مرة أخرى ، فإياكِ وان اعرف بأنكِ تريدين البحث عن عمل او تفكرين بالعمل عند احد ، وركزي فقط على دراستكِ فهي كل ما يهم ، فهمتِ يا ماسة"

ردت عليها (ماسة) بجفاء بارد
"ومن اخبركِ بأني قد وجدتُ عمل ، او ان هناك من سيقبل بتوظيفي بدون اي شهادة او خبرة"

زفرت (روميساء) انفاسها براحة وقد اقتنعت اخيرا بالعدول عن قرار البحث عن وظيفة وقد ظنت بأنها لن تستسلم قبل ان تفعل ما برأسها ، لتتابع بعدها (ماسة) كلامها وهي تدير رأسها نحوها بقوة وحدقتيها تلمع بزرقة قاتمة
"ولكن ما ان اتخرج من الجامعة سأبدأ عندها بالبحث عن عمل بأي مكان وحتى لو لم يكن من مجال دراستي ، لأستطيع عندها مساعدتكِ بالمصاريف وبالسكن بشقة لوحدنا وهذا لن يكون ببعيد"

امتعضت ملامح (روميساء) بعدم رضا وقبل ان تنطق بأي اعتراض سبقتها (ماسة) وهي تقول بتشديد صارم
"هذا قرار نهائي يا روميساء ولا رجعة فيه ابدا"

صمتت (روميساء) وهي تزم شفتيها بحنق من تصرفات شقيقتها الغير مسؤولة والغير قابلة للنقاش وكأنها ليست تكبرها بخمس سنوات كاملة ، لتدير بعدها (ماسة) حدقتيها بعيدا عن شقيقتها وهي تعود لتسند ذقنها فوق ركبتيها بشرود باهت ، بينما كانت (روميساء) تراقبها بابتسامة امومية معتادة على النظر بها نحوها فبعد كل شيء هي تبقى شقيقتها الصغرى من والديها ومن شهدت على كل مراحل حياتها من المهد حتى وصلت لما هي عليه الآن .

عادت للنظر للدفتر بحجرها بهدوء وهي تغلقه بصمت قبل ان تهمس بابتسامة شاردة
"ما رأيكِ ان اخبركِ القليل عن والدنا"

ردت عليها (ماسة) ببرود جليدي
"لا أريد"

اختفت ابتسامة (روميساء) ليحل مكانها الوجوم وهي لم تفهم حتى الآن لما ترفض (ماسة) دائما التكلم عن والدها والتعرف عليه ولو معرفة تفاصيل صغيرة عنه فهو قد توفي وهي لم تتجاوز عمر الرابعة ؟ وبالرغم من ذلك فهي تصر دائما على ان تبقى بعيدة عن كل ذكرياته وعن كل شيء يخصه وكأنه لا يعنيها ولا يقرب لها بشيء ، تنهدت بعدها بحزن ما ان دفنت (ماسة) وجهها بين ساقيها وهذه طريقتها الخاصة بإنهاء اي حديث مع احدهم بأن تتجاهله وتنعزل بعالمها الخاص والبعيد عن الجميع ، وكم تتمنى لو تستطيع الغوص بعالمها هذا والذي صنعته بينهما منذ وفاة والدتها فقط لو تعطيها الإذن .

يتبع...............

روز علي 20-03-21 08:24 PM

كانت تحيد بنظراتها بين الحين والآخر لصف المقاعد بجانبها بتركيز قبل ان تعود بالنظر للأمام بجمود وهي تستمع بملل لحديث الاستاذ والذي ملئ صوته صدى القاعة بأكملها ، لتنظر صديقتها نحوها ومن تجلس بجانبها تماما وهي تتمتم بحيرة
"ماذا هناك يا ماسة ، لما تنظرين بهذه الطريقة"

ردت عليها (ماسة) ببساطة وهي تنظر امامها بتصلب
"نحن مراقبان"

امتعضت ملامح (صفاء) وهي تهمس بخفوت متذمر
"ها قد بدأنا مرة أخرى ، انتِ تعلمين بأننا مراقبان من كل الطلاب بالقاعة ومن الاستاذ نفسه"

التفتت (ماسة) نحوها بعنف وهي تهمس بامتقاع ساخر
"انا جادة بكلامي يا صفاء ، واعلم جيدا كيف افرق بين المراقبة الطبيعية وبين المراقبة المتربصة لنا"

اعادت (صفاء) وجهها للأمام وهي تبرم شفتيها هامسة بلا مبالاة
"لا فرق بينهما ، انتِ فقط من تضخمين الموضوع لا أكثر"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تعيد رأسها للأمام قائلة ببرود قاتل
"بل انتِ التي لا تشعرين مما يدور من حولك"

زمت (صفاء) شفتيها وهي تتجاهل كلامها فهي كلما دخلت معها بنقاش تخرج منه بالنهاية خاسرة محملة بأذيال الخيبة وكأنها تهوى تدمير خصومها بدون ان تهتم إذا كان عدو او صديق ، بعدها بدقائق وقفت (ماسة) عن مقعدها بهدوء ما ان انتهى وقت المحاضرة ليخرج الاستاذ من القاعة بعد ان اعاد على اسماعهم للمرة الألف قوانين وموعد الاختبار القريب ، لتتبعه بعدها (ماسة) وهي تضع حزام الحقيبة فوق كتفها قبل ان تغادر القاعة من فورها بجمود وقبل مغادرة باقي الطلاب .

سارت (صفاء) بسرعة لخارج القاعة وهي تحتضن مذاكراتها بذراعيها قبل ان تتبعها بخطوات متمهلة ، لتقف بعدها بمكانها ما ان سمعت صوت هتاف باسمها لتستدير للخلف وهي تنظر للشاب والذي وقف امامها وقد كان يبدو عليه خارجا من نفس القاعة والتي خرجت منها للتو ، لتبتسم بعدها برقة وهي تنظر للشاب بريبة بينما كانت (ماسة) تقف على مقربة منهما ونظراتها موجهة بتركيز للشاب الواقف امام صديقتها .

بدأت (صفاء) بالكلام وهي تقول بابتسامة صغيرة
"هل هناك مشكلة يا سيد"

تشنجت ملامح الشاب وكأنه يحاول حل معادلة عويصة ليفتح شفتيه عدة مرات قبل ان يغلقهما بإحباط ، ليتمتم بعدها بالنهاية بإحراج متلعثم
"الحقيقة لقد اردتُ طلب مساعدتكِ ، إذا كنتِ تستطيعين مساعدتي بالحصول على شرح المحاضرات الماضية فقد فوتها بسبب غيابي المتكرر بالأيام السابقة ، وهذا إذا لم يكن لديكِ مانع"

انفرجت شفتي (صفاء) بارتجاف قبل ان تهمس بتأكيد
"اجل اكيد ، لا امانع ابدا"

ابتسم الشاب باتساع وهو ينظر لها وهي ترفع الدفتر امامه بابتسامة لطيفة برقة تستطيع سحر القلوب ، ليرفع بعدها يده بسرعة وهو يلتقط الدفتر منها قبل ان تنسحب بعيدا عنه بفعل اليد والتي امسكت بذراعها لتؤخذها بعيدا عن امامه ، بينما قال الشاب بسرعة وهو يلوح لها بالدفتر ببلاهة
"شكرا ، على ما اعتقد"

كانت (صفاء) قد اختفت عن نظره تماما قبل ان تسمعه وهي تحاول مجاراة خطوات صديقتها بصعوبة ، لتتوقف بعدها وهي تتشبث بالأرض بقدميها قائلة بتجهم
"كفى يا ماسة ، واخبريني لما سحبتني بعيدا عن الشاب قبل ان انهي كلامي معه"

توقفت (ماسة) عن السير وهي تفلت ذراعها لتستدير نحوها وهي تقول بجمود متصلب
"ألم تفهمي يا غبية ، هذا الشاب نفسه من كان يراقبنا ويبدو بأنه كان يحاول الدوران من حولكِ من نظراته والتي لم تتركنا منذ بداية المحاضرة"

كتفت (صفاء) ذراعيها فوق صدرها بعبوس وهي تقول بامتعاض
"غير صحيح فقد كان يريد مني المحاضرات الماضية بسبب تغيبه عنها"

ابتسمت (ماسة) بسخرية وهي تحرك كفيها بعصبية قائلة بغضب
"وانتِ بكل بساطة قد صدقته ، ألم تلاحظي بأنه قد اخذ اكثر من وقته ليستطيع طرح السؤال عليكِ وطلب المساعدة بدل من ان يدخل بالموضوع مباشرة معكِ"

عبست ملامح (صفاء) وهي تحرك ساقيها بتوتر قبل ان تتمتم بوجوم
"ماذا تقصدين بكلامكِ يا ماسة"

ردت عليها (ماسة) بدون اي مواربة
"يعني بأنه لم يكن يريد منكِ المحاضرات بل شيء آخر مختلف تماما"

اتسعت عينيّ (صفاء) العسليتين بتوجس قبل ان تحرك رأسها بقوة نافضة كل الأفكار عن رأسها ، لتعود بعدها للسير بعيدا عنها وهي تتجاوزها باتجاه السلالم الخاصة بمدخل الكلية ، لتقول بعدها بنفاذ صبر وهي تنزل درجاتها بعجلة
"هذا يكفي لا اريد التكلم عن هذا الموضوع مرة أخرى"

كانت (ماسة) تنزل السلالم بهدوء من خلفها بدون ان تهتم للأنظار المتجهة نحوهما بسبب المشادة والتي حدثت بينهما من لحظة ، وما ان وصلت لنهاية السلالم حتى تابعت سيرها خلف صديقتها وهي تقول من خلفها بتذمر جاف
"توقفي عن الهروب يا صفاء ، وانا اعدكِ بأننا لن نتحدث عن هذا الموضوع مرة أخرى"

توقفت (صفاء) بالفعل وهي تلتفت نحوها بعبوس حزين ، لتتوقف (ماسة) امامها وهي تقول بملل
"ماذا الآن ، اما زلتِ غاضبة مني"

انحنت عينيّ (صفاء) بحزن وهي تهمس بابتسامة شاردة بمحبة
"تعلمين بأنني لا استطيع الغضب منكِ لفترة طويلة ، فقط لو تقدرين ما احمله لكِ بقلبي من عاطفة جياشة اخصها لكِ وحدك"

ادارت (ماسة) عينيها الداكنة بعيدا عنها ببرود وهي تتمتم بابتسامة باهتة
"جيد"

تجهمت ملامح (صفاء) قبل ان تعود للابتسام بسعادة وهي تعانق كتفيّ صديقتها بذراعها بقوة قائلة بحنق
"جيد فقط ، أهذا كل ما لديكِ من اجل صديقة العمر"

اشاحت (ماسة) بوجهها جانبا بصمت بدون ان تنطق بأي كلمة ، لتتابع بعدها (صفاء) كلامها وهي تقول بابتسامة حالمة
"ماسة اخبريني ، هل جربتِ شعور الحب ، وهل هو رائع كما يقولون"

ابتسمت (ماسة) بجمود وهي تنظر بعيدا عنها قائلة بخفوت مشتد
"تعلمين جيدا رأيي بالحب"

ابعدت (صفاء) ذراعها عنها لتلوح بها قائلة بنبرة مقلدة لها بسخرية
"الحب مجرد كذبة ابتدعها المغفلون وصدقها العاقلون ليس لشيء سوى للحصول على المتعة وتجربة شيء جديد مختلف تماما عن المعتاد ، أليس هذا هو كلامكِ"

صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حانق
"صفاء"

انسحبت (صفاء) وهي تجري بعيدا عنها ضاحكة بمرح وكل الأنظار تدور من حولها وهي تتجاوز تجمعات الطلاب بساحة الجامعة بتعثر ، بينما حركت (ماسة) رأسها بغضب منها قبل ان تحفر ابتسامة صغيرة على شفتيها الحزينتين ، لتتابع بعدها سيرها باتزان نحو التي لم يعد يظهر منها شيء سوى يدها الملوحة من بعيد وشعرها البني الطويل يتراقص مع حركتها .

______________________________
خرجت من الحافلة بسرعة وهي تجري بتعثر قبل ان تقف بانتظار وهي تنظر لصديقتها الأخرى والخارجة من الحافلة بهدوء قبل ان تبتعد الحافلة وهي تكمل سيرها بعيدا عنهما ، امسكت (صفاء) بكف صديقتها الأخرى وهي تسحبها معها قائلة بعجلة
"هيا بسرعة يا ماسة قبل ان تغيب الشمس علينا ، اريد تجربة المطعم الجديد والذي فُتح على اطرف المدينة"

زفرت (ماسة) انفاسها بضيق وهي تنظر لخطواتها المسرعة قائلة بتذمر
"ألا ترين بأن الوقت قد تأخر كثيرا ، وقد اصبح من الافضل لنا العودة للمنزل"

التفتت (صفاء) نحوها وهي تهمس بعبوس حانق
"لا بل اريد تجربته الآن ، ولن استطيع فعلها بوقت آخر لأن شقيقي مازن يراقب كل تحركاتي بالمنزل ولا يسمح لي بالخروج منه إلا لأماكن محددة وهذا الأمر يدفعني للجنون"

ردت عليها (ماسة) وهي تحرك رأسها بملل
"هذا يعني بأن مازن قد عاد للعيش معكم"

قالت (صفاء) بهدوء وهي تسير باتزان مع خطوات صديقتها
"اجل لقد عاد وقد يكون لفترة قصيرة ، فقد شرط عليه والدي ليستطيع العودة للسكن معنا بالمنزل فعليه تنفيذ اوامره بالحرف الواحد ، ولا اعلم إذا كان مازن سيستطيع فعلها ام لا"

تصلبت ملامح (ماسة) وهي تفكر بالشقة الخاصة بزوج والدتها والتي استولى عليها (مازن) بحجة الحفاظ عليها لها ولشقيقتها لحين عودتهما ، ولا تعلم إذا كانت الشقة ما تزال له او انها ذهبت لشخص آخر بعد ان يأس من عودتها لها ؟ ولكن طبيعة شخص مثل (مازن) تعايشت معها منذ سنوات تثبت لها بأنه من المستحيل ان يستسلم بهذه السهولة ويترك كل شيء من خلفه بدون ان يحصل على مراده وهي قد كانت دوما مراده كما يقول منذ ايام الشجارات بالطرقات ومضايقاته لها بالمدرسة .

توقفت بعدها بلحظات عن السير ما ان توقفت صديقتها والتي شهقت بهلع وانتفاض ، لتنظر بعدها لما تنظر إليه وقد تبين بأن (مازن) هو من اعاق عليهما طريقهما وهو يبعد عنهما بمسافة قصيرة ونظراته تتنقل بينهما بكسل بارد ، ليسير بعدها امامهما ونظراته معلقة بوجهيهما قبل ان يقف على بعد خطوة منهما وهو يضع ساق خلف الأخرى قائلا بدهشة مزيفة
"هل هذه شقيقتي صفاء ، ومعها ايضا دمية قيس ، وغير هذا بمنطقة على اطراف المدينة والشمس على وشك المغيب ، رائع تتصرفان وكأنه ليس هناك اي مسؤول او كبير بحياتكما الرخيصة الفارغة...."

قاطعته (صفاء) بارتباك شاحب
"غير صحيح فهو ليس كما تظن"

ابتسم (مازن) باستفزاز وهو يقول بتعجب ساخر
"حقا يا صفاء ، هل تريدين مني ان اكذب ما اراه امامي ام تريدين مني ان اخبر والدي بأفعالكِ الشائنة والتي لن تسره ابدا"

اتسعت حدقتيها العسليتين وهي تصرخ بجزع
"لا تفعل"

رفع كفه بهدوء ليربت على كتفها قبل ان يمسك بذراعها بقوة واصابعه تنشب بلحم ذراعها بقسوة وهو يهمس بفحيح متصلب
"ليس من الجيد ان ترفعي صوتكِ امامي يا شقيقتي الصغرى"

زمت شفتيها الورديتين بارتجاف وهي تتلوى بذراعها بألم واصابعه تخترق قماش قميصها الخفيف ، لتتدخل بعدها (ماسة) وهي تنطق لأول مرة قائلة بصرامة شرسة
"ما تفعله بحق شقيقتك لا يجوز وخاصة امام العالم ، فأنت هكذا ستظهر امامهم بمظهر المجرم المستبد وقد يلقون بالقبض عليك بإشارة واحدة منّا ، فلا تنسى بأن المجتمع دائما يتعاطف مع المرأة مهما كانت جريمتها"

تلفت (مازن) من حوله بارتباك وهو يلمح بعض الأنظار والتي بدأت تتجه نحوهم بريبة وكأنهم يستعدون للانقضاض عليه بأية لحظة ، ليترك بعدها ذراعها بهدوء وهو يشيح بوجهه بعيدا عنها بحنق بالغ ، بينما فركت (صفاء) ذراعها بموضع قبضته بألم وهي تنظر لصديقتها بابتسامة حزينة ممتنة ، لتقابلها الأخرى بابتسامة هادئة غير معبرة .

قال (مازن) بعدها بلحظات بوجوم وهو يشير بعينيه بعيدا بأمر
"هيا بنا لنعود للمنزل ، وحسابكِ معي لم ينتهي بعد ، لتفكري مرة أخرى عندما تتجرأين على اللهو بشرفنا كما يحلو لك"

نظرت له (ماسة) باشمئزاز وهي تتمتم باستهزاء واضح
"عليكم محاسبة انفسكم قبل محاسبة غيركم"

امتقعت ملامح (مازن) وهو يحيد بنظراته نحوها بتركيز ليبتسم بعدها بميلان وهو يقول بثقة بالغة
"وانتِ ايضا حسابكِ معي لم ينتهي بعد يا دمية قيس ، فقط امهليني بعض الوقت لأتفرغ لكِ جيدا ويصبح كل ما اريده ملكي"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنه بغضب وهي تتنفس بحدة ، بينما تدخلت (صفاء) وهي تهمس له بحزن شاحب
"اتركها وشأنها يا مازن ، ولا تضايقها فهي لا علاقة لها بما حدث الآن وانا التي جلبتها لهذا المكان بنفسي"

عاد (مازن) للنظر لشقيقته بملل وهو يقول بنفاذ صبر
"اخرسي انتِ ، وهيا تحركي امامي لنعود للمنزل قبل ان اضربكِ امام الناس"

قالت (ماسة) فجأة ببرود جليدي
"يمكنك ترك صفاء معي ، فنحن نستطيع العودة للمنزل لوحدنا ولا نحتاج لمرافقة احد معنا"

تجهمت ملامح (مازن) بغضب لتسبقه (صفاء) بالكلام وهي تقول لصديقتها بابتسامة حزينة
"لا بأس يا ماسة ، فأنا سأعود للمنزل مع مازن ، واعتذر لأني ورطتكِ معي بكل هذا فكل ما يحدث الآن بسببي انا وبسبب فكرتي الغبية بالذهاب للمطعم"

عقدت (ماسة) حاجبيها بحدة وهي تنظر لها بهدوء متصلب قبل ان تتمتم بابتسامة باردة
"كما تريدين"

اتسعت ابتسامة (صفاء) برقة قبل ان تتراجع بخطواتها لتلحق بشقيقها من الخلف والذي سبقها بالسير بعيدا ، لتلوح بعدها بكفها بهدوء لصديقتها بدون ان تفقد ابتسامتها والتي تحتل ملامحها الجميلة ذات التفاصيل الناعمة عكس شقيقها ، بينما كانت (ماسة) ما تزال تراقب طريق سيرهما وابتسامتها الباردة تختفي تدريجيا عن وجهها ليحل مكانها الجمود ويتبقى فقط الفراغ وهو يحوم من حولها يكاد يبتلعها .

____________________________
كانت تمسك بالطبشور بأصابعها وهي تكتب به على سطح اللوح الأملس امامها بثبات وبيدها الأخرى تمسك بالكتاب المدرسي وهي ترفعه لأمام نظرها بجانب موضع يدها الممسكة بالطبشور ، ليتصلب بعدها ظهرها باستكانة ما ان وصلت طائرة ورقية بجانب رأسها قبل ان تهبط واقعة بجانب قدميها بهدوء ، تنهدت بهدوء وهي تخفض يديها للأسفل بعيدا عن اللوح لتقول عندها بدون ان تلتفت نحو وجوههم وهي تشعر بضحكاتهم المكتومة تصلها بوضوح
"والآن من المسؤول هذه المرة"

عضت (روميساء) على طرف شفتيها بوجوم وهي لا تصدق مدى الوقاحة والتي يملكونها وصوت ضحكاتهم والتي ارتفعت تزيد من إحباطها وهي التي اعتادت على التعامل مع كل انواع الاطفال ومجاراتهم بحركاتهم بعد ان تعايشت مع محيطهم لفترة طويلة ، ولكن هؤلاء الاطفال اثبتوا لها بأنها لم تتعلم شيئاً بعد كل هذه السنوات وكل خبرتها معهم تتبخر ما ان تحاول الاندماج معهم واستخدام الاسلوب والذي يناسبهم ، فقد اكتشفت بالنهاية بأن العيب ليس بها بل بسبب قوانين المدرسة الفاشلة والتهاون والذي يتعاملون به مع طلاب اقل شيء يستحقونه هو الصرامة والعقاب على افعالهم والتي تسبب الأذى ليس لهم فقط بل لجميع من يرتبط بهذه المدرسة وبالحكومة بشكل خاص ، ولكن لما يهتمون مادامت جميع معاملات المدرسة بالمجان والحكومة تقدم لهم دعماً سخياً لم يحصل عليه احد من قبلهم من بين جميع المدارس بالمملكة .

تصلبت ملامحها وهي تقبض على كفيها الممسكين بالطبشور والكتاب ما ان وصلت طائرة ورقية اخرى بجانب قدميها بدون ان تطير بجانب رأسها ، لتستدير عندها بعنف وخصلات شعرها تدور مع استدارتها وهي تنظر للوجوه المبتسمة ببراءة خبيثة حفظتها جيدا ، كانت تتنقل بنظرها بينهم بحذر قبل ان تقع على فريستها ومن كان يحاول تجنب النظر لها وهو يكتم ضحكته بصعوبة بدون اي حياء ، لترفع بعدها الطبشور نحوه وهي تشير له قائلة بصرامة نادرا ما تظهر عليها
"تعال إلى هنا يا هاني ، وقف امامي"

تحرك الطفل المدعو (هاني) ليتقدم نحوها بخطوات صغيرة حذرة ، ليقف بعدها امامها وهو ينظر للأسفل بدون ان يرفع رأسه نحوها وهو يمثل الخنوع والبراءة امامها ، قالت (روميساء) بحزم قاطع وهي تنظر لرأسه الصغير بتركيز
"ارفع رأسك يا هاني ، واخبرني عن ماذا كنا نتحدث الآن"

ردّ عليها (هاني) بسرعة بتلعثم بدون ان يرفع رأسه
"لم نتحدث بشيء ، بل انتِ من كنتِ تتحدثين طول الوقت مع نفسك"

تغضن جبينها بغضب من وقاحته وهو يقف امامها بدون اي اعتبار بوجودها ، لتبدأ بعدها الضحكات بالارتفاع تدريجيا بصخب حتى تحول الفصل لضجة صاخبة وكأنها بوسط حفلة ، عبست ملامحها وهي على وشك الصراخ بهم بتوبيخ قبل ان يخرج صوت آخر اكثر صرامة من عند باب الفصل قائلا
"فليصمت الجميع فورا"

خفتت صوت الضحكات حتى انعدمت تماما وجميع الانظار تتجه بوجل نحو باب الفصل والواقف عند إطاره المدير بنفسه وهو ينظر لهم بنظرات باردة تحمل الكثير من الشر غير المنطوق ، بينما نظرت (روميساء) بحيرة للمدير وهي تفكر عن سبب مجيئه للفصل بنفسه إلا إذا كان هذا تمرين يومي يفعله كل يوم ، فهذه ليست اول مرة يزور بها الفصول الخاصة بعملها وكأنه ليس لديه اي اعمال اخرى يفعلها غير زيارة فصولها كل حين .

تقدم (نادر) بعيدا عن باب الفصل وانظاره معلقة بالمعلمة الواقفة امامه بتركيز بطيء بدون ان يرمش حتى ، وما ان وقف امامها تماما حتى حانت منه التفاتة نحو الطفل والذي يكاد يختفي خلف ساقيّ المعلمة وهو ينظر للمدير بعبوس واضح ، ليقول بعدها وهو ما يزال يحدق بالطفل بابتسامة غامضة
"هل تعانين من مشاكل مع الطلاب الاشقياء ، إذا كانوا يسببون لكِ اي ازعاج فأنا استطيع التكفل بهم واخفائهم من الفصل بأكمله"

اخفضت نظراتها الخضراء بهدوء نحو الطفل والذي كان ينظر بتجهم عابس نحو المدير قبل ان تتنقل بنظراتها بين الطلاب الصامتين بخنوع وكأنهم ليسوا انفسهم من كانوا يسببون لها الضجة بالفصل ، فيبدو بأنهم لا يطيقون مديرهم هذا ويكنون له بالشر والظاهر بملامحهم الصغيرة العابسة .

ابتسمت (روميساء) بعملية وهي تعود بنظرها للمدير قائلة بجدية
"لا ليس هناك اي مشاكل من اي نوع ، فأنا هنا اسيطر على زمام الأمور جيدا ، ولكن شكرا لك على وقتك الثمين والذي اضعته بالتأكد من ان العمل يسير على ما يرام"

اختفت ابتسامة (نادر) وهو يستمع للكلمة الأخيرة والتي خرجت منها صارمة بتشديد ، ليقول بعدها وهو يرفع حاجبيه باستنكار واضح
"ولكن ليس هذا ما كان ظاهر امامي عندما دخلت لحجرة فصلك منذ لحظات"

عبست ملامح (روميساء) وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة لخلف كتفيها قبل ان تقول بنفس ابتسامتها العملية
"كل معلم ولديه طريقته الخاصة بإدارة الأمور ، وهذه هي طريقتي الخاصة بالتعامل مع الفصل والذي اديره ، لذا ليس هناك داعي لتتعب نفسك بالتفكير بمثل هذه الأمور والتي تكون ليست من اختصاصك"

حرك (نادر) رأسه بعيدا عنها وكأنه قد تلقى للتو صفعة غير مباشرة وهي تعيد كلامه السابق لها وكأنها ترده بالمثل وهو ينظر لها بغموض هادئ ، ليقول بعدها بابتسامة جامدة لا تعبر عن شيء
"إذاً بما ان كل شيء يسير بخير بالفصل والذي تديرينه ، فأنا اريد منكِ ان تشرفيني بمكتبي لإنهاء بعض المعاملات والتي تخصك"

ردت عليه (روميساء) وهي تحرك رأسها بابتسامة واثقة
"اكيد سأفعل هذا يا سيدي المدير ، ولكنك ستضطر للانتظار اكثر حتى ينتهي موعد الحصة ، فكما ترى امامك انا ما ازال اقدم الدرس وعليّ انهاءه قبل موعد الحصة الذي تليه ، لذا عذرا منك فأنا مضطرة الآن لإكمال الدرس"

ابتسم (نادر) باهتزاز وهو يهمس بجمود متصلب يكاد ينطق من ملامحه بغضب مكتوم
"حسنا كما تريدين يا روميساء..."

قاطعته (روميساء) بابتسامة صغيرة بتصلب
"معلمة روميساء ، فأنا لا احب ان ينطق احد باسمي مجردا بدون اي لقب"

كان (نادر) يحدق بها بغموض طال للحظات قبل ان يتمتم بجفاء
"أياً يكن"

اهتزت حدقتيّ (روميساء) بارتباك وهي تشيح بنظراتها بعيدا عنه لتنظر لرأس الطفل والذي ما يزال ملتصق بها ، لتسمع بعدها وقع خطواته المبتعدة لخارج الفصل قبل ان يقول ببشاشة مريبة
"اتمنى لكم يوماً سعيداً بباقي اليوم وخالي من اي مشاكل"

زمت شفتيها وهي ما تزال تستمع لخطواته والتي اختفت عن مرمى سمعها ، لتعود بعدها للالتفات باتجاه باب الفصل وهي تتنهد بهدوء وقد آمنت الآن بالمقولة القائلة (لن تكتشف خيري إلا إذا جربت غيري) وهذا ينطبق على مديرها السابق الفظ بالمقارنة مع هذا المدير العابث .

سارت بعدها عدة خطوات للأمام قبل تشير للطفل بالطبشور والذي ما يزال بيدها وهي تقول بأمر صارم
"هيا عد لمقعدك بسرعة ولا اريد ان اسمع اي نفس منك وألا ارسلتك للمدير وهو من سيهتم عندها بك"

سار (هاني) بسرعة نحو مقعده قبل ان يجلس فوقه بطاعة تامة ، بينما كانت (روميساء) تنظر للأجواء الساكنة والتي خلفها وجود المدير بها بعد ان اجتاح المكان فجأة ، لتزفر بعدها انفاسها بإنهاك قبل ان تعود لرفع الكتاب المفتوح امام نظرها وهي تشير بالطبشور بكل زوايا الفصل متزامنا مع كلماتها الناطقة بعملية وهي تكمل ما بدأته وبطريقتها الخاصة والتي تتقنها وكأن شيء لم يحدث .

_____________________________
كان يقود السيارة على اطراف المدينة وهو يدندن بلحن غربي متزامنا مع الموسيقى والصادرة من مسجل صوت السيارة وهو يحرك رأسه برتابة ، لتعبس بعدها ملامحه وهو يتوقف عن الغناء ناظرا من نافذة السيارة الجانبية بتركيز للجسد البعيد والمتهدل على حاجز الجسر المتحرك نصف جسده ملقى بالهواء وقد اكتشف بأنها انثى من شعرها الاسود الكثيف والمتطاير امامها ورأسها محمول بالهواء يحركها كيفما يشاء .

عاد بنظره للأمام بسرعة ما ان كان على وشك التسبب بحادث وهو يطفئ مسجل الصوت بيده الأخرى ، ليوقف بعدها السيارة على قارعة الطريق بحذر وهو يعود بالنظر لنفس الجسر والمعلق به جسد الفتاة ، خرج بعدها من السيارة وهو يضع نظارته الداكنة فوق عينيه بهدوء قائلا بتسلية واضحة
"يبدو بأننا سنستمتع كثيرا بلعب دور البطل المغوار مع هذه الضحية"

اتسعت ابتسامة (شادي) بإثارة وهو يتحرك بخطوات واثقة باتجاه الجسر الطويل المتحرك ونظراته ما تزال متعلقة بانتباه بشعر الفتاة المتطاير بكثافة مع تيارات الهواء القوية ، وما ان وقف بجانبها وهي ما تزال على وضعها هذا حتى قال بابتسامة مسرحية وهو يمرر نظراته على جانب وجهها المخفي بين كومة شعرها
"مرحبا ، أهناك ما يضايقكِ يا آنسة ، فأنتِ تبدين بنظري مهمومة جدا والانتحار ليس بالحل المناسب ابدا"

اهتزت ابتسامة (شادي) بدون ان يجد اي إجابة على سؤاله وكأنه يكلم نفسه والآن فقط عرف شعور (احمد) عندما كان يكلمه بدون ان يجد منه اي استجابة ، ليعض بعدها على طرف شفتيه بتفكير قبل ان يستند بذراعيه على سياج الجسر المتحرك كما تفعل وهو يهمس بحزن مزيف
"اسمعي اعلم بأنني اضايقكِ بوجودي هنا ولا تريدين من اي احد ان يكون معكِ الآن ، ولكن صدقيني نواياي شريفة وما دفعني للمجيئ إليكِ هو منعكِ من فعل ما برأسكِ والذي سيكلفكِ الكثير ، لذا استمعي لكلامي وثقي بي"

همست (ماسة) لأول مرة بخفوت بدون ان تعتدل بوقوفها
"هلا صمت للحظة واعرتني سكوتك ، فقد بدأ رأسي يؤلمني من كلامك الفارغ"

انفرجت شفتيّ (شادي) وهو على وشك الكلام قبل ان يعود للصمت بصدمة وقد بدأ يتعرف اخيرا على الصوت الخارج من الفتاة بجانبه ، ليلتفت بوجهه بسرعة نحوها وهو يرفع النظارة لفوق رأسه بعيدا عن عينيه قائلا بتأكد
"ماسة"

رفعت (ماسة) وجهها نحوه ببطء وهي تبعد بكفها خصلات شعرها المتطايرة من امام وجهها قبل ان تقول بابتسامة ساخرة
"ألم تتعرف عليّ بعد ، ام تحتاج لأثبات هوية شخصية لتتأكد من هي التي تريد ان تُقدم على الانتحار ، وتتوقف عن تمثيل دور البطل امامي"

ابتلع (شادي) ريقه برهبة من الموقف والذي وضع نفسه فيه وهو يحاول التقرب ومساعدة الفتاة والتي تبين بأنها ابنة عمته المجنونة ، وهو لا يعلم ما لذي احضرها لهذا المكان تحديدا ؟ وكأنها تصر على ملاحقته لكل مكان كلعنة والتي وقعت على رأسه وبكل مرة تكون بوضع مختلف ومريب تماما عن سابقه ، وقد يكون القادم منها افظع ؟

كان يتنقل بنظراته بوجهها الجامد وهو ينظر لأول مرة لشعرها الطليق من حولها وهو يشكل هالة سوداء من حول رأسها تزيد بشرتها الرخامية بياضا غريبا مثل بياض الثلج وخاصة مع شفتيها الحمراوين بشكل مبالغ به بلون الدم بدون اي طلاء او مساحيق لتظهر مثل قصة بياض الثلج بالحكايات والتي لا ينقصها سوى وجود التفاحة المسمومة بيدها ، ليتوقف بالنهاية بنظراته عند حدقتيها الزرقاوين وهما تبدوان لأول مرة ساكنتين بدون اي امواج او بحار .

همس (شادي) بعدها بلحظات بابتسامة شاردة
"بياض الثلج"

عقدت (ماسة) حاجبيها بتركيز قبل ان تبتعد قليلا عن حاجز الجسر المعلق وهي تتمتم بوجوم
"ماذا كنت تقول عني للتو"

افاق (شادي) من شروده لينظر بعيدا عنها وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة قائلا ببرود
"ليس بالشيء المهم"

عبست ملامحها بتصلب لتعود لتسند ذراعيها فوق حاجز الجسر وهي تعود للشرود بعيدا عنه وشعرها يرافقها بنفس الشرود ، بينما تجهمت ملامح (شادي) وهو ينقل نظره للأفق وللشمس والتي اختفت نصف استدارتها ليتبقى فقط القليل منها بوقت المغيب ، ليخفض بعدها نظره وهو يقول بصرامة مفاجئة
"صحيح لم تخبريني ما لذي تفعلينه بهذا المكان وعلى اطراف المدينة ، بدلا من ان تكوني الآن بالمنزل منذ ساعات ام انكِ تهوين التمرد على القوانين بالمنزل كما كنتِ تفعلين بمنزل زوج والدتك"

ردت عليه (ماسة) بجفاء متعمد
"هذا ليس من شأنك"

زفر (شادي) انفاسه بغضب وهو يقول بجدية صارمة
"لا تبدأي مجددا ، فأنا ليس لدي مزاج الآن لأبدأ بالشجار معكِ ، لذا تعالي معي بهدوء لنعود للمنزل بدون اي مشاكل وبعدها يمكنني التشاجر معكِ بأي وقت تختارينه"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تقول بحزم قاطع بدون ان تنظر إليه وهي تتأرجح بتعلق جسدها بحاجز الجسر بدون ان تهتم لخطر السقوط عنه
"ومن اخبرك بأني ارغب بالشجار معك او اني اريد العودة للمنزل معك ، فأنا إذا لم تكن تعلم استطيع العودة بمفردي وقتما اشاء وكما يحلو لي"

ازداد امتقاع ملامحه وهو يقبض على كفيه بقوة قبل ان يتهور ويسحبها معه من شعرها الطويل ويرتاح من هذه المهمة بأكملها ، فهو يعلم جيدا اي نوع من الوحوش ستقابلها وتتعرض لها بشكلها الملفت هذا وقد اصبح وجودها بهذا المكان خطرا عليها وعلى سمعتها وهذا إذا كانت تبالي بالسمعة اصلا ؟
تنهد (شادي) بهدوء وهو يقول بصبر حانق
"ماسة لا تدفعيني للغضب وفعل ما نندم عليه كلينا ، لذا هلا نفذتِ ما اقوله لكِ واتيتِ معي لنرحل من هنا"

ولكن لا حياة لمن تنادي وهي ما تزال تتأرجح بجسدها ورأسها يتحرك بالهواء وكأنها تختبر شعور الانتحار لو سقطت فجأة عن الجسر بدون اي اهتمام بحياتها ، لتعبس بعدها ملامحه وهو يتمتم بلا مبالاة متعمدة ناظرا لجسدها المتأرجح برتابة
"حسنا كما تشائين ، انا الآن راحل من هنا وتحملي انتِ تبعاتِ تهوركِ هذا عندما تنقض عليكِ الذئاب الجائعة او يلقون بكِ من على الجسر ، فأنا لم اعد اهتم"

عاد (شادي) للابتسام ببرود وهو يعيد نظارته الداكنة لفوق عينيه السوداوين وهي ما تزال تتأرجح بلا مبالاة وعدم اهتمام بوجوده ، ليتراجع بعدها بخطواته وهو يغادر بعيدا عنها ، بينما كانت هي تستمع لخطواته بتركيز قبل ان تلتفت بسرعة نحو مكان اختفاءه وهي ترفع حاجبيها بصدمة من سرعته بالرحيل حتى لم يعد يظهر منه اي أثر وكأنه كان ينتظر بفارغ الصبر الفرصة ليتخلص منها ، ابتسمت بعدها بجمود وهي تخفض نظرها للأسفل لأمواج البحر الهائجة بوقت الغروب وقد تلونت بألوان الغروب الناعمة وهي تظهر انعكاس صورة الشمس والتي توشك على الرحيل .

شعرت بدفعة طفيفة بفعل تيارات الهواء من خلفها لتنزلق ذراعيها بعيدا عن الحاجز ورأسها تتهدل لأسفل الجسر وقد اصبحت ساقيها معلقتان بالحاجز الرخامي تثبتانها لكي لا تقع وهي تمسك بقضبان الجسر بيديها بتشبث ، لتشعر بعدها بقوة تمسك بساقيها لتسحبها عاليا وهي تعيدها لفوق الجسر كما كانت قبل دقائق ، استدارت بسرعة للخلف لتنصدم بنفس الشخص والذي رحل قبل قليل وهو يمسك بساقيها بقوة وابتسامة ساخرة تحتل محياه قبل ان يقول ببرود متجمد
"اخبرتكِ ان تتحملي تبعاتِ تهوركِ ، ولكنكِ لم تفعلي ، وها انتِ كدتِ تقعين عن الجسر بدون ان يراكِ احد لتختفي بين امواج البحر والتي ستؤخذكِ بعيدا جدا ، وهذا الذي لن اسمح بحدوثه ابدا فخسارة شيء فريد مثلكِ ستكون خسارة فادحة"

انفرجت شفتيها الحمراوين بذهول من مغزي كلامه وهو ما يزال متشبث بساقيها ورأسها متهدل بالهواء ، ليرفع ذراعه عن ساقيها ليمسك بخصرها وهو ينزلها عن الجسر بسلاسة قبل ان يضع ذراعه الأخرى اسفل ساقيها ليحملها عاليا بين ذراعيه ببساطة ، قال بعدها بابتسامة متسلية متلاعبة
"هذه المرة سنعود للمنزل فأنا لن اعود لمساعدتكِ مرتين ، وحتى لو غرقتِ بتلك المياه وتجمدتِ بقاعها ، فلن اهتم لأنكِ انتِ من اخترتِ هذا المصير ، لذا ليس لديكِ حل الآن سوى ان تختاريني فأنا الآن الخيار الافضل لكِ"

افاقت من صدمتها لتعبس بتجهم وهي تدفعه بقبضتيها قائلة بانفعال
"اتركني الآن وفورا ، وايضا انا لا احتاج لمساعدتك فقد كنتُ استطيع تدبير امري لوحدي بدون ان اسقط عن الجسر"

حرك (شادي) رأسه بتفهم وهو يرفع جسدها النحيل لفوق حاجز الجسر قائلا ببساطة
"حسنا إذا كنتِ تختارين هذا المصير"

صرخت (ماسة) وهي تتمسك بقميصه بقبضتيها بهلع
"لا تتركني يا مجنون"

عبست ملامح (شادي) وهو يقول بحاجبين مرفوعين ببراءة
"لم اعد افهمكِ ابدا ، هل تريدين مني ان اترككِ ام لا"

رفعت وجهها نحوه بقوة وهي تقول باقتضاب بارد
"لا تتركني"

اتسعت ابتسامة (شادي) وهو يرفع حاجبيه بتسلية قائلا بطاعة
"حاضر يا آنسة ماسة ، الآن فقط عرفتُ ما هو مغزى اسمكِ فأنتِ باردة وقاسية كالألماس"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنه بضيق وهي ما تزال متمسكة بقميصه بقوة ، ليتراجع بعدها (شادي) بخطواته بعيدا عن حاجز الجسر قبل ان يتمسك بجسدها جيدا وهو يشعر بتشنجاته الواضحة بكل انحاء جسدها ، ليسير عندها باتجاه سيارته بصمت وابتسامته المتسلية ما تزال تحتل ملامحه الباردة ، واما (ماسة) فقد اكتفت بالصمت وهي تنظر لملامحه الغريبة والتي تظهر باردة غير مبالية بأي شيء مما يدور من حوله ، فهل هو قناع لإخفاء دواخله عن جميع من حوله ام هي طبيعته والتي تمتاز بالبساطة بكل شيء يفعله بدون ان يفكر بنتائج افعاله بالعالم ؟

_____________________________
كانت تتلاعب بالطعام بطبقها بالملعقة بشرود وهي جالسة حول طاولة الطعام مع العائلة وتستمع لهدر من النصائح والتي كانت تلقيها والدتها على اسماع ابنها الثالث ورجل العائلة الوحيد والذي يبلغ من العمر عشر سنوات وكل آمالهم معلقة به ليستطيع حمل كل اثقال العائلة بالمستقبل ونقل عمل العائلة للأفضل ، ولكنها ترى عكس ذلك تماما فماذا سيخرج من طفل الألعاب الإلكترونية وهو يدمن عليها اكثر من حياته وكل شيء يتمناه يصبح بين يديه بدون ان يطلبه ، حتى اضطروا بالنهاية لشراء نظارة طبية صغيرة خاصة به على طفل بالعاشرة من عمره .

