آخر 10 مشاركات
201- أغنية كي يرحل - ليز فيلدنغ (الكاتـب : Gege86 - )           »          شهم الطبايع يا بشر هذا هو الفهد *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          165 - حورية التلال - نيرينا هليارد - ع.ق (الكاتـب : وردة دمشق - )           »          رواية ميدوسا ابنة الظلام (الكاتـب : نادين لطفي♕ - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          576 - ضائعة فى الحب - ميشيل ريد - قلوب عبير دار النحاس ( كتابة/كتابة )** (الكاتـب : samahss - )           »          [تحميل]الباسمة / للكاتبة روتيلا ، مصرية ( pdf) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          وريف الجوري *مكتملة* (الكاتـب : Adella rose - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 89 89.00%
جيد 11 11.00%
سيء 0 0%
المصوتون: 100. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9931Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-21, 12:24 AM   #1

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,350
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Rewitysmile8 لاجئ في سمائها...


{{..لاجــــــــ في سمائها ــــــــئ..}}













السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

*بدايةً أشكر منتدى روايتي الذي أتاح لي نشر ما خطت يداي على أمل أن تنال اعجابكم*

هذه تجربتي الأولى لكتابة رواية وربما ستكون الوحيدة...لم أكن سابقاً من زمرة القراء لكن من فترة لا بأس بها اتخذت هذه الخطوة وبدأت أغوص في هذا العالم الجميل الراقي... مما جعلني أشعر أن بإمكاني التجربة حتى لو بقيت كلماتي أسيرة لمسودة متروكة على الرف...نبتت الفكرة منذ سنة وسببها ما يعانيه عالمنا العربي من ضياع وشتات وهجرة ,فاردت رسم حُلم ,ألونه ببسمة أمل ولمسة حب.
ترددت كثيرا في نشرها لبساطتها وفي النهاية قررت المجازفة...!!!

أرجو أن تتجاوزوا عن أخطائي النحوية او الاملائية وأرجو أن تنال استحسانكم فأنا لست بكاتبة محترفة وكلماتي بسيطة جدا في التعبير...فما زلت أتعلم منكم وأتمنى أن تفيدوني بنقدكم البنّاء لأتقدم....
وأعتذر سلفاً ان اضعت وقتكم بما لا يرقى لعقولكم....

!!==توضيح==!!

1-الرواية هي خليط من درامي واجتماعي ورومانسي

2-هي على لسان البطل وكأنها على دفتر يوميات يروي لنا الأحداث باللغة الفصحى (سرد وحوار)

3- هي بجزء واحد لكن يوجد قفزات في الزمن فالفصول الأولى (الاول-الخامس) مرحلة الطفولة وما بعدها مرحلة الشباب والخاتمة فقط قصيرة وستكون بإذن الله مرحلة التقدم في العمر

4- الرواية كاملة من وحي الخيال ولا تمت للواقع او لأي شخص بصلة وان كان تشابه بالأسماء فهو عن طريق الصدفة

5- الرواية لا تتحدث عن بلد معين اطلاقاً ولخيالكم القرار فسيكون تعريف الأماكن بـ " بلاد الأم او الوطن" و"تلك البلاد او خارج البلاد"

6-ربما تجدون موقف مستوحى من تقارير عن معاناة اللاجئين لكنني غيرته بطريقتي!!

7-لم اقرأ رواية تتحدث عن اللاجئين والحرب عند كتابتي لها فاذا وجد تشابه بالفكرة سيكون أيضا صدفة وتداعي أفكار

(*الاهداء*)
الى كل بلدٍ عاشت حرباً
الى كل رجل هُدمَ له بيتاً
الى كل روحٍ زُهِقت غدراً
الى كل أم ذرفت الدمع قهراً
الى كل طفلٍ عانى تشرداً ويُتماً
الى كل امرأة ترملت جوراً وظلماً
الى كل شخصٍ ترك وطنه مُرغماً
صبراً أيها اللاجئ فإن بعد العسرِ يسراً


** المقدمة **

حرب ...خيانة...موت...هجرة ...ضياع...انهيار...حب...قوة...سي? ?رة...استقرار...أمان

"احترس يا صديقي"

"تحملي يا اختي"

"هيا أطلق الآن"

"إدفعي بقوة"

آااه......آااه

بين آهٍ وآه موت أو حياة!!
***
* هل الحضن الدافئ لا يُنسى وكان كفيل ليشعرها بالآمان ويغنيها عن ثروة بأكملها؟!

* يهاجر ليلجأ الى بلدٍ تحميه من غدر أبناء وطنه...

* كان يظن أن اللجوء هو فقط خيمة او مأوى وسيتركه يوماً ما ليعود الى بلاده وبيته...لكنه غرق بلجوءٍ آخر، فأينما ذهب ومهما حاول الاستقرار بقي يحمل اسم لاجئ ....لأنه.....لاجئ في سماءها

ومن بحر الألم إلى شاطئ الأمل حكاية لجوء...



ملاحظاتي :
*لم انجح في رفع صور الابطال والغلاف وارجو المساعدة من الاشراف

* الرواية ليست حصرية لمنتدى روايتي

* سأقوم بتنزيل الفصل الأول الآن وبعدها في كل يوم جمعة سأنزل فصل الساعة الثانية عشر من منتصف الليل بتوقيت السعودية باذن الله....


ارجو ان لا تلهيكم عن الصلاة في وقتها وذكر الله

***********




روابط الفصول


المقدمة .. اعلاه
الفصل الاول.. في المشاركة التالية
الفصل الثاني.. اسفل الصفحة

الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ج1
الفصل الخامس ج2
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون ج1
الفصل الثاني والعشرون ج2
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
تتمة الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الثامن والثلاثون ج1
الثامن والثلاثون ج2
الفصل التاسع والثلاثون ج1
الفصل التاسع والثلاثون ج2













التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 25-03-24 الساعة 09:10 AM
ألحان الربيع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-21, 12:44 AM   #2

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,350
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول((أصبحت رجلاً))

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة ومع سماع دويّ الانفجارات القادمة من كل الاتجاهات التي تفرضها الحرب اللعينة , يصدح صوت القران من بيتنا الجبليّ الكبير الدافئ الذي يملأه الحب والأمان , وفي غرفتها الواسعة بزرابيّ خمريّة تغطي أرضها الرخامية تستلقي على فراشها الوثير متململة ....تحرك رأسها بقوةٍ على جانبيها متألمة, تتأوه, تستغيث أمي (عائشة) وهي منتظرة قدوم مولودها....
تمسك بيدها خالتي ( مريم ) وبالأخرى جدتي والدة أبي لتهدئتها من أوجاعها وصرخاتها....
ومن خلف الباب الخشبيّ الضخم المرصّع بنقوشاتٍ نحاسية الذي كان بمثابة درعٌ واهنٌ لم يمنع أسهم الصرخات من اختراق آذاننا أنا وشقيقتي المدللة ( دنيا) إبنة الثماني سنوات....نرتقب الحدث بقلق, احتضنها وأمسّد على شعرها الترابيّ الناعم لأخفف من بكائها وخوفها على والدتنا ...أمسك كتيّب للأدعية اقرأ منه راجيّاً من الله السلامة لها وللصغير....
وكذلك الخدم , جميعنا في حالة بلبلة...
مضت ساعات شاقّة وأمي لم تُنجب بعد....

~~~~~~~~~~~~~~

على الجهة المقابلة بعيداً عنّا قرب الحدود...غيوم سوداء كثيفة اثرَ الدخان المتصاعد الذي يتخلله زخات من الرصاص ...يتواجد مجموعة من الثوار الأحرار الذين تعاهدوا أمام الله أن يكونوا حماة للوطن والدين حتى آخر قطرة دم في أجسادهم ...اجتمعوا لنصرة الحق بقيادة والدي (محيي الدين الشامي) فإما النصر أو الموت في سبيله....

{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ }

اسمهُ لمعَ في عالم الثوار , فارسٌ زعزعَ الأعداء وفضّ مضاجعهم بدهائه الحربيّ....حيثُ يمرُ يقف له الناس إحتراماً من هيبته التي لم يسمح قط للغرور بالمرور جانبها, انما زيّنها بتواضعه وأخلاقه والتزامه في دينه....
يعطي تعليماته لأصدقائه في كتيبته بدقةٍ واحترافية.....

-" احترِس يا صديقي...

استعِد....

هيا اطلق الان...."

طلقة من هنا قابلتها طلقات من هناك لتصيبَ صديقه (زياد) في بطنه...

"آاااه...آااه..."

اندفع أبي نحوه بأنفاس لاهثةٍ وجبينٍ يتصبب عرقاً...يسحب جسده الغارق بالدماء على التراب حتى وصل الى العشب الكثيف يواريه من انظارهم ...يخبئه بحذر وينتظر وقف إطلاق النار ثم همس له:

" تمالك يا صديقي أرجوك.."


" آااه...يؤلمني..."


مرّت دقائق قليلة حتى اختفى ضجيج الأسلحة فحمله على ظهره ودماؤه تسيل , يحاول الركض علّه يسعفه قبل فوات الأوان....
قطع مسافة لا بأس بها وهو يتجه صوْب المشفى الميداني خاصتهم....
حاول اختصار الطريق قدر الإمكان ....
رَغم برودة الطقس والهواء الذي يلفحهم إلا أن حبيبات العرق لزمته من شدة قلقه عليه وهو يسمع انّاته التي تعتصر قلبه....
إعتاد على هذه المناظر والمواقف خلال خوض معاركه...لكن عندما نرى الموت يقترب ليختطف المقربين منا تنهار حصوننا ...فها هو أحد أصدقائه المخلصين الداعمين لمسيرته يشارف على فقد حياته....

أسرع في خطاه عندما لمح دنوهِ من مقرهم العسكري....
دقات قلبه تزداد ...رئتيه تنتفخ تضغط على صدره...لكن لا مناص وهو مصمم على إنقاذه حتى لو لفظ بِنَفْسِهِ أنفاسه الأخيرة...كيف سيترك رفيق دربه وهو من آزره بأصعب أيامه ؟؟!!...


" آااه لا أتحمل سوف أموت...."


زاد بخطواته يصارع الدقائق التي تفصل صديقه عن موت محقق ...وقع جهاز اتصالاته غير مكترث له ...يجري ويجري ليتعثر بعدها بحفرةٍ صغيرةٍ غادرةٍ لم يبصرها والظلام دامس فالقمر تحجبه السحب المدججة بالأمطار المدمجة بالدخان ليقعا معاً وتعلو صرخات (زياد) تخترق فؤاد أبي قبل أذنيه....
دنا منه زاحفاً مع أن طاقته نفذت...وأنفاسه قُطِعت ...حلقه جف...يشعر بالإعياء الشديد بعد استنزاف قوته...ليبثّ السكينة له :


" بقِيَ القليل ونصل المقر...ستعيش بإذن الله..."


شخص بصره للسماء المظلمة وابتلع ريقه بصعوبةٍ ...وضع يده على صدره الذي خفّت حركته تدريجيّا ...
فمدّ له ذراعه يفكّ الوشاح المُلَثِّم وجهه يكشفه ليتفقده...وجاهد لكتم عبراته أمامه لئلا يضعفه ويجعله يستسلم لحتفه...

فاضت الدماء بعد أن وجدت طريقها للخروج من فمه ليلفظ كلماته بشقِّ الأنفس:

" إذهب ...أنت ...يا...يا صديقي...واتركني ...فـ فـ فـالوطن يحتاجك...آاه"


ضغط على شفتيه يوقف ارتجافها وابتلع ريقه هامسا بنبرة مخنوقة:

"مستحيل لن أتركك..."


" آااه...أشـ هدُ أن لا إله إلا ...إلا الله..."

هي آخر آه حملتها روحه عبرت حلقومه يستقبل بها الموت....

~~~~~~~~~~~~~~~~

أمّا في بيتنا بين آهات أمي يظهر القلق والارتباك على خالتي وجدتي التي تدعو بخفوت:

" يارب هوّن على عائشة وأعِد إلينا محيي الدين سالماً.."

تحمل خالتي (مريم) منديلاً تمسح به جبهة أمي الغارقة بقطرات الماء وتهمس لها تدعمها :

" تحملي يا أختي وقولي يا رب..."

تشدّ بقبضتها على يد أختها ...تقلصات بطنها كطعنات تغرز بها...لا تستطيع السيطرة على حركتها ...تحاول كتمان صرخاتها...من يخفف عنها ويريحها ؟! تستمع لتوجيهاتها دون ان تقدر على تطبيقها ليخرج من رحمها ...تغمض عينيها وتعض شفتها السفلى ...داخل صدرها بالون ينتفخ يضغط على أنفاسها...جدتي تتمتم بآيات تسكنها ...لا أحد يشعر بما تواجه في معركتها ...تحاول وتحاول ولكن لا ألم يوازي آلام المخاض....


القابلة من تحت الغطاء تتفقد وضعها ...توجهها وتطلب منها بعناء:

" ادفعي بقوةٍ أكبر...لم يتبقى إلا القليل..."


" آااه يااا رب...."


خرجت هذه الآه وجاءت روح إلى الحياة ...

تبسمت القابلة تزفر أنفاسها وتمسح جبينها بظهر كفّ يدها بعد الجهد الذي بذلته وتنهدت قائلة وهي تحمله تلفه بالقماش القطني الأبيض وتنظفه:

" ها قد أتى وليّ عهدٍ آخر ...الحمد لله على سلامتكما"


" هل هو بخير؟!"

سألتها أمي بصوتٍ متعبٍ لتطمئن على صغيرها غير آبهة بوضعها...


" نعم بخير وإنه كالبدرِ في ليلته الرابعة عشر"


هتفت بعدها جدتي والسعادة تغمرها متناسية تعب اليوم والليلة:

" حمداً لله...جعله الله من الصالحين"


كنتُ في الخارج أحملُ شقيقتي (دنيا) وأدور بها مبتهجاً بعد سماعي بكاء الصغير وتمتمات الفرح المنتشرة في الداخل...
دلفتُ إلى الغرفة أهنئ أمي بسلامتها ثم طلبتُ منها تسميته.
ومع أن تقاسيم وجهها شاحبة، مرهقة، يغزوها التعب إلا انها رسمت بسمتها بحنوٍّ لطلبي هامسة:

"سَمِّهِ يا (هادي) وأذّن في أذنهِ...."


لم أصدق نفسي...دنوتُ من القابلة أحملُ أخي بحذر بين ذراعيّ أتأمله واستنشق رائحته ...كم حجمه ضئيل هذا المخلوق ويا لها من سعادة هذه أول مسؤولية أتولّاها بمفردي...أحسستُ وكأنني رجلٌ بالغٌ كبيرٌ وأنا لم أتجاوز الخمسة عشر عاماً....
أحنيتُ رأسي بقرب أذنه وبدأت بترديد الآذان سائلاً الله تعالى أن يقرّ أعين والديّ به...

بعد عَوْمي في شعور الرجولة هتفت متحمساً:

"شادي...سأسميه(شادي) لأنه يشدو ببكائهِ في أنحاء البيت..."