صرخ شقيقها (يامن) وهو يقول بتذمر شديد
"هذا يكفي يا امي ، اريد الذهاب للعب فقد انتهيتُ من تناول الطعام بالفعل"

كانت والدته على وشك الاعتراض بغضب قبل ان يسبقها والده والجالس على رأس المائدة وهو يقول بوقار
"اتركيه يفعل ما يشاء يا جويرية ، فهو لم يعد طفلا صغيرا لتتحكمي بتصرفاته"

تحرك (يامن) بسرعة وهو ينهض عن مقعده لينطلق بعيدا عنهم قائلا بمرح بالغ
"شكرا يا ابي"

تجهمت ملامح (جويرية) وهي تلتفت بوجهها نحو زوجها قائلة بعدم رضا
"هذا الوضع غير مقبول ابدا ، إلى متى سيبقى متعلق هكذا بتلك الألعاب السخيفة والتي اخذت عقله بالكامل بدون ان يهتم بدراسته او بأمور أخرى غير اللعب"

ردّ عليها زوجها ببساطة بالغة وهو يحرك رأسه باتزان
"لا بأس فهو ما يزال صغيرا ويريد ان يعيش حياته ، وعندما يكبر قليلا سيكون عندها لكل حادثٍ حديث"

اعادت (جويرية) نظراتها للطبق امامها ببرود بدون ان تعلق على كلامه ، ليتابع بعدها كلامه وهو يقول بتفكير
"هل عادت سلوى لبيت زوجها"

امسكت (جويرية) بطبق ابنها الصغير لتسكب الأرز المتبقي منه بطبق منفرد يحتوي بواقي الطعام من العائلة وهي تقول بهدوء
"اجل لقد غادرت بمنتصف النهار مع السيارة الخاصة والتي اتت من عائلة زوجها لتوصلها للمنزل"

قال بعدها بلحظات وهو يعقد حاجبيه بحيرة حادة
"ولكن زيارتها هذه المرة قد طالت كثيرا عن السابق ، كان من المفروض ان تعود لعائلة زوجها منذ ايام ، فهذا التصرف غير لائق ابدا امام عائلة زوجها وامام المجتمع"

وضعت (جويرية) الطبق مكانه بصمت بدون ان تخبره بالذي حدث قبل مغادرة (سلوى) مع السائق وهي تصر على عدم العودة لبيت زوجها قبل ان يأتي بنفسه لها ويعتذر منها عما حدث ، ولكنها مع ذلك ارغمتها على الذهاب مع السائق والتفاهم مع زوجها بمنزله بدل الهروب هكذا كالجبناء والسماح للعالم بتشويه سمعتها بالقيل والقال .

قالت (جويرية) بعدها بلحظات بابتسامة هادئة وهي تضم قبضتيها معا بتحفز
"بالمرة القادمة سأتأكد من ان لا تطول زيارتها اكثر من الازم ، ولا تقلق من كلام الناس فلن يتجرأ احد على قول كلمة تسيء لبنات العائلة ولسمعتهن"

حرك رأسه بالإيجاب بدون اي كلمة ، بينما كانت (غزل) تستمع لكلامهم بعدم مبالاة وهي مشغولة بتناول طعامها بوجوم ، ليقول بعدها والدها بجدية صارمة وهو يضع الملعقة جانبا
"اسمعي يا غزل ، لقد تقدم صديق لي بالعمل بطلب يدكِ مني لابنه البكر ، وهو الآن ينتظر ردي على طلبه ، فما رأيك..."

ردت عليه (غزل) فجأة بانقباض مشتد
"اعتذر ولكني غير موافقة"

تجمدت ملامح والدها بدون ان يتأثر برفضها وهو ينظر لها بتركيز ، لتتدخل بعدها والدتها وهي تقول بخفوت حاد
"إلى متى ستبقين ترفضين كل عروض الزواج والتي تصل لكِ ، ام تفكرين بقضاء طيلة حياتكِ وحيدة بدون زواج وبدون تكوين عائلة مثل شقيقتك الكبرى"

حادت (غزل) بنظراتها نحو والدتها وهي تهمس باقتضاب
"وهل تظنين بأن سلوى سعيدة بزواجها"

عبست ملامح (جويرية) وهي تنظر لها بتصلب لتقول عندها بابتسامة جامدة
"ولكن زواجها يبقى افضل من عرض الزواج الرخيص والذي لا يستحق الذكر ، وانتِ توقفين حياتكِ بأكملها فقط من اجل شخص واحد ليس من مقامنا ولا من مستوانا ، وان كنتِ انتِ تسمحين لنفسكِ بالنزول لهذا المستوى المنحط فنحن لا نسمح ابدا ولا نقبل ، فلا تنسي بأن هناك دائما فروق بين من يعيش على الأرض ومن يعيش على السماء"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تنظر لوالدتها بدون اي تعبير وحدقتيها تلسعانها بنار تأبى التوقف بداخلها حتى تحرقها بالكامل وتختفي من هذا العالم القاسي والذي لم يعطها اي لمحة من السعادة منذ ولادتها مشوهة الروح والقلب ، قصف بعدها صوت والدها وهو يقول بأمر صارم
"يكفي كلام يا جويرية ، لا اريد سماع اي شيء عن هذا الموضوع فقد مات بأرضه وانتهى منذ زمن"

امتعضت ملامح (جويرية) وهي تعود لسكب الطعام بالأطباق بنفس الطبق المنفرد بصمت ورتابة وهي تقرع الملعقة بالصحون بقوة ، بينما وقفت (غزل) عن مقعدها بهدوء وهي تتنفس بنشيج متقطع قبل ان تهمس بخفوت مشتد
"سامحني يا ابي ، ولكني لا افكر ابدا بالزواج بهذه الفترة ، واعتذر إذا كنتُ اسبب لكما اي نوع من الإحراج امام الناس وسماع الكلام المسيء منهم ، والآن عذرا"

غادرت (غزل) بخطوات خافتة بعيدا عن طاولة الطعام بدون ان تنتظر اي تعليق منهما ، ونظرات والديها تلاحقها بتركيز حتى اختفت عن نظرهما تماما ، ليقطع بعدها الصمت صوت (جويرية) وهي تقول بيأس
"حالة هذه الفتاة لا تعجبني ابدا"

ردّ عليها زوجها وهو ما يزال شارد بمكان اختفاء ابنته بهدوء
"اعطيها وقتها يا جويرية ولا تحاولي الضغط عليها ، وانا متأكد بأنها ستتحسن لوحدها فبعد كل سقوط ستعود للوقوف اقوى من قبل ، وهذه هي ابنتي"

نهاية الفصل......................
منتظرة آرائكم بفارغ الصبر ❤❤

عيون حايرة 24-03-21 08:48 PM

قرات انها جميلة
جهود مشكورة

روز علي 25-03-21 02:48 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عيون حايرة (المشاركة 15427612)
قرات انها جميلة
جهود مشكورة


تسلمي حبيبتي كلك ذوق ❤❤

روز علي 27-03-21 07:45 PM

الفصل السادس
 
الفصل السادس................
كانت تجلس على طرف السرير وهي تعض على طرف شفتيها بغيض مشتعل مما يحدث من حولها وبعد ان ارغمت على العودة لمنزل زوجها صاغرة وهي التي عاهدت نفسها بأنها لن تعود إليه قبل ان يطلب منها السماح على ما فعله معها ، ولكن بالنهاية لم يحدث شيء مما كانت تفكر بفعله وعادت بدون ان تحصد اي نتائج من فعلتها وغيابها الطويل عن المنزل لم يجلب لها اي فائدة ، وحتى انه لم يحاول اي احد السؤال عنها بطول الفترة والتي لازمت بها منزل عائلتها وكأن وجودها لا يشكل اي فارق بالنسبة لهم ، وهذا هو المتوقع عندما تكون تلك الساحرات قد حصلوا على نصيبها من كل الاهتمام والحب بالعائلة .

زفرت انفاسها بابتسامة ناعمة ما ان سمعت صوت دخول احدهم للبهو الخاص بجناحهما ، وما هي ألا لحظات حتى انفتح باب الغرفة ليطل منه زوجها بكل ضخامته ووسامته الرزينة وهو يتنقل بنظره بالغرفة بهدوء قبل ان تقع نظراته عليها لتتجمد بريبة وكأنه يتأكد مما يراه امامه ، ليغلق بعدها باب الغرفة من خلفه بحذر وهو يحرك عينيه بعيدا عنها ببرود .

تقدم (احمد) بخطواته باتجاه طاولة الزينة ليقف امامها وهو يخلع الساعة عن معصمه بصمت ، بينما نظرات (سلوى) تتابعه بتجهم وهي لا تصدق بأنه قد تجاهلها ببساطة بدون حتى ان يلقي عليها السلام كعادته عندما يعود من العمل ولو كان بأشد لحظاته سوءً .

تبرمت شفتيها بغضب وهي تهمس بجفاء
"لقد عدتُ للمنزل إذا كنت لم تلحظ ذلك"

طال الصمت بينهما قبل ان يقطعه (احمد) وهو يقول بجمود ساخر ناظرا لها من المرآة
"مرحبا بعودتكِ ، كأنكِ اطلتِ بالغيبة علينا هذه المرة ام ان المكوث عند عائلتكِ قد اعجبكِ كثيرا"

عبست ملامحها وهي تستمع لنبرته المعاتبة بصوته وهذه طريقته الخاصة بمعاقبة اي احد اساء إليه ، لتهمس بعدها بتصلب خافت
"لقد كنتُ انتظر قدومك لتأتي وتؤخذني معك من عند عائلتي ، ولكنك لم تفعل"

كان (احمد) يفك ربطة عنقه برفق قبل ان يلقي بها فوق طاولة الزينة قائلا بجمود حاد
"ولما أليس سائقكِ الخاص هو الذي ذهب بكِ لمنزل عائلتك واحضركِ منه ، إذاً ما فائدة مجيئي لمنزلكِ واضاعة الوقت بما ان السائق موجود"

ردت عليه بغضب مكتوم
"ولكن عائلتي كانت ترغب بزيارتك لها لأنك لم تعد تأتي لمنزل عائلتي ألا نادراً ، وانا قد اشتقتُ كثيرا لزياراتك واصطحابك لي بسيارتك"

اخفض (احمد) ذراعيه بقوة وهو يقول بعصبية بالغة
"ما هذه الترهات الجديدة والتي تتفوهين بها ام انكِ اصبحتِ تستمتعين كثيرا بإغضابي ، فليس هناك اي امرأة عاقلة تسعى لإغضاب زوجها بهذا الكلام التافه ، وانتِ اعلم الناس بظروف العمل والتي تمنعني من زيارة اي أحد"

ردت عليه (سلوى) بابتسامة ساخرة بانفعال
"وكيف ستبقى اي زوجة عاقلة وهي ترى زوجها يهينها ويفضل امرأة اخرى عليها وقد تصادف بأنها ابنة مجرم حقير"

صرخ (احمد) فجأة بيأس وهو يرفع يده لجبينه ليمسد عليه بغضب
"اخرسي يا سلوى ، حقا الكلام معكِ لا يجدي نفعاً ابدا"

تنفست (سلوى) بارتجاف وهي تفكر بتوجس بالغباء والذي نطقت به للتو بعد ان عادت للمنزل مرة أخرى وها هي تعيد نفس الخطأ السابق مجددا ، ولو علمت والدتها بفعلتها لوبختها بشدة على حماقتها وعنفتها بقوة ، فيبدو بأنها لم تتعلم شيئاً من خطئها السابق وكيف ستمسك نفسها ولسانها وهو ما يزال يعاملها بكل هذا الجفاء والذي يكاد يقضي عليها .

نهضت (سلوى) عن السرير ببطء متشنج قبل ان تجري بسرعة نحوه لتعانق خصره من الخلف بذراعيها وهي تقول برجاء متوسل
"سامحني يا احمد ، فأنا لم اقصد ان اغضبك من كلامي المتهور والمجنون ، ولكن مشاعر الغيرة هي التي تتحكم بي ، لذا اقول كلام لا انتويه ولا اعلم كيف يخرج مني"

ابعد (احمد) ذراعيها عن خصره بهدوء وهو يستدير نحوها بتجهم ليقول عندها بغموض وهو يفلت ذراعيها برفق
"انا لستُ غاضبا منكِ ولم اطلب سماحكِ ، ولكن كل الذي اريده واتمناه منكِ هو ان تتصرفي كأي امرأة عاقلة محترمة بدون ان تقلل من مستوى احد من افراد العائلة ، وهذا الكلام ينطبق على بنات عمتي مايرين ، لذا إياكِ وان اعرف بأنكِ قد عدتِ لمضايقتهما بكلامكِ او حاولتِ التقليل من شأنهما بأية طريقة"

زمت (سلوى) شفتيها وهي تهمس باستنكار
"ولكن..."

قاطعها (احمد) وهو يشدد على كلامه بصرامة خافتة
"هل كلامي مفهوم"

امتعضت ملامحها وهي تومأ برأسها بالإيجاب على مضض ، ليتنفس بعدها براحة وهو يبعد نظراته بعيدا عنها بهدوء ، شعر بعدها بلحظات بكفين مستريحتين على صدره وهي تتلاعب بأصابعها بأزرار قميصه والمفتوحة عند مقدمة صدره قائلة بدلال مصطنع
"ألم تشتق لي يا حبيبي ، فأنا قد اشتقتُ إليك كثيرا"

تشنجت ملامح وجهه وهو يمسك بكفيها ليخفضهما بعيدا عن قميصه قائلا ببرود
"عليّ الذهاب لأخذ حمام والنوم باكرا فأنا لدي غدا يوم حافل بالعمل ، لذا عذرا منكِ"

ترك كفيها ليسير بعيدا عنها باتجاه الخزانة والتي تحتل الجدار بأكمله وهو يخرج منها قطع ملابس مريحة للنوم قبل ان يكمل سيره نحو الحمام الملحق بدون ان يهتم بنظراتها الذاهلة ، ليغلق بعدها باب الحمام الملحق بوجهها قبل ان تعبس ملامحها وهي تتلقى رفضه العلني لها لأول مرة وكأنها لم تعد مرغوبة بالنسبة له ، وهذا يعني بأنه قد يكون الآن يبحث عن غيرها لتستطيع التعويض عنها وسد حاجته فما كانت تملكه وتجذبه نحوها قد خسرته بالفعل ولم يتبقى لها الآن شيء لتتفاخر به وتعلق زوجها به كما كانت تفعل بالماضي .

__________________________
كانت تتنقل بالمكتبة بهدوء وهي تنظر لصف من الكتب المرصوصة بجانب بعضها البعض ، واصبعها يتلمس الكتب امامها بشرود حائر فقد استعارة من هذه الكتب من قبل ولم يتبقى منها لم تجرب قراءته والتهامه بنهم كما تفعل عادةً مع بقية الكتب بحوزتها وجميعها من النوع الخيالي الحالم والبعيد كل البعد عن الواقع ، لتنقل بعدها نظراتها لصف آخر من الكتب قبل ان تقع على مجموعة جديدة من الكتب تراها لأول مرة ويبدو بأنها رزمة جديدة اضافوها لرفوف المكتبة مؤخرا بما انها لم تزر المكتبة منذ اسابيع طويلة .

توقف اصبعها الصغير على كتاب من بين المجموعة ذات غلاف محمر ملفت للنظر ، لتخرجه عندها بحذر من بين الكتب الأخرى قبل ان ترفعه لأمام نظرها وهي تقرأ العنوان الواضح بخط عريض وبنفس اللون المحمر
"جحيم الحب"

رفعت نظراتها العسلية بهلع لصف الكتب والذي بدأ يتساقط الواحد تلو الأخرى تباعا ومنها كان يتساقط داخل الرف بدون ان يقع ، لتخفض بعدها نظراتها لمجموعة الكتب والتي سقطت امام قدميها بعد ان سقط آخر كتاب من الرف بهدوء ، سكنت بمكانها للحظات قبل ان تشهق بجزع وهي تتلفت من حولها لتتأكد بأنه لم يشهد احد على الفاجعة والتي حدثت معها الآن ، لتجثو بعدها على ركبتيها وهي تلتقط الكتب بكفيها بتوتر شديد ومنها كانت تمسح على غلافه بكم قميصها برفق خوفا من ان يكون قد تلوث بالأوساخ والأتربة .

تجمدت بمكانها وهي تلمح ظل احدهم بجانبها قبل ان ينحني على ركبتيه وهو يلتقط الكتب الساقطة معها بصمت ، لتهمس بعدها بابتسامة مرتجفة بتوجس
"لا داعي ، استطيع فعلها لوحدي بدون مساعدة"

استقام بوقوفه بعيدا عنها وهو يقول بصرامة هادئة
"لا بأس ببعض المساعدة فأنتِ لن تستطيعي حل مشكلتكِ والتي تسببتِ بها لوحدك ، لذا انتِ الآن تحتاجين لي وبشدة"

عبست ملامحها بارتجاف وهي تشعر بإهانة غير مباشرة تصلها بصوته بدون ان تستطيع تحديدها وهي تنظر لظهره وهو يرتب الكتب من على الرف بحذر ؟ لترفع بعدها حاجبيها البنيين بصدمة وهي تهمس بانشداه
"الاستاذ جواد"

التفت نحوها (جواد) ببرود وهو ينظر لها من علو قبل ان ينحني بجذعه ليصل لمستواها وهو ينظر لوجهها بتركيز ارهبها ولا يفصله عن وجهها سوى شعرة فقط وقد بدأت تشعر بأنفاسه تضرب ملامح وجهها بسخونة اشعلتها ، وما ان فتحت شفتيها بارتجاف تنوي الكلام حتى سبقها (جواد) وهو يسحب الكتب من بين ذراعيها برفق وقد كانت يديه تحتك بكفيها بوضوح ، لتخفض عندها ذراعيها بسرعة بعيدا عنه وهي ترجعهما لخلف ظهرها بحركة دفاعية غير مقصودة ، بينما ابتسم (جواد) ببرود وهو يراقب تشنجها الواضح ليستقيم بوقوفه بعيدا عنها قبل ان يلتفت للرف ليرتب الكتب المتبقية معه بمكانها كما كانت .

ابتلعت (صفاء) ريقها برهبة وهي ترفع كفها لترجع خصلات شعرها البنية لخلف اذنيها بارتباك ، لتتلفت بعدها من حولها بتشوش وهي تبحث عن الكتاب والذي كان بحوزتها الآن .

وقفت بعدها بلحظات على قدميها باهتزاز وهي تنظر بكل الاتجاهات بدون ان تجد له اي اثر ، لتنتفض عندها بصدمة ما ان اخترق صوت (جواد) غمامتها وهو يتمتم بغموض
"جحيم الحب ، اسم مميز جدا ، ولكن هل هو موجود بالواقع ام لا"

رفعت نظراتها بارتباك نحو الذي استدار نحوها وهو يمسك بالكتاب والذي كان بحوزتها ، ليرفعه بعدها باتجاهها وهو يقول بابتسامة متصلبة
"هذا الكتاب لكِ"

رفعت (صفاء) يديها بسرعة لتلتقط الكتاب منه بلمح البصر وهي تهمس بامتنان
"شكرا جزيلا لك"

وبعد كلماتها استدارت من فورها بعيدا عنه وهي تسير بخطوات سريعة متعثرة نحو طاولة المحاسب بعيدا عن الغمامة الخانقة والتي تحوم من حولها ما ان تراه امامها بكل ما يحمله من غموض وهدوء وكأنه يعمل مع المخابرات ليتجسس على حياتها .

خرجت بعدها من المكتبة وهي تتنفس براحة بعد الضغط والذي تعرضت له بالداخل ، لتنظر بعدها للكيس البلاستيكي والذي يحوي الكتاب الجديد ذات الغلاف المحمر ، وما ان سارت بعيدا عن المكتبة عدة خطوات حتى شعرت بقوة تمر بمحاذاتها لينتشل منها حقيبتها قبل ان تقع ارضا بقوة ، لترفع بعدها نظراتها بوجل للغبار والذي خلفه من وراءه وقد تبين بأنها دراجة بخارية وشخص يركب من فوقها وهي من مرت بجانبها منذ لحظة ، اخفضت نظراتها بسرعة وهي تتلمس ذراعها بارتجاف بعد ان سرقت منها حقيبتها بفعل صاحب الدراجة .

انتفضت (صفاء) واقفة على قدميها وهي تصرخ ببكاء منتحب
"لقد سرق مني حقيبتي ، ذلك اللص ، امسكوه"

شعرت بعدها بيد تمسك بذراعها برفق وصوت (جواد) يقول بحيرة حادة
"ماذا هناك ، لما تبكين"

التفتت (صفاء) بسرعة نحوه لتمسك بذراعه بيد وهي تشير له بيدها الأخرى بعيدا قائلة بتوسل متلعثم
"صاحب الدراجة ذاك سرق مني حقيبتي ، ارجوك اعدها لي..."

صمتت (صفاء) وهي ترتجف ببكاء مرتعش بانتفاض ، بينما ابعد (جواد) كفها عن ذراعه قبل ان يتجاوزها وهو يجري بعيدا عنها ليختفي عن نظرها بلمح البصر وهي لا تصدق مدى سرعته بالجري وهيئته الرياضية وكأنه لاعب رياضي مشهور معتاد على الجري السريع لأمتار طويلة ؟

اخفضت (صفاء) نظرها للأسفل بإحباط وهي تستند بعامود الإنارة بيدها بتشبث لكي لا تقع على وجهها وتصبح بمصيبة أخرى ونظراتها العسلية الحزينة تتنقل بين الأرض امامها وبين مكان اختفاءه كل حين ، لتبتسم بعدها بسخرية وهي تعلق آمالها بذلك الشخص الغريب والذي يصر دائما على السخرية منها بكل مرة تتقابل فيها معه وهي لا تعلم للآن ماذا فعلت له ليعاملها بهذه الطريقة الغريبة ؟

اتسعت حدقتيها العسليتين بكامل استدارتها وهي تنظر للقادم من بعيد بنفس المكان والذي غادر منه ، لتتسع ابتسامتها تلقائياً وهي تنظر لحقيبتها والتي كان يمسك بحزامها بقبضته بجانب جسده الرياضي والقادر على الركض لأميال طويلة وهذا ما اثبته لها الآن ، وهو يبدو امامها بهذه اللحظة بالذات مثل ابطال الحكايات والتي تقرأها من الكتب عندما تقابل البطلة اميرها بنهاية حكاياتها الخيالية .

وقف (جواد) امامها بهدوء وهو ينظر بتجهم لبريق السعادة والذي يراه لأول مرة وهو يحتل حدقتيها العسليتين بانبهار غريب ، ليرفع بعدها قبضته الممسكة بالحقيبة نحوها وهو يقول بهدوء بالغ
"هذه حقيبتكِ المسروقة ، صحيح"

اومأت (صفاء) برأسها بالإيجاب بسرعة وهي ترفع يديها لتلتقط الحقيبة منه قبل ان تفتح سحابها بارتجاف وهي تتأكد من وجود كل محتوياتها بداخلها كما وضعتها ، لتسمع بعدها صوت (جواد) وهو يقول ببرود ناظرا لها بانتباه
"هل كل اغراضكِ بداخلها ، هل ينقصها شيء"

رفعت (صفاء) نظراتها نحوه بهدوء وهي تحرك رأسها بالنفي قائلة برقة ممتنة
"لا كل شيء موجود بداخلها ، وهذا كله بفضلك انت ، شكرا جزيلا لك استاذ جواد ، لا اعلم كيف ارد لك جميلك بالذي فعلته من اجلي"

حفرت ابتسامة شاحبة على شفتيه وهو يتمتم بغموض
"لا بأس اتركيها للأيام ، فنحن لا نعلم ما نوع الظروف والتي تنتظرنا بالأيام القادمة"

لم تنتبه لكلامه بل لم تعره اهتماما وهي تضع حزام حقيبتها فوق كتفها بهدوء وابتسامة متسعة ما تزال تحتل ملامحها ببريق السعادة الجديد ، لتقول بعدها بحيرة وهي تنظر له برقة
"لم تخبرني استاذ جواد ، كيف استطعت الإمساك بصاحب الدراجة بهذه السهولة ، وقد كان يبدو سريعا جدا بسرعة الريح وليس من السهل اللحاق به"

كان (جواد) ينظر لها بهدوء للحظات قبل ان يتمتم بابتسامة باردة
"لا استطيع اخباركِ فهذا سر يخصني وحدي ، ولن يكون سرا إذا اخبرتكِ به يا صفاء"

اهتزت ابتسامتها وهي تعبس بوجوم بدون ان تفهم ماذا يقصد بكلامه وكأنها قد طلبت منه ان يفشي لها معلومات تخص اسرار الدولة وليس عن حادث بسيط يخص ملاحقة لص ؟ عادت بنظراتها نحوه بتوجس ما ان قال بخفوت مبتسم
"لقد عادت الحقيبة لكِ ، إذاً لما ما تزال الدموع تحتل اطراف عينيكِ"

رفعت كفها بسرعة وهي تمسح خديها وعينيها بقوة امام نظراته الشاردة ، لينحني بعدها امامها وهو يلتقط الكيس البلاستيكي والذي يحوي كتابها من على الأرض قبل ان يعود ليستقيم امام نظراتها الذاهلة ليمد ذراعه الأخرى وهو يمسك بكفها قبل ان يضع الكيس براحة كفها بصمت ، قال بعدها بلحظات بهدوء وهو يغلق راحة كفها بقبضته ذات الأصابع الطويلة بقوة
"انتبهي على نفسكِ يا صغيرتي"

كانت (صفاء) تتنفس بارتجاف متشنج من ملمس يده على راحة كفها لتبعد عندها يدها بعيدا عن قبضته وهي تشيح بنظرها جانبا بارتباك واضح ، ليتراجع بعدها بخطواته بعيدا عنها وهو ما يزال يبتسم لها بغموض قبل ان يستدير وهو يسير بنفس الطريق والتي جاء منها قبل قليل مثل بطل الحكايات ، لتعود بعدها بلحظات لرفع نظراتها نحوه ببطء وابتسامة صغيرة احتلت جانب شفتيها الورديتين بحالمية وقد تحولت حكاياتها الخيالية لحقيقة متجسدة امامها .

_____________________________
كان يسير بممرات الشركة وهو يمسك بالملف بيده ناظرا له بتركيز ، ليصطدم بعدها بفتاة التوصيل والتي كانت تحمل صينية تحوي على اكواب القهوة وقد انسكب قطرات منها على سترته السوداء ، ابعد نظره عن الملف وهو ينظر لسترته بهدوء واجم للقطرات المنتشرة على سترته بوضوح ، بينما قالت الفتاة امامه بتلعثم مرتجف
"انا اعتذر سيد احمد ، لقد كنتُ...."

قاطعها (احمد) وهو يقول بابتسامة هادئة بدون ان يتأثر بما حدث
"لا بأس اهدئي ، ليست بالمشكلة الكبيرة فأنا املك الكثير بمنزلي مثل هذه السترة ، لذا لا داعي لكل هذا الجزع"

تنفست الفتاة بهدوء وهي تحرك رأسها قائلة بأسف شديد
"انا اعتذر حقا ، لم انتبه"

كان (احمد) يتلمس البقع الصغيرة المنتشرة على سترته بيده وهو يقول ببرود جليدي
"اخبرتكِ لا بأس ، فقط لو كان معكِ منديل من اجل..."

قاطعته الفتاة بسرعة وهي تخرج المنديل من جيبها لتمده نحوه قائلة بارتباك
"ها هو المنديل سيدي ، تفضل"

رفع (احمد) رأسه نحوها باتزان ليلتقط المنديل منها وهو يهمس بهدوء
"شكرا ، هذا سيفي بالغرض"

ابتسمت الفتاة باهتزاز وهو تتمسك بالصينية بين يديها لتقول عندها بخفوت محرج
"والآن عذرا سيدي"

حرك (احمد) رأسه بهدوء بإشارة منه بأنها تستطيع الذهاب الآن ، لتسير بعدها بعيدا عنه وهي تتجاوزه قبل ان تغادر بالطريق المعاكس له ، بينما انشغل (احمد) بمسح سترته من البقع والتي اصبحت باهتة غير مرئية باستخدام المنديل ، ليكمل بعدها سيره باتجاه غرفة المكتب وهو يدس المنديل بداخل جيب بنطاله ، طرق بهدوء على باب غرفة المكتب قبل ان يدخل وهو ينظر للرجل الكبير والذي طل عليه وهو يجلس خلف مكتبه بكل قوة ونفوذ استطاع به ان يتحدى بوجوده جميع المدراء بعالم الاعمال ومنهم من سحقهم بسهولة واخفاهم عن العالم بأكمله لكي لا يتجرأ احد على الاستخفاف به مجددا .

تقدم (احمد) بخطواته باتجاه مكتب والده وهو يبتسم له باتزان هادئ معتاد عليه امام والده ، وما ان وقف امام المكتب حتى وضع الملف والذي ما يزال بيده امام والده تماما وهو يقول بابتسامة متصلبة بوقار
"لقد وافقوا على الشراكة ، وهذا الملف الخاص بشراكتنا معهم وبه جميع التفاصيل الخاصة بهم وايضا موجود به مطالبهم"

نقل (محراب) نظراته من ابنه للملف امامه بتركيز قبل ان يعود بنظره لابنه وهو يقول بتفكير متصلب
"كيف وصلت بقع القهوة لسترتك ، هل اصطدمت بأحدهم قبل مجيئك إلى هنا"

اخفض نظره لسترته وقد كان يتوقع حدة نظر والده ويقظته الدائمة من كل ما يجري من حوله ، ليقول بعدها بعبوس وهو يعدل من وضع سترته بشكل لا تظهر به البقع
"اجل لقد اصطدمتُ بالفتاة والتي كانت توصل اكواب القهوة للمكاتب ، ولكن الخطأ ليس خطأها هي بل خطأي انا لأني كنتُ اسير شارد الذهن حتى اصطدمت بها"

تجهمت ملامح (محراب) وهو يقول ببأس شديد
"واكيد سامحتها على خطأها ولم تحاسبها على فعلتها ، وتركتها تمر مرور الكرام"

ابتسم (احمد) بهدوء بدون اي كلام وهو ينظر له بصمت ، ليتابع بعدها (محراب) كلامه بحدة وهو يزفر انفاسه بيأس
"لا اصدق ما اراه امامي لن تتغير ابدا يا احمد وستبقى دائما ذلك الشاب النبيل والضعيف والذي يداس عليه بقوة ، عليك ان تفهم امرا مهما وهو بأننا نحن الكبار لا ننزل لمستوى احد اقل منّا بل نجعل الناس هي التي ترتفع لمستوانا لتستطيع التكلم معنا او طلب السماح والغفران منّا"

كان (احمد) يحرك رأسه بطاعة بدون ان يحاول مناقشته بكلامه والذي اعتاد على سماعه منه دائما بدون ان يجلب اي فائدة او يغير من حاله كما يريد والده فأكثر شيء اكتسبه بعمله مع والده هو الصمت بكل شيء يحدث ويدور من حوله بدون ان يعلق او يبدي رأيه بشيء يفعله والده ، وهو واثق بأن كل شيء يفعله بحياته من قرارات واوامر يصدرها والده سترجع على الجميع بالفائدة بالنهاية وسيدر على مصلحته دائما فعلى هذا تعلم وتربى .

قطع الصمت الطويل بينهما والذي لفهما بهالة من الجمود وهو صوت طرق على باب المكتب باتزان ، ليطل منه بعدها رأس السكرتيرة وهي تقول بعملية جادة
"سيدي هناك ضيف يريد رؤيتك وهو يقول بأنه من عائلة نصران"

ردّ عليها (محراب) من فوره بصرامة قاطعة
"اتركيه يدخل"

استدار (احمد) بحيرة وهو ينظر لمكان اختفاء السكرتيرة ليحل مكانها بعدها بلحظات رجل كبير يقارب عمر والده وهو يتبعه شاب صغير يحمل بين يديه مجموعة من الملفات وهو يرتدي فوق عينيه نظارة طبية ، ليدخل بعدها الرجل الكبير وهو يتقدم نحو المكتب قائلا بسعادة بالغة
"مرحبا يا سيد محراب الكبير ام اقول حوت عائلة الفكهاني"

وقف (محراب) عن مقعده ليرحب بالضيف والذي ما ان وصل امام مكتبه حتى صافحه بيده بقوة ، ليقول عندها بنفس ابتسامته القوية والتي لا تخلو من تجاعيد العمر
"لقد تشرفنا حقا بقدومك يا سيد نصران ، هيا تفضل اجلس فقد اتيت بالوقت المناسب تماما لنتكلم به بحرية عن العمل"

التفت الرجل نحو (احمد) والذي ما يزال جامد بمكانه ليقول عندها بابتسامة بشوشة
"مرحبا بك يا ابن محراب ، كيف هي احوالك بني"

حرك (احمد) رأسه بهدوء وهو يتمتم بوجوم خافت
"بخير ، شكرا لك على السؤال ، ولكن ألن تعرفنا بصديقك"

ضرب الرجل جبينه براحة كفه بتذكر ليشير بعدها للشاب بذراعه وهو يقول بهدوء جاد
"هذا الشاب الصغير يكون مدير اعمالي ، وقد بدأ بالعمل معي منذ فترة وجيزة ولكنه يملك خبرة تعادل خبرة عشر سنوات عمل"

حرك (محراب) رأسه بتفكير وهو يقول بابتسامة متصلبة
"مرحبا بك وبمدير اعمالك ، وشركتي ترحب بكم بأي وقت"

جلس (محراب) بهدوء على المقعد خلف المكتب وهو يستمع لكلام المقابل له وهو يقول باتزان
"هذا كرم بالغ منك"

اكتفى (احمد) بنقل نظراته بين الشاب والذي ما يزال واقف عند باب المكتب بريبة وبين الرجل الكبير والذي جلس امام مكتب والده بابتسامة لم تفارقه منذ دخوله ، ليبدأ بعدها (محراب) بالكلام وهو يقول بجدية حازمة ممسكا بالملف امامه
"لقد وصلني الملف والذي يخص الشراكة والتي وافقت عليها ، ولكني لم اطلع عليه بعد ، وارى بأنك قد اسرعت بالمجيئ من اجل التكلم عن الشراكة ولم يمر على وصول الملف سوى دقائق"

تنهد الرجل بهدوء وهو يقول بغموض مريب
"الحقيقة لقد اتيتُ إليك لاستفسر منك عن شيء آخر بعيدا عن شراكة العمل ، وكنتُ اريد سماع الجواب منك تحديدا"

عقد (محراب) حاجبيه بحدة بدون ان ينطق بأي كلمة ، ليتابع بعدها الرجل كلامه قائلا بتركيز حاد
"لا اريد التطفل على ما لا يعنيني ، ولكني قد سمعتُ بأنهم قد ألقوا بالقبض على المجرم زوج مايرين الفكهاني ، وانت الآن تستقبل بنات شقيقتك بمنزلك بعد دخول والدهم المجرم للسجن"

تصلبت ملامح (احمد) بشراسة وهو يقبض على كفيه بقوة حتى ابيضت مفاصل اصابعهما ، ليقول بعدها (محراب) بصوت حازم بخفوت خطير
"اعتقد بأن هذه امور تخصني وحدي ، وليس هناك اي احد له علاقة بحياة عائلتنا وما يحدث بها والبعيدة تماما عن امور العمل"

ابتسم (احمد) بقليل من الراحة بدون ان يختفي الغضب والذي يشعر به باتجاه هذا الرجل المتطفل والذي اقل ما يستحقه هو الطرد من هذه الشركة بأكملها ، بينما كان الرجل يضم قبضتيه معا فوق ساقيه وهو يقول بابتسامة غامضة
"اعلم هذا جيدا ، ولكن لا تنسى بأن اهم شيء بالشراكة بيننا هي الثقة المتبادلة بين الطرفين ، ولكي نستطيع الاستمرار بهذه الشراكة علينا ان نتأكد بأنه ليس هناك اي شيء سيفسد علينا هذه الشراكة بالمستقبل ، واقصد بكلامي هي سمعة الشركتين النظيفة بهذا العمل"

كان (احمد) يتنفس بحدة وهو يحاول ضبط اعصابه امام هذا الرجل والذي يقارب بعمر والده وهو يحاول تهديدهم من بين كلامه بطريقة غير مباشرة وببساطة بالغة ، مرت بعدها لحظات فاصلة بين اربعتهم قبل ان يقصف صوت (محراب) بصرامة مشددة وهو يقدم وجهه امامه
"إذا كان هذا هو الأمر ، فلا املك سوى ان اخبرك بأن هذه الشراكة قد انتهت قبل ان تبدأ ، وهذه الثقة والتي تتكلم عنها لا تحصل بهذه الطريقة يا عزام نصران ، ولعلمك فقط سأخبرك بأن ذلك الملقى بالسجن لا يربطني به اي علاقة وتلك الموجودات بمنزلي لا يقرب لهم شيئاً وليس بوالدهم الحقيقي بل هو يكون مجرد شخص اهتم ببنات مايرين الفكهاني بعد وفاتها"

اخفض (عزام) نظره للأسفل بهدوء قبل ان يرفع نظره ببطء قائلا بابتسامة هادئة
"لا تقل مثل هذا الكلام يا محراب ، واعذر فضولي والذي دفعني لأتكلم بكل هذا فقد لعب الشيطان بعقلي وجعلني اغُضب شريكي بالعمل ، لذا انسى كل ما فات ولنفكر فقط بشراكة العمل والتي تربطنا الآن"

اشاح (احمد) بوجهه بعيدا عنه بعدم رضا وهو يتمنى لو يطرده والده ويصر على انهاء هذه الشراكة والتي بدأت بالشك والتهديد وستنتهي بالفشل ، قال بعدها (محراب) وهو يحرك رأسه بهدوء متزن
"لا عليك لقد سامحتك ، ومن اجل ان نبدأ بداية جديدة معاً وموفقة لشراكتنا انا اريد ان ادعوك لحفلة صغيرة بمنزلي وكل الموظفين بالشركتين مدعوين لها ، ويمكنك اعتبارها معاهدة سلام بيننا"

التفت (احمد) برأسه بعنف باتجاه والده وهو لا يصدق بأنه قد فعل مثل هذا التصرف بدعوة ذلك الرجل والذي يشكك بشراكتهم لمنزله ؟ بينما ابتسم (عزام) باهتزاز من المفاجأة وهو يقول ببعض الارتباك
"حقا هذا شرف لي ان تدعوني لحفلة بمنزلك ، ولكن عليك ان تسمح لي بأنه انا الذي عليّ ان اخطو مثل هذه الخطوة وادعوك لمنزلي فأنا الذي بدأتُ اولاً واغضبتك مني"

ردّ عليه (محراب) بهدوء قاطع وهو يضم قبضتيه معا بقوة
"بل انا الذي دعوتك اولاً ، لذا غير مسموح بالاعتراض ابدا ، ولا نعلم قد تكون الحفلة التالية نجاح المشروع بمنزلك انت"

اتسعت ابتسامة (عزام) وهو يضرب بقبضته على صدره قائلا بثقة
"وانا جاهز لأي حفلة قادمة ، ولدي ثقة كبيرة بنجاح هذه الشراكة بيننا يا محراب الفكهاني"

وقف (محراب) عن مقعده بهدوء ليتبعه (عزام) وهو يقف امامه تماما ، ليرفع بعدها الواقف خلف المكتب كفه عاليا وهو يقول بابتسامة جادة بقوة
"اذاً لقاءنا القادم بمنزلي ، ولا تنسى المجيئ فهذا الحفل سيكون على شرفك ونحن سنرسل لك الدعوة ما ان نحدد الموعد المناسب للحفلة"

ردّ عليه (عزام) بتأكيد وهو يرفع كفه ليصافحه بنفس القوة
"اكيد سآتي فهذا شرف لي ، فأنا متشوق جدا لحضور حفلكم هذا"

حرك (محراب) رأسه بالإيجاب وهو يترك كفه ليغادر بعدها (عزام) باتجاه باب المكتب وهو يلوح بكفه عاليا قائلا باحترام
"وداعا يا حوت عائلة الفكهاني ، واتمنى لكم يوما سعيدا"

خرج بعدها من باب المكتب يتبعه مدير اعماله بصمت ، لتختفي بعدها ابتسامة (محراب) بغموض وهو يستمع لكلام ابنه والذي كان يقول بتجهم واضح
"لما فعلت هذا يا ابي ، واخبرته معلومات عن عائلة عمتي مايرين كما كان يريد"

ردّ عليه (محراب) بهدوء وهو يستند بكفيه على سطح المكتب بتحفز
"لأن هذا ما كان عليه ان يحدث ، فقد حان الوقت المناسب لنسكت افواه الناس ونضع حدا لكلامهم المسيء عن سمعة عائلة مايرين والتي لطخوها بالوحل بما فيه الكفاية ، بالرغم من انها تستحق ما يحدث لها فهي التي جلبت العار لنفسها منذ البداية"

نظر (احمد) بتفكير نحو والده قبل ان يتمتم باستنكار خافت
"وماذا عن الحفلة والتي تفكر بعملها على شرفه ، ما لداعي لكل هذه الرسميات يا ابي وانت الذي لم تحب يوما كل هذه المظاهر الخادعة"

عاد (محراب) للابتسام بتغضن وغموض وهو يبعد كفيه عن سطح المكتب قائلا ببرود يخفي من خلفه الكثير
"لا تستعجل الأمور يا بني ، وكل شيء سيتضح امامك بالحفلة القادمة ، فكل شيء بوقته جميل"

ادار (احمد) عينيه وهو يعيد نظراته لمكان اختفاء المدعو (عزام) وكل شيء يتمناه ان لا يحدث مزيد من المشاكل والاساءة بالكلام عن عائلة عمته وبشراكة العمل المريبة والتي لم يرضا عنها للآن .

يتبع..................


على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t481045-3.html

روز علي 27-03-21 07:54 PM

دخلت للمنزل بهدوء وهي تعدل من وضع حزام حقيبتها فوق كتفها مرجعة خصلات شعرها الطويلة العالقة للخلف برفق ، لتتوقف بعدها فجأة ما ان ظهرت امامها زوجة ابن خالها والتي تقصرها بالقليل من الطول ذات عيون سوداء مكحلة وهي تبدو بمثل عمرها تقريبا وقد كانت ترتدي قميص نوم احمر طويل مظهرا مفاتنها بوقاحة بدون ان تهتم لذلك .

حركت عينيها الشاحبة بعيدا عنها ما ان بدأت المقابلة لها بالكلام قائلة بإيباء وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بقوة
"مرحبا بابنة عمة زوجي ام اقول ابنة المجرم قيس"

تأوهت (سلوى) فجأة وهي تتابع كلامها باعتذار شديد
"اعتذر حقا لم اقصد ان اهينكِ بكلامي او ان اقلل من شأنكِ فأنتِ بالنهاية ابنة هذه العائلة ، ولكن لا بأس سنبدأ من جديد ، انا اسمي سلوى واكون زوجة ابن خالكِ احمد"

تنهدت (روميساء) بإنهاك وهي تفكر بأنه لا ضير من مجاراتها بالمثل والتصرف معها بلباقة بما انها لم تخطئ بحقها بعد فهي بالنهاية فرد من هذه العائلة وعليها التعايش معها حتى لا تُطرد هي وشقيقتها من هذا المنزل بأكمله ، لتعيد بعدها نظراتها نحوها وهي تقول بابتسامة هادئة باتزان
"مرحبا بكِ تشرفتُ بالتعرف عليكِ ، وانا اسمي روميساء الفاروق ابنة مايرين الفكهاني ، وقد اخبرتكم من قبل بكل تفاصيل حياتي وبكل شيء يخصني"

حركت (سلوى) رأسها بهدوء وهي تمثل الانتباه لتهمس بعدها وهي تضيق عينيها بتركيز
"هذا يعني بأن الشخص والذي ألقوا بالقبض عليه ليس بوالدكم الحقيقي"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تهمس بخفوت متصلب
"لا ليس بوالدنا ، فقد توفي والدنا منذ سنوات طويلة"

عبست ملامح (سلوى) بحزن مزيف وهي تتمايل امامها قائلة بحيرة مريبة
"ولكن إذا كان هذا صحيحاً ، كيف استطعتم العيش انتِ وشقيقتك مع شخص غريب لا يقرب لكم بشيء طول تلك السنوات الماضية"

قبضت (روميساء) على كفيها بجانبي جسدها بشرود وهي تشعر بها تحاول التحقيق معها بالنبش بذلك الماضي المشوه والذي جعل الكثيرين يتسائلوا نفس سؤالها بعد وفاة والدتها عن القرابة الغريبة والتي تجمعهم بذلك المدعو (قيس) ليتولى هو رعايتهما واخذ حضانتهما بذلك السن الصغير ؟ قطع بعدها شرودها صوت (سلوى) وهي تقول بتأني خبيث
"يا لغبائي يبدو بأنني قد ضايقتكِ كثيرا بسؤالي وتطفلي المبالغ به ، فهذا السؤال لا يجوز طرحه ابدا فهو يتعلق بالشرف والسمعة ، أليس كذلك"

اتسعت حدقتيها الخضراء وهي تنظر لها بوجل لتقول عندها بخفوت شاحب
"غير صحيح ، فهو قد تزوج من والدتي منذ سنوات طويلة وقد حصل على حضانتنا منذ كنا اطفال وقبل وفاة والدتي ، لذا هو يعتبر مثل والدنا الروحي والمسؤول عنّا منذ ذلك الوقت ، هذا كل شيء"

زمت (سلوى) شفتيها بعدم اقتناع وهي تنظر لها بتركيز حاد ممسكة بخصرها بيديها بقوة ، لتحاول بعدها (روميساء) تجاوزها وهي تفكر بالهروب منها ومن اسئلتها والتي بدأت تضايقها وتنهش روحها الضعيفة امام طوفان الماضي والذي انتشلها بعيدا عن الحاضر ، عادت المقابلة لها للوقوف امامها بقوة وإصرار بدون ان تدعها تفلت منها وهي تقول بابتسامة مزيفة
"لما كل هذا الاستعجال لم ننهي كلامنا بعد ، ام انكِ لا تحبذين الكلام معي"

تراجعت (روميساء) بخطواتها للخلف وهي تهمس باقتضاب مشتد
"ليس هكذا هو الأمر ، ولكني متعبة جدا من العمل واريد الذهاب لارتاح بغرفتي"

تقدمت (سلوى) امامها وهي تتمايل حولها قائلة بتفكير خبيث وهو تسير من حولها كالأفعى
"ولكن ما حاجتكِ من العمل ، بينما يوجد بمنزل خالكِ كل ما تحتاجينه على من في مثل مكانة هذه العائلة ، ام انكِ تحبين التذلل امام الناس وتمثيل دور المضحية والجادة بمهنتها والتي لا تقبل المال من الغير بالرغم من انها تحاول البحث عن اي منفذ لتدخل لقلوب العائلة وتحتل مكانا ثابتا بها لترسخ به للأبد"

ارتفع حاجبيها السوداوين بصدمة وهي تنظر لها بذهول غير مصدق مما سمعته اذنيها من كلام رديء غير صحيح ابدا وليس له علاقة بهدفها بمهنة التعليم الشريفة والتي قطعت بها مسيرة طويلة بحياتها ، اخترق بعدها صوت آخر بعيد وهو يقول بجمود بارد يغلفه القسوة
"هذا لأنكِ جاهلة ولا تعرفين ماذا تعني الوظائف وما هي قيمتها بالنسبة لناس عاشت كل حياتها بمجال العمل والاعتماد على النفس بدون مساعدة اي احد لم يعترف بوجودها من الأساس ، فنحن لدينا عزة نفس وكرامة ليس مثل باقي البشر المنحطين ، ولكن كيف ستفهمين هذا وانتِ عشتِ كل حياتكِ مدللة رخيصة تحصلين على كل شيء تريدينه بدون ان تتعبي نفسكِ حتى بالطلب لتصبحي بالنهاية فاشلة بحياتكِ تبحثين عن اي فريسة لتلقي عليها بعيوبكِ المرضية والتي تعانين منها"

مرت لحظات مشحونة بالمشاعر المتناقضة والتي خلفها كلامها قبل ان تنتقل الأنظار لصاحبة الصوت البارد والتي كانت تقف على بعد خطوات منهما ، بينما رفعت (روميساء) قبضتها لصدرها بتعب وهي تتوقع الاسوء من شقيقتها المجنونة والتي تبدو قد اظهرت انيابها الحادة والتي تخيف اعتى الرجال لتجلب نهاية وجودهما بهذا المنزل وهي تهين زوجة ابن العائلة علانية ، لتنقل بعدها نظراتها للواقفة بجانبها بتجمد وكأنها تحاول استيعاب كلامها والذي ضرب تفكيرها بالصميم ، ليحدث عندها ما توقعته تماما وقد بدأت (سلوى) بالكلام قائلة بغضب مشتعل يكاد يحرق كل من يقترب منها
"من تقصدين بكلامكِ يا ابنة المجرم ، ومن هي المدللة الرخيصة"

سارت (ماسة) عدة خطوات وهي تقطع المسافة الفاصلة بينهما ونظراتها معلقة بشقيقتها الكبرى والتي كانت تحرك رأسها بالرفض بصرامة مما تفعله وتنوي على فعله ، وما ان وقفت امامها حتى نقلت نظراتها للمشتعلة امامها وهي تقول بابتسامة ساخرة باستهزاء
"ومن يوجد هنا مدللة رخيصة غيركِ بنصف عقل ، ام انكِ تقصدين بكلامكِ باقي افراد عائلة زوجك المحترمين والذين لا يعرفون شيء بحياتهم سوى قطع القرابات وإخراج المقربين منهم من حياتهم بدون التفكير بمصيرهم..."

قاطعتها (روميساء) هامسة بخفوت متشنج
"ماسة"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنهم ببرود ، بينما افاقت (سلوى) من صدمتها وهي تهمس بتلعثم بعد ان فقدت السيطرة على نفسها وطارت كل الكلمات من رأسها من إهاناتها المباشرة لها والموجهة نحوها
"ايتها الوقحة وتتكلمين عن عائلة خالكِ بكل هذه الجرأة وعن زوجة ابن خالك والتي تكون اكبر منكِ سنا ، ومتناسية ايضا بأنهم قد استقبلوكِ بالمنزل بكل طيبة قلب يا ناكرة الجميل...."

قصف صوت صارم قاطعا استرسالها بالكلام وهو يقول بحدة
"ما لذي يحدث هنا"

استدارت (سلوى) وهي تنظر بجزع لزوجها وهو يتقدم امامها ناظرا لهم بحيرة واجمة ، لتقول بعدها (سلوى) بسرعة بارتباك متعثر
"اسمعني يا احمد تلك الوقحة ابنة عمتك قد اهانتني وقللت من شأن العائلة بأكملها ، متناسية فارق السن بيننا..."

عاد (احمد) لمقاطعتها وهو يقول بنفاذ صبر
"كفى يا سلوى ، لا اريد سماع اي كلمة منكِ ، فقد خذلتني الآن حقا بتصرفكِ واخلفتِ بالوعد والذي قطعته بيننا"

عبست ملامح (سلوى) بتجهم لتتدخل بعدها (روميساء) وهي تخفض رأسها قائلة بحزن شديد
"اعتذر حقا على ما حدث يا سيد احمد فقد اخطئت ماسة كثيرا بحق زوجتك ، واتمنى حقا ان تتقبل اعتذاري بدلا عنها"

كانت (ماسة) تنظر بعيدا عنهم وكأن الكلام لا يخصها ، بينما ارتبك (احمد) امام حزنها وهو يقول ببساطة وابتسامة صغيرة تحتل محياه
"لا بأس يا روميساء ، لا تهتمي لما حدث ولا داعي للاعتذار من الأساس فأنا اعرف جيدا بأن زوجتي هي التي بدأت اولاً"

فغرت (سلوى) شفتيها بغضب وهي تشتعل بكل معنى الكلمة من تحت قماش قميص نومها الخفيف بدون ان تنطق بأي كلمة ، بينما اومأت (روميساء) برأسها بامتنان قبل ان تمسك بذراع شقيقتها وهي تسحبها بعيدا عنهم باتجاه البهو الواسع ، ونظرات (احمد) ما تزال شاردة بهم قبل ان ينقل نظراته لزوجته وهو يقول بصرامة حادة
"هذه المرة لم يحدث شيء ، ولكن إذا تكررت مرة أخرى فلن تتوقعي عندها ردة فعلي فقد استنفذتِ عندي كل فرصك"

التفتت (سلوى) برأسها نحوه وهي تريد التكلم بامتعاض قبل ان يسبقها (احمد) وهو ينظر لها بنظرات ممتقعة حادة
"وايضا بدلي ملابسكِ هذه وإياكِ وان تخرجي بها مرة أخرى امام احد فأنتِ لستِ وحدكِ بالمنزل ، فهمتي"

زفرت انفاسها بحدة بدون ان تعير كلامه اي اهتمام لتغادر بعدها بعيدا عنه وبطريق مغاير عن الأخريات ، لتترك (احمد) من خلفها وهو شارد بنظراته بعيدا ويفكر بأنه قد اخطئ كثيرا عندما فكر بالزواج يوما وكان عليه البقاء كما هو عازب مثل شقيقه الأصغر والذي يعيش حياته بحرية وبدون اي قيود تخنقه .

____________________________
كان يسجل الاسماء على القائمة امامه بتركيز وهو يحرك القلم بين اصابعه بحركة رتيبة ، ليقول بعدها بتفكير وهو يعدد الاسماء بالقائمة بترتيب
"هل هناك احد منهم لم نسجل اسمه ، هل هناك شخص ببالك تفكر بدعوته"

حاد (احمد) بنظراته بضيق نحو شقيقه والجالس بجانبه والذي كان مشغول بلعب بهاتفه وهو يضغط على شاشته بتركيز بدون ان يشعر مما يدور من حوله ، ليرفع بعدها ذراعه بهدوء وهو ينتشل الهاتف من بين يديه بقوة ليبعده عن مرمى نظره ، لينتفض عندها بمكانه وهو يعتدل بجلوسه قائلا بتذمر شديد
"لما فعلت هذا يا احمد ، اتعلم بأنني كنتُ اخوض جولة مهمة بلعبة وانت الآن قد خسرتني كل جولاتي والتي تعبتُ كثيرا حتى وصلت لها"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يشير له بالهاتف قائلا بنفاذ صبر
"وانا قد تعبتُ كثيرا وانا اتكلم مع نفسي وكأنني اتكلم مع جدار بدون ان تساعدني ولو قليلا ، وكل ما يهمك هو اللعب واللهو بينما كل تجهيزات الحفلة بالمنزل فوق رأسي انا"

حرك (شادي) عينيه بعيدا عنه ببرود وهو يقول بلا مبالاة
"لم يجبرك احد على تحمل مسؤولية الحفل لوحدك ، وايضا انا لم اوافق على المساعدة بترتيبات ذاك الحفل السخيف والذي لن يرجع عليّ بأي فائدة ، واخبرتك ان تذهب وتطلب مساعدة اي احد آخر غيري بمهامك فأنا لا اهتم"

اخفض (احمد) ذراعه مع الهاتف وهو يتمتم بعبوس متجهم
"ومن الذي سيقبل بمساعدتي ، والجميع قد كلف هذه المهمة لي ولا يجوز لأي احد مساعدتي بها ، وكأنني لستُ بشر اتعب واشعر"

اتسعت ابتسامة (شادي) وهو يقول بطرافة
"لقد اعجبني كثيرا هذا الموشح ، عليك ان تُسمعه لوالدي فقد يرحمك قليلا بالمهام والتي يوكلها لك"

ردّ عليه (احمد) بتصلب بدون اي مرح
"انا لا امزح معك يا شادي ، وبدلا من السخرية مني جد لي حلاً"

اشاح (شادي) بوجهه جانبا وهو يتمتم بملل
"ليس هناك حل سوى طلب المساعدة من رئيسك والسبب بورطتك هذه"

تجمدت ملامح (احمد) بغموض وهو يقول بجدية بالغة
"لا تنسى بأنك تتكلم عن والدك ، ولو انه سمعك الآن لقطع لسانك هذا وطردك من المنزل بأكمله"

عاد (شادي) بنظراته نحو شقيقه بهدوء وهو يقول ببرود متجاهلا كلامه الأخير
"اخبرني إذاً ما سبب هذه الحفلة الغريبة ، فما اعرفه عن السيد محراب بأنه لا يحب عمل الحفلات بمنزله ولم يفعلها من قبل"

شرد (احمد) بنظراته بعيدا وهو يتذكر كلام والده الاخير والذي لم يفهم منه شيئاً وإذا كان سبب الحفلة هو الشراكة حقا او انه سبب آخر مختلف تماما عنه ؟ قال بعدها بلحظات بدون اي تعبير
"لا اعرف حقا ما سبب هذه الحفلة"

ردّ عليه (شادي) وهو يحرك رأسه بملل
"كل هذا الوقت اخذته بالتفكير لتخبرني بهذا الكلام ، كنت قلتها من البداية وارحتنا"

التفت (احمد) نحوه بقوة وهو يقول بصرامة حادة
"توقف عن اللف والدوران معي ، واخبرني هل ستساعدني بهذا العمل ام ستؤخذ دور المشاهد فقط"

ردّ عليه وهو يعيد ذراعيه لخلف رأسه براحة
"لا تقلق فلن اؤخذ دور المشاهد هذه المرة بل سأؤخذ دور الغائب ، واريحكم من وجودي بأكمله ومن حفلكم السخيف"

عقد حاجبيه بحدة وهو يقول بتصلب مشتد
"هل ستغيب عن الحفلة والتي ستحدث بالمنزل"

حرك (شادي) رأسه بالإيجاب بقوة بدون ان ينطق بأي كلمة ، ليتابع بعدها (احمد) كلامه بحدة وهو يمسد على جبينه بيده بإنهاك
"يا إلهي ساعدني مع هذا الاحمق ، لما تحب ان تجلب لنفسك المشاكل ووجع الرأس مع والدك وكأنك تهوى فعل هذا ، لكي يطردك من العائلة بالنهاية ام من اجل ان تعيش المتبقي من عمرك وحيدا بائسا"

ردّ عليه (شادي) وهو يفكر ببلاهة
"لقد اعجبني الخيار الثاني"

حرك (احمد) رأسه بيأس وهو يعود بنظره للأمام ليضع الهاتف جانبا على الطاولة امامه قائلا ببرود
"حسنا كما تشاء افعل ما تريد ، وإذا كنت لا تريد مساعدتي فأنا لم اعد احتاج لها"

اخفض (شادي) ذراعيه عن رأسه وهو يتمتم بابتسامة جانبية
"لا تغضب هكذا يا احمد ، فأنت تعلم بأنني لا استطيع لغضبك ، ولستُ شخصا سيئاً لأترك شقيقي وحده بمصيبته وهو بحاجة لي"

كان يمسك (احمد) بالورقة بيده وقد عاد ليدون عليها بالقلم وهو يحيد بنظراته نحوه قائلا بوجوم
"وهل عليّ ان ابتهج من هذا الكلام"

رفع (شادي) كفه عاليا لرأسه بطريقة مسرحية وهو يقول بطاعة
"انا بخدمتك سيدي"

اتسعت ابتسامة (احمد) بهدوء وهو يرفع حاجبيه بإعجاب منبهر من تغير حاله فهذا هو شقيقه الصغير والذي يتقلب بكل مرة بمزاج ولون مختلف عن الآخر وكله حسب الوضع والبيئة ، تابع بعدها (شادي) كلامه وهو ينظر بعيدا عنه قائلا بحيرة مريبة
"ولكن هل سيحضران بنات مايرين الحفلة ، فقد يفسدوها بسمعتهم السيئة والتي لن يتقبلها مجتمع الطبقة المخملية"

تصلبت ملامحه وكلام الرجل وسؤاله المبطن عن عائلة عمته يمر بذهنه وهذا يعني بأنه لن يكون راضيا عن وجودهن بالحفلة والتي ستقام على شرفه ، ولكن مع ذلك فقد وضح له والده وجهة نظره واستطاع تبرئة عائلة عمته من كل هذه القذارة والتي كان يتكلم عنها ولن يتجرأ بعد الآن على نطق كلمة تسيء لهن مجددا ، قال بعدها بلحظات بجفاء حاد
"لا تتكلم هكذا عن بنات عمتك ، ولا تنسى بأنهن افراد من هذه العائلة ولهن الحق بحضور حفلات العائلة مثلنا تماما"

حرك (شادي) كفيه ببساطة وهو يقول بلا مبالاة متعمدة
"ولكني لم اخطئ بالكلام عنهن ولم اجلب كلام من عندي ، فهذا ما يتكلم عنه جميع افراد المجتمع ومنهم من يظن بأن قيس هو والدهم الحقيقي لأنه قد تبناهم بصغرهم"

اعاد (احمد) رأسه للأمام وهو ينفض الأفكار السوداء عن رأسه بفعل كلامه ، ليعود بعدها للنظر للورقة بيده وهو يقول بحنق بالغ
"توقف عن قول الترهات وساعدني قليلا ام انك تراجعت بكلامك ، لأني لن اعيد لك الهاتف قبل ان تساعدني يا غر"

ارتفع حاجبيه بدهشة مصطنعة وهو يهمس بعبوس
"هل هذا تهديد"

حرك (احمد) رأسه ببرود وهو يعدد الاسماء بالقائمة بتركيز ، ليقول بعدها (شادي) وهو يبتسم باتساع رافعا ذراعيه لفوق رأسه بكسل
"اتعلم يا احمد اشعر بأن هذه الحفلة ستكون مليئة بالمغامرات والمفاجآت الرائعة والتي ستذهل جميع من بالحفلة ، وانا حدسي لا يخطئ ابدا"

____________________________
كانت شاردة بالنظر للنافذة بجانبها والتي كان يكسوها الضباب بفعل الطقس البارد بهذا الوقت من السنة وهي تعتبره اجمل فصول السنة بالنسبة لها والتي تمر عليها عندما تتحول جميع اوراق الربيع للون البني المحمر وهي ترتدي ثوبها المحمر فوق خضارها البديع لتسقط جميع الأقنعة المزيفة وتبدأ الأوراق بالتيبس لتظهر حقيقة الجمال والذي كان يلفت الأنظار إليه من قبل وما هو ألا ارض قاحلة جفت سيقانها بعد ان يئست وتعبت من تمثيل هذا الدور لفترة طويلة ، ليكون فصل الخريف هو راحتها الأبدية ونهاية الأدوار الرديئة ليكون فاصل طويل بحياتهم تختفي بها جميع اشكال الجمال والتي كانوا يتمتعون بالنظر لها من العالم بأسره .

سمعت صوت رقيق بجانبها وهو يقول بارتفاع متعمد
"حفلة الشراكة بين شركة حوت الفكهاني وشركة النصران بنهاية الأسبوع القادم بحلول الساعة التاسعة مساءً بمنزل رجل الأعمال محراب الفكهاني ، يبدو هذا امراً شيقاً"

حانت منها التفاتة نحو (ماسة) وهي تنتظر اي بادرة اهتمام منها بدون اي استجابة ، لتعبس بعدها ملامحها وهي تلوح بالهاتف امام نظرها والمفتوح على الإعلان والذي كانت تتكلم عنه للتو ، ابعدت (ماسة) نظراتها عن النافذة لتلتفت نحوها وهي تهمس ببرود
"ماذا"

تصلبت ملامح (صفاء) وهي ترفع الهاتف امامها قائلة بحنق بالغ
"كنتُ اتكلم عن هذا الإعلان ، ألم تلاحظي بأنه يتكلم عن عائلتكِ بوجه الخصوص وانتِ لم تخبريني بأي شيء عن هذا الأمر"

نظرت بجمود للهاتف وهي ترفع كفها لتمسك به قبل ان تبعده الجالسة بجانبها بعيدا عنها وهي تقول بتوجس قلق
"لا لن اعطيكِ هاتفي ، من اجلي ان تلقيه بعيدا كما فعلتِ بهاتفي القديم"

زمت شفتيها بتصلب وهي تقول باستياء خافت
"سأحاول هذه المرة ضبط اعصابي بدون ان احطمه ، فقط اعطيني الهاتف"

ارتفع حاجبيها بعدم اقتناع قبل ان تتنهد بيأس وهي تضع الهاتف بكفها قائلة بتحذير
"إياكِ وخدشه ولو قليلا لأني هذه المرة سأكلفكِ ثمن تصليحه"

رفعت (ماسة) الهاتف امام نظرها وهي تتجاهل كلامها تماما ، لتضيق بعدها عينيها الزرقاء بغموض وهي تبتسم بسخرية شاحبة ، قالت (صفاء) بحيرة وهي تنظر لها باهتمام
"ماذا هناك ، لما تبتسمين بهذه الطريقة الغريبة"

اخفضت الهاتف من امامها وهي تقول بابتسامة شاردة باشمئزاز
"ألا ترين انا اشفق على هذه العقول المريضة والتي تظن بأنها ستحقق نجاح باهر وإنجاز عظيم بعمل مثل هذه الحفلات الرخيصة والمبتذلة والتي تثبت مدى غبائهم ، فالهدف من هذه الحفلة ليس تقوية الشراكة كما مكتوب هنا بل من اجل جعل المدراء الآخرين يرون مدى روعتهم وإنجازاتهم لكي يستطيعوا كسب ودهم ، وستكون ايضا فرصة ليدخل المخربين من بينهم والذين يملكون حيل ستجعلهم يكسبون من الشراكة اكثر من اصحابها"

فغرت (صفاء) شفتيها الورديتين بانشداه وهي تستمع لكلام تسمعه لأول مرة يخرج من صديقتها وكأنها لم تعد تعرفها ، لتهمس بعدها بريبة وهي تنظر لها بتركيز
"تتكلمين وكأنكِ كنتِ تعملين بذلك المجال منذ سنوات"

ابتلعت (ماسة) ريقها بتصلب وهي تفكر بجمود بأنها لم تعمل بذلك المجال فقط بل كانت جزء منه والخاص بالمخربين عندما كانوا يرسلونها لتفسد العلاقة بين الشراكة والتي تجمع الشركات بتهديد كل منهما برسالة غامضة وقد يكون السبب انتقام منهم لعداوة قديمة او من اجل كسب المال الغير القانوني منهم ، لم تنتبه بعدها للهاتف بكفها والذي كانت تضربه على حافة الطاولة امامها حتى كادت تحطمه ، لتندفع بعدها (صفاء) وهي تستل الهاتف من يدها قائلة بوجل
"ستحطمين هاتفي يا مجنونة"

اخذت الهاتف منها وهي تنظر له بتفحص متوجس ، بينما عادت (ماسة) للشرود بالنافذة بجانبها ببرود وقد اختفى بعض الضباب عن زجاج النافذة بفعل الشمس والتي برزت بين الغيوم الرمادية بقوة ، نظرت بعدها (صفاء) نحوها وهي تدس الهاتف بحقيبتها قائلة بوجوم
"بغض النظر عن كلامكِ الأخير ، ولكنكِ ستحضرين الحفلة صحيح فهذه الحفلات لا تتكرر كل يوم"

ردت عليها (ماسة) بجمود متصلب
"لا لن احضر ، فإذا كنتِ قد نسيتِ فأنا لستُ فرد معترف به بهذه العائلة"

عضت (صفاء) على طرف شفتيها بحنق وهي تهمس برجاء شديد
"لا تقوليها يا ماسة ، اريد منكِ ان تحضري من اجل ان تخبريني عن الذي يفعلونه بتلك الحفلات الكبيرة والتي اسمع الكثير عنها بالأفلام والحكايات"

التفتت (ماسة) نحوها بحدة وهي تتمتم بجفاء بارد
"قلت لكِ لا يا صفاء ، وتوقفي عن العيش بعالمكِ الخيالي وعودي لعالم الواقع ، لكي لا تصدمي عندما تكتشفين بأن كل هذا الذي تفكرين به ليس ألا مجرد وهم لا اكثر"

عبست ملامح (صفاء) بحزن وعينيها العسليتين تنظران للأسفل بوجوم قبل ان تهمس بخفوت ممتعض
"حقا انتِ مملة جدا يا ماسة ، وعدوة المتعة"

ادارت (ماسة) عينيها الزرقاء بعيدا عنها بغضب وهي توزع نظراتها بقاعة المحاضرات الفارغة نسبيا بهدوء ، لتعود بعدها للنظر ل(صفاء) الحزينة وهي تهمس باقتضاب مشتد
"انسي ما قلته لكِ الآن يا صفاء فأنا اشعر بحالة من الغضب المفاجئ والتي تنتابني بين الحين والآخر ، وايضا لم تخبريني للآن عن الكتاب الجديد والذي اشتريته من المكتبة مؤخرا"

رفعت (صفاء) عينيها العسليتين وقد عادت لبريقهما الذهبي قبل ان تهمس بابتسامة متسعة
"اجل صحيح ، وقد احضرته معي للجامعة لتعطيني رأيكِ به"

حركت (ماسة) رأسها بهدوء وهي تنظر لصديقتها والتي كانت تخرج الكتاب من حقيبتها بحماس قبل ان ترفعه نحوها وهي تقول ببهجة بالغة
"انظري إلى غلافه الجميل ولعنوانه ، أليس يبدو رائعا ومشوقا لقراءته"

كانت (ماسة) تنظر بتركيز للونه المحمر الملف للنظر كما قالت ، لترفع بعدها يديها وهي تمسك به قبل ان تتلمس على غلافه بكفها برفق وهي تقول باهتمام
"ولكن ليس كل المظاهر مثل ما بداخلها فقد تكون مجرد واجهة لجذب النظر ودفع الناس لشرائه وصرف المال عليه"

ردت عليها (صفاء) من فورها بغيض
"هذا ليس وقت الحكم يا ماسة ، وهيا اخبريني برأيكِ به بسرعة"

كانت (ماسة) تتصفح به قليلا حتى وصلت لنهايته لتعود لتتلمس على غلافه بحذر وقد جذب انتباهها ، لتقول بعدها بابتسامة صغيرة هادئة
"انه رائع ، هنيئاً لكِ به"

اتسعت ابتسامة (صفاء) بسعادة غامرة كما يحصل دائما بكل مرة تقدم به رأيها بشيء تحضره معها وكأنها بهذه الطريقة تُسعد نفسها بدون ان تهتم برأي الآخرين ، فهذه هي طبيعة (صفاء) البسيطة تسمع فقط ما يسعدها وتحيى عليه وتتجاهل ما يتعسها ويفسد فرحتها الطفولية بعالمها الخيالي الحالم والذي لن يستطيع العالم بأكمله ان يؤثر به .

نهاية الفصل.................

دينا السيد 28-03-21 09:05 AM

أسفه انشغلت عن قرأة روايتك لأني كان عندي امتحانات ولسه مخلصه هقرأ وارجع اقول رأي

روز علي 28-03-21 02:54 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دينا السيد (المشاركة 15432515)
أسفه انشغلت عن قرأة روايتك لأني كان عندي امتحانات ولسه مخلصه هقرأ وارجع اقول رأي


تمام حبيبتي ما في مشكلة ، كل الدعم والتوفيق بامتحاناتك ولا تنسي تحكيلي رأيك ❤

نهال البلاسي 01-04-21 01:50 AM

اتمني لكي الساعده والتوفيق كملي

روز علي 02-04-21 12:48 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهال البلاسي (المشاركة 15438169)
اتمني لكي الساعده والتوفيق كملي


تسلمي حبيبتي كلك ذوق ، وإن شاءالله يوم السبت منكمل

انجيليك 11-04-21 03:54 AM

سلمت يداك الجميله على هذهِ الروايه
طبعاً اني مودي هيج روايات وجنت اليوم ننتظره على اخر من الجمر بس ماكو فصل جديد لماذا 🥺😔😔

نور الزهور 12-04-21 02:33 AM

سلام
 
الروايات كلها تحفة بالتوفيق للكاتبات

روز علي 12-04-21 02:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انجيليك (المشاركة 15451073)
سلمت يداك الجميله على هذهِ الروايه
طبعاً اني مودي هيج روايات وجنت اليوم ننتظره على اخر من الجمر بس ماكو فصل جديد لماذا 🥺😔😔


بعتذر كثير حبيبتي على التأخير بسبب ظروف حصلت معي ، ويوم الاثنين قبل يوم رمضان بنزل الفصل الجديد إن شاء الله تعويض عن يوم السبت الفائت ، لذا ترقبي نزول الفصل ❤

روز علي 12-04-21 08:26 PM

الفصل السابع
 
الفصل السابع...............
كانت تحرك ساقها للأمام وللخلف بملل وهي تركل الحصوات الصغيرة من على الأرض برتابة ، لتلتفت بعدها بسرعة للطريق الفارغ ما ان سمعت صوت سيارة بالقرب منها قبل ان تعبس ملامحها وهي تكتشف بأنها مجرد سيارة عادية وليست سيارة أجرة ، نظرت للساعة بمعصمها وقد اعلنت عن وصولها للثامنة تماما وهي تنتظر هنا منذ ربع ساعة بدون ان تمر اي سيارة أجرة لتوصلها للمنزل .

انتفضت بوجل ما ان سمعت صوت زامور السيارة والتي توقفت بمقربة منها ، لتلتفت بعدها بوجهها بتوجس وهي تنظر للسيارة السوداء الفارهة والتي وقفت بجانبها تماما ، تنهدت براحة ما ان اطل عليها من نافذة السيارة وجه (احمد) وهو يقول بارتفاع حازم
"هيا تعالي لأوصلكِ معي"

ابتلعت (روميساء) ريقها برهبة وهي تفكر بأنه ليس من الجائز الذهاب معه بسيارته لوحدهما وخاصة امام زوجته غريبة الاطوار والتي اكيد ستقطعها إربا ما ان تراها عائدة مع زوجها ، لتقول بعدها بسرعة بارتفاع مرتبك
"لا بأس ، سأنتظر سيارة الأجرة لتوصلني"

عاد (احمد) لإخراج رأسه من نافذة السيارة وهو يقول بأمر قاطع
"انا لم اكن اطلب منكِ الاختيار بل هذا امر وانتِ عليكِ بتنفيذه ، هيا تحركي بسرعة فقد تأخرنا بالفعل"

عضت على طرف شفتيها بتفكير قبل ان تتحرك على مضض باتجاه سيارته المركونة عند زاوية الطريق ، وما ان دخلت من الباب بجانب مقعد السائق حتى قال (احمد) بعجلة وهو يحرك السيارة بعيدا
"ضعي حزام الأمان ، لأن رحلتنا ستكون طويلة"

جلست (روميساء) بسرعة وهي تغلق باب السيارة من جانبها بقوة ، لتحاول بعدها الإمساك بحزام الأمان بارتباك وهي تخرجه من مكانه العالق به بدون اي فائدة ، لتشعر عندها بيد خشنة تمسك بكفها وهو يشدد عليها بقوة لتستطيع إخراج الحزام من مكانه بمساعدته قبل ان يفلتها وهو يعود للتمسك بعجلة القيادة بيديه بهدوء بالغ .

ربطت حزام الأمان بطرف مقعدها وهي تعتدل بجلوسها للخلف براحة بعد يوم عمل طويل ، لتحتضن بعدها كفها والتي امسك بها بيدها الأخرى بقوة وهي تشعر بقشعريرة غريبة تحتل باقي جسدها بارتجاف ، التفتت نحوه بسرعة ما ان قال بحيرة جادة
"لقد قلتِ بأنكِ تعملين بمدرسة الزهور الابتدائية ، ولكن ما رأيته غير ذلك تماما"

اعادت نظرها للأمام وهي تتمتم بهدوء خافت
"لقد كنتُ اعمل بها ، واما الآن فقد اصبحتُ اعمل بهذه المدرسة وجميعها بنظري مثل بعضها لا يوجد اي اختلاف"

تصلبت شفتيه وهو يقول باستنكار واضح
"ولكن ألم تجدي مدرسة غير هذه لتعملي بها ، لا اقصد الإهانة ولكن سمعة هذه المدرسة كل من بالأرض تعرفها ، ولا ينصح ابدا بالعمل بها بسبب سمعة مديرها والنظام بها"

عبست ملامحها بحزن وهي تنظر بعيون خضراء متسعة للسيارات من حولها وهي تتكلم بداخلها بأنها كانت تتمنى حقا لو استطاعت ان تتوظف بأي مدرسة اخرى غيرها ولكنه لم يتبقى لها سواها من جميع المدارس والذين رفضوا توظيفها واستقبالها ، قالت بعدها بابتسامة ضعيفة بمرارة بدون ان تنظر له
"هذه الوظيفة والتي كانت متوفرة امامي بالوقت الحالي ، وانا سعيدة جدا بالعمل بتلك المدرسة وهذا ما يهمني"

حرك رأسه بهدوء وهو يحاول استيعاب نبرة الحزن والتي خرجت من صوتها وكأنها مرغمة على كل هذا ام انه هو الذي اصبح يتفحص كل شيء يخرج منها بتتبع غريب مؤخرا بدون ان يستطيع منع نفسه ؟ قطع بعدها تفكيره صوت (روميساء) وهي تهمس بحيرة
"هذا ليس طريق المنزل ، أليس كذلك"

التفت (احمد) باتجاهها بسرعة ليفاجئ بنظراتها الثابتة نحو وجهه وهي تنظر له بعيون خضراء متسعة بجمال وحاجبيها السوداوين الرقيقين معقودان من فوقهما بحيرة واجمة ، ليعود بنظره للطريق امامه بصمت وهو يشدد بيديه على عجلة القيادة بتشنج ، عادت (روميساء) للكلام وهي تهمس بوجوم عابس
"ما بك هل وجودي معك يضايقك"

قال (احمد) بسرعة بجدية حادة
"لا ليس هكذا هو الأمر ، وايضا نحن سنذهب بالبداية لزيارة شخص مهم لأن هناك ما عليّ انجازه معه"

ردت عليه (روميساء) بسرعة بشحوب
"يمكنك ان تنزلني عند مكان قريب وانا سأكمل الطريق بسيارة أجرة ، لتستطيع عندها زيارة ذلك الشخص بحرية اكثر"

تجهمت ملامح (احمد) وهو يقول بجفاء حاد
"هلا توقفتِ عن تكراري نفس الطلب ، لأني لن اترككِ تعودين للمنزل لوحدكِ حتى لو اضطررت لتأجيل زيارتي"

صمتت (روميساء) وهي تشدد من القبض على حزام حقيبتها بتوتر ، لتهمس بعدها بحزن واضح
"اعتذر إذا كنتُ قد ضايقتك بمهمة إيصالي للمنزل"

زفر (احمد) انفاسه بضيق وهو يتمتم باقتضاب
"فقط اصمتِ ولا تقولي اي كلمة اخرى عن هذا الموضوع ، وسأكون عندها اكثر من سعيد"

زمت شفتيها بحنق وهي تعيد انظارها للنافذة المفتوحة بجانبها بشرود ، ولم تنتبه للنظرات والتي كانت تراقبها خلسة وهو يتمعن بخصلات شعرها السوداء والمتراقصة مع الهواء البارد بهدوء والمتسلل من النافذة .