صمتُّ برهةٍ وأردفتُ باعتزاز مازحاً:

"هادي وشادي ...ثنائي عظيم"

ضحكت أمي وتَبعنها جدتي وخالتي وكذلك القابلة التي أطرأتني بكلماتها:

" حماك الله يا سيد هادي...إنك تمتلك صوتٌ شجيٌّ جميل"

أضافت خالتي:

"إنه حافظ لكتاب الله مع إتقان تجويده...لقد ورث عن والده حُسنَ الصوت والشكل"

تحفّزت جدتي وقالت:

" وكذلك شجاعته وذكاءه ودماثة أخلاقه...ليحفظهما الله"

إكتسى وجهي بالحمرةِ خجلاً من هذا المديح رَغم معرفتي بذلك...فأنا نسخة مصغرة عنه في الشكل ...طويل وعريض المنكبين ببشرةٍ قمحيةٍ...أملك شعراً أسوداً ناعماً وعيناي بلون الأرض الترابية المضاءة بأشعة الشمس... واسعة , تكحّلها رموشي السوداء الكثيفة...وبالطبع ما زلت في مرحلةِ نموٍ ونضوج....
علمني أبي على الشجاعة والثقة بالنفس ودائما كان يحاول غرز مكارم الاخلاق بي وأدخلني حلقات القرآن....

ساعات عشناها كانت خليط من التوتر والسعادة بقدومِ صغيرنا(شادي)...

مع دقات الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عمَّ الهدوء في الخارج لِيُسمع فقط صوت قطرات متفرقة من المطر تلامس الأشجار والأسطح....


" الحمد لله ...اللهم اجعله صيباً نافعاً وهدوء خير للجميع "

هذا ما نطقت به أمي.

كنتُ أقف بهذا الوقت على شرفةٍ مغلقةٍ بالزجاج... أغوص متأملاً تلألؤ حبات الماء من انعكاس نور المصابيح الخارجية بمنظرٍ أعشقه....

فجأةً انقبض قلبي لينطق لساني:

"يارب لطفك ورحمتك التي وسعت كل شيء"

توجهتُ بعدها إلى غرفة المعيشة الخاصة بالعائلة وأشعلتُ التلفاز لأتابع آخر أخبار الحرب على الحدود...الحمد لله لقد توقف تبادل إطلاق النار...أغلقته مطمئناً وذهبت إلى غرفتي لأخلدَ للنوم بعد يومٍ وليلةٍ مُرهقتين...

~~~~~~~~~~~~~

في مدينة أخرى جانبية تبعد عن الحدود كيلومترات قليلة...
وتحديداً في مرآب شركته الفخمة حيث غرفة التجمع السرية، يلقي هاتفه عاصفا بمن امامه دون تصديق صارخاً:

"كيف؟! كيف؟!...هلّا أخبرتماني؟!"


ابتلع أحدهما ريقه يتحاشى نظرات الثائر مقابلاً له وأجاب بصوتٍ أجش:

" لا نعلم سيد (سليم)...هذا ما وَصَلَنا حاليّاً"


وثبَ من مكانه كأسدٍ هائجٍ وأشار بسبابتهِ هاتفاً بصرامة:

" لا اريد رؤية وجهيكما قبل أن تأتياني بخبرٍ مؤكد!!"


ألقيا التحية وانصرفا بعجلةٍ تفاديّاً من إعصاره....

~~~~~~~~~~~~~

قصرٌ كبيرٌ بطلائه الأبيض ونوافذه المأخوذة من الطراز المغربي في العاصمة التي لا تفرّق ليلها عن نهارها بأنوارها الصاخبة وحركة شوارعها الحيّة...يجلس على كرسيه الجلديّ الفاخر في مكتبه المؤثّث بأفخم المتاع الذي سلب ثمنه من خزائن الدولة...يسند رأسه للخلف ..يمسك هاتفه مقهقهاً يجري مكالمة لبلادٍ خارجيّة يبشّره بآخر المستجدات:

"لقد تمّ الأمر بنجاح صهري...نريد الحلوان"

أنهى محادثته بعد دقائق زافراً أنفاس ألنصر هامساً لنفسه بصوته الغليظ:
"وأخيراً سننعَم بالاستقرار..."

~~~~~~~~~~~~~

خارج الوطن في بلادٍ يفصلها عنا أميال وأميال من مياه البحر، مدينة كبيرة تجمع أناس من شتّى بقاع الأرض ...لوهلةٍ تظنّها العاصمة من كثرة الإقبال عليها وأهميتها الاقتصادية الحيوية لهذه الدولة لوقوعها على البحر...يتطرفها مخيمات للاجئين من مختلف الجنسيات ...منهم من طُرِد ومنهم من هرَبَ للنجاة من الاعتداءات الغاشمة على بلدانهم ومساكنهم...
يتوسط هذه المدينة أحياء خاصة للأغنياء مكتظة بالقصور والبيوت الحديثة...ومن بينهم قصرٌ ضخمٌ بطابعه الهندي، محاط بالأسوار الشاهقة المزروعة بآلات المراقبة الأمنية.
أَسواره الغرور...أساسه الخيانة....جدرانه النفاق.. طلاؤه دماء الأبرياء....
يقطنه وزير سابق لبلادنا يدعى (عاصي رضا) الذي استقرّ به منذ ثمانية أعوام بعد أن رحل من موطنه...
قصره أشبه ببيتِ العنكبوت...هشّ، ضعيف، برباطٍ غير متين

{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}

يعيش معه ابنته الوحيدة المدللة (ألمى) ذات الثمانية أعوام وزوجته الثانية (سوزي) معها ابنها (كرم) ذو العشرة أعوام من زوجها الأول، والسيدة(فاتن)شقيقة زوجته الأولى المتوفاة منذ خمس سنوات.

تتفتل في القصر بخفةٍ كالفراشة... تتدلل على خالتها تارةً والمربيّة تارةً أخرى...فغداً عطلة نهاية الأسبوع ويمكنها فعل ما تشاء...

" خالتي...خالتي...ألن تشاهدي معي كرتون(سالي)؟!"

هتفت (ألمى) بصوتها العذب الطفولي...

فردت عليها خالتها (فاتن)بنبرة استياء مصطنعة:

"اوه صغيرتي...لو علمت أنك ستلتصقين بي كالعلقة لأشاهده معك يومياً لما أخبرتك بذلك."

عبست بدلال لتستعطف خالتها وهمست بمكر:

" يكفي أن أبي لم يوافق على تسميتي باسمها مثلما أرادت أمي...على الأقل لأستمتع بمشاهدته...لا أدري من أين حصل على اسمي هذا؟!"

ضحكت المربية وقالت بحنان:

"اسمك جميل بنيتي ومعناه رائع...فأنتِ فعلاً أتيتِ كالروح لهذا البيت"

قطبت حاجبيها وزمّت شفتيها بامتعاض وقالت:

" ما فائدته إذا كان معناه (الروح) وهو ليس باسمٍ عربيٍّ؟!...نحن لسنا إسبان ليسميني به."

تبسمت خالتها وأردفت:

" توعّك والدك يوماً وهو في إسبانيا ورقد أياماً بالمشفى وأشرفت على علاجه طبيبة تدعى ألمى وكانت والدتك حاملاً بكِ فوعدها بتسمية ابنته باسمها امتناناً لها."

تأففت ثم سرعان ما تحوّلت ملامحها للمرح...فهي هكذا لا تستطيع العبوس أكثر ...هذا ليس من طبعها ...قلبها نقيّ مسامح ...رغم ما عانته وتعانيه....

اقتربت من خالتها تمسك يدها تهمس برجاء:

"هيا خالتي أرجوك لنشاهده معاً"

هزّت رأسها محوقلة بهمسات دافئة مبتسمة وقامت من مكانها تضع القرص المدمج في الجهاز، منصاعة لصغيرتها لتشاهد مسلسلها المفضل للمرة المئة بعد الألف من وقت معرفتها أنّ أمها كانت ستسميها بـ (سالي) لشدة الشبه بينهما...
أطفأن النور في غرفة الجلسات العائلية ثلاثتهن ليبدأ العرض على الشاشة بعد أن شرّطت عليها لتكون حلقة واحدة فقط لأن الوقت قاربَ على منتصف الليل....
×
×
×
تململت في فراشها وفتحت عيناها النجلاء تتمطّى بنعومةٍ في صباح عطلتها وفجأة تذكرت وعد أبيها لها باصطحابها إلى مدينة الألعاب في هذا اليوم....
فزّت بسرعةٍ تدخل الحمام تغسّل وجهها وتنظف أسنانها ثمّ بدّلت منامتها لملابس الخروج...اعتادت على الاهتمام بنفسها وكأنّها فتاة بالغة رغمَ براءتها وصغر سنّها...حملت مشطها وركضت متجهة لغرفة خالتها لتسرّح لها شعرها الذي لا تستطيع هي جمعهُ بنفسها من طوله وكثافته.... وما إن انتهت من تسريحه اندفعت خارجة على صوت من تركتها خلفها مبتسمة لتصرفاتها:

" هيــه ألمى خذي مشطك..."


"لاحقاً خالتي لاحقاً"


نظرت للمشط بيدها وتمتمت بقلقٍ على ابنة شقيقتها:

" آه إلى أين ستصلين باندفاعك هذا عزيزتي؟!"


هبطت درجات السلّم برشاقتها متجهة إلى مكتبه في الأسفل وفتحت الباب تطلّ برأسها إلى الداخل تهتف بدلال:

"صباح الخير يا أجمل...."

اخفضت عينيها دون أن تكمل جملتها عندما رأت كرسيه فارغاً ولا أثر لحقيبته...عادت أدراجها تنكس رأسها بحزنٍ بعد أن اختفى حماسها... تخطو ببطء...تنظر إلى نقشات الأرض الرخاميّة الذهبيّة شاردة ...تريد إجابات لأسئلتها المبعثرة في دماغها...لِمَ دائماً العمل في سلّم أولوياته؟! لِمَ يعتقد أن الهدايا تسدّ عن غيابه؟! لِمَ هي كالغصن المقطوع من شجرة لا أقارب لها ولا أصدقاء ولا أخوة؟!...حتى زميلاتها لا يسمح بتبادل الزيارات بينهن...لِمَ ولِمَ ولا إجابات!!!

رفعت رأسها تسترق السمع بعد أن قطع تساؤلاتها صوت يأتي من الخارج في حديقة القصر...

خرجت بحذر تمسك فستانها كي لا يلامس الأرض ...وقع نظرها على ابنتيّ احدى العاملات في القصر تلهوان سويّاً...تفتحت أساريرها مبتهجة وانطلقت نحوهما كأنهما سقطتا من السماء هذه اللحظة لتجد من تلعب معه!!
جحظت أعينهما وهي تقترب منهما من فخامة لباسها مثل أميرة من أميرات ديزني الخاصة بأفلام الكرتون، فهمست برقةٍ تليق بجمالها وأناقتها:

" هل تسمحان لي باللعب معكما؟"

حدّجتا بها باستغراب...يا الله كيف لهذه الأميرة أن تكون بهذا التواضع ؟ لا وبل تستأذن منهما وهي سيدة القصر...لم تُمهلانها طويلاً فردّتا معاً:

"بالتأكيد"

تبادلن الأسماء وأخذن باللعبِ بسرور ومضى وقت لا بأس به حتى قتلت هذه اللحظات السعيدة من تقف تضع يدها على خصرها كالساحرة الشريرة في الحكايات ترميها بنظرات شزراً صارخة:

"ألمـــــــى...ماذا تفعلين هنا مع الخادمات؟!"


ابتلعت ريقها وأجابت بصوتٍ مرتبك هادئ:

"ألعب معهما خالة سوزي"


"من سمح لك بذلك؟! أنسيتِ أنك ابنة عاصي رضا ؟!"


صُهِرَ قلبيهما بعد أن رمتهما بحممٍ بركانية بتنمرٍ وعنصرية وولّتا مدبرتان إلى والدتهما، أمّا (ألمى) التي اشتعلت غيظاً من زوجة أبيها هتفت بقوةٍ لا تدرك من أين أتتها او ربما كرهها للظلم واحتياجها للأصدقاء ألهمها على ذلك:

" غنى وجنى صديقتاي في القصر وسألعب معهما"


" لا أصدقاء لكِ...أدخلي العبي في غرفتك"


صرخت بعناد:

"كلا...أريد أن العب معهما"


انقضّت عليها كالثور المصاب بصرع ...تمسكها من ذراعها وتسحبها بفظاظة إلى الداخل مستغلّة اعتصام خالتها هذه الأوقات في غرفتها وصرخت بها:

"أيتها الوقحة تعاندينني أنا؟!...سأخبر والدك بذلك"


" لا...لا...أنا آسفة...أرجوكِ لا تخبريه."

قالت جملتها تعلن استسلامها لظلم (سوزي) زوجة أبيها الامرأة الخبيثة الحقودة ...فهي متوسطة الجمال الذي معظمه من المساحيق وعمليات التجميل...تغار من (ألمى) لجمالها الذي ورثته عن أمها ولاهتمام (عاصي رضا) بها فإنها خط أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه...تتربع على عرش قلبه...يفعل المستحيل لحمايتها....
كانت تلك تستغل انشغاله بأعماله ...تهددها وتخوّفها مدّعية بأن والدها سيطرد خالتها (فاتن) إذا علم بتصرفاتها هذه معها...

خالتها(فاتن) هي الحضن الدافئ والنور لظلامها هي نقطة ضعفها...كرّست حياتها للاهتمام بشقيقتها ومن ثمّ بابنتها...ليست جميلة الشكل لكن صفاء روحها وتواضعها وحكمتها تترك اثراً جميلاً لكل من خالطها....
لم تخبر ولا تحدّث أحداً بمعاملة زوجة أبيها لها خوفاً من فقدان خالتها...فهي لا تستطيع المجازفة بها لو كلّفها حياتها لأنها هي الأمل بحياتها مع أنها فتاة شفافة صادقة لا تكتم شيئاً في داخلها....
لقد تزوج (عاصي رضا) بعد وفاة زوجته مباشرةً حيث كان يرسم لذلك سابقاً رغم حبه وعشقه للأولى...لكن الجشع فاق كل المعايير، فـ(سوزي) هي ابنة أحد أبرز أصحاب المناصب الكبيرة الذين يخدمون مصالِحه...

دخلت (ألمى) غرفتها مكسورة الخاطر بعد شجارها مع زوجة أبيها وحرمانها من اللحظات التي أسعدتها...تنقمُ على حياتها...تشعرُ أنها انسانة مبرمجة لتعليمات الآخرين...تفكرُ بقريناتها في المدرسة كيف ينعمن بكامل الحرية...لو كان الأمر بيدها لبدّلت ثروتها بصديقةٍ تحبها....
تراكمت الهموم عليها فأجهشت بالبكاء...

طرقات متتالية على الباب حاولت اخفاءها بصمّ أذنيها تحت مخدتها لا تريد رؤية أحد هذه الساعة...فليتركوها وشأنها...ألا يحق لها حتى في غرفتها أخذ حريتها من دون برمجتهم اللعينة؟!...هل تذهب الى المريخ ليرتاحوا منها ؟! ...لكن يبدو من على الباب يصرّ... ولمّا لم يسمع ردّها دفعه مصمماً لإغاظتها وهذا أكثر ما يغذي أنانيته كوالدته الأفعى...
اقترب منها يلوح بيده التي تحمل اللعبة وهتف باستفزاز:

"انظري ماذا جلبت لي أمي"

رفعت عينيها المحتقنة بالدموع تنظر بألمٍ وحزنٍ ليس لأنها تريد لعبة فغرفتها مرصوصة بالألعاب ...بل لشدة احتياجها لحضن يحميها دون تردد لأم تقاتل العالم من أجلها... أشاحت وجهها عنه بكبرياء ...لا تريد أن ينال مبتغاه...امّا هو كان مصرّاً فأردف ساخراً:

" أمي تحبني وتفعل لي ما أريد وترافقني حيثُ أشاء..."

أطلق ضحكاته يحرك حاجبيه باستفزاز وأضاف:

" أما أنتِ والدك مشغول دائماً ولا يهتم بكِ...كنتِ بالأمس تتبجحين علينا بذهابك إلى مدينة الملاهي...مسكينة ألمى..."

حسناً هي لا تستطيع مواجهة والدته الأفعى لكن هذا الغليظ لن يمنعها عنه أحد...حسمت قرارها بعد أن لم تعد تتمالك نفسها وانقضّت على لعبته المتباهي بها وألقتها بعرض الحائط تكسرها...نظر لأشلاء لعبته مصدوماً ونفخ أوداجه ومد ذراعيه يشدّها من شعرها بغلٍّ وهي تحاول عضّه بأسنانها وتغرز أظافرها بيديه صارخة:

" اتركــــني...اتركـــني"



"كـــــــرم!!"

صرخت خالتها به بعد أن دخلت تتفحص مصدر الأصوات بالقرب من غرفتها...حاولت فضّ نزاعهما وأردفت بنبرة حادة:

"ماذا تفعل في غرفتها ؟!...أخرج ولا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى"


تقف بخبثٍ على الباب تشاهد بصمت حتى تختار اللحظة المناسبة لتتدخل ثم صاحت بحقد:

"ابني يدخل أينما يشاء...هذا قصر والدته وأنتِ دخيلة هنا"


"سأترك لك القصر الكئيب لتشبعي به...لقد سئمت منكم"


"خذيني خالتي أرجوكِ...لا أريد البقاء من دونك"

هتفت (ألمى) بتوسل بعد أن سمعت قرار خالتها(فاتن)

خطَت ببطء اتجاهها وابتسامتها لا تفارق مُحيَّاها ...جثت أمامها القرفصاء تضم كفيها الصغيران بقبضتيها وهمست بصوتٍ حنون:

" عزيزتي ألمى هذا بيتك ...أنت تبقين أينما يتواجد والدك"

لمعت عيناها وقالت بعتاب:

"أين هو أبي؟ أنا لا أراه!! يأتي متأخراً ويذهب باكراً...أرجوكِ خذيني"


" أعدك سآتي لزيارتك والمربية (سهيلة) ستهتم بكِ...اطمئني"

اخفضت رأسها الى الأسفل خضوعاً واستسلاماً ورفعت كفها الصغير تمسح دمعة انزلقت من عينها ثم اولتهم ظهرها وارتمت بجسدها النحيل على فراشها تدثر نفسها به وتتمتم بحسرةٍ مخنوقة:

"اذهبي خالتي...أنا اعلم لا أحد يحبني"


"لا يا صغيرتي...أنا احبك ووالدك يحبك وكذلك الخالة سهيلة تحبك ...ألا نكفي؟!"

همست لها برقةٍ ودنت منها تقبّلها وقالت بحماس لتغير مزاجها:

"هيا الحقي بي الى غرفتي سأعطيك شيئاً كنتُ أخبئه لكِ ريثما تكبرين...لكنني قررت اعطاءه لك الآن..."

قفزت (ألمى) متناسية آلامها كعادتها ,خاصة بعد أن غلبها فضولها وهتفت متحمسة:

"ماذا ستعطيني؟"

ابتسمت لبراءتها وأجابت:

" قلت الحقي بي وستعرفين"

ثم سبقتها تمرّ من جانب (سوزي) تخرج من الباب ترمقها باشمئزاز...

~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أن أنهى عمله في شركته توجّه مجدداً الى الغرفة السرية بمرآبها ...ينتظر دحض الخبر من رجليّه اللذين لم يعودا منذ البارحة....
رفع هاتفه يجري اتصالاً سريعاً للمقر على الحدود لكن لا إشارة بسبب تشويشات بالخطوط الأرضية بعد ان تعرضت تلك المنطقة لعدة غارات أدت الى تلفها...
زفرَ أنفاسه المحبوسة طوال اليوم ماسكاً صدغيّه بكفيْه متمتماً بصوته الجهوري:

" يا رب ألّا يكون هذا صحيحاً يا صديقي..."

كان في هذه الغرفة أريكة جانبية قصَدَ الاستلقاء عليها ينتظر مجيء رسوليّه بالخبر اليقين...
غطّ بنومٍ عميقٍ دون إدراك لساعتين بعد أن جافاه ليومين كاملين...

استيقظ على حركة مقبض الباب ففزّ من مكانه بجسده الضخم واتجّه لفتحه بلهفةٍ...
ارتخت اطرافه عنوةً وجرّ قدميه يرتمي مجدداً على اريكته هروباً مما سيسمع بعد أن رأى ثلاثة وجوه شاحبه لا تبشّر في الخير...القى الرجل الثالث الذي رافقهما ليعطيه الحقيقة الصادمة بنفسه وهو من أصدقاء الثوار ومساعدهم على الصعيد الإعلامي والمعنوي دون الخوض بالمعارك:

" البقاء لله اخي (سليم)...إنا لله وإنا إليه راجعون"

امتقع وجهه وابتلع ريقه وبالكاد أخرج صوته بتحشرج يردّ:

"نسأل الله أن يخلفنا خيراً منه"

~~~~~~~~~~~~

غزلت لنا الأيام اسبوعاً كاملاً بعد ولادة شقيقي(شادي) منتظرين قدوم والدي من الحدود بفارغ الصبر...
كان آخر ما وصلنا منذ يومين أن الوضع مستقر في تلك الجهة الغربية على الحدود ولا مناوشات من الخصميْن مما جعلنا نطمئن عليه خصوصاً بعد اعلامنا من السيد (سليم الأسمر) ان انقطاع مكالماته معنا سببه تدمير شبكة الاتصالات الأرضية...
توقُّف إطلاق النار جاء بالتزامن مع توقُّف الامطار الغزيرة التي اغرقت البلاد ...امطار كانون اول...وكأنّهما اتفقا معاً ليعيدا لنا الحياة في مدينتنا الجبلية الخضراء بأشجارها معلنان عن افتتاح مدارسنا بعد اغلاق دام اسبوعين كاملين بفعل الحرب والطقس...
في هذا اليوم بالذات لم يزرني النوم بعد صلاة الفجر من شدة حماسي...ليس فقط لاشتياقي لمقاعد الدراسة ولقاء أصدقائي...إنما لخروجي للحريّة بعد ان كنتُ حبيس البيت وضقت ذرعاً بين حكايات النساء وبكاء شقيقي ودلال شقيقتي المفرط ودون ممارسة أيّ من هواياتي في الخارج...
استعددت مرتديّاً زيّ المدرسة الرسمي الخاص بالثانوية , أمّا الكسولة (دنيا) كانت خالتي تسّرح لها شعرها الترابي المموج وهي مسترسلة بنومها...
حملتُ لها حقيبتها وسحبتها من يدها لأوصلها لمدرستها في طريقي بعد أن تعذّر على سائقنا الخاص الحضور لظرف صحي...

"هيـــه هادي..."

التفتُّ إلى يساري بعد خروجي من البوابة الحديدية الضخمة الخاصة ببيتنا شبيه القلعة عند سماعي صفير ومناداة لاسمي...فكانا (سامي وأحمد) ينتظراني ليرافقاني للمدرسة...

"صباح الخير...ما هذا النشاط؟!"

القيتُ تحيّة الصباح متفاجئاً لوجودهما في هذا الوقت المبكر لأنهما آخر من يدخلان المدرسة بسبب كسلهما ولا مبالاتهما...

ضحك سامي وأشار نحوي هاتفاً:

"انتبه ستقع شقيقتك وهي تغفو متكئة على يدك"

احنيتُ رأسي فوجدتها متشبثة بكفي وتركنُ وجنتها عليه مستمرة بنومها...
ابتسمت ومسّدت وجنتها هامساً:

"دنيا أفيقي..."

اقترب (سامي) بمكرٍ يجثو أمامها ويهزّها على غفلةٍ لتجفل شاهقة وكأنّ دلو ماء بارد أريق عليها وسط قهقهاتهما فزجرت به مؤنباً:

" ماذا فعلت أيها الغليظ؟!...كدت توقف قلبها؟؟"

قال مستنكراً بتهكم ضاحكاً:

"تلك المدللـه يتوقف قلبها؟؟؟!!"

تشبثت أكثر بساقي ترمقه بنظراتٍ ناريةٍ من عينيها العسليّتين وتخرج لسانها بحقدٍ طفوليٍّ فاستقام بوقفته يمطّ ذراعيه للأعلى مضيفاً على تهكمه:

"هيه أنتما الاثنان ألا تتحملان مزاحاً؟!"

ونظر إلى (أحمد) مشيراً بسخريةٍ مصطنعة يتابع عرضه:

"أعان الله من سيتزوج بشقيقته فلسانها طويل ستنغّص عليه عيشته, هذا إن لم يغَلّفها بعبوةٍ من شدة حرصه عليها ويحتفظ بها كالخيار المخلل في أحد أرفف مطبخهم العريق..."

تفحّصت ساعة يدي وضربته بقبضتي على كتفه آمراً بجديّة:

"كفاك ثرثرة...هيا سنتأخر بسببكما"


(سامي) هو أعزّ صديق وتوأمي الروحي رغمَ اختلاف شخصياتنا الظاهر للعيان...
أنا أتّسمُ بالجدّ أسير على خطٍ ثابتٍ وهو بشخصية متقلبة حسب الظروف المحيطة به, أوقات يخيّل لنا أنه يعمل مهرّجاً على مسرح وتارةً يكون بمئة رجل وكأنه ضابطاً بالشرطة...

في اليوم الثاني من المدرسة دقّت عـ قا رب الساعة السابعة صباحاً ودقَّ معها باب البيت بقوةٍ لِتدقّ قلوبنا أملاً بقدوم الغائب أبي وعودته سالماً لنا...
كنتُ أنا الأسرع بينهم من شدة شوقي ولهفتي له, أريد معانقته واخباره عن كل شيء حصل معنا منذ غيابه...
فالعلاقة التي تجمعنا ليست مجرد أب وابنه...نحن كالأشقاء والأصدقاء وأكثر...

فتحتُ الباب وقبضت به جيداً من قوة اهتزازه وجميعهم خلفي...رياح عاتيّة تصطدم بأجسادنا...تلفح وجوهنا...ترفرف ملابسنا...تحاول اقتلاع جذورنا...
وقفنا مذهولين كأنّ على رؤوسنا الطير...أصنام بلا روح...قلب بلا نبضات لرؤية من يقف أمامنا...

فأدركت أنني أصبحتُ رجلاً...


**********( انتهى الفصل الأول )**********

5maha, bobosty2005, Msamo and 10 others like this.

ألحان الربيع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-21, 12:44 AM   #3

Mini-2012

? العضوٌ??? » 456252
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,978
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Lebanon
?  نُقآطِيْ » Mini-2012 is on a distinguished road
¬» مشروبك   water
¬» اشجع ahli
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
الفصل الأول((أصبحت رجلاً))

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة ومع سماع دويّ الانفجارات القادمة من كل الاتجاهات التي تفرضها الحرب اللعينة , يصدح صوت القران من بيتنا الجبليّ الكبير الدافئ الذي يملأه الحب والأمان , وفي غرفتها الواسعة بزرابيّ خمريّة تغطي أرضها الرخامية تستلقي على فراشها الوثير متململة ....تحرك رأسها بقوةٍ على جانبيها متألمة, تتأوه, تستغيث أمي (عائشة) وهي منتظرة قدوم مولودها....
تمسك بيدها خالتي ( مريم ) وبالأخرى جدتي والدة أبي لتهدئتها من أوجاعها وصرخاتها....
ومن خلف الباب الخشبيّ الضخم المرصّع بنقوشاتٍ نحاسية الذي كان بمثابة درعٌ واهنٌ لم يمنع أسهم الصرخات من اختراق آذاننا أنا وشقيقتي المدللة ( دنيا) إبنة الثماني سنوات....نرتقب الحدث بقلق, احتضنها وأمسّد على شعرها الترابيّ الناعم لأخفف من بكائها وخوفها على والدتنا ...أمسك كتيّب للأدعية اقرأ منه راجيّاً من الله السلامة لها وللصغير....
وكذلك الخدم , جميعنا في حالة بلبلة...
مضت ساعات شاقّة وأمي لم تُنجب بعد....

~~~~~~~~~~~~~~

على الجهة المقابلة بعيداً عنّا قرب الحدود...غيوم سوداء كثيفة اثرَ الدخان المتصاعد الذي يتخلله زخات من الرصاص ...يتواجد مجموعة من الثوار الأحرار الذين تعاهدوا أمام الله أن يكونوا حماة للوطن والدين حتى آخر قطرة دم في أجسادهم ...اجتمعوا لنصرة الحق بقيادة والدي (محيي الدين الشامي) فإما النصر أو الموت في سبيله....

{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ }

اسمهُ لمعَ في عالم الثوار , فارسٌ زعزعَ الأعداء وفضّ مضاجعهم بدهائه الحربيّ....حيثُ يمرُ يقف له الناس إحتراماً من هيبته التي لم يسمح قط للغرور بالمرور جانبها, انما زيّنها بتواضعه وأخلاقه والتزامه في دينه....
يعطي تعليماته لأصدقائه في كتيبته بدقةٍ واحترافية.....

-" احترِس يا صديقي...

استعِد....

هيا اطلق الان...."

طلقة من هنا قابلتها طلقات من هناك لتصيبَ صديقه (زياد) في بطنه...

"آاااه...آااه..."

اندفع أبي نحوه بأنفاس لاهثةٍ وجبينٍ يتصبب عرقاً...يسحب جسده الغارق بالدماء على التراب حتى وصل الى العشب الكثيف يواريه من انظارهم ...يخبئه بحذر وينتظر وقف إطلاق النار ثم همس له:

" تمالك يا صديقي أرجوك.."


" آااه...يؤلمني..."


مرّت دقائق قليلة حتى اختفى ضجيج الأسلحة فحمله على ظهره ودماؤه تسيل , يحاول الركض علّه يسعفه قبل فوات الأوان....
قطع مسافة لا بأس بها وهو يتجه صوْب المشفى الميداني خاصتهم....
حاول اختصار الطريق قدر الإمكان ....
رَغم برودة الطقس والهواء الذي يلفحهم إلا أن حبيبات العرق لزمته من شدة قلقه عليه وهو يسمع انّاته التي تعتصر قلبه....
إعتاد على هذه المناظر والمواقف خلال خوض معاركه...لكن عندما نرى الموت يقترب ليختطف المقربين منا تنهار حصوننا ...فها هو أحد أصدقائه المخلصين الداعمين لمسيرته يشارف على فقد حياته....

أسرع في خطاه عندما لمح دنوهِ من مقرهم العسكري....
دقات قلبه تزداد ...رئتيه تنتفخ تضغط على صدره...لكن لا مناص وهو مصمم على إنقاذه حتى لو لفظ بِنَفْسِهِ أنفاسه الأخيرة...كيف سيترك رفيق دربه وهو من آزره بأصعب أيامه ؟؟!!...


" آااه لا أتحمل سوف أموت...."


زاد بخطواته يصارع الدقائق التي تفصل صديقه عن موت محقق ...وقع جهاز اتصالاته غير مكترث له ...يجري ويجري ليتعثر بعدها بحفرةٍ صغيرةٍ غادرةٍ لم يبصرها والظلام دامس فالقمر تحجبه السحب المدججة بالأمطار المدمجة بالدخان ليقعا معاً وتعلو صرخات (زياد) تخترق فؤاد أبي قبل أذنيه....
دنا منه زاحفاً مع أن طاقته نفذت...وأنفاسه قُطِعت ...حلقه جف...يشعر بالإعياء الشديد بعد استنزاف قوته...ليبثّ السكينة له :


" بقِيَ القليل ونصل المقر...ستعيش بإذن الله..."


شخص بصره للسماء المظلمة وابتلع ريقه بصعوبةٍ ...وضع يده على صدره الذي خفّت حركته تدريجيّا ...
فمدّ له ذراعه يفكّ الوشاح المُلَثِّم وجهه يكشفه ليتفقده...وجاهد لكتم عبراته أمامه لئلا يضعفه ويجعله يستسلم لحتفه...

فاضت الدماء بعد أن وجدت طريقها للخروج من فمه ليلفظ كلماته بشقِّ الأنفس:

" إذهب ...أنت ...يا...يا صديقي...واتركني ...فـ فـ فـالوطن يحتاجك...آاه"


ضغط على شفتيه يوقف ارتجافها وابتلع ريقه هامسا بنبرة مخنوقة:

"مستحيل لن أتركك..."


" آااه...أشـ هدُ أن لا إله إلا ...إلا الله..."

هي آخر آه حملتها روحه عبرت حلقومه يستقبل بها الموت....