اوقف السيارة بعدها بدقائق بجانب الطريق وهو يقول بحزم صارم
"إياكِ والخروج من السيارة ، سأغيب عشر دقائق فقط واعود ، لذا حاولي ان تكوني مهذبة بهذا الوقت"

عقدت حاجبيها بضيق وهي تستمع له وهو يتكلم معها وكأنه يتكلم مع طفلة مشاكسة وهو نفس الكلام والذي كانت توجهه لطلابها عندما تخرج من الفصل ، خرج بعدها من السيارة وهو يقفل الباب من خلفه بقوة ليسير نحو منزل متوسط الحجم وعواميد الإنارة تضيء الطريق امامه وامام مدخل المنزل .

تقدمت (روميساء) بجلوسها وهي تنظر بتركيز من النافذة الأمامية للسيارة للذي وصل لمدخل المنزل ليقرع عندها الجرس بهدوء ، ليطل عليه بعدها بثواني رجل لم تتبين ملامحه بسبب الظلام الحالك والمنتشر بالمكان ولكن كل ما استطاعت لمحه هو يده الممسكة بشيء ليناوله ذلك الشيء ليد المقابل له قبل ان يودعه بالنهاية وهو يلوح له بابتسامة هادئة باتزان .

تراجعت بسرعة بجلوسها وهي تنظر بريبة للذي دخل للسيارة بجانب مقعدها بصمت ، ليجلس بعدها بهدوء وهو يلقي بالشيء فوق المقود والذي تبين بأنه كرت مستطيل الشكل بلون ابيض مزخرف بالفصوص والالماس بإتقان عمل يدوي ، حرك (احمد) السيارة بهدوء وهو يقود بعيدا عن الطريق ليسلك طريق آخر مؤدي للمنزل ، بينما لم تستطع (روميساء) منع نفسها من إمساك الكرت وهي تتفحصه بين يديها بانبهار ، لتسمع بعدها صوت الجالس بجانبها وهو يقول بهدوء
"هل اعجبكِ صنع الكرت"

اومأت (روميساء) برأسها بالإيجاب وهي تهمس بحيرة
"هل هذا كرت زفاف"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهي يقول بابتسامة جانبية بسخرية
"اجل هذا كرت زفافي"

التفتت (روميساء) نحوه بصدمة وهي تقول بانشداه
"ولكنك متزوج بالفعل"

اتسعت ابتسامة (احمد) بغموض وهو يقول ببرود جليدي
"ولكن الرجل بالشرع محلل عليه بالزواج من اربع"

عضت على طرف شفتيها بتأنيب من تفكيرها الاحمق وما دخلها هي لتحشر نفسها بما لا يعنيها وبخصوصيات الآخرين ، ليقول بعدها (احمد) بابتسامة هادئة
"افتحي الكرت وستعلمين تفاصيل الزفاف جيدا"

فتحت الكرت بأصابع مرتجفة وهي لا تعلم ما سبب كل هذا الارتجاف والرهبة والتي تنتابها لأول مرة ؟ لتخرج بعدها ورقة مزينة بالفصوص من داخله ومكتوب عليها بالخط العريض
(نتشرف بدعوتكم لحفل شراكة بين شركة حوت عائلة الفكهاني وشركة نصران بنهاية الأسبوع القادم بحلول الساعة التاسعة مساءً)

توقفت عن القراءة وهي ترفع نظراتها بصدمة له وهي تهمس بعدم استيعاب
"هذا ليس كرت زفاف بل كرت دعوة لحفلة شراكة"

انفجر (احمد) بالضحك بهدوء قبل ان يقول بجدية متزنة
"اجل هذه دعوة لحفلة شراكة بعائلتنا وابي سيقيمها بمنزله ، وقد طلبتُ من منسق الكروت ان يصمم لنا كرت خاص لهذه الحفلة ، وهذا الذي بين يديكِ هو اول نسخة من الكرت ويمكنكِ الاحتفاظ به بما انه قد اعجبك"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تعود بالنظر للكرت قبل ان تهمس بعبوس متصلب
"ولكنك تحتاج هذا الكرت كأول نسخة منه لتتفحصه جيدا وتتأكد بأنه لا يوجد به اي عيب ، وانا لا استطيع قبوله...."

قاطعها (احمد) وهو يقول بصرامة حادة
"ألا تستطيعين فعل شيء او تنفيذه بدون ان تناقشيني به او ان تعترضي عليه ، وايضا انتِ قد رأيته وتفحصته وهذا يعني بأنه لا يوجد به اي عيب"

عبست ملامحها وهي تعيد الورقة لداخل الكرت قائلة ببرود
"حسنا لا تغضب ، سأتقبله منك بما انك لا تمانع هذا"

حاد بنظراته نحوها بضيق وهو لا يصدق مدى عناد هذه الفتاة ولكنه بالحقيقة يروقه كثيرا فهو لم يحاول يوما مناقشة احد بأفكاره بحرية كما يفعل معها هي ، قالت (روميساء) بعدها وهو ما تزال شاردة بالكرت
"يبدو بأنك تبذل قصارى جهدك من اجل ان تكون الحفلة رائعة وتروق مستوى المجتمع الراقي"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يبتسم باتساع فقد استطاع احد ان يفهمه اخيرا ويقدر ما يبذله من جهد ليجعل الحفلة كاملة لا ينقصها شيء ، قال بعدها بهدوء جاد
"هذا إطراء جميل ، وسيكون حقا رائعا لو حضرتي هذه الحفلة ايضا فوجودكِ بها سيجعلها كاملة"

ردت عليه بسرعة بتوجس
"لا لا استطيع يا سيد احمد ، فأنا ليس لي مكان بتلك الحفلة ابدا"

تجهمت ملامحه وهو يقول بجفاء حاد
"ماذا قلنا عن التوقف بمناقشتي بكل شيء اقوله ، انا اخبرتكِ بأمر وانتِ عليكِ بتنفيذه فهذه الحفلة تخص عائلتكِ وهذا يعني بأنكِ انتِ ايضا مدعوة لها"

قالت (روميساء) بارتباك وهي تحرك رأسها بالنفي باهتزاز
"ولكن يا احمد ، انا لا استطيع ولا املك حتى ملابس مناسبة او اي شيء خاص من اجل تلك الحفلة"

لم تنتبه لابتسامة (احمد) الغامضة وهي تنطق اسمه مجردا لأول مرة بدون ان تقصد وهو يجرب اسمه منها بدون اي القاب وبعفوية محببة ، ليقول بعدها بهدوء وبثقة بالغة
"لا تقلقي يا روميساء ، فأنا من سأهتم بكل هذه الأمور ، فقط انتِ وافقي على الحضور ولا تهتمي للباقي"

تنهدت بهدوء قبل ان تعود للنظر للأمام بشحوب وهي تدس الكرت بحجرها بصمت ، ليطول الصمت بينهما حتى نهاية الطريق المؤدي للمنزل والظلام يحيطهم بكل مكان ألا من بعض الانوار والتي كانت تضيء الطريق امامهما بخجل .
_____________________________
كانت جالسة فوق مقاعد الاستراحة بساحة الكلية وهي تنظر للكتاب بحجرها بتركيز ، لتحيد بعدها بنظراتها بضيق لمجموعة من الفتيات والجالسات بالمقاعد المجاورة لها واصواتهن المرتفعة وضحكاتهن الصاخبة تصلها بوضوح لتنخر اذنها بإزعاج ، قالت بعدها بارتفاع حاد فوق صوت ضحكاتهن
"المعذرة ، ولكني احاول الدراسة هنا"

خفتت صوت الضحكات لتلتفت احداهن لها وهي تقول بابتسامة محرجة
"نحن نعتذر يا جميلة ، يمكنكِ إكمال دراستكِ براحة ونحن لن نصدر اي إزعاج"

ادارت (غزل) عينيها بعيدا عنهم وهي تعود للنظر للكتاب ببرود لتتجاهل وجودهم تماما وكأنهم غير متواجدين بعالمها كما تفعل عادة ، رفعت نظراتها بشرود بعيدا عن الكتاب وتحديدا للطفلة الراكضة بحديقة الكلية وشقيقتها الكبرى تحاول اللحاق بها ومجاراة سرعتها واندفاعها ، لتتذكر عندها طفلة أخرى بنفس نشاط تلك الطفلة والتي كانت تهوى الجري بمرح والاطفال الآخرون يجرون من حولها ليشكلوا حلقة قبل ان تتسارع انفاسها مع نبضات قلبها بتزامن وما هي ألا ثواني حتى يسقط ذلك الجسد ارضا بدون ان تشعر به ليخفت عندها صوت المرح والضحك من حولها ليحل السكون على عالمها لتجد نفسها بعدها بساعات حبيسة الفراش والغرفة والأجهزة الطبية تحيطها بكل مكان تمنعها من الحركة وصوت جهاز دقات القلب يرن بأذنيها بطنين مؤلم ، لتتحول بعدها حياتها لطفلة وحيدة تشاهد العالم من حولها وهو يتحرك بسلاسة مملة بدون ان تستطيع الاقتراب منه وسبل الراحة متوفرة بكل زوايا غرفتها المقيتة والتي اصبحت هي حدود عالمها ، ليطول الأمر لسنوات طويلة وكل ما يهم تلك الطفلة هو مرور الوقت بسرعة لتستطيع العودة للعب ولم تكن تعلم بأنها ستعود للعالم بعد فوات الأوان لتسلك حياتها منحى آخر مختلف تماما عن الذي كانت تعرفه طفلة ؟

اتسعت حدقتيها العسليتين باخضرار حزين ما ان سمعت احداهن من مجموعة الفتيات وهي تقول بخفوت ضاحك
"انظرن يا فتيات ، لقد اتى الخاطب الجديد بالجامعة"

قبضت (غزل) على الكتاب بين يديها بتصلب مشتد وهي ترفع حدقتيها ببطء لما تنظر له الفتيات لتتجمد انظارها بصدمة ليس من منظر الشاب النحيل والذي كان يسير بين الطلاب بثقة بالغة بل من الفتاة والتي كانت برفقته وهي تتمسك بذراعه بتشبث وابتسامة عريضة تحتل محياها البسيط بملامحها السمراء الهادئة ، زمت بعدها شفتيها بارتجاف وهي تستمع للفتيات وهي تقول احداهن بسخرية
"تبدو خطيبته قبيحة أليس كذلك ، ألم يجد اجمل منها"

ردت عليها الأخرى بتأنيب
"اصمتِ لا يسمعكِ احدهم"

ابعدت (غزل) نظراتها عنهم بتشوش وقد بدأت غلالة من الدموع باحتلال اطراف عينيها بتدفق على وشك الانهيار ، لتنتفض بعدها واقفة عن المقعد وهي تدس كتابها بداخل حقيبتها بارتجاف قبل ان تسير بسرعة بعيدا عن هذه الاجواء الخانقة والتي ستزهق انفاسها وهي تحاول التوازن على كعبيّ حذائيها المسننين بصعوبة بالغة ، وما ان ابتعدت عنهم بمسافة قصيرة حتى اسندت كفها بجذع شجرة قريبة وهي تحني رأسها للأسفل بانتحاب صامت وكفها الأخرى مستريحة على ركبتها بهدوء ، لتزفر بعدها انفاسها بنشيج خافت تشعر به يخرج من صميم روحها المرهقة من كل ما مرت به بحياتها وهي ترى النور الوحيد والذي شعرت معه بالسعادة الحقيقية قد اختفى بلمح البصر وقبل ان تسعد به حتى وهي تراه بكل يوم وهو يبتعد عنها ببطء بدون ان تملك القدرة على فعل شيء ، ولكن اللوم لا يقع عليه وحده بل على جميع من وقف بوجه سعادتها وافسدها بدون التفكير بقلبها الصغير والذي عاد للحياة مجددا بعد فقدان الأمل منه ، وكل هذا بسبب المستويات والفروق بين البشر والتي تحددها عائلة والدها العريقة والتي لا تقبل بالقليل حتى دمرت بقايا قلب تنبض بداخلها .

ابعدت كفها عن الجذع بهدوء وهي تحاول الاتزان بوقوفها وما ان حاولت السير عدة خطوات للأمام حتى انزلقت بكعبيّ حذائيها والذين تشعر بهما قد تحولا لهلاميين بدون ان تمنع نفسها من السقوط هذه المرة ، لتشعر بعدها بصدر واسع يسندها وذراعين تحميانها من السقوط وهو يمسك بذراعيها بقوة ، اخترق صوته غمامة حزنها وهو يقول بتوجس قلق
"هل انتِ بخير يا غزل ما لذي اصابكِ ، غزل"

افاقت فجأة من ذهولها وهي تشهق بهلع لتضع قبضتيها فوق صدره وهي تبتعد عنه باهتزاز مرتبك ، لتقف بعدها امامه بتصلب وهي تهمس بتشنج مرتجف
"انا بخير ، بخير"

عقد (هشام) حاجبيه بريبة وهو يتراجع للخلف قائلا بشك
"تبدين شاحبة للغاية ، هل تعانين من شيء"

تنفست (غزل) باضطراب وهي ترفع كفها لتمسح على وجهها المتعرق وتعيد خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها بهدوء ، لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة هادئة وهي تنظر له بقوة مهزوزة
"لا شيء يا استاذ هشام ، فقط شعرتُ ببعض الضغط من الاجواء الخانقة هناك"
ضيق (هشام) عينيه بتركيز وهو يقول بتفكير
"هل تعانين من ضيق بالتنفس يا غزل"

اختفت ابتسامتها وهي تقول بخفوت شديد
"بعض الشيء فقد كنتُ اعاني بصغري من مرض القلب الرئوي ، وقد تعافيتُ منه منذ فترة ليست ببعيدة"

حرك (هشام) رأسه بتفهم وهو يفكر بأن كل شيء قد بدأ يتضح لديه الآن ، ليقول بعدها بجدية صارمة
"انتبهي على نفسكِ اكثر من هذا ، فلن تتحملي قسوة العالم إذا بقيتِ بهذا الضعف"

رفعت نظراتها نحوه بعدم استيعاب قبل ان تبتسم باتساع قائلة بصوتها المنغم بحزن
"شكرا لك"

استدار (هشام) بعيدا عنها ببرود ليسير بخطوات هادئة وامام نظراتها الحزينة وهي تمسح اطراف عينيها بكفها بهدوء قبل ان تقبض على كفها بقوة وهي تريحها اعلى صدرها المتنفس برتابة معتادة عليها .

______________________________
كانت تتخلل خصلات شعرها الطويلة بفرشاة الشعر وهي تمشطه بنعومة ممسكة بطرفه الآخر برفق ، لتحيد بعدها بنظراتها للكرت والموضوع فوق طاولة الزينة امامها لتستطيع النظر إليه كل حين وهي تفكر بأنها لم تحصل بحياتها على شيء مميز وجميل مثل هذا الكرت المصنوع يدويا ، ليعود كلامه ليطرق على ذهنها الشارد بخصوص الحفلة والتي ستقام بالمنزل وهو يصر على حضورها بدون ان تعلم ما هي طبيعة الحفلة او اي شيء عنها ؟ وقد وعدها ايضا بأنه سيحضر لها كل شيء تحتاجه وينقصها لتحضر الحفلة مثل اي فرد بهذه العائلة .

زمت (روميساء) شفتيها بارتباك لترفع نظراتها للمرآة وهي تنظر للجالسة على السرير من خلفها وهي شاردة بالكتاب بحجرها بعيدا عنها ، لتقول عندها بابتسامة هادئة وهي تخفض فرشاة الشعر بعيدا عن خصلات شعرها
"هل تفكرين بالحفلة والتي ستقام بالمنزل"

مرت لحظات قبل ان تهمس بتصلب بدون ان تبعد نظرها عن الكتاب
"تقصدين حفلتهم التافهة والتي ستحدث بنهاية الاسبوع بالمنزل ، اعلم عنها ولا يهمني امرها"

عقدت حاجبيها بتفكير وهي تقول بوجوم
"وما لمانع من حضور الحفلة بما اننا افراد من هذه العائلة"

رفعت (ماسة) نظرها عن الكتاب لتلتفت نحوها وهي تقول باستياء
"ليس انتِ ايضا يا روميساء ، يكفي كلام صفاء عن الحفلة واصرارها الطفولي على حضورها ، وانتِ تعلمين جيدا الظروف والتي ارغمتنا على السكن بهذا المنزل بدون ان يعترف احد بوجودنا من افراد العائلة وخاصة زوجة ابنهم الفاجرة"

اخفضت (روميساء) نظرها للكرت امامها وهي تهمس بهدوء
"ولكن الخال محراب قد رحب بوجودنا بمنزله بالرغم من انه قد تأخر كثيرا عليها ، كما افراد العائلة ايضا وقد اصبح وجودنا بمنزله امرا مسلماً منه"

امتعضت ملامح (ماسة) وهي تقول بسخرية مريرة
"لقد كان مرغما على فعلها من اجل ان لا نلطخ سمعته بعد ان بقينا لوحدنا بما ان اسم والدتي ما يزال مرتبط بعائلته ، ولكن لا تتوقعي ان يقدم لنا اكثر من هذا الاستقبال فهو سيحاول بكل جهده ان يبعد سمعتنا المشوهة بسبب قيس عن حياته"

وضعت (روميساء) فرشاة الشعر فوق طاولة الزينة وهي تتمتم ببرود
"ولكن قد يكون كلامكِ غير صحيح ، فأنتِ دائما تتوقعين الاسوء وقد يكون حقا قد شعر بالذنب على تركه لنا بالماضي ، ويريد ان يكفر عن ذنبه بضمه لنا للعائلة"

نظرت (ماسة) نحوها بجمود وهي تقول بانفعال ساخر
"من كل عقلكِ يا روميساء ، مثل هؤلاء الناس لا يتغيرون ابدا وإذا حاولوا التغير من اجلكِ فاعلمي بأنها تمثيلية رخيصة لكسب ودك او وسيلة للوصول لأهداف اخرى غير شريفة ، فلا تنسي بأن والدتي قد خرقت قوانينهم بالماضي وهي تظن بأن بزواجها من عشيقها الريفي ستنجو من عقابهم والذي سلطوه علينا نحن بالحرمان من العيش بينهم والحصول على جزء من ميراثهم وبنبذهم لنا طول الحياة ، وتريدين منه ان يكفر عن ذنبه"

ردت عليها من فورها بجمود حانق
"اصمتِ يا ماسة ولا تنسي نفسكِ مع من تتكلمين ، وتوقفي عن اهانة كل من حولكِ بلسانكِ الطائش هذا ، فلا تنسي بأن هذه عائلتكِ من تتكلمين عنها بسوء هكذا"

ادارت (ماسة) عينيها بعيدا عنها وهي تنظر امامها بجمود غير مبالي ، بينما شددت الجالسة امام المرآة من القبض على كفيها بحزن لتنظر عندها للمرآة ولصورة عينيها الخضراء الشاحبة بذبول وبعض الهالات السوداء ما تزال تظلل جفنيها لتظهرها اكثر كآبة وحزنا ، لتقول بعدها بابتسامة واهية بحزن
"ولكنها مع ذلك قد عانت كثيرا بحياتها ، فقد اضطرت للزواج لمرتين متتاليتين ولم يكتب لها النجاح بأي من الزيجتين"

كانت نظرات (ماسة) جامدة بعيدا وهي تهمس بغموض
"هذا لأنها لم تعرف جيدا كيف تختار شريك حياتها المناسب فقد كان كل ما يهمها هو الزواج من شخص يملك مظهراً جذاباً يسحرها بجماله ومال وفير بدون النظر لدواخله والتعرف عليه اكثر ، لتسقط بالنهاية على وجهها مرتين ويقودها القدر لما تستحقه..."

قاطعتها (روميساء) بنفاذ صبر وهو تستدير بوجهها نحوها بحدة
"كفى يا ماسة ، توقفي عن إهانة والدتنا بكلامكِ المسموم ، يكفي بأنها بقيت متمسكة بنا بزواجها الثاني"

ردت عليها بوجوم
"ليتها لم تفعل"

ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تهمس بحنق
"ماذا قلتِ"

تجاهلتها (ماسة) تماما وهي تعود للنظر للكتاب بحجرها بجمود ، لتعود (روميساء) للاستدارة امام المرآة وهي تتنهد بهدوء متشنج ناظرة لعينيها بحزن عميق وهي تفكر بكلام شقيقتها الخاطئ فما تزال تذكر جيدا عندما توفي والدها بوقتها اعتزلت والدتها الخروج للعالم وهي تراها بكل يوم شاردة بعيدا بحزن بدون اي دموع وكأنها قد خسرت شيء قيّم بحياتها اكتشفت فائدته الآن بالرغم من انه لم يستطع اي شيء ان يكسرها بحياتها ولكن وفاته قد غيرتها كلياً قبل ان تعود بعدها لسابق عهدها ، وقد كانت الفترة الوحيدة والتي اظهرت فيها هشاشتها وذبولها كما يحدث مع (ماسة) تماما فهي لم تؤخذ عينيها فقط بل اخذت مشاعرها وطريقة حزنها بنفس الهشاشة .

قطع عليها شرودها صوت (ماسة) وهي تهمس بانقباض مشتد
"لا تنسي يا روميساء بأن اقامتنا بهذا المنزل مؤقتة حتى تجدي منزل آخر لنا كما وعدتني ، لذا ارجوكِ لا تحاولي الدخول بهذه العائلة اكثر وألا لن اسامحكِ ابدا ما حييت"

ابتسمت (روميساء) بهدوء وهي تقول بخفوت شاحب
"سأفعل ما اقدر عليه يا ماسة ، ولكن ثقي بأني لن اخيب ظنكِ ابدا"

عمّ الصمت بأرجاء الغرفة الواسعة ومشاعر من السعادة بدأت بالتسرب بينهم بدفء طاردة الوجوم والذي غلفهم للحظات ، لتتحرك بعدها (ماسة) وهي تنهض عن السرير بهدوء قبل ان تضع الكتاب على المنضدة الجانبية بصمت ، وما ان تحركت باتجاه باب الغرفة حتى قالت (روميساء) بسرعة بتوجس
"إلى اين ستذهبين يا ماسة"

قالت (ماسة) بلا مبالاة وهي تكمل سيرها لخارج الغرفة
"سأذهب للسير قليلا بالجوار ، فأنا لا استطيع النوم قبل ان اتحرك والبقاء بهذه الغرفة يسبب لي الضيق الشديد"

رفعت (روميساء) نظراتها لمكان اختفاء شقيقتها وهي تترك باب الغرفة مفتوح من خلفها ، لتحرك بعدها كتفيها ببرود وهي تعود للإمساك بفرشاة الشعر لتمشط بها خصلات شعرها الطويلة بشرود وقد نسيت موضوع الكرت تماما والذي ما يزال بنفس المكان امامها بعد ان احتل تفكيرها امور اخرى اهم منه .

يتبع....................

روز علي 12-04-21 08:38 PM

كانت تسير بخطوات متمهلة بالرواق الطويل وهي تنظر للظلام الحالك من حولها والذي يسود بالمكان وهي تدس يديها بجيبي قميص بيجامتها القطنية بشرود ، لتتوقف بعدها بخطواتها وهي ترفع نظراتها الداكنة للصورة العملاقة والتي كانت تحتل الجدار اعلى السلم وقد كانت تحوي صورة رجل مسن وآثار الشيخوخة ظاهرة عليه بوضوح بدون ان تستطيع اخفاء قوته وسطوته والتي تنضح بملامحه وهو يبدو نسخة طبق الأصل عن خالها (محراب) والذي يكون ابنه ، توقفت بنظراتها على احداقه الزرقاء الداكنة تحيط بهما بعض التجاعيد والتي لا تخلو من القسوة وهو نفس اللون والذي ورثته والدتها لترثه ابنتها الصغرى بالمقابل ليكون اللون المشهور بسلالة عائلة الفكهاني ، وكم تكره هذا اللون وتمقته والذي جعلها تحصل على لقب (شبيهة والدتها) بين الناس وخاصة من زوج والدتها والذي لا يتوقف عن اطلاقه عليها وكأنه يزيد كرهها له بتلقيبها به .

ابعدت نظراتها بسرعة عن الصورة ما ان شعرت بحركة مريبة من خلفها ، لتلتفت بوجهها للخلف بهدوء وهي تنظر بتصلب لأرجاء المكان الفارغ ، كتفت بعدها ذراعيها فوق صدرها وهي تقول بعصبية بالغة
"إذا كان هناك احد يختبئ هنا ، فليخرج امامي فورا فأنا لا احب هذه الألعاب"

زاد الصمت بالمكان حتى اصبح ثقيلاً على صدرها وكأنه حجر يجثم فوقه وهي تتنفس بقوة ناظرة للظلام والذي يكاد يبتلعها من سواده ، لتخفض بعدها جفنيها بهدوء على احداقها ما ان اجتاحتها ذكريات عن مكان مظلم بنفس سواد هذا المكان وهو يحوي جسد راقد على الأرض بدون اي حركة والضربات تتوالى عليه من كل صوب .

انتفضت بشهقة خافتة وهي تنظر بهلع نحو مصدر الصوت والذي خرج عنه ارتطام احدهم بطاولة ليؤدي عن وقوع المزهرية الصغيرة ارضا قبل ان تتحطم لشظايا ، لتتراجع بعدها للخلف عدة خطوات بتعثر وهي تبتلع ريقها بتصلب هامسة بارتعاش
"قيس"

صرخت بجزع ما ان اصطدمت بجسد احدهم من الخلف ، لتشعر بعدها بيدين تمسكان بكتفيها بقوة وهو يهمس بجانب اذنها بهدوء ساخر
"هل تخافين من الظلام لهذه الدرجة"

تشنجت ملامحها وهي ترجع مرفقها للخلف تلقائياً بعشوائية لتصدم وجهه بقوة ، تراجع بعدها للخلف بعيدا عنها بسرعة وهو يغطي انفه بكفه قائلا بتأوه خافت
"يا مجنونة ، لماذا فعلتي هذا بي ، لما كل هذا الحقد تحملينه نحوي"

استدارت بسرعة نحوه وهي تفغر شفتيها بأنفاس ذاهلة وهي ما تزال لا تصدق ما حدث للتو وما فعلته الآن باندفاع بدون ادنى تفكير ، لتدس بعدها كفيها بجيبي بنطال بيجامتها وهي تخرج هاتفها الصغير لتشعل الضوء باستخدامه وهي توجهه نحو الرجل الغريب ، اتسعت حدقتيها الزرقاء بتوجس وهي تنظر للشخص والذي تبين بأنه ابن خالها (شادي) وهو يمسك بأنفه النازف بملامح متشنجة بتألم واضح ، لتخفض بعدها الهاتف من امامه بارتجاف وهي تخرج من جيبها هذه المرة منديل نظيف قبل ان تسير نحوه ببطء وهي ترفع كفها باتجاه وجهه بحذر .

امسك (شادي) فجأة بذراعها المرتفع بقوة آلمتها وهو يغرز اصابعه بلحم ذراعها قائلا بتصلب
"لا اريد مساعدتكِ بشيء ، يكفي ما فعلته للآن يا ابنة المجرم"

عضت (ماسة) على طرف شفتيها بقوة قبل ان تنفض ذراعها بعيدا عنه هامسة بجمود بارد
"اصمت ولا تقاطع مساعدتي لك ، وتوقف عن المكابرة من اجل خدش بسيط فهذا لا يليق ابدا على رجل بعمرك"

ارتفع حاجبيه بصدمة وهو يقول باستنكار
"ماذا خدش بسيط ، لقد كدتِ تحطمين لي انفي لأعيش المتبقي من عمري بدون انف"

صرخ (شادي) فجأة بألم شديد ما ان امسكت فجأة بمقدمة انفه بالمنديل بأصابع صلبة لتحركه ببطء قبل ان تعيده لمساره الصحيح كما كان ، ليتراجع (شادي) بسرعة للخلف وهو يدفع ذراعها بعيدا عن انفه قائلا بوجوم
"ما لذي اصاب عقلكِ يا فتاة ، هل تريدين قتلي حيا وانا ما ازال بزهرة شبابي"

اخفضت كفها بالمنديل وهي تقول بابتسامة ساخرة بغيض
"قبل ان تنطق بأي كلمة ايها الطفل الكبير ، انظر لحال انفك كيف اصبح الآن"

تجهمت ملامحه وهو يرفع كفه ليتلمس انفه بحذر وهو يقول بغموض
"لقد اختفى الألم تماما مثل السحر ، ولكن ما لذي فعلته للتو"

تقدمت امامه عدة خطوات وهي تقول بثقة بالغة
"هذه تكون الحركة المرتدة مثل ردة الفعل ، انا من كسرت الانف وانا بالمقابل من اصلحته يعني هذه هي حركتي المرتدة ، هل اعجبتك"

ابتسم (شادي) باتساع منبهر وهو ما يزال يتلمس انفه ليقول بعدها بعبوس غاضب
"ولكن اصابعكِ مخيفة جدا فقد آلمتني كثيرا ، ألا تعرفين شيء عن الرقة واليد الخفيفة"

حركت (ماسة) عينيها جانبا بملل وهي تبتسم بسخرية قائلة باستهزاء
"غير صحيح انت فقط من تتصرف بدلال بالغ على رجل كبير مثلك عليه تحمل امور اخطر من كسر انف ، هل فهمت ايها الطفل الكبير"

تجهمت ملامحه وهو يتمتم باستياء حاد
"انا ابلغ من العمر ثمانية وعشرون عاما ، وانتِ من كل عقلك تناديني بالطفل الكبير"

نظرت له (ماسة) ببرود وهي تقول بابتسامة جانبية بخفوت
"بل انت طفل كبير ومغرور وتحتاج لمن يعلمك الاسلوب الصحيح بالحياة"

عبست زاوية من شفتيه المتصلبتين وهو يشعر بإهانة غير مباشرة موجهة نحوه ولكن ليس هذا ما جذب انتباهه بل كلامها الاخير فهذه العبارة لطالما سمعها ولكن ليس من عائلته بل من اغلى شخص بحياته وصوتها يرن بأذنيه بتأنيب خافت
(طفل كبير مشاكس وتحتاج لمن يعلمك الاسلوب الصحيح بالحياة)

حرك رأسه بقوة وهو ينفض الذكريات البعيدة عن رأسه ليجعلها كما هي طي النسيان ، لينظر بعدها للتي كانت تمد له بالمنديل والملطخ بدماء انفه وهي تهمس بابتسامة صغيرة
"استخدم هذا المنديل لتمسح به الدماء المتجمدة على انفك لكي لا تبقى بمكانها لليوم التالي"

رفع (شادي) كفه ليمسك بالمنديل ببطء شديد وهو ما يزال شارد بملامحها بغموض وبصمت دام للحظات ، لترفع بعدها الهاتف والذي ما يزال مفتوح على الاضاءة وهي تغلقه بهدوء ، بينما كان (شادي) يتابعها باهتمام وهي تستدير بعيدا عنه لتسير باتجاه الممر قبل ان يقول من خلفها بارتفاع
"انتظري يا الماسة..."

قاطعته (ماسة) بانفعال وهي تستدير نحوه بقوة لتلتف معها خصلات شعرها السوداء المجنونة من حولها
"ماسة ، وإياك وان تخطئ باسمي مرة اخرى"

ردّ عليها (شادي) بلا مبالاة
"غير مهم ، اردتُ ان اخبركِ فقط شكرا لكِ"

عبست ملامحها ببرود وهي لا تصدق البساطة والتي يتكلم بها معها وكأنه يتسلى باستفزازها ببساطته والتي تطغى على كل شيء يفعله ؟ لتعود للاستدارة للأمام وهي تسير بعيدا عنه ليقول مرة أخرى من خلفها بتذكر
"ولكن لم تخبريني ، ما لذي كنتِ تفعلينه خارج غرفتك بمنتصف الليل"

عبست ملامحه وهو ينظر لظلها والذي اختفى بعيدا بالظلام بدون ان تجيبه ، ليرفع بعدها نظراته بهدوء للصورة العملاقة والتي تحتل الجدار وهو يوجه كلامه لها بيأس
"أرأيت ما لذي فعلته بي حفيدتك يا جدي ، فقط اريد ان افهم ما هي تركيبة هذه الفتاة ، ولكني مع ذلك سأتحملها فقط من اجلك يا جدي ولأنها حفيدتك ، واعلم بأنك تحبها فهي قوية مثلك وفريدة من نوعها لأنها جزء منك وتشبهك كثيرا"

رفع (شادي) المنديل وهو يمسح به على اطراف انفه برفق وهو شارد بصورة جده والتي احتلت المنزل لسنوات طويلة بدون ان تتزحزح من مكانها ، ومن الذي سيتجرأ على ذلك ؟

_____________________________
كانت تمسك بالبطاطا بيد وهي تقشرها بنصل السكين الحاد بيدها الأخرى بحرص شديد ، لتنتفض بعدها وهي تنحرف بنصل السكين لتجرح طرف اصبعها ما ان سمعت صوت تصفير خافت يخرج من خلفها بمكر ، لتستدير عندها للخلف بغضب وهي تنظر للواقف عند باب المطبخ وهو ينظر لها بعينين عسليتين ناعستين وكأنه لم يفزعها بتصرفه للتو ، قال (مازن) بعدها بلحظات وهو يرفع حاجبيه لها بتعجب
"لا تنظري لي بهذه الطريقة فهي لا تخيفني ابدا ، وعودي لعملكِ قبل ان انتشل عينيكِ هاتين من مكانهما"

عضت (صفاء) على طرف شفتيها وهي تقول بغيض
"اخبرتك ان تتوقف عن لعبة افزاعي بهذه الطريقة عندما اكون شاردة ، فهذا يزعجني كثيرا"

ردّ عليها (مازن) بلا مبالاة وهو يسند كتفه بإطار الباب
"ماذا افعل معكِ إذا كنتِ تخافين من ظلكِ وتفزعين من اي شيء افعله ، وتماما مثل عندما كنتِ طفلة تختبئين تحت سريري بعد سرد قصة مرعبة قبل النوم ، ما رأيكِ ان نعيدها مجددا فأنتِ لم تكبري عليها بعد"

ضحك (مازن) بسخرية من بين كلامه امام نظراتها الحانقة باشتعال ، لتستدير بعدها بعيدا عنه وهي تتمتم بامتعاض
"سخيف"

شعرت بعدها بلحظات بخصلات شعرها المعقودة على هيئة ذيل حصان على وشك التقطع بفعل قبضته الممسكة بها من الخلف وهو يهمس بغضب مكتوم
"ماذا قلتِ الآن يا ام لسان طويل"

ردت عليه (صفاء) بألم شديد
"لم اقل شيئاً ، اترك شعري"

ترك شعرها اخيرا بعد ان افسد عقدته وهو يقول من خلفها بتحذير
"إذا حاولتِ التطاول معي بالكلام مرة أخرى يا صفاء ، فلا تلوم عندها سوى نفسك"

تبرمت شفتيها بغضب وهي تترك البطاطا والسكين من يديها لترفعهما لعقدة شعرها المتهدله وهي تحاول دس الخصلات البنية بقوة لداخل العقدة المرتخية ، بينما اتجه (مازن) نحو الثلاجة بزاوية المطبخ ليفتحها بيده وهو يخرج منها زجاجة العصير بيده الأخرى قبل ان يغلقها وهو يتمتم بهدوء حائر
"صحيح ما هي اخبار ماسة بمنزل خالها ، فقد تأخرت كثيرا بالمكوث هناك واكثر من الفترة المسموح بها"

عقدت حاجبيها بتجهم من كلامه الأخير وهي تخفض كفيها للأسفل هامسة بوجوم
"لا اعلم شيئاً عنها"

ردّ عليها (مازن) بخفوت خطير
"ماذا قلتِ لم اسمعكِ"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تهمس بانفعال بدون ان تنظر له
"لا تستطيع ارغامي على الكلام ، فأنا لا اعمل جاسوسة عندك من اجل ان تعرف اخبار صديقتي مني"

تجهمت ملامح (مازن) بجمود وهو يقول بصرامة
"صفاء...."

قاطعته (صفاء) وهي تلتفت برأسها نحوه قائلة بعبوس مرتجف
"وإياك وان تقترب مني مجددا وألا اخبرتُ والدي ليطردك من المنزل بأكمله"

عقد حاجبيه بوحشية ارعبتها وهي تلتصق بالمغسلة الرخامية من خلفها بكفيها بتشبث ، ليقول بعدها بهدوء خطير مشددا على حروفه بتصلب
"انا اريد فقط ان اعرف عن حالها وكيف هي الآن ، لذا لا داعي لتمثيل دور محامي الدفاع امامي وكأنني اريد قتلها والتهامها حية"

ابتلعت ريقها بارتباك وهي تهمس بخفوت متصلب
"ليس لدي ما اخبرك عنه سوى بأنها بخير وسعيدة بعائلة خالها وهناك حفلة سيقيمنها بالمنزل بنهاية الاسبوع...."

قاطعها (مازن) وهو يتمتم باهتمام
"هل ستحضر الحفلة"

زمت شفتيها وهي تنوي الكذب عليه لتقول بدلا عن ذلك بوجوم
"لا لن تحضر"

ابتسم (مازن) ببرود وهو يهمس بشرود متصلب
"جيد ، فهذا سيكون لصالحي"

ضيقت عينيها العسلية بتفكير وهي تحاول فهم كلامه الاخير وما هو الجيد بالموضوع ؟ ليقول بعدها (مازن) باستفزاز وهو يفتح زجاجة العصير بهدوء
"ماذا تفعلين ، هيا عودي لعملكِ ، ولا تفكري بشيء آخر لأن شقيقك يسيطر على زمام الأمور جيدا"

عبست ملامحها بغضب صامت وهي تعود للالتفات امامها لتمسك بالبطاطا والسكين بيديها وهي تكمل تقشيرها كما كانت تفعل قبل قليل ، لتشعر بعدها بحركة (مازن) وهو يخرج من المطبخ قبل ان يقول بفحيح ساخر
"انتبهي فقد تخرج لكِ اشباح المطبخ من الخزائن ، لذا احذري وانتِ تعملين لكي لا تثيري غضبها"

شهقت بوجل وهي تسمع ضحكته الساخرة وهي تتبعه لخارج المطبخ بعد ان دب الرعب بأوصالها ، لتجرح بعدها طرف اصبعها الثاني بنصل السكين وهي تشتمه بكل ما تحمله له من كره وحقد منذ طفولتها ، تلفتت من حولها وهي تنظر للخزائن المعلقة بالجدار بريبة وقلق زرعه بداخلها ، لتفكر بعدها بكلامه الأخير وإذا كانت قد اخطئت عندما اخبرته بالحفلة وعدم حضورها لها ؟ فكل ما يهمها هو ألا تتأذى صديقتها بسببها او بسبب شقيقها المجنون بأية طريقة .

_____________________________
كان يجلس امام مكتبه وهو يتلاعب بالقلم بين اصابعه مرجعا ظهره للخلف باسترخاء وهو يحرك رأسه بملل شارد ، ليقطع عليه شروده صوت الهاتف وهو يرن بصخب مزعج مخترقا غمامة شروده ، ليرفع بعدها يده وهو يلتقط سماعة الهاتف من على سطح المكتب ليضعها بجانب اذنه قائلا بملل
"نعم"

ردت عليه السكرتيرة بعملية جادة
"هناك زبونة تريد رؤيتك يا سيدي"

قال (شادي) بعدها بلحظات بتفكير
"هل حجزت موعد مسبق يا وفاء"

ردت عليه (وفاء) بتأكيد
"اجل يا سيدي وقد جاءت على الموعد تماما والذي حددته لها"

انتفض (شادي) وهو يعتدل بجلوسه قائلا بابتسامة جادة
"اجل يا وفاء اتركيها تدخل"

اقفل الخط وهو يعيد سماعة الهاتف لمكانها ، لينظر بعدها بتركيز لباب المكتب والذي فُتح ليتبعها دخول فتاة متبرجة وهي تبتسم له بنعومة بشفتيها المحمرتين بلون احمر قاني ، لينزل عندها لملابسها الانيقة والمكونة من كنزة صوفية طويلة بينما تركت ساقيها عاريين من تحت التنورة القصيرة والتي لا تصل لركبتيها وهو لا يفهم نظام الفصول عندها .