~~~~~~~~~~~~~~~~

أمّا في بيتنا بين آهات أمي يظهر القلق والارتباك على خالتي وجدتي التي تدعو بخفوت:

" يارب هوّن على عائشة وأعِد إلينا محيي الدين سالماً.."

تحمل خالتي (مريم) منديلاً تمسح به جبهة أمي الغارقة بقطرات الماء وتهمس لها تدعمها :

" تحملي يا أختي وقولي يا رب..."

تشدّ بقبضتها على يد أختها ...تقلصات بطنها كطعنات تغرز بها...لا تستطيع السيطرة على حركتها ...تحاول كتمان صرخاتها...من يخفف عنها ويريحها ؟! تستمع لتوجيهاتها دون ان تقدر على تطبيقها ليخرج من رحمها ...تغمض عينيها وتعض شفتها السفلى ...داخل صدرها بالون ينتفخ يضغط على أنفاسها...جدتي تتمتم بآيات تسكنها ...لا أحد يشعر بما تواجه في معركتها ...تحاول وتحاول ولكن لا ألم يوازي آلام المخاض....


القابلة من تحت الغطاء تتفقد وضعها ...توجهها وتطلب منها بعناء:

" ادفعي بقوةٍ أكبر...لم يتبقى إلا القليل..."


" آااه يااا رب...."


خرجت هذه الآه وجاءت روح إلى الحياة ...

تبسمت القابلة تزفر أنفاسها وتمسح جبينها بظهر كفّ يدها بعد الجهد الذي بذلته وتنهدت قائلة وهي تحمله تلفه بالقماش القطني الأبيض وتنظفه:

" ها قد أتى وليّ عهدٍ آخر ...الحمد لله على سلامتكما"


" هل هو بخير؟!"

سألتها أمي بصوتٍ متعبٍ لتطمئن على صغيرها غير آبهة بوضعها...


" نعم بخير وإنه كالبدرِ في ليلته الرابعة عشر"


هتفت بعدها جدتي والسعادة تغمرها متناسية تعب اليوم والليلة:

" حمداً لله...جعله الله من الصالحين"


كنتُ في الخارج أحملُ شقيقتي (دنيا) وأدور بها مبتهجاً بعد سماعي بكاء الصغير وتمتمات الفرح المنتشرة في الداخل...
دلفتُ إلى الغرفة أهنئ أمي بسلامتها ثم طلبتُ منها تسميته.
ومع أن تقاسيم وجهها شاحبة، مرهقة، يغزوها التعب إلا انها رسمت بسمتها بحنوٍّ لطلبي هامسة:

"سَمِّهِ يا (هادي) وأذّن في أذنهِ...."


لم أصدق نفسي...دنوتُ من القابلة أحملُ أخي بحذر بين ذراعيّ أتأمله واستنشق رائحته ...كم حجمه ضئيل هذا المخلوق ويا لها من سعادة هذه أول مسؤولية أتولّاها بمفردي...أحسستُ وكأنني رجلٌ بالغٌ كبيرٌ وأنا لم أتجاوز الخمسة عشر عاماً....
أحنيتُ رأسي بقرب أذنه وبدأت بترديد الآذان سائلاً الله تعالى أن يقرّ أعين والديّ به...

بعد عَوْمي في شعور الرجولة هتفت متحمساً:

"شادي...سأسميه(شادي) لأنه يشدو ببكائهِ في أنحاء البيت..."

صمتُّ برهةٍ وأردفتُ باعتزاز مازحاً:

"هادي وشادي ...ثنائي عظيم"

ضحكت أمي وتَبعنها جدتي وخالتي وكذلك القابلة التي أطرأتني بكلماتها:

" حماك الله يا سيد هادي...إنك تمتلك صوتٌ شجيٌّ جميل"

أضافت خالتي:

"إنه حافظ لكتاب الله مع إتقان تجويده...لقد ورث عن والده حُسنَ الصوت والشكل"

تحفّزت جدتي وقالت:

" وكذلك شجاعته وذكاءه ودماثة أخلاقه...ليحفظهما الله"

إكتسى وجهي بالحمرةِ خجلاً من هذا المديح رَغم معرفتي بذلك...فأنا نسخة مصغرة عنه في الشكل ...طويل وعريض المنكبين ببشرةٍ قمحيةٍ...أملك شعراً أسوداً ناعماً وعيناي بلون الأرض الترابية المضاءة بأشعة الشمس... واسعة , تكحّلها رموشي السوداء الكثيفة...وبالطبع ما زلت في مرحلةِ نموٍ ونضوج....
علمني أبي على الشجاعة والثقة بالنفس ودائما كان يحاول غرز مكارم الاخلاق بي وأدخلني حلقات القرآن....

ساعات عشناها كانت خليط من التوتر والسعادة بقدومِ صغيرنا(شادي)...

مع دقات الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عمَّ الهدوء في الخارج لِيُسمع فقط صوت قطرات متفرقة من المطر تلامس الأشجار والأسطح....


" الحمد لله ...اللهم اجعله صيباً نافعاً وهدوء خير للجميع "

هذا ما نطقت به أمي.

كنتُ أقف بهذا الوقت على شرفةٍ مغلقةٍ بالزجاج... أغوص متأملاً تلألؤ حبات الماء من انعكاس نور المصابيح الخارجية بمنظرٍ أعشقه....

فجأةً انقبض قلبي لينطق لساني:

"يارب لطفك ورحمتك التي وسعت كل شيء"

توجهتُ بعدها إلى غرفة المعيشة الخاصة بالعائلة وأشعلتُ التلفاز لأتابع آخر أخبار الحرب على الحدود...الحمد لله لقد توقف تبادل إطلاق النار...أغلقته مطمئناً وذهبت إلى غرفتي لأخلدَ للنوم بعد يومٍ وليلةٍ مُرهقتين...

~~~~~~~~~~~~~

في مدينة أخرى جانبية تبعد عن الحدود كيلومترات قليلة...
وتحديداً في مرآب شركته الفخمة حيث غرفة التجمع السرية، يلقي هاتفه عاصفا بمن امامه دون تصديق صارخاً:

"كيف؟! كيف؟!...هلّا أخبرتماني؟!"


ابتلع أحدهما ريقه يتحاشى نظرات الثائر مقابلاً له وأجاب بصوتٍ أجش:

" لا نعلم سيد (سليم)...هذا ما وَصَلَنا حاليّاً"


وثبَ من مكانه كأسدٍ هائجٍ وأشار بسبابتهِ هاتفاً بصرامة:

" لا اريد رؤية وجهيكما قبل أن تأتياني بخبرٍ مؤكد!!"


ألقيا التحية وانصرفا بعجلةٍ تفاديّاً من إعصاره....

~~~~~~~~~~~~~

قصرٌ كبيرٌ بطلائه الأبيض ونوافذه المأخوذة من الطراز المغربي في العاصمة التي لا تفرّق ليلها عن نهارها بأنوارها الصاخبة وحركة شوارعها الحيّة...يجلس على كرسيه الجلديّ الفاخر في مكتبه المؤثّث بأفخم المتاع الذي سلب ثمنه من خزائن الدولة...يسند رأسه للخلف ..يمسك هاتفه مقهقهاً يجري مكالمة لبلادٍ خارجيّة يبشّره بآخر المستجدات:

"لقد تمّ الأمر بنجاح صهري...نريد الحلوان"