وقف (شادي) عن مقعده بهدوء وهو يبتسم باتساع قبل ان يمد كفه قائلا ببشاشة
"مرحبا بكِ يا آنسة بمكتب المهندس شادي ، شرفتي مكتبي المتواضع"

تقدمت الفتاة نحوه بخطوات متمايلة بتمهل قبل ان تصافحه بأطراف اصابعها قائلة بإيباء
"مرحبا بك"

اخفض (شادي) يده وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة قبل ان يجلس امام المكتب وهو ما يزال يتلاعب بالقلم بأصابعه ، بينما جلست الفتاة على المقعد امامه بهدوء وهي تضع حقيبتها الصغيرة فوق الطاولة امامها بصمت ، قال (شادي) بعدها بلحظات بابتسامة هادئة بعملية وهو يطرق بالقلم على سطح المكتب برتابة
"إذاً ألن تخبرينا باسمكِ الكريم"

ردت عليه الفتاة بغرور وهي تضع ساق فوق الأخرى
"اسمي هو شروق الخطيب ، وقد اتيتُ على الموعد والذي حددته معك قبل ايام ، هل نسيت"

عقد حاجبيه بتفكير وهو يقول بابتسامة محرجة
"اعتذر فقد نسيتُ امر الموعد تماما ، فأنا ما افعله بالأمس لا اتذكره اليوم"

عبست ملامح (شادي) وهو ينظر لردة فعلها الباردة بدون ان تؤثر بها دعابته مثل ما تؤثر بالآخرين ، ليتنحنح بعدها بهدوء وهو يقول بجدية صارمة
"حسنا فلنتكلم عن المهم ، ما هو نوع التصميم والذي تودين منّا صنعه لكِ يا آنسة شروق ، واقصد بكلامي اي شيء فقط اخبرينا بمواصفاته وسيكون كما تريدين وتحلمين تماما"

حركت رأسها باتزان قبل ان تقول بابتسامة صغيرة بغرور
"الحقيقة لقد سمعتُ الكثير عن هذه الشركة وبأنكم تحققون كل مطالب زبائنها على اكمل وجه ، لذا قررتُ التوجه عندكم بطلب ما اريد وافكر به ، ولكن اتمنى حقا ان لا يحدث عكس ما اتيت من اجله"

ردّ عليها بثقة بالغة وهو يضرب بقبضته على صدره بقوة
"ثقي بنا يا آنسة ولا تفكري بشيء آخر ، فقد اتيتِ للمكان الصحيح وطلبكِ سيكون بأمان عندنا وبأيدي حريصة"

قالت فجأة بحيرة وهي تنظر له بتعجب
"اين هو خاتم زواجك ، ام انك لا تحب ارتدائه عادةً"

اخفض كفه لسطح المكتب بهدوء وهو يقول ببساطة بالغة
"لا يوجد خاتم زواج ، فأنا ما ازال عازب للآن ، أليس هذا واضحا عليّ"

ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تقول بابتسامة مغرية بغموض
"ولما لم تتزوج للآن وانت تمتلك كل المؤهلات المطلوبة والتي تحتاجها للزواج ، ام انك مطلق او ارمل او عاشق تعرض للخيانة...."

قاطعها بسرعة وهو يرفع كفيه بوجل
"لا ليس لهذه الدرجة يا آنسة ، فقط لم اجد الفتاة المناسبة والتي ارغب بها زوجة لي ، هذا كل شيء"

عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وما ان كانت ستعاود الكلام حتى سبقها (شادي) وهو يمسك بالقلم بيديه قائلا بجدية حادة
"هلا توقفنا عن التكلم عن حياتي ، وانتقلنا لموضوعكِ لنستطيع اختصار الوقت بشكل افضل ، ولكي لا نؤخركِ اكثر على مهامكِ يا آنسة"

ادارت عينيها بعيدا عنه بإيباء وبصمت وهي تهز ساقيها بعصبية واضحة ، بينما كان (شادي) يمزق ورقة من الدفتر امامه وهو يمسك بالقلم بيده الأخرى قبل ان يسند ذراعيه على سطح المكتب قائلا بابتسامة هادئة
"هلا اخبرتني عن مواصفات طلبكِ لأستطيع تدوينها ورسم التصميم كما تحبين وترغبين ، وماذا تريدين تحديدا بيت احلام او كوخ ريفي او غرفة اضافية بمنزلكِ الحالي...."

قاطعته (شروق) وهي تعود للنظر له بدلال ونعومة مصطنعة
"اريد منزل صغير ريفي يحيطه الاعشاب والاشجار بكل مكان ومعه مسبح كبير وحديقة مزهرة بسياج مرتفع ، واريد الوان السياج ان تكون مزيج بين الابيض والوردي ، وهناك ايضا شيء اريده منك ولن يكتمل منزلي بدونه"

كان (شادي) مشغول بتدوين طلباتها على صفحة الورقة ليتوقف بعدها وهو يتمتم بوجوم
"وماذا ايضا ، اخبريني عن الذي ينقصكِ وانا سأنفذه لكِ بمنزل احلامك"

اتسعت ابتسامتها بإغراء قبل ان تهمس بثقة وهي تحرك ساقها بدلال
"اريدك انت"

تصلبت ملامحه وهو يرفع نظراته بعيدا عن الورقة بحيرة قبل ان يتمتم ببلاهة مصطنعة
"اعتذر ولكني لم افهم مطلبكِ الأخير"

ردت عليه (شروق) وهي تتقدم بجلوسها امام المكتب قائلة بخفوت مغري
"بل انت تفهم جيدا ما اريد ، شاب عازب ووسيم مثلك دائما يكون محط انظار الفتيات الجميلات ، لذا ما رأيك ان اكون الفتاة المناسبة والتي تبحث عنها لتسعدك بحياتك ويكون المنزل الريفي والذي تصممه لنا هو منزل احلامنا الخاص والذي سنقضي به شهر عسلنا"

نظر لها (شادي) للحظات بجمود قبل ان تتسع ابتسامته ببرود وهو يقدم وجهه امامها قائلا باستهزاء واضح
"يبدو بأنكِ قد اتيتِ للمكان الخطأ فهذا المكان لطلب التصاميم والتي تخص منازل الاحلام وليس لطلب العرسان العازبين يا آنسة شروق"

عبست ملامحها بارتجاف للحظات قبل ان تنتفض واقفة عن المقعد وهي تقول بعصبية مهتزة
"كيف تتجرأ على قول مثل هذا الكلام لي ايها السخيف ، لن اسامحك ابدا على جرأتك هذه معي...."

قاطعها (شادي) وهو يرجع ظهره للمقعد قائلا بحزن تمثيلي
"لما كل هذا الغضب يا آنسة شروق ، أليس لديكِ حس بالفكاهة"

ازدادت ملامح (شروق) شراسة لتصبح عبارة عن مسخ مخيف مع مساحيق الوجه والتي كانت تلطخ وجهها بكثرة ، لتلتقط بعدها حقيبتها من على الطاولة بعنف قبل ان تستدير بعيدا عنه وهي تسير باتجاه باب الغرفة بغضب ناري ، ليقول من خلفها بمرح قبل ان تختفي عن نظره
"وداعا يا آنسة شروق ، فرصة سعيدة"

اخفض (شادي) نظره للورقة بيده والتي تحوي طلباتها قبل ان يجعدها بقبضته بقوة ، ليرفع بعدها قبضته عاليا وهو يصوبها باتجاه مكان السلة قبل ان يلقي بها لتصيب هدفها بنجاح ، اعاد نظره للأمام ما ان اجتاحت الغرفة فتاة اخرى وهي تقول بوجوم عابس
"ما لذي حدث يا شادي ، ومن تلك الفتاة والتي كانت متواجدة معك وغادرت غرفة المكتب وهي تبدو غاضبة"

وقف (شادي) عن مقعده وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"لقد كانت فتاة مخطئة بعنوان المكان"

رفعت (لينا) حاجبيها الاشقرين بعدم رضا قبل ان يسبقها (شادي) بالكلام وهو يدور حول المكتب ليلتقط سترته من على الأريكة قائلا ببساطة
"أتعلمين بأنكِ قد اتيتِ بالوقت المناسب ، فأنا اشعر بالتعب من العمل الطويل واحتاج للترفيه عن نفسي قليلا ، لذا ما رأيكِ ان نذهب لنستمتع قليلا بوقتنا بمكان اجمل وبعيدا عن مكان العمل"

انفرجت شفتيها بانشداه قبل ان تتحول لابتسامة ناعمة وهي تهمس بتأكيد
"انا لا امانع هذا ، لأني دائما سأكون رهن إشارتك"

وقف (شادي) امامها بهدوء وهو يربت على كتفها بخفة قبل ان يتجاوزها بالخروج من المكتب بصمت وهو يضع السترة على كتفه من الخلف بإهمال ، وامام نظراتها الخضراء المتوهجة بكل انواع المشاعر وابتسامة صغيرة تحتل شفتيها بشرود بعيد كل البعد عن مجرد صداقة ودية تجمعهما فقط .

_____________________________
وقفت امام باب غرفتها ما ان لمحت صندوق كبير نسبيا مركون عند زاوية باب الغرفة ، لتتلفت بعدها من حولها بتوجس وهي تتأكد إذا كان قد نسيه احد هنا او كان يخص احدهم من افراد العائلة ؟ وعندما لم تجد اي احد بالجوار انحنت لتجثو على ركبتيها وهي تمسك بالصندوق من جانبيه بذراعيها ، لتستقيم بعدها بوقوفها وهي تفلت ذراع لتفتح باب الغرفة امامها قبل ان تكمل دفعه بقدمها لتدخل بالصندوق لداخل الغرفة ، اقفلت الباب من خلفها بنفس الطريقة بقدمها لتسير نحو السرير قبل ان تضعه من فوقه بحذر .

تنهدت بتعب وهي تمسح العرق عن جبينها بكفها لتنظر لشقيقتها والجالسة امام المكتبة بزاوية الغرفة مشغولة بمذاكراتها بدون ان تعيرها اي انتباه ، لتعود بعدها بنظرها للصندوق وهي تتمتم بحيرة
"لمن يكون هذا الصندوق يا ترى"

تنقلت بنظرها بزواياه بدون ان تتبين اسم المرسل او من اين اتى وعلى ماذا يحتوي ؟ لتعض بعدها على طرف شفتيها بفضول بدأ ينهش اطرافها وهي تتلمس بيدها غلافه المفتوح من فوقه بهدوء ، تنهدت بقوة وهي تتخذ قرارها لتفتح عندها الغلاف ببطء وحذر بدون ان تفسده او ان تمزق شيء منه حتى ظهرت امامها ورقة صغيرة بالمقدمة ما ان وصلت لداخل الصندوق ، لترفع بعدها يدها وهي تلتقط الورقة المطوية لتفتحها من فورها برهبة وهي تقرأ المكتوب بداخلها بانبهار مندهش

(إلى روميساء الفاروق ، لقد طلبتُ من الخدم ان يحضروا لكِ ثوب مناسب للحفلة وبعض التجهيزات الأخرى من اجلكِ ، فأنا قد وعدتكِ من قبل بأن اهتم بكل شيء ينقصكِ للحفلة ، وها أنا قد اوفيت بوعدي لكِ وجاء دوركِ الآن لتوفي انتِ بوعدكِ وتحضري الحفلة كما اتفقنا ، واتمنى ان تتقبلي هذه الهدية مني بدون ان ترفضيها او تعترضين عليها كعادتكِ فأنتِ بالنهاية جزء من هذه العائلة وفرد بها ، وإذا وجدتِ ان هناك اي شيء ينقصكِ للحفلة فأنا موجود ولا تترددي بطلبي مساعدتي متى ما شئتِ ، هنيئاً لكِ بالهدية)

كانت تتنفس من بين شفتيها المنفرجتين بانشداه وهي تنظر بعدم تصديق لما تراه امامها وهي تعلم جيدا من صاحب هذه الرسالة وهو نفسه من اهداها ذلك الكرت المزخرف والذي ما تزال تحتفظ به ولم تكن تتوقع ان يصل به الأمر لينفذ كلامه بحذافيره ويحضر لها كل ما ينقصها للحفلة والتي كانت قد رفضت حضورها من قبل ؟ وكل هذا لكي لا تبقى لها اي حجة لرفض الحضور وقد اغلق عليها جميع السبل للنجاة منه .

قطع عليها ذهولها بالرسالة صوت (ماسة) وهي تقول ببرود ساخر
"يبدو بأنه قد اصبح لكِ عشيق جديد بالعائلة يهتم لأمرك"

ردت عليها (روميساء) وهي تلتفت نحوها بحدة
"هذا ليس وقت مزاحكِ السخيف يا ماسة"

حركت (ماسة) رأسها ببرود بدون ان تعلق على كلامها وهي تعود للتركيز على المذاكرات امامها ، بينما وضعت (روميساء) الورقة جانبا وهي تعود بنظرها لما داخل الصندوق قبل ان تدس كفها بالداخل وهي تزيل الغطاء الشفاف والذي يفصلها عن محتوياته ، ابتلعت بعدها ريقها برهبة وهي تتلمس بكفها قماش شديد النعومة والذي اكيد سيكون يخص الثوب بلون ازرق مائي وهو يظهر عليه صناعته العريقة والتي لا تعود لأي صناعة عادية من التي تعرفها وتعاملت معها ، لتخرجه من فورها وهي تضعه على السرير بحرص شديد وكأنه شيء ثمين وقابل للتلف من النسيم لتعود بنظرها للصندوق وهي تنظر بصدمة لعدة علب حمراء مخملية اثنتان منهما صغيرتان وواحدة فقط كبيرة .

امسكت بالعلبة الكبيرة لتفتحها بحذر قبل ان تتسع حدقتيها الخضراء بانشداه وهي تنظر لعقد طويل من الألماس تتدلى منه جوهرة مستديرة زرقاء وعلى جانبيه حلقين من نفس نوع الألماس تتدلى منهما نفس الجوهرة ، لتغلق بعدها بسرعة العلبة وهي تنقل نظرها للعلب الصغيرة الأخرى وتفكر بما تحتويه ايضا من مفاجآت ستبهرها ؟

امسكت بعلبة منهما بارتجاف بعد ان اعادت العلبة الكبيرة لمكانها لتفتحها بحماس تشعر به لأول مرة باتجاه شيء ، لتصدم بخاتم ألماس يحمل نفس الجوهرة الزرقاء ولكن بشكل اصغر ، لتنتقل عندها للعلبة الصغيرة الثانية بوجل وهي تفتحها بنفس الحماس لتكتشف بأنها تحوي خاتم آخر ولكنه يحمل جوهرة بلون مختلف وهو اخضر فيروزي بنفس جمال الأول .

اغلقت العلبة الأخيرة بارتجاف لتبتسم بشرود ساحر وهي تجرب مشاعر جديدة دافئة بنعومة قماش الثوب الحريري ، لتتنقل بعدها بنظرها بالأغراض بسعادة متلهفة والتي اكيد ستساوي ثروة طائلة وهي تدخل لعالم جديد فاحش الثراء لم تكن تعلم عنه وعن مدى جماله وبريقه والذي يكاد يعميها مثل بريق عقد الألماس والذي رأته الآن واستطاعت لمسه لأول مرة وكأنها قد بدأت بلمس النجوم ؟

انتفضت بجزع ما ان اخترق صوت (ماسة) الحاد سعادتها الفريدة وهي تنظر لها بتفكير حائر
"روميساء اين شردتِ ، واين وصلتِ بأحلام يقظتك"

زفرت (روميساء) انفاسها بغضب وهي تعود للابتسام بجدية قائلة بقوة بدون ان تلتفت نحوها
"لا شيء فقط كنتُ افكر بأمور معقدة اخذتني بالتفكير بعيدا"

عقدت (ماسة) حاجبيها بتجهم وهي تهمس باستياء
"إذاً من يكون صاحب الرسالة ومن الذي ارسل لكِ كل هذه الاغراض"

ردت عليها (روميساء) ببساطة وهي تحرك كتفيها بشرود ناظرة للعلبة الصغيرة المخملية بكفها
"ربما عشيقي"

ارتفع حاجبي (ماسة) بصدمة وهي تهمس بغيض
"روميساء...."

قاطعتها (روميساء) وهي تلتفت نحوها قائلة بصرامة قاطعة
"هذا لا يعنيكِ يا ماسة فهذه امور تخصني وحدي وليس لكِ اي علاقة بها"

امتعضت ملامحها بعبوس قبل ان تلتفت بعيدا عنها امام مكتبتها ببرود وهي تكمل ما كانت تفعله ، بينما انشغلت (روميساء) بترتيب العلب بالصندوق بهدوء ليتبعها بوضع الثوب فوقها بحرص شديد لكي يبقى ناعما وجميلا كما هو ، لتغلق بعدها الصندوق بأكمله بصمت وابتسامة شاردة ما تزال تحتل محياها بهدوء .

ابتعدت عن الصندوق وهي تلتقط حقيبتها لتخرج منها هاتفها قبل ان تجلس على طرف السرير وهي تمسك بالورقة بيدها الأخرى بهدوء ، لتكتب بعدها رسالة قصيرة لرقم معين حصلت عليه من الرسالة وقد كتبه بزاوية الورقة ، لترسل الرسالة من فورها والتي كان محتواها مجرد كلمتين خجولتين
(شكرا لك)

اخفضت بعدها الهاتف وهي تنظر للورقة بابتسامة هادئة وتتمنى لو تستطيع حقا ردّ جميله عليها والذي زاد من رصيده عندها أضعاف حتى فاض .

نهاية الفصل يا حلوين ورمضان كريم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال ، ونلتقي بفصل جديد بيوم السبت القادم..............
🌙🌙🌙❤❤❤

انجيليك 19-04-21 05:57 AM

السلام عليكم
سلمت اناملكِ الجميله على هذا الفصل الجميل
لقد كنت بانتظار هذا السبت على احر من الجمر لاستمتع بقراءة الفصل ولكنكِ لم تنشري 😔😔😔

MaRo.2014. 20-04-21 11:58 AM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرات المقدمة وجزء من الفصل الأول واصح انها رواية جذابة وجميلة ممكن تعرفونى مواعيد نزول الغصول
لانمكن من المتابعة معكم وشكرا

روز علي 20-04-21 05:15 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انجيليك (المشاركة 15458849)
السلام عليكم
سلمت اناملكِ الجميله على هذا الفصل الجميل
لقد كنت بانتظار هذا السبت على احر من الجمر لاستمتع بقراءة الفصل ولكنكِ لم تنشري 😔😔😔


شكرا على اهتمامك ومتابعتك حبيبتي ، بس كان التفاعل كثير قليل على الفصل إلي فات وفكرت ما حدا بقرأ الرواية برمضان لهيك ما نشرت ، بس بوعدك ارجع انشر بألتزام كل يوم سبت من كل اسبوع ، ولا تحرمينا من مشاركتك وتفاعلك ❤
رمضان كريم 🌙🌙

روز علي 20-04-21 05:21 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maro.2014. (المشاركة 15460066)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرات المقدمة وجزء من الفصل الأول واصح انها رواية جذابة وجميلة ممكن تعرفونى مواعيد نزول الغصول
لانمكن من المتابعة معكم وشكرا


اهلا وسهلا فيكي حبيبتي نورتينا ، بخصوص الفصول بتنزل كل يوم سبت من كل اسبوع ، وبتمنى تدعمينا بمشاركتك وبرأيك وان تنال الرواية على إعجابك ، دمتم بسعادة وحب ❤❤

روز علي 24-04-21 08:57 PM

الفصل الثامن
 
الفصل الثامن...........
كانت تمسك بالكتاب والذي اشترته مؤخرا من المكتبة وهي تتصفحه بتركيز شارد وبتأثر بكل سطر وكلمة تمر عليها وعلامات وجهها تتنقل بين الذهول والتعجب والسعادة والحزن وجميعها تحدث بآن واحد ، ولم ترى النظرات المسلطة نحوها وهو يتتبع كل حركاتها بدقة عالية وهو يقف امامها تماما بدون ان تشعر به ، تجمدت بمكانها بعدها بلحظات ما ان شعرت بصوت أنفاس حادة تصلها بوضوح مخترقة عالمها وغمامتها الخيالية والتي كانت تعيش بها للتو مع كتابها الخيالي ، لترفع بعدها نظراتها بتوجس ناحية الواقف امامها وهي تتفحصه بتمهل شديد من قامته الطويلة حتى وصلت بالنهاية لوجهه بملامحه السمراء القاسية وهو ينظر لها بعيون سوداء حادة لم ترى بسوادهما وباتساعهما المخيف وهي تظللهما بعض الهالات المعتمة حول عينيه والتي تجعله اكثر غموضا بنظرها وكأنه السفاح والذي تقرأ عنه بقصصها الخيالية قبل ان يتحول بالنهاية لشخص طيب ونبيل .

طال اتصال العيون بينهما قبل ان تقطعه (صفاء) وهي تخفض نظرها بعيدا عنه بارتجاف احتل اطرافها ، لتسمع بعدها صوت (جواد) وهو يقول بخشونة متصلبة
"اتمنى ألا اكون قد قاطعت عليكِ خلوتكِ بتطفلي وبدخولي للمكتب بدون إذن"

اغلقت (صفاء) الكتاب بهدوء وهي تعود بنظرها له قائلة بابتسامة صغيرة مهتزة
"لا لا بأس ، لستُ متضايقة من وجودك ، فهذا ليس مكتبي لتؤخذ الإذن مني بالدخول إليه"

ردّ عليها (جواد) وهو ينظر لها بغموض
"ولكنه مكتب والدكِ وهذا يعني بأنه يتحتم عليكِ الحفاظ عليه بغيابه حتى عودته ، لكي لا تخذليه بعدم امانتكِ"

ابتلعت ريقها بتوجس وهي ترفع كفها لتعيد خصلات وهمية لخلف اذنيها بارتباك وكأنها تعطيها الوقت لتستطيع تجميع كلماتها ، لتقول بعدها بجدية وهي تنظر له بعبوس
"إذا كنت قد اتيت لرؤية والدي ، فلا تتعب نفسك بالانتظار لأنه لن يأتي اليوم بسبب موعده الهام مع الطبيب بمستشفى المدينة وسيتأخر هناك"

مرت لحظات صمت بدون ان ينطق بأي كلمة وهي تنتظر خروجه من المكتب بفارغ الصبر ، ليقول بعدها وهو يبتسم لها باتساع مريب
"ولكني لم آتي لرؤيته ، بل اتيتُ لرؤيتكِ انتِ والتكلم معكِ ، وقد انتظرت كثيرا لأستطيع رؤيتكِ مرة أخرى بما انني لا اجدكِ بمكتب والدك سوى بأيام محددة"

انفرجت شفتيها الورديتين بارتعاش متوجس وهي تفكر بما يريده منها هذا الغريب لينتظر رؤيتها بهذه اللهفة ؟ قد يكون من اجل موضوع سرقة حقيبتها والذي مر عليه يوم او من اجل شيء آخر لا تعلم عنه ؟ قالت بعدها بخفوت وهي تبتسم بتشنج واضح
"انا اعمل هنا فقط بأيام عطلتي عن الجامعة ، وعملي هنا من اجل مساعدة والدي بمهامه لا اكثر"

كان (جواد) ينظر لها بتركيز حاد ارهبها قبل ان يتمتم ببرود جليدي
"حسنا ، اردتُ ان اخبركِ بأنني ارغب بالحصول على الكتاب والذي هو بحوزتكِ بما انه النسخة الوحيدة المتوفرة بالمكتبة ، فقد بحثتُ عنه بعدة مكاتب أخرى ولم اجده بأي واحدة منها"

اتسعت حدقتيها العسليتين باهتزاز وهي تخفضهما للكتاب امامها قبل ان ترفعه ناحيته بوجل وهي تقول بحيرة خافتة
"اتقصد بكلامك هذا الكتاب والذي ترغب بالحصول عليه"

اومأ (جواد) برأسه بجمود وهو يرفع كفه ليتلمس غلافه المحمر بأصبعه وعينيه على حدقتيها قائلا بتمهل شديد
"وهذا إذا لم يكن لديكِ اي مانع ، ويمكنكِ اعتبارها مجرد اقتراض وبعدها اعيده لكِ بالوقت والذي تحددينه لي"

اخفضت عينيها بعيدا عنه بضعف شل حركتها من التفكير والذي خيم عليها بتشوش للحظات ، لتنتفض بعدها واقفة عن مقعدها بقوة وهي ترفع الكتاب باتجاهه قائلة برقة متوترة
"لا اكيد لا امانع ، وسيكون من دواعي سروري ان اقدم لك الكتاب والذي تسعى للحصول عليه ، فيبدو بأنك ترغبه بشدة واكثر مني شخصياً"

كان (جواد) ينظر لها ببرود قبل ان يخفض نظره للكتاب بيديها والذي كان يرتجف باهتزاز طفيف استطاع لمحه ، ليعود بنظره لها بقوة وهو يرفع كفيه ليمسك بيديها المتشبثتين بالكتاب باهتزاز ولكن ليس لأخذه بل ليرجعه لها وهو يقربه امامها قائلا بابتسامة باهتة بدون اي تعبير
"ليس من اللائق ترك كتاب قبل انهاءه وألا تبخرت المعلومات بداخلك واختفت متعة قراءته ، لذا عليكِ اولاً قراءته كاملاً وبعدها سيأتي الوقت والذي آخذه منكِ ، وانتِ من ستحددين كل هذا لأن هذا كتابكِ بالنهاية"

شردت (صفاء) بكلماته الباردة وبملامحه المنحوتة كالصخر قبل ان تهمس بتردد واجم
"إذاً لما اخبرتني بأنك ترغب بالحصول على الكتاب بشدة ، إذا لم تكن تريده الآن"

افلت (جواد) كفيها مع الكتاب وهو يقول بابتسامة شاردة بقوة
"لا تفهمي كل شيء كما هو ظاهر امامكِ ، فأنا قد قصدتُ بكلامي بأن انبهكِ برغبتي بالكتاب لكي لا تحاولي اضاعته او افساده مثلا ولكي تحافظي عليه من اجلي ، وهذا الكلام ينطبق ايضا على نفسكِ يا صغيرتي"

رفعت نظراتها نحوه بحدة بآخر كلماته وهو يعيد كلمة (صغيرتي) للمرة الثانية على اسماعها لتهمس بعدها بتلعثم خافت
"ماذا تقصد ، انا لا افهمك"

اتسعت ابتسامة (جواد) بدون اي مرح قبل ان يقرب وجهه امامها وهو يسند كفيه فوق سطح المكتب ليتمتم عندها ببرود صخري
"ستفهمين كل شيء بالوقت المناسب يا صغيرتي ، وبهذا الوقت لا تتعبي تفكيركِ بكل هذه الأمور والتي سترهق عقلكِ كثيرا"

عبست ملامحها بوجوم بدون ان تنطق بأي كلمة وهي ترفع الكتاب لتغطي به نصف وجهها ولتقي به بشرتها الرقيقة من انفاسه القوية والتي تكاد تحرقها بحرارتها ، بينما كان (جواد) يراقب بتركيز احداقها العسلية المهتزة بحزن عميق من فوق إطار الكتاب ، ليعود بعدها للخلف وهو يبعد كفيه عن سطح المكتب ليقف عندها باستقامة وهو يهمس بابتسامة متصلبة
"استمتعي بوقتكِ بقراءة الكتاب بقدر استطاعتك ، فنحن لا نعلم متى تختفي هذه السعادة اللحظية وتتبعثر بها حروف الكتاب لتتحول لمجرد سراب ، ولا تنسي الاهتمام بالكتاب من اجلي ليأتي دوري انا بالاستمتاع بقراءته"

بقيت على جمودها واحداقها تنظر له بتركيز شاحب والكتاب يغطي نصف وجهها ، ليغادر بعدها بعيدا عن نظرها لخارج غرفة المكتب بصمت قاتم غلف المكان ببروده ، تنفست عندها براحة وهي تخفض الكتاب عن وجهها قبل ان ترتمي جالسة على المقعد من خلفها وهي تشرد بعيدا بكلامه الغامض وكأنه لغز محير وعليها هي حله لتستطيع فهم الاحجية جيدا ومعرفة ما يخفيه خلف مظهره الغامض والذي يغلفه بالقسوة .

_____________________________
بعد مرور عدة ايام بهدوء النسيم.........

كانت تقف امام المرآة الضخمة والملعقة على باب الخزانة وهي تتأمل الفستان على جسدها بانبهار مسحور وكأنها ترى لأول مرة صورة لشابة فاتنة مختلفة تماما عن التي تعرفها والتي كان كل ما يهمها هو اسعاد الآخرين وارضائهم بدون النظر لحالها وما وصلت له من بؤس وحزن اثر على حياتها وشبابها ، ليظهر اخيرا قبس من السعادة وشخص ما يهتم بها وبأمرها وهو يسعدها بهذه التفاصيل الصغيرة والتي لم تحلم بتحقيقها او بطلبها يوماً .

كانت تتنقل بنظرها بانشداه مسحور بالفستان الطويل من حمالاته العريضة والتي تغطي كتفيها مخفية كل تفاصيل صدرها لينزل بعدها القماش بنعومة وببعض الضيق لينزل اخيرا بانتفاش بسيط فوق وركيها وهو يظهر خصرها النحيل وقامتها الطويلة وهو يتناسق مع الفستان الطويل والذي يصل لكاحليها بلون ازرق مائي ومع شريطة عريضة بيضاء حول الخصر وهي مربوطة بالخلف بعقدة طريفة وملفتة للنظر ، بينما رفعت شعرها الطويل بعقدة فوضوية فوق رأسها وبعض الخصلات السوداء قد تساقطت حول وجهها وعند عنقها الطويلة برفق .

رفعت كفها ببطء وهي تتملس برفق العقد الالماسي حول عنقها والذي كان يتدلى منه الجوهرة الزرقاء والتي ناسبت لون الثوب تماما لتزيده بريقا يشاركه الحلقين والذين يتدليان من اذنيها بدلال والخاتمين المزينين بأصبعيها وهي ترتدي كل منهما بيد ، وكل هذا الجمال كان ينعكس بريقه بعينيها الخضراء الشاحبة والتي ازدادت خضارا وتوهجا عن السابق طاردة الحزن والوجوم منهما .

اخفضت نظراتها بهدوء ما ان سمعت الصوت المتوقع من التي وقفت خلفها بوجوم
"إذاً ستفعلين ما برأسكِ وتحضرين حفلتهم التافهة وتشاركينهم بعالمهم المرفه فاحش الثراء ، ومع الطبقات المخملية وانتِ تدخلين دائرة موضوعهم الشيق ليتكلموا عنكِ لليالي القادمة وبكل المناسبات عن ابنة المجرم والتي تجرأت على دخول عالمهم بكل وقاحة وثقة تحسد عليها"

تصلبت ملامح (روميساء) بدون ان تنطق بأي كلمة وهي تنظر لشكلها بالمرآة بشرود متصلب ، لتتابع الأخرى كلامها وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة باقتضاب مشتد
"هذه المرة ستحضرين حفلاتهم الرخيصة وتشاركين بها ، واما بالمرة القادمة فسيحدث تطور رهيب بالأحداث وستدخلين للعائلة عندها بصفتك زوجة ابنهم ذات السمعة السيئة وابنة المجرم قيس...."

قاطعتها (روميساء) وهي تستدير نحوها بقوة قائلة بجدية صارمة
"كفى يا ماسة ، لقد تجاوزتِ هذه المرة كل الحدود بكلامكِ الوقح معي ، فلا تنسي بأني اكبر منكِ سناً واعقل وهذا يعني بأني استطيع التصرف والتحكم بحياتي لوحدي بدون اي تعليق ساخر منكِ لا داعي له"

ردت عليها (ماسة) ببرود ساخر
"اجل هذا واضح من تصرفاتكِ والتي تثبت مدى رجاحتكِ وكبر عقلك"

عبست ملامح (روميساء) وهي تتنهد بتعب قائلة بعتاب
"لا فائدة من الكلام معكِ ، فأنتِ لن تفهميني ابدا ما دمتِ تفكرين بكل هذا السواد والذي يطغى على حياتكِ"

تشنجت ملامح (ماسة) بجمود قبل ان تنظر جانبا وهي تهمس بوجوم شارد
"انتِ التي لا تستطيعين فهمي ، وتحاولين دائما التعمد لخلق مشاحنة بيننا بفعل ما تعلمين جيدا بأنه يغضبني ويشعرنا بالامتهان"

عادت (روميساء) للنظر لها بحزن قبل ان تتقدم نحوها عدة خطوات وهي تمسك بيديها بطرفي الثوب ، وما ان وقفت امامها حتى قالت لها بابتسامة لطيفة وهي تربت بيدها على رأسها برفق
"صغيرتي انتِ تعلمين بأني لا اتعمد مضايقتكِ بأي شكل ، وصدقيني ليس هدفي من حضور الحفلة هو اغضابكِ او خلق مشاحنة بيننا ، ولكني اشعر برغبة حارقة لتجربة هذا الشعور الغريب بحضور حفلة مختلفة تماما عن عالمنا وبعيدة كل البعد عن بيئتنا والتي تربينا عليها ، ذلك الشعور عندما تكون مرغوب بين مجتمع من الطبقة المخملية ، وبعد ان انتهي من الخوض بذلك العالم سأعود عندها لعالمكِ الخاص ولن اغوص هناك اكثر مما ينبغي ويسمح به حدود عالمنا ، لذا هل تسمحين لي بتجربة هذا الشعور لمرة واحدة فقط"

رفعت (ماسة) عينيها الزرقاء الداكنة بعبوس قبل ان تتمتم بخفوت بارد بدون اي تعبير
"ولكنكِ بهذه الطريقة ستبتعدين عني وقد اضطر لخسارتكِ نهائياً بذلك العالم المترف والذي لا يعرف الرحمة او الرأفة ، وقد يجعلكِ وسيلته للتسلية والمتعة والتي تناسب امثالنا وقد تصبحين ضحيته الجديدة"

ارتفع حاجبيها بدهشة للحظات قبل ان تضحك بخفوت وهي ما تزال تربت على رأسها قائلة بجدية
"لا انتِ تبالغين فقط ، فكل هذا الذي تقولينه من وحي خيالكِ الخصب ومن شدة خوفكِ مما يدور من حولكِ ، ولا تقلقي فلن يحدث اي شيء من هذا ، ثقي بي"

رفعت كفيها بسرعة لتمسك بيدها من على رأسها وهي تشدد عليها بقوة قائلة بتصلب مرتجف
"افعلي ما اقوله يا روميساء واصغي لي لمرة واحدة فقط ، فهذه الحفلة لن تكون جيدة لكِ كما تظنين"

ربتت بيدها الأخرى على كفها برفق وهي تقول بثقة
"وانتِ اصغي لي لمرة واحدة بدون ان تخافي من شيء لن يحدث اساسا ، وتأكدي بأني سأكون بخير"

قالت (ماسة) فجأة بانقباض
"ولكن..."

قاطعتها (روميساء) وهي تسحب كفها من بين يديها قائلة بنفاذ صبر
"يكفي يا ماسة ، إلى متى سأكرر كلامي حتى تفهمي ، توقفي عن هذا الخوف الغير مبرر من كل شيء افعله واقدم عليه ، واتركيني افعل ما اراه انا مناسباً لكلينا"

اشاحت (ماسة) بوجهها بعيدا عنها بتجهم واضح بدون ان تعلق على كلامها ، بينما تراجعت (روميساء) بعيدا عنها لتنحني امام علبة مستطيلة الشكل والتي وصلتها قبل قليل بدون ان تطلبها مع بقية اغراضها والتي وعدها بهم ، اخرجت بعدها منها حذائين لامعين بلون الابيض والمائل للفضي وهما يحويان على شريطة تربط جانبيهما برقة ونعومة ، لترتدي عندها الحذائين بحذر وهي تربط شريطة كل واحد منهما بإحكام .

بعد ان انتهت استقامت بوقوفها لتسير باتزان نحو باب الغرفة قبل ان تقف وهي تمسك بمقبضه بتردد لتلتفت عندها نحو شقيقتها الساكنة بمكانها وهي تهمس بمودة
"سأحاول ألا اتأخر عليكِ ، حسنا"

عندما لم تجد اي ردّ منها تابعت سيرها لخارج الغرفة وهي تغلق الباب من خلفها بهدوء ، لتنظر تلك الاحداق الزرقاء المستديرة بعيدا وهي تتمتم بقسوة باردة
"لن تفهمي ولا احد سيفهم ما اشعر به ، فليس من ذاق الألم كمن عرفَ "

لم تشعر بعدها بالدمعة اليتيمة والتي خطت على وجنتها ببرود اعتادت عليه حتى اصبح رفيقها بالأيام الماطرة وهو يحكي قصص عذاب دامت لسنوات طويلة بدون نهاية .

___________________________
كانت تزفر انفاسها بهدوء وهي تسير بقاعة الاحتفالات الضخمة والمخصصة للمناسبات المهمة وهي تشعر بالنظرات تلاحقها بكل مكان منذ دخولها للقاعة ولا تعلم إذا كانت نفورا منها ام إعجابا ؟ ولكنها لم تعطيها اي انتباها فكل ما يهمها هو ان تتمتع بأجواء الحفلة الهادئة بكل ما فيها من جمال ساحر لفت نظرها منذ اللحظة الأولى وهي تحظى بأجمل وقت مستقطع بحياتها المليئة بالمشاغل وهموم الحياة والتي ابعدتها كثيرا عن الحياة الهانئة والمرفهة وقد نسيت مذاقها الحقيقي وكيف تكون حياة المرأة النبيلة بمجتمع يتقبلها ويحبها لنفسها وشخصها .

توقفت بخطواتها وهي تقبض على طرفيّ ثوبها بكفيها بقوة ما ان تذكرت ذكرى بعيدة ضربت عقلها الشارد وهي ساهمة بالبعيد وتحديدا عندما كانت تعمل بمحل بقالة قريب من مكان سكنها وهي ما تزال بعمر الرابعة عشر لم تتم بعد الخامسة عشر ، لتلتقي هناك بامرأة لطيفة يبدو على مظهرها الثراء الفاحش وقد كانت تكلمها بمودة غريبة قائلة
"ماذا تفعل مراهقة مثلكِ بالعمل بالمتاجر ، بدلا من ان تكوني الآن تجتهدين بالمدرسة لكي تستطيعي تحقيق احلامكِ والعيش بسعادة"

رفعت (روميساء) عينيها الخضراء وهي تهمس بخجل شديد وبارتياب بسبب عدم اعتيادها على المعاملة اللطيفة من الناس من حولها والذين كل ما يعرفونه هو اصدار الأوامر بحقها
"هل تكلميني انا يا سيدتي"

اومأت المرأة اللطيفة برأسها بالإيجاب وهي تقول بابتسامة متسعة
"اجل انا اكلمكِ انتِ يا جميلة ، فليس هناك صغيرات جميلات هنا غيركِ"

اتسعت ابتسامة (روميساء) بسعادة طفولية على هذا الإطراء والذي تسمعه لأول مرة من احدهم وهي تشعر حقا بأنها جميلة بنظرها ، لتهمس بعدها بامتنان شديد
"شكرا لكِ"

قالت المرأة بابتسامة جادة وهي تنظر لها بتركيز
"ولكن لم تخبريني يا جميلة ، ألا تذهبين للمدرسة ، فمن بعمرك عليه ان يركز كل وقته بالدراسة فقط وليس بالأعمال والتي لا تناسب سنه"

عادت (روميساء) لخفض نظرها بعيدا عنها وهي تقول بتلعثم متوتر
"انا اذهب للمدرسة بالصباح واعمل هنا بوقت الظهيرة ، لأن عمي يحتاج للمال بشدة ، ولا تقلقي يا سيدة فأنا مجتهدة جدا بالدراسة"

اهتزت ابتسامة السيدة وهي ترفع حاجبيها بصدمة من حال هذه الطفلة والتي تبدو بعمر الخامسة عشر او اقل وهي تُرغم على العمل بهذا السن الصغير ، لتقول بعدها بحنان وهي تدس يدها بحقيبتها على كتفها
"لقد احببتكِ كثيرا يا صغيرة ، لذا سأقدم لكِ عربون محبتي لكِ"

نظرت لها بعينيها الخضراء الكبيرتين بحيرة وهي تخرج كفها امامها والتي كانت تحوي بعض النقود ، لترفع بعدها نظراتها لها ما ان قالت المقابلة لها ببهجة
"هيا خذي هذا المال مني ، لا تخجلي"

عبست ملامحها الطفولية وهي تهمس بوجوم
"ولكني لا استطيع اخذ المال بدون اي مقابل ، عليّ ان اعمل لأحصل على المال بجهدي"

اتسعت ابتسامة المرأة وهي تقول بمحبة بالغة
"هذا الكلام تقولينه للغرباء وليس لي فأنا اكون بمقام والدتك وقد احببتكِ من كل قلبي وهذا المال مجرد مساعدة بسيطة لكِ ، لذا اقبليها من والدتك بدون اي اعتراض وألا سأغضب عليكِ"

تعقدت ملامح (روميساء) بارتباك قبل ان تمد كفها لتلتقط النقود منها وهي تنظر للنقود بكفها بسعادة ، لتهمس بعدها بسعادة طفولية
"شكرا جزيلا لكِ"

حركت المرأة رأسها بهدوء وما ان استدارت بعيدا عنها حتى امسكت (روميساء) بطرف ثوبها بكفها الصغيرة ، وما ان التفتت الأخرى نحوها حتى قالت بلهفة طفولية برق بعينيها الخضراوين المستديرتين
"هل استطيع ان اصبح عندما اكبر امرأة مهمة مثلكِ والجميع يحبها ومن طبقة معروفة واملك الكثير من المال"

ردت عليها المرأة بابتسامة مرحة وهي تربت على رأسها بحنان
"هوني على نفسكِ يا فتاة ، اكيد تستطيعين ان تصبحي ما تريدين عندما تكبرين ، فقط بالإرادة والعزيمة يمكنكِ ان تحققي اي شيء تريدينه وتسعين إليه ، وتذكري بأن الثراء ليس بالمال فقط بل هو بالعمل والصبر لتصلي لما تحلمين به وليس هناك اي شيء مستحيل امام فتاة قوية مثلكِ"

تنفست بهدوء وهي تعود للحاضر وكلام المرأة يدور برأسها دوما بكل خطوة تخطوها للأمام بحياتها ، لتنظر بعدها لحالها والتي وصلت لها وهي تجرب عالم الثراء والذي كانت تراه دائما بعيد المنال عنها وكم تشعر بالفرق الآن بين الخيال والواقع .

استدارت بسرعة للخلف ما ان سمعت الصوت المتزن المألوف وهو يقول من خلفها بقوة
"واخيرا اتيتِ للحفلة ، كنتُ اعلم بأنكِ لن تخذليني وستحضرين الحفلة"

ابتسمت (روميساء) بارتجاف وهي تنظر للبدلة الرمادية الشاحبة والتي كانت تلف جسده الطويل لتظهره بهيبة ووقار يناسب مكان الحفلة وكأنه قد خلق بهذا المجال والذي يخص ادارة الأعمال والذي اكيد سيكون المسؤول عنه من بعد والده فهو الابن الاكبر بهذه العائلة والمسؤول عن كل شيء ، رفعت نظرها بحذر لعينيه الرمادية الهادئة وهي تشعر بها تخفي الكثير من خلفها من نظراتها الجديدة والتي تغيرت نحوها واصبحت اكثر جمالا بالنسبة لها .

تقدم (احمد) نحوها وهو يقطع تواصل العيون ناظرا لها بتأمل حذر من طلتها البهية والتي تختلف تماما عن الفتاة الحزينة والتي دخلت لمنزلهم لأول مرة مع هالة الحزن والتي كانت ترافقها آن ذاك لتصبح الآن بطلة جديدة وهي تبرق بالحفلة بتوهج من انعكاس المجوهرات على وجهها وعنقها لتبدو واحدة من حوريات البحر والتي تحتاج إليها بشدة فتيات هذه الحفلة ، لتظهر مكانتها الحقيقية بين الناس والتي لا يناسبها سوى لقب الآنسة النبيلة .

ما ان وقف (احمد) امامها تماما حتى قالت بسرعة بارتباك وهي تعيد خصلات شعرها المتمردة لخلف اذنيها
"اجل لقد اتيتُ للحفلة كما وعدتك ، فلا تنسى بأنك انت من احضر لي كل هذه الاغراض الجميلة ، وهذا مجرد ردّ جميل على افضالك والتي تهدرها عليّ دوما"

اومأ برأسه باتزان وهو يشرد بحركاتها الهادئة والمدروسة بالنسبة لفتاة تدخل لأول مرة لهذا العالم المترف ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بانبهار
"ولكني ارى بأن هذا الثوب والمجوهرات قد حولتكِ لأميرة جميلة تناسب كثيرا الطبقة المخملية ، والسر ليس بالثوب فقط بل بصاحبته والتي خلقت لتكون جزء من هذا المجتمع الفخم ، وليس هناك اي شيء يمنعكِ لتكوني جزء منهم بعد الآن"

ابتسمت (روميساء) بحياء وهي تهمس بخفوت
"شكرا لك"

قال (احمد) بعدها بلحظات وهو يرفع كفه امامها
"انتظري لحظة"

عقدت حاجبيها بحيرة وهي تنظر له بتوجس وهو ينحني امامها بطريقة ملوكية واضعا ذراعه امام صدره بقوة وهو يقول بابتسامة صغيرة بمودة
"مرحبا بكِ يا آنستي النبيلة بمجتمع الطبقة المخملية ، شرفتي وسطكِ وعالمكِ يا جميلتي والذي انتظر وصولكِ كثيرا حتى يأس ومل"

ضحكت (روميساء) بخفوت وهي تضع كفها على شفتيها برهبة قبل ان تهمس بعبوس مرتجف
"توقف يا احمد ، انت تحرجني بهذه التصرفات ، فأنا لم افعل شيئاً لاستحق كل هذا منك"

استقام (احمد) بوقوفه وهو يحرك رأسه قائلا بثقة
"لا تحتاجين لفعل شيء لتحصلي على كل هذا الاهتمام ، فهذا يعتبر تعويض عن كل سنوات الشقاء والتعب والتي عشتها بعيدا عن وسطك وعالمك والذي تنتمين له من الاساس"

احنت نظراتها بعيدا عنه بحزن ما ان تذكرت حياة الشقاء الماضية والتي اخذت منها كل ذرة سعادة بحياتها هي وشقيقتها حتى نسوا معناها الحقيقي وكيف تكون ؟ ولكن اين كانوا من كل هذا وهم يتجرعون الألم من زوج والدتهم ولا احد منهم ظهر لينقذهم من قذارته ولا حتى احد من عائلة خالها واقاربهم ؟ لا احد ؟

شعرت بكفه وهو يمسك بذقنها بأصابعه ليرفع وجهها عاليا قائلا بهدوء
"هذه حفلتكِ الأولى ، وعليكِ ان تكوني سعيدة بها وغير مسموح بالحزن ابدا ، اعلم جيدا بأني قد تأخرتُ كثيرا بالسؤال عنكِ والاهتمام بكِ ، ولكن اعدكِ من الآن بأن تكوني اولى اهتماماتي ومسؤولياتي يا ابنة عمتي"

ابتسمت بهدوء وحدقتيها الخضراء تلمع بانبهار يماثل لمعان الجواهر والتي تملئ وجهها وعنقها وكفيها ، لينتفض بعدها وهو يبعد اصابعه عن ذقنها مبتسما لها باتزان مهتز ما ان لاحظ النظرات المتجهة نحوهما من كل صوب ، قال بعدها بلحظات بتفكير وهو ينظر حوله بهدوء
"ولكن لما لم تحضر شقيقتكِ ماسة الحفلة معكِ كنت اريد إرسال الملابس والمجوهرات لها ايضا ، كانت حظيت بوقت ممتع"

افاقت من شرودها والذي لفها بعيدا من كلماته الدافئة واهتمامه والذي تجربه لأول مرة وكأنها ملكة متوجة على العرش ، لتقول بعدها بارتباك وهي تغير الموضوع بسرعة
"كنتُ اريد ان اسألك هل انت وحدك بالحفلة ، اين عائلتك وزوجتك"

ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقول بابتسامة صارمة بتمثيل
"هل اصبحتِ تتدخلين بخصوصياتي ، من اعطاكِ الحق"

زمت شفتيها بانفعال وهي تهمس بوجوم
"ولكنك انت دائما تسألني وتتدخل بخصوصياتي ، إذاً انا ايضا لدي الحق بالتدخل ، أليس كذلك"

ابتسم بسعادة حتى ظهرت اسنانه البيضاء وهو يستمع لكلامها العفوي والذي ضرب قلبه بقوة وسحره بعفويته ، ليقول بابتسامة جذابة وهو يرفع ذراعه نحوها بترحيب
"وانا اقبل بهذا التدخل بكل ترحاب ، والجواب على سؤالكِ بأن عائلتي كل واحد مشغول مع رفيقه وحتى زوجتي مشغولة مع صديقاتها ، لأبقى انا هنا وحدي بدون اي رفيق ، لذا هل تقبلين ان تكوني رفيقتي يا آنسة روميساء"

انفرجت شفتيها الممتلئتين بارتعاش قبل ان تحرك رأسها بقوة وهي تقول بتأكيد
"اجل ، هذا شرف لي ان اكون رفيقتك يا سيد احمد"

قال (احمد) فجأة وهو يرفع اصبعه بتهديد
"قولي احمد فقط ، وألا لن ارحب بأن تكوني رفيقتي"

ردت عليه بابتسامة متسعة بجمال
"حاضر احمد فكهاني"

ابتسم بوقار وهو يمد ذراعه نحوها قائلا بجمود مزيف
"اعطيني يدكِ يا رفيقتي لنستمتع بهذه الحفلة الجميلة ، ولأعرفكِ على باقي الضيوف من نفس طبقتك النبيلة"

رفعت يديها لتتشبث بذراعه بهدوء وهي تمسك بكم قميصه بيدها بحذر ، وعينيها تنظر بأحداقها الخضراء المستديرة بلمعان بنفس لمعان لقاءها بتلك السيدة اللطيفة وهي تنظر له بسحر كل العالم وقد تحقق كلام تلك السيدة فاحشة الثراء ، وهو يتجسد حقيقة امامها فقد حصلت اخيرا على لقب (سيدة نبيلة) والذي تعبت كثيرا من اجله وهو اقصى امانيها منذ المراهقة .

____________________________
كانت تتصفح بالكتاب بين يديها بملل قبل تلقي به بعيدا على السرير وهي تلتقط الهاتف من المنضدة الجانبية ما ان ارتفع رنين الهاتف بصخب مخترق هدوء الغرفة وسكونها ، لتفتح بعدها الخط وهي تضعه على اذنها قائلة بتصلب
"ماذا تريد مني"

ردّ عليها من بالطرف الآخر بفظاظة
"اريد رؤيتكِ الآن وحالاً"

قبضت على الهاتف بيديها وهي تقول باقتضاب
"هل جننت لتطلب مني رؤيتك بهذا الوقت ، هيا ارحل وعد للنوم فأنا ليس لدي الوقت لسخافاتك"

قال (مازن) ببساطة بالغة
"بل يمكنكِ فعلها ، فأنا اعلم بأن هناك حفلة الآن بمنزل خالك ، لذا تستطيعين التسلل بسهولة والخروج لرؤيتي بفناء المنزل الخلفي بدون ان يراكِ احد"

تجهمت ملامحها وهي تهمس باستياء
"من اخبرك عن الحفلة وبأني لم احضرها...."

توقفت عن الكلام وهي تعض على طرف شفتيها بحنق مشتعل عندما اكتشفت الفاعل الحقيقي والذي اوصل له كل هذا الكم من المعلومات عنها ، ليعود (مازن) للكلام وهو يقول بحدة صارمة
"هذا ليس وقت أسئلتكِ ، فأنا اريد ان اراكِ الآن ولا شيء يستطيع إيقافي عن رؤيتكِ ولا حتى كبريائكِ الاحمق ، وإذا لم تخرجي إلي بغضون ربع ساعة...."

قاطعته (ماسة) وهي تهمس بانفعال حانق
"حسنا فهمت ، سأحاول الخروج لك"

قال (مازن) بتشديد حاد
"لن تحاولي بل ستأتين ، هل فهمتِ"

ابعدت الهاتف عن اذنها وهي تقفل الخط بوجهه ، لتفكر عندها بأنه كان من المفروض ان تتجاهله وتقفل الخط بوجهه منذ البداية معلنة عن رفضها لطلبه الاحمق ، ولكن الخوف الفطري والذي يلاحقها منه جعلها اكثر حذرا بالتعامل معه فهي لن تنسى ابدا بأنه شريك (قيس) بكل جرائمه ويملك خبثاً ودهاءً اكثر من عمه نفسه وكل هذا من معاشرتهما لسنوات طويلة حتى اصبحت تعرف كل طباعهما وتنتبه لكل خطوة تخطيها نحوهما .

نهضت بعدها بلحظات عن السرير وهي تتجه للخزانة العملاقة لتفتح بابها وهي تخرج منها سترة جلدية سوداء وبنطال جينز مهترئ ، وما ان انتهت من تبديل ملابسها حتى امسكت بالسكين والتي لا تفارقها بتاتاً منذ وفاة والدتها ، لتدسها يجيب بنطالها الخلفي وهي تسير لخارج الغرفة قبل ان تقفل الباب بهدوء والسكون يحل على كل انحاء المنزل وساكنيه المنشغلين بحفلتهم التافهة .

خرجت من باب الفناء الخلفي للمنزل لتتلفت من حولها بريبة وهي تتأكد من خلو المكان ، لتسير بعدها عدة خطوات بعيدا عن الباب ناظرة للظلام الحالك المنتشر بالحديقة الخلفية لا يضيئها سوى ضوء القمر والذي اختفى خلف السحب بليلة داكنة ، قالت بعدها بلحظات بغيض وهي تقبض على كفيها بجانبي جسدها بقوة
"اين انت ايها...."

قاطعها صوت من الخلف يقول بتسلية باردة
"انتبهي جيدا من ألفاظكِ يا فتاة والتي اكيد ستودي بكِ بداهية"

التفتت نحوه بعنف وهي تهمس بتصلب ناري
"انت هو الداهية نفسها والتي لن تحل عني ابدا قبل ان اتخلص منها بيديّ"

تقدم (مازن) بخطوات متمهلة نحوها قبل ان يقف امامها تماما قائلا ببراءة مصطنعة
"وهل لديكِ الجرأة لتقتليني بعد كل هذه العشرة ، وماذا عن سنوات العراك بالطرقات وملاحقة بعضنا البعض بالأحياء الضيقة والمقالب والتي كنا نفعلها بالعالم سوياً...."

قاطعته (ماسة) وهي تلوح بذراعيها جانبا قائلة بنفاذ صبر
"كفى كلام عن ماضي واراهُ الزمن ، واخبرني ماذا تريد مني الآن"

تقدم (مازن) امامها اكثر وهو يرفع يده نحو وجهها ليلمس وجنتها المتصلبة بأصبعه قائلا بغموض
"اريد منكِ ان تعودي لمنزلي واقصد منزل قيس"

حركت وجهها بعنف وهي تتراجع للخلف قائلة باستنكار
"تريد مني ان ارجع للمنزل والذي اصبح ملكك"

ارجع (مازن) رأسه للخلف وهو يقول بجدية حادة
"انه ليس ملكي بل ملككِ انتِ يا دمية قيس وسيبقى هكذا للأبد"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه ببرود وهي تتمتم بامتعاض
"وماذا تريد مني الآن ، ام انك طلبت رؤيتي لهذا الكلام الفارغ"

عاد (مازن) للتقدم امامها وهو يقول بابتسامة جانبية ببرود
"تعلمين جيدا ما اريده ومنذ زمن ، وهذه الزيارة بمنزل خالكِ قد طالت كثيرا واكثر مما سمحتُ به ولم يعد يروقني هذا الوضع ابدا ، لذا اريد منكِ ان تريحيني وتعودي لعالمي ولمنزلنا وتوافقي على ان تكوني جزء مهم بحياتي الفارغة لا يتجزأ"

كانت تنظر له بعينيها الزرقاء الداكنة والتي كانت تلتمع بجمود مع ضوء القمر بدون ان تظهر اي تعبير مقروء عليها ، لتقول بعدها بجمود باهت وهي تنظر له بقوة
"وانت تعلم رأيي جيدا بطلبك المزعج ، وقد اخبرتك بها مئة مرة وهي بأني لن اكون لك يا مازن جلال ، فأنا قد مللت من استعباد الرجال لي"

تشنجت ملامح (مازن) وهو يقول بغموض متصلب
"اعلم هذا وقد سمعتها منكِ عشرات المرات ، والذي كان يمنعني من الحصول عليكِ منذ سنوات هو عمي قيس والذي لم يستطع التخلي عنكِ بأعماله المشبوهة وانتِ تشكلين بالنسبة له كنز ثمين لا يعوض ، ولكن الوضع الآن قد اختلف تماما"

عقدت حاجبيها بحدة وهي تهمس بتشنج غاضب
"ماذا تقصد بأن الوضع قد اختلف"

ردّ عليها بخفوت مستفز وهو يمسك كتفيها بيديه بقوة
"اقصد بأنه لم يعد هناك اي حواجز تمنعني عن الوصول لكِ وامتلاكك ، وتركي لكِ كل هذه الفترة بمنزل خالكِ كانت رحمة مني حتى تستعيدي طاقتك وعنفوانك والذي اعشقه ، ولكن آن الأوان لتسلمي اسلحتكِ لي وتضعي كبريائكِ جانبا لنكون معا كما كان مقدر لنا منذ سنوات"

تنفست (ماسة) بهدوء وهي تتمتم بجفاء
"هل هذا تهديد موجه نحوي لأقبل بعرضك"

ترك (مازن) كتفيها بهدوء وهو ينزل بيديه على طول ذراعيها ببطء شديد وهو يقول بابتسامة جانبية مستفزة
"لا تري الموضوع بهذه الطريقة المهينة ، فأنا بالنهاية ابحثُ على مصلحتكِ والتي ستكون معي ، فنحن الانسب لبعضنا والمتساويين بكل شيء وكل الدلائل تثبت مدى تقاربنا وتشابهنا ، لذا وافقي على قدركِ قبل ان ينقلب القدر عليكِ وتحدث امور نحن بغنى عنها"

نفضت ذراعيها بعيدا عن يديه العابثتين وهو يرفع كفيه عاليا لرأسه بابتسامة مستفزة ، بينما استدارت (ماسة) بعيدا عنه وهي تقول بحزم جاف
"اعطني مهلة لأفكر بالأمر ، ولا تحاول استعجالي"

حرك (مازن) رأسه ببرود وهو يهمس بابتسامة جانبية
"لا بأس ، ولكن تذكري بأن المهلة لن تأخذ اكثر من يومين ، فقد وصل عندي الصبر لأقصاه يا دمية قيس ، ولن تتوقعي ماذا سيحدث عندما ينتهي صبري عليكِ"

تجاهلته (ماسة) وهي تنظر بعيدا عنه بشرود واجم ، بينما تجاوزها بالسير بعيدا بدون ان ينسى القول ببرود وهو يربت على كتفها بخفة
"وداعا يا دمية قيس والتي ستصبح عن قريب دمية مازن"

نظرت له بحقد مشتعل وهو يتابع سيره بلا مبالاة بعيدا عن فناء المنزل ، لتخفض بعدها نظرها للأسفل بضعف وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها ببرودة نخرت عظامها والهواء البارد يضرب من حولها بدون اي رحمة او رأفة وعبارة واحدة تتكرر بعقلها منذ ان شبت عن الطوق وتعايشت معها
(لكل شيء ثمن علينا دفعه وبأضعاف ذلك الشيء)

يتبع..................

روز علي 24-04-21 09:15 PM

كانت تتنفس الهواء النقي بارتياح بعد ان غادرت قاعة المناسبات والتي تحولت لمكان ضاغط عليها بدون اي متنفس للهواء ، لتنظر بعدها للحديقة من حولها والسابحة بالظلام الحالك وإنارة خافتة موزعة بكل زوايا الحديقة بدفء ، اخفضت نظرها لحذائيها الامعين وهي تدوس بهما على شتلات العشب الصغيرة والندية من الجو البارد ، لتفكر بعدها برفيقها بالحفلة والذي حرموها منه بعد ان انشغل مع مدراء الاعمال بالكلام عن صفقات العمل ما ان بدأوا بالكلام معه ليتجمعوا من حوله بدون ان يتركوا لها اي منفذ للوصول له او الكلام معه ، حتى انها قد اصطدمت نظراتها بزوجته (سلوى) بالحفلة والتي كانت تنظر لها بتجهم واضح يحمل الكثير وكأنها تلمح لها بأنه غير مرحب بها بالحفلة ، وهذا ما دفعها لتخرج لخارج القاعة لتستطيع اخذ راحة من تمثيل دور المرأة النبيلة والذي تعبت كثيرا منه وقد اكتشفت بالنهاية بأنها لا شيء بتلك الحفلة بدون وجود (احمد) بجانبها .

انتفضت بوجل ما ان سمعت صوت غريب يقول من خلفها بحيرة
"روميساء"

استدارت بسرعة للخلف بجزع وهي تنظر له بعبوس واجم ، بينما تقدم الغريب نحوها وهو يعدل النظارة من فوق عينيه قائلا بتفكير
"هذه انتِ حقا"

ابتلعت ريقها برهبة وهي تهمس بخفوت متصلب
"من تقصد"

وقف الغريب امامها وهو يعقد حاجبيه بتركيز قائلا بقوة
"ألا تذكريني حقا ، لقد كنا نعمل معا بنفس متجر البقالة الخاص بأبو مسعود ، ذلك الرجل الكبير بالسن والسمين بعض الشيء"

حركت (روميساء) عينيها بشرود بعيدا عنه وهي تفكر بأنها كيف ستنسى ذلك الرجل والذي ذاقت منه الويل وقد كان دائما يتصوب لها الأخطاء فقط لكي يجد حجة ليخصم من راتبها والذي لم يكن يكفي لشراء منه زجاجة ماء ترتوي منها بوقت العمل وهو يشغل اكبر عدد من الاطفال والمراهقين عنده ليوفر على نفسه المال بدلا من تشغيل عمال كبار يستنفذون كل ماله بيوم واحد ، بما انهم اطفال جاهلين ويقبلون بالقليل من المال ايً كان والذي يغطي مصاريف طعامهم فقط ليبقوا على قيد الحياة .

تصلبت ملامحها وهي تقول ببرود جامد
"لا اذكر عن ماذا تتكلم ، قد تكون شبهت عليّ فتاة أخرى"

عبست ملامح الغريب وهو يقترب منها اكثر قائلا بتصميم مريب
"بل هذه انتِ اعرفكِ من عينيكِ الخضراوين الكبيرتين وملامحكِ الشفافة ، ومن المستحيل ان اخطئ بشكلكِ والذي حفظته عن ظهر قلب فهذا الوجه لا ينسى ابدا"

عضت على طرف شفتيها الممتلئتين بحنق وهي تحاول تجاوزه قائلة ببرود مرتبك
"عن اذنك عليّ الذهاب ، وداعا"

عاد الغريب ليقف امامها وهو يعيق طريقها ليمسك بذراعها بيد وهو يشير لنفسه بيده الأخرى قائلا بانفعال حاد
"ما بكِ لما تتصرفين معي هكذا ، وهل حقا نسيتِ صديقك رضوان والذي كان يساعدكِ بحمل الصناديق الثقيلة ، ام ان حياة الرفاهية والغنى قد غيرتكِ ونسيتِ اصدقائك"

تنفست بارتجاف وهي تنظر له بحزن عميق أبى ان يتركها وترتاح من ماضي ملطخ بالسواد والشقاء افسد طفولتها وكل معنى للسعادة بحياتها ، لتقول بعدها بابتسامة شاردة وهي تنظر بعيدا عنه بهدوء
"اعتذر منك يا رضوان ، ولكني احاول نسيان الماضي وكل شيء يتعلق به ، فأنا لم اعد تلك المراهقة العاملة والتي كان كل ما يهمها هو ان تكسب القرش لتعطيه لعمها"

ارتفع حاجبيه وهو على وشك الكلام قبل ان تسبقه المقابلة له بالكلام وهي تتراجع للخلف بعيدا عنه ببطء
"وانظر ايضا لنفسك ، لم تعد ذلك المراهق والذي كان دائما يسبب المشاكل لرئيسه بالعمل لتحل علينا لعنته ونتعاقب جميعا على افعاله ، فقد اصبحت الآن من مدراء الاعمال وشخصية مرموقة مهمة ، وغير مناسب ابدا ان نتكلم عن ماضي سيفسد صورتنا الحالية والتي اصبحنا عليها الآن"

امتعضت ملامحه بعدم رضا وقبل ان يتحرك اي منهما اقتحم خلوتهما صوت صلب وهو يهمس بخفوت خطير
"روميساء"

وقبل ان تلتفت (روميساء) نحو صاحب الصوت كان قد تجاوزها بسرعة الطلق لتتجه لكمته باتجاه الذي لم يستطع تداركها وهي تصيب نظارته والتي انكسرت لنصفين لتقع ارضا قبل ان يمسك بياقة قميصه بقبضتيه وهو يقدم وجهه امامه بقوة ، ليقول بعدها بشراسة خافتة تظهر عليه بهذا الشكل المريب لأول مرة
"ما لذي كنت تفعله مع ابنة عمتي يا حقير ، هل كان لديك نوايا سيئة نحوها ، كان عليّ ان اعرف هذا من تحديقك الدائم نحوها بدون ان تبعد نظرك عنها ولو لثانية منذ بداية الحفلة ، فيبدو بأن السيد عزام لم يعرف جيدا كيف يختار شركائه ومساعديه بالشكل الصحيح"

انتفض (رضوان) وهو ينزع قبضتيه بعيدا عن ياقته قائلا بغضب مكتوم
"ماذا تظن نفسك فاعلا يا ابن الفكهاني ، انسيت بأن هناك شراكة تجمع شركتنا معكم ، وما تفعله بي لن يعجب ابدا السيد عزام نصران"

ردّ عليه ببرود ساخر وهو يهزه من ياقته
"آخر ما يهمني هو هذه الشراكة السخيفة والتي كانت خطأ منذ البداية ، فأنتم لستم أهل للثقة والأمانة لنضع يدنا بيدكم القذرة ، بالبداية حاول سيدك ان يخطئ بحق ابي وعائلة شقيقته والآن انت تحاول التعدي على شرفنا وهذا ما لن اسمح بحدوثه ابدا"

كانت (روميساء) تتنقل بنظرها بينهما بذهول وذعر وهي تحاول استيعاب الحقائق والتي انهالت عليها فجأة والتي ستقضي على حياتها النبيلة بأكملها ، فقد تبين بأن هذا الاحمق كان يراقبها بدون ان تنتبه او تعي ما حولها والأسوء بأنه مساعد الرجل والذي عمل شراكة مع خالها ، وهذا يعني بأن الشراكة قد انهارت قبل ان تبدأ وهي السبب الرئيسي بكل هذه المشكلة .

تحركت بسرعة باتجاههما وهي تندفع نحو (احمد) لتمسك بذراعه والتي عادت لتلكم الرجل بقوة ، لتهمس بعدها برجاء متوسل مذعور
"اترك الرجل يا احمد ، فهو لم يفعل شيء ولم يخطئ بحقي وهو صديقي القديم ، اتركه اتوسل إليك...."

دفعها (احمد) بذراعه بعيدا وهو يقول بصرامة حادة مشيرا بيده بعيدا بأمر
"اخرسي يا روميساء ولا تتدخلي بعملي وبما افعله به ، وهيا عودي لداخل المنزل فورا ، وألا رأيتِ مني شيء لن يعجبكِ ابدا ولن يسرك"

شهقت بذعر ما ان عاد للصراخ بثورة اكبر
"قلتُ لكِ ارحلي"

تحركت (روميساء) بالفعل صاغرة وهي تستدير بعيدا عنهم وبعيدا عن مظهر صديقها (رضوان) المشوه بالكدمات والذي لا تعلم من اين ظهر تحديدا وكيف تجسد من الماضي الخاص بها فجأة ؟ لتسير بعدها بخنوع وهي تحاول إمساك اطراف ثوبها الطويل من الاسفل بصعوبة قبل ان تسرع بخطواتها وهي تجري بعيدا عنهم بتعثر واضح بدون ان تهتم لأطراف الثوب والذي تمزق من الأسفل وتلطخ بتراب الحديقة من تعثرها به اكثر من مرة وكل ما يهمها هو ان تبتعد عن كل هذه الضجة والتي اصمت اذنيها بطنين مؤلم .

______________________________
كانت تستند بظهرها بالجدار الخشن والمسور حول الحديقة وهي تنظر بعيدا بشرود مكتفة ذراعيها فوق صدرها بجمود ساكن ، وهذا حالها منذ مغادرة (مازن) المكان ليتركها تتخبط بأفكارها مثل التائه بطرق الحياة ويحاول إيجاد المسار الصحيح والمعنى الحقيقي من وجوده بهذا العالم الوسيع ، لطالما كانت ترى العالم يدور من حولها وكل واحد منهم يختار طريقه منها لتوصله للسعادة الأبدية والذي انتظرها كثيرا ليستقر بالنهاية بنوم طويل بدون اي تعب او احلام فقط يرتاح من السير الطويل بهذا الطريق والذي انهك قواه .

بداية بوالدها والذي رحل بعيدا عن هذا العالم قبل ان تراه وتعرف شيئاً عنه لتصل لوالدتها والتي رحلت بدون ان يشعر بها احد او ان يحزن على رحيلها احد فلم تكن ذات سمعة طيبة او معروفة عند الناس ليكون رحيلها بالنهاية شيء عابر عندهم بدون ان يهز لهم بدن او يرف لهم دمعة وبالنسبة لها ولشقيقتها فقد كان بداية الجحيم لهما وليس حزنا عليها بل لأنها العائل الوحيد والذي كان يمثل لهما الحياة المستقرة والهادئة بظل زوج والدتهما ، فقد كان وجودها بعالمهما امرا مسلما منه بدون ان تؤثر عليهما بمشاعر غريزة الأمومة والتي كانت معدومة عندها بسبب عدم إتقانها لهذا الدور وعدم مناسبتها له من الأساس فقد كان دورها بحياتهما العائل لهما فقط .

حركت عينيها بجمود نحو الواقف امامها بالظلام والذي يبعد عنها عدة خطوات وهو يهمس بخفوت حائر
"هل ستبقين واقفة هنا طويلاً ، فقد تأخر الوقت واصبح الجو بارداً"

ردت عليه بابتسامة ساخرة وهي تتنقل بنظرها بملامحه الحادة بدون ان تخفي بعض من طفولتها
"هل تريد انت ايضا التحكم بي والتدخل بما لا يعنيك ولا يخصك بشيء"

تقدم اكثر عدة خطوات بعيدا عن الظلام وهو يقول بجمود معتاد عليه
"انا لم اتدخل بما لا يعنيني فقط اقول ما اراه امامي ، فأنتِ واقفة هنا منذ ربع ساعة تقريبا وهذا ليس جيد على صحتك بهذا الجو البارد ونحن بمقتبل الخريف"

عقدت حاجبيها بتجهم وهي تضيق عينيها لتنظر له بقتامة قائلة بجفاء
"هذا رائع تبين بأن هناك طفل يراقبني ، لا ويعطيني النصائح ايضا وهو يمثل امامي دور العاقل الناضج"

لم تهتز ملامح (زين) ولو قليلا وهو يقول بابتسامة باردة ورثها عن والده
"اولاً انا لستُ طفل ، وثانياً انتِ ابنة عمتي لذا امركِ يهمني مثل باقي افراد العائلة ، لذا يمكنكِ السخرية من نصائحي قدر ما تشائين ولكنها لا تنفي صدقها وحقيقتها"

ابتعدت (ماسة) عن الجدار بانفعال وهي تهمس بحنق بالغ
"كفى ايها الطفل الثرثار ، لا اريد سماع اي كلمة منك ، وهيا اذهب وعد لحفلة عائلتك التافهة وألا قلقوا عليك وافتقدوك"

عبست ملامح (زين) بجمود وهو يحدق بتركيز بهيئتها الفوضوية من شعرها المنثور بعشوائية حول وجهها لسترتها السوداء والمتسخة بأتربة السور والذي كانت تستند عليه من لحظة ، ليهمس بعدها بلحظات بتركيز مريب
"انتِ تبدين فتاة شرسة من هيئتكِ وشكلكِ ، ولكن بداخلكِ تقبع فتاة رقيقة مكسورة الجناحين تحتاج للعناية والرفق وجبر جرحها لتستطيع العودة للطيران من جديد والخروج من هذا الجسد لتظهر عندها هويتكِ الحقيقية والبعيدة كل البعد عن الجمود والذي يلفكِ دائما"

نظرت له بقوة للحظات وهي ترفع حاجبيها بوجوم قبل ان تهمس بعبوس وهي تتنقل بنظرها ببدلته السوداء الأنيقة والتي تناسب حجمه لتصل لشعره المصفف للخلف بعناية فائقة ليبدو رجل اعمال صغير
"هل تحاول لعب دور الطبيب والمريض معي ، لأنه لا يروقني ابدا ان يحاول احد تفسير دواخلي بهذه الطريقة ، هل فهمت"

اومأ برأسه بطاعة تامة وهو ينظر لها بعيون سوداء متسعة بحماس منتظرا اشارتها ، لتقول بعدها (ماسة) وهي ترفع حاجبيها بخفة
"ذكرني باسمك مرة أخرى"

ردّ عليها (زين) بسرعة بثقة تفوق سنه
"اسمي زين الفكهاني"

ابتسمت بإعجاب بثقة هذا الطفل والذي سيكون له مستقبل حافل بالأحلام الكثيرة وهذا ظاهر بملامح وجهه والتي تنضح قوة تختلف عن قوة اشقائه الكبار بأضعاف ، ليقطع عليها تفكيرها صوت (زين) وهو يعود للكلام بلهجة عملية حفظها من تعايشه الطويل بمجال ادارة الأعمال
"هل تريدين معرفة المزيد من المعلومات عني ، انا اخوض مناقشات وصفقات باجتماعات والدي بالشركة واتكلم مع مدراء كبار بالعمل ، واشترك ايضا بمراكز كثيرة للتعلم بجانب المدرسة ومنها تعلم اللغة الفرنسية والاسبانية والصينية ، وايضا مراكز لتعلم الدفاع عن النفس...."

قاطعته بحدة وهي تتقدم امامه لتغلق فمه بكفها قائلة بنفاذ صبر
"اصمت ، ومن اخبرك بأني اهتم بكل هذا ، اراهن بأنك لم تتكلم مع فتيات بحياتك من قبل"

ابعدت كفها بسرعة عنه ما ان افاقت على نفسها وهي تتجاوز حدودها المرسومة مع افراد العائلة فهذا بالنهاية ليس طفل لتسكته هكذا وهو يبدو بعمر الرابعة عشر وايضا يكاد يوازيها طولا ، عادت بعدها للنظر له ما ان قال بابتسامة هادئة
"انتِ على حق بكلامكِ فأنا لم اتعامل بحياتي مع اي فتاة ، فقد كان دائما ابي يقول بأنه لا حاجة لي للتكلم مع الفتيات واللواتي لا فائدة من وجودهن سوى بانحراف جنس الذكور عن الطريق الصحيح ، وحتى والدتي لم اعرفها فقد توفيت ما ان انجبتني"

امتقعت ملامحها وهي تنظر لملامحه الباردة ما ان تكلم عن والدته بكل هذه البساطة وكأنها شيء غير مهم او عابر بحياته ، لتقول بعدها وهي تحرك كتفيها بلا مبالاة
"حسنا انا لا اعرف ولا افهم بعبارات التعاطف والمواساة والتي يلقونها الآخرون على اسماع الناس والذين فقدوا شخص عزيز عليهم ، فأنا ارى بأنها جميعها مجرد مظاهر بالية وكلمات لن تعيد الأحياء من قبورهم ، فقط كل ما استطيع قوله لك هو رحمه الله"

كان (زين) يركز بحركاتها وكلامها بانشداه مسحور قبل ان يقول بابتسامة جانبية بابتهاج
"كلامكِ ومنطقكِ غريب ، ولكنه يعجبني كثيرا ويروقني"

ادارت عينيها بعيدا عنه بملل وهي تستمع له وهو يتابع كلامه قائلا بحماس متلهف
"انا سعيد جدا بالتكلم معكِ ، فأنتِ اول فتاة اتكلم معها بحياتي"

عادت للنظر له وهي تقول بسخرية خافتة
"اهدئ لما كل هذا الحماس ، لم يبقى سوى ان تحدد معي موعد لأول فتاة تكلمت معها بحياتك"

ابتسم (زين) باتساع اكبر وهو يعود لثقته المعتادة قائلا
"هذا سيكون يوم السعد والهنا ، لأني سأخرج مع فتاة جميلة مثلكِ"

اتسعت حدقتيها الزرقاء بصدمة وهي تنظر له هامسة بضيق واضح
"طفل وقح"

استمر (زين) بالابتسام بهدوء واتزان استطاع المحافظة عليه بعيدا عن البلاهة والمرح والتي يتميز بها شقيقه الآخر ، لتحرك بعدها رأسها بتعب من الهواء البارد والذي بدأ يسبب لها الصداع لتسير عندها بعيدا عنه وهي تتجاوزه بصمت ، ولكن ما ان وقفت بمحاذاته حتى وضعت كفها على كتفه قائلة ببرود باهت
"حظاً موفقاً بحياتك ايها الطبيب النفسي زين الفكهاني"

اكملت بعدها سيرها بعيدا عنه وهي تغادر الحديقة بأكملها باتجاه باب الفناء الخلفي ، بينما اتسعت عينيّ الآخر وهو يستدير للخلف قائلا بارتفاع متوجس
"كيف علمتي بأني احلم بأن اصبح طبيب نفسي"

ولكن كانت (ماسة) قد دخلت من الباب بالفعل بدون ان تجيبه وهي تتركه يحترق بنيرانه ليعلم كيف عرفت عنه وكشفت حلمه ؟ ألا إذا كانت ساحرة وتستطيع قراءة الأفكار وهذا ليس بعيد عن ذات العيون الزرقاء .

____________________________
كان جو من الهدوء والرقي يسود بالحفلة الهادئة قبل ان يقطعها (محراب) وهو يرفع الكأس الخاص به بيده ليطرق عليه بالملعقة بيده الأخرى ليخرج عندها صوت رنان لفت الأنظار إليه بثواني والتركيز نحوه ، ليحوم عندها جو من الرهبة والسكون على نفوس الجميع وقد خفت الكلام بينهم نهائياً حتى لم يعد هناك اي اثر للضجة والتي كانت تلفهم قبل ثواني ، صدح بعدها بلحظات صوت (محراب) وهو يخفض الكأس للأسفل قائلا بوقار امام العيون المتطلعة بفضول
"اريد ان اقدم الشكر بهذه المناسبة والسبب والذي دفعنا لعمل هذه الحفلة الجميلة والودية والتي جمعت الشركتين معا ، هو السيد عزام نصران ورئيس شركة الاتصالات"

بدأ التصفيق الحار بالارتفاع تدريجيا بين الناس بحماس كبير ، بينما كانت الانظار متجهة لصاحب الشكر وهو (عزام) والذي كان يبتسم لهم بوقار متحفظ وهدوء ينضح بملامحه المتصلبة ، لينقطع بعدها الصوت ما ان عاد (محراب) لمقاطعتهم وهو يرفع كفه عاليا بحزم ليتابع كلامه وهو يحيد بنظراته للآخر بهدوء
"وإذا لم يكن هناك مانع من السيد عزام ، اريد ان اقول كلام مهم على الملأ وملاحظة صغيرة على طبيعة هذه الشراكة وسيرها"

ساد الصمت بينهم والأنظار معلقة بصاحب الإجابة والذي ارتفع حاجبيه بصدمة من المفاجأة الغير متوقعة قبل ان يحرك رأسه بالإيجاب بجمود ، ليحرك عندها (محراب) عينيه بعيدا عنه وهو يتنقل بنظره بين وجوه البشر بتمهل والذين اعتاد على رؤيتهم بكل اجتماعاته ليدرس بنظراته جميع دواخلهم .
قال بعدها بابتسامة جادة تغضنت معها زواياها بغموض
"الجميع يعلم بأن كل من عمل معي وحدثت بعدها شراكة بيننا كانت دائما وما تزال مبنية على الثقة والمودة والصدق والأمانة والمتبادلة بين الطرفين وهي اهم خصال عليها ان تتميز بها اي شراكة معي ، وغير هذا فستنهار الشراكة وتبوء بالفشل قبل البدء بدون هذه الصفات ، فأهم شيء هو البدء بالأساس ومعالجته من البداية وألا ازداد المرض اكثر وتحول لوباء من الصعب ازالته من نفوس البشر وانتشر بكل العاملين بالشركة لننسى عندها الهدف الحقيقي من هذه الشراكة ، لينتهي بالنهاية بخسارة فادحة للشركتين معا وليس الثقة بينهما فقط"

عمّ الصمت بكل ارجاء القاعة برهبة بدون ان يسمع لهم اي نفس وكأن القاعة قد فرغت فجأة من الموجودين ولم يتبقى منهم احد ، ليتابع بعدها (محراب) كلامه ببرود وهو يتجاهل الصمت المحدق به ونظرات الرجل الآخر الجامدة عليه بقوة
"ولكن للأسف فقد اخترق السيد عزام هذه القوانين والمبنية بشركتنا منذ الأزل بدون ان يعلم اهميتها بالنسبة للسيد حوت الفكهاني ، لذا سأقولها وامام الجميع لتصبح عبرة بالنسبة لكل شخص يفكر بالعمل بشراكة تربطه مع شركتنا وهو بأنني ألغي هذه الشراكة نهائياً والتي لن اسمح باستمرارها اكثر من هذا ، فهي ليس لها مكان بشركتي ولا تستحق ان تعمل ويكون لها وجود بشركة حوت الفكهاني ، واتمنى حقا ان تكون قد وصلتكم رسالتي جيدا وفهمتم مقصدي ، امسية سعيدة"

مرت لحظات صامتة على الجميع قبل ان تبدأ الهمهمات الجانبية بالخروج تدريجيا بين الناس لينحل الصمت بينهم ويتحول لضوضاء صاخبة انتشرت بكل انحاء القاعة الواسعة ومشاعر من الذهول والوجوم والغضب بدأت بالانتشار بينهم بثواني معدودة ، بينما كان الوحيد الصامت من بينهم هو (عزام) والذي كانت ملامحه الهادئة بجمود تنضح بإعصار بداخله يوشك على الخروج للقضاء على البشرية بأكملها وهو يتلقى اكبر إهانة تلقاها بحياته العملية ستتناقلها الأجيال للسنوات القادمة .