أنهى محادثته بعد دقائق زافراً أنفاس ألنصر هامساً لنفسه بصوته الغليظ:
"وأخيراً سننعَم بالاستقرار..."

~~~~~~~~~~~~~

خارج الوطن في بلادٍ يفصلها عنا أميال وأميال من مياه البحر، مدينة كبيرة تجمع أناس من شتّى بقاع الأرض ...لوهلةٍ تظنّها العاصمة من كثرة الإقبال عليها وأهميتها الاقتصادية الحيوية لهذه الدولة لوقوعها على البحر...يتطرفها مخيمات للاجئين من مختلف الجنسيات ...منهم من طُرِد ومنهم من هرَبَ للنجاة من الاعتداءات الغاشمة على بلدانهم ومساكنهم...
يتوسط هذه المدينة أحياء خاصة للأغنياء مكتظة بالقصور والبيوت الحديثة...ومن بينهم قصرٌ ضخمٌ بطابعه الهندي، محاط بالأسوار الشاهقة المزروعة بآلات المراقبة الأمنية.
أَسواره الغرور...أساسه الخيانة....جدرانه النفاق.. طلاؤه دماء الأبرياء....
يقطنه وزير سابق لبلادنا يدعى (عاصي رضا) الذي استقرّ به منذ ثمانية أعوام بعد أن رحل من موطنه...
قصره أشبه ببيتِ العنكبوت...هشّ، ضعيف، برباطٍ غير متين

{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}

يعيش معه ابنته الوحيدة المدللة (ألمى) ذات الثمانية أعوام وزوجته الثانية (سوزي) معها ابنها (كرم) ذو العشرة أعوام من زوجها الأول، والسيدة(فاتن)شقيقة زوجته الأولى المتوفاة منذ خمس سنوات.

تتفتل في القصر بخفةٍ كالفراشة... تتدلل على خالتها تارةً والمربيّة تارةً أخرى...فغداً عطلة نهاية الأسبوع ويمكنها فعل ما تشاء...

" خالتي...خالتي...ألن تشاهدي معي كرتون(سالي)؟!"

هتفت (ألمى) بصوتها العذب الطفولي...

فردت عليها خالتها (فاتن)بنبرة استياء مصطنعة:

"اوه صغيرتي...لو علمت أنك ستلتصقين بي كالعلقة لأشاهده معك يومياً لما أخبرتك بذلك."

عبست بدلال لتستعطف خالتها وهمست بمكر:

" يكفي أن أبي لم يوافق على تسميتي باسمها مثلما أرادت أمي...على الأقل لأستمتع بمشاهدته...لا أدري من أين حصل على اسمي هذا؟!"

ضحكت المربية وقالت بحنان:

"اسمك جميل بنيتي ومعناه رائع...فأنتِ فعلاً أتيتِ كالروح لهذا البيت"

قطبت حاجبيها وزمّت شفتيها بامتعاض وقالت:

" ما فائدته إذا كان معناه (الروح) وهو ليس باسمٍ عربيٍّ؟!...نحن لسنا إسبان ليسميني به."

تبسمت خالتها وأردفت:

" توعّك والدك يوماً وهو في إسبانيا ورقد أياماً بالمشفى وأشرفت على علاجه طبيبة تدعى ألمى وكانت والدتك حاملاً بكِ فوعدها بتسمية ابنته باسمها امتناناً لها."

تأففت ثم سرعان ما تحوّلت ملامحها للمرح...فهي هكذا لا تستطيع العبوس أكثر ...هذا ليس من طبعها ...قلبها نقيّ مسامح ...رغم ما عانته وتعانيه....

اقتربت من خالتها تمسك يدها تهمس برجاء:

"هيا خالتي أرجوك لنشاهده معاً"

هزّت رأسها محوقلة بهمسات دافئة مبتسمة وقامت من مكانها تضع القرص المدمج في الجهاز، منصاعة لصغيرتها لتشاهد مسلسلها المفضل للمرة المئة بعد الألف من وقت معرفتها أنّ أمها كانت ستسميها بـ (سالي) لشدة الشبه بينهما...
أطفأن النور في غرفة الجلسات العائلية ثلاثتهن ليبدأ العرض على الشاشة بعد أن شرّطت عليها لتكون حلقة واحدة فقط لأن الوقت قاربَ على منتصف الليل....
×
×
×
تململت في فراشها وفتحت عيناها النجلاء تتمطّى بنعومةٍ في صباح عطلتها وفجأة تذكرت وعد أبيها لها باصطحابها إلى مدينة الألعاب في هذا اليوم....
فزّت بسرعةٍ تدخل الحمام تغسّل وجهها وتنظف أسنانها ثمّ بدّلت منامتها لملابس الخروج...اعتادت على الاهتمام بنفسها وكأنّها فتاة بالغة رغمَ براءتها وصغر سنّها...حملت مشطها وركضت متجهة لغرفة خالتها لتسرّح لها شعرها الذي لا تستطيع هي جمعهُ بنفسها من طوله وكثافته.... وما إن انتهت من تسريحه اندفعت خارجة على صوت من تركتها خلفها مبتسمة لتصرفاتها:

" هيــه ألمى خذي مشطك..."


"لاحقاً خالتي لاحقاً"


نظرت للمشط بيدها وتمتمت بقلقٍ على ابنة شقيقتها:

" آه إلى أين ستصلين باندفاعك هذا عزيزتي؟!"


هبطت درجات السلّم برشاقتها متجهة إلى مكتبه في الأسفل وفتحت الباب تطلّ برأسها إلى الداخل تهتف بدلال:

"صباح الخير يا أجمل...."

اخفضت عينيها دون أن تكمل جملتها عندما رأت كرسيه فارغاً ولا أثر لحقيبته...عادت أدراجها تنكس رأسها بحزنٍ بعد أن اختفى حماسها... تخطو ببطء...تنظر إلى نقشات الأرض الرخاميّة الذهبيّة شاردة ...تريد إجابات لأسئلتها المبعثرة في دماغها...لِمَ دائماً العمل في سلّم أولوياته؟! لِمَ يعتقد أن الهدايا تسدّ عن غيابه؟! لِمَ هي كالغصن المقطوع من شجرة لا أقارب لها ولا أصدقاء ولا أخوة؟!...حتى زميلاتها لا يسمح بتبادل الزيارات بينهن...لِمَ ولِمَ ولا إجابات!!!

رفعت رأسها تسترق السمع بعد أن قطع تساؤلاتها صوت يأتي من الخارج في حديقة القصر...

خرجت بحذر تمسك فستانها كي لا يلامس الأرض ...وقع نظرها على ابنتيّ احدى العاملات في القصر تلهوان سويّاً...تفتحت أساريرها مبتهجة وانطلقت نحوهما كأنهما سقطتا من السماء هذه اللحظة لتجد من تلعب معه!!
جحظت أعينهما وهي تقترب منهما من فخامة لباسها مثل أميرة من أميرات ديزني الخاصة بأفلام الكرتون، فهمست برقةٍ تليق بجمالها وأناقتها:

" هل تسمحان لي باللعب معكما؟"

حدّجتا بها باستغراب...يا الله كيف لهذه الأميرة أن تكون بهذا التواضع ؟ لا وبل تستأذن منهما وهي سيدة القصر...لم تُمهلانها طويلاً فردّتا معاً:

"بالتأكيد"

تبادلن الأسماء وأخذن باللعبِ بسرور ومضى وقت لا بأس به حتى قتلت هذه اللحظات السعيدة من تقف تضع يدها على خصرها كالساحرة الشريرة في الحكايات ترميها بنظرات شزراً صارخة:

"ألمـــــــى...ماذا تفعلين هنا مع الخادمات؟!"


ابتلعت ريقها وأجابت بصوتٍ مرتبك هادئ:

"ألعب معهما خالة سوزي"


"من سمح لك بذلك؟! أنسيتِ أنك ابنة عاصي رضا ؟!"


صُهِرَ قلبيهما بعد أن رمتهما بحممٍ بركانية بتنمرٍ وعنصرية وولّتا مدبرتان إلى والدتهما، أمّا (ألمى) التي اشتعلت غيظاً من زوجة أبيها هتفت بقوةٍ لا تدرك من أين أتتها او ربما كرهها للظلم واحتياجها للأصدقاء ألهمها على ذلك:

" غنى وجنى صديقتاي في القصر وسألعب معهما"


" لا أصدقاء لكِ...أدخلي العبي في غرفتك"


صرخت بعناد:

"كلا...أريد أن العب معهما"


انقضّت عليها كالثور المصاب بصرع ...تمسكها من ذراعها وتسحبها بفظاظة إلى الداخل مستغلّة اعتصام خالتها هذه الأوقات في غرفتها وصرخت بها:

"أيتها الوقحة تعاندينني أنا؟!...سأخبر والدك بذلك"


" لا...لا...أنا آسفة...أرجوكِ لا تخبريه."

قالت جملتها تعلن استسلامها لظلم (سوزي) زوجة أبيها الامرأة الخبيثة الحقودة ...فهي متوسطة الجمال الذي معظمه من المساحيق وعمليات التجميل...تغار من (ألمى) لجمالها الذي ورثته عن أمها ولاهتمام (عاصي رضا) بها فإنها خط أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه...تتربع على عرش قلبه...يفعل المستحيل لحمايتها....
كانت تلك تستغل انشغاله بأعماله ...تهددها وتخوّفها مدّعية بأن والدها سيطرد خالتها (فاتن) إذا علم بتصرفاتها هذه معها...

خالتها(فاتن) هي الحضن الدافئ والنور لظلامها هي نقطة ضعفها...كرّست حياتها للاهتمام بشقيقتها ومن ثمّ بابنتها...ليست جميلة الشكل لكن صفاء روحها وتواضعها وحكمتها تترك اثراً جميلاً لكل من خالطها....
لم تخبر ولا تحدّث أحداً بمعاملة زوجة أبيها لها خوفاً من فقدان خالتها...فهي لا تستطيع المجازفة بها لو كلّفها حياتها لأنها هي الأمل بحياتها مع أنها فتاة شفافة صادقة لا تكتم شيئاً في داخلها....
لقد تزوج (عاصي رضا) بعد وفاة زوجته مباشرةً حيث كان يرسم لذلك سابقاً رغم حبه وعشقه للأولى...لكن الجشع فاق كل المعايير، فـ(سوزي) هي ابنة أحد أبرز أصحاب المناصب الكبيرة الذين يخدمون مصالِحه...

دخلت (ألمى) غرفتها مكسورة الخاطر بعد شجارها مع زوجة أبيها وحرمانها من اللحظات التي أسعدتها...تنقمُ على حياتها...تشعرُ أنها انسانة مبرمجة لتعليمات الآخرين...تفكرُ بقريناتها في المدرسة كيف ينعمن بكامل الحرية...لو كان الأمر بيدها لبدّلت ثروتها بصديقةٍ تحبها....
تراكمت الهموم عليها فأجهشت بالبكاء...

طرقات متتالية على الباب حاولت اخفاءها بصمّ أذنيها تحت مخدتها لا تريد رؤية أحد هذه الساعة...فليتركوها وشأنها...ألا يحق لها حتى في غرفتها أخذ حريتها من دون برمجتهم اللعينة؟!...هل تذهب الى المريخ ليرتاحوا منها ؟! ...لكن يبدو من على الباب يصرّ... ولمّا لم يسمع ردّها دفعه مصمماً لإغاظتها وهذا أكثر ما يغذي أنانيته كوالدته الأفعى...
اقترب منها يلوح بيده التي تحمل اللعبة وهتف باستفزاز:

"انظري ماذا جلبت لي أمي"

رفعت عينيها المحتقنة بالدموع تنظر بألمٍ وحزنٍ ليس لأنها تريد لعبة فغرفتها مرصوصة بالألعاب ...بل لشدة احتياجها لحضن يحميها دون تردد لأم تقاتل العالم من أجلها... أشاحت وجهها عنه بكبرياء ...لا تريد أن ينال مبتغاه...امّا هو كان مصرّاً فأردف ساخراً:

" أمي تحبني وتفعل لي ما أريد وترافقني حيثُ أشاء..."

أطلق ضحكاته يحرك حاجبيه باستفزاز وأضاف:

" أما أنتِ والدك مشغول دائماً ولا يهتم بكِ...كنتِ بالأمس تتبجحين علينا بذهابك إلى مدينة الملاهي...مسكينة ألمى..."

حسناً هي لا تستطيع مواجهة والدته الأفعى لكن هذا الغليظ لن يمنعها عنه أحد...حسمت قرارها بعد أن لم تعد تتمالك نفسها وانقضّت على لعبته المتباهي بها وألقتها بعرض الحائط تكسرها...نظر لأشلاء لعبته مصدوماً ونفخ أوداجه ومد ذراعيه يشدّها من شعرها بغلٍّ وهي تحاول عضّه بأسنانها وتغرز أظافرها بيديه صارخة:

" اتركــــني...اتركـــني"



"كـــــــرم!!"

صرخت خالتها به بعد أن دخلت تتفحص مصدر الأصوات بالقرب من غرفتها...حاولت فضّ نزاعهما وأردفت بنبرة حادة:

"ماذا تفعل في غرفتها ؟!...أخرج ولا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى"


تقف بخبثٍ على الباب تشاهد بصمت حتى تختار اللحظة المناسبة لتتدخل ثم صاحت بحقد:

"ابني يدخل أينما يشاء...هذا قصر والدته وأنتِ دخيلة هنا"


"سأترك لك القصر الكئيب لتشبعي به...لقد سئمت منكم"


"خذيني خالتي أرجوكِ...لا أريد البقاء من دونك"

هتفت (ألمى) بتوسل بعد أن سمعت قرار خالتها(فاتن)

خطَت ببطء اتجاهها وابتسامتها لا تفارق مُحيَّاها ...جثت أمامها القرفصاء تضم كفيها الصغيران بقبضتيها وهمست بصوتٍ حنون:

" عزيزتي ألمى هذا بيتك ...أنت تبقين أينما يتواجد والدك"

لمعت عيناها وقالت بعتاب:

"أين هو أبي؟ أنا لا أراه!! يأتي متأخراً ويذهب باكراً...أرجوكِ خذيني"


" أعدك سآتي لزيارتك والمربية (سهيلة) ستهتم بكِ...اطمئني"

اخفضت رأسها الى الأسفل خضوعاً واستسلاماً ورفعت كفها الصغير تمسح دمعة انزلقت من عينها ثم اولتهم ظهرها وارتمت بجسدها النحيل على فراشها تدثر نفسها به وتتمتم بحسرةٍ مخنوقة:

"اذهبي خالتي...أنا اعلم لا أحد يحبني"


"لا يا صغيرتي...أنا احبك ووالدك يحبك وكذلك الخالة سهيلة تحبك ...ألا نكفي؟!"

همست لها برقةٍ ودنت منها تقبّلها وقالت بحماس لتغير مزاجها:

"هيا الحقي بي الى غرفتي سأعطيك شيئاً كنتُ أخبئه لكِ ريثما تكبرين...لكنني قررت اعطاءه لك الآن..."

قفزت (ألمى) متناسية آلامها كعادتها ,خاصة بعد أن غلبها فضولها وهتفت متحمسة:

"ماذا ستعطيني؟"

ابتسمت لبراءتها وأجابت:

" قلت الحقي بي وستعرفين"

ثم سبقتها تمرّ من جانب (سوزي) تخرج من الباب ترمقها باشمئزاز...

~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أن أنهى عمله في شركته توجّه مجدداً الى الغرفة السرية بمرآبها ...ينتظر دحض الخبر من رجليّه اللذين لم يعودا منذ البارحة....
رفع هاتفه يجري اتصالاً سريعاً للمقر على الحدود لكن لا إشارة بسبب تشويشات بالخطوط الأرضية بعد ان تعرضت تلك المنطقة لعدة غارات أدت الى تلفها...
زفرَ أنفاسه المحبوسة طوال اليوم ماسكاً صدغيّه بكفيْه متمتماً بصوته الجهوري:

" يا رب ألّا يكون هذا صحيحاً يا صديقي..."

كان في هذه الغرفة أريكة جانبية قصَدَ الاستلقاء عليها ينتظر مجيء رسوليّه بالخبر اليقين...
غطّ بنومٍ عميقٍ دون إدراك لساعتين بعد أن جافاه ليومين كاملين...

استيقظ على حركة مقبض الباب ففزّ من مكانه بجسده الضخم واتجّه لفتحه بلهفةٍ...
ارتخت اطرافه عنوةً وجرّ قدميه يرتمي مجدداً على اريكته هروباً مما سيسمع بعد أن رأى ثلاثة وجوه شاحبه لا تبشّر في الخير...القى الرجل الثالث الذي رافقهما ليعطيه الحقيقة الصادمة بنفسه وهو من أصدقاء الثوار ومساعدهم على الصعيد الإعلامي والمعنوي دون الخوض بالمعارك:

" البقاء لله اخي (سليم)...إنا لله وإنا إليه راجعون"

امتقع وجهه وابتلع ريقه وبالكاد أخرج صوته بتحشرج يردّ:

"نسأل الله أن يخلفنا خيراً منه"

~~~~~~~~~~~~

غزلت لنا الأيام اسبوعاً كاملاً بعد ولادة شقيقي(شادي) منتظرين قدوم والدي من الحدود بفارغ الصبر...
كان آخر ما وصلنا منذ يومين أن الوضع مستقر في تلك الجهة الغربية على الحدود ولا مناوشات من الخصميْن مما جعلنا نطمئن عليه خصوصاً بعد اعلامنا من السيد (سليم الأسمر) ان انقطاع مكالماته معنا سببه تدمير شبكة الاتصالات الأرضية...
توقُّف إطلاق النار جاء بالتزامن مع توقُّف الامطار الغزيرة التي اغرقت البلاد ...امطار كانون اول...وكأنّهما اتفقا معاً ليعيدا لنا الحياة في مدينتنا الجبلية الخضراء بأشجارها معلنان عن افتتاح مدارسنا بعد اغلاق دام اسبوعين كاملين بفعل الحرب والطقس...
في هذا اليوم بالذات لم يزرني النوم بعد صلاة الفجر من شدة حماسي...ليس فقط لاشتياقي لمقاعد الدراسة ولقاء أصدقائي...إنما لخروجي للحريّة بعد ان كنتُ حبيس البيت وضقت ذرعاً بين حكايات النساء وبكاء شقيقي ودلال شقيقتي المفرط ودون ممارسة أيّ من هواياتي في الخارج...
استعددت مرتديّاً زيّ المدرسة الرسمي الخاص بالثانوية , أمّا الكسولة (دنيا) كانت خالتي تسّرح لها شعرها الترابي المموج وهي مسترسلة بنومها...
حملتُ لها حقيبتها وسحبتها من يدها لأوصلها لمدرستها في طريقي بعد أن تعذّر على سائقنا الخاص الحضور لظرف صحي...

"هيـــه هادي..."

التفتُّ إلى يساري بعد خروجي من البوابة الحديدية الضخمة الخاصة ببيتنا شبيه القلعة عند سماعي صفير ومناداة لاسمي...فكانا (سامي وأحمد) ينتظراني ليرافقاني للمدرسة...

"صباح الخير...ما هذا النشاط؟!"

القيتُ تحيّة الصباح متفاجئاً لوجودهما في هذا الوقت المبكر لأنهما آخر من يدخلان المدرسة بسبب كسلهما ولا مبالاتهما...

ضحك سامي وأشار نحوي هاتفاً:

"انتبه ستقع شقيقتك وهي تغفو متكئة على يدك"

احنيتُ رأسي فوجدتها متشبثة بكفي وتركنُ وجنتها عليه مستمرة بنومها...
ابتسمت ومسّدت وجنتها هامساً:

"دنيا أفيقي..."

اقترب (سامي) بمكرٍ يجثو أمامها ويهزّها على غفلةٍ لتجفل شاهقة وكأنّ دلو ماء بارد أريق عليها وسط قهقهاتهما فزجرت به مؤنباً:

" ماذا فعلت أيها الغليظ؟!...كدت توقف قلبها؟؟"

قال مستنكراً بتهكم ضاحكاً:

"تلك المدللـه يتوقف قلبها؟؟؟!!"

تشبثت أكثر بساقي ترمقه بنظراتٍ ناريةٍ من عينيها العسليّتين وتخرج لسانها بحقدٍ طفوليٍّ فاستقام بوقفته يمطّ ذراعيه للأعلى مضيفاً على تهكمه:

"هيه أنتما الاثنان ألا تتحملان مزاحاً؟!"

ونظر إلى (أحمد) مشيراً بسخريةٍ مصطنعة يتابع عرضه:

"أعان الله من سيتزوج بشقيقته فلسانها طويل ستنغّص عليه عيشته, هذا إن لم يغَلّفها بعبوةٍ من شدة حرصه عليها ويحتفظ بها كالخيار المخلل في أحد أرفف مطبخهم العريق..."

تفحّصت ساعة يدي وضربته بقبضتي على كتفه آمراً بجديّة:

"كفاك ثرثرة...هيا سنتأخر بسببكما"


(سامي) هو أعزّ صديق وتوأمي الروحي رغمَ اختلاف شخصياتنا الظاهر للعيان...
أنا أتّسمُ بالجدّ أسير على خطٍ ثابتٍ وهو بشخصية متقلبة حسب الظروف المحيطة به, أوقات يخيّل لنا أنه يعمل مهرّجاً على مسرح وتارةً يكون بمئة رجل وكأنه ضابطاً بالشرطة...

في اليوم الثاني من المدرسة دقّت عـ قا رب الساعة السابعة صباحاً ودقَّ معها باب البيت بقوةٍ لِتدقّ قلوبنا أملاً بقدوم الغائب أبي وعودته سالماً لنا...
كنتُ أنا الأسرع بينهم من شدة شوقي ولهفتي له, أريد معانقته واخباره عن كل شيء حصل معنا منذ غيابه...
فالعلاقة التي تجمعنا ليست مجرد أب وابنه...نحن كالأشقاء والأصدقاء وأكثر...

فتحتُ الباب وقبضت به جيداً من قوة اهتزازه وجميعهم خلفي...رياح عاتيّة تصطدم بأجسادنا...تلفح وجوهنا...ترفرف ملابسنا...تحاول اقتلاع جذورنا...
وقفنا مذهولين كأنّ على رؤوسنا الطير...أصنام بلا روح...قلب بلا نبضات لرؤية من يقف أمامنا...

فأدركت أنني أصبحتُ رجلاً...


**********( انتهى الفصل الأول )**********
😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻😻
حقدت على الاب واضح كان هيتزوج سوزي حتى لو ما توفت زوجته


Mini-2012 غير متواجد حالياً  
التوقيع
ﺎﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞّ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ
رد مع اقتباس
قديم 11-10-21, 01:21 AM   #4

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,350
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

ههههههه وين في مصالح اله هو موجود ...الحسنة الوحيدة فيه انه انجب ألمى ...لقدام ان شاء الله رح تحقدي عليه اكثر:
shezo and فاتن نبيه like this.

ألحان الربيع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-22, 07:01 PM   #5

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الأول أخذ قلبي واضح آلمى و هادي حيكونو كابل
المى اوجعت قلبي و زوجة ابوها و إبنها ما شافو شوية تربية
بدي ربيهم هي و ابنها
هادي رجلي الصغير حبيته كثير
وصف و سرد و حوار بهنيكي عزيزتي انبهرت ❤🤍🫂


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-10-22, 07:31 PM   #6

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,350
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سماح نادين مشاهدة المشاركة
الفصل الأول أخذ قلبي واضح آلمى و هادي حيكونو كابل
المى اوجعت قلبي و زوجة ابوها و إبنها ما شافو شوية تربية
بدي ربيهم هي و ابنها
هادي رجلي الصغير حبيته كثير
وصف و سرد و حوار بهنيكي عزيزتي انبهرت ❤🤍🫂
نورتيني ونورتِ روايتي المتواضعة يا كاتبتنا المبدعة .....رأيك ووجودك معي شرف كبير الي اختي سماح......الله يسعدك....

وزيدي ابوها كمان معهم بده تربية هههههه

نياله هادي عليكِ ههههه


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 01:20 PM   #7

Adella rose
 
الصورة الرمزية Adella rose

? العضوٌ??? » 449245
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,869
?  نُقآطِيْ » Adella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألحان الربيع مشاهدة المشاركة
الفصل الأول((أصبحت رجلاً))

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة ومع سماع دويّ الانفجارات القادمة من كل الاتجاهات التي تفرضها الحرب اللعينة , يصدح صوت القران من بيتنا الجبليّ الكبير الدافئ الذي يملأه الحب والأمان , وفي غرفتها الواسعة بزرابيّ خمريّة تغطي أرضها الرخامية تستلقي على فراشها الوثير متململة ....تحرك رأسها بقوةٍ على جانبيها متألمة, تتأوه, تستغيث أمي (عائشة) وهي منتظرة قدوم مولودها....
تمسك بيدها خالتي ( مريم ) وبالأخرى جدتي والدة أبي لتهدئتها من أوجاعها وصرخاتها....
ومن خلف الباب الخشبيّ الضخم المرصّع بنقوشاتٍ نحاسية الذي كان بمثابة درعٌ واهنٌ لم يمنع أسهم الصرخات من اختراق آذاننا أنا وشقيقتي المدللة ( دنيا) إبنة الثماني سنوات....نرتقب الحدث بقلق, احتضنها وأمسّد على شعرها الترابيّ الناعم لأخفف من بكائها وخوفها على والدتنا ...أمسك كتيّب للأدعية اقرأ منه راجيّاً من الله السلامة لها وللصغير....
وكذلك الخدم , جميعنا في حالة بلبلة...
مضت ساعات شاقّة وأمي لم تُنجب بعد....

~~~~~~~~~~~~~~

على الجهة المقابلة بعيداً عنّا قرب الحدود...غيوم سوداء كثيفة اثرَ الدخان المتصاعد الذي يتخلله زخات من الرصاص ...يتواجد مجموعة من الثوار الأحرار الذين تعاهدوا أمام الله أن يكونوا حماة للوطن والدين حتى آخر قطرة دم في أجسادهم ...اجتمعوا لنصرة الحق بقيادة والدي (محيي الدين الشامي) فإما النصر أو الموت في سبيله....

{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ }

اسمهُ لمعَ في عالم الثوار , فارسٌ زعزعَ الأعداء وفضّ مضاجعهم بدهائه الحربيّ....حيثُ يمرُ يقف له الناس إحتراماً من هيبته التي لم يسمح قط للغرور بالمرور جانبها, انما زيّنها بتواضعه وأخلاقه والتزامه في دينه....
يعطي تعليماته لأصدقائه في كتيبته بدقةٍ واحترافية.....

-" احترِس يا صديقي...

استعِد....

هيا اطلق الان...."

طلقة من هنا قابلتها طلقات من هناك لتصيبَ صديقه (زياد) في بطنه...

"آاااه...آااه..."

اندفع أبي نحوه بأنفاس لاهثةٍ وجبينٍ يتصبب عرقاً...يسحب جسده الغارق بالدماء على التراب حتى وصل الى العشب الكثيف يواريه من انظارهم ...يخبئه بحذر وينتظر وقف إطلاق النار ثم همس له:

" تمالك يا صديقي أرجوك.."


" آااه...يؤلمني..."


مرّت دقائق قليلة حتى اختفى ضجيج الأسلحة فحمله على ظهره ودماؤه تسيل , يحاول الركض علّه يسعفه قبل فوات الأوان....
قطع مسافة لا بأس بها وهو يتجه صوْب المشفى الميداني خاصتهم....
حاول اختصار الطريق قدر الإمكان ....
رَغم برودة الطقس والهواء الذي يلفحهم إلا أن حبيبات العرق لزمته من شدة قلقه عليه وهو يسمع انّاته التي تعتصر قلبه....
إعتاد على هذه المناظر والمواقف خلال خوض معاركه...لكن عندما نرى الموت يقترب ليختطف المقربين منا تنهار حصوننا ...فها هو أحد أصدقائه المخلصين الداعمين لمسيرته يشارف على فقد حياته....

أسرع في خطاه عندما لمح دنوهِ من مقرهم العسكري....
دقات قلبه تزداد ...رئتيه تنتفخ تضغط على صدره...لكن لا مناص وهو مصمم على إنقاذه حتى لو لفظ بِنَفْسِهِ أنفاسه الأخيرة...كيف سيترك رفيق دربه وهو من آزره بأصعب أيامه ؟؟!!...


" آااه لا أتحمل سوف أموت...."


زاد بخطواته يصارع الدقائق التي تفصل صديقه عن موت محقق ...وقع جهاز اتصالاته غير مكترث له ...يجري ويجري ليتعثر بعدها بحفرةٍ صغيرةٍ غادرةٍ لم يبصرها والظلام دامس فالقمر تحجبه السحب المدججة بالأمطار المدمجة بالدخان ليقعا معاً وتعلو صرخات (زياد) تخترق فؤاد أبي قبل أذنيه....
دنا منه زاحفاً مع أن طاقته نفذت...وأنفاسه قُطِعت ...حلقه جف...يشعر بالإعياء الشديد بعد استنزاف قوته...ليبثّ السكينة له :


" بقِيَ القليل ونصل المقر...ستعيش بإذن الله..."


شخص بصره للسماء المظلمة وابتلع ريقه بصعوبةٍ ...وضع يده على صدره الذي خفّت حركته تدريجيّا ...
فمدّ له ذراعه يفكّ الوشاح المُلَثِّم وجهه يكشفه ليتفقده...وجاهد لكتم عبراته أمامه لئلا يضعفه ويجعله يستسلم لحتفه...

فاضت الدماء بعد أن وجدت طريقها للخروج من فمه ليلفظ كلماته بشقِّ الأنفس:

" إذهب ...أنت ...يا...يا صديقي...واتركني ...فـ فـ فـالوطن يحتاجك...آاه"


ضغط على شفتيه يوقف ارتجافها وابتلع ريقه هامسا بنبرة مخنوقة:

"مستحيل لن أتركك..."


" آااه...أشـ هدُ أن لا إله إلا ...إلا الله..."

هي آخر آه حملتها روحه عبرت حلقومه يستقبل بها الموت....

~~~~~~~~~~~~~~~~

أمّا في بيتنا بين آهات أمي يظهر القلق والارتباك على خالتي وجدتي التي تدعو بخفوت:

" يارب هوّن على عائشة وأعِد إلينا محيي الدين سالماً.."

تحمل خالتي (مريم) منديلاً تمسح به جبهة أمي الغارقة بقطرات الماء وتهمس لها تدعمها :

" تحملي يا أختي وقولي يا رب..."

تشدّ بقبضتها على يد أختها ...تقلصات بطنها كطعنات تغرز بها...لا تستطيع السيطرة على حركتها ...تحاول كتمان صرخاتها...من يخفف عنها ويريحها ؟! تستمع لتوجيهاتها دون ان تقدر على تطبيقها ليخرج من رحمها ...تغمض عينيها وتعض شفتها السفلى ...داخل صدرها بالون ينتفخ يضغط على أنفاسها...جدتي تتمتم بآيات تسكنها ...لا أحد يشعر بما تواجه في معركتها ...تحاول وتحاول ولكن لا ألم يوازي آلام المخاض....


القابلة من تحت الغطاء تتفقد وضعها ...توجهها وتطلب منها بعناء:

" ادفعي بقوةٍ أكبر...لم يتبقى إلا القليل..."


" آااه يااا رب...."


خرجت هذه الآه وجاءت روح إلى الحياة ...

تبسمت القابلة تزفر أنفاسها وتمسح جبينها بظهر كفّ يدها بعد الجهد الذي بذلته وتنهدت قائلة وهي تحمله تلفه بالقماش القطني الأبيض وتنظفه:

" ها قد أتى وليّ عهدٍ آخر ...الحمد لله على سلامتكما"


" هل هو بخير؟!"

سألتها أمي بصوتٍ متعبٍ لتطمئن على صغيرها غير آبهة بوضعها...


" نعم بخير وإنه كالبدرِ في ليلته الرابعة عشر"


هتفت بعدها جدتي والسعادة تغمرها متناسية تعب اليوم والليلة:

" حمداً لله...جعله الله من الصالحين"


كنتُ في الخارج أحملُ شقيقتي (دنيا) وأدور بها مبتهجاً بعد سماعي بكاء الصغير وتمتمات الفرح المنتشرة في الداخل...
دلفتُ إلى الغرفة أهنئ أمي بسلامتها ثم طلبتُ منها تسميته.
ومع أن تقاسيم وجهها شاحبة، مرهقة، يغزوها التعب إلا انها رسمت بسمتها بحنوٍّ لطلبي هامسة:

"سَمِّهِ يا (هادي) وأذّن في أذنهِ...."


لم أصدق نفسي...دنوتُ من القابلة أحملُ أخي بحذر بين ذراعيّ أتأمله واستنشق رائحته ...كم حجمه ضئيل هذا المخلوق ويا لها من سعادة هذه أول مسؤولية أتولّاها بمفردي...أحسستُ وكأنني رجلٌ بالغٌ كبيرٌ وأنا لم أتجاوز الخمسة عشر عاماً....
أحنيتُ رأسي بقرب أذنه وبدأت بترديد الآذان سائلاً الله تعالى أن يقرّ أعين والديّ به...

بعد عَوْمي في شعور الرجولة هتفت متحمساً:

"شادي...سأسميه(شادي) لأنه يشدو ببكائهِ في أنحاء البيت..."

صمتُّ برهةٍ وأردفتُ باعتزاز مازحاً:

"هادي وشادي ...ثنائي عظيم"

ضحكت أمي وتَبعنها جدتي وخالتي وكذلك القابلة التي أطرأتني بكلماتها:

" حماك الله يا سيد هادي...إنك تمتلك صوتٌ شجيٌّ جميل"

أضافت خالتي:

"إنه حافظ لكتاب الله مع إتقان تجويده...لقد ورث عن والده حُسنَ الصوت والشكل"

تحفّزت جدتي وقالت:

" وكذلك شجاعته وذكاءه ودماثة أخلاقه...ليحفظهما الله"

إكتسى وجهي بالحمرةِ خجلاً من هذا المديح رَغم معرفتي بذلك...فأنا نسخة مصغرة عنه في الشكل ...طويل وعريض المنكبين ببشرةٍ قمحيةٍ...أملك شعراً أسوداً ناعماً وعيناي بلون الأرض الترابية المضاءة بأشعة الشمس... واسعة , تكحّلها رموشي السوداء الكثيفة...وبالطبع ما زلت في مرحلةِ نموٍ ونضوج....
علمني أبي على الشجاعة والثقة بالنفس ودائما كان يحاول غرز مكارم الاخلاق بي وأدخلني حلقات القرآن....

ساعات عشناها كانت خليط من التوتر والسعادة بقدومِ صغيرنا(شادي)...

مع دقات الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عمَّ الهدوء في الخارج لِيُسمع فقط صوت قطرات متفرقة من المطر تلامس الأشجار والأسطح....


" الحمد لله ...اللهم اجعله صيباً نافعاً وهدوء خير للجميع "

هذا ما نطقت به أمي.

كنتُ أقف بهذا الوقت على شرفةٍ مغلقةٍ بالزجاج... أغوص متأملاً تلألؤ حبات الماء من انعكاس نور المصابيح الخارجية بمنظرٍ أعشقه....

فجأةً انقبض قلبي لينطق لساني:

"يارب لطفك ورحمتك التي وسعت كل شيء"

توجهتُ بعدها إلى غرفة المعيشة الخاصة بالعائلة وأشعلتُ التلفاز لأتابع آخر أخبار الحرب على الحدود...الحمد لله لقد توقف تبادل إطلاق النار...أغلقته مطمئناً وذهبت إلى غرفتي لأخلدَ للنوم بعد يومٍ وليلةٍ مُرهقتين...

~~~~~~~~~~~~~

في مدينة أخرى جانبية تبعد عن الحدود كيلومترات قليلة...
وتحديداً في مرآب شركته الفخمة حيث غرفة التجمع السرية، يلقي هاتفه عاصفا بمن امامه دون تصديق صارخاً:

"كيف؟! كيف؟!...هلّا أخبرتماني؟!"


ابتلع أحدهما ريقه يتحاشى نظرات الثائر مقابلاً له وأجاب بصوتٍ أجش:

" لا نعلم سيد (سليم)...هذا ما وَصَلَنا حاليّاً"


وثبَ من مكانه كأسدٍ هائجٍ وأشار بسبابتهِ هاتفاً بصرامة:

" لا اريد رؤية وجهيكما قبل أن تأتياني بخبرٍ مؤكد!!"


ألقيا التحية وانصرفا بعجلةٍ تفاديّاً من إعصاره....