ليقطع إعصار المشاعر والثرثرة الفارغة والتي لفتهم بسرعة مذهلة هو صوت الداخل من باب الشرفة الجانبية والذي كان يصرخ بأنين مكتوم استطاع لفت الانتباه إليه
"سيد نصران ، انظر ماذا فعلوا بي الخونة والذين كانوا يدعون النزاهة والشرف امامك"

انفضت الناس من حوله بعيدا عنه ليظهر الرجل صاحب العبارة والذي كان يبدو بأبشع صوره بوجهه المهشم والمكدوم وسترته الرثة والدماء تقطر من جبينه لتشكل خط واضح على وجهه وهو يرتدي فوق عينيه نظارته المقسومة لنصفين ليتحول من رجل اعمال محترم لرجل متسول تورط بشجار مع اناس اكبر منه مكانة ورتبة .

كان (عزام) اول من تقدم نحوه بسرعة وهو ينظر له بذعر لأول ردة فعل تظهر على ملامحه منذ بداية الحفلة بعيدا عن الهدوء والذي كان يحافظ عليه طول الحفلة ، ليقف بعدها امامه وهو يمسك بكتفيه بحذر قائلا بجمود خطير
"من فعل بك هذا يا رضوان"

رفع عندها نظراته بحقد وهو يشير بعينيه نحو جهة معينة بشر مكتوم ، لينظر بعدها للمكان والذي كان يشير له ليصدم بالمسؤول عن حالة مدير اعماله وهو ابن شريكه (احمد) والذي كان ينظر لكل من حوله ببرود جليدي وكأن شيء لم يكن ، عاد (عزام) بنظره للواقف امامه بغموض دام للحظات وكأنه يحاول استجماع افكاره والتي عادت للتجمع برأسه بهدوء خطير ، ليعود للالتفات نحو السيد الكبير وصاحب الحفلة والذي ما يزال جامد بمكانه ينتظر نهاية المهزلة امامه وهو يخفي بوادر صدمته من فعلة ابنه بمهارة عالية يحسد عليها .

قطع الصمت صوت (عزام) لأول مرة وهو يقول باستنكار واضح بتلك النبرة الجامدة بحقد
"لا اصدق ما اراه امامي يا سيد محراب فكهاني ، لم اكن اعلم بأنكم قد انحدرتم لهذا المستوى الدنيء والحقير لتدخلوا شاب صغير مجرد عامل عندي بمخططاتكم الحقيرة لتنتقموا مني شخصياً ، وهو لا دخل له بكل هذا العمل بيننا ، ولكنك محق بشيء واحد وهو بأن هذه الشراكة عليها ان تنتهي هنا ، فأنا لا ارحب ابدا بشراكة اناس امثالكم كل ما يهمهم هو تدمير خصومهم وكل من يربطهم بصلة بدون الاهتمام لأحد او اعطاء شان لأحد"

كانت الانظار تتنقل بحماس وتشوق بين مدير الأعمال الأول (عزام) والذي اظهر انيابه وبين مدير الأعمال الثاني (محراب) والصامت وكأنها حرب الثيران من سيفوز بينهم بهذه الحرب الباردة والتي تخفي من خلفها الكثير بمجال الأعمال ، بينما كان (احمد) يضغط على اسنانه بقسوة وهو يحاول ضبط اعصابه بشق الانفس لكي لا يخنق هذا الرجل المتسلط ومعه الاحمق والذي اخطأ عندما تركه يفلت من بين قبضتيه حياً بدون ان يقتله ، وما يسكته عن التدخل بهذه الحرب هي نظرات والده الصارمة والتي كانت تشيعه بقوة وحزم يفهمه جيدا ويعلم تبعاته ، ليتابع بعدها بلحظات (عزام) كلامه بتصلب وهو يسحب معه مدير اعماله من ذراعه بعيدا عنهم قائلا
"شكرا لك على الحفلة اللطيفة والتي لم يكتب لها النجاح للأسف ، واتمنى ألا تتكرر مرة أخرى مع اناس غير مضمونة نواياهم نحونا ، والآن وداعا وإلى لقاء آخر لن يكون مثل سابقه ، اعدك"

اختفى صاحب الصوت مع مدير اعماله لخارج القاعة الضخمة بهدوء مريب ، وما هي ألا ثواني حتى عادت الثرثرة المزعجة للأجواء والتي اصبحت خانقة للجميع والنصف الأول بدأ بمغادرة القاعة من خلف (عزام) والنصف الآخر ما يزال ينتظر بتأهب بقية الحرب الباردة بعيدا عن اجواء الحفلات الروتينية .

ولم يرى احد النظرات الخضراء الدامعة بشحوب والتي كانت تنظر للأجواء من حولها بأنفاس منقبضة ذاهلة وهي تمسك بكفها شفتيها مانعة الشهقات المذبوحة من الخروج وقبضتها الأخرى تضرب على صدرها بغصة وبذنب يعتصر فؤادها يكاد يقتلها حية .

____________________________
دخلت للغرفة بسرعة وهي تجري باتجاه سريرها قبل ان تندفع نحوه لتدفن وجهها بملاءته البيضاء الناعمة وهي تجهش ببكاء مرير مرتجف اخرجته دفعة واحدة والذنب بصدرها ينهش جسدها بانقباض حاد بدون اي رحمة وكأنها مطرقة تضرب قلبها بقوة على فعلتها والتي دمرت حياة كثير من الناس وعلى رأسهم عمل خالها (محراب) بدون ان تقصد كل ذلك ، وهي التي لم تكن تفكر سوى بحضور الحفلة والاستمتاع بوقتها كما كانت تتمنى منذ سنوات لينقلب كل شيء ما ان واجهت ماضيها والذي لطالما ابقته طي النسيان لفترة طويلة ، فيبدو بأنه دائما هناك اشياء عليها ان تنغص عليها حياتها دوما مهما حاولت التظاهر بالسعادة والراحة الأبدية ، ومن اين ستأتي هذه السعادة وماضيها ما يزال معلق بها وهو يلاحقها اينما ذهبت مثل قيد حديدي يقيد حركتها عن الحرية ؟ وهذا ما نحصل عليه دائما عندما لا نحذر مما نتمناه لنتحمل عندها نتائج افعالنا بأنفسنا .

شعرت بعدها بلحظات بيد تربت على شعرها والذي انحلت عقدته بعشوائية بدون اي كلام وقد كان هذا من الفتاة والتي لم تنتبه لوجودها بالغرفة من الأساس وهي نفسها من كانت تقف امام نافذة الغرفة العملاقة بشرود بعيدا عن الجميع ، قالت بعدها المدثرة على السرير وهي تميل برأسها نحوها بنحيب
"لقد اخطئتُ يا ماسة ، وخطأي هذه المرة كبير للغاية ، وقد يكلفنا حياتنا بهذا المنزل ، فهو اكيد لن يغفر لنا ما حدث ابدا"

كانت ملامح (ماسة) جامدة بدون اي تعبير منطوق وهي تستمع لصوتها المبحوح المتقطع والذي لم تستطع تبين اي كلمة منه وماهي المشكلة حقا والتي حدثت معها بالحفلة اوصلتها لهذه الحالة ؟ فهذه هي طبيعة (روميساء) التي تعرفها فتاة حساسة لأبعد الحدود وخاصة عندما تخطئ بحق احدهم كما الآن وحازمة بوقت الجدية عندما يخطئ احد بحقها او تلاحظ اخطاء الآخرين ، واما عندما تخطئ هي بحقهم فهي تنهار تماما وتُحمل نفسها كل المسؤولية كاملة لتتحول لفراشة جريحة تحتاج للمواساة والتجبير حتى تحل المشكلة الخاصة بها وتطمئن لحلها وبأنه ليس هناك احد تأذى من حلها ومن تبعاته .

عادت (روميساء) للكلام بنفس البحة الحزينة وهي تمسك بالعقد الالماسي من حول عنقها بيدها بارتجاف
"اشعر بنفسي سأختنق يا ماسة ، لما كل هذا يحدث معنا ولما يصر القدر على خلق العقبات امامنا بعد ان كنا قد تجاوزناها بصعوبة وانتهينا منها"

كانت تحرك رأسها بشرود واجم وكفها ما تزال تربت على رأسها برتابة هادئة ، لتعود (روميساء) للتنفس بتقطع من بين شهقاتها الحزينة قبل ان تهمس بانفعال وهي تتلمس على عقدها وعلى باقي مجوهراتها بضياع
"هذه المجوهرات وكل هذا ليس لي ، ولم يخلق لي ابدا ، انظري ماذا حدث وما آلت إليه الأمور بأول يوم لي بتجربة الدخول لهذا العالم الغريب والذي لا ننتمي إليه ، لقد دمرته تماما ولم يتبقى احد لم يصله دماري ويتأذى ، لقد دمرت اعمالهم نهائياً وحياتنا بأكملها بعد ان كانت قد تحسنت قليلا"

عادت بعدها لدفن وجهها بانتحاب قبل ان تنتفض فجأة وهي تمسك بكف (ماسة) باندفاع قائلة بحزن عميق والعبرة ما تزال تخنق صوتها
"سامحيني يا شقيقتي الصغرى ، بدلا من جعل حياتنا مريحة وافضل من السابق دمرتها كلياً بسبب غبائي ورغبتي بتجربة عالم دمر حياتنا ، والآن سنضطر لمغادرة هذا المنزل وترك حياتنا الجديدة للأبد"

سحبت (ماسة) كفها بعيدا عنها وهي تنهض من جانب السرير بصمت ، بينما كانت النظرات الخضراء الندية معلقة بشقيقتها وهي تشهق بخفوت مرتجف خفت عن السابق ، لتهمس بعدها (ماسة) لأول مرة بتفكير غامض وهي تنظر لها بقوة
"تقصدين بأنهم سيطردوننا من المنزل بعد فعلتك"

اندفعت (روميساء) بجزع بعيدا عن الملاءة وهي تجلس فوق السرير قائلة بتعثر حزين
"ليس هكذا هو الأمر تماما....."

قاطعتها (ماسة) وهي تنظر بعيدا عنها قائلة بخفوت مشتد
"اسمعي يا روميساء ، اريد ان اقول لكِ امرا مهماً ، واتمنى حقا ان تسانديني به"

ابتلعت (روميساء) ريقها برهبة مع غصتها الحزينة وهي ترفع كفها لتمسح دموعها عن خديها بارتجاف شديد ونظراتها المحمرة من الدموع تنظر بتأهب لما ستقوله شقيقتها والتي تبدو كل علامات التحفز ظاهرة فوق ملامحها بقوة ، لتتابع بعدها الواقفة امامها كلامها بجمود نحت بملامحها الحجرية ببرودة وهي تقبض على كفيها بجانبي جسدها بقوة
"اريد ان نعود لمنزلنا القديم ، واقصد بكلامي منزل عمي قيس اليوم قبل الغد"

نهاية الفصل ، وبانتظار تعليقاتكم وإعجاباتكم بفارغ الصبر لنستطيع تنزيل باقي الفصول بأيام السبت من شهر رمضان ، ورمضان كريم ❤🌙🌙

انجيليك 06-05-21 03:14 PM

سلام كيف الحال 🥰
اكيد تذكريني متابعتكِ اعذريني لم اتواجد هذا الاسبوع لأن كان لدي مشاغل كثيره ولكن هنا هذا الاسبوع وبصراحه ابدعتِ متشوقه جداً للسبت القادم لكي ارى ابداعكِ سلمت اناملكِ الجميله 🥺♥♥♥♥

روز علي 08-05-21 02:46 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انجيليك (المشاركة 15477505)
سلام كيف الحال 🥰
اكيد تذكريني متابعتكِ اعذريني لم اتواجد هذا الاسبوع لأن كان لدي مشاغل كثيره ولكن هنا هذا الاسبوع وبصراحه ابدعتِ متشوقه جداً للسبت القادم لكي ارى ابداعكِ سلمت اناملكِ الجميله 🥺♥♥♥♥


هلا حبيبتي الحمدالله على السلامة 😘💗
سعيدة جدا برجعتك وتفاعلك على الفصل ، وإن شاء الله ينال الفصل القادم على إعجابك ويحظى على تفاعلك ، ولا تنسي تدعمينا دائما وما تحرمينا من وجودك 🤩❤
دمتي بسعادة وحب ❤❤

روز علي 08-05-21 09:56 PM

الفصل التاسع
 
الفصل التاسع................
كان يحدق به بصمت وهو يحك ذقنه بتفكير عميق ونظراته متغضنة بحدة مرعبة تستطيع القضاء على اعتى الرجال امامه ، ونظراته الرمادية والتي تنذر بوشك حدوث عواصف رعدية غائمة تستطيع قلع الأخضر واليابس معلقة بابنه والجالس امام المكتب بسكون وهو يسند قبضتيه فوق ركبتيه بهدوء وصمت ، ليبدأ بعدها بلحظات بالكلام وهو يعتدل بجلوسه بعيدا عن سطح المكتب قائلا بهدوء مريب
"إذاً هل ستخبرني بالسبب والذي جعلك تتصرف بكل هذه الهمجية والتي تخرج من ابن محراب الكبير لأول مرة ، والابن والذي سيتوكل اعمال العائلة من بعد محراب الفكهاني ليرفع اسمها عاليا كما هو متوقع منك ، ام ان بوادر الهزيمة قد بدأت بالظهور عليك من الآن ومن قبل ان تبدأ باستلام المكان"

تنفس (احمد) بكبت وهي يشعر بجدران الغرفة تكاد تطبق على انفاسه بقوة وكلام والده يزيد من ضيقه اكثر مما هو فيه الآن ، فهذه هي طريقة والده بعقابه وعتابه وهو بأن يذكره بالمرتبة والتي سيصل لها والآمال المعلقة به منذ سنوات من جهة والده وأي خطأ صغير سيؤدي لدمار العمارة والتي بنيت فوق اتعاب سلالة عائلة الفكهاني ، وكأن كل اجداده يعتمدون عليه من بعد والده ليرفع اسم عملهم للأفق بدون ان يصدر منه اي خطأ ولو كان غير مقصود فهو بالنهاية بشر وغير منزه من الأخطاء ، ولكن من سيقتنع بهذا الكلام وهو يشعر بغضب والده الصامت يكاد يحرقه حيا وهو الذي اعتاد على إرضاءه بشتى الطرق لتكون هذه نقطة سوداء جديدة بحياته المثالية .

تابع بعدها بلحظات كلامه بقوة وهو يضم قبضتيه بتصلب فوق سطح المكتب
"والآن ألن تخبرني ما لذي حولك لهذه النسخة المتهورة والتي لا تفكر بعواقب افعالها مثل شقيقك الأصغر ، هل هي من افعال بنات الفاروق ، هل بدأت تتأثر بسحر النساء يا احمد....."

قاطعه (احمد) وهو يقول بانفعال غاضب
"ابي ارجوك"

تصلبت ملامح (محراب) وعينيه تنظران لابنه ولكل تشنجاته بتركيز حاد ، ليعود بعدها (محراب) للكلام بقوة متجاهلا كلامه الأخير وهو يزيد من الضغط عليه بأسلوب المدراء الاشداء
"تكلم يا احمد ولا تزيد الظنون برأسي ، لما فعلت كل هذا بمدير اعمال عزام ، ما لذي جعلك تتصرف على هذا النحو المجنون وانت تظهرنا امام الناس بموقع المتهم الظالم والذي يفعل اي شيء من اجل الوصول لمصالحه"

اتسعت عينيّ (احمد) بجزع ليقول عندها بخفوت مرتبك
"قبل ان اخبرك بالسبب ، هل حقا انهيت الشراكة والتي كانت تجمعك مع عزام نصران"

مرت لحظات مشحونة بالمشاعر المتنافرة قبل ان يقطعها (محراب) وهو يتمتم ببرود
"اجل هذا ما حدث ، والآن هل ستجيب على سؤالي"

زفر انفاسه ببعض الراحة قبل ان يرفع وجهه بقوة باتجاه والده قائلا بجمود بارد
"لقد حاول التقرب من روميساء ، وقد رأيته معها بحديقة المنزل...."

قاطعه (محراب) وهو يقول بصرامة حادة بدون اي مواربة
"هل انت متأكد بأنك قد رأيته وهو يتقرب منها ، وليس هي من كانت تتقرب منه او قد يكون مثلا احد من معارفها"

رفع حاجبيه بوجوم من تفسير والده للأمر والذي ذكره بكلامها عندما اخبرته حقا بأنه صديقها من بين موجة غضبه ، ولكنه يعلم جيدا بأنها كاذبة ولم تقل هذا سوى لحمايته من براثنه لا اكثر .

قال بعدها بلحظات بضيق وهو يشدد من القبض على كفيه بقوة
"غير صحيح يا أبي ، فقد رأيته بأم عينيّ وهو يراقب بها منذ بداية الحفلة بدون ان يتركها وشأنها ، وبالنهاية حاصرها بالحديقة ليحاول التقرب منها بطريقة دنيئة"

عقد حاجبيه بغموض وهو يهمس ببرود جليدي وعينيه تحاولان النفاذ لابنه بطريقته ليعرف كل دواخله
"هل هذا ما حدث حقا ، ام انه من نسج خيالك يا احمد ومن قلبك الملهوف عليها"

ادار وجهه بسرعة نحو والده بصدمة دامت لثواني قبل ان يهمس باستنكار حاد
"ما هذا الكلام الغريب والذي تقوله يا أبي....."

قاطعه بقوة وهو يضرب على سطح المكتب بقبضته بصرامة صدمته
"كفى هراءً يا احمد ، أتظنني طفلاً امامك لا اعرف ولا ارى ما يحدث بالمنزل من وراء ظهري ، او تظن بأني لا اعلم كيف استطاعت روميساء حضور الحفلة ومن اين جلبت كل هذه الثقة لتحضرها ، ومن اين حصلت من الأساس على الملابس والمجوهرات والتي تساوي ثروة طائلة"

ردّ عليه من فوره بحيرة واجمة
"اتقصد بأنك لم تكن ترغب بحضورها للحفلة"

عاد (محراب) للقول بصرامة حادة ترددت صداها بالغرفة الواسعة
"لا تغير الموضوع يا احمد ، وتكلم ما لذي يدور برأسك ويجعلك تعامل الفتاة بكل هذا اللطف والودّ ، فلا تنسى بأنك بالنهاية رجل متزوج وعليه الحرص بعلاقاته النسائية جيدا"

تجهمت ملامحه من كلام والده والذي ضربه بالصميم وكأنه عليه دفع ثمن معاملته اللطيفة معها والتي تكون اقل ما تستحقه بعد حياة الشقاء والذل والتي عاشتها بعيدا عنهم وكأنهم ليسوا عائلتها ، انتفض (احمد) بعدها بلحظات واقفا عن الأريكة وهو يقول باستياء واضح
"ليس هذا ما كنتُ اتوقعه منك يا أبي ، الشكوك وظن السوء بي وانت الذي تعرفني جيدا وقد تربيتُ على يديك وكنت دائما مثلي الأعلى وافضلك بكل شيء على والدتي ، وبخصوص روميساء فأنا لم اخطئ ابدا بمعاملتي معها فهذا ما تستحقه فتاة حرمت من العيش بين عائلتها الحقيقية والمرفهة لتدفع ثمن خطأ لم ترتكبه بحياتها"

ساد صمت ثقيل على كليهما بعد كلماته وهو يطلق اتهامات مجحفة باتجاه والده تخرج منه لأول مرة بكل هذا القهر ، فهو بحياته لم يعارض على اي قرارات تخرج من والده وحتى لو كانت خاطئة وقاسية وبها ظلم بحق الآخرين فهو يبقى كبير العائلة وقدوته والذي عليه ان يقتدي به ويسير على خطاه مهما كانت تلك الخطى مليئة بالألغام والظلم .

استدار بعدها بلحظات بعيدا عن والده الجامد بمكانه كالصرح والذي لا يهزه ريح ، ليستمع بعدها لصوت والده وهو يقول بحدة اخفت تحمل من القوة والكراهية الكثير
"اسمع ما سأقوله جيدا يا احمد فأنا لن اكرر كلامي مرتين ، إياك وان تحاول التعمق بعلاقتك مع بنات مايرين فقد يلقون عليك بلعنة باستخدام جمالهما الملفت للأنظار ، فأنا ادرى الناس بهذا الجمال والذي يجلب اللعنة لحياة افراده مثل ما حدث معنا بسبب عمتك مايرين ، لذا املي بك بأن تبقى بعيدا عن مجالهما ودائرة تفكيرهما ، فهما بالنهاية ليسوا من عائلة الفكهاني بل من عائلة الفاروق واقامتهما معنا هنا لإبعاد الشبهة عنهما وكل من يفكر بأذيتهما لا اكثر ولا أقل"

زفر (احمد) انفاسه بتشنج غاضب والأفكار تتصارع برأسه بتناقض بحلبة عقله بدون ان تتركه وشأنه ، ليحرك بعدها رأسه ببرود بدأ يؤلمه وهو يشعر بصداع من كل ما يحدث معه سيشطره لنصفين ، ليغادر عندها من غرفة المكتب بأكملها بصمت قاتل وبسكون لف المكان بأكمله بثواني .

_______________________________
احتضنت حقيبة ملابسهما بحجرها وهي شاردة بالطريق المتحرك بجانبها بسلاسة ونشاط بالنسبة لصباح يوم جديد ومشرق ، وجميع البشر قد بدأوا بالتحرك كل منهم نحو وجهته وهدفه بالحياة بحماس بالغ سيتبخر بنهاية اليوم ككل الأيام السابقة .

التفتت (روميساء) جانبا وهي تقول بشحوب حزين
"كان من المفترض ان نخبرهم عن مغادرتنا للمنزل ، وان نشكرهم على حسن ضيافتهم معنا"

حادت (ماسة) بنظراتها نحوها بضيق من إعادتها نفس الموضوع معها منذ مغادرتهما للمنزل بدون علم احد ، لتقول عندها بنفاذ صبر حانق
"روميساء لقد اخبرتكِ بأننا لسنا مدينين لأحد بشيء لنقلق على مغادرتنا لمنزلهم بدون علمهم ، وضيافتنا عندهم لم تتجاوز الأسبوع حتى ، وايضا لقد اعدنا كل شيء يخصهم لمكانه الصحيح واقصد بكلامي الثوب والمجوهرات ، لذا لا داعي لتفكري بهم وهم اصلا لم يفكروا بنا يوماً"

عبست ملامح (روميساء) وهي تهمس بنشيج
"ولكن...."

قاطعتها بعصبية بالغة وهي تقبض على كفيها بحجرها بقوة
"ارجوكِ يا روميساء ، فلنتوقف عن التكلم عن هذا الموضوع رجاءً"

اعادت (روميساء) نظراتها للنافذة بجانبها بشرود شاحب بدون ان تعلق على كلامها الأخير ، لتقول بعدها بلحظات بتفكير واجم
"لم تخبريني حتى الآن ، لما خطرت على بالكِ فكرة العودة لمنزل عمي قيس بهذا الوقت ، ظننت بأنكِ قد تخليتِ عن فكرة العودة تماما"

تجمدت ملامحها ببرود صخري وهي تفكر بكلام (مازن) والذي لم يبارح ذهنها منذ البارحة فقد ملت كثيراً من تهديداته ومضايقاته لها على مدار سنوات طويلة ، وتعلم علم اليقين بأنه لا يهدد احدا من فراغ ؟

قالت بعدها بابتسامة هادئة غير معبرة
"تعلمين جيدا بأني لم احب ابدا فكرة العيش بمنزل الخال محراب فهو بالنهاية ليس مكاننا الحقيقي ، وايضا انتِ قلتِ بأننا سنطرد من المنزل بكل الأحوال ، لذا من الأفضل ان نخرج منه بكرامتنا افضل لنا"

ردت عليها من فورها وهي ترفع حاجبيها بوجوم
"ولكني لستُ متأكدة تماما ، إذا كان سيطردنا ام لا او إذا كان سيؤثر على حياتنا ، فأنا قد دمرتُ شراكة عمله بأكملها بفعلتي"

كانت (ماسة) تنظر بعيدا عنها بدون ان تفكر بسؤالها عن فعلتها تلك والتي لم تخبرها عن طبيعتها للآن والتي قلبت حياتها هكذا ، ليدوم الصمت بينهما طول الطريق وقد بدأت رحلتهما قبل موعد الشروق بساعات بسبب طول المسافة بين المنطقتين .

وقفت بعدها بلحظات سيارة الأجرة ببداية طريق الحيّ والذي يوصلهم لمنزلهم بسبب ضيق الطرقات هناك والذي يمنع بها دخول السيارات إليه .
خرجت (روميساء) من السيارة بعد ان حاسبت السائق وهي تضع حزام الحقيبة فوق كتفها بهدوء ، لتشعر بعدها بتحرك سيارة الأجرة بعيدا عنهما وهي تخلف الغبار من خلفها .

وقفت الأخرى بعدها بثواني بجانبها بصمت وهي تقول بخفوت لا يكاد يسمع
"هل تذكرتِ شيئاً"

التفتت (روميساء) بوجهها نحوها بهدوء قبل ان تهمس بابتسامة شاردة
"تقريبا"

حركت عندها رأسها ببرود وهي تتحرك بعيدا عنها باتجاه الطريق المؤدي لمنزلهما ، بينما لحقتها (روميساء) بخطوات هادئة بدون ان تنطق بأي كلمة وذكرى بعيدة ترافقهما لتطرق ذكريات الماضي عن اول زيارة لهما بهذا الحيّ مع زوج والدتهما والذي اصبح بالنسبة لهما كل شيء بعالمهما الصغير .

فتحت (ماسة) باب المنزل امامها وهي تدفعه بدون استخدام المفتاح لتدخل إليه بصمت ، بينما كانت (روميساء) تتابعها بحيرة قبل ان تصل لها بخطوتين لتمسك بذراعها بقوة وهي تقول بجدية حائرة
"ماسة هل هذا المنزل ما يزال مؤجر لنا ، ام ان هناك شخص آخر استأجره"

قاطع عليهما حوارهما صوت ناعس وهو يقول بكسل واضح
"مرحبا ببنات زوجة عمي قيس ، شرفتما منزلي المتواضع"

افلتت (روميساء) ذراعها لتستدير نحوه بقوة قبل ان تتدارك صدمة وجوده وهي تقول بعبوس متجهم ناظرة لهيئته الفوضوية بتفحص
"ما لذي تفعله بمنزل قيس يا مازن ، ولما تقول بأنه منزلك"

تقدم (مازن) بعيدا عن باب الغرفة ليقف امامها بثقة قبل ان يفرد ذراعيه قائلا بترحاب وبشاشة بالغة
"مرحبا بالجميلة روميساء ، أتعلمين بأنني قد اشتقتُ لكِ كثيرا ولكن ليس بالقدر والذي اشتقتُ به لشقيقتك"

ارتفع حاجبيها بانشداه مصدوم لتتحول ملامحها بلحظات لصرامة حادة معتادة على إظهارها امام امثاله وممن يتجاوزون حدودهم معها بدون اي حياء ، لتقول عندها بحزم وهي ترفع اصبعها نحوه بتهديد واضح
"لا تحاول تجاوز حدودك معنا يا مازن ، فأنا ما أزال احترمك للآن من اجل مكانة والدك والقرابة والتي تربطك بعمي قيس ، لذا لا تجبرني ان استخدم معك طريقة اخرى ستقلل كثيرا من قيمتك"

كان (مازن) يبتسم لها ببرود وهو ينظر لصرامتها الشرسة والشبيهة بصرامة شقيقتها ، ليقول بعدها بلا مبالاة وهو ينظر للواقفة بجانبها بخبث واضح
"ولكني لم اخطئ بالكلام معكِ ولم اكذب عندما قلت بأن هذا المنزل قد اصبح منزلي ، ولكني سأسمح لكما بالعيش فيه وسأسامحكِ على كلامكِ هذا فقط لأنكِ شقيقة زوجتي المستقبلية....."

صرخت (ماسة) فجأة بانفعال حاد
"كفى يا مازن"

حرك عينيه العسليتين الناعستين بعيدا عنها ببرود مستفز ، لتتدخل بعدها (روميساء) بالكلام وهي تلتفت بقوة نحو شقيقتها قائلة بذهول غاضب
"ما لذي يجري هنا يا ماسة ، وهل الكلام والذي يقوله هذا المخبول صحيح"

رفعت (ماسة) عينيها الزرقاء الداكنة باتجاه شقيقتها بغموض للحظات ، لتقول بعدها بتصلب خافت وهي تمسك بذراع شقيقتها بقوة
"لقد تأخرتِ كثيرا على عملكِ يا روميساء ، وعليكِ الذهاب بسرعة وتجهيز نفسكِ قبل ان تضيع فرصة العمل الأخيرة منكِ"

زمت شفتيها بتفكير وهي تنظر لها بتركيز شاحب فهي على حق بكلامها وهذه تكون فرصتها الأخيرة والمتبقية لها بالعمل ولا تريد ان تُطرد منها بعد ان وجدتها اخيرا وهذا بعد عناء طويل ، لتسير بعدها بسرعة بعيدا عنها باتجاه غرفتهما وهي ما تزال تحمل حقيبة ملابسهما على كتفها ، ولم تنسى ان تلقي نظرات مستنكرة وغاضبة باتجاه المسمى (مازن) وهو الذي لم ترتح له يوماً بحياتها .

تجمدت (ماسة) بمكانها وهي شاردة بأثر شقيقتها بغموض ، لتسمع بعدها صوت ساخر وهو يقول بقربها ببلاهة مزعجة
"شقيقتك بريئة للغاية ولا تعرف شيئاً عن مخططاتنا ، هذا امر مؤسف للغاية لقد اثارت شفقتي عليها حقا"

التفتت (ماسة) نحوه بحدة وهي تقول بتحذير حاد
"إياك يا مازن ان تُدخل شقيقتي بمخططاتك الوضيعة او ان تُسمعها منك كلام طائش لا معنى له ، ووجودي بهذا المنزل سيكون حل مؤقت حتى نجد مسكن آخر غيره ، لذا لا يذهب تفكيرك لبعيد يا ابن جلال"

اختفت الابتسامة عن وجهه قبل ان يقترب منها عدة خطوات وهو يقول بهدوء مريب
"لا بأس يا ماسة افعلي ما تشائين وبكل ما ترغبين بفعله ، وانا سعيد جدا بعودتكِ لمنزل قيس ، فهو سيبقى دائما مفتوحة ابوابه امامكِ يا جميلتي"

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بغضب بدون ان تعلق على كلامه ، ليتابع بعدها (مازن) كلامه بسعادة مصطنعة وهو يكمل طريقه لخارج المنزل
"خذا راحتكما كاملة بالمنزل ، فأنا سأغادر من هنا ، ولكني سأعود يوماً ما وهذا سيكون قريباً جدا"

كانت (ماسة) تستمع لكلامه ببرود وهي تنظر بعيدا عنه بحدة وتحديدا لسقف المنزل من فوقها والمتشقق باصفرار والذي يختلف تماما عن السقف المزين بالدهان الابيض والذي كانت تراه بالأيام السابقة والتي عاشتها بمنزل خالها ، فهل اخطئت بعودتها لهذا المنزل والذي يحمل اتعس ذكرياتها لها ولشقيقتها ؟

______________________________
كانت ترفع كفها عاليا وهي تكتب بالطبشور على طول اللوح امامها بشرود مشوش اصبح يلازمها مؤخراً ، لينكسر بعدها عامود الطبشور بأصابعها للمرة والتي لا تعلم كم من كثرة ما انكسر معها بدون ان تعرف السبب لذلك ؟ لتعود لإلقائه بعيدا بسلة المهملات قبل ان تلتقط طبشور ابيض آخر من على سطح المكتب ، تنفست بعدها بضيق ما ان عادت الضحكات المكتومة بالخروج من الاطفال المشاغبين من خلفها وهي لا تعلم ما هي طبيعة هؤلاء الاطفال والذين لا يتعلمون الدرس من أول مرة ومنهم من يستمتعون بهذه الافعال وإغاظتها بها بتكرارها بصورة مستمرة ؟

التفتت (روميساء) بسرعة نحوهم بقوة وهي تلقي بالطبشور ارضا لا إراديا من فرط الغضب حتى تكسر لألف قطعة وهي تقول بتحذير
"ما هو الذي يدعو للضحك الآن ، وكم مرة أخبرتكم بأني لا احب سماع الضحكات من وراء ظهري"

صمتت الضحكات تماما للحظات قبل ان تعود بصخب ما ان قال طفل وقح من بينهم ببراءة مصطنعة
"لما كل هذا الغضب يا استاذة روميساء ، وما ذنب الطبشور لتنفثِ به غضبكِ هكذا ، إذا كنتِ ترغبين سأحضر لكِ بنفسي طبشور منيع من الكسر"

عبست ملامحها بحنق وهي تكاد تنفجر من الضغط والذي تشعر به وهؤلاء الأطفال يزيدون من إحباطها وسخطها وكأنه ينقصها مزيد من صداع ووجع الرأس ، لطالما احبت التدريس وعشقته عندما يقربها من الاطفال الأحب على قلبها ، ولكن هؤلاء الاطفال لا يستحقون اي نوع من المحبة بل يستحقون الضرب والقسوة لكي يتعلموا احترام الكبار ويعتدلون بتصرفاتهم فليس اللين والرفق هو الحل بكل شيء وهذا ما تعلمته من تعايشها مع هؤلاء العفاريت .

انتفضت فجأة صارخة بكل قوة وهي تضرب بقبضتها على سطح المكتب لتوقف صوت الضحك المرتفع والذي اتلف اعصابها المتعبة
"كفى توقفوا عن الضحك ، ألم تتعلموا شيئاً عن احترام الأكبر منكم سنا ومكانة وعدم السخرية منه مهما حدث ، وهو يحاول بكل جهده تقديم العلم لكم ولعقولكم الفارغة....."

صمتت ما ان سمعت صوت اعلى منها صرامة وهو يصرخ بأمر
"من الذي تجرأ واغضب المعلمة ايتها الحيوانات عديمة التربية ، من اجل ان احيل حياته لجحيم"

عضت (روميساء) على طرف شفتيها باستياء وهي ترفع قبضتها لجبينها لتضربه برفق على الورطة والتي وقعت بها الآن لتكتمل مصيبتها مع وجود هذا المدير العابث والذي يترصدها بكل فصولها ، لتلتفت بعدها بحذر نحوه ما ان شعرت بخطواته المقتربة منها وهو يسير باتجاهها بثقة عالية يحسد عليها .

اخفضت قبضتها وهي تبتلع ريقها برهبة لتبتسم عندها بهدوء مرتجف وهي تحاول تجميع خيوط ذهنها المنهك لتكون معه ، وقف امامها تماما وهو يوزع نظراته بين الطلاب الصامتين بغضب ليصل بنظره للواقفة بجانبه وهو يتمعن بعينيها الخضراء المهتزة وخيوط من الإنهاك محفورة حول حدقتيها بوضوح ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بغموض
"يبدو بأنكِ لستِ على طبيعتكِ اليوم يا روميساء ، ما لذي حدث معكِ هل تعانين من امراض وتخفين عني الأمر"

حركت (روميساء) رأسها بالنفي بسرعة وهي ترفع كفها لتعيد خصلات شعرها لخلف كتفيها برفق قائلة بتأكيد
"لا لا اعاني من اي امراض يا سيدي المدير ، فقط اشعر بإنهاك طفيف وصداع من قلة النوم ، لا شيء مهم"

حرك (نادر) رأسه وهو يمثل التفهم الشديد ليمسك بعدها بذقنه قائلا بتفكير
"واكيد هؤلاء العفاريت الصغيرة يسببون لكِ صداع فوق صداعكِ ، ولكن لا تقلقي فأنا اعرف جيدا عملي معهم"

عقدت حاجبيها بوجوم وهي تهمس ببرود شاحب
"وما هو الذي ستقدر على فعله معهم يا سيدي المدير ، لو انك حقا تعرف عملك معهم لما انتظرت كل هذا الوقت بعد ان اصبح من الصعب السيطرة على تصرفاتهم المتمردة والتي تعرقل سير عمل المعلمات ، ولكني اعلم جيدا السبب وهو الخوف من خسارتهم وتوقف دعم الحكومة لمدرستكم"

كان (نادر) ينظر لها بجمود بدون اي تعبير وحاجبيه يرتفعان للأعلى بخطر مريب وهو يستمع لإهانتها العلنية عن مكانته بالعمل والتي تخرج لأول مرة من موظفيه ، بينما تداركت (روميساء) نفسها وهي تقول بارتباك شديد
"انا اعتذر حقا ، لم اقصد ان اهينك بكلامي يا سيدي المدير...."

قاطعها بغموض وهو يعود للابتسام بهدوء
"لا بأس يا روميساء ، ولكني لن اترككِ تكملين عملكِ بالفصل بهذه الحالة المزرية ، فأنا لستُ مدير عديم الرحمة لهذه الدرجة ، لذا اريد منكِ ان تتفضلي معي لمكتبي لتوقعي على اوراق خروجك"

اومأت برأسها باهتزاز فقد استنفذت عندها كل طاقتها والتي كانت تملكها بحوزتها وإذا بقيت بهذا المكان اكثر من هذا وبين هؤلاء الطلاب فأكيد سيغشى عليها بالنهاية ، تحرك بعدها من سبقها بالخروج من الفصل بصمت مريب ، لتمسك بعدها بحقيبتها وهي تضعها فوق كتفها بصمت قبل ان تسير بثبات لخارج الفصل بدون ان تعلق بأي كلمة وقبل إطلاق جرس انتهاء الحصة .

دخلت للمكتب بهدوء وهي تنظر للمدير والذي كان يجلس على الأريكة امام المكتب وهي يضع اوراق امامه ، وما ان لمحها حتى قال بابتسامة جانبية بارتياب
"تعالي واجلسي يا روميساء ، لقد جهزت لكِ اوراق خروجك لتستطيعي اخذ راحة بالباقي من يومكِ"

تقدمت باتجاهه بخطوات حذرة قبل ان تجلس على بعد مسافة منه بتردد متوجس ، ليقول بعدها (نادر) وهو يحاول الالتصاق بها تماما مشيرا بذراعه امامه للأوراق قائلا بابتسامة مستفزة
"أرأيتِ كم من الكرم والذي اتمتع به بقلبي نحوكِ ، صدقيني ليس كل الناس يحصلون على هذه المعاملة المميزة والتي تحصلين عليها مني"

زمت شفتيها بارتجاف وهي تنظر للأوراق امامها بتشوش ، لتقول بعدها بتركيز وهي تقبض على كفيها بانقباض احتل كل جسدها
"اين هو القلم لأوقع به على الأوراق"

اخرج (نادر) بلحظات القلم من جيب سترته وهو يرفعه امام وجهها قائلا بابتسامة بدون مرح
"هذا هو القلم"

رفعت كفها بهدوء بدون ان تنظر إليه لتحاول إمساك القلم والذي وقع منه فجأة بقصد منه ، ليقول بعدها بحزن مزيف وهو يهمس بجانب اذنها
"اعتذر يا روميساء فيبدو بأنه قد انزلق من يديّ بدون قصد"

التفتت نحوه بقوة وهي تتنفس بحدة لتهمس عندها باقتضاب جاد
"لا بأس ، انا سأحضر القلم بنفسي"

ولكن ما ان كانت ستتحرك من مكانها خطوة حتى قيدها بذراعه على حين غرة وهو يحاوط كتفيها بقوة قبل ان يهمس عند جانب وجهها بتسلية واضحة
"إلى اين تريدين الهروب مني يا جميلة ، لقد اصبحتُ افقد السيطرة على نفسي بسرعة وليس من الجيد ان تدفعيني لكل هذا الانتظار العقيم"

رفعت قبضتيها بحذر وهي تحاول إبعاده عنها بدفع صدره قائلة بجزع
"هلا ابتعدت عني رجاءً ، فأنت الآن تتجاوز حدودك معي"

شدد (نادر) من معانقة كتفيها وهو يقترب من جانب عنقها قائلا بغضب مكتوم
"انتِ التي بدأتِ تتجاوزين حدودكِ معي بإهاناتكِ المبطنة نحوي ، ولكني لا امانع فأنا احب كثيرا هذا النوع من الفتيات ويثير عندي غريزتي والتي لن تهدأ ابدا قبل ان تحصل على مرادها"

انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تحاول تجميع افكارها الهاربة منها بخضم ما يحدث معها ، لتهمس بعدها بوجوم مشوش
"ولكن هذا الذي تفعله لا يناسب ابدا مكانة مدير مدرسة ، وخاصة بأنك متزوج"

رفع (نادر) رأسه عاليا وهو يضحك بسخرية قائلا بدهشة مزيفة
"من اخبركِ يا بلهاء بأني متزوج"

اخفضت نظراتها وهي تقول بتلعثم متوجس
"لقد كنت تتكلم معها ، بذلك اليوم....."

ردّ عليها ببساطة وهو يلصق شفتيه بجانب اذنها بعبث
"تلك لم تكن زوجتي"

اتسعت عينيها الخضراء بذعر مشدوه وهي تستعيد كل كلماته بتلك المكالمة المريبة بأول مقابلة بينهما ، لتنتفض بعدها صارخة وهي تدفعه بكل قوة بعيدا عنها بغريزة الخوف
"ابتعد عني يا مجنون وإياك وان تقترب مني ولو قليلا ، وألا فضحتك بكل المدرسة وشوهت سمعتك والتي لا تليق بمدير عابث مثلك"

استطاعت (روميساء) التحرر من تقييده لتسير بسرعة نحو باب الغرفة وهي تحاول فتحه بصعوبة لأول مرة من فرط الذعر والذي تشعر به ، ولكن ما ان استطاعت فتحه اخيرا حتى عاد لأغلاقه بقوة بقبضته وهو يقول من خلفها بغضب بدأ يظهر على ملامحه بوحشية
"اخبرتكِ بأنكِ لن تستطيعي الهروب مني ، ليس هذه المرة ايضا فقد مللت من لعب دور المشاهد معكِ والدوران حولكِ حتى تفهمي ما اريده منكِ ، وهذا سيكون بلا شك ثمن عملكِ معنا هنا بهذه المدرسة فلا تظني بأني من الكرم أن اوظفكِ عندي ببساطة واطرد المعلمة القديمة من اجل ان تحلي مكانها بسمعتك السيئة"

تجمدت يديها فوق مقبض الباب بصدمة وهي تستمع لأمور لم تكن تعلم عنها وقد ضربتها بالصميم لتزيد من شعورها بالإهانة والقذارة والتي عاشت عليها منذ سنوات طويلة لتصل بالنهاية لمستوى لم تصل إليه بحياتها وكله من اجل وظيفة تعيش عليها ، عادت بعدها لتشدد على مقبض الباب بقوة تجتاحها لأول مرة وهي تهمس بجمود بارد
"شكرا لك لأنك وضحت لي هدفك الحقيقي من توظيفي هنا ، فهذه الوظيفة لم تعد تروقني ابدا وليست من مستواي ، لذا عذرا منك إذا كان قد حدث بيننا سوء فهم"

تغضن جبين (نادر) بعدم استيعاب متجهم وملامحه تزداد شراسة ممتقعة ، بينما استغلت (روميساء) لحظة شروده لتدفع الباب للخلف بقوة وهي تدفع قبضته بعيدا عنه لتخرج بسرعة لخارج غرفة المكتب بأكملها بلمح البصر .

ما ان وصلت لمدخل المدرسة وهي تجري بتعثر من تجمع الدموع بحدقتيها بخنوع حتى اصطدمت بجسد صلب كان يسير للداخل عكس مسارها ، لتشعر بعدها براحة غريبة وكأنها قد وصلت لنقطة النهاية بحياتها وهي تتعرف على هذا الحضن والجسد لتعانق عندها خصره بذراعيها تلقائياً بقوة وهي تخرج كل ما كانت تكبته بداخلها ولم تستطع يوماً اخراجه امام احد فقط كي لا تضعف امام نفسها حتى انهارت تماما وهي تصل لحافة الهاوية ولم يعد هناك اي مجال للتراجع الآن .

يتبع...................

روز علي 08-05-21 10:11 PM

كانت ترتب الأوراق امامها وهي تسلمها الواحدة تلو الأخرى لوالدها والجالس امام المكتب ليختم الورقة بيده بالختم الخاص بالعمل وهي تجلس على مقعد بجانبه تماما ، ليقطع انسجامهما بالعمل صوت الذي دخل للمكتب وهو يقول بعملية جادة
"عذراً سيد جلال على المقاطعة ، ولكني احتاج لتختم لي هذه المنشورات لأستطيع توزيعها على المكاتب"

قبضت بيديها على الأوراق بقوة وهي تنظر للأسفل بوجوم صامت ، بينما قال (جلال) بهدوء وهو يحرك رأسه بالإيجاب ليرفع ذراعه نحوه
"اعطني المنشورات وانا سأختمها لك بنفسي ، وبعدها يمكنك توزيعها على المكاتب"

رفع (جواد) كفه بالمنشورات ليلتقطها منه الجالس امامه قبل ان يبدأ بختمها بسرعة وسلاسة ، بينما كانت تحاول الجالسة بالقرب منهما تعمد عدم النظر له وهي تنظر للأوراق بين كفيها بتركيز لم يعد له وجود منذ دخوله بعد ان شوش عليها تفكيرها .

رفع بعدها بلحظات المنشورات باتجاهه وهو يقول باتزان
"لقد اصبحت جاهزة ، يمكنك الآن نشرها وتوزيعها ولا تنسى بأن هذا العمل عليه ان ينتهي بعشر دقائق"

ابعد عينيه بسكون عن الفتاة الصامتة والتي تتقصد عدم النظر له ، ليرفع بعدها يده وهو يلتقط المنشورات منه بهدوء لينظر لها بتركيز وهو يتصفحها بين يديه بصمت وتركيز .

رفع نظراته السوداء القاتمة باتجاه الجالس امامه وهو يقول بابتسامة هادئة غير معبرة
"شكرا لك على وقتك يا سيد جلال ، ولكن هناك مشكلة صغيرة احتاج مساعدتك بها"

زمت (صفاء) شفتيها الورديتين بحنق وهي تفكر بما يريده من والدها الآن وما هي المشكلة والتي يواجهها ليستنجد برئيسه ؟ قال بعدها (جلال) بابتسامة متسعة بقوة
"تفضل ابني جواد ، اخبرني بمشكلتك"

حرك رأسه بهدوء وهو يعود بنظره للتي ما تزال متمسكة بصمتها بتركيز قبل ان يقول بابتسامة جانبية بإحراج مصطنع
"انا حقا خجل مما سأطلبه منك يا سيد جلال ، ولكني لا استطيع ان انكر بأني احتاج لمساعدتك بشدة"

عقد (جلال) حاجبيه بتفكير وهو يتمتم بجدية
"تكلم بني ، لقد اقلقتني"

بقيت (صفاء) على جمودها وهي تشتعل بنيران الرهبة والتوجس مما سيطلبه من والدها فهذا الشخص لا تستطيع ان تأمن له بالخير ابدا ، ليقول بعدها من حرك حدقتيه جانبا بهدوء بالغ وهو يلوح بالمنشورات بيده
"المشكلة هي بأنني لا استطيع توزيع المنشورات على مكاتب المنطقة المقصودة بعشر دقائق فقط وهذا سيؤخذ مني وقتاً طويلاً ، وانا احتاج لكل دقيقة بالعمل من اجل ان انجز ما تبقى لدي من مهام أخرى ، وانت تعلم ايضا بأني لا استطيع تأجيل وقت توزيع المنشورات فقد تأخرنا عليهم بما فيه الكفاية"

حرك (جلال) رأسه بتفكير عميق وهو يقول بهدوء
"انت على حق بكلامك ، ولكن كيف سنحل هذه المشكلة فالوقت امامنا ضيق جدا"

تنهدت براحة وقد بدأت تلين ملامحها المشدودة ما ان تبين بأنه امر لا يخصها بشيء وليس لها علاقة به ، بينما قال (جواد) فجأة بحزم مريب
"الحل هو بأنني احتاج لمساعدة رفيق معي ليوزع نصف المنشورات بالمكاتب الموجودة بمنطقة معينة وانا اتكفل بالمناطق الأخرى ، لنستطيع الانتهاء من العمل على الوقت بدون ان يؤخذ منّا وقتاً طويلا"

رفعت رأسها بسرعة بوجل بدون صوت وهي تنظر له بحنق مشتعل فهي متأكدة بأنه كان يقصدها بكلامه ويريد ان يورطها معه لتساعده بمهامه فقد اصبحت تفهم جيدا طريقة تفكيره المراوغة بمكر ، لتتلاقى بعدها عينيها العسلية الحانقة مع عينيه السوداء الهادئة للحظات وهو ينظر لها بتركيز شعرت به ينفذ لروحها ليزهقها بين يديه بقوة وبدون اي رحمة وكأنه يتحداها ان تتكلم بخصوص هذا الأمر .

اخفضت نظراتها بضعف ما ان صدح صوت (جلال) وهو يقول بجدية صارمة
"أليس هناك احد من العاملين لديه وقت ليذهب معك ويساعدك ، او انتظر انا سأطلب منهم الحضور ومساعدتك....."

قاطعه (جواد) وهو يقول بابتسامة هادئة بغموض
"لا داعي لفعل ذلك يا سيد جلال ، فمنهم من لم يأتي للعمل بعد ومنهم من وصل لعمله الآن ولا يجد الوقت لأحد"

تغضن جبين (جلال) بتفكير عميق وهو ينظر حوله بهدوء لتقع نظراته على ابنته والناظرة للأسفل بجمود ، ليقول بعدها بابتسامة حنونة وهو يربت على كتف ابنته بخفة
"ابنتي صفاء تستطيع مساعدتك ، فهي تعلم جيدا ما عليها فعله وقد استلمت مهمة توزيع المنشورات اكثر من مرة وبمناطق مختلفة ، لذا هي ستكون افضل رفيق لك"

انتفضت المقصودة بالكلام وهي ترفع وجهها لوالدها بارتباك وقد حدث ما كانت تتوقعه تماما ، لتهمس بعدها بجزع مرتعش
"ولكن يا ابي أليس هناك احد غيري ليستلم هذه المهمة...."

عاد (جلال) للكلام وهو ما يزال يربت على كتفها بقوة قائلا بثقة بالغة
"اذهبي معه يا ابنتي فهو يحتاج للمساعدة ، وانتِ افضل من يساعد بهذه الأمور ، ولا تخافي من جواد فأنا اعرفه جيدا فهو شخص محترم وشريف ومجتهد جدا بعمله ولن يمسكِ بسوء"

فتحت (صفاء) شفتيها اكثر من مرة وهي تحاول صياغة كلام منطقي لتتهرب من هذه المهمة والتي سقطت عليها من العدم ، لتقول بعدها بابتسامة شاحبة بارتباك
"ولكنك تحتاج لمساعدتي يا ابي بالأوراق وبالختم ، ولا تستطيع فعل كل شيء لوحدك"

قال (جلال) بابتسامة متسعة بتغضن وهو يربت على رأسها بحنية
"لا تقلقي من هذه الناحية فأنا استطيع إكمال عملي لوحدي فهو ليس بالشيء الصعب ، واساسا لم يتبقى لدي سوى القليل وانهي عملي هنا"

عبست ملامحها بارتجاف وهو يغلق عليها كل السبل بوجهها للنجاة منه ، ليقطع عليها تفكيرها صوت (جواد) وهو يقول بجفاء خافت
"هل ستذهبين معي يا آنسة صفاء لأوصلكِ للمنطقة والتي ستوزعين بها المنشورات ، ام اني اثقل عليكِ كثيرا بهذه المهمة"

اومأت برأسها بالإيجاب بهدوء بدون اي كلام وهي تنظر لنظرات والدها الحانية بفخر ، لتتحرك بعدها بتثاقل وهي تتحامل على نفسها لتنهض عن المقعد ببطء وهي تلتقط حقيبتها لتضعها فوق كتفها بهدوء واجم .

سارت باتجاه (جواد) والذي سبقها بالخروج لتقول عندها وهي تلتفت بوجهها فقط نحو والدها وبابتسامة صغيرة بحنية
"وداعا يا ابي"

لتغادر بعدها خلف (جواد) بسرعة قبل ان تخرج من بناء دار النشر بأكمله ، لتلمحه بعدها من بعيد وهو يشير لها لسيارته لتصعد معه قبل ان يركب هو بمقعد السائق ، تحركت من فورها بخطوات متعثرة باتجاه سيارته قبل ان تفتح الباب لتجلس بجانب مقعده تماما بصمت .

شغل بعدها بلحظات السيارة ليتحرك بها بعيدا بهدوء دام للحظات ، بينما رفعت (صفاء) رأسها بحذر وهي تعطي نفسها حرية التنقل بنظرها بسيارته الرائعة من الداخل كما بالخارج وهي تصنف من السيارات الرياضية عالية الجودة ، وكم تمنت دائما لو تحصل على رخصة قيادة ومعها سيارة رائعة شبيهة بها لتستطيع عندها مسابقتها مع الريح وبكل الاماكن والتي حلمت بالذهاب لها بطفولتها والاستمتاع بمنظر السيارات و المركبات والتي تحاول اللحاق بها بدون جدوى مثل سباق حيّ ، ولكنها تبقى مجرد احلام يقظة كما كانت تقول (ماسة) عندما تسخر من امنياتها الطفولية ، ولكن ليس لها سوى التخيل والعيش بعالمها الوهمي والذي ليس له وجود سوى بمخيلتها الواسعة .

امتعضت ملامحها ما ان قال (جواد) مخترقا غمامة شرودها الحالم
"ماذا ، أهذه أول مرة ترين بها سيارة بحياتك"

عضت على طرف شفتيها بحنق فها هو قد عاد للسخرية منها مجددا كالعادة ، لتدير بعدها رأسها للنافذة بقوة وهي تقول باستياء
"لا ليس هكذا هو الأمر ، ولكني لم اعتد على ركوب سيارات عصرية وحديثة مثل سيارتك ، فوالدي يملك سيارة قديمة واما شقيقي فهو لا يسمح لي بركوب سيارته والتي هي لا تقارن بجمال سيارتك"

حدق بها بغموض ليرفع عندها حاجبيه بحيرة واجمة وهو يستمع لمديح عن سيارته لأول مرة يسمع مثله فلا احد بهذه الأيام يهتم بمدح سيارة موجودة شبيهة لها بكل الطرقات ، تغضن عندها جبينه بغضب وهو يشعر بحركتها المستمرة بريبة وهي تحرك عينيها نحوه بين الحين والآخر ويديها مضمومتان بارتباك واضح اجهد تفكيره ، ليقول بعدها بنفاذ صبر وهو يشدد من قبضتيه على عجلة القيادة
"توقفي عن هذا ، وتكلمي ماذا تريدين"

نظرت له بتوجس من انفعاله المفاجئ لتنكمش عندها عند زاوية مقعدها وهي تهمس بإحراج مرتبك
"كنتُ اريد ان أطلب منك فقط ، إذا كنت لا تمانع ان تفتح لي زجاج النافذة بجانبي"

حاد بنظراته نحو النافذة بوجوم قبل ان يضغط على الازرار بجانبه بقوة ليفتح عندها قفل النافذة ويبدأ بالنزول آلياً ، لتتسع عينيها العسلية بحماس وفرح طفولي قبل ان تُخرج ذراعها من زجاج النافذة بحذر لتحرك كفها بانسيابية مع هواء الصباح العليل والذي يمزج الدفء مع البرودة ، بينما كان (جواد) يراقبها بين الحين والآخر بدون ان يمنع ابتسامة زحفت لشفتيه بتصلب لأول مرة تخرج بهذا الاتساع وسعادة غريبة احتلت كل ملامحه فجأة بدون إرادة منه وكأنها تستطيع التحكم بمزاج الشخص وتغييره حسب تصرفاتها وتقلباتها بطبيعتها العفوية والتي تؤثر على الآخرين بسحر .

_____________________________
طرقت على الطاولة امامها بمقدمة قلم الرصاص بيدها برتابة هادئة وهي تشرد بعيدا عن صوت الاستاذ والذي ملئ صوته القاعة بأكملها بقوة حضوره ، لتخفض بعدها نظرها بعبوس للورقة والتي هبطت امامها بسلاسة فوق سطح الطاولة بهدوء .

رفعت (غزل) كفها لتلتقط الورقة المطوية امامها قبل ان تفتحها بهدوء لتظهر الكلمات المدونة امامها بوضوح
(هل انتِ متفرغة بعد هذه المحاضرة ، لأني ارغب بالخروج معكِ إذا لم يكن لديكِ مانع)

اخفضت الورقة من امامها وهي تتلفت من حولها بتركيز بحثاً عن صاحب الرسالة ، لتقع نظراتها على الشاب الوحيد والذي كان يبتسم لها بوقاحة وهو يغمز لها بجرأة واضحة بدون ان يعير احدا انتباها ، عبست ملامحها بتجهم وهي ترفع الورقة امام عينيه لتمزقها لنصفين بدون ان تهتم لنظراته والتي تحولت لاستنكار غاضب .

عادت بنظرها للأمام بهدوء بعد ان ألقت بالورقة بعيدا لتلمح بعدها بثواني ورقة أخرى هبطت فوق سطح المكتب بنفس الطريقة ، لتقبض بعدها على كفيها باقتضاب وهي تلتفت لنفس الجهة لتراه مجددا على نفس الوضعية وبنفس الابتسامة البلهاء ، وما ان كانت على وشك الإمساك بالورقة امامها حتى تدخلت يد اخرى وهي تسبقها بإمساك الورقة .

انتفضت بعدها بسرعة واقفة بجزع وهي تنظر للأستاذ والذي كان يفتح الورقة بأصابعه الطويلة بصمت مريب ارهبها ، بينما كانت (غزل) تنظر له بعينيها العسلية المخضرة بتوجس وقلق من المكتوب بالورقة والذي اكيد سيقضي على مستقبلها الدراسي .

كان (هشام) ينظر بجمود للمكتوب بالورقة بيده بتصلب هادئ استطاع إتقانه امام طلابه والذين حلّ عليهم الصمت فجأة مترقبين بحماس ما سيجري الآن عندما يمسك الاستاذ بأحد الطلاب المشاغبين بالمحاضرة
(لا تظني بأنكِ بهذه الحركة سترهبينني ، فأنتِ تعجبينني بكل حالاتكِ ولن اتوقف قبل ان احصل على اهتمامك)

بعد قراءة هذه الكلمات تجعدت الورقة بداخل قبضته لتختفي معالمها تماما ، بينما انفرجت شفتيّ (غزل) بانشداه مرتجف وهي تنظر للورقة المسكينة والتي اختفت بداخل قبضته وملامحه تحولت لجمود بارد غير معبر عن شيء وبعيدا عن ملامح البشاشة والتي كان يتحلى بها بالمحاضرة .

قطع الوجوم والمحيط من حولهم صوت (هشام) وهو يخفض قبضته قائلا بتصلب حاد
"كيف وصلت هذه الورقة لكِ ، ومن صاحب هذه الرسالة"

اخفضت نظراتها للأسفل بصمت وهي تعض على طرف شفتيها بارتباك ممتعض من الموقف والذي وضعت به بوقت لا تحسد عليه ، وهي حتى الآن لم تعلم ما لذي كان مكتوب بتلك الرسالة والتي اكيد لا تتضمن كلام رائع ؟ لو تعلم فقط كيف يفكر بها الآن بعد تلك الرسالة الوقحة والتي ستقلل من مرتبتها وقيمتها عنده اضعاف .

اعاد (هشام) كلامه وهو يقول بنفاذ صبر وقد بدأت التمتمات بالخروج من حولهما تدريجياً بريبة
"ما لذي اصابكِ يا غزل ، هل اصبتِ بالصمم"

عبست ملامحها بضيق وهي على وشك الصراخ بوجهه بأن يتوقف عن إهانتها وامام جميع طلاب قسمها وقد اصبحت اضحوكتهم بسببه ، وهي لا تعلم لماذا دائما كل المواقف المحرجة والمخزية تحدث امامه تحديدا من بين الجميع ؟

قالت بعدها بلحظات بخفوت مشتد ممتعض
"لا اعلم"

عقد حاجبيه بجمود متصلب يخفي من خلفه الكثير وهو يبعد نظره باتجاه الطلاب من حوله وقد بدأت تصله همساتهم الساخرة مع نظراتهم المتجهة نحوهما بفضول مرتقب ، لتتحول ملامحه بلحظات لصرامة مشتعلة وهو يضرب بقبضته على الطاولة امامه بقوة رجت بالقاعة بأكملها ودبت الرعب بأوصال الواقفة امامه بتشنج قبل ان يتبعها بصوته الحازم المحتد وهو يقول بأمر
"كفى لا أريد سماع اي كلمة ، وألا قسما بالله بأن ادخل معكم المادة بأكملها بالاختبار القادم ، وقد اعذر من انذر"

ساد الصمت فجأة بكل إرجاء القاعة برهبة وصوت الاستاذ يتردد بالقاعة بصدى مهيب والوجوم يلوح بالأفق بينهم وعلامات السخط والضيق واضحة على ملامحهم ، بينما كانت (غزل) تبتلع ريقها بحشرجة مؤلمة وهي تشعر باختناق غريب بالأجواء القاتمة من حولها عادة ما يصيبها عندما تشعر بالضغط من حولها وهذا الذي يحدث معها اكبر ضغط تتعرض له بحياتها .

تجمدت اطرافها ما ان عاد (هشام) للكلام وهو يقول بخشونة محذرة
"اسمعوا ما سأقوله لكم جيدا لأني لن اعيده مرة اخرى ، إذا تكررت هذه الأفعال امامي مرة أخرى بوقت المحاضرة ولمحت اي ورقة تطير هناك او هناك فلا تلوموا عندها سوى انفسكم ، هل هذا مفهوم"

شدد على آخر كلماته بصرامة وهو ينظر للطلاب الصامتين من حوله بوجوم ، ليقول بعدها ببرود وهو يستدير بعيدا عنهم بهدوء
"لقد انتهت المحاضرة الآن ، وسنكمل الشرح بالمحاضرة القادمة من حيث توقفنا ، حظاً موفقاً"

بدأ الطلاب بالتحرك بسرعة وكأنه قد افرج عنهم اخيراً ليبدأوا بالخروج من القاعة واحداً تلو الآخر ، لتتحرك بسرعة الجامدة بمكانها وهي تقوم بتحضير حقيبتها لتضعها فوق كتفها وهي تستعد للمغادرة قبل ان يوقفها بآخر لحظة صوت (هشام) وهو يعطيها ظهره قائلا بجفاء بارد
"غزل اتبعيني ، اريد التكلم معكِ"

زفرت انفاسها باضطراب وهي تحك جبينها بكفها بانفعال غاضب ، بينما سار (هشام) بعيدا عنها وهو يسبقها لخارج القاعة ، شددت من الإمساك بحزام حقيبتها لثواني بتشبث قبل ان تتبعه بسرعة لخارج القاعة وهي تسير باهتزاز مرتبك مما هي مقدمة عليه الآن .

وقفت خلفه بخارج القاعة بعد ان قل عدد الطلاب المتواجدين بالممرات ، وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقها الذي كان يعطيها ظهره وهو يقول بغموض بارد
"ألن تخبريني الآن بالشخص والذي ارسل لكِ هذه الرسالة"

رفعت حاجبيها بوجوم وهي تفكر بحنق بالذي يدور برأسه ولما كل هذا الاصرار ليعرف من صاحب الرسالة ؟ همست بعدها بلحظات بخفوت حزين
"اخبرتك بأني لا اعلم...."

استدار نحوها بقوة وهو يقول بتفكير ساخر
"لما تحاولين اخفاء الحقيقة عني ، هل تخافين عليه مني لهذا لا تريدين قول اسمه امامي"

امتقعت ملامحها وهي تتنفس بحدة من كل هذا الجدال العقيم من اجل شخص لا يستحق حقا كل هذا الاهتمام ، كانت ترغب بإخباره بالحقيقة وإراحة نفسها منه ولكنها تعلم جيدا بأنها بهذه الطريقة ستزيد على نفسها وجع رأس من صاحب الرسالة والذي لن يتركها وشأنها بعد ان توشي به وهي لا ينقصها ان تزيد رصيدها اكثر من كره الآخرين لها اكثر مما هي عليه .

اشاحت بوجهها بعيدا عنه بحنق وهي تقول بحدة بالغة
"ارجوك استاذ هشام توقف عن اعادة نفس السؤال عليّ فهذا ليس من حقك ابدا ، وايضا لقد اجبتك على سؤالك بالفعل واكثر من هذا لا املك لأخبرك به"

تصلبت ملامحه للحظات قبل ان يحرك رأسه بهدوء قائلا باستياء
"حسنا كما تريدين ، ولا بأس سأهتم انا بهذا الموضوع بدلا عنكِ"

تنفست الصعداء قبل ان تنظر له بارتياب وتوجس ما ان سمعت آخر كلماته وهي لا تفهم بماذا يفكر ولما يحمل الموضوع اكبر من حجمه ؟ لتعبس بعدها ملامحها بتشنج ما ان عاد للكلام قائلا بتذكر وهو يرفع قبضته باتجاهها
"بالمناسبة ، هذه لكِ إذا كنتِ ما تزالين ترغبين بقراءتها"

نظرت لكفها المفرودة وهو يضع الورقة المجعدة بداخل راحة كفها ببساطة ، ليستدير بعدها بهدوء دام للحظات قبل ان يسير بعيدا عنها بصمت مريب ، وما ان اختفى عن نظرها حتى فتحت من فورها الورقة المجعدة والتي تمزقت قليلا من ثناياها قبل ان تتسع عينيها بوجل وهي ترى ما كانت تتوقعه تماما واسوء بكثير ، وهي لا تعلم بأي وجه ستنظر إليه الآن بعد ان قرأ هذه الكلمات والتي جعلت وجهها يتلون باحمرار الخزي والاحراج بدون ان تمنع نفسها من لعن حظها والذي يورطها دائما بمثل هذه المواقف مع استاذها الصارم والذي لا يتوقف عن إحراجها والسخرية منها بكل مرة تقابله بها ؟

_____________________________
كان الصمت رفيقهما الثالث بطريق العودة بالسيارة لا يقطعه سوى بعض الشهقات الخافتة من الجالسة بجانب السائق وهي على هذه الحال منذ اصطدامها به عند مدخل بناء المدرسة بل بالأحرى منذ خروجها من عند غرفة مكتب مديرها العابث والذي تبين بأنه لم يوظفها عنده سوى لأغراض دنيئة لم تكن تعلم عنها وهي تخرج من مكتبه محملة بأذيال الخيبة وانعدام الكرامة والتي لم يتبقى لديها اي ذرة منها .

بينما كان (احمد) يشدد من القبض على عجلة القيادة بتصلب حتى ابيضت مفاصل اصابعه وهو لم يفهم للآن ما لذي اصابها وما سبب وصولها لهذه الحالة الغريبة ؟ وهو يراها لأول مرة بكل هذا الذبول والانهيار والذي لم يراه عليها من قبل وكل ما استطاع تخمينه هو بأنها قد خسرت وظيفتها بتلك المدرسة المشبوهة ، ولكن مع ذلك هناك امور أخرى حدثت معها اوصلتها لما هي عليه الآن فهو متأكد بأن خسارة الوظيفة ليست بهذه الأهمية بالنسبة لفتاة عاشت كل حياتها بعالم الشقاء والعمل لتحصل على يقوت يومها .

زفر انفاسه بكبت وهو يتذكر ارتجاف جسدها المخيف بين ذراعيه وكأنها تبث به تعب السنين دفعة واحدة وهي تتمسك به بتشبث مثل التعلق بطوق نجانها الوحيد او هكذا تهيؤ له ، تصلبت ملامحه بغضب مما يحدث معها ومعه فقد كان كل ما يريده ويفكر به هو الوصول لها بعد ان اكتشف من الخدم رحيلها من المنزل هي وشقيقتها بدون علم احد وهو الذي لم يراها او يلمحها بعد المشادة والتي حدثت بالحفلة لتنتهي بكارثة حقيقية دمرت سعادتها الأولى بحضور اول حفلة لها .

قال (احمد) بتصلب هادئ وهو ينظر للطريق امامه بتركيز
"كيف تشعرين الآن ، هل تحسنتِ"

كانت شاردة بعيدا عنه لثواني بغمامتها الخاصة قبل ان ترفع رأسها نحوه بحيرة ، ليعيد بعدها السؤال على اسماعها وهو يشير بكفه لأذنه لتستمع له جيدا
"لقد كنتُ اقول لكِ ، كيف تشعرين الآن"

رفعت كفها وهي تمسح على خديها بارتجاف قبل ان تهمس ببهوت
"بخير ، شكرا لك"

حرك رأسه باتزان وهو يقول بتفكير عابس
"إذاً هل تستطيعين ان تخبريني الآن عن سبب حالتكِ هذه ، ام اخمن لوحدي فقد مللت من التفكير بالأمر بدون ان احدد السبب الحقيقي لكل ما حدث معكِ"

تنفست بهدوء وهي تحاول تجميع كلامها المشتت برأسها لتخرج بجملة مفيدة تنقذها مما هي فيه الآن ، لتقول بعدها بلحظات بهدوء خافت
"الأمر بأني قد خسرتُ وظيفتي بالمدرسة"

عقد (احمد) حاجبيه باستياء وقد كان يتوقع مثل هذا الكلام ولكنه يريد لما بعده فهو يعلم بأن هناك المزيد مما تخفيه عنه خلف انهيارها ، ليستحثها بعدها بالكلام اكثر وهو يقول بتباطء جاف
"وايضا ماذا حدث"

زمت شفتيها بحزن ما ان تذكرت ما حدث بعدها وكأنه يقرأ افكارها ويعلم جيدا ما دار بينها وبين المدير بغرفة مكتبه والذي لا ترغب بتذكر شيئاً عنه ولا التكلم عنه وألا فستفقد ما تبقى لديها من كرامة امام هذا الشخص ، قالت بعدها بصرامة شاحبة وهي تنظر بعيدا عنه
"لم يحدث شيء غير اني طردتُ من العمل فقط"

تجمدت ملامحه بعدم رضا وهو يحرك فكه بغضب ليقول بعدها بابتسامة ساخرة غير معبرة
"وهل كل هذا الانهيار والذي قدمتيه امامي بسخاء من اجل خسار وظيفة بمكان حقير كذاك ، عليكِ اصلا ان تسعدي بتخلصكِ من ذلك المكان المشبوه والذي لا يناسب مقامنا ابدا"

اتسعت عينيها الخضراء الشاحبة بصدمة وهي تتلقى إهانات واحدة تلو الأخرى لتطعنها بقوة بدون اي رحمة وكأنه ينقصها مزيد من الإهانات غير إهانات ذاك المدير الحقير لتكتمل مع كلماته ، قالت بعدها بانفعال غاضب وهي تقبض على كفيها بقهر
"اجل انت على حق اعلم بأنني بالغت كثيرا بانهياري من اجل وظيفة لا تسوى شيء امامك ، ولكن عليك ان تعلم بأن هذه الوظيفة لطالما كانت تؤمن لنا يقوت يومنا وعيشنا عليها حتى انني كنتُ اخبئ جزء من راتبها والذي احصل عليه بعيدا عن زوج والدتي لكي لا يستولي عليه كاملا ولا يبقي لنا شيئاً منه ، وبعد ان تشوهت سمعتنا لم يعد هناك اي مدرسة تتشرف باستقبالي وتوظيفي بها ، لذا هذه المدرسة كانت الخيار الوحيد المتبقي لي لأعمل بها واجمع المال لنعيش عليه انا وشقيقتي ونبني عليه احلامنا المستحيلة ، ولكن كيف سيفهم امثالكم مثل هذا الكلام والبعيد جدا عن حياتكم المرفهة بدون تجربة شعور النقص والجوع والشقاء بالحياة والخوف المستمر من خسارة الملجئ الوحيد والذي نعيش عليه منذ سنوات"

كان (احمد) يتنفس باقتضاب حتى انه حاد عن الطريق اكثر من مرة وهو يكاد يصطدم بالسيارات السريعة من حوله ، ليتوقف بعدها على قارعة الطريق بهدوء تام وهو يشعر بانقباض حاد احتل صدره من نبرة صوتها الحادة بمرارة والذي يقص عليه واقع حدث معها حقيقة وبدون ان يتدخل اي احد منهم ليصلوا لهذه الحالة المنحطة والتي لا تناسب مقام عائلتهم العريقة .

قال بعدها بلحظات بوجوم بارد
"ولكنكِ الآن قد عدتِ لعائلتك المرفهة والتي لن تشعري فيها بأي نوع من النقص ، ولا داعي للعودة لحياة الشقاء والتعب مادام كل شيء تريدينه سيكون موجودا بعالمكِ انتِ وشقيقتك"

حركت رأسها بعيدا عنه وهي تهمس بلا مبالاة متعمدة شبيهة بنبرة شقيقتها
"شكر لك على هذا العرض المتأخر ، ولكني لا اريد سوى العيش بسلام انا وشقيقتي فقط بعيدا عن كل من نبذنا بحياتنا ولم يعترف بوجودنا بوقت كنا بأمس الحاجة إليه"

تغضن جبينه بمرارة قبل ان يندفع نحوها بثواني بعد ان فقد السيطرة على اعصابه وهو يكبلها من ذراعيها بقوة ليهزها منهما قائلا بانفعال حانق
"توقفي عن تكراري نفس الكلام ولومي انا بكل شيء وكأنني انا من كنتُ املك الحق برفض وجودكما ام لا ، فقد كنتُ مثل الجميع اطيع اوامر والدي وما يقوله ينفذ بدون اي كلام ، لذا توقفي عن تعذيبي بتحميلي الذنب بمعاناتكِ بما حدث فهذا كثير عليّ"

ارتعشت بارتجاف وهي تنظر له بتوجس وقلق من تغير حاله المفاجئ هكذا ، فهل يعقل بأنها قد بالغت بكلامها وسخطها لهم حتى اخرجته عن هدوئه المعتاد ؟ تنهد بعدها بهدوء وهو يخفف من قبضتيه على ذراعيها تلقائياً ليقول عندها باستياء خافت
"لما رحلتِ عن المنزل بدون ان تخبريني ، ألهذه الدرجة لا تطيقني حتى تفكرين بالهروب مني ومن المنزل بأكمله"

ارتفع حاجبيها بانشداه من تفكيره بالأمر وهي تهمس بابتسامة حزينة
"لا ليس انت السبب ، فقط قررتُ ان ارحل عن المنزل من اجل ألا اسبب لكم المزيد من المشاكل ، يكفي الأذى والذي سببته لكم بحفلة شراكة العمل الخاصة بوالدك والتي انهارت بسبب ذلك الشخص والذي اشبعته ضربا بسببي ، وانا حقا اعتذر عن كل الذي حدث بتلك الحفلة"

عقد حاجبيه بتفكير للحظات قبل ان يبتسم باتساع وهو يقول بهدوء واثق
"لا تقلقي يا روميساء ، فأنتِ لستِ السبب بإنهاء هذه الشراكة والتي كانت ستنهار على كل حال ، فقد كان والدي يسعى لأنهائها بالحفلة والتي اقامها من اجل هذا الأمر لكي يستطيع تلقين شريكه درسا وفضحه امام كل العالم"

اتسعت ابتسامتها تلقائياً بملامحها الشاحبة وهي تهمس بخفوت حزين
"حقا ، لقد ارحتني كثيرا بهذا الكلام"

اومأ برأسه بقوة وهو ينظر لها بتركيز ليفلت بعدها ذراعيها بهدوء قبل ان يمسك بكفيها من على حجرها وهو يضمهما معا بين يديه المتصلبتين ، ليقول بعدها بجدية صارمة وهو ينظر لعينيها الحائرتين باستدارتهما
"روميساء اعلم بأن ما سأطلبه منكِ غريب بعض الشيء ولكن سيكون الحل لكل مشاكلنا وسنستطيع التعادل عندها ، وإذا وافقتِ سأضمن لكِ حياة مريحة لكِ ولشقيقتك ومنزل لوحدكما فقط ووظيفة محترمة بمدرسة عريقة ، وستقدرون على تحسين صورتكما امام الناس والتي تشوهت من قبل بدون ان تعيشي بأي ذل او هوان بعد الآن ، فقط اجيبِ على طلبي هل تقبلين بالزواج بي يا روميساء الفاروق لأحقق لكِ كل هذه المطالب"

انفرجت شفتيها بصدمة مشدوهة وهي ترمش بعينيها عدة مرات بعدم تصديق لما سمعته اذنيها الآن وإذا كان جاد حقا بكلامه وسيحقق لها كل هذه الأحلام والتي لطالما كانت بعيدة المنال عنها ، لتحاول بعدها سحب كفيها من بين يديه وهي تقول بوجل شاحب
"ما هذا الكلام يا احمد ، انسيت بأنك متزوج...."

قاطعها (احمد) وهو يشدد على كفيها بقوة حتى سمعت صوت طرقعة اصابع كفيها ببعضهما وهو يقول بإصرار وحزم
"لا تفكري بكل هذا الآن ، وفكري بطلبي فقط هل تقبلين بالزواج بي من اجل ان تعيشي الحياة والتي كنتِ تحلمين بها من قبل وبين طبقة اجتماعية مرموقة وبسمعة نظيفة"

سكنت عن الحركة تماما وهي تشعر بكل شريط حياتها يمر امام عينيها بلحظة واحدة بداية بمراهقتها البائسة والتي دخلتها بعمل وشقاء وذل لتحصل على بعض القروش قبل ان تصل بالنهاية للعمل معلمة بمدرسة وضيعة ليكون الثمن بها غاليا جداً والذي اهدر كل كرامة متبقية لديها ، وهي الآن قد اصبحت مثل الورقة اليابسة بمهب الريح لا تملك اي شيء تؤمن به حياتها مع شقيقتها الصغرى والتي كانت دائما تعدها بوعود كثيرة ومنها هو العيش بعيدا عن الجميع بمنزل لوحدهما فقط لتسقط الوعود واحدة تلو الأخرى بدون ان تحقق اي شيء منها حتى شعرت باليأس من تحقيقها .

اخفضت نظراتها الخضراء الشاحبة لقبضتيه المعانقة لكفيها الصغيرين ، لتقول بعدها بخفوت متجمد وكل ما تفكر به هو التعلق بأي يد تمد نحوها لتخلصها مما هي فيه الآن ومن الوضع والذي حوصرت به
"انا موافقة بشرط ان تحقق لي كل مطالبي"

نهاية الفصل وبانتظار آرائكم بفارغ الصبر ❤❤


الساعة الآن 11:35 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.