~~~~~~~~~~~~~

قصرٌ كبيرٌ بطلائه الأبيض ونوافذه المأخوذة من الطراز المغربي في العاصمة التي لا تفرّق ليلها عن نهارها بأنوارها الصاخبة وحركة شوارعها الحيّة...يجلس على كرسيه الجلديّ الفاخر في مكتبه المؤثّث بأفخم المتاع الذي سلب ثمنه من خزائن الدولة...يسند رأسه للخلف ..يمسك هاتفه مقهقهاً يجري مكالمة لبلادٍ خارجيّة يبشّره بآخر المستجدات:

"لقد تمّ الأمر بنجاح صهري...نريد الحلوان"

أنهى محادثته بعد دقائق زافراً أنفاس ألنصر هامساً لنفسه بصوته الغليظ:
"وأخيراً سننعَم بالاستقرار..."

~~~~~~~~~~~~~

خارج الوطن في بلادٍ يفصلها عنا أميال وأميال من مياه البحر، مدينة كبيرة تجمع أناس من شتّى بقاع الأرض ...لوهلةٍ تظنّها العاصمة من كثرة الإقبال عليها وأهميتها الاقتصادية الحيوية لهذه الدولة لوقوعها على البحر...يتطرفها مخيمات للاجئين من مختلف الجنسيات ...منهم من طُرِد ومنهم من هرَبَ للنجاة من الاعتداءات الغاشمة على بلدانهم ومساكنهم...
يتوسط هذه المدينة أحياء خاصة للأغنياء مكتظة بالقصور والبيوت الحديثة...ومن بينهم قصرٌ ضخمٌ بطابعه الهندي، محاط بالأسوار الشاهقة المزروعة بآلات المراقبة الأمنية.
أَسواره الغرور...أساسه الخيانة....جدرانه النفاق.. طلاؤه دماء الأبرياء....
يقطنه وزير سابق لبلادنا يدعى (عاصي رضا) الذي استقرّ به منذ ثمانية أعوام بعد أن رحل من موطنه...
قصره أشبه ببيتِ العنكبوت...هشّ، ضعيف، برباطٍ غير متين

{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ}

يعيش معه ابنته الوحيدة المدللة (ألمى) ذات الثمانية أعوام وزوجته الثانية (سوزي) معها ابنها (كرم) ذو العشرة أعوام من زوجها الأول، والسيدة(فاتن)شقيقة زوجته الأولى المتوفاة منذ خمس سنوات.

تتفتل في القصر بخفةٍ كالفراشة... تتدلل على خالتها تارةً والمربيّة تارةً أخرى...فغداً عطلة نهاية الأسبوع ويمكنها فعل ما تشاء...

" خالتي...خالتي...ألن تشاهدي معي كرتون(سالي)؟!"

هتفت (ألمى) بصوتها العذب الطفولي...

فردت عليها خالتها (فاتن)بنبرة استياء مصطنعة:

"اوه صغيرتي...لو علمت أنك ستلتصقين بي كالعلقة لأشاهده معك يومياً لما أخبرتك بذلك."

عبست بدلال لتستعطف خالتها وهمست بمكر:

" يكفي أن أبي لم يوافق على تسميتي باسمها مثلما أرادت أمي...على الأقل لأستمتع بمشاهدته...لا أدري من أين حصل على اسمي هذا؟!"

ضحكت المربية وقالت بحنان:

"اسمك جميل بنيتي ومعناه رائع...فأنتِ فعلاً أتيتِ كالروح لهذا البيت"

قطبت حاجبيها وزمّت شفتيها بامتعاض وقالت:

" ما فائدته إذا كان معناه (الروح) وهو ليس باسمٍ عربيٍّ؟!...نحن لسنا إسبان ليسميني به."

تبسمت خالتها وأردفت:

" توعّك والدك يوماً وهو في إسبانيا ورقد أياماً بالمشفى وأشرفت على علاجه طبيبة تدعى ألمى وكانت والدتك حاملاً بكِ فوعدها بتسمية ابنته باسمها امتناناً لها."

تأففت ثم سرعان ما تحوّلت ملامحها للمرح...فهي هكذا لا تستطيع العبوس أكثر ...هذا ليس من طبعها ...قلبها نقيّ مسامح ...رغم ما عانته وتعانيه....

اقتربت من خالتها تمسك يدها تهمس برجاء:

"هيا خالتي أرجوك لنشاهده معاً"

هزّت رأسها محوقلة بهمسات دافئة مبتسمة وقامت من مكانها تضع القرص المدمج في الجهاز، منصاعة لصغيرتها لتشاهد مسلسلها المفضل للمرة المئة بعد الألف من وقت معرفتها أنّ أمها كانت ستسميها بـ (سالي) لشدة الشبه بينهما...
أطفأن النور في غرفة الجلسات العائلية ثلاثتهن ليبدأ العرض على الشاشة بعد أن شرّطت عليها لتكون حلقة واحدة فقط لأن الوقت قاربَ على منتصف الليل....
×
×
×
تململت في فراشها وفتحت عيناها النجلاء تتمطّى بنعومةٍ في صباح عطلتها وفجأة تذكرت وعد أبيها لها باصطحابها إلى مدينة الألعاب في هذا اليوم....
فزّت بسرعةٍ تدخل الحمام تغسّل وجهها وتنظف أسنانها ثمّ بدّلت منامتها لملابس الخروج...اعتادت على الاهتمام بنفسها وكأنّها فتاة بالغة رغمَ براءتها وصغر سنّها...حملت مشطها وركضت متجهة لغرفة خالتها لتسرّح لها شعرها الذي لا تستطيع هي جمعهُ بنفسها من طوله وكثافته.... وما إن انتهت من تسريحه اندفعت خارجة على صوت من تركتها خلفها مبتسمة لتصرفاتها:

" هيــه ألمى خذي مشطك..."


"لاحقاً خالتي لاحقاً"


نظرت للمشط بيدها وتمتمت بقلقٍ على ابنة شقيقتها:

" آه إلى أين ستصلين باندفاعك هذا عزيزتي؟!"


هبطت درجات السلّم برشاقتها متجهة إلى مكتبه في الأسفل وفتحت الباب تطلّ برأسها إلى الداخل تهتف بدلال:

"صباح الخير يا أجمل...."

اخفضت عينيها دون أن تكمل جملتها عندما رأت كرسيه فارغاً ولا أثر لحقيبته...عادت أدراجها تنكس رأسها بحزنٍ بعد أن اختفى حماسها... تخطو ببطء...تنظر إلى نقشات الأرض الرخاميّة الذهبيّة شاردة ...تريد إجابات لأسئلتها المبعثرة في دماغها...لِمَ دائماً العمل في سلّم أولوياته؟! لِمَ يعتقد أن الهدايا تسدّ عن غيابه؟! لِمَ هي كالغصن المقطوع من شجرة لا أقارب لها ولا أصدقاء ولا أخوة؟!...حتى زميلاتها لا يسمح بتبادل الزيارات بينهن...لِمَ ولِمَ ولا إجابات!!!

رفعت رأسها تسترق السمع بعد أن قطع تساؤلاتها صوت يأتي من الخارج في حديقة القصر...

خرجت بحذر تمسك فستانها كي لا يلامس الأرض ...وقع نظرها على ابنتيّ احدى العاملات في القصر تلهوان سويّاً...تفتحت أساريرها مبتهجة وانطلقت نحوهما كأنهما سقطتا من السماء هذه اللحظة لتجد من تلعب معه!!
جحظت أعينهما وهي تقترب منهما من فخامة لباسها مثل أميرة من أميرات ديزني الخاصة بأفلام الكرتون، فهمست برقةٍ تليق بجمالها وأناقتها:

" هل تسمحان لي باللعب معكما؟"

حدّجتا بها باستغراب...يا الله كيف لهذه الأميرة أن تكون بهذا التواضع ؟ لا وبل تستأذن منهما وهي سيدة القصر...لم تُمهلانها طويلاً فردّتا معاً:

"بالتأكيد"

تبادلن الأسماء وأخذن باللعبِ بسرور ومضى وقت لا بأس به حتى قتلت هذه اللحظات السعيدة من تقف تضع يدها على خصرها كالساحرة الشريرة في الحكايات ترميها بنظرات شزراً صارخة:

"ألمـــــــى...ماذا تفعلين هنا مع الخادمات؟!"


ابتلعت ريقها وأجابت بصوتٍ مرتبك هادئ:

"ألعب معهما خالة سوزي"


"من سمح لك بذلك؟! أنسيتِ أنك ابنة عاصي رضا ؟!"


صُهِرَ قلبيهما بعد أن رمتهما بحممٍ بركانية بتنمرٍ وعنصرية وولّتا مدبرتان إلى والدتهما، أمّا (ألمى) التي اشتعلت غيظاً من زوجة أبيها هتفت بقوةٍ لا تدرك من أين أتتها او ربما كرهها للظلم واحتياجها للأصدقاء ألهمها على ذلك:

" غنى وجنى صديقتاي في القصر وسألعب معهما"


" لا أصدقاء لكِ...أدخلي العبي في غرفتك"


صرخت بعناد:

"كلا...أريد أن العب معهما"


انقضّت عليها كالثور المصاب بصرع ...تمسكها من ذراعها وتسحبها بفظاظة إلى الداخل مستغلّة اعتصام خالتها هذه الأوقات في غرفتها وصرخت بها:

"أيتها الوقحة تعاندينني أنا؟!...سأخبر والدك بذلك"


" لا...لا...أنا آسفة...أرجوكِ لا تخبريه."

قالت جملتها تعلن استسلامها لظلم (سوزي) زوجة أبيها الامرأة الخبيثة الحقودة ...فهي متوسطة الجمال الذي معظمه من المساحيق وعمليات التجميل...تغار من (ألمى) لجمالها الذي ورثته عن أمها ولاهتمام (عاصي رضا) بها فإنها خط أحمر لا يسمح لأحد بتجاوزه...تتربع على عرش قلبه...يفعل المستحيل لحمايتها....
كانت تلك تستغل انشغاله بأعماله ...تهددها وتخوّفها مدّعية بأن والدها سيطرد خالتها (فاتن) إذا علم بتصرفاتها هذه معها...

خالتها(فاتن) هي الحضن الدافئ والنور لظلامها هي نقطة ضعفها...كرّست حياتها للاهتمام بشقيقتها ومن ثمّ بابنتها...ليست جميلة الشكل لكن صفاء روحها وتواضعها وحكمتها تترك اثراً جميلاً لكل من خالطها....
لم تخبر ولا تحدّث أحداً بمعاملة زوجة أبيها لها خوفاً من فقدان خالتها...فهي لا تستطيع المجازفة بها لو كلّفها حياتها لأنها هي الأمل بحياتها مع أنها فتاة شفافة صادقة لا تكتم شيئاً في داخلها....
لقد تزوج (عاصي رضا) بعد وفاة زوجته مباشرةً حيث كان يرسم لذلك سابقاً رغم حبه وعشقه للأولى...لكن الجشع فاق كل المعايير، فـ(سوزي) هي ابنة أحد أبرز أصحاب المناصب الكبيرة الذين يخدمون مصالِحه...

دخلت (ألمى) غرفتها مكسورة الخاطر بعد شجارها مع زوجة أبيها وحرمانها من اللحظات التي أسعدتها...تنقمُ على حياتها...تشعرُ أنها انسانة مبرمجة لتعليمات الآخرين...تفكرُ بقريناتها في المدرسة كيف ينعمن بكامل الحرية...لو كان الأمر بيدها لبدّلت ثروتها بصديقةٍ تحبها....
تراكمت الهموم عليها فأجهشت بالبكاء...

طرقات متتالية على الباب حاولت اخفاءها بصمّ أذنيها تحت مخدتها لا تريد رؤية أحد هذه الساعة...فليتركوها وشأنها...ألا يحق لها حتى في غرفتها أخذ حريتها من دون برمجتهم اللعينة؟!...هل تذهب الى المريخ ليرتاحوا منها ؟! ...لكن يبدو من على الباب يصرّ... ولمّا لم يسمع ردّها دفعه مصمماً لإغاظتها وهذا أكثر ما يغذي أنانيته كوالدته الأفعى...
اقترب منها يلوح بيده التي تحمل اللعبة وهتف باستفزاز:

"انظري ماذا جلبت لي أمي"

رفعت عينيها المحتقنة بالدموع تنظر بألمٍ وحزنٍ ليس لأنها تريد لعبة فغرفتها مرصوصة بالألعاب ...بل لشدة احتياجها لحضن يحميها دون تردد لأم تقاتل العالم من أجلها... أشاحت وجهها عنه بكبرياء ...لا تريد أن ينال مبتغاه...امّا هو كان مصرّاً فأردف ساخراً:

" أمي تحبني وتفعل لي ما أريد وترافقني حيثُ أشاء..."

أطلق ضحكاته يحرك حاجبيه باستفزاز وأضاف:

" أما أنتِ والدك مشغول دائماً ولا يهتم بكِ...كنتِ بالأمس تتبجحين علينا بذهابك إلى مدينة الملاهي...مسكينة ألمى..."

حسناً هي لا تستطيع مواجهة والدته الأفعى لكن هذا الغليظ لن يمنعها عنه أحد...حسمت قرارها بعد أن لم تعد تتمالك نفسها وانقضّت على لعبته المتباهي بها وألقتها بعرض الحائط تكسرها...نظر لأشلاء لعبته مصدوماً ونفخ أوداجه ومد ذراعيه يشدّها من شعرها بغلٍّ وهي تحاول عضّه بأسنانها وتغرز أظافرها بيديه صارخة:

" اتركــــني...اتركـــني"



"كـــــــرم!!"

صرخت خالتها به بعد أن دخلت تتفحص مصدر الأصوات بالقرب من غرفتها...حاولت فضّ نزاعهما وأردفت بنبرة حادة:

"ماذا تفعل في غرفتها ؟!...أخرج ولا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى"


تقف بخبثٍ على الباب تشاهد بصمت حتى تختار اللحظة المناسبة لتتدخل ثم صاحت بحقد:

"ابني يدخل أينما يشاء...هذا قصر والدته وأنتِ دخيلة هنا"


"سأترك لك القصر الكئيب لتشبعي به...لقد سئمت منكم"


"خذيني خالتي أرجوكِ...لا أريد البقاء من دونك"

هتفت (ألمى) بتوسل بعد أن سمعت قرار خالتها(فاتن)

خطَت ببطء اتجاهها وابتسامتها لا تفارق مُحيَّاها ...جثت أمامها القرفصاء تضم كفيها الصغيران بقبضتيها وهمست بصوتٍ حنون:

" عزيزتي ألمى هذا بيتك ...أنت تبقين أينما يتواجد والدك"

لمعت عيناها وقالت بعتاب:

"أين هو أبي؟ أنا لا أراه!! يأتي متأخراً ويذهب باكراً...أرجوكِ خذيني"


" أعدك سآتي لزيارتك والمربية (سهيلة) ستهتم بكِ...اطمئني"

اخفضت رأسها الى الأسفل خضوعاً واستسلاماً ورفعت كفها الصغير تمسح دمعة انزلقت من عينها ثم اولتهم ظهرها وارتمت بجسدها النحيل على فراشها تدثر نفسها به وتتمتم بحسرةٍ مخنوقة:

"اذهبي خالتي...أنا اعلم لا أحد يحبني"


"لا يا صغيرتي...أنا احبك ووالدك يحبك وكذلك الخالة سهيلة تحبك ...ألا نكفي؟!"

همست لها برقةٍ ودنت منها تقبّلها وقالت بحماس لتغير مزاجها:

"هيا الحقي بي الى غرفتي سأعطيك شيئاً كنتُ أخبئه لكِ ريثما تكبرين...لكنني قررت اعطاءه لك الآن..."

قفزت (ألمى) متناسية آلامها كعادتها ,خاصة بعد أن غلبها فضولها وهتفت متحمسة:

"ماذا ستعطيني؟"

ابتسمت لبراءتها وأجابت:

" قلت الحقي بي وستعرفين"

ثم سبقتها تمرّ من جانب (سوزي) تخرج من الباب ترمقها باشمئزاز...

~~~~~~~~~~~~~~~

بعد أن أنهى عمله في شركته توجّه مجدداً الى الغرفة السرية بمرآبها ...ينتظر دحض الخبر من رجليّه اللذين لم يعودا منذ البارحة....
رفع هاتفه يجري اتصالاً سريعاً للمقر على الحدود لكن لا إشارة بسبب تشويشات بالخطوط الأرضية بعد ان تعرضت تلك المنطقة لعدة غارات أدت الى تلفها...
زفرَ أنفاسه المحبوسة طوال اليوم ماسكاً صدغيّه بكفيْه متمتماً بصوته الجهوري:

" يا رب ألّا يكون هذا صحيحاً يا صديقي..."

كان في هذه الغرفة أريكة جانبية قصَدَ الاستلقاء عليها ينتظر مجيء رسوليّه بالخبر اليقين...
غطّ بنومٍ عميقٍ دون إدراك لساعتين بعد أن جافاه ليومين كاملين...

استيقظ على حركة مقبض الباب ففزّ من مكانه بجسده الضخم واتجّه لفتحه بلهفةٍ...
ارتخت اطرافه عنوةً وجرّ قدميه يرتمي مجدداً على اريكته هروباً مما سيسمع بعد أن رأى ثلاثة وجوه شاحبه لا تبشّر في الخير...القى الرجل الثالث الذي رافقهما ليعطيه الحقيقة الصادمة بنفسه وهو من أصدقاء الثوار ومساعدهم على الصعيد الإعلامي والمعنوي دون الخوض بالمعارك:

" البقاء لله اخي (سليم)...إنا لله وإنا إليه راجعون"

امتقع وجهه وابتلع ريقه وبالكاد أخرج صوته بتحشرج يردّ:

"نسأل الله أن يخلفنا خيراً منه"

~~~~~~~~~~~~

غزلت لنا الأيام اسبوعاً كاملاً بعد ولادة شقيقي(شادي) منتظرين قدوم والدي من الحدود بفارغ الصبر...
كان آخر ما وصلنا منذ يومين أن الوضع مستقر في تلك الجهة الغربية على الحدود ولا مناوشات من الخصميْن مما جعلنا نطمئن عليه خصوصاً بعد اعلامنا من السيد (سليم الأسمر) ان انقطاع مكالماته معنا سببه تدمير شبكة الاتصالات الأرضية...
توقُّف إطلاق النار جاء بالتزامن مع توقُّف الامطار الغزيرة التي اغرقت البلاد ...امطار كانون اول...وكأنّهما اتفقا معاً ليعيدا لنا الحياة في مدينتنا الجبلية الخضراء بأشجارها معلنان عن افتتاح مدارسنا بعد اغلاق دام اسبوعين كاملين بفعل الحرب والطقس...
في هذا اليوم بالذات لم يزرني النوم بعد صلاة الفجر من شدة حماسي...ليس فقط لاشتياقي لمقاعد الدراسة ولقاء أصدقائي...إنما لخروجي للحريّة بعد ان كنتُ حبيس البيت وضقت ذرعاً بين حكايات النساء وبكاء شقيقي ودلال شقيقتي المفرط ودون ممارسة أيّ من هواياتي في الخارج...
استعددت مرتديّاً زيّ المدرسة الرسمي الخاص بالثانوية , أمّا الكسولة (دنيا) كانت خالتي تسّرح لها شعرها الترابي المموج وهي مسترسلة بنومها...
حملتُ لها حقيبتها وسحبتها من يدها لأوصلها لمدرستها في طريقي بعد أن تعذّر على سائقنا الخاص الحضور لظرف صحي...

"هيـــه هادي..."

التفتُّ إلى يساري بعد خروجي من البوابة الحديدية الضخمة الخاصة ببيتنا شبيه القلعة عند سماعي صفير ومناداة لاسمي...فكانا (سامي وأحمد) ينتظراني ليرافقاني للمدرسة...

"صباح الخير...ما هذا النشاط؟!"

القيتُ تحيّة الصباح متفاجئاً لوجودهما في هذا الوقت المبكر لأنهما آخر من يدخلان المدرسة بسبب كسلهما ولا مبالاتهما...

ضحك سامي وأشار نحوي هاتفاً:

"انتبه ستقع شقيقتك وهي تغفو متكئة على يدك"

احنيتُ رأسي فوجدتها متشبثة بكفي وتركنُ وجنتها عليه مستمرة بنومها...
ابتسمت ومسّدت وجنتها هامساً:

"دنيا أفيقي..."

اقترب (سامي) بمكرٍ يجثو أمامها ويهزّها على غفلةٍ لتجفل شاهقة وكأنّ دلو ماء بارد أريق عليها وسط قهقهاتهما فزجرت به مؤنباً:

" ماذا فعلت أيها الغليظ؟!...كدت توقف قلبها؟؟"

قال مستنكراً بتهكم ضاحكاً:

"تلك المدللـه يتوقف قلبها؟؟؟!!"

تشبثت أكثر بساقي ترمقه بنظراتٍ ناريةٍ من عينيها العسليّتين وتخرج لسانها بحقدٍ طفوليٍّ فاستقام بوقفته يمطّ ذراعيه للأعلى مضيفاً على تهكمه:

"هيه أنتما الاثنان ألا تتحملان مزاحاً؟!"

ونظر إلى (أحمد) مشيراً بسخريةٍ مصطنعة يتابع عرضه:

"أعان الله من سيتزوج بشقيقته فلسانها طويل ستنغّص عليه عيشته, هذا إن لم يغَلّفها بعبوةٍ من شدة حرصه عليها ويحتفظ بها كالخيار المخلل في أحد أرفف مطبخهم العريق..."

تفحّصت ساعة يدي وضربته بقبضتي على كتفه آمراً بجديّة:

"كفاك ثرثرة...هيا سنتأخر بسببكما"


(سامي) هو أعزّ صديق وتوأمي الروحي رغمَ اختلاف شخصياتنا الظاهر للعيان...
أنا أتّسمُ بالجدّ أسير على خطٍ ثابتٍ وهو بشخصية متقلبة حسب الظروف المحيطة به, أوقات يخيّل لنا أنه يعمل مهرّجاً على مسرح وتارةً يكون بمئة رجل وكأنه ضابطاً بالشرطة...

في اليوم الثاني من المدرسة دقّت عـ قا رب الساعة السابعة صباحاً ودقَّ معها باب البيت بقوةٍ لِتدقّ قلوبنا أملاً بقدوم الغائب أبي وعودته سالماً لنا...
كنتُ أنا الأسرع بينهم من شدة شوقي ولهفتي له, أريد معانقته واخباره عن كل شيء حصل معنا منذ غيابه...
فالعلاقة التي تجمعنا ليست مجرد أب وابنه...نحن كالأشقاء والأصدقاء وأكثر...

فتحتُ الباب وقبضت به جيداً من قوة اهتزازه وجميعهم خلفي...رياح عاتيّة تصطدم بأجسادنا...تلفح وجوهنا...ترفرف ملابسنا...تحاول اقتلاع جذورنا...
وقفنا مذهولين كأنّ على رؤوسنا الطير...أصنام بلا روح...قلب بلا نبضات لرؤية من يقف أمامنا...

فأدركت أنني أصبحتُ رجلاً...


**********( انتهى الفصل الأول )**********
انها المرة الأولى التي أدخل بها عالمك المبدع ياألحان وصراحة أنا لا أكتب ريفيو في الفصل الأول بل أنتظر حتى تتضح لي الشخصيات...فصل اول وشدني بقوة لجماله... براعتك في الكلمات والحبكة التي تبدو قوية منذ البداية جعلني أشعر بأن الرواية رائعة جدا الا يقال الكتاب يبان من عنوانه...
مبارك روايتك الجميلة مباركة متأخرة ياعزيزتي فاعذريني فأنا جدا مقصرة من ناحية الأصدقاء ولكني أتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم
مع حبي
أديلا روز
🧡🧡🧡🧡🧡


Adella rose متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 03:26 PM   #8

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 11,008
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة adella rose مشاهدة المشاركة
انها المرة الأولى التي أدخل بها عالمك المبدع ياألحان وصراحة أنا لا أكتب ريفيو في الفصل الأول بل أنتظر حتى تتضح لي الشخصيات...فصل اول وشدني بقوة لجماله... براعتك في الكلمات والحبكة التي تبدو قوية منذ البداية جعلني أشعر بأن الرواية رائعة جدا الا يقال الكتاب يبان من عنوانه...
مبارك روايتك الجميلة مباركة متأخرة ياعزيزتي فاعذريني فأنا جدا مقصرة من ناحية الأصدقاء ولكني أتمنى لك التوفيق والنجاح الدائم
مع حبي
أديلا روز
🧡🧡🧡🧡🧡
حبيبة قلبي وتؤم روحي روزتى الجميلة

يا هلا وغلا فيك معنا يا اجمل وردة
لقد ازدان شعب لاجئ الجميل بك
فمرحبا بك معنا تحت أشجار الزيتون
وعلى جبل الحان الجميل
نجلس ونتسامر
ونتقهوى ونشرب شاى ومخبوزات وحلويات
وكل الحاجات الحلوة
وطبعا الرواية كما قلتى الجواب يبان من عنوانه
عبارة عن إبداع منقطع النظير
وعندما تتوغلين بالفصول
ستندهشي من روعة الاحداث

سعيدة جدا بوجودك معنا ياقمرى الطيب الجميل


shezo متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-22, 07:25 PM   #9

Adella rose
 
الصورة الرمزية Adella rose

? العضوٌ??? » 449245
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,869
?  نُقآطِيْ » Adella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond reputeAdella rose has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
حبيبة قلبي وتؤم روحي روزتى الجميلة

يا هلا وغلا فيك معنا يا اجمل وردة
لقد ازدان شعب لاجئ الجميل بك
فمرحبا بك معنا تحت أشجار الزيتون
وعلى جبل الحان الجميل
نجلس ونتسامر
ونتقهوى ونشرب شاى ومخبوزات وحلويات
وكل الحاجات الحلوة
وطبعا الرواية كما قلتى الجواب يبان من عنوانه
عبارة عن إبداع منقطع النظير
وعندما تتوغلين بالفصول
ستندهشي من روعة الاحداث

سعيدة جدا بوجودك معنا ياقمرى الطيب الجميل
حبيبتي ياتوأم القلب والروح
لا حرمني الله منك
يكفي وجودك لتنير دنيانا بهجة وجمالا
أحبك جدا 🧡


Adella rose متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-22, 07:59 PM   #10

نورهان الشاعر
 
الصورة الرمزية نورهان الشاعر

? العضوٌ??? » 477398
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 2,786
?  نُقآطِيْ » نورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond reputeنورهان الشاعر has a reputation beyond repute
افتراضي

يا مساء الحب و الألحان الجميلة التي تطرب القلوب....
كم إشتقت لقلمك و إبداعبك حبيبتي، إشتقت إحساسك المختزن بين الكلمات، وجهة نظرك للحياة و طريقة جمعها في قلب فني، مفاجأتك الحلوة و نحن نكتشف بها كل يوم شيئا جديدا منك. و دوما لا نقدر إلا على حبك..رائعة أنت قد فقت كل روعة مبدعة جدا جدا! حروفك تقطر جمالا قد سقيته من نبع قلبك و عطرتيه بروحك الحبيبة.. كنا في إشتياق فرويتينا.. نصبر معك على الفراق لأن وصالك جميل جداً...
الغريب أن القلوب الطيبة مهما نالت من طعنات تمزق ثقتها في أقرب الناس إليها! و تعاهدت أن لا تثق بسرعة تحصينا لقلبها، إلا أنها لا تملك إلا الإنصياع وراء هذا القلب. فالطهر الذي فيه أكبر من خبث العالم! و القلب هو بوصلة المؤمن. إنقادت ألمى خلف الرجل الكبير فدخلت بيتا مختلفا. بسيطا و دافئا. الغريب أنها كانت تستحضر قاتل قلبها مع كل بادرة و كلمة تخرج من الموجودين و كأن روحه تبعتها!
و وصلت بسلام عند مربيتها الحنون سهيلة، تلك التي تحمل ذكراها في قلبها من سنوات بعيدة كانت فيها مرتاحة الروح صافية من الأحزان و المآسي، قبل أن تملك حبا يصعدها لصدر السماء ثم يلقيها أرضا بلا رحمة فشتت كل ما بها و مزق فؤادها العاشق! لم. تكن الا ملاكا بريئا لم يستحق أن تلوثه الأحقاد!
السيدة الطيبة سهيلة قد إستقبلتها بصدر رحب و محب في بيتها، قد لا تجد حلولا لهمومها لكنها دثرتها بعاطفتها المحبة و الصادقة و أحيانا لا نكون أكثر حاجة من ذلك! هي قد إلتمست فيها جمال ما كان و ولى فإبتسمت حنينا لأم لم تراها لكن رأت طيبتها و عظمتها. و سبحان من جمع قلوبهم في الماضي لتعود هذه اليتيمة وحيدة إليهم.
ما أحلى هذيان هادي بحبه! و هو يحمل إنتصاراته و إخفاقاته معا. يحمل إنتصارا ممتدا من زمن الطفولة وقت سرقوا منه هناءه و يتموه ليلقى وحيدا شريدا في ملجئ لم يؤوي قلبه و إن حمل جسده، و يحمل إنكسارات قاسية قد تجدرت في أعماق قلبه العاشق حين إنتفض قلبه يلجأ في سماء ممتدة الأطراف إحتوت روحها و إمتلكتها. فما عاد يدري أيرقص سعيدا مهللا بإنتصاره الكبير أم يسقط دليلا يرثي حبه المتألم! ها هو الإنتصار قد أتى فلما لم بجد فيه اللذة التي حلم بها؟! ذاك أن الإنتقام دوما طعمه مر! و دوما ضحياه من الأبرياء كثر! من شق طريقه في الإنتقام عليه أن يدرك يقينا أنه يحفر قبرين لا قبرا واحدا. سيدفن عدوه و يموت معه.. لتتوزع قبورا عديدا تحتوي أرواحا بريئة و أخرى أثمة.
الأم الطيبة لن تتوقف عن الخوف عن قطعة قلبها مهما كبر و مهما كانت مؤمنة بأقدار الله، فتلك فطرة وضعها الله في القلوب الطيبة،عائشة كبرت بين الحرب و الموت،لكنها ما كانت لتعتاده أبداً.ستظل ترتجف قلقا و خوفا على صغيرها و تتألم أضعاف ألمه إن هو أصيب!
و من غيرها هي نبع الحنان و الدفئ و العطاء ستعرف حال صغير قلبها و إن أخفاه عن الجميع؟كيف ستغض بصرها عن أحزانها الواضحة و قد لقي هو ثمن هذا الإنتقام الذي دفعه بعشقه!سألته كثيرا عن حاله فأصر على أنه بخير إلى أن رمته بإسمها و رغم أن وجهه كسف الحقيقة أصر على التعنت،فواجهته هي بحقيقة واقعة يجب عليها تحريرها إن لم يكن يريدها!و ما زال هو يصر على تأخير حدوث المحتوم ان لم يستطع منعه!
و ما كان لألمى الضعيفة و المحبة إلا أن تحارب بكل طاقتها من أجل أب في نظرها بريء، فتبيع أخر ما تبقى لها تظهر براءته الغير موجودة! قد أخذت بعض القوة و هي تسترجع أنفاسها في منزل السيدة سهيلة لتعود لحربها من جديد بعد أن صارت أبسط مظاهر السلام تسحر قلبها.
و كبر الشبل ليصير أسدا لم يختر إلا أن بخطوا على خطى والده، لم تغريه الأملاك و الجاه و هو لا يختار شيئا إلى ما إختاره له قلبه و إن كان محفوفا بالخطر و مسؤوليات عظيمة. قد تربى مع السلاح و كبر على النظال و ما غرس فينا بالطفولة يرافقنا أخر العمر!
جلست الرجال كانت جميلة و قد تاقت لها القلوب منذ زمن لكن البطل الكبير كان أشقاهم و أتعسهم!
يا إلهي لا أصدق جنون دميا و سامي! سأطلب من أمنية و رائد الإستقالة هناك مجنونين فقاهما! و لم يجد ذلك الخروف غير الضفادع! أنا أكرهها و لو كنت منها لكسرت الغرفة كاملة! حقا من يرى الشرطي الأشقر يظنها عاقلا و هو الجنون يمشي على قدميه! لم أعرف هل أموت ضحكا أم غيظا.
حرام عليك يا حبيبتي أكان ينقص ألمى ألما لتحمل في قلبها ذنبا كهذا بعد جحودها على أمها التي ربتها و هي تظنها مذنبة؟! قسوت جدا عليها فهذا الجرح لن يبرأ أبدا يكفيها عذابا و شقاءا و تيها! لقد تخلت على كل شيء لتعيش في حي فقير بجانب سيدة هي ما ظلت لها في الدنيا. على الأقل كنت جعلت النهاية أقل حدة عليها!
يا روعة ما خطت أناملك يا حبيبتي الغالية و نبض الحب و الوفاء... و ما أحلى كلمات نسمتنا الرائعة التي إفتتحت بها الفصل أذابت صدري!
و ما أسعدني بأن تختمي بكلمات التي إنكمشت حياءا أمام جمال ما خططت.


نورهان الشاعر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:44 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